[ 380
]
العراقى قال
لا ولكن نصح لى العراق، قال نصر ثم ان عليا " ع " دعا في هذا اليوم هاشم بن عتبة
وكان معه لوائه فقال له يا هاشم حتى متى فقال هاشم لأجهدن ان لا ارجع اليك ابدا "
فقال على " ع " ان بأزائك ذو الكلاع وعنده الموت الأحمر فتقدم هاشم فلما أقبل قال
معاوية من هذا المقبل فقيل هاشم المرقال فقال أعور بنى زهرة قاتله الله فاقبل هاشم
وهو يقول: أعور يبغى نفسه خلاصا " * مثل الفتيق لابسا " دلاصا لا دية يخشى ولا
قصاصا " * كل أمرئ وان نبا وحاصا ليس يرى من يومه مناصا فحمل صاحب لواء ذى الكلاع
وهو رجل من عذرة وقال: يا أعور العين وما بى من عور * اثبت فانى لست من فرعى مضر
نحن اليمانيون ما فينا حور * كيف ترى وقع غلام من عذر ينعى ابن عفان ويلحى من عذر *
سيان عندي من سعى ومن أمر فاختلفا طعنتين فطعنه هاشم فقتله وكثرت القتلى حول هاشم
وحمل ذو الكلاع واختلط الناس فاجتلدوا فقتل هاشم وذو الكلاع جميعا ". قال نصر:
وحدثنا عمر بن شمر عن السدى عن عبد خير الهمداني قال قال هاشم بن عتبة يوم مقتله
ايها الناس إنى رجل ضخم فلا يهولنكم مسقط إذا سقطت فانه لا يفرغ منى في اقل من نحر
جزور حتى يفرغ الجزار من جزرها ثم حمل فصرع فمر عليه رجل وهو صريع بين القتلى
وناداه اقرأ على أمير المؤمنين " ع " السلام وقل بركات الله عليك ورحمته يا أمير
المؤمنين انشدك الا اصبحت وقد ربطت مقاود خيلك بارجل القتلى فان الدبرة تصبح غدا "
لمن غلب على القتلى فاخبر الرجل عليا " " ع " بما قال فسار في الليل بكتائبه حتى
جعل القتلى خلف ظهوره فاصبح والدبرة له على الشام. قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر عن
السدى عن عبد خير قال قاتل هاشم
________________________________________
[ 381
]
الحرث بن
المنذر التنوخى حمل عليه بعد أن أعى وكل وقتل عشرة بيده فطعنه بالرمح فشق بطنه فسقط
وبعث إليه على " ع " وهو لا يعلم اقدم بلوائك فقال للرسول انظر إلى بطني فإذا هو قد
انشق فاخذ الراية رجل من بكر بن وائل ورفع هاشم رأسه فإذا هو بعبيد الله بن عمر بن
الخطاب قتيلا إلى جانبه فحبا حتى دنى منه فعض على ثديه حتى ثبتت فيه انيابه ثم مات
وهو على صدر عبيدالله بن عمرو ضرب البكري فرفع رأسه فابصر عبيد الله بن عمر قريبا "
منه فحبا إليه حتى عض على ثديه حتى ثبتت انيابه فيه ومات أيضا " فوجدا جميعا " على
صدر عبيدالله بن عمر هاشم والبكرى قد ماتا جميعا " ولما قتل هاشم جزع الناس عليه
جزعا " شديدا " واصيب معه عصابة من أسلم من أهل القرى فمر عليهم على " ع " وهم قتلى
حوله اصحابه الذين قتلوا معه فقال: جزى الله خيرا " عصبة أسلمية * صباح وجوه صرعوا
حول هاشم يزيد وعبد الله وبشر ومعبد * وسفيان وابنا هاشم ذى المكارم وعروة لا يبعد
ثناه وذكره * إذا اخترط البيض الخفاف الصوارم (عثمان بن حنيف) بضم الحاء المهملة
وفتح النون والفاء بعد الياء المثناة من تحت ابن واهب ابن الحكم بن تغلبة بن مخدعة
بن الحارث بن عمر الانصاري ثم الأوسى يكنى أبو عمرو وقيل ابا عبد الله كان احد
الأشراف عمل لعمر ثم لأمير المؤمنين " ع " وولاه عمر مساحة الأرضين وجبايتها
بالعراق وضرب الخراج والجزية على أهلها وولاه أمير المؤمنين " ع " على البصرة. قال
الفضل بن شاذان: هو من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المومنين. قال أبو مخنف:
وحدثني الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس ان الزبير وطلحة اجد السير بعائشة حتى
انتهوا إلى حفر ابى موسى الأشعري وهو قريب من البصرة وكتبا إلى عثمان بن حنيف
الانصاري وهو عامل على " ع " على البصرة
________________________________________
[ 382
]
ان خل لنا
دار الامان فلما وصل كتابهما إليه بعث إلى الأحنف بن قيس ان هؤلاء القوم قدموا
علينا ومعهم زوجة رسول الله والناس إليها سراع كما ترى فقال الأحنف بن قيس انهم
جاؤك بها للطلب بدم عثمان وهم الذين البوا على عثمان الناس وسفكوا دمه واراهم والله
لا يزايلونا حتى يلقوا العداوة بيننا ويسفكوا دماءنا واظنهم والله سيركبون منك خاصة
ما لا قبل لك به ان تتأهب لهم بالنهوض إليهم فيمن معك من أهل البصرة فانك اليوم
الوالى عليهم وأنت فيهم مطاع فسر إليهم بالناس وبادرهم قبل ان يكونوا معك في دار
واحدة فتكون الناس لهم اطوع منهم لك فقال عثمان بن حنيف الراى ما رأيت لكنى اكره
الشر وأن أبدأهم به وارجوا العافية والسلامة الى ان يأتيني كتاب أمير المؤمنين " ع
" ورأيه فاعمل به ثم اتاه بعد الأحنف حكيم بن جبلة العبدى من بنى عمرو بن وديعة
فاقرأه كتاب طلحة والزبير فقال له مثل قول الأحنف واجابه عثمان بمثل جوابه للأحنف
فقال له حكيم فاذن لى حتى اسير إليهم بالناس فإن دخلوا في طاعة أمير المؤمنين " ع "
وإلا نابذتهم على سواء فقال عثمان لو كان ذلك رأى لسرت إليهم بنفسى قال حكيم اما
والله ان دخلوا عليك هذا المصر لينقلن قلوب كثير من الناس إليهم ولينزلك عن مجلسك
هذا وأنت أعلم فابى عليه عثمان قال وكتب على " ع " إلى عثمان ما بلغه مشارفة القوم
البصرة من عبد الله على أمير المؤمنين إلى عثمان بن حنيف اما بعد فان البغاة عاهدوا
الله ثم نكثوا وتوجهوا إلى مصرك وساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضى الله والله اشد
بأسا " واشد تنكيلا فإذا قدموا عليك فادعهم إلى الطاعة والرجوع إلى الوفاء بالعهد
والميثاق الذى فارقونا عليه فان اجابوا فاحسن جوارهم ماداموا عندك وان أبوالا لتمسك
بحبل النكث والخلاف فناجزهم القتال حتى يحكم الله بينك وبينهم وهو خير الحاكمين
وكتبت كتابي هذا من الربذة وانا معجل المسير اليك ان شاء الله وكتب عبيد الله بن
أبى رافع في سنة ست وثلاثين قال فلما وصل كتاب على " ع " إلى عثمان ارسل إلى أبى
الأسود الدئلى وعمران بن
________________________________________
[ 383
]
الحصين
الخزاعى فامرهما ان يسيرا حتى ياتياه بعلم القوم وما الذى أقدمهم فانطلقا حتى اتيا
حفر ابى موسى وبه معسكر القوم فدخلا على عائشة وسئلاها ووعظاها واذكراها وناشدها
الله فقلت لهما ألقيا طلحة والزبير فقاما من عندها ولقيا الزبير فكلماه فقال لهما
انا جئنا للطلب بدم عثمان وندعوا الناس إلى أن يؤدوا أمر الخلافة شورى ليختار الناس
لانفسهم فقالا له ان عثمان لم يقتل بالبصرة ليطلب دمه فيها وأنت تعلم قتلة عثمان من
هم واين هم وانت صاحبك وعائشة كنتم اشد الناس عليه واعظمهم اغراء بدمه فاقيدوا من
انفسكم واما اعادة أمر الخلافة شورى فكيف وقد بايعتم عليا " طائعين غير مكرهين وأنت
يا ابا عبد الله لن يبعد العهد بقيامك دون الرجل يوم مات رسول الله وأنت آخذ قائم
سيفك تقول ما احد احق بالخلافة منه ولا أولى بها منه وامتنعت من بيعة أبى بكر فاين
ذلك الفعل من هذا القول فقال لهما اذهبا فالقيا طلحة فقاما إلى طلحة فوجداه خشن
الملمس شديد العريكة قوى العزم في اثارة الفتنة واضرام نار الحرب فانصرفا إلى عثمان
بن حنيف فاخبراه وقال له أبو الأسود: يابن حنيف قد اتيت فانفر * وطاعن القوم وجالد
واصبر وابرز لها مستلثما " وشمر فقال ابن حنيف أي والحرمين لافعلن وامر مناديه
فنادى بالناس السلاح السلاح فاجتموا إليه وقال أبو الأسود شعرا ": واحسن قوليهما
فادح * يضيق به الخطب مستنكد وقد أو عدونا بجهد الوعيد * فاهون علينا بما أو عدوا
فقلنا ركضتم ولم ترملوا * واصدرتم قبل ان توردوا فان تلقحوا الحرب بين الرجال *
فملقحها جده، الانكد وان عليا لكم مصحر * ألا انه الاسد الاسود اما انه ثالث
العابدين * بمكة والله لا يعبد
________________________________________
[ 384
]
فرخوا
الخناق ولا تعجلوا * فان غدا " لكم وعد قال: وأقبل القوم فلما أنتهوا إلى المربد
قام رجل من بنى جشم فقال أيها الناس انا فلان الجشمى وقد اتاكم هؤلاء القوم فان
كانوا أتوكم خائفين لقد أتوكم من المكان الدى يأمن فيه الطير والوحش والسباع وان
كانوا إنما أتوكم بطلب دم عثمان فغير ناولى قتله فاطيعوني أيها الناس وردوهم من حيث
أقبلوا فانكم ان تفعلوا تسلموا من الحرب الضروس والفتنة الصماء التى لا تبقى ولا
تذر قال فحضر ناس من أهل البصرة إلى المربد حتى ملاؤه مشاة وركبانا فقام طلحة فاشار
إلى الناس بالسكوت ليخطب فسكتوا بعد جهد. قال اما بعد فان عثمان بن عفان كان من أهل
السابقة والفضيلة ومن المهاجرين الأولين الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه فنزل القرآن
ناطقا " بفضلهم وأحد أئمة المسلمين الوالين عليكم بعد أبى بكر وعمر صاحبي رسول الله
صلى الله عليه وآله وقد كان احدث احداثا " نقمناها عليه فاعتبنا فعدا عليه من ابتز
هذه الامة أمرها غصبا " بغير رضى منها ولا مشورة فقتله وساعده على ذلك قوم غير
اتقياء ولا ابرار فقتل محرما " بريئا " تائبا " وقد جئناكم أيها الناس تطلب بدم
عثمان وندعوكم إلى الطلب بدمه فان نحن امكننا الله من قتلته قتلناهم به وجعلنا هذا
الامر مشورة بين المسلمين وكانت خلافته رحمة للأمة جميعا " فان كل من اخذ الامر عن
غير رضى من العامة ولا مشورة منها ابتزازا كان ملكه ملكا " عضوضا وحدثا كبيرا " ثم
قام الزبير فتكلم بمثل كلام طلحة فقام اليهما ناس من أهل البصرة فقالوا لهما لم
تبايعا عليا " ع " فيمن بايعه ففيم بايعماثم نكثتما ؟ فقالا بايعناه وما لاحد في
اعناقنا بيعة وإنما استكرهنا على بيعته فقال ناس قد صدقا واحسنا القول وقطعا
بالصواب وقال ناس ما صدقا ولا أصابا بالقول حتى أرتفعت الاصوات قال ثم أقبلت عائشة
على جملها فنادت بصوت مرتفع أيها الناس اقلوا واسكتوا فاسكت الناس لها فقالت ان
أمير المؤمنين عثمان قد غير وبدل ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا
وإنما نقموا عليه ضربه
________________________________________
[ 385
]
بالسوط
وتأمير الشبان وحماية موضع الغمامة فقتلوه محرما في حرمة الشهر وحرمة البلد ذبحا "
كما يذح الجمل ألا وان قريشا رمت غرضها بنبالها وادمت افواهها بايديها وما نالت
بقتلها اياه شيئا " وسلكت به سبيلا قاصدا " اما والله ليرونها بلايا عقيمة تنبه
النائم وتقيم الجالس وليسلطن عليهم قوم لا يرحمونهم يسومونهم سوء العذاب انه ما بلغ
من ذنب عثمان ما يستحل به دمه مصتموه كما يماص الثوب الرخيص ثم عدوتم عليه فقتلتموه
بعد توبته وخروجه من ذنبه وبيعتم ابن أبى طالب بغير مشورة من الجماعة ابتزازا وغصبا
" أتروني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه ولا أغضب لعثمان من سيوفكم إلا ان عثمان قتل
مظلوما " فاطلبوا قتلته فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثم اجعلوا الامر شورى بين الرهط
الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان، قال
فماج الناس واختلطوا فمن فائل القول ما قالت ومن قائل يقول وما هي وهذا الامر إنما
هي أمرأة مأمورة بلزوم بيتها وارتفعت الاصوات وكثر اللغط حتى تضاربوا بالنعال
وتراموا بالحصى ثم ان الناس تمايزوا فصاروا فريقين فريق مع عثمان بن حنيف وفريق مع
عائشة وأصحابها. قال أبو مخنف: فلما أقبل طلحة والزبير من المربد يريد ان عثمان بن
حنيف فوجداه وأصحابه قد أخذوا بأفواه السكك فمضوا حتى أنتهوا إلى موضع الدباغين
فاستقبلهم أصحاب ابن حنيف فشجرهم طلحة والزبير وأصحابهما بالرماح فحمل عليهم حكيم
بن جبلة فلم يزل هو وأصحابه يقاتلونهم حتى أخرجوه من جميع السكك ورماهم النساء من
فوق البيوت بالحجارة فاخذوا إلى مقبرة بنى مازن فوقفوا بها مليا حتى ثابت إليهم
خيلهم ثم أخذوا على مسناة البصرة حتى انتهوا إلى الرابوقة ثم أتوا السبخة دار الرزق
فنزلولها وأتاهما عبد الله بن حكيم التميمي لما نزلا السبخة بكتب كانا كتباها إليه
فقال لطلحة يا ابا محمد ما هذه كتبك الينا قال بلى، قال فكتبت بالأمس تدعونا إلى
خلع عثمان وقتله حتى إذا قتلته اتيتنا ثائرا " بدمه فلعمري
________________________________________
[ 386
]
ما هذا رأيك
ولا تريد إلا هذه الدنيا مهلا إذا كان هذا رأيك فلم قبلت من على ما عرض عليك من
البيعة فبايعته طائعا راضيا ثم نكثت بيعتك ثم جئت لتدخلنا في فتنتك فقال ان عليا "
دعاني إلى بيعته بعدما بايعه الناس فعلمت إنى لو لم اقبل ما عرض على لم يتم لى ثم
بغري بى من معه. ثم أصبحا من غد فصفا للحرب وخرج عثمان بن حنيف اليهما في أصحابه
فناشدهما الله والإسلام واذكرهما بيعتهما عليا " ع " فقالا نحن نطلب بدم عثمان فقال
لهما وما انتما وذاك اين بنوه وابن عمه الذين هم أحق به منكم كلا والله ولكنكما حسد
تماه حيث اجتمع الناس عليه وكنتما ترجو ان هذا الأمر وتعملان له وهل كان احد اشد
الناس على عثمان منكما فشتماه شتما قبيحا وذكرا امه فقال للزبير اما والله لولا
صفية ومكانها من رسول الله فانها ادنتك إلى الظل وان الامر بينى وبينك يابن الصعبه
يعنى طلحة اعظم من القول لأعلمتكما من أمركما ما يسوؤكما اللهم إنى قد أعذرت إلى
هذين الرجلين ثم حمل عليهم واقتتل الناس قتالا شديدا ثم تحاجزوا واصطلحوا على ان
يكتب بينهما كتاب صلح فكتب هذا ما اصطلح عليه عثمان بن حنيف الانصاري ومن معه من
المؤمنين من شيعة على بن أبى طالب وطلحة والزبير ومن معهما من المسلمين من شيعتهما
ان لعثمان بن حنيف دار الامارة والرحبة والمسجد وبيت المال والمنبر وان لطلحة
والزبير ومن معهما ان ينزلوا حيث شاؤا من البصرة ولا يضار بعضهم بعضا في طريق ولا
فرضة ولا سوق ولا شريعة ولا مرفق حتى يقدم أمير المؤمنين على بن أبى طالب فان أحبوا
دخلوا فيما دخلت فيه الأمة وان أحبوا ألحق كل قوم بهواهم وما احبوا من قتال أو سلم
أو حروج أو اقامة وعلى الفريقين بما كتبوا عهد الله وميثاقه واشد ما اخذه على نبى
من انبيائه من عهد وذمة وختم الكتاب ورجع عثمان حنيف حتى دخل دار الامارة وقال
لاصحابه الحقوا رحمكم الله باهلكم وضعوا سلاحكم وداووا جرحاكم فمكثوا كذلك اياما ثم
ان طلحة والزبير قال ان قدم على " ع " ونحن على هذه الحالة من الضعف والقلة
________________________________________
[ 387
]
ليأخذن
بأعناقنا فاجمعا على مراسلة القبائل واستمالة العرب فارسلا إلى وجوه الناس وأهل
الرياسة والشرف يدعونهم إلى الطلب بدم عثمان وخلع على " ع " واخراج ابن حنيف من
البصرة فبايعهم على ذلك الأزد وضبة وقيس بن عيلان كلها الا الرجل والرجلين من
القبيلة كرهوا أمرهم فتواروا عنهم وارسلوا إلى هلال ابن وكيع التميمي فلم يأتهم
فجائه طلحة والزيبر إلى داره فتوارى عنهما فقالت له امه ما رأيت مثلك اتاك شيخا
قريش فتواريت عنهما فلم تزل به حتى ظهر لهما وبايعهما ومعه بنو عمرو بن تميم كلهم
وبنو حنظلة إلا بنى يربوع فان عامتهم كانوا شيعه لعلى " ع " وبايعهم بنو دارم كلهم
إلا نفرا " من بنى مجاشع ذوى دين وفضل فلما استوسق لطلحة والزبير امرهما خرجا في
ليلة مظلمة ذات ريح ومطر ومعهما أصحابهما قد لبسوا الدروع وظاهروا فوقها بالثياب
فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه وإقيمت الصلاة
فتقدم عثمان ليصلى بهم فاخره أصحاب طلحة والزبير فقدموا الزبير فجاءت السبابحة وهم
الشرط حرس بيت المال فاخروا الزبير وقدموا عثمان فغلبهم أصحاب الزبير فقدموه وأخروا
عثمان فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس ان تطلع وصاح بهم أهل المسجد ألا تتقون أصحاب
محمد وقد طلعت الشمس فغلب الزبير فصلى بالناس فلما فرغ من صلاته صاح باصحابه
المتسلحين أن خذوا عثمان فاخذوه بعد ان تضارب هو ومروان بن الحكم بسيفيهما فلما أسر
ضرب ضرب الموت ونتف حاجباه واشفار عينيه وكل شعرة من رأسه ووجهه وأخذوا السبابجة
وهم سبعون رجلا فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة فقال لابان بن عثمان أخرج
إليه فاضرب عنقه فان الانصار قتلت اباك واعانت على قتله فنادى عثمان يا عائشة ويا
طلحة ويا زبير ان أخى سهل بن حنيف خليفة على بن أبى طالب على المدينة واقسم بالله
ان قتلتموني ليضعن السيف في بنى أبيكم ورهطكم وأهلكم فلا يبقى أحدا " منكم فكفوا
عنه وخافوا ان يوقع سهل بن حنيف بعيالاتهم وأهم بالمدينة فتركوه وأرسلت
________________________________________
[ 388
]
عائشة إلى
الزبير ان أقتل السبابحة فانه بلغني الذى صنعوا بك فذبحهم والله الزبير كما تذبح
الغنم وولى ذلك منهم عبد الله ابنه وهم سبعون رجلا وبقيت طائفة مستمسكين ببيت المال
قالوا لا ندفعه اليكم حتى يقدم أمير المؤمنين " ع " فسار إليهم الزبير في جيش ليلا
فاوقع بهم واخذ منهم خمسين أسيرا " فقتلهم صبرا ". قال أبو مخنف وحدثنا الصقعب بن
زهير قال كانت السبابحة القتلى يومئذ أربعمائة رجل وقال كان غدر طلحة والزبير
بعثمان بن حنيف أول غدر كان في الإسلام وكانت السبابجة أول قوم ضربت أعناقهم من
المسلمين صبرا، قال وخيروا عثمان بن حنيف بين أن يقيم أو يلحق بعلى " ع " فاختار
الرحيل فخلوا سبيله فلحق بعلى " ع " فلما رآه بكى وقال له فارقتك شيخا وجئتك أمردا
" فقال على " ع " إنا لله وإنا إليه راجعون. قالها ثلاثا قلت السبابجة بالسين
المهملة والباء المثناة من تحت وبعد الالف باء موحدة وبعدها جيم ثم هاء لفظة معربة
قد ذكرها الجوهرى في كتاب الصحاح قال هم قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة وحراس
السجن والهاء المعجمة والنسب قال يزيد بن مفرغ الحميرى: وطماطيم من سبابج خزر *
يلبسوني مع الصباح القيودا وسكن عثمان بن حنيف الكوفة بعد وفاة على " ع " ومات بها
في زمن معاوية. (سهل بن حنيف بن واهب) يكنى ابا محمد اخو المذكور قبله كان بدريا
جليلا من خيار الصحابة وأبلى في أحد بلاء حسنا. قال الواقدي يروى ان سهل بن حنيف
جعل ينضح بالنبل عن رسول الله ذلك اليوم فقال صلى الله عليه وآله نبلوا سهلا فانه
سهل يقال نبلت الرجل بالتشديد وانبلته بالهمزة إذا ناولته النبل ليرمى به. وذكر أبن
هشام في سيرته قال كان على بن أبى طالب " ع " يقول كانت
________________________________________
[ 389
]
بقبا امرأه
لا زوج لها مسلمة قال فرأيت انسانا " يأتيها في جوف الليل فيضرب عليها بابها فتخرج
إليه فيعطيها شيئا " معه فتأخذه فاستبرت لشأنه فقلت لها يا امة الله من يضرب عليك
بابك كل ليلة فتخرجي إليه فيعطيك شيئا " لا أدرى ما هو وأنت أمرأة مسلمة لا زوج لك
قالت هذا سهل بن حنيف بن واهب قد رأني أمرأة لا احد لى فإذا امسى عدا على أوثان
قومه فكسرها فجائني بها فقال احتطبي بها فكان على " ع " يأثر ذلك من أمر سهيل بن
حنيف حتى هلك عنده بالعراق. قال الفضل بن شاذان: ان سهل بن حنيف من السابقين الذين
رجعوا إلى أمير المؤمنين وعده البرقى مع أخيه عثمان في شرطة الخميس وولاه أمير
المؤمنين واستخلفه عليها لما خرج لقتال الناكثين ثم شهد معه صفين وكان من أحب الناس
إليه عليه السلام. وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين: ان أمير المؤمنين " ع " لما
اراد المسير إلى أهل الشام استشار من معه من المهاجرين والانصار في ذلك فاجابه
جماعة من الصحابة وكان ممن تكلم في ذلك اليوم سهل بن حنيف فانه قام فحمد الله واثنى
عليه ثم قال يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت وراينا رأيك ونحن
كف يمينك وقد رأينا رأيك ان تقوم في هذا الامر بأهل الكوفة وتأمرهم بالشخوص وتخبرهم
بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل فانهم هم أهل البلد وأهل الناس فان استقاموا لك
استقام لك ما تريد وتطلب. واما نحن فليس عليك منا خلاف متى دعوتنا اجبناك ومتى
أمرتنا اطعناك. وروى أبو مخنف: قال لمال نزل على " ع " ذا قار كتبت عائشة من البصرة
إلى حفصة بنت عمر وهى بالمدينة اما بعد فانى أخبرك ان عليا " ع " قد نزل ذا قار
واقام بها مرعوبا " خائفا " لما بلغه من عدتنا وجماعتنا فهو بمنزلة الاشتر إن تقدم
عقروان تأخر نحر فدعت حفصة جواري لها يغنين ويضربن بالدفوف فأمرتهن ان يقلن في
غنائهن:
________________________________________
[ 390
]
ما الخبر ما
الخبر على في سفر * كالفرس الأشتر إن تقدم عقروان تأخر نحر وجعلت بنات الطلقاء
يدخلن على حفصة ويجتمعن لسماع ذلك الغناء فبلغ ام كلثوم بنت على " ع " فلبست جلا
بيبها ودخلت عليهن في نسوة متنكرات ثم اسفرت عن وجهها فلما عرفتها حفصة خجلت
واسترجعت فقالت ام كلثوم لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل
فانزل الله تعالى فيكما ما انزل، فقالت حفصة كفى رحمك الله وأمرت بالكتاب فمزق
واستغفرت الله. قال أبو مخنف: روى هذا الخبر جرء بن بديل عن الحكم ورواه الحسن بن
دينار عن الحسن البصري وذكر الواقدي مثل ذلك وذكر المدائني أيضا " مثله فقال سهل بن
حنيف في ذلك شعرا ": عذرنا الرجال بحرب الرجال * فما للنساء وما للسباب اما حسبنا
ما اتتنا به * - لك الخير - من هتك ذاك الحجاب ومخرجها اليوم من بيتها * يعرفها
الذئب نبح الكلاب إلى ان اتانا كتاب لها * مشوم فيا قبح ذاك الكتاب وتوفى سهل
بالكوفة بعد مرجعه من صفين مع أمير المؤمنين " ع " سنة ثمان وثلاثين فوجد عليه أمير
المؤمنين وجدا " كثيرا " قال لو احبني جبل لتهافت. قال السيد الرضى (ره): ومعنى ذلك
ان المحبة تعلظ عليه فتسرع المصائب إليه ولا يفعل ذلك الا بالاتقياء الابرار
المصطفين الاخيار. روى الكشى باسناده عن الحسن بن زيد قال كبر على على سهل بن حنيف
سبع تكبيرات وقال " ع " لو كبرت عليه سبعين تكبيرة لكان اهلا. قال الصادق " ع " قال
كبر أمير المومنين على سهل بن حنيف وكان بدريا خمس تكبيرات ثم مشى ساعة ثم وضعه
وكبر عليه خمس تكبيرات اخرى يصنع ذلك حتى كبر عليه خمسا " وعشرين تكبيرة. وفى خبر
عقبة: ان الصادق " ع " قال اما بلغكم ان رجلا صلى عليه على " ع "
________________________________________
[ 391
]
فكبر عليه
خمسا " حتى صلى عليه خمس صلوات وقال انه بدرى عقبى احدى من النقباء الأثنى عشر وله
خمس مناقب وصلى عليه لكل منقبة صلوة. وخبر ابى بصير عن جعفر " ع " قال كبر رسول
الله صلى الله عليه وآله على حمزة (ره) سبعين تكبيرة وكبر على " ع " عندكم على سهل
بن حنيف خمسا " وعشرين تكبيرة كلما أدركه الناس قالوا يا أمير المؤمنين لم ندرك
الصلاة على سهل فيضعه ويكبر حتى انتهى إلى قبره خمس مرات (حكيم بفتح الحاء الممهلة
بن جبلة العبدى) من بنى غنم بن وديعة بن لكيز عده أبو عمرو بن عبد البر والفيروز
ابادى وغيرهما من العلماء في الصحابة كان رجلا صالحا " شجاعا " مذكورا " مطاعا " في
قومه أرسله عثمان بن عفان حاكما " على السند في ايام خلافته فلم يلبث ان انقلب
راجعا " عنها كارها لولايتها وجاء إلى عثمان فسأله عنها فقال ماؤها وشل ولصها بطل
وثمرها دقل وسهلها جبل ان كثر الجند بها جاعوا وان قلوا ضاعوا. ويروى ان هذا الكلام
قال عبد الله بن عامر لعثمان لما سأله عن السند. وفى ربيع الأبرار للزمخشري ان
الحجاج سأل ابن القعبان عن كرمان فاجابه بهذا الجواب والله أعلم. وكان حكيم المذكور
احد من شنع على عثمان لسوء أعماله وهو من خيار أصحاب أمير المؤمنين " ع " مشهور
بولائه والنصح له. وفيه يقول أمير المؤمنين على ما ذكره ابن عبد ربه في العقد
الفريد: دعا حكيم دعوة سميعة * نال بها المنزلة الرفيعة وقد ذكرنا طرفا من قتاله
للزبير وطلحة في ترجمة عثمان بن حنيف. قال أبو مخنف: لما بلغ حكيم بن جبلة ما صنع
القوم يعنى الزبير وطلحة واصحابهما بعثمان بن حنيف خرج في ثلاثمائة من عبد القيس
مخالفا " لهم ومنابذا " فخرجوا إليه وحملوا عائشة على جمل فسمى ذلك اليوم يوم الجمل
الأصغر ويوم
________________________________________
[ 392
]
على " ع "
يوم الجمل الاكبر وتجالد الفريقان بالسيوف فشد رجل من الأزد من عسكر عائشة على حكيم
بن جبلة فضرب رجله فقطعها ووقع الازدي عن فرسه فجئا حكيم فاخذ رجله فرمى بها الازدي
فصرعه ثم دب إليه فقتله متكئا " عليه خانقا " له حتى زهقت نفسه فمر بحكيم انسان وهو
يجود بنفسه فقال من ضربك قال وسادتي فنظر فإذا الازدي تحته وكان حكيم شجاعا "
مذكورا " قال وقتل مع حكيم أخوة له ثلاثة وقتل أصحابه كلهم وهم ثلاثمائة من عبد
القيس والقليل من بكر بن وائل. والعبدى: منسوب إلى عبد القيس بن اقصى بن زعمي بن
جديلة بن اسد بن ربيعة (خالد بن سعيد بن العاص) ابن أمية بن قصى بن كلاب بن مرة بن
كعب بن لوى من السابقين الاولين إلى الإسلام وأسلم هو وأمرأته أمينة بنت خلف بن
أسعد الخزاعية لرؤيا رأها وروى عنه أنه قال رأيت كأنى واقف على شفا حفرة من النار
فجاء أبى يريد ان يلقيني فيها فإذا انا برسول الله صلى الله عليه وآله قد اخذ
بمجامع ثوبي وجذبني إليه وهو يقول إلى إلى لا تلقى في النار فانتبهت فزعا " من
منامي وقلت والله ان رؤياي هذه لحق فخرجت أريد رسول الله صلى الله عليه وآله فوافقت
ابا بكر في الطريق فسألني عن شأني فاخبرته بما رأيت فوافقني فذهبت إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله واسلمت انا وأبو بكر في يوم واحد ولما بلغ خبر اسلامه اباه سعيد
أرسل بقية أولاده في طلبه فجاؤا به فتلقاه بكل مكروه ثم أخرجه من داره وقال لأخوانه
أمنعوه القوت ولا تكلموه ولا تجالسوه فتبرأ خالد أيضا " من أبيه وقال ان الله الذى
هداني للإسلام ساق لى رزقي وذهب إلى رسول الله وأخبره بما جرى عليه من أبيه ولم يزل
عند رسول الله يتغدى ويتعشى عنده حتى هاجر المسلمين إلى الحبشة فهاجر معهم بأمرأته
وولدت له بأرض الحبشة ولده سعيد بن خالد وآمنة بنت خالد وهاجر أيضا " أخوه عمرو بن
سعيد بن العاص ولما قدم جعفر بن أبى طالب " ع " على
________________________________________
[ 393
]
رسول الله
يوم فتح خيبر قدما معه وشهدا مع رسول الله فتح مكة وحنين والطائف وتبوك ثم استعمل
رسول الله خالدا على صدقات اليمن واخاه أيضا " ابانا على البحرين وعمرا " على تيماء
وخيبر ولم يزالوا على ذلك حتى قبض رسول الله فلما بلغهم استخلاف أبى بكر بعد رسول
الله تركوا اعمالهم وعادوا إلى المدينة فقال لهم أبو بكر كيف تركتم اعمالكم فقال
خالد رأينا ان لا نعمل لأحد بعد رسول الله ولم يبايعوا ابا بكر حتى بايع بنو هاشم.
وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهرى في كتاب السقيفة باسناده عن عبد الله بن
أبى أوفى الخزاعى قال كان خالد بن سعيد بن العاص من عمال رسول الله على اليمن فلما
قبض رسول الله جاء إلى المدينة وقد بايع الناس ابا بكر فاحتبس عن أبى بكر فلم
يبايعه اياما " وقد بايع الناس واتى بنى هاشم فقال أنتم الظهر والبطن والشعار دون
الدثار والعصى دون اللحاء وإذا رضيتم رضينا وإذا سخطتم سخطنا حدثوني ان كنتم قد
بايعتم هذا الرجل قالوا نعم قال على برد ورضى من جماعتكم قالوا نعم قال فانا ارضى
وأبايع إذا بايعتم اما والله يا بنى هاشم انكم الطوال الشجر الطيبوا الثمر ثم انه
بايع ابا بكر وبلغت ابا بكر فلم يحفل بها واضطغنها عمر عليه فلما ولاه أبو بكر
الجند الذى استنفره إلى الشام قال له عمر أتولى خالدا " وقد حبس عنك بيعته وقال
لبنى هاشم ما قال وقد جاء بورق من اليمن وعبيد وحبشان ودروع ورماح ما أرى ان توليه
وما آمن خلافه فانصرف عنه أبو بكر وولى ابا عبيدة بن الجراح. وروى أبو بكر أيضا قال
حدثنا يعقوب عن أبى النضر عن محمد بن راشد عن مكحول ان رسول الله صلى الله عليه
وآله استعمل خالد بن سعيد بن العاص على عمل فقدم بعد ما قبض النبي وقد بايع الناس
ابا بكر فدعاه إلى البيعة فقال عمر دعني واياه فمنعه أبو بكر حتى مضت عليه سنة ثم
مر به أبو بكر وهو جالس على بابه فناداه خالد يا ابا بكر هل لك في البيعة ؟ قال نعم
فادن فدنى منه فبايعه خالد وهو قاعد على بابه.
________________________________________
[ 394
]
وروى ابان
بن تغلب عن أبى عبد الله جعفر بن محمد الصادق " ع " ان خالد بن سعيد أول من تكلم
على أبى بكر وانكر عليه وقال له اتق الله يا ابا بكر فقد علمنا ان رسول الله قال
ونحن محتوشوه يوم بنى قريضة حين فتح الله له وقد قتل على " ع " يومئذ عدة من صناديد
رجالهم واولى البأس والنجدة منهم يا معاشر المهاجرين والانصار إنى موصيكم بوصية
فاحفظوها وموعدكم امرا " فاحفظوه الا ان عليا " أميركم وخليفتي فيكم بذلك أوصاني
ربى الا وانكم ان لا تحفظوا فيه وصيتى وتوازروه وتنصروه اختلفتم في احكامكم واضطرب
عليكم أمر دينكم ووليكم اشراركم الا ان أهل بيتى هم الوارثون لأمرى والعاملون بأمر
امتى من بعدى اللهم من اطاعني فيهم من أمتى وحفظ فيهم وصيتى فاحشرهم في زمرتي واجعل
لهم نصيبا " من مرافقني يدركون به نور الآخرة اللهم ومن اساء خلافتي في أهل بيتى
فاحرمه الجنة التى عرضها كعرض السموات والأرض فقال له عمر بن الخطاب اسكت يا خالد
فلست من أهل المشورة ولا ممن يقتدى برأيه بل اسكت أنت يابن الخطاب فإنك تنطق على
لسان غيرك وايم الله لقد علمت قريش إنك من ألأمها حسبا " وادناها منصبا " واخسها
قدرا " واخملها ذكرا " واقلهم غناء عن الله ورسوله وإنك لجبان في الحروب بخيل في
المال لتيم العنصر مالك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر وإنك في هذا الأمر
بمنزلة الشيطان إذ قال للأنسان اكفر فلما كفر قال إنى برئ منك انى اخاف الله رب
العالمين فكان عاقبتهما انهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين فابلس عمر
وحبس خالد بن سعيد. ولما بعث أبو بكر البعوث إلى الشام خرج معهم خالد هو وأخوته
وغلمانه ومن معه فقتل بمرج الصفر بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء موضع بغوطة دمشق
كان به وقعة المسلمين على الروم كان واقفا " في جماعة من المسلمين في ميمنة الناس
فحملت طائفة من الروم عليه فقاتلهم حتى قتل. وقيل خرج في يوم مطير يستمطر فيه فعدا
عليه اعلاج الروم فقتلوه مع
________________________________________
[ 395
]
جماعة من
المسلمين. وكانت وقعة (مرج الصفر) سنة أربع عشرة وقيل ثلاث عشرة. قال أبو أمامة
فيما روى عنه كان بين اجنادين وبين مرج الصفر عشرون يوما " قال فحسبت ذلك فوجدته
يوم الخميس لأثنى عشر ليلة بقيت من جماد الآخرة قبل وفاة أبى بكر باربعة ايام والله
أعلم بالصواب. (الوليد بن جابر بن ظليم الطائى) قال أبو عبيدة محمد بن موسى بن
عمران المرزبانى كان الوليد ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله فاسلم ثم صحب
عليا " " ع " وشهد معه صفين وكان من رجاله المشهورين ثم وفد على معاوية في
الاستقامة وكان معاوية لا ينسبه معرفة بعينه فدخل عليه في جملة الناس فلما استنسبه
فانتسب له فقال له أنت صاحب ليلة الهرير قال نعم قال والله ما تخلوا مسامعي من رجزك
وقد علا صوتك صوت الناس وأنت تقول. شدوا فداء لكم اما واب * فانما الامر غدا لمن
غلب هذا ابن عم والمصطفى المنتجب * تنميه للعلياء سادات العرب ليس بموصوم إذا نص
النسب * اول من صام وصلى واقترب قال نعم انا قائلها قال فلما ذا قلتها قال لأنا كنا
مع رجل لا نعلم خصلة توجب الخلافة ولا فضيلة تصير إلى التقدمة الا وهى مجموعة له
كان أول الناس سلما واكثرهم علما وارجحهم حلما فات الجياد فلا يشق غباره واستولى
على الامد فلا يخاف عثاره وأوضح منهج الهدى فلا يبيد مناره وسلك القصد فلا تدرك
اثاره فلما ابتلانا الله بافتقاده وحول الامر إلى من يشاء من عباده دخلنا في جملة
المسلمين فلا تنزع يدا من طاعة ولم نصدع صفاة جماعة على ان لك منا ما ظهر وقلوبنا
بيد الله وهو املك بها منك فاقبل صفونا وأعرض عن كدرنا ولا تستثركوا من الاحقاد فان
النار تقدح بالزناد قال معاوية وإنك لتهددني يا اخاطى بأوباش العراق
________________________________________
[ 396
]
وأهل النفاق
ومعدن الشقاق فقال يا معاوية هم الذين أشرقوك بالريق وحبسوك في المضيق وذادوك عن
سنن الطريق حتى لذت منهم بالمصاحف ودعوت إليها من صدق بها وكذبت وامن بمنزلها وكفرت
وعرف من تأويلها وانكرت فغضب معاوية وادار طرفه فيمن حوله فإذا جلهم من مضر ونفر
قليل من اليمن فقال ايها الشقى الخائن إنى لأخال هذا اخر كلام تفوه به وكان عفيرة
بن سيف بن ذى يزن بباب معاوية حينئذ فعرف موقف الطائى ومراد معاوية فخافه عليه فهجم
الدار وأقبل على اليمامة وقال شاهت الوجوه ذلا وقلا وجدعا وفلا كنتم الله هذا الانف
كشما " موعبا " ثم التفت إلى معاوية فقال والله يا معاوية ما اقول هذا حبا لأهل
العراق ولا جنوحا " إليهم ولكن الحفيظة تذهب الغضب لقد رأيتك بالأمس خاطبت ابا
ربيعة يعنى صعصعة بن صوحان وهو أعظم جرما " عندك من هذا وأنكى لقلبك وأقدح في صفاتك
وأجد في عداوتك وأشد أستبصارا " في حربك ثم أتيته وسرحته وأنت الآن مجمع على قتل
هذا زعمت استصعارا " لجماعتنا كانا لا نمر ولا نحلى ولعمري لو وكلتك ابناء قحطان
إلى قومك لكان جدك العاثر وذكرك الداثر وحدك المفلول وعرشك المئلول فاربع على ظلعك
واطونا على بلالتنا ليسهل لك حزننا ويتطامن لك شاذنا " فإنا لا نرام بواقع الضيم
ولا نتلمظ جزع الخسف ولا نغمر بغمار الفتنة ولا ندر على الغضب فقال معاوية الغضب
شيطان فاربع عليك أيها الإنسان فإنا لم نأت إلى صاحبك مكروها ولم يرتكب منه مغمضا "
ولم ننتهك منه محرما " فدونك فإنه لم يضق عنه حلمنا ويسع غيره فاخذ عفيرة بيد
الوليد وخرج به إلى منزله وقال والله لتؤبن بأكثر مما آب به معدى من معاوية وجمع من
بدمشق من اليمانية ففرض على كل رجل دينارا في عطائه فبلغت أربعين الفا " فتعجلها من
بيت المال ودفعها إلى الوليد ورده إلى العراق. (أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان) ابن
عبيد بن تغلبة بن عبيد بن الابجر الخدرى صحابي وابن صحابي.
________________________________________
[ 397
]
قال ابن عبد
البر كان أبو سعيد من الحفاظ المكثرين العلماء الفضلاء العقلاء وأخباره تشهد بصحة
هذه الجملة. روينا عن أبى سعيد انه قال عرضت يوم احد على النبي صلى الله عليه وآله
وانا ابن ثلاث عشرة سنة فجعل أبى يأخذ بيدى ويقول يا رسول الله إنه عبل العظام
والنبى يصعد في بصره ثم قال صلى الله عليه وآله رده قال وخرجت مع رسول الله صلى
الله عليه وآله في غزوة بنى المصطلق. قال الواقدي وهو ابن خمس عشرة سنة وشهد الخندق
وبيعة الرضوان وغير ذلك. قلت وأستشهد أبوه مالك بن سنان باحد. روى ابن شبه عن أبى
سعيد الخدرى قال أمير النبي صلى الله عليه وآله من نقل من شهداء احد إلى المدينة ان
يدفنوا حيث ادركوا فادرك أبى مالك بن سنان عند أصحاب العباء أي الذين يبتعون العباء
فدفن. روى ابن شهر اشوب في المناقب ان النبي صلى الله عليه وآله احتجم مرة فدفع
الدم الخارج منه إلى أبى سعيد الخدرى فقال غيبه فذهب فشربه فقال ماذا صنعت به قال
شربته قال صلى الله عليه وآله أو لم أقل لك غيبه فقال قد غيبته في وعاء حريز فقال
اياك وان تعود لمثل هذا، ثم أعلم ان الله قد حرم على النار لحمك ودمك لما اختلط
بدمى ولحمي. وعن البرقى ان ابا سعيد الخدرى من الاصفياء من أصحاب أمير المؤمنين
عليه السلام. قال الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين.
وروى الشيخ الطوسى في أماليه باسناده عن عبد الله بن شريك عن سهم ابن حصين الأسدى
قال قدمت إلى مكة انا وعبد الله بن علقمه وكان عبد الله بن علقمة سبابا لعلى دهرا "
قال قلت له هل لك في هذا يعنى ابا سعيد الخدرى نحدث
________________________________________
[ 398
]
به عهدا " ؟
قال نعم فاتيناه فقال هل سمعت لعلى " ع " منقبة قال نعم إذا حدثتك فاسأل عنها
المهاجرين قريشا ": ان رسول الله صلى الله عليه وآله قام يوم غدير خم فابلغ ثم قال
يا أيها الناس الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قالها ثلاث مرات ثم قال ادن
يا على فرفع رسول الله يديه حتى نظرت إلى بياض ابطيهما وقال من كنت مولاه فعلى
مولاه ثلاث مرات قال فقال عبد الله بن علقمة أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله
عليه وآله قال نعم واشار إلى اذنيه وصدره قال سمعته اذناى ووعاه قلبى قال عبد الله
بن شريك فقدم علينا عبد الله بن علقمة وسهم بن حصين فلما صلينا الهجير قام عبد الله
بن علقمة فقال إنى أتوب إلى الله واستغفره من سب على عليه السلام ثلاث مرات. وروى
ابراهيم بن ديزيل الهمداني في كتاب صفين باسناده عن الأعمش عن اسماعيل بن رجاء عن
ابى سعيد الخدرى قال كنا مع رسول الله فانقطع شسع نعله فالقاها إلى على " ع "
بصلحها ثم قال ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فقال أبو
بكر انا هو يا رسول الله ؟ قال لا فقال عمر بن الخطاب انا هو يا رسول الله ؟ قال لا
ولكنه ذاكم خاصف النعل ويد على " ع " على نعل رسول الله يصلحه قال أبو سعيد فاتيت
عليا " " ع " فبشرته بذلك فلم يحفل به كأنه شئ كان قد علمه من قبل. وعن أبى هارون
العبدى قال كنت أرى رأى الخوارج لا رأى لى غيره حتى جلست إلى أبى سعيد الخدرى
فسمعته يقول أمر الناس بخمس فعملوا باربعة وتركوا واحدة فقال له رجل يا ابا سعيد ما
هذه الأربعة التى عملوا بها قال الصلاة والزكاة والحج والصوم فقال وما الواحدة التى
تركوها قال ولاية على بن أبى طالب قال وإنها مفترضة معهن قال نعم قال فقد كفر الناس
قال إذا كفر الناس فما ذنبي. وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمرو بن ثابت عن
اسماعيل عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رأيتم معاوية بن أبى
سفيان على منبرى
________________________________________
[ 399
]
فاقتلوه قال
حدثنى بعضهم قال قال أبو سعيد الخدرى ولم نفعل فلم نفلح. وروى عن أبى سعيد انه قال
قلت للحسن بن على " ع " يابن رسول الله هادنت معاوية وصالحته وقد علمت ان الحق لك
دونه وان معاوية ضال رباغ فقال يا ابا سعيد الست حجة الله على خلقه واماما " عليهم
بعد أبى عليه السلام قلت بلى قال الست الذى قال رسول الله صلى الله عليه وآله لى
ولأخي هذان ولداى امامان قاما أو قعدا قلت بلى قال فانا امام ان قعدت يا ابا سعيد
علة مصالحنى لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبنى ضمرة وبنى اشجع
ولأهل مكة حين أنصرف من الحديبية وأولئك كفار بالتنزيل ومعاوية واصحابه كفار
بالتأويل يا ابا سعيد إذا كنت اماما " من قبل الله لم يجز ان اسفه فيما اتيته من
مهادتنى أو مهاربتى وان كان وجه الحكمة فيما اتيته ملتسبا الا ترى الخضر " ع " في
خرق السفينة وقتل الغلام واقامة الجدار أسخط موسى " ع " فعله لاشتباه وجه الحكمة
عليه حتى أخبره فرضى فهكذا سحطتم على يجهلكم بوجه الحكمة ولولا ما أتيت ما ترك من
شيعتنا على وجه الأرض من احد إلا وقتل. وروى الكشى باسناده عن أبى عبد الله " ع "
قال ذكر أبو سعيد فقال كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان مستقيما "
قال فنزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حملوه إلى مصلاه فمات فيه وعن أبى عبد الله " ع
" أيضا قال ان ابا سعيد الخدرى كان قد رزق هذا الإمر وانه اشتد نزعه فأمر أهله ان
يحملوه إلى مصلاه الذى كان يصلى فيه ففعلوا فما لبث ان هلك. وعن ذريح قال سمعت ابا
عبد الله " ع " يقول إنى لأكره للرجل ان يعافى في الدنيا ولا يصيبه شئ من المصائب
ثم ذكر ان ابا سعيد الخدرى وكان مستقيما نزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حملوه إلى
مصلاه فمات. وتوفى بالمدينة سنة احدى أو أربع أو خمس وستين.
________________________________________
[ 400
]
وقيل سنة
أربع وسبعين ودفن بالبقيع، والخدرى بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة منسوب
إلى خدره واسمه الأبجر بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الجيم وبعدها راء
مهملة وهو ابن عوف بن الحارث بن الخزرج وقيل خدره ام الابجر والاول اشهر وهم بطن من
الأنصار والله أعلم. (البراء بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الانصاري) الخزرجي
أخو أنس بن مالك شهد احدا " والخندق. قال الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين
رجعوا إلى أمير المؤمنين " ع " وقتل (رض) يوم تستر وكان عمر بن الخطاب بعث إليها
ابا موسى الأشعري فافتتحها عام ثمان عشرة للهجرة والبراء بن مالك بها، وهى بضم
التاء المثناة من فوق وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وبعدها راء
مهملة، وتسميها العامة (ششتر). قال صاحب (اللباب): وهى مدينة من كورة الأهواز من
خوزستان. قال وبها قبر البراء بن مالك (رض) وقيل ان (تستر) مدينة لبس على وجه الأرض
اقدم منها والله أعلم. (بريدة) بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وسكون الياء
المثناة من تحت وفتح الدال المهملة وفى آخرها هاء. (ابن الحصيب) بالمهملتين مصغرا "
لأسملى. صحابي مشهور أسلم قبل بدر وشهد احدا ". قال ابن شهر اشوب غزى مع رسول الله
صلى الله عليه وآله ست غزوات. وقال الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى
أمير المؤمنين هو والبراء بن مالك. روى أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن بريدة
عن أبيه قال بعث رسول الله بعثين على أحدهما على بن أبى طالب وعلى الاخر خالد بن
الوليد فقال إذا التقيتم فعلى على الناس وإذا افترقتم فكل واحد منكما على جنده
فلقينا بنى
________________________________________
[ 401
]
زيد من
اليمن فاقتتلنا وظهر المسلمون فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى على " ع " من
السى امرأة لنفسه قال بريدة وكتب خالد بن الوليد معى إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله يخبره بذلك فلما أتيت النبي دفعت الكتاب إليه فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجه
رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ بك بعثتني مع رجل
وأمرتني ان اطيعه فقد بلغت ما أرسلت به فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقع
في على " ع " فانه منى وانا منه وهو وليكم بعدى. وفى كتاب (المناقب) تأليف أبى بكر
بن موسى بن مردويه وهو من رؤساء المخالفين لأهل البيت هذا الحديث من عدة طرق. وفى
رواية بريدة له زيادة وهى ان النبي صلى الله عليه وآله قال لبريدة أيه عنك يا بريدة
فقد اكثرت الوقوع في على " ع " فوالله انك لتقع برجل انه أولى الناس بكم بعدى.
وزيادة اخرى ان بريدة قال يا رسول الله استغفر لى فقال النبي صلى الله عليه وآله
حتى يأتي على " ع " فلما جاء على طلب بريدة ان يستغفر له فقال النبي ان تستغفر له
أستغفر له فاستغفر له عليه السلام. وفى الحديث زيادة أخرى ان بريدة أمتنع من بيعة
أبى بكر بعد وفاة النبي وتبع عليا " لأجل ما كأن سمعه من نص النبي صلى الله عليه
وآله بالولاية بعده. وفى حديث حذيفة بن اليمان عن بريدة انه قال كنت انا وعمار أخى
مع رسول الله صلى الله عليه وآله في نخيل بنى النجار فدخل علينا على بن أبى طالب "
ع " فرد عليه رسول الله السلام ورددنا ثم قال له يا على اجلس هناك فجلس فدخل رجال
فامرهم رسول الله بالسلام على على " ع " بامرة المؤمنين فسلموا وما كادوا ثم دخل
أبو بكر وعمر فسلما فقال لهما رسول الله سلما على على بأمرة المؤمنين فقال الأمر من
الله ورسوله فقال نعم ثم دخل طلحة وسعد بن مالك فسلما فقال لهما رسول الله سلما على
على بأمرة المؤمنين فقالا عن الله ورسوله فقال نعم فقالا سمعنا واطعنا
________________________________________
[ 402
]
ثم دخل
سلمان الفارسى وابوذر الغفاري (رض) فسلما فرد عليهما السلام فقال سلما على على
بأمرة المؤمنين فسلما ولم يقولا شيئا " ثم دخل خزيمة بن ثابت وأبو الهيثم بن
التيهان فسلما فرد عليهما السلام ثم قال سلما على على بأمرة المؤمنين فسلما ولم
يقولا شيئا ثم دخل عمار والمقداد فسلما فرد عليهما السلام وقال سلما على على بامرة
المؤمنين ففعلا ولم يقولا شيئا " ثم دخل عثمان وأبو عبيدة فسلما فرد عليهما السلام
وقال سلما على على بامرة المؤمنين قالا عن الله ورسوله قال نعم ثم دخل فلان وفلان
وعد جماعة من المهاجرين والانصار كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وآله سلموا
على على بامرة المؤمنين فبعض سلم ولم يقل شيئا " وبعض يقول عن الله ورسوله فيقول
نعم حتى غص المجلس باهله وامتلأت الحجرة وجلس بعض على الباب وفى الطريق وكانوا
يدخلون فيسلمون ويخرجون ثم قال لى ولأخي قم يا بريدة أنت وأخوك فسلما على على " ع "
بامرة المؤمنين فقمنا فسلمنا ثم عدنا إلى مواضعنا فجلسنا قال ثم أقبل رسول الله صلى
الله عليه وآله عليهم جميعا " فقال اسمعوا وعوا إنى أمرتكم ان تسلموا على على " ع "
بامرة المؤمنين وان رجالا سألوني ان ذلك عن امر الله تعالى وأمر رسوله ما كان محمد
ان يأتي أمرا من تلقاء نفسه بل يوحى ربه وأمره أفرأيتم والذى نفسي بيده لأن أبيتم
ونقضتموه لتكفرن ولتفارقون ما بعثنى به ربى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر قال
بريدة فلما خرجنا سمعنا بعض أولئك الذين أمروا بالسلام على على " ع " بامرة
المؤمنين من قريش يقول لصاحبه وقد التقت بهما طائفة من الجفاة البطاء عن الإسلام من
قريش اما رأيت ما صنع محمد بابن عمه من علو المنزلة والمكان لو يستطيع والله لجعله
نبيا " من بعده فقال له صاحبه امسك ولا يكبرن عليك هذا فانا لو فقدنا محمدا " لكان
فعله هذا تحت اقدامنا قال حذيفة ومضى بريدة ودخل المسجد وأبو بكر على المنبر وعمر
دونه بمرقاة فناداهما من ناحية المسجد يا ابا بكر ويا عمر فقالا مالك يا بريدة
اجننت فقال لهما والله ما جننت ولكن اين سلامكما
________________________________________
[ 403
]
بالأمس على
على " ع " بامرة المؤمنين فقال له أبو بكر يا بريدة الامر يحدث بعده الامر وانك غبت
وشهدنا والشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال لهما رأيتما ما لم يره الله ورسوله ولكن
وفى لك صاحبك بقوله لو فقدنا محمدا لكان قوله هذا تحت اقدامنا الا ان المدينة حرام
على ان اسكنها ابدا " حتى أموت فخرج بريدة باهله وولده فنزل بين قومه بين أسلم فكان
يطلع في الوقت دون الوقت فلما أفضى الامر إلى أمير المؤمنين " ع " سار إليه وكان
معه حتى قدم العراق فلما اصيب أمير المؤمنين سار إلى خراسان فنزلها ولبث هناك إلى
ان مات رحمه الله. وعن ابان بن تغلب عن الصادق " ع " ان بريدة قال لابي بكر إنا لله
وإنا إليه راجعون ماذا لقى الحق من الباطل يا ابا بكر انسيت ام خدعت ام خدعت نفسك
وسولت لك الاباطيل أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله (ص) من تسمية على " ع " بامرة
المؤمنين والنبى بين اظهرنا وقوله له في عدة أوقات هذا أمير المؤمنين وقاتل
القاسطين اتق الله وتدارك نفسك قبل ان لا تدركها وانقذها مما يهلكها واردد الامر
إلى من هو أحق به منك ولا ننهاد في اغتصابه وارجع وأنت تستطيع ان تراجع فقد محضتك
النصح ودللتك على طريق النجاة فلا تكونن ظهيرا " للمجرمين. وفى مناقب ابن شهر اشوب
جاء بريدة حتى ركز رايته في وسط أسلم حتى قال لا ابايع حتى يبايع على " ع " فقال
على يا بريدة ادخل فيما دخل فيه الناس فان اجتماعهم احب إلى من اختلافهم اليوم.
وتوفى بريدة سنة اثنتين وستين وقيل ثلاث وستين. وقال صاحب معجم البلدان روى عن
بريدة بن الحصيب احد اصحاب النبي صلى الله عليه وآله إنه قال: قال لى رسول الله يا
بريدة ان سيبعث من بعدى بعوث فإذا بعثت فكن في بعث الشرق ثم كن في بعث خراسان ثم كن
في بعثت ارض يقال لها مرو فإذا أتيتها فانزل مدينتها فانه بناها ذو القرنين وصلى
فيها عزين أنهارها تجرى بالبركة على كل نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عن أهلها السوء
إلى يوم القيامة فقدمها
________________________________________
[ 404
]
بريدة غاريا
" واقام بها إلى ان مات وقبره إلى الآن بها معروف عليه راية رأيتها. والأسلمي بفتح
الهمزة وسكون السين المهملة وفتح اللام وكسر الميم نسبة إلى أسلم بن قصى بن حارثة
بن عمرو بن عمر القيس بن ثعلبة بن مازن بن الازد وهى قبيلة ينسب إليها جماعة من
الصحابة والله أعلم. (خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة وبعده الألف موحدة
أيضا ". ابن الارت بفتح الهمزة والراء المهملة وتشديد المثناة من فوق، ابن جندلة بن
سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم يكنى ابا عبد الله وقيل ابا
محمد وقيل ابا يحيى اصابه سبى فبيع بمكة وكانت أمه ختانة وحاب من فقراء المسلمين
وخيارهم كان فاضلا من المهاجرين الاولين وكان في الجاهلية غنيا " يعمل السيوف. وروى
ان الزبير وعثمان تكالما فقال الزبير ان شئت تقاذفنا فقال عثمان ابا البعير يا ابا
عبد الله فقال له الزبير بل بضرب خباب وريش المقعد يعنى بالسيوف والسهام والمقعد
بفتح العين المهملة رجل كان يريش السهام وكان خباب قديم الإسلام قيل انه كان سادس
ستة شهد بدرا " وما بعدها من المشاهد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أخى بينه
وبين تميم مولى خراس بن الصمة وكان مبتلى في جسمه به مرض لا يزايله وهو معدود في
المعذبين في الله سأله عمر بن الخطاب في أيام خلافته ما لقيت من أهل مكة فقال أنظر
إلى ظهرى فنظر فقال ما رأيت كاليوم ظهر رجل فقال خباب أو قدوا لى نارا " وسحبت
عليها فما اطفالها إلا ودك ظهرى وجاء خباب إلى عمر فجعل يقول ادن ثم قال له ما أحد
أحق بهذا المجلس منك إلا أن يكون عمار بن ياسر. ونزل خباب الكوفة ومات بها بعد ان
شهد مع أمير المؤمنين " ع " صفين والنهروان. وكانت وفاته سنة سبع وثلاثين وقيل تسع
وثلاثين وصلى عليه أمير المؤمنين
________________________________________
[ 405
]
وكان سنة
يوم مات ثلاثا " وسبعين سنة ودفن بظهر الكوفة وهو أول من دفن بظهر الكوفة. قال أبو
نعيم في حلية الأولياء وقف أمير المؤمنين " ع " على قبره فقال رحم الله خبابا "
اسلم راغبا " وهاجر طائعا " وعاش مجاهدا " وابتلى في جسمه أحوالا ولن يضيع الله أجر
من احسن عملا. وفى نهج البلاغة قال " ع " في ذكر خباب اسلم راغبا " وهاجر طائعا "
وعاش مجاهدا " طوبى لمن ذكر المعاد وعمل للحساب وقنع بالكفاف ورضى عن الله وعبد
الله بن خباب هو الذى قتله الخوارج فاحتج أمير المؤمنين به وطالبهم بدمة وستأتى
ترجمته في الطبقة الثانية إن شاء الله تعالى. (كعب بن عمرو بن سواد بن غنم) ابن كعب
بن سلمه الانصاري السلمى يكنى ابا اليسر بفتح المثناة من تحت والسين المهملة وبعدها
راء مهملة صحابي جليل شهد العقبة وبدرا " وهو الذى أسر العباس قال يا رسول الله لقد
أعانني عليه رجل ما رأيته من قبل من هيئته كذا فقال رسول الله لقد اعانك عليه ملك
كريم وعن زيد بن وهب قال سمعت عليا " " ع " وقد ذكر حديث بدر فقال قتلنا من
المشركين سبعين وأسرنا سبعين وكان الذى أسر العباس رجل من الانصار أدركته فالقى
العباس على عمامته لئلا يأحذها الأنصاري فاحب ان يكون انا الذى أسرته وجئ به إلى
الرسول فقال الانصاري يا رسول الله قد جئتك بعمك العباس اسيرا " فقال العباس كذبت
ما أسرني إلا ابن أخى على بن أبى طالب فقال الانصاري يا هذا انا اسرتك فقال والله
ما اسرني إلا ابن أخى ولكأنى بحجلته في النقع تبين لى فقال رسول الله صدق عمى ذاك
ملك كريم فقال العباس لقد عرفته بحجلته وحسن وجهه فقال له ان الملائكة الذين ابدنى
الله بهم على صورة على بن أبى طالب ليكون ذلك أهيب لهم في صدور الأعداء فقال هذه
عمامتى على
________________________________________
[ 406
]
رأس على بن
أبى طالب فمره ليردها على فقال ويحك ان يعلم الله فيك خيرا " يعوضك أحسن العوض. قال
الشيخ المفيد (رض) دل هذا الحديث على أن أمير المؤمنين كان اشجع البرية وانه بلغ من
بأسه وخوف الأعداء منه ان الله تعالى جعل الملائكة على صورته ليكون ذلك أرهب
لقلوبهم وان هذا المعنى لم يحصل البشر قبله ولا بعده. احتطف أبو اليسر في يوم بدر
راية المشركين وابلى بلاء حسنا " وشهد صفين مع أمير المؤمنين " ع " وكان من أصحابه.
(رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان الأنصاري) يكنى ابا معاذ شهد بدرا " وكان أبوه
رافع من أصحاب العقبة وكان رفاعة من أصحاب أمير المؤمنين " ع " شهد معه حرب صفين
ومات في خلافة معاوية. (مالك بن ربيعة بن الوليد) بفتح الموحدة والمهملة ثم نون ابن
عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة أبو أسيد بالضم الساعدي مشهور
بكنيته شهد بدرا وغيرها وكان من أصحاب أمير المؤمنين شهد معه صفين وهو احد البدريين
الذين شهدوها معه عليه السلام قال الواقدي مات سنة ثلاثين. وقال المدائني توفى سنة
ستين قال وهو آخر من مات من البدريين والله أعلم. (عقبة بن عمرو بن تغلبة الأنصاري)
يكنى ابا مسعود من بنى حارث بن الخزرج وهو مشهور بكنيته يعرف بابى مسعود البدرى
لانه كان يسكن بدرا ". قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب انه لم يشهد بدرا " وهو قول
ابن اسحق وقال ابن اسحق كان أبو مسعود أحد من شهد العقبة ولم يشهد بدرا " وشهد احدا
" وما بعدها من المشاهد.
________________________________________
[ 407
]
وقالت طائفة
قد شهد أبو مسعود بدرا " وبذلك قال النجارى فذكره في البدريين قال أبو عمرو ولا يصح
شهوده بدرا ". قال بعضهم وشهد مع أمير المومنين " ع " صفين وقال أبو عمرو كان قد
نزل الكوفة وسكنها واستخلفه على في خروجه إلى صفين. ومات سنة احدى أو اثنتين أو
أربعين والله أعلم. (هند بن أبى هالة التميمي) واختلف في اسم أبى هالة فقيل نماش بن
زرارة وقيل نباش بنون ثم موحدة ثم معجمة وهو الذى رجحه كثير من أهل العلم. وقال
الفيروز آبادى النباش بن زرارة أو مالك بن زرارة بن النباش أو أبو هالة بن النباش
بن زرارة أو زرارة بن النباش بن زرارة زوج خديجة والد هند ابن أبى هالة الصحابي
انتهى. وكان هند ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله امه خديجة بنت خويلد خلف عليها
رسول الله بعد أبى هالة وهو أخو فاطمة الزهرا " ع " لأمها وخال الحسنين " ع " وكان
فصيحا " بليغا " وصافا " وصف رسول الله فاحسن واتقن. روى عن الحسن بن على " ع " انه
قال سألت خالي هند بن أبى هالة التميمي وكان وصافا " عن حلية النبي وانا اشتهى ان
يصف لى منها شيئا " اتعلق به فقال كان رسول الله فخما " مفخما " يتلالا وجهه تلالا
القمر ليلة البدر أطول من المربوع واقصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر إذا
انفرقت عقيصته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره ازهر اللون واسع
الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب اقى العرنين له نور
يعلوه يحسبه من لم يتأمله اشم كث اللحية سهل الخدين ادعج ضليع اشنب الفم مفلج
الأسنان دقيق المسربة كان عنقه جيد ريمة في صفاء الفضة معتدل الخلق بادنا متهاسكا "
سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس انور المتجرد
موصول
________________________________________
[ 408
]
ما بين
اللبة والسرة بشعر يجرى كالخط عارى الثديين والبطن مما سوى ذلك اشعر الذراعين
والمنكبين واعلى الصدر طويل الزندين رحب الراحة سبط القصب شئن الكفين والقدمين سائل
الأطراف خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال قلعا " يخطو
تكفيا ويمشى هونا سريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا
خافظ الطرف نظره إلى الرض اطول من نظره إلى أ السماء جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه
ويبدر من لقيه بالسلام. قال قلت له صف لى منطقه قال كان رسول الله صلى الله عليه
وآله متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة طويل السكت
يفتتح الكلام ويختمه بابتداء ويتكلم بجوامع الكلم فصلا لا فضول ولا تقصير فيه دمثا
ليس بالجافى ولا المهين يعظم النعمة وان دقت لا يذم منها شيئا " ولا يذم ذواقا "
ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا تعاطى الحق ولم يعرفه احد ولم يقم
لغضبه شئ حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها فإذا اشار اشار بكفه كلها وإذا
تعجب قلبها وإذا تحدت اشار لها فضرب براحته اليمنى باطن ابهامه اليسرى وإذا غضب
اعرض واشاح وإذا فرح غض من طرفه جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام قال الحسن "
ع " فكتمتها الحسين " ع " زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسألته عما سألته
عنه. وقد شرح ابو عبيدة وابن قتيبة وصفه هذا ومعنى ما فيه من الفصاحة وفوائد اللغة.
قال أبو عبيدة حدثنى سنان بن أبى سنان هند بن أبى هند بن أبى هالة الأسدى حدثه عن
أبيه هند بن أبى هالة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله قال أبو عبيدة كان هند بن
أبى هالة وأبو رافع مولى رسول الله وعمار بن ياسر يحدثون عن هجره أمير المؤمنين على
بن أبى طالب إلى رسول الله بالمدينة ومبيته من قبل ذلك على فراشه قال وصدر هذا
الحديث عن هند بن أبى هالة واقتصاصه
________________________________________
[ 409
]
عن الثلاثة
وقد دخل حديث بعضهم في بعض قالوا كان الله عزوجل يمنع نبيه بعمه أبى طالب فما كان
يخلص إليه من قومه أمر يسوؤه مدة حياته فلما مات أبو طالب " ع " قالت قريش من رسول
الله بغيتها واصابته بعظيم من اذى حتى تركته لقى فقال صلى الله عليه وآله ما اسرع
ما وجدنا فقدك يا عم وصلتك رحم وجزيت خيرا " يا عم ثم ماتت خديجة بعد أبى طالب بشهر
واجتمع بذلك على رسول الله حزنان حتى عرف ذلك فيه. قلت وسمى تلك السنة عام الحزن
قال هند ثم أنطلق ذو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة ليرتأوا ويأتمروا في رسول
الله صلى الله عليه وآله وأسروا ذلك بينهم وقالوا نبنى له برجا نستودعه فيه فلا
يخلص إليه من الصباة إليه أحد ثم لا يزال في رنق من العيش حتى تأتيه المنون واشار
بذلك العاص بن وائل وأمية وابى ابنا خلف فقال قائل كلاما هذا لكم برأى ولئن صنعتم
ذلك ليتنمرن له الحدب الحميم والمولى والحليف ثم لتأتين المواسم في الاشهر الحرم
بالامن فليستنزعن من انشوطتكم قولوا قولكم فقال عتبة وشيبة وشركهما أبو سفيان قالوا
فإنا نرى ان نرحل له بعيرا " صعبا ونوثق محمدا " عليه كتافا " وشدا " ثم نخز البعير
باطراف الرماح فيوشك ان يقطعه اربا إربا فقال صاحب رأيهم انكم لم تصنعوا بقولكم هذا
شيئا ارأيتم ان خلص به البعير سالما إلى بعض الافاويق فاخذ بقلوبهم بسحره وبيانه
وطلاقة لسانه فصبا القوم إليه واستجابت له القبائل فسار اليكم فاهلككم قولوا قولكم
فقال أبو جهل لكن أرى ان تعمدوا إلى قبائلكم العشر فتندبوا من كل قبيلة منها رجلا
نجدا وتبيتوا ابن أبى كبشة فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا فلا يستطيع قومه محاربة
الناس فيرضون حينئذ بالعقل فقال صاحب رأيهم أصبت يا ابا الحكم. قلت وقد ورد ان هذا
الرأى اشاربه ابليس وجاءهم في زى رجل من نجد قال فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه
وآله بما كان من كيدهم وتلا عليه جبرئيل " ع " (وإذ
________________________________________
[ 410
]
يمكر بك
الذين كفروا) الآية وأمره بالهجرة فدعا عليا " ع " لوقته فاخبره بما أوحى إليه وما
أمره به وانه أمرنى ان آمرك بالمبيت على فراشي أو على مضجعي لتخفى بمبيتك عليهم
أمرى فما أنت قائل وصانع فقال على " ع " أو تسلم بمبيتى هناك يا نبى الله قال نعم
فتبسم على ضاحكا واهوى إلى الارض ساجدا " شكرا " لما أنبأه به رسول الله صلى الله
عليه وآله من سلامته فكان " ع " أول من سجد لله شكرا " وأول من وضع وجهه على الأرض
بعد سجدته من هذه الامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ورفع رأسه وقال أمض لما
أمرت به فداك سمعي وبصرى وسويداء قلبى ومرني بما شئت اكن فيه كمسرتك واقع به بحيث
مرادك وما توفيقي إلا بالله قال اخبرك يا على ان الله يحتبر أوليائه على قدر
إيمانهم ومنازلهم من دينه فاشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل وقد امتحنك
الله يابن ام في وامتحننى فيك بمثل ما امتحن الله خليله ابراهيم والذبيح اسماعيل
(ع) فصبرا " صبرا فان رحمة الله قريب من المحسنين ثم ضمه النبي إلى صدره وبكى وجدا
به وبكى على جزعا لفراق رسول الله واستتبع رسول الله أبا بكر بن أبى قحافة وهند بن
أبى هالة وأمرهما ان ينتظراه بمكان عينه لهما من طريقه إلى الغار ولبث رسول الله
صلى الله عليه وآله بمكانه يوصى عليا " ع " ويأمره بالصبر وخرج في فحمة العشاء
والرصد من قريش قد طافوا بالدار ينتظرون ان ينتصف الليل وتنام الاعين فخرج صلى الله
عليه وآله من بينهم وهو يقرأ (وجعلنا من بين ايديهم سدا " ومن خلفهم سدا فاغشيناهم)
الآية ورماهم بقبضة من تراب فما شعروا به ومضى حتى انتهى أي صاحبيه فنهضا معه
ووصلوا إلى الغار ورجع هند إلى مكة بما أمره النبي ودخل هو وأبو بكر إلى الغار فلما
نامت الاعين أقبل القوم إلى على " ع " قذفا بالحجارة ولا يشكون انه رسول الله حتى
إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح هجموا على على " ع " وكانت دور مكة يومئذ
بغير أبواب فلما رأهم على قد انتضوا السيوف واقبلوا يقدمهم خالد بن الوليد وثب إليه
على فختله فهمز يده واخذ سيفه وشد عليهم فاجفلوا فعرفوه
________________________________________
[ 411
]
وقالوا إنا
لم نردك فما فعل صاحبك فقال لا علم لى فارسلت قريش العيون وركبت في طلبه الصعب
والذلول ولما اعتم على " ع " انطلق هو وهند إلى الغار وامر رسول الله هند ان يبتاع
له ولصاحبه بعيران فقال أبو بكر قد كنت اعددت لى ولك يا رسول الله راحلتين ترتحلهما
إلى يثرب فقال صلى الله عليه وآله لا أخذهما إلا بالثمن قال هي لك يا رسول الله
بذلك فامر عليا فاقبضه الثمن وأوصاه بحفظ ذمته واداء امانته وكانت قريش تدعوا النبي
الامين وتودعه اموالها وبعث صلى الله عليه وآله والحال ذلك فامر عليا ان يقيم صارخا
بالابطح يهتف غدوة وعشيا من كان له قبل محمد امانة أو وديعة فليأت فلنود إليه
امانته وقال له النبي لن يصلوا اليك من الآن بأمر تكرهه حتى تقدم على فاد امانتي
على أعين الناس ظاهرا ثم إنى استخلفك على فاطمة ابنتى ومستخلف ربى عليكما وأمره ان
يبتاع رواحل له وللفواطم ومن يهاجر معه من بنى هاشم وقال صلى الله عليه وآله لعلى "
ع " إذا أبرمت ما أمرتك به فكن على اهبة الهجرة إلى الله ورسوله وسر إلى القدوم
كتابي عليك وانطلق رسول الله إلى المدينة واقام في الغار ثلاثا " ومبيت على " ع "
على فراشه أول ليلة وقال على عليه السلام في ذلك. وقيت بنفسى خير من وطأ الحصى *
ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر محمد لما خاف أن يمكروا به * فوقاه ربى ذو الجلال من
المكر وبت أراعيهم متى يأسروننى * وقد وطنت نفسي على القتل والاسر وبات رسول الله
في الغار آمنا * هناك وفى حفظ الاله وفى ستر اقام ثلاثا " ثم زمت قلائص * قلائص
يفرين الحصى اينما يفر ولما ورد رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة نزل في بنى
عمر بن عوف بقبا وارادوه على الدخول إلى المدينة فقال ما انا بداخلها حتى يقدم ابن
عمى وابنتي يعنى عليا وفاطمة " ع ". قال الزبير بن بكار استشهد هند بن أبى هالة مع
على " ع " يوم الجمل وقيل
________________________________________
[ 412
]
عاش بعد ذلك
والله أعلم. (جعدة بن هبيرة بن أبى وهب) ابن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم بن
يقظة بن مرة بن كعب بن لوى ابن غالب هو ابن أخت أمير المؤمنين " ع " أمه أم هاني
بنت أبى طالب وسيأتى ترجمتها في الطبقة العاشرة إن شاء الله وأختلف في صحبته فقيل
أنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وليست له صحبة وقال العجلى انه تابعي
وقيل بل هو من الصحابة قال العسقلاني هو صحابي صغير له رؤية وقال ابن أبى الحديد في
شرح انتهج أدرك رسول الله وأسلم يوم الفتح مع أمه أم هاني بنت أبى طالب وهرب أبوه
هبيرة ابن أبى وهب ذلك اليوم هو وعبد الله بن الزبعرى إلى نجران فاقام بها حتى مات
كافرا ". قال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب ولدت أم هاني لهبيرة أربعة بنين جعدة
وعمرا " وهانيا " ويوسف وكان جعدة فارسا " شجاعا " فقيها ولى خراسان لأمير المؤمنين
" ع " وهو الذى يقول: أبى من بنى مخزوم ان كنت سائلا * ومن هاشم أمي لخير قبيل فمن
ذا الذى ينأى على بحاله * كخالي على ذى الندى وعقيل وشهد جعدة مع أمير المؤمنين " ع
" حرب صفين وأيلى بها بلاء حسنا ". وروى نصر في كتاب صفين قال حدثنا عمر بن سعد عن
الاجلح بن عبد الله الكندى عن أبيه جحيفة قال جمع معاوية كل قرشي بالشام وقال لهم
العجب يا معشر قريش انه ليس لأحد منكم في هذا الحرب فعال يطول به لسانه ما عدا عمرا
" فما بالكم أين حمية قريش فغضب الوليد بن عقبة وقال أي فعال تريد والله ما نعرف في
اكفائنا من قريش العراق من يغنى غنانا باللسان ولا باليد فقال معاوية بلى ان أولئك
وقوا عليا " بأنفسهم قال الوليد كلا بل وقاهم على بنفسه قال ويحكم اما فيكم من يقوم
لقرنه منهم مبارزة ومفاخرة فقال مروان أما البراز
________________________________________
[ 413
]
فان عليا "
لا يأذن لحسن ولا لحسين ولا لمحمد بنيه فيه ولا لأبن عباس وأخوته ويصلى بالحرب
دونهم فلا يهم نبارز وأما المفاخرة فبما ذا نفاخر بالإسلام أم بالجاهلية فانكان
بالاسلام فالفخر لهم بالنبوة وان كان بالجاهلية فالملك فيه لليمن فان قلنا قريش
قالوا لنا عبد المطلب فقال عتبة بن أبى سفيان الهوا عن هذا فانى لاق بالغداة جعدة
بن هبيرة فقال معاوية بخ بخ قومه بنو مخزوم وأمه أم هاني بنت أبى طالب " ع " كفو
كريم وكثر العتاب والخصام بين القوم حتى أغلظوا لمروان وأغلظ لهم فقال مروان أما
والله ولولا ما كان منى لعلى في أيام عثمان ومشهدي بالبصرة لكان لى في على رأى يكفى
أمرأ ذا حسب ودين ولكن ولعل، ونابذ معاوية الوليد بن عقبة فاغلظ له الوليد فقال له
معاوية إنك إنما تجترئ على بنسبك من عثمان ولقد ضربك الحد وعزلك عن الكوفة ثم انهم
ما امسوا حتى أصطلحوا وأرضاهم معاوية عن نفسه ووصلهم باموال جليلة جزيلة وبعث
معاوية إلى عتبة فقال ما أنت صانع في جعدة فقال القاه اليوم وأقاتله غدا وكان لجعدة
في قريش شرف عظيم وكان له لسان وكان من أحب الناس إلى على فغدا عليه عتبة فنادى أيا
جعدة أيا جعدة فاستأذن عليا في الخروج إليه فاذن له وأجتمع الناس فقال عتبة يا جعدة
والله ما أخرجك علينا الاحب خالك وعمك عامل البحرين وإنا والله ما نزعم ان معاوية
أحق بالخلافة من على لولا أمره في عثمان ولكن معاوية أحق بالشام لرضا أهلها به
فاعفوا لنا عنها فوالله ما بالشام رجل به طرق إلا وهو أحد من معاوية في القتال وليس
بالعراق رجل له مثل جد على في الحرب ونحن أطوع لصاحبنا منكم لصاحبكم وما أقبح بعلى
ان يكون في قلوب المسلمين أولى الناس بالناس حتى إذا صاب سلطانا أفنى العرب فقال
جعدة أما حبى لخالي فلو كان لك خال مثله لنسيت اباك وأما ابن أبى سلمة فلم يصب أعظم
من قدره والجهاد أحب من العمل وأما فضل على " ع " على معاوية فهذا ما لا يختلف فيه
اثنان وأما رضاكم اليوم بالشام فقد رضيتم بها أمس فلم يقبل وأما
________________________________________
[ 414
]
قولك ليس
بالشام أحد إلا وهو أحد من معاوية وليس بالعراق لرجل مثل جد على " ع " فهكذا ينبغى
أن يكون مضى بعلى يقينه وقصر بمعاوية شكه وقصد أهل الحق خير من جهد أهل الباطل وأما
قولك نحن أطوع لمعاوية منكم لعلى " ع " فوالله ما نسأله ان سكت ولا نرد عليه ان قال
وأما قتل العرب فان الله كتب القتل والقتال فمن قتله الحق فالى الله فغضب عتبة وفحش
على جعدة فلم يجبه وأعرض عنه فلما أنصرف عتبة جمع خيله فلم يستبق شيئا " وجل أصحابه
السكون والازد والصدف وتهيأ جعدة بما أستطاع والتقوا فصبر القوم جميعا " وباشر جعدة
يومئذ القتال بنفسه وجزع عتبة فاسلم خيله وأسرع هاربا " إلى معاوية فقال له فضحك
جعدة وهزمك لا تغسل رأسك منها أبدا " قال والله لقد أعذرت ولكن أبى الله ان يديلنا
منهم فما أصنع وحظي جعدة بعدها عند على " ع " وقال النجاشي فيما كان من فحش عتبة
على جعدة: ان شتم الكريم يا عتب خطب * فاعلمنه من الخطوب عظيم أمه أم هانئ وأبوه *
من معد ومن لوى صميم ذاك منها هبيرة بن أبى وهب * أقرت بفضله مخزوم كان في حربكم
يعد بالف * حين يلقى بها القروم القروم وأبنه جعدة الخليفة منه * هكذا تنبت الفروع
الاروم كل شئ تريده فهو فيه * حسب ثاقب ودين قويم وخطيب إذا تمغرت الاوجه * يشجى به
الالد الخصيم وحليم الرجال إذ حلها ال * جهل وخفت من الرجال الحلوم وشكيم الحروب
قد علم الناس * إذا حل في الحروب الشكيم وصحيح الاديم من تفل العيب * إذا كان لا
يصح الاديم حامل للعظيم في طلب الحمد * إذا عظم الصغير اللئيم ما عسى ان أقول للذهب
الأحمر * عيبا " هيهات منك النجوم
________________________________________
[ 415
]
كل هذا بحمد
ربك فيه * وسوى ذاك كان وهو فطيم وقال الأعور الشنى في ذلك يخاطب عتبة بن أبى
سفيان: ما زلت تظهر في عطفيك ابهة * لا يرفع الطرف منك التيه والصلف لا تحسب القوم
الا فقع قرقرة * وشحمة بزها شأولها نطف حتى لقيت ابن مخزوم واى فتى * احيى مآثر
آباء له سلفوا ان كان رهط أبى وهب جحاجحة * في الأولين فهذا منهم خلف اشجاك جعدة إذ
نادى فوارسه * حاموا عن الدين والدنيا فما وقفوا هلا عطفت على قوم بمصرعة * فيها
السكون وفيها الازد والصدف وقد توفى جعدة بن هبيرة رحمه الله تعالى في خلافة
معاوية. (أبو عمرة الانصاري النجارى) اختلف في أسمه فقيل رشيد وقيل اسامة وقيل عمرو
بن محصن وقيل تغلبة بن عمرو بن محصن وقيل اسمه عامر بن مالك بن النجارى. قال ابن
عبد البر وهو الصواب، قلت والصواب عندي انه عمرو بن محصن لما اشير في مرثية النجاشي
له وهو صحابي ذكره بعضهم في البدريين يروى عنه ابنه عبد الرحمن بن أبى عمر. روى
الكشى باسناده عن أبى بصير قال قلت لابي عبد الله " ع " ارتد الناس إلا ثلاثة أبو
ذر والمقداد وسلمان فقال أبو عبد الله فأين أبو ساسان وأبو عمرة الانصاري. وكان أبو
عمرة من أصفياء أمير المؤمنين " ع " شهد معه الجمل وصفين وأستشهد بها. روى ابن
مزاحم باسناده عن سليمان الحضرمي قال لما خرج على " ع " من المدينة خرج معه أبو
عمرة بن عمرو بن محصن قال فشهدنا مع على الجمل ثم انصرفنا إلى الكوفة ثم سرنا إلى
أهل الشام حتى إذا كان بيننا وبين صفين ليلة دخلنى الشك
________________________________________
[ 416
]
فقلت والله
ما أدرى على م اقاتل ؟ وما أدرى ما أنا فيه ؟ قال واشتكى رجل منا بطنه من حوت اكله
فظن أصحابه انه طعين فقالوا من يتخلف على هذا الرجل فقلت انا اتحلف عليه والله ما
أقول ذلك الا مما دخلنى من الشك فاصبح الرجل ليس به بأس واصبحت قد ذهب عنى ما كنت
اجد ونفذت بصيرتي حتى إذا ادركنا اصحابنا ومضينا مع على " ع " وإذا أهل الشام قد
سبقونا إلى الماء فلما اردناه منعونا فصلتناهم بالسيف فخلونا واياه وارسل أبو عمرة
إلى اصحابه قد والله حزناه فهم يقاتلونا وهم في ايدينا ونحن دونه إليهم كما كان في
ايديهم قبل ان نقاتلهم فارسل معاوية إلى اصحابه لا تقاتلوهم وخلوا بينهم وبينه
فيشربوا فقلنا لهم وقد عرضنا عليكم أول مرة فابيتم حتى اعطانا الله وانتم غير
محمودين قال فانصرفوا عنا وانصرفنا عنهم ولقد رويت روايانا ورواياهم بعد وخيلنا
خيلهم نرد ذلك الماء جميعا " حتى ارتووا وارتو بنا جميعا ". وروى ايضا ان أمير
المؤمنين " ع " بعث ابا عمره في رجال من اصحابه إلى معاوية يدعونه إلى الله تعالى
والى الطاعة والجماعة فلما دخلوا عليه تكلم أبو عمرة فحمد الله واثنى عليه وقال يا
معاوية ان الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة وان الله تعالى جازيك بعملك
ومحاسبك بما قدمت يداك وإنى انشدك بالله ان تفرق جماعة هذه الامة ان تسفك دماءها
بينها فقطع معاوية الكلام فقال هلا أوصيت صاحبك قال قلت سبحان الله ان صاحبي ليس
مثلك ان صاحبي احق البرية بهذا الامر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة
من الرسول قال فتقول ماذا قال ادعوك إلى تقوى ربك واجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه
من الحق فإنه أسلم لك في دينك وخير لك في عاقبة أمرك قال وابطل دم عثمان لا
والرحمان لا افعل ذلك ابدا ". قال وكان ابن محصن من أعلام أصحاب على " ع " قتل في
المعركة بصفين وجزع على عليه السلام لقتله فقال النجاشي يرثيه.
________________________________________
[ 417
]
لنعم فتى
الحيين عمرو بن محصن * إذا صارخ الحى المصبح ثوبا إذ الخيل جالت بينها قصد القنا *
يثرن عجاجا ساطعا " متنصبا لقد فجع الأنصار طرا " بسيد * أخى ثقة في الصالحات مجربا
" فيارب خير قد افدت وجفنة * ملأت وقرن قد تركت مسلبا " ويارب خصم قد رددت بغيظه *
فآب ذليلا بعد ان كان مغضبا وراية مجد قد حملت وغزوة * شهدت إذ النكس الجبان تهيبا
حويطا " على جل العشيرة ماجدا " * وما كنت في الانصار نكسا مؤنبا طويل عماد المجد
رحبا فناؤه * خصيبا إذا ما رائد الحى أجدبا عظيم رماد النار لم تك فاحشا ولا فشلا
يوم النزال مغلبا وكنت ربيعا " ينفع الناس سيبه * وسيفا جرازا باتر الحد مقضبا فمن
يك مسرورا " بقتل ابن محصن * فعاش شقيا " ثم مات معذبا وغودر منكبا لفيه ووجهه *
يعالج رمحا ذا سنان وتغلبا فان تقتلوا الحر الكريم ابن محصن * فنحن قتلنا ذا الكلاع
وحوشبا وإن تقتلوا أبنى بديل وهاشما * فنحن تركنا منكم القرن اعضبا ونحن تركنا
حميرا " في صفوفكم * لدى الحرب صرعى كالنخيل مشذبا وافلتنا تحت الأسنة مرشد * وكان
قديما " في الغرار مدربا ونحن تركنا عند مختلف القنا * اخاكم عبيد الله لحما ملحبا
" بصفين لما ارفض عنه رجالكم * ووجه ابن عتاب تركنا ملغبا وطلحة من بعد الزبير ولم
ندع * لضبة في الهيجا عريفا " منكبا ونحن أحطنا بالبعير وأهله * ونحن سقيناكم سماما
" مقشبا (مسعود بن اوس بن زيد بن أحزم بن زيد) هو أبو محمد غلبت عليه كنيته وهو
الذى زعم ان الوتر واجب فقال
________________________________________
[ 418
]
عبادة بن
الصامت كذب أبو محمد وشهد بدرا " وكان من أصحاب أمير المؤمنين " ع " وشهد معه صفين.
(نضلة بن عبيد بن الحرث) أبوبرزة الأسلمي صحابي مشهور بكنيته وأختلف في أسمه فقيل
نضلة بن عبيد الله بن الحرث وقيل عبد الله بن نضلة وقيل سلمة بن عبيد والصحيح الأول
أسلم أبوبزرة قبل الفتح وشهد الفتح وغزى سبع غزوات ثم نزل البصرة وغزى خراسان ومات
بها سنة خمس وستين على الصحيح وكان من أصحاب أمير المؤمنين واصفيائه وهو القائل في
أمير المؤمنين عليه السلام. كفى بعلى قائدا " لذوى النهى * وحرزا " من المكروه
والحدثان نروح إليه ان المت ملمة * علينا ونرضى قوله ببيان يبين اخفاء النفوس التى
لها * من الهلك والوسواس هاجستان (مرداس) بكسر الميم وسكون الراء المهملة بن مالك
الأسلمي صحابي كان ممن بابع تحت الشجرة وسكن الكوفة وهو في عداد أهلها. قيل روى عنه
حديث واحد ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال يقبض الصالحون الأول فالأول إلى ان
تبقى حثالة كحثالة النمر وكان من أصحاب أمير المؤمنين " ع ". وروى عنه قيس بن أبى
حازم وزياد بن علامة. قال ابن حجر وهو قليل الحديث. (المسور) ابن شداد بن عمير
القرشى الفهرى صحابي حجازى نزل الكوفة ثم مصر. وروى عنه أهل البلدين وكان من أصحاب
أمير المؤمنين " ع " مات سنة خمس وأربعين. (عبد الله بن بديل) بضم الموحدة وفتح
الدال المهملة وسكنون المثناة التحتانية وبعدها لام، ابن ورقاء
________________________________________
[ 419
]
الخزاعى،
أسلم مع أبيه يوم الفتح أو قبله وكانا سيدى خزاعة وعيبة النبي صلى الله عليه وآله
وشهد عبد الله حنينا " والطائف وتبوك وكان رفيع القدر ورفيع الشأن أرسله النبي صلى
الله عليه وآله مع أخويه عبد الرحمن ومحمد إلى اليمن ليفقهوا أهلها ويعلموهم الدين
وكان عبد الله من أصفياء أمير المؤمنين عليه السلام وخلص أصحابه شهد معه الجمل
وصفين وأبلى فيها بلاء حسنا " إلى أن استشهد بصفين كما ستقف عليه ان شاء الله
تعالى. روى نصر بن مزاحم قال قام عبد الله بن بديل بين يدى أمير المؤمنين بصفين قبل
القتال فقال يا أمير المؤمنين ان القوم لو كانوا لله يريدون ولله يعملون ما خالفونا
ولكن القوم إنما يقاتلونا فرارا " من الأسرة وحب الأثرة ضنا " بسلطانهم وكراهة
لفرقة دنياهم التى في ايديهم وعلى أخر في انفسهم وعداوة يجدونها في أنفسهم لوقايع
أوقعتها بهم هلك فيها آباؤهم واخوانهم فكيف يبايع معاوية عليا " وقد قتل اخاه وخاله
وجده والله ما أظن ان يفعلوا ولن يستقيموا لكم دون ان يقصد فيها المران وتقطع على
هامهم السيوف وتنشر حواجبهم بعمد الحديد وتكون أمور جمة بين الفريقين. وروى عن
الشعبى ان عليا بعث على ميمنته عبد الله بن بديل وعلى ميسرته عبد الله بن العباس.
وروى عن زيد بن وهب ان عبد الله بن بديل قام في اصحابه فقال ان معاوية ادعى ما ليس
له ونازع الأمر أهله من ليس له مثله جائكم بالباطل ليدحض به الحق فصال عليكم
بالاعراب والاحزاب وزين لهم الضلال وزرع في قلوبهم حب الفتنة ولبس عليهم الإمر
ورادهم رجسا " إلى رجهم وانتم والله على بينة من ربكم نور ظاهر مبرور أتخشونهم
فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ويخزهم وينصركم
عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين وقد قاتلتهم مع النبي صلى الله عليه وآله ما هم في هذه
بازكى ولا اتقى ولا ابر قوموا إلى عدو الله وعدوكم. وروى عن عمرو بن شمس عن جابر
قال سمعت الشعبى يقول كان عبد الله
________________________________________
[ 420
]
ابن بديل مع
على " ع " يومئذ عليه سيفان ودرعان فجعل يضرب بسيفه فقدما وهو يقول: لم يبق غير
الصبر والتوكل * والترس والرمح وسيف مصقل ثم التمشى في الرعيل الأول * مشى الجمال
في حياض المنهل فلم يزل يضرب بسيفه حتى أنتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه وجعل
ينادى يا لثارات عثمان يعنى احا كان له وظن معاوية وأصحابه إنما يعنى عثمان بن عفان
حتى أزال معاوية عن موقفه فأمر معاوية أصحابه الذين بايعوه على الموت ان يصمدوا
لعبدالله بن بديل وبعث إلى حبيب بن مسلمة الفهرى وهو في الميسرة ان يحمل عليه بجميع
من معه فاختلط الناس واصطدم الفيلقان ميمنة أهل العراق وميسرة أهل الشام وأقبل عبد
الله بن بديل يضرب بسيفه قدما حتى أزال معاوية عن موقفه وجعل ينادى يا لثارات عثمان
وإنما يعنى اخا له قتل وظن معاوية واصحابه انه بعنى عثمان بن عفان وتراجع معاوية عن
مكانه القهقهرى كثيرا " واشفق على نفسه وأرسل إلى حبيب بن مسلمة مرة ثانية وثالثة
يستنجده ويستصرخه وحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية على ميمنة أهل العراق فكشفها
حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة انسان من القراء فاشتد بعضهم إلى بعض يحمون
أنفسهم وحج ابن بديل في الناس وصمم على قتل معاوية وجعل يطلب موقفه ويصمد نحوه حتى
انتهى إلى معاوية ومعه عبد الله بن عامر واقفا فنادى معاوية في الناس عليكم بالصخر
والحجارة ان عجزتم عن السلاح فرضخه الناس بالصخر والحجارة حتى اثخنوه فسقط فاقبلوا
عليه بسيوفهم فقتلوه وجاء معاوية وعبد الله بن عامر حتى وقفا عليه فاما عبد الله بن
عامر فالقى عمامته على وجهه وترحم عليه وكان له اخا " وصديقا " من قبل فقال معاوية
اكشف عن وجهه فقال لا والله ولا يمثل به وفى روح فقال معاوية اكشف عن وجهه فإنا لا
نمثل به قد وهبناه لك فكشف ابن عامر عن وجهه فقال معاوية هذا كبش القوم ورب
________________________________________
[ 421
]
الكعبة
اللهم اظفرني بالأشتر النخعي والأشعث الكندى والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر:
أخو الحرب ان عضت به الحرب عضها * وان شمرت عن ساقها الحرب شمرا " ويحمى إذا ما
الموت كان لقاؤه * فذا السيف يحمى الأنف ان يتأخرا كليث هزبر كان يحمى ذماره * رمته
المنايا قصده فتقطرا ثم قال ان نساء خزاعة لو قدرت على ان تقاتلني فضلا عن رجالها
لفعلت قال نصر فحدثنا عمرو عن أبى روق قال استعلى أهل الشام عند قتل ابن بديل على
أهل العراق يومئذ وانكشف أهل العراق من قبل الميمنة واجفلوا اجفالا شديدا " فامر
على " ع " سهل بن حنيف فاستقدم بمن كان معه فغدا الميمنة يعضدها فاستقبلهم جموع أهل
الشام في حيل عظيمة فحملت عليه فالحقهم بالميمنة كانت ميمنة أهل العراق متصلة بموقف
على " ع " في القلب في أهل اليمن فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى على فانصرف يمشى
نحو الميسرة فانكشفت مضر عن الميسرة أيضا " فلم يبق مع على من أهل العراق إلا ربيعة
وحدها في الميسرة. قال نصر فحدثنا عمرو قال حدثنا مالك بن أعين عن زيد بن وهب قال
لقد مر على " ع " يومئذ ومعه بنوه نحو الميسرة ومعه ربيعة وحدها وانى لأرى النبل من
بين عاتقيه ومنكبه وما من بنية إلا يقيه بنفسه فيكره على " ع " ذلك فيقدم عليه
ويحول بينه وبين أهل الشام ويأخذ بيده إذا فعل ذلك فيلقيه من ورائه وبصر به أحمر
مولى بنى أمية وكان شجاعا " فقال على " ع " ورب الكعبة قتلني الله ان لم اقتلك
فاقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى على فاختلفا ضربتين فقتله أحمر وخالط عليا "
ليضربه بالسيف وينتهزه على فتقع يده في جيب درعه فجذبه عن فرسه فحمله على عاتقه
فوالله لكأنى انظر إلى رجلى أحمر يختلفان على عنق على ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه
وعضديه وشد ابنا على حسين ومحمد فضرباه باسيافهما حتى برد فكأني انظر إلى على " ع "
قائما " وشبلاه يضربان الرجل حتى
________________________________________
[ 422
]
أتيا عليه
ثم أقبلا على أبيهما والحسن " ع " قائم معه فقال له على يا بنى ما منعك ان تفعل كما
فعل أخواك فقال " ع " كفياني يا أمير المؤمنين. وروى نصر عن عمر بن سعد عن عبد
الرحمن بن كعب قال لما قتل عبد الله بن بديل يوم صفين مر به الأسود بن طهمان
الخزاعى وهو باخر رمق فقال له عز على والله مصرعك اما والله لو شهدتك لآسيتك
ولدافعت عنك ولو رأيت الذى أشعرك لأحببت ان لا ازايله ولا يزايلى حتى أقتله أو
يلحقني بك ثم نزل إليه فقال رحمك الله يا عبد الله إن كان جارك ليأمن بوايقك وإن
كنت لمن الذاكرين لله كثيرا " أوصني رحمك الله قال أوصيك بتقوى الله وان تناصح أمير
المؤمنين وتقاتل معه حتى يظهر الحق أو تلحق بالله وابلغ أمير المؤمنين " ع " عنى
السلام وقل له قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك فانه من أصبح والمعركة خلف
ظهره كان الغالب ثم لم يلبث ان مات فاقبل أبو الأسود إلى على " ع " فاخبره فقال
رحمه الله جاهد معنا عدونا في الحياة ونصح لنا في الوفاة ومن شعر عبد الله بن بديل
ما انشده أبو مخنف في كتاب (وقعة الجمل) قوله: يا قوم للحطة العظمى التى حدثت * حرب
الوصي وما للحرب من آس الفاصل الحكم بالتقوى إذا ضربت * تلك القبائل اخماسا "
لاسداس قال نصر وفرح أهل الشام بقتل هاشم بن عتبة وعبد الله وعبد الرحمن ابني بديل
فقال حريش الكونى وهو مع على عليه السلام: معاوية ما أفلت إلا بجرعة * من الموت
رعبا " تحسب الشمس كوكبا نجوت وقد ادميت بالسوط بطنه * لزوما " على فأس اللجام
مشذبا " فان تفخروا بابنى بديل وهاشم * فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا وانهما ممن
قتلتم على الهدى * فوافوا فكفوا القول ننسى التحوبا " قال المؤيد الخوارزمي كان
عمار بن ياسر وهاشم بن عتبة وعبد الله بن بديل فرسان العراق ومردة الحرب ورجال
المعارك وسيوف الأقران وامراء
________________________________________
[ 423
]
الاخيار
وأمراء أمير المؤمنين " ع " وقد أوقعوا باهل الشام ما بقى ذكره على مر الأحقاب حتى
احتالوا لقتلهم. وفيهم يقول الاشتر ذاكرا " لهم متأسفا " عليهم: ابعد عمار وبعد
هاشم * وابن بديل فارس الملاحم أرجو البقاء ضل حلم الحالم (حجر بن عدى) ابن معاوية
بن جبلة بن الأدبر الكندى يكنى ابا عبد الرحمن، قال أبو عمرو بن عبد البر في كتاب "
الاستيعاب " كان حجر من فضلاء الصحابة وصغر سنه عن كبارهم وقال غيره كان من الأبدال
وكان صاحب راية النبي صلى الله عليه وآله وهو يعد من الرؤساء والزهاد ومحبته
وإخلاصه لأمير المؤمنين أشهر من ان تذكر وكان على كندة يوم صفين وعلى الميسرة يوم
النهروان ومن كلامه لأمير المؤمنين لما أمر بالمسير إلى الشام يا أمير المؤمنين نحن
بنوا الحرب وأهلها الذين نلقحها وننتجها، قد ضارستنا وضارسناها ولنا أعوان وعشيرة
ذات عدد ورأى محرب وبأس محمود وازمتنا منقادة لك بالسمع والطاعة فإن شرفت شرقنا وإن
غربت غربنا وما أمرتنا من أمر فعلنا فقال له على " ع " اكل قومك يؤدى مثل رأيك قال
ما رأيت منهم إلا حسنا وهذى يدى عنهم بالسمع والطاعة وحسن الأجابة فقال له على " ع
" خيرا ". ومن كلام له أيضا " حين أستنفر أهل الكوفة للقتال بعد وقعة أهل النهروان
فلم يجيبوا بما يرضاه واكثروا اللغط في حضرته " ع " فساءه ذلك منهم فقام حجر فقال
لا يسؤك الله يا أمير المؤمنين مرنا بأمرك نتبعه فوالله ما نعظم جزعا " على أموالنا
ان نفدت ولا على عشائرنا ان قتلت في طاعتك ومن شعره قوله في على عليه السلام يوم
الجمل: يا ربنا سلم لنا عليا " * سلم لنا المبارك الرضيا المؤمن الموحد التقيا * لا
خطل الرأى ولا غويا
________________________________________
[ 424
]
بل هاديا
موفقا " مهديا * واحفظه ربى واحفظ النبيا فيه فقد كان له وليا " * ثم أرتضاه بعده
وصيا وابلى في صفين بلاء حسنا. روى نصر باسناده عن عبد الله بن شريك قال خرج حجر بن
عدى وعمرو بن الحمق يظهر ان البرائة واللعن لأهل الشام فارسل اليهما على " ع " ان
كفا عما يبلغني عنكما فاتياه فقالا يا أمير المؤمنين السنا محقين قال بلى قالوا أو
ليسوا مبطلين قال بلى قالا فلم تمنعنا من شتمهم قال كرهت لكم ان تكونوا لعانين
شتامين تشهدون وتبرون ولكن لو وصفتم مساوى أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا وكذا كان
أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان لعنكم اياهم وبرائتكم منهم اللهم أحقن
دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق منهم من
جهله ويرعوى عن الغى والعدوان من لهج به كان هذا أحب إلى وخيرا " لكم فقالا يا أمير
المؤمنين " ع " نقبل عظتك ونتأدب بأدبك وروى أيضا عن الشعبى ان أول فارسين التقيا
في اليوم السابع من صفين وكان من الأيام العظيمة حجر الخير وحجر الشر أما حجر الخير
فهو ابن عدى صاحب على " ع " وأما حجر الشر فابن عمه كلاهما من كندة وكان من أصحاب
معاوية فاطعنا برمحيهما وخرج رجل من بنى اسد يقال له خزيمة من عسكر معاوية فضرب حجر
بن عدى ضربة برمحه فحمل أصحاب على فقتلوا خزيمة الاسدي ونجا حجر الشر هاربا "
فالتحق بعسكر معاوية. وروى ابن شهر اشوب في (المناقب) ان أدهم بن لام القضاعى من
أصحاب معاوية خرج يوما " من ايام صفين يقول: اثبت لوقع الصارم الصقيل * فانت لا شك
أخو قتيل فبرز حجر بن عدى فقتله فخرج إليه الحكم بن الازهر قائلا: يا حجر حجر بن
عدى الكندى * اثبت فإنى ليس مثلى بعدى
________________________________________
[ 425
]
فقتله حجر
فبرز إليه مالك بن مسهر القضاعى وهو يقول: إنى انا مالك بن مسهر * انا ابن عم الحكم
بن الازهر فاجابه رحمه الله تعالى: إنى حجر وانا ابن مسعر * اقدم إذا شئت ولا تأخر
فقتله حجر. وذكر الشيخ المفيد (رض) وغيره ان ابن ملجم وصاحبيه ورد ان التميمي وشبيب
بن بحرة الإشجعى لما عزموا على ما عزموا عليه من قتل أمير المؤمنين القوا إلى
الأشعث بن قيس ما في نفوسهم فواطأهم عليه وحضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة
لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه وكان حجر بن عدى " رض " في تلك الليلة بائتا " في
المسجد فسمع الأشعث يقول لأبن ملجم النجا النجا بحاجتك فقد فضحك الصبح فاحس حجر بما
اراد الأشعث وقال له قتلته يا أعور وخرج مبادرا " ليمضى إلى أمير المؤمنين " ع "
ليخبره بالخبر ويحذره من القوم فخالفه أمير المؤمنين " ع " فدخل المسجد فسبقه ابن
ملجم فضربه بالسيف فاقبل حجر بن عدى والناس يقولون قتل أمير المؤمنين ولما بلغ
الحسن بن على ان معاوية قد عبر جسر منبج وجه حجر بن عدى يامر العمال بالاحتراس وندب
الناس فسارعوا حتى إذا كان من صلح الحسن لمعاويه ما كان دخل عبيدة بن عمرو الكندى
وهو من قوم حجر بن عدى على الحسن بن على " ع " وكان على وجهه ضربة وهو مع قيس ابن
سعد بن عبادة قال ما الذى أرى في وجهك قال جرح اصابني مع قيس فالتفت حجر إلى الحسن
فقال لوددت إنك مت قبل هذا ومتنا معك ولم نر هذا اليوم انا رجعنا راغمين بما كرهنا
ورجعوا مسرورين بما أحبوا فتغير وجه الحسن وغمز الحسين حجرا " فسكت فقال الحسن يا
حجر ليس كل الناس يحب ما تحب ولا رأيه رأيك وما فعلت إلا ابقاءا " عليكم والله
تعالى كل يوم هو في شأن وروى الكشى (باسناده) عن طاوس عن أبيه قال انبأنا حجر بن
عدى
________________________________________
[ 426
]
قال: قال لى
على " ع " كيف تصنع أنت إذا ضربت وأمرت بلغني قلت كيف اصنع قال العنى ولا تبرأ منى
فإنى على دين الله قال ولقد ضربه محمد بن يوسف وأمره ان يلعن عليا " واقامه على باب
مسجد صنعاء قال فقال الأمير امرني أن العن عليا فالعنوه لعنه الله فرأيت محوارا من
الناس إلا رجلا فهمها قال المؤلف (رض) عندي في هذا الخبر نظر فان محمد بن يوسف إنما
ولى اليمن في زمن عبد الملك بن مروان وهو أخو الحجاج بن يوسف استعمله أخوه الحجاج
على صنعاء اليمن وحجر بن عدى قتله معاوية بن أبى سفيان فكيف يصح ان يكون محمد بن
يوسف ضرب حجرا ليلعن عليا " أمير المؤمنين " ع " وليس في عمال معاوية على اليمن من
أسمه محمد بن يوسف كما تنطق به التواريخ فان معاوية لما استعمل الخلافة عثمان بن
عثمان الثقفى فاقام به مدة ثم عزله باخيه عتبة بن أبى سفيان فاقام سنتين ثم لحق
بأخيه معاوية واستخلف على اليمن فيروز الديلمى فاقام ثمان سنين ولما توفى عتبة بن
أبى سفيان استعمل معاوية مكانه داذوبه الفارسى فاقام تسعة أشهر ثم مات فاستعمل
معاوية مكانه على اليمن الضحاك بن فيروز الديلمى فلم يزل على اليمن حتى هلك معاوية
في رجب سنة ستين للهجرة هؤلاء جميع عمال معاوية على اليمن ولبس فيهم مسمى بمحمد بن
يوسف والله أعلم. واما سبب قتل حجر بن عدى فكان من حديثه ان المغيرة بن شعبة كان لا
ينام عن شتم على " ع " وأصحابه واللعنة بهم والترحم على عثمان وأصحابه وكان حجر بن
عدى إذا سمع ذلك يقول ان من تذمون احق بالفضل والتقدم ومن تمدحون أولى بالدم فلما
كان في آخر زمان المغيرة بن شعبة نال من على وقال في عثمان ما كان يقول فقام حجر بن
عدى وصاح به وقال إنك لا تدرى بمن تولع أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين على بن أبى
طالب " ع " ومدح المجرمين فقام معه نحو ثلاثين الفا " يقولون صدق حجر فدحل المغيرة
بيته فجائه قومه قائلين له على م تترك هذا الرجل يجترى في سلطانك ثم ان بلغ معاوية
سخط عليك فقال
________________________________________
[ 427
]
إنى قد
قتلته انه سيأتي أمير بعدى فيلعنه مثلى فيصنع به مثل ما صنع بى فيقتله وانا قد
أقترب أجلى فلا أقتل خير أهل هذا المصر فلما ولى معاوية زياد بن أبيه الكوفة خطب
زياد فقال اما بعد فان مرتع البغى وخيم وايم الله ان لم تستقيموا لاداوينكم بدوائكم
ولست بشئ ان لم احم ناحية الكوفة من حجر بن عدى وادعه نكالا لما بعده. قال الطبري
في (رسالته) ان زيادا " خطب يوم جمعة فاطال الخطبة واخر الصلاة فقال له حجر بن عدى
الصلاة فمضى في خطبته فاخذ حجر كفا من حصى وحصبه به وثار إلى الصلاة وثار الناس معه
فنزل زياد وصلى بالناس ثم كتب إلى معاوية فكتب معاوية إليه ان اشدده في الحديد
واحمله إلى فاراد قوم حجر منعه فقال لهم لا ولكن نطيع ونسمع فلما دخل على معاوية
قال السلام عليك فقال له معاوية والله لأقتلنك ولا استقبلك اخرجوه فاضربوا عنقه
فاخرجوه فقال لهم دعوني أصلى ركعتين فصلاهما وخفف وقال لولا أن تظنوا بى غير الذى
بى لأطلتهما ثم قال من حضر من أهل بيته لا تطلقوا منى حديدا ولا تغسلوا عنى دما
فإنى لاق معاوية غدا " على الجادة ثم ضربت عنقه سادس ستة أو سابع سبعة أحدهم ولده.
ذكر المسعودي في (مروج الذهب) ان زيادا " وفد إلى معاوية من الكوفة ومعه حجر بن عدى
وتسعة من أهل الكوفة وأربعة من غيرهم فلما بقى على أميال من الكوفة انشأت ابنة لحجر
بن عدى وهى تقول: ترفع أيها القمر المنير * لعلك ان ترى حجرا " يسير يسير إلى
معاوية بن حرب * ليقتله كذا زعم الأمير تنبرت المنابر بعد حجر * وطاب لها الخورنق
والسدير اخاف عليك ما ادرى عديا * وشيخا " في دمشق له زئير لعمري ان كل عميد قوم *
إلى هلك من الدنيا يصير
________________________________________
[ 428
]
فلما وصلوا
إلى عذراء على اثنى عشر ميلا من دمشق تقدم البريد باخبارهم إلى معاوية فبعث إليهم
رجلا اعور فلما اشرف على حجر واصحابه قال رجل من أصحاب حجر ان صدق الزجر فانه سيقتل
منا نصفا " ويسلم الباقون قيل وكيف ذاك قال ما ترون الرجل المقبل مصابا باحدى عينيه
فلما وصل إليهم قال لحجر ان أمير المؤمنين أمرنى بقتلك وقتل أصحابك إلا ان توالوا
أمير المؤمنين وترجعوا إلى طاعته فلما قدم حجر ليقتل قال دعوني اصلى ركعتين فتركوه
فطول في صلاته فقيل أتجزع من الموت فقال لا ولكني ما تطهرت للصلاة قط إلا صليت ولا
صليت قط أخف من هذه الصلاة وكيف لا أجزع وإنى أرى قبرا " محفورا " وسيفا " مشهورا "
وكفنا " منشورا " ثم قدم واصحابه فقتلوا إلا من بايع. وقال شيخنا محمد بن مكى
المعروف (بالشهيد الأول) قدس الله روحه الشهداء الذين بعذراء دمشق الذين قتلهم
معاوية بعد ان بايعوه واعطاهم العهود والمواثيق حجر بن عدى الكندى حامل راية النبي
صلى الله عليه وآله وولده همام وقبيصة بن ضبيع العبسى وصيفى بن قيل وشريك بن شداد
الحضرمي ومحرز بن شهاب السعدى وكرام بن حيان العبدى كلهم في ضريح واحد في جامع
عذراء. قال الشيخ محمد بن مكى (ره) انشدني خادمهم هذه الأبيات: حماعة بثرى عذاره قد
دفنوا * وهم صحاب لهم فضل واعظام حجر قبيصة صيفي شريكهم * ومحرز ثم همام وكرام
عليهم الف رضوان مكرمة * تترى تدوم عليهم كلما داموا قال محمد بن مكى (رض) فزدت
بيتا " ومثلها لعنات للذى سفكوا * دمائهم وعذاب بالذى استاموا وفى رواية ان معاوية
كتب إلى زياد ان اعرض على حجرا " وأصحابه وكانوا ثمانية ليتبرؤا من على ويطلقوا
فقالوا بل نتولاه ونتبرى ممن برئ منه فحفرت لهم قبور ونشرب اكفانهم فقال حجر
يكفنوننا كأنا
________________________________________
[ 429
]
مسلمون
ويقتلوننا كأنا كافرون وعرض عليهم البراءة عدة دفعات فلم يفعلوا فقتلوا. وعن أمير
المؤمنين " ع " مثلهم كمثل أصحاب الاخدود. قال الأعمش أول من قتل في الإسلام صبرا "
حجر بن عدى وأول رأس أهدى من بلد إلى بلد رأس عمرو بن الحمق. وسئل ابن اسحاق متى ذل
الناس قال حيث مات الحسن بن على " ع " وادعى معاوية زيادا " وقتل حجر بن عدى. وروى
انه لما قتل معاوية حجر بن عدى وأصحابه لقى في ذلك العام الحسين " ع " فقال يا ابا
عبد الله هل بلغك ما صنعت بحجر واصحابه من شيعة أبيك قال لا قال إنا قتلناهم
وكفناهم وصلينا عليهم فضحك الحسين " ع " ثم قال خصمك القوم يوم القيامة يا معاوية
اما والله لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم وقد بلغني وقوعك في
أبى حسن " ع " وقيامك به واعتراضك بنى هاشم بالعيوب وايم الله لقد أوترت غير قوسك
ورميت غير غرضك وتناولتها بالعداوة من مكان قريب ولقد أطعت أمرؤا " اما قدم ايمانه
ولا حدث نفاقه وما نظر لك فانظر لنفسك أو دع. يريد عمرو بن العاص وروى ان معاوية
لما قدم المدينة دخل على عائشة فقالت ما حملك على قتل أهل عدن حجر وأصحابه فقال إنى
رأيت قتلهم صلاحا " للأمة وبقائهم فسادا للأمة فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه
وآله يقول سيقتل بعذراء اناس يغضب الله لهم وأهل السماء فقال يا ام المؤمنين دعينى
وحجرا " نلتقي عند ربنا وفى رواية انها قالت له اين كان حلمك عن حجر بن عدى فقال يا
أم المؤمنين لم يكن بحضرتي رشيد وذكر كثير من أهل الاخبار ان معاوية لما حضرته
الوفاة جعل يغرغر بالموت ويقول ان يومى منك يا حجر بن عدى لطويل. وروى ان ربيع بن
زياد الحارثى كان عاملا لمعاوية على خراسان وكان
________________________________________
[ 430
]
فاضلا جليلا
وكان الحسن بن أبى الحسن البصري كاتبه فلما بلغه قتل حجر بن عدى دعا الله عزوجل
فقال اللهم ان كان للربيع عندك خير فاقبضه اليك وعجل فلم يبرح من مجلسه حتى مات.
وروى الشيخ الطوس (ره) في (أماليه) باسناده عن عطاء بن مسلم عن الحسن بن البصري قال
كنت غازيا " من معاوية بخراسان وكان علينا رجل من التابعين فصلى بنا يوما " الظهر
ثم صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وقال أيها الناس قد حدث في الإسلام حدث عظيم لم
يكن منذ قبض الله نبيه مثله بلغني ان معاوية قتل حجر بن عدى وأصحابه فان يك عند
المسلمين خير فسبيل ذلك وان لم يكن عندهم خير فاسأل الله ان يقبضنى إليه وان يعجل
ذلك. قال الحسن بن أبى الحسن فلا والله ما صلى بنا صلاة غيرها حتى سمعنا عليه
الصياح. وروى الزبير بن بكار عن رجاله عن الحسن البصري انه قال أربع خصال في معاوية
لو لم يكن منهن الا واحدة لكانت موبقة انتزاؤه على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزها
أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذووا الفضيلة واستخلافه ابنه يزيد من
بعده سكيرا " خميرا " يلبس الحرير ويضرب بالطنابير وادعائه زيادا " وقد قال رسول
الله صلى الله عليه وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجر بن عدى وأصحابه
فياويله من حجر وأصحاب حجر. وورى الكشى ان الحسين " ع " كتب إلى معاوية في كتاب
كتبه إليه الست القاتل لحجر بن عدى اخا كندة والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون
الظلم ويستعظمون البدع ولا يحافون في الله لومة لائم ثم قتلتهم ظلما " وعدوانا "
وبعد ما كنت اعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة. قال أبو عمرو بن عبد البر
في كتاب (الاستيعاب) لما ولى معاوية زياد العراق وما ورائها واظهر من الغلظة وسوء
السيرة ما أظهر خلعه حجر رحمه الله
________________________________________
[ 431
]
ولم يخلعه
معاوية وبايعه جماعة من أصحاب على " ع " وشيعته وحصبه يوما " في تأخير الصلاة هو
وأصحابه فكتب فيه زياد إلى معاوية فأمره ان يبعث إليه به مع وائل بن حجر الحضرمي في
اثنى عشر رجلا كلهم في الحديث فقتل معاوية منهم ستة واستحيى ستة وكان حجر ممن قتل.
قال وكان قتل معاوية لحجر بن عدى في سنة احدى وخمسين. وحجر بضم الحاء المهملة وسكون
الجيم وبعدها راء مهملة. والادبر بفتح الهمزة وسكون الدال وفتح الباء ثم راء مهملة
سمى به لأنه ضرب بالسيف على اليته مدبرا " والله أعلم. (عمرو بن الحمق الخزاعى)
بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وبعدها قاف. ابن كاهل ويقال الكاهن بالنون. ابن حبيب
الخزاعى صحابي جليل القدر من خواص أمير المؤمنين " ع " شهد معه مشاهده كلها وكان
ممن خرج على عثمان. قال الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير
المؤمنين. وعن ميمون بن مهران ان عمرو بن الحمق سقى رسول الله صلى الله عليه وآله
لبنا فقال اللهم متعه بشبابه فمرت عليه تمانون سنة لم ير شعرة بيضاء. وروى نصر بن
مزاحم ان عمرو بن الحمق قال لامير المؤمنين " ع " في يوم من أيام صفين والله يا
أمير المؤمنين انى ما أحببتك ولا بايعتك على قرابة بينى وبينك ولا ارادة مال
تؤتينيه ولا الماس سلطان ترفع ذكرى به ولكن أحببتك بخصال خمس إنك ابن عم رسول الله
ووصيه وأبو الذرية التى بقيت فينا من رسول الله واسبق الناس إلى الإسلام واعظم
المهاجرين سهما في الجهاد فلو إنى كلفت نقل الجبال الرواسى ونزح البحور الطوامى حتى
يأتي على يومى في أمر أقوى به وليك واهين بن عدوك ما رأيت إنى قد اديت فيه كل الذى
يحق على من حقك فقال على " ع " اللهم نور قلبه بالتقى واهده إلى صراطك المستقيم ليت
إن
________________________________________
[ 432
]
في جندي
مائة مثلك فقال حجر إذا والله يا أمير المؤمنين صح جندك وقل فيهم من يغشك. وروى
الكشى باسناده عن على بن اسباط بن سالم قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر " ع " إذا
كان يوم القيامة نادى مناد أين حوارى على بن أبى طالب وصى محمد بن عبد الله رسول
الله الذين لم ينقظوا العهد ومضوا عليه فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر ثم ينادى مناد
اين حوارى على بن أبى طالب وصى محمد بن عبد الله فيقوم عمرو بن الحمق ومحمد بن أبى
بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بنى اسد وأويس القرنى إلى آخر الحديث. قال أبو عمرو
بن عبد البر في كتاب (الاستيعاب) أسلم عمرو بن الحمق بعد الحديبية وصحب رسول الله
مدة وكان يحفظ الاحاديث وسكن الشام ثم نزل الكوفة واتخذها وطنا وهو أحد الاربعة
الذين أقتحموا على عثمان بن عفان الدار وكان من شيعة على بن أبى طالب " ع " وشهد
معه جميع حروبه من الجمل وصفين والنهروان ولما توفى على " ع " قال مع حجر بن عدى في
منع بنى أمية من سب على ولما أمر زياد بالقبض على حجر هرب عمرو إلى الموصل واختفى
في غار فلدغته حية به فمات ولما وصل إليه الجماعة الذين بعث بهم زياد لعنه الله
وجدوه ميتا " في الغار فقطعوا رأسه وذهبوا به إلى زياد فبعث به إلى معاوية وهو أول
رأس حمل من بلد إلى بلد قال نصر وقال عمرو بن الحمق بصفين: تقول عرسي لما ان رأت
أرقي * ماذا يهيجك من أصحاب صفينا الست في عصبة يهدى الاله بهم * أهل الكتاب ولا
بغيا يريدونا فقلت إنى على ما كان من سدد * اخشى عواقب امر سوف يأتينا ازالة القوم
في امر يراد بهم * فاقنى حياءا وكفى ما تقولينا وروى محمد بن على الصواف عن الحسين
بن سفيان عن أبيه عن شمير بن ابن سدير الازدي قال: قال على " ع " لعمرو بن الحمق
الخزاعى اين نزلت يا عمرو
________________________________________
[ 433
]
قال في قومي
قال لا تنزلن فيهم قال أفأنزل في كنانة جيراننا قال لا قال افانزل في ثقيف قال فما
تصنع بالمعرة والمحرة قال وما هما قال عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة يأتي
احدهما على تميم وبكر بن وائل فقل ما يفلت منه احد ويأتى العنق الآخر فيأخذ على
الجانب الآخر من الكوفة فقل من يصيب منهم إنما تدخل الدار فتحرق البيت والبيتين قال
فاين أنزل قال أنزل في بنى عمرو بن عامر من الأزد قال فقال قوم حضروا هذا الكلام ما
نراه إلا كاهنا يتحدث بحديث الكهنة فقال يا عمرو وإنك لمقتول بعدى وان رأسك لمنقول
وهو أول رأس ينقل في الإسلام والويل لقاتلك أما انك لا تنزل لقوم إلا اسلموك برمتك
الا هذا الحى من بنى عمرو بن عامر من الأزد فإنهم لن يسلموك ولن يخذلوك قال فوالله
ما مضت الايام حتى تنقل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في أحياء العرب خائفا "
مذعورا " حتى نزل في قومه من بنى خزاعة فاسلموه فقتل وحمل رأسه من العراق إلى
معاوية بالشام وهو أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد. وروى الكشى عن الحسن بن
محبوب عن أبى القاسم وهو معاوية بن عمار رحمه الله رفعه قال أرسل رسول الله صلى
الله عليه وآله سرية فقال لهم انكم تضلون ساعة كذا من الليل فخذوا ذات اليسار فإنكم
تمرون برجل في شأنه فتسترشدونه فيابى ان يرشدكم حتى تصيبوا من طعامه فيذبح لكم كبشا
" فيطعمكم ثم يقوم فيرشدكم فاقرؤه منى السلام واعلموه إنى قد ظهرت بالمدينة فمضوا
فضلوا الطريق فقال قائل منهم الم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله تياسروا ففعلوا
فمروا بالرجل الذى قال لهم رسول الله قال فقال لهم الرجل وهو عمرو بن الحمق (رض)
اظهر النبي بالمدينة فقالوا نعم فلحق به ولبث ما شاء الله ثم قال رسول الله أرجع
إلى الموضع الذى منه هاجرت فإذا تولى أمير المؤمنين " ع " بالكوفة فاته فانصرف
الرجل حتى إذا تولى أمير المؤمنين الكوفة اتاه واقام معه بالكوفة ثم ان أمير
المؤمنين " ع " قال له الك دار قال نعم قال بعها واجعلها في الأزد فانى غدا " لو
غبت لطلبت
________________________________________
[ 434
]
فمنعك الأزد
حتى تخرج من الكوفة متوجها إلى جسر الموصل فتمر برجل مقعد فتقعد عنده ثم تستسقيه
فيسقيك ويسألك عن شأنك فاخبره وادعه إلى الإسلام فإنه يسلم وامسح بيدك على وركيه
فان الله يمسح ما به وينهض قائما " فيتبعك وتمر برجل أعمى على ظهر الطريق فتستسقيه
فيسقيك ويسألك عن شأنك فاخبره وادعه إلى الإسلام فإنه يسلم وامسح بيدك على عينيه
فإن الله تعالى يعيده بصيرا " فيتبعك وهما يواريان بدنك في التراب ثم تتبعك الخيل
فإذا صرت قريبا " من الحصن في موضع كذا وكذا رهقتك الخيل فانزل عن فرسك ومر إلى
الغار فإنه يشترك في دمك فسقة من الجن والأنس ففعل ما قال أمير المؤمنين " ع " قال
فلما انتهى إلى الحصن قال للرجلين اصعدا فانظر اهل تريان شيئا " قالا نرى خيلا
مقبلة فنزل عن فرسه ودخل الغار وغار فرسه فلما دخلوا الغار ضربه أسود سالخ فيه
وجاءت الخيل فلما رأوا فرسه غائرا قالوا هذا فرسه وهو قريب فطلبه الرجال فأصابوه في
الغار فكلما ضربوا ايديهم إلى شئ من جسمه تبعهم اللحم فاخذوا رأسه فاتوا به فنصبه
على رمح وهو أول رأس نصب في الإسلام وروى الكشى ان مروان بن الحكم كتب إلى معاوية
وهو عامله على المدينة، اما بعد فإن عمرو بن عثمان ذكر ان رجالا من أهل العراق
ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن على وذكر انه لا يؤمن وثوبه وقد بحثت عن
ذلك فبلغني انه لا يريد الخلاف يومه هذا ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده فاكتب
إلى برأيك في هذا والسلام فكتب معاوية اما بعد فقد بلغني وفهمت ما ذكرت فيه من أمر
الحسين فاياك ان تعرض للحسين في شئ واترك حسينا " ما تركك فإنا لا نريد ان نعرض له
في شئ ما وفى ببيعتنا ولم ينازعنا سلطاننا فاكمن عنه ما لم ببدلك صفحته والسلام.
وكتب معاوية إلى الحسين بن على " ع ": اما بعد فقد انتهت إلى أمور عنك إن كانت حقا
" فقد أظنك تركتها رغبة فدعها ولعمر الله ان من أعطى الله
________________________________________
[ 435
]
عهده
وميثاقه لجدير بالوفاء وان كان الذى بلغني باطلا فإنك أنت أعدل الناس لذلك وعظ نفسك
فاذكر، وبعهد الله أوف فإنك متى تنكرني انكرك ومتى تكدنى اكدك فاتق شق عصا هذه
الأمة وأن يردهم الله على يدك في فتنة فقد عرفت الناس وبلوتهم فأنظر لنفسك ولدينك
ولامة محمد ولا يستخفنك السفهاء الذين لا يعلمون فلما وصل الكتاب إلى الحسين " ع "
كتب إليه: أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر انه قد بلغك عنى أمور أنت عنها راغب وانا
بغيرها عندك جدير فإن الحسنات لا يهتدى لها ولا يسدر إليها إلا الله وأما ما ذكرت
انه انتهى اليك عنى فإنه إنما رقاه اليك الملاقون المشاؤن بالنميمة وما اريد لك
حربا " ولا عليك خلافا " وأيم الله إنى لخائف الله في ترك ذلك وما اظن الله راضيا "
بترك ذلك ولا عاذرا " بدون الاعذار فيه اليك وفى أولئك القاسطين الملحدين حزب
الظلمة وأولياء الشياطين القاتلى حجرا اخا كندة والمصلين العابدين الذين كانوا
ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله لومة لائم ثم قتلتهم ظلما "
وعدوانا من بعد ما كنت اعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة ولا تأخذهم بحديث
كان بينك وبينهم ولا باحنة تجدها في نفسك أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله
صلى الله عليه وآله العبد الصالح الذى ابلته العبادة فنحل جسمه وأصفر لونه بعد ما
آمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا " لنزل اليك من رأس جبل ثم
قتلته جرأة على ربك واستخفافا بذلك العهد أو لست المدعى زياد بن سمية المولود على
فراش عبيد ثقيف فزعمت انه ابن أبيك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله الولد
للفراش وللعاهر الحجر فتركت سنة رسول الله تعمدا وتبعت هواك بغير هدى من الله تعالى
ثم سلطته على العراقين يقطع ايدى المسلمين وأرجلهم ويسمل اعينهم ويصلبهم على جذوع
النخل كأنك لست من هذه الامة وليسوا منك ولست صاحب الحضر ميين الذين كتب فيهم ابن
سمية انهم كانوا على دين على " ع " فكتبت إليه ان اقتل كل من كان على دين على
فقتلهم ومثل بهم بأمرك ودين على والله الذى
________________________________________
[ 436
]
كان يضرب
عليه اباك ويضربك وبه جلست مجلسك الذى جلست ولولا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين
وقلت فيما قلت أنظر لنفسك ولدينك ولامة محمد واتق شق عصا هذه الامة وان تردهم إلى
فتنة وإنى لا أعلم فتنة أعظم على هذه الامة من ولايتك عليها ولا أعلم نظرا " لنفسي
ولدينى ولامة محمد وعلينا أفضل من ان اجاهدك فإن فعلت فإنه قربة إلى الله وان تركته
فإنى استغفر الله لدينى واسأله توفيقه لارشاد أمرى وقلت فيما قلت ان انكرتك تنكرني
وان اكدك تكدنى ما بدا لك فإنى أرجو ان لا يضرنى كيدك في وان لا يكون على احد أضر
منك على نفسك لانك قد ركبت جهلك وتحرضت على نقض عهدك ولعمري ما وفيت بشرط ولقد نقضت
عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والإيمان والعهود والمواثيق فقتلتهم
من غير ان يكونوا قاتلوا وقتلوا ولم تفعل ذلك بهم الا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا
فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل ان يفعلوه وماتوا قبل ان يدركوه فابشر
يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب وأعلم ان لله كتابا " لا يغادر صغيرة ولا كبيرة
إلا احصاها وليس الله بناس لأخذك بالظنة وقتلك أوليائه على التهم ونفيك أوليائه من
دورهم إلى دار الغربة وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر ويلعب بالكلاب لا
أعلمك إلا وقد خسرت نفسك وبترت دينك غششت وأخربت امانتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل
وأخفت الورع التقى لاجلهم والسلام. فلما قرأ معاوية الكتاب قال لقد كان في نفسه خب
ما أشعر به فقال يزيد يا أمير المؤمنين أجبه بجواب تصغر به نفسه وتذكر فيه اباه بشر
فعله قال ودخل عبد الله بن عمرو ابن العاص فقال له معاوية اما رأيت ما كتب به
الحسين قال ما هو قال فاقرأ الكتاب فقال وما يمنعك ان تجبيه بما تصغر إليه نفسه
وانما قال ذلك في هوى معاوية فقال يزيد كيف رأيت يا أمير المؤمنين فضحك معاوية فقال
أما يزيد فقد أشار على بمثل رأيك قال عبد الله فقد أصاب يزيد فقال معاوية أخطأتما
أرأيتما
________________________________________
[ 437
]
لو انى ذهبت
لعيب على محقا ما عسيت ان أقول فيه ومثلى لا يحسن ان يعيب بالباطل وما لا يعرف ومتى
ما عبت به رجلا بما لا يعرفه الناس لم يحفل بصاحبه ولا يراه الناس شيئا " وكذبوه
وما عسيت ان أعيب حسينا " ووالله ما أرى للعيب فيه موضعا " وقد رأيت ان اكتب إليه
أتوعده واتهدده ثم رأيت ان أفعل ولا أخجله. وكان قتل عمرو بن الحمق بالموصل سنة
احدى وخمسين وهى السنة التى قتل فيها حجر بن عدى وكان معاوية قد فعل فيها الافاعيل
من قتل الشيعة واخافتهم وتغريبهم وتعذيبهم. وقال بعضهم ان القاتل لعمرو بن الحمق هو
عبد الرحمن بن عثمان الثقفى وهو ابن عبد الرحمن بن ام الحكم وقيل عبد الرحمن بن ام
الحكم هو القاتل له قتله سنة خمسين بأمر معاوية والله أعلم. (أسامة بن زيد حارثة بن
شراحبيل بن عبد العزى بن أمرئ القيس) الكلبى كان أبوه زيد يقال له حب رسول ا لله
ويكنى ابا اسامة وأمه سعدى بنت تغلبة بن عبد عمرو كان في ابتداء حاله مع أمه وقد
خرجت به تزور قومها فاغارت خيل البنى القين في الجاهلية فمروا على ابيات بنى معن
فاحتملوه وهو يومئذ غلام فوافوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه حكيم بن حزام بن
خويلد لعمته خديجة بنت خويلد باربعمائة درهم فلما تزوجها النبي وهبته له فاعتقه
وكان أبوه جزع عليه جزعا " شديدا " وبكى عليه حين فقده فقال: بكيت على زيد ولم ادر
ما فعل * أحى فيرجى ام أتى دونه الأجل فوالله ما ادرى وإنى لسائل * أغالك بعدى
السهل أم غالك الجبل فحج ناس من كعب فرأوا زيدا " فعرفهم وعرفوه فقال لهم ابلغوا
عنى قومي: ألكى إلى قومي وإن كنت نائيا * بأنى قطين البيت عند المشاعر فكفوا عن
الوجه الذى قد شجاكم * ولا تعملوا في الارض نص الاباعر
________________________________________
[ 438
]
فإنى بحمد
الله في خير اسرة * كرام معد كابرا " بعد كابر فانطلقوا وأعلموا اباه ووصفوا له
مكانه وعند من هو فخرج حارثة وكعب ابنا شراحبيل بفدائه فقدما مكة فسألا عن النبي
صلى الله عليه وآله فقيل هو في المسجد فدخلا عليه فقالا يابن هاشم يابن سعيد قومه
أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العانى وتطعمون الأسير وقد جئنا في اين لنا عندك
فامنن علينا واحسن في فدائه فإنا سنرفع لك الفداء قال صلى الله عليه وآله من هو
قالا زيد بن حارثة فقال رسول الله فهنا غير ذلك قالا ما هو قال أدعوه فخيروه فإن
أختاركم فهو لكم بغير فداء وإن أختارني فوالله ما انا بالذى اختار على من أختارني
احدا " قالا زدتنا على النصف واحسنت فدعاه صلى الله عليه وآله فقال هل تعرف هؤلاء
قال نعم هذا أبى وهذا عمى قال فانا من قد علمت وقد رأيت صحبتي لك فاخرتني أو
اخترهما فقال زيد ما انا بالذى اختار عليك احدا أنت منى بمكان العم والأب فقالا
ويحك يا زيد اتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك قال نعم إنى قد
رأيت من هذا الرجل ما انا بالذى اختار عليه احدا " فلما رأى رسول الله صلى الله
عليه وآله ذلك أخرجه إلى الحجر فقال يامن حضر اشهدوا ان زيدا " ابني أرثه ويرثنى
فلما رأى أبوه وعمه ذلك طابت انفسهما فانصرفا فدعى زيد بن محمد حتى جاء الله
بالإسلام فزوجه النبي زينب بنت جحش فلما طلقها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله
فتكلم المنافقون في ذلك فقالوا تزوج أمرأة أبنه فنزل " ما كان محمد ابا احد من
رجالكم " الآية وقال تعالى ادعوهم لابائهم فدعى يومئذ زيد بن حارثة. وكان بين رسول
الله وبين زيد عشر سنين ورسول الله اكبر منه. قال ابن اسحاق كان أول ذكر اسلم وصلى
بعد على بن أبى طالب عليه السلام زيد بن حارثة. قال أهل السير شهد زيد بدرا " واحدا
" والخندق والحديبية وخيبر وخرج أميرا " في سبع سرايا ولم يسم احدا " من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله في القرآن باسمه
________________________________________
[ 439
]
غيره وكان
له من الولد زيد هلك صغيرا ورقية امها أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط واسامة أمه أم
أيمن حاضنة رسول الله واسمها بركة الحبشية ورثها النبي من أبيه كانت وصيفة لعبد
المطلب وقيل كانت لآمنة ام رسول الله وكانت تحضنه صلى الله عليه وآله حتى كبر
فاعتقها حين تزوج خديجة وتزوجها عبيدة بن زيد بن الحرث الحبشى فولدت له أيمن وكنيت
به واستشهد ايمن يوم حنين وهى التى شربت بول النبي فقال لها لن تشتكى وجع بطنك ابدا
" وقال لن تلج النار بطنك على خلاف في الرواية. وقتل زيد في غزوة في جمادى الأولى
سنة ثمان من الهجرة وهو ابن خمس وخمسين سنة. وعن خالد بن سمير قال لما اصيب زيد بن
حارثة اتاهم النبي صلى الله عليه وآله فجهشت بنت زيد في وجه رسول الله فبكى رسول
الله صلى الله عليه وآله حتى انتحب فقال سعد بن عبادة يا رسول الله ما هذا ؟ قال
هذا شوق الحبيب إلى حبيبه. وقال على بن ابراهيم في تفسير قوله تعالى " وما جعل
ادعياءكم ابناءكم " حدثنى أبى عن ابن عمير عن جميل عن أبى عبد الله " ع " قال سبب
ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما تزوج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ
في تجارة لها ورأى زيدا " غلاما " كيسا " حصيفا " فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه
وآله دعاه إلى الإسلام فاسلم وكان يدعى زيد مولى محمد فلما بلغ حارثة بن شراحبيل
الكلبى خبر زيد قدم مكة وكان رجلا جليلا فاتى ابا طالب " ع " وقال يا ابا طالب ان
ابني وقع عليه السبى وبلغني انه صار لابن أخيك فاسأله اما ان يبيعه واما ان يفاديه
واما ان يعتقه فكلم أبو طالب رسول الله فقال رسول الله هو حر فليذهب حيث شاء فقام
حارثة فاخذ بيد زيد فقال له يا بنى الحق شرفك وحسبك فقال زيد لست افارق رسول الله
ابدا فقال له أبوه افتدع حسبك ونسبك وتكون عبدا " لقريش قال زيد لست افارق رسول
الله ما دمت حيا فغضب أبوه فقال يا معشر
________________________________________
[ 440
]
قريش اشهدوا
إنى قد برئت منه وليس هو ولدى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أشهدوا ان زيدا "
ابني أرثه ويرثنى وكان يدعى زيد بن محمد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبه
وسماه زيد الحب فلما هاجر رسول الله إلى المدينة زوجه زينب أبنة جحش وابطأ عنه يوما
" فاتى رسول الله منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا " بفهر لها
فدفع رسول الله الباب فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال صلى الله عليه وآله سبحان
الله خالق النور تبارك الله احسن الخالقين ثم رجع إلى منزله ووقعت زينب في قلبه
وقوعا " عجيبا " وجاء زيد إلى منزله فاخبرته زينب بما قال رسول الله فقال لها زيد
هل لك ان اطلقك حتى يتزوجك رسول الله فلعلك قد وقعت في قلبه فقالت اخشى ان تطلقني
ولا يتزوجني رسول الله فجاء زيد إلى رسول الله فقال بابى أنت وأمى أخبرتني زينب
بكذا وكذا فهل لك ان اطلقها حتى تتزوجها فقال له رسول الله لا اذهب واتق الله وامسك
عليك زوجك ثم حكى الله تعالى فقال أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله
مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا " زوجناكها إلى قوله
وكان أمر الله مفعولا فزوجه الله من فوق عرشه فقال المنافقون يحرم علينا نساءنا
ويتزوج امرأة ابنه زيد فانزل الله تعالى في هذا وما جعل ادعياءكم ابناءكم إلى قوله
تعالى " يهدى السبيل " ثم قال ادعوهم لابائهم إلى قوله تعالى " ومواليكم في الدين "
فاعلم الله تعالى ان زيدا " اليس هو ابن محمد وإنما ادعاه للسبب الذى ذكرنا. واما
اسامة بن زيد فيكنى ابا محمد ويقال ابا زيد كان يقال له حب رسول الله صلى الله عليه
وآله وابن حبه. روى انه صلى الله عليه وآله قال اسامة احب الناس إلى ومر به صلى
الله عليه وآله بين الصبيان في قفوله من بدر فنزل إليه وقبله واحتمله ثم قال مرحبا
بحبي وابن حبى. وكان عمره يوم مات رسول الله عشرين سنة وقيل ثمانى عشرة وقيل تسع
عشرة سنة.
________________________________________
[ 441
]
روى انه لما
مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرض الموت دعا اسامة بن زيد ابن حارثة فقال سر
إلى مقتل أبيك فاوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش فان أظفرك الله بالعدو فاقل
اللبث وبث العيون وقدم الطلايع فلم يبق احد من وجوه المهاجرين والانصار الا كان في
ذلك الجيش منهم أبو بكر وعمر فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على جلة المهاجرين
والانصار فغضب رسول الله لما سمع وخرج عاصبا " رأسه فصعد المنبر وعليه قطيفة فقال
أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير اسامة لئن طعنتم في تأميري اسامة لقد
طعنتم في تأميري أباه من قبله وايم الله ان كان لخليقا بالأمرة وان ابنه من بعده
لخليق بها وإنهما لمن أحب الناس إلى فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم ثم نزل ودخل
بيته وجاء المسلمون يودعون رسول الله صلى الله عليه وآله ويمضون إلى عسكر اسامة
بالجرف وثقل رسول الله واشتد ما يجده فارسل بعض نسائه إلى أسامة وبعض من كان معه
يعلمونهم ذلك فدخل اسامة من معسكره والنبى صلى الله عليه وآله مغمور وهو اليوم الذى
لدوه فيه وتطأطأ أسامة عليه فقبله ورسول الله قد اسكت فهو لا يتكلم فجعل برفع يديه
إلى السماء ثم يضعها على أسامة كالداعي له ثم اشار إليه بالرجوع إلى عكسره والتوجه
لما بعثه فيه فرجع أسامة إلى عسكره ثم أرسل نساء رسول الله إلى أسامة يأمرنه
بالدخول وبقلن ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أصبح بارئا فدخل أسامة من معسكره
يوم الأثنين الثاني عشر من ربيع الأول فوجد رسول الله مفيقا فأمره بالخروج وتعجيل
النفوذ وقال اغد على بركة الله تعالى وجعل صلى الله عليه وآله يقول انفذ وابعث
اسامة ويكرر ذلك فودع رسول الله وخرج ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فلما ركب جاء
رسول ام ايمن فقال ان رسول الله يموت فاقبل ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فانتهوا
إلى رسول الله حين زالت الشمس من هذا اليوم وهو يوم الاثنين وقد مات صلى الله عليه
وآله واللواء مع بريدة بن الحصيب فدخل باللواء فركزه عند
________________________________________
[ 442
]
باب رسول
الله وهو مغلق وعلى " ع " وبعض بنى هاشم مشتغلون باعداد جهازه وغسله وروى أبو بكر
احمد بن عبد العزيز الجوهرى في كتاب (السقيفة) قال حدثنا احمد بن اسحاق بن صالح عن
احمد بن سيار عن سعد بن كثير الانصاري عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن ان رسول
الله صلى الله عليه وآله أمر في مرض موته أسامة ابن زيد بن حارثة على جيش فيه جل
المهاجرين والانصار منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف
وطلحة والزبير وامره ان يغير على موته حيث قتل أبوه زيد وان يغزو وادى فلسطين
فتثاقل اسامة وتثاقل الجيش بتثاقله وجعل رسول الله في مرضه يثقل ويخف ويؤكد القول
في تنفيذ ذلك البعث حتى قال له اسامة بابى أنت وأمى اتأذن لى ان امكث اياما حتى
يشفيك الله تعالى فقال سر على بركة الله فقال يا رسول الله ان أنا خرحت وأنت على
هذه الحاله خرجت وفى قلبى حرقة منك، فقال سر على النصر والعافية، فقال يا رسول الله
إنى اكره ان أسأل عنك الركبان فقال صلى الله عليه وآله إنفذ لما أمرتك به. ثم اغمى
على رسول الله وقام أسامة فتجهز للخروج فلما أفاق رسول الله سأل عن أسامة والبعث
فاخبر انهم يتجهزون فجعل يقول انفذوا بعث أسامة لعن الله من تخلف عنه ويكرر ذلك،
فخرج واللواء على رأسه والصحابة بين يديه حتى إذا كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر وعمر
واكثر المهاجرين والأنصار وأسيد بن خضير وبشير بن سعد وغيرهم من الوجوه فجاءه رسول
أم أيمن يقول له أدخل فان رسول الله يموت فقام من فوره ودخل المدينة واللواء معه
فجاء حتى ركزه بباب رسول الله ورسول الله صلى الله عليه وآله قد مات في تلك الساعة
قال فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أسامة إلى ان مات إلا بالامير. قال المؤلف عفى
الله عنه الذى يرويه أصحابنا ان اسامة بن زيد لم يرجع إلى المدينة إلا بعد أن تغلب
أبو بكر على الخلافة وكتب إليه في الرجوع.
________________________________________
[ 443
]
وروى الشيخ
الطبرسي في كتاب (الأحتجاج): مرفوعا " عن الباقر " ع " ان عمر بن الخطاب قال لأبى
بكر اكتب إلى أسامة يقدم عليك فان في قدومه قطع الشنعة عنا فكتب إليه أبو بكر من
أبى بكر خليفة رسول الله إلى اسامة ابن زيد اما بعد: إذا أتاك كتابي فاقبل إلى أنت
ومن معك فإن المسلمين قد اجتمعوا على وولونى أمرهم فلا تخالفن فتعصى ويأتيك ما تكره
والسلام. قال فكتب إليه أسامة جواب كتابه، من أسامة بن زيد عامل رسول الله على غزوة
الشام أما بعد: فقد أتانى لك كتاب ينقض أوله آخره ذكرت في أوله إنك خليفة رسول الله
صلى الله عليه وآله وذكرت في آخره إن المسلمين اجتمعوا عليك فولوك أمرهم ورضوا بك
وأعلم انى ومن معى من جماعة المسلمين والمهاجرين فوالله ما رضينا بك ولاوليناك
أمرنا وانظر إن تدفع الحق إلى أهله وتخليهم وإياه فإنهم أحق به منك فقد علمت ما كان
من قول (1) رسول الله وانك وصاحبك رجعتما وعصيتما فاقمنها في المدينة بغير اذنى قال
فهم أبو بكر ان يخلعها من عنقه قال فقال له عمر لا تفعل قميص قمصك الله لا تخلعه
فتندم ولكن الح على أسامة بالكتب ومر فلانا " وفلانا " يكتبوا إلى أسامة ان لا يفرق
جماعة المسلمين وان يدخل معهم فيما صنعوا قال فكتب إليه أبو بكر وكتب إليه اناس من
المنافقين ان ارض بما اجتمعنا عليه واياك ان تشمل المسلمين فتنة من قبلك فإنهم
حديثوا عهد بالكفر: فلما وردت الكتب على أسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة، فلما
رأى اجتماع الناس على أبى بكر انطلق إلى على بن أبى طالب " ع " فقال ما هذا ؟ قال
على " ع " هذا ما ترى قال له أسامة فهل بايعته ؟ فقال نعم، فقال له أسامة طائعا قال
لا بل كارها. قال فدخل أسامة على أبى بكر وقال:
________________________________________
(1) وفى
نسخة بعد كلمة قول رسول الله: في على يوم الغدير فما طال فينسى أنظر لمركزك ولا
تخالف فتعصى الله ورسوله وتعصى من استخلفه رسول الله عليك وعلى صاحبك ولم يعزلني
حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله. (*)
________________________________________
[ 444
]
السلام عليك
يا خليفة المسلمين، قال فرد عليه السلام وقال وعليك السلام أيها الأمير. قال أهل
السير: ثم ان أبا بكر بعث أسامة على مقتضى أمر رسول الله إلى حرب الشام فخرج وسار
إلى أهل أبنى - بضم الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح النون على وزن فعلى فاغار
عليهم وقتل - من اشرف له وسبى من قدر عليه وقتل من قاتل اباه ورجع إلى المدينة
بالغلبة والظفر وكانت مدة غيبته في تلك السفرة أربعين يوما " فخرج أبو بكر في
المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم سرورا " لقدومهم وسلامتهم. قال صاحب الصفوة: وسكن
أسامة وادى القرى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نزل المدينة. (انتهى) وكان
أسامة أبيض اللون شديد البياض وأبوه زيد أسود شديد السواد بالعكس على خلاف في
الرواية فمر بهما مخور المدلجى وهما في قطيفة قد غطيا وجوههما وبدت اقدامهما فقال
ان هذه الاقدام بعضها من بعض. ولم يشهد أسامة شيئا " من مشاهد أمير المؤمنين " ع "
واعتذر عن ذلك باليمين التى كانت عليه إنه لا يقتل رجل يقول لا إله إلا الله وذلك
ان النبي صلى الله عليه وآله بعث سرية فيها أسامة فقتل رجلا يقال له مرداس بن نهيك
من بنى مرة بن عوف وكان من أهل فدك وكان مسلما لم يسلم من قومه غيره فسمعوا بسرية
رسول الله تريدهم وكان على السرية رجل يقال له غالب بن فضالة الليثى فهربوا وأقام
الرجل لأنه كان مسلما " فلما رأى الخيل خاف أن يكون من غير أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وآله فألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد هو إلى الجبل فلما تلاحقت الخيل
سمعهم يكبرون فلما سمع التكبير عرف انهم المسلمون فكبر ونزل وهو يقول لا إله إلا
الله محمد رسول الله السلام عليكم فتغشاه أسامة بن زيد فقتله واستاق غنمه ثم رجعوا
إلى رسول الله فاخبروه فوجد رسول الله من ذلك وجدا " شديدا " وقد كان سبقهم قبل ذلك
فقال رسول الله قتلتموه ارادة ما معه ثم قرأ صلى الله عليه وآله (يا أيها
________________________________________
[ 445
]
الذين آمنوا
إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون
عرض الحياة الدنيا) (الآية) فقال أسامة يا رسول الله استغفر لى فقال كيف بلا اله
الا الله فقالها رسول الله ثلاث مرات قال أسامة فما زال رسول الله يعيدها حتى وددت
انى لم اكن أسلمت الا يومئذ، ثم ان رسول الله أستغفر لى بعد ثلاث مرات وقال صلى
الله عليه وآله اعتق رقبة ثم حلف أسامة ان لا يقتل بعد ذلك رجلا يقول لا إله إلا
الله. وروى ابن أسحاق ان أسامة قال ادركت هذا الرجل أنا ورجل من الانصار فلما شهرنا
عليه السلام قال أشهد أن لا إله الا الله فلم تنزع عنه حتى قتلناه فلما قدمنا على
رسول الله أخبرناه خبره فقال يا أسامة من لك بلا إله إلا الله قال فقلت يا رسول
الله إنما قالها تعوذا " من القتل قال فمن لك بها يا أسامة قال فوالذي بعثه بالحق
نبيا " ما زال يرددها على حتى لوددت ان ما مضى من اسلامي لم يكن وانى كنت أسلمت
يومئذ وانى لم اقتله قال فقلت أنظرني يا رسول الله إنى أعاهد الله أن لا أقتل رجلا
يقول لا إله إلا الله ابدا " قال تقول بعدى يا أسامة قال قلت بعدك. وروى الكشى:
باسناده عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد الله " ع " عن آبائه عليهم السلام قال
كتب على " ع " إلى والى المدينة لا تعطين سعدا ولا ابن عمر من الفئ شيئا " فاما
أسامة بن زيد فإنى قد عذرته في اليمين التى كانت عليه. ونقل الزمخشري في (ربيع
الأبرار) ان أسامة بن زيد بعث إلى على " ع " ان ابعث إلى بعطائي فوالله انك لتعلم
انك وكنت في فم أسد لدخلت معك، فكتب إليه ان هذا المال لمن جاهد عليه ولكن لى مالا
بالمدينة فاصب منه ما شئت. وروى الكشى باسناده عن سلمة بن مخور عن أبى جعفر " ع "
قال الا اخبركم باهل الوقوف لنا قلت بلى قال أسامة بن زيد وقد رجع فلا تقولوا الا
خيرا ". قال العلامة الحلي: طريقه ضعيف والاولى عندي التوقف في روايته.
________________________________________
[ 446
]
وروى ان عمر
فرض لأسامة اكثر مما فرض لأبنه عبد الله فقال له أتفضل على أسامة وهو مولى فقال كان
أحب إلى رسول الله من أبيك وكان هو أحب إلى رسول الله منك. وحكى المسعودي في (مروج
الذهب) قال تنازع أسامة بن زيد وعمرو ابن عثمان إلى معاوية في أرض فقام مروان بن
الحكم فجلس إلى جانب عمرو وقام الحسن بن على فجلس إلى جانب أسامة وقام سعيد بن
العاص فجلس إلى جانب مروان فقام الحسين بن على فجلس إلى جانب أخيه الحسن وقام عبد
الله بن عامر فجلس إلى جانب سعيد بن العاص فقام عبد الله بن جعفر بن أبى طالب وجلس
إلى جانب الحسين فقام عبد الرحمن بن الحكم فلجس إلى جانب عبد الله بن عامر فقام عبد
الله بن العباس فجلس إلى جانب عبد الله بن جعفر فلما رأى ذلك معاوية قال لا تعجلوا
انا كنت شاهدا " إذا أقطعها رسول الله لأسامة فقام الهاشميون فخرجوا واقبل الامويون
فقيل الا أصلحت بينهما فقال دعوني فوالله ما ذكرت عيونهم تحت المغافر بصفين الا لبس
على عقلي. وعن عمرو بن دينار قال دخل الحسين بن على " ع " على أسامة بن زيد وهو
مريض وهو يقول واغماه فقال له الحسين " ع " وما غمك يا اخى قال دينى وهو ستون الف
درهم فقال الحسين " ع " هو على قال انى اخشى ان اموت فقال الحسين لن تموت حتى
أقضيها عنك قال فقضاها قبل موته. وروى الكشى باسناده عن أبى مريم الأنصاري عن أبى
جعفر " ع " قال ان الحسن بن على " ع " كفن أسامة بن زيد في برد أحمر حبره (وصوابه)
الحسين بن على، لان الحسين بن على " ع " توفى سنة تسع وأربعين أو خمسين. ومات أسامة
بن زيد سنة أربع وخمسين خلاف في ذلك فتعين ان يكون المكفن له الحسين عليه السلام
والله أعلم.
________________________________________
[ 447
]
(أبو ليلى
الأنصاري) اختلف في أسمه فقيل بلال وقيل بليل بالتصغير وقيل داود وقيل يسار
بالمثناة من تحت والسين والراء المهملتين وقيل أوس بن داود بن بلال بن احيحه ابن
الجلاح احد الصحابة المشهورين شهدا حدا " وما بعدها. قال البرقى كان من أصحاب أمير
المؤمنين " ع " من الاصفياء. قال القاضى ابن خلكان شهد وقعة الجمل وكانت راية على "
ع " معه. وقال الذهبي قتل بصفين له دار بالكوفة، روى عنه أبنه عبد الرحمن وسيأتى
ذكره في الطبقة الثاني ان شاء الله واحيحة بضم الهمزة وفتح الحاء المهملة وسكون
المثناة من تحت وفتح الحاء الثانية وبعدها هاء والجلاح بضم الجيم وبعد اللام الف
وحاء والله أعلم. (زيد بن أرقم بن زيد بن قيس الانصاري) الخزرجي صحابي مشهور أول
مشاهده والخندق ثم شهد ما بعده وهو الذى رفع إلى رسول الله عن عبد الله بن أبى سلول
قوله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الأذل فكذبه عبد الله بن أبى وحلف
فانزل الله تعالى تصديق زيد بن أرقم. وكان من خبر ذلك ما ذكره محمد بن اسحاق وغيره
من أهل السير ان رسول الله صلى الله عليه وآله بلغه ان بنى المصطلق مجتمعون لحربه
وقائدهم الحارث بن أبى ضرار أبو جويرية زوج النبي فلما سمع رسول الله بهم خرج إليهم
حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحف
الناس واقتتلوا فهزم الله تعالى بنى المصطلق وقتل من قتل منهم ونقل رسول الله صلى
الله عليه وآله ابناءهم ونساءهم واموالهم فافاءها عليه فبينما الناس على ذلك الماء
إذ وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بنى غفار يقال لها جهجاة بن سعيد
الغفاري يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبرة الجهنى حليف بنى عوف
________________________________________
[ 448
]
ابن الخزرج
على الماء فاقتتلا فصرخ الجهنى يا معشر الانصار وصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين
واعان جهجاه الغفاري رجل من المهاجرين يقال له جعال وكان فقيرا " وغضب عبد الله بن
أبى سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث السن فقال ابن أبى أفعلوها
قد نافزونا وكاثرونا في بلادنا والله ما مثلنا ومثلهم الا كما قال القائل سمن كلبك
يأكلك اما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الأذل يعنى بالأعز نفسه
وبالأذل رسول الله ثم أقبل على من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتموهم بانفسكم
أحللتمو بلادكم وقاسمتموهم اموالكم اما والله لو امسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام
لم يركبوا رقابكم ولتحولوا إلى غير بلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد
فقال زيد بن ارقم انت والله الذليل القليل المبغض في قومك ومحمد في عز من الرحمن
ومودة من المسلمين فقال عبد الله بن ابى اسكت فانما كنت ألعب فمشى زيد بن ارقم إلى
رسول الله وذلك بعد فراغه من الغزو فاخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال دعني
اضرب عنقه يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال كيف يا عمر إذا " يتحدث الناس ان
محمدا " يقتل اصحابه ولكن اذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه
وآله يرتحل فيها فارتحل الناس وارسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عبد الله بن
ابى فاتاه فقال انت صاحب هذا الكلام الذى بلغني فقال عبد الله والذى انزل عليك
الكتاب ما قلت شيئا " من ذلك وان زيدا " لكاذب وكان عبد الله في قومه شريفا " عظيما
" فقال من حضر من الأنصار من اصحابه يا رسول الله صلى الله عليه وآله عسى ان يكون
الغلام اوهم في حديثه ولم يحفظ ما قاله فعذره النبي وفشت الملامة في الانصار لزيد
وكذبوه وقال له عمه وكان زيد معه ما اردت إلى ان كذبك رسول الله صلى الله عليه وآله
والناس ومقتوك وكان يساير النبي فاستحى بعد ذلك ان يدنوا من النبي فلما استقبل رسول
الله وسار لقيه اسيد بن خضير فحياه بتحية النبوة ثم قال يا رسول الله لقد رحت في
ساعة منكرة ما كنت لتروح فيها
________________________________________
[ 449
]
فقال له
رسول الله أو ما بلغكم ما قال صاحبكم عبد الله بن أبى قال وما قال ؟ فقال صلى الله
عليه وآله زعم انه ان رجع إلى المدينة اخرج الاعز منها الاذل، فقال اسيد فانت والله
تخرجه ان شئت هو والله الذليل وأنت العزيز قال يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاء
الله بك وان قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى إنك استلبته ملكا " وبلغ عبد
الله بن عبد الله بن أبى ما كان من أمر أبيه فاتى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال يا رسول الله انه بلغني انك تريد قتل عبد الله بن أبى لما بلغك عنه فان كنت
فاعلا فمرنى به وانا أحمل اليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل ابر
بوالديه منى وإنى اخشى ان تأمر به غيرى فيقتله فلا تدعني نفسي ان أنظر الى قاتل عبد
الله بن أبى يمشى في الناس فاقتله مؤمنا بكافر فادخل النار فقال رسول الله بل ترفق
به وتحسن صحبته ما بقى معنا قالوا وسار رسول الله يومهم ذلك حتى أمسى وليلتهم حتى
أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يكن ان وجد وامس الأرض
وقعوا نياما وانما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذى كان بالأمس من حديث عبد الله
بن أبى ثم راح بالناس حتى نزل على ماء بالحجاز فويق البقيع يقال له نقعاء فهاجت ريح
شديدة آذتهم وتخوفوها وضلت ناقة النبي وذلك ليلا فقال رسول الله لا تخافوا فإنما
هبت لموت عظيم من عظماء الكفار توفى بالمدينة قيل من هو ؟ قال رفاعة بن زيد بن
التابوت فقال رجل من المنافقين كيف يزعم انه يعلم الغيب ولأ يعلم مكان ناقته الا
يخبره الذى يأتيه بالوحى فاتاه جبرئيل " ع " فاخبره يقول المنافق وبمكان الناقة
فاخبر بذلك رسول الله أصحابه وقال ما ازعم انى أعلم الغيب وما أعلمه ولكن الله
اخبرني بقول المنافق وبمكان ناقتي هي في الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا يسعون
قبل الشعب فإذا هي كما قال صلى الله عليه وآله فجائوا بها وآمن ذلك المنافق فلما
قدموا المدينة وجدوا رفاعة ابن زيد بن التابوت قد مات ذلك اليوم وكان من عظماء
اليهود وكهفا " للمنافقين فلما وافى رسول الله المدينة قال زيد بن أرقم جلست في
البيت لما بى من الهم والحياء
________________________________________
[ 450
]
فانزل الله
تعالى سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله بن أبى فلما نزلت أخذ رسول الله
صلى الله عليه وآله باذن زيد وقال يا زيد ان الله تعالى قد صدقك واوفى باذنك وكان
عبد الله بن أبى بقرب المدينة فلما اراد ان يدخلها جاء إبنه عبد الله ابن عبد الله
حتى اناخ على مجامع طرق المدينة فلما جائه عبد الله بن أبى قال وراءك قال مالك ويلك
قال لا والله لا تدخلها ابدا " الا ان يأذن رسول الله ولتعلمن اليوم من الأعز ومن
الأذل فشكى عبد الله إلى رسول الله ما صنع أبنه فارسل إليه رسول الله ان خل عنه حتى
يدخل فقال اما إذا جاء أمر رسول الله فنعم فدخل فلم يلبث الا اياما " قلائل حتى
اشتكى ومات قالوا فلما نزلت الآية (وبان كذب عبد الله بن أبى) قيل له يا ابا حباب
قد نزل فيك آى شداد فاذهب إلى رسول الله يستغفر لك فلوى رأسه ثم قال أمر تمونى ان
أؤمن فآمنت وأمرتموني ان اعطى زكاة مالى فإعطيت فما بقى الا ان سجد لمحمد فانزل
الله تعالى (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤسهم) الآية. قال أبو
عمرو بن عبد البر في كتاب (الاستيعاب) سكن زيد بن أرقم الكوفة وبنى دارا في بنى
كندة وشهد مع على " ع " صفين وهو معدود في خاصته. وروى الكشى عن الفضل بن شاذان انه
من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام. وروى ان النبي صلى الله
عليه وآله عاد زيد بن أرقم من مرض كان به فقال له ليس عليك بأس ولكن كيف بك إذا
عمرت بعدى فعميت فقال احتسب واصبر قال تدخل الجنة بغير حساب. وعن ابى اسرائيل عن
الحكم عن سليمان المؤذن عن زيد بن أرقم قال نشد على بن أبى طالب الناس في المسجد
فقال انشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول من كنت مولاه فعلى مولاه
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقام اثنا عشر بدريا ستة من الجانب الأيسر وستة
من الجانب الأيمن فشهدوا بذلك قال
________________________________________
[ 451
]
زيد بن أرقم
وكنت فيمن سمع ذلك فكتمته فذهب الله ببصرى وكان يتندم على ما فاته من الشهادة
ويستغفر. وروى مسلم في صحيحه باسناده إلى يزيد بن حبان قال انطلقت انا وحسين ابن
شبره وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال حسين لقد لقيت يا زيد خيرا
" كثيرا " رأيت رسول الله وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت معه لقد لقيت يا زيد خيرا "
كثيرا " حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله قال يابن أخى والله لقد كبرت سنى وقدم
عهدي ونسيت بعض الذى كنت اعى من رسول الله فما حدثتكم فاقبلوه وما لا احدثكم فلا
تكلفونيه ثم قال قام فينا رسول الله يوما " خطيبا " بماء يدعى خما بين مكة والمدينة
فحمد الله واثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال اما بعد: أيها الناس إنما انا بشير يوشك ان
يأتيني رسول ربى فاجيب وانا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه النور فخذوا
بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتى أذكركم الله
في أهل بيتى أذكركم الله في أهل بيتى، أذكركم الله في أهل بيتى، فقال حسين ومن أهل
بيته يا زيد اليس نسائه من أهل بيته فقال نسائه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم
الصدقة بعده. وفى رواية أخرى فقلنا من أهل بيته نسائه فقال لا ايم الله ان المرأة
تكون مع الرجل العصر ثم الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أهلها وقومها، أهل بيته أهله
وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. وروى ابن ديزيل في كتاب (صفين) قال حدثنا يحيى بن
زكريا قال حدثنا على بن القاسم عن سعد بن طارق عن عثمان بن القاسم عن زيد بن أرقم
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الا أدلكم على ما ان تسالمتم عليه لم تهلكوا
إن وليكم الله وامامكم على بن أبى طالب " ع " فناصحوه وصدقوه فإن جبرئيل " ع "
اخبرني بذلك. وذكر الشيخ المفيد (ره) في كتاب (الإرشاد) انه لما وصل رأس الحسين
ووصل ابن سعد من غد يوم وصوله ومعه بنات الحسين " ع " وأهله جلس ابن
________________________________________
[ 452
]
زياد في قصر
الامارة واذن للناس اذنا " عاما " وأمر باحضار الرأس فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه
ويتبسم وبيده قضيب يضرب به ثناياه " ع " وكان إلى جانبه زيد ابن أرقم صاحب رسول
الله وهو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال أرفع قضيبك عن هاتين الشفتين
فوالله الذى لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (ص) عليهما ما لا أحصيه كثرة
يقبلهما ثم انتحب باكيا " فقال له ابن زياد ابكى الله عينيك أتبكى لفتح الله لولا
إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى
منزله. وعن زيد بن أرقم إنه قال مر برأس الحسين " ع " وهو على رمح وانا في غرفة لى
فلما حاذانى سمعته يقرأ " ام حسبت ان أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " "
فقف والله شعرى وناديت رأسك والله يابن رسول الله وأمرك أعجب وأعجب. وتوفى زيد بن
أرقم سنة ست أو ثمان وستين والله أعلم. (البرآء بن عازب بن الحرث بن عدى الانصاري
الاوسي) يكنى ابا عامر صحابي ابن صحابي استصغر يوم بدر وشهد أحدا وكان من أصحاب
أمير المؤمنين " ع ". قال أبو عمرو بن عبد البر في كتاب " الاستيعاب " شهد مع على "
ع " الجمل وصفين والنهروان ثم نزل الكوفة ومات بها ايام مصعب بن الزبير. وقال
العلامة الحلى (ره) البرآء بن عازب مشكور بعد إذ اصابته دعوة أمير المؤمنين " ع "
في كتمان حديث غدير خم وروى الكشى باسناده عن أبى جعفر وأبى عبد الله " ع " ان أمير
المؤمنين قال للبرآء بن عازب كيف وجدت هذا الدين قال كنا بمنزلة اليهود قبل ان
نتبعك تخف علينا العبادة فلما اتبعناك ووقع حقائق الايمان في قلوبنا وجدنا العبادة
قد تناقلت في أجسادنا قال أمير المؤمننين فمن ثم يحشر الناس يوم القيامة في صور
الحمير
________________________________________
[ 453
]
وتحشرون
فرادى يؤخذ بكم إلى الجنة ثم قال أبو عبد الله ما بدا " لكم ما من احد يوم القيامة
إلا وهو يعوى عوى البهائم ثم ان أستشهدوا لنا واستغفروا فنعرض عنهم فما هم بمفلحين.
قال أبو عمرو الكشى هذا بعد ان أصابته دعوة أمير المؤمنين " ع " فيما روى من جهة
العامة. روى عبد الله بن ابراهيم قال حدثنا أبو مريم الانصاري عن المنهال ابن عمر
عن ابن حبيش قال خرج على بن أبى طالب " ع " من القصر فاستقبله ركبان متقلدون
بالسيوف عليهم العمائم فقالوا السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته
السلام عليك يا مولانا فقال على " ع " من هيهنا من أصحاب رسول الله فقام خالد بن
زيد أبو أيوب وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وقيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن بديل
بن ورقاء فشهدوا جميعا " انهم سمعوا رسول الله يوم غدير خم قال من كنت مولاه فعلى
مولاه فقال على " ع " لانس بن مالك والبرآء من عازب ما منعكما ان تقوما فتشهدا فقد
سمعتما كما سمع القوم قال " ع " اللهم ان كانا كتماها معاندة فابتلهما فعمى البرآء
بن عازب وبرص قدما أنس بن مالك فحلف أنس بن مالك ان لا يكتم منقبة لعلى بن أبى طالب
" ع " ولا فضلا ابدا " واما البرآ بن عازب فكان يسأل عن منزله فيقال هو في موضع كذا
وكذا فيقول كيف يرشد من أصابته الدعوة وروى الشيخ المفيدة (ره) في كتاب (الإرشاد)
عن اسماعيل بن صبيح عن يحيى بن المساور العايد عن اسماعيل بن زياد قال ان عليا " ع
" قال للبرآء بن عازب ذات يوم يا براء يقتل ابني الحسين " ع " وأنت حى لا تنصره
فلما قتل الحسين كان البرآء يقول صدق والله على بن أبى طالب قتل الحسين ولم أنصره
ثم يظهر الحسرة على ذلك والندم. وروى بعض الأصحاب عن اسحاق بن جعفر عن سليمان بن
مهران الأعمش
________________________________________
[ 454
]
قال شهد
عندي عشرة نفر من خيار التابعين ان البرآء بن عازب قال انى لأتبرء ممن تقدم على على
بن أبى طالب وانا برئ منهم في الدنيا والآخرة. وروى أبو بكر الجوهرى في كتاب "
السقيفة " قال حدثنى المغيرة بن محمد المهدى من حفظه وعمر بن شبة من كتابه باسناده
رفعه إلى أبى سعيد الخدرى قال سمعت البرآء بن عازب يقول لم أزل لبنى هاشم محبا فلما
قبض رسول الله صلى الله عليه وآله تخوفت ان تتمالا قريش على أخراج هذا الامر من بنى
هاشم فاخذني ما يأخذ الواله العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله وانا في
الحجرة أتفقد وجوه قريش فانى لكذلك إذ فقدت ابا بكر وعمر وإذا قائل يقول في سقيفة
بنى ساعدة وإذا قائل آخر يقول قد بويع أبو بكر فلم البث وإذا انا بابى بكر قد أقبل
ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وغيرهم وهم محتجزون بالأزر الصنعانية
لا يمرون باحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبى بكر يبايعه شاء ذلك
أو أبى فانكرت عقلي وخرجت اشتد حتى انتهيت الى بنى هاشم والباب مغلق فضربت عليهم
الباب ضربا " شديدا " عنيفا " وقلت قد بويع لأبى بكر بن أبى قحافة فقال العباس تربت
ايديكم إلى آخر الدهر اما انى قد أمرتكم فعصيتموني فمكثت اكابد ما بنفسى فلما كان
بليل خرجت إلى المسجد فلما صرت فيه تذكرت إنى كنت اسمع همهمة رسول الله بالقرآن
فامتنعت من مكاني فخرجت إلى الفضاء فضاء بنى بياضة واجد نفرا يتناجون فلما دنوت
منهم سكتوا فلما رأيتهم سكتوا انصرفت عنهم فعرفوني وما عرفتهم فدعوني إليهم فاتيتهم
فاجد المقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت وسلمان الفارسى وابا ذر الغفاري وحذيفة
وابا الهيثم بن التيهان وإذا حذيفة يقول لهم والله ليكونن ما أخبرتكم به والله ما
كذبت ولا كذبت وإذا القوم يريدون ان يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين ثم قال ائتوا
ابى بن كعب فقد علم كما علمت قال فانطلقنا إلى ابى فضربنا عليه بابه حتى صار خلف
الباب قال من أنتم فكلمه المقداد فقال ما حاجتكم فقال له
________________________________________
[ 455
]
افتح عليك
بابك فان الأمر أعظم من ان يجرى من وراء حجاب قال ما انا بفاتح بابى وقد عرفت ما
جئتم له كأنكم أردتم النظر في هذا العقد فقلنا نعم قال أفيكم حذيفة قلنا نعم قال
فالقول ما قال والله ما افتح عنى بابى حتى يجرى ما هي عليه جارية ولما يكون بعدها
شر منها والى الله المشتكى قال وبلغ الخبر ابا بكر وعمر فارسلا إلى أبى عبيدة
والمغيرة بن شعبة فسئلاهما عن الرأى فقال المغيرة ان تلقوا العباس فتجعلوا له في
هذا الأمر نصيبا " فيكون له ولعقبه فتقطعوا به من ناحية على ويكون لكم حجة عند
الناس على على إذ مال معكم العباس فانطلقوا حتى دخلوا على العباس في الليلة من وفاة
رسول الله صلى الله عليه وآله ثم ذكر خطبة أبى بكر وكلام عمر وما اجابهما العباس به
وقد ذكرناه فيما تقدم من هذا الكتاب في ترجمة العباس ابن عبد المطلب " ع " قال ابن
حجر في التقريب مات البرآء بن عازب سنة أثنين وسبعين.
________________________________________
[ 456
]
تنبيه إلى
هنا تنتهى الطبقة الاولى في الصحابة الكرام، وقد كان المؤلف رتب كتابه هذا على
اثنتى عشرة طبقة. كما أشار إليه في أوله 1 - الصحابة 2 - التابعين 3 - المحدثين
الذين رووا عن الأئمة الطاهرين 4 - علماء الدين 5 - الحكماء والمتكلمين 6 - علماء
العربية 7 - السادة الصوفية 8 - الملوك والسلاطين 9 - الأمراء 10 - النوادر 11 -
الشعراء 12 - النساء. وقد أنجز من الكتاب الطبقة الأولى في الصحابة وهو ما كمل
طبعه، وقسما من الطبقة الرابعة، وقيلا من الطبقة الحادية عشرة، وهو ما سنثبته هنا
بالتوالى المصحح
________________________________________
[ 457
]
الطبقة
الرابعة. (في بيان أحوال السيد أبى محمد الحسن الطبري) بسم الله الرحمن الرحيم
الطبقة الرابعة من (الدرجات الرفيعة في طبقات الإمامية من الشيعة) في سائر العلماء
من المحدثين والمفسرين والفقهاء وهى تشتمل على بابين: الباب الاول في بنى هاشم
وساداتهم، من أكابر العلماء وأفاضل الفقهاء السيد أبو محمد الحسن بن حمزة بن على بن
عبيدالله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن على بن الحسين ابن على بن أبى طالب " ع "
الطبري يعرف بالمرعشى كان من أجلاء هذه الطائفة وفقهائها فاضلا دينا " فقيها "
زاهدا " ورعا " عارفا " أديبا ". كثير المحاسن جم الفضائل روى عنه التلعكبرى وكان
سماعه منه اولا سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وله منه اجازة بجميع كتبه ورواياته. قال
الشيخ الطوسى (ره): أخبرنا عنه جماعة منهم الحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدويه
ومحمد بن محمد بن النعمان وكان سماعهم منه سنة أربع وخمسين
________________________________________
مما يوسف له
إنا لم نظفر بالطبقة الثانية والثالثة من الكتاب رغم التتبع التام، وكل النسخ
الموجودة في المكتبات وغيرها يعوزها هاتان الطبقتان وبقية الطبقات ما عدا هذا
المقدار من الطبقة الرابعة والحادية عشر الذى نمثله للطبع ولعل التوفيق يساعدنا على
الظفر ببقية الطبقات وطبعها في المستقبل. (الناشر) (*)
________________________________________
[ 458
]
وثلاثمائة.
وقال النجاشي قدم بغداد ولقيه شيوخنا في سنة ست وخمسين وثلاثمائة وله تصانيف كثيرة.
منها كتاب (المبسوط) وكتاب (المفتخر) وكتاب (الغنية) وكتاب (جامع) وكتاب (المرشد)
وكتاب (الدر) وكتاب (تباشير الشيعة) وغير ذلك مات سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.
(الشريف المرتضى) أبو القاسم على بن أبى احمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن
ابراهيم ابن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب " ع "
الملقب ذا المجدين علم الهدى (رض) كان أبوه النقيب أبو أحمد جليل القدر عظيم
المنزلة في دولة بنى العباس ودولة بنى بويه ولقب بالطاهر ذى المناقب وخاطبه بهاء
الدولة أبو نصر بالطاهر الاوحد وولى نقابه الطالبيين خمس دفعات ومات وهو يتقلدها
بعد ان حالفته الامراض وذهب بصبره وهو الذى كان السفير بين الخلفاء وبين الملوك من
بنى بويه والامراء من بنى حمدان وغيرهم وكان مبارك الغرة ميمون النقيبة مهيبا نبيلا
ما شرع في صلاح أمر فاسد الا وصلح على يديه وأنتظم بحسن سفارته وبركة همته وصواب
تدبيره ولاستعظام عضد الدولة أمره وامتلاء صدره وعينه به ما حمله على القبض عليه
وحمله إلى القلعة بفارس فلم يزل بها إلى ان مات عضد الدولة فاطلقه شرف الدولة أبو
الفوارس بن عضد الدولة واستصحبه في حملته حين قدم إلى بغداد وملك الحضرة. كان مولده
في سنة أربع وثلاثمائة. وتوفى ليلة السبت لخمس بقين من جمادى الاولى في سنة
أربعمائة وله سبع وتسعون سنة رحمه الله. واما والدة الشريف المرتضى فهى فاطمة بنت
الحسين بن احمد بن الحسن الناصر الاصم صاحب الديلم وهو أبو محمد الحسن بن على بن
الحسن بن على
________________________________________
[ 459
]
ابن عمر
الاشرف بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب " ع " وسيأتى ذكره في ترجمة أبنه أبى
الحسن على بن أبى محمد الناصر وهى أم أخيه ابى الحسن الرضى رحمه الله. وكان الشريف
المرتضى (ره) أوحد زمانه فضلا وعلما " وفقها " وكلاما " وحديثا " وشعرا " وخطابة
وكرما وجاها إلى غير ذلك. قال ابن بام الاندلسي في اواخر كتاب (الذخيرة) في وصفه
كان هذا الشريف امام أئمة العراق بين الاختلاف والاتفاق إليه فزع علماؤها وعنه اخذ
عظماؤها صاحب مدارسها وجماع شاردها وآنسها ممن سارت أخباره وعرفت به أشعاره وحمدت
في دين الله مأثوره وآثاره إلى تواليفه في الدين وتصانيفه في أحكام المسلمين ما
يشهد انه فرع ذلك الاصل الاصيل ومن أهل ذلك البيت الجليل. ولد رحمه الله في رجب سنة
(خمس وخمسين وثلاثمائة) وقرأ هو وأخوه الرضى على ابن نباتة صاحب الخطب الآتى ذكره
وهما طفلان ثم قرا كلاهما على الشيخ المفيد ابى عبد الله محمد بن محمد بن النعمان.
وكان المفيد (ره) رأى في منامه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله
دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين " ع " صغيرين فسلمتهما
إليه وقالت له علمهما الفقه فانتبه متعجبا " من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك
الليلة التى رأى فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها
وبين يديها ابناها على المرتضى ومحمد الرضى صغيرين فقام إليها وسلم عليها فقالت له
أيها الشيخ هذان ولداى قد احضرتهما اليك لتعلمهما الفقه فبكى الشيخ وقص عليها
المنام وتولى تعليمهما وانعم الله عليهما وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما
اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقى الدهر. وذكر الشيخ الشهيد في أربعينه
قال نقلت من خط الفاضل السيد العالم صفى الدين محمد بن محمد الموسوي (ره) في المشهد
المقدس الكاظمي في سبب تسمية
________________________________________
[ 460
]
الشريف
المرتضى بعلم الهدى انه مرض الوزير أبو سعيد محمد بن آشين بن عبد الصمد سنة عشرين
وأربعمائة فرأى في منامه أمير المؤمنين على بن أبى طالب " ع " وهو يقول له قل لعلم
الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ فقال يا أمير المؤمنين ومن علم الهدى ؟ فقال على بن
الحسين الموسوي فكتب الوزير إليه بذلك فقال المرتضى الله الله في أمرى فإن قبولي
لهذا اللقب شناعة على فقال الوزير ما كتبت اليك إلا بما لقبك به جدك أمير المؤمنين
" ع " فعلم القادر الخليفة بذلك فكتب إلى المرتضى تقبل يا على بن الحسين ما لقبك به
جدك أمير المؤمنين قال فقبل واسمع الناس. وكان رحمه الله نحيف الجسم حسن الصورة.
وكان يدرس في علوم كثيرة ويجرى على تلامذته رزقا " فكان للشيخ أبى جعفر الطوسى (ره)
ايام قرائته عليه كل شهر أثنى عشر دينارا " وللقاضي ابن البراج كل شهر ثمانية
دنانير وأصاب الناس في بعض السنين قحط شديد فاحتال رجل يهودى على تحصيل قوت يحفظ به
نفسه فحضر يوما " مجلس المرتضى وسأله ان يأذن له في ان يقرأ عليه شيئا " من علم
النجوم فاذن له وأمره له بجراية تجرى عليه كل يوم فقرأ عليه برهة ثم أسلم على يديه.
وكان قد وقف قرية على كاغذ الفقهاء. وكان يلقب بالثمانينى لانه أحرز من كل شئ
ثمانين حتى ان مدة عمره كانت ثمانين سنة وثمانية أشهر وتولى نقابة النقباء وأمارة
الحاج والمظالم بعد وفاة أخيه الرضى أبى الحسن (ره) وهو منصب والدهما. قال أبو
الحسن العمرى أجتمعت بالشريف المرتضى سنة خمس وعشرين وأربعمائة ببغداد فرأيته فصيح
اللسان يتوقد ذكاء. وحضر مجلسه أبو العلاء المعرى ذات يوم فجرى ذكر أبى الطيب
المتنبي فنقصه الشريف المرتضى وعاب بعض أشعاره فقال أبو العلاء المعرى لو لم يكن
لأبى الطيب قوله:
________________________________________
[ 461
]
(لك يا
منازل في القلوب منازل) لكفاه. فغضب الشريف وأمر بالمعرى فنحب وأخرج فتعجب الحاضرون
من ذلك فقال لهم الشريف أعلمتم ما اراد الأعمى إنما أراد قوله: وإذا أتتك مذمتي من
ناقص * فهى الشهادة لى بأنى كامل وحكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن على التبريزي
اللغوى ان ابا الحسن على ابن محمد بن على بن سلك الغالى الأديب كانت له نسخة من
كتاب (الجمهرة) لأبن دريد في غاية الجودة فدعته الحاجة إلى بيهعا فاشتراها الشريف
المرتضى بستين دينار فتصفحها فوجد فيها ابياتا " بخط بايعها أبى الحسن الغالى وهى
انست بها عشرين حولا وبعتها * لقد طال وجدى بعدها وحنينى وما كان ظنى اننى سأبيعا *
ولو خلدتنى في السجون ديونى ولكن بضعف وافتقار وصبية * صغار عليهم تستهل عيوني فقلت
ولم املك سوابق عبرة * مقالة مكوى الفؤاد حزين وقد تخرج الحاجات يا أم مالك * كرائم
من رب بهن ضنين فرد عليه النسخة وسمح له بالثمن. وحكى عن الشريف المرتضى (ره) انه
كان جالسا في مجلية له تشرف على الطريق فمر به ابن المطرز الشاعر يجر نعلا له بالية
وهى تثير الغبار فامر باحضاره وقال له انشدني أبياتك التى تقول منها: إذا لم تبلغي
اليكم ركائبى * فلا وردت ماء ولا رعت العشبا فإنشده إياها فلما انتهى إلى هذا البيت
أشار الشريف إلى نعله البالية وقال هذه كانت من ركائبك فاطرق ابن المطرز ساعة ثم
قال لما عادت هبات سيدنا الشريف إلى مثل قوله: وخذا النوم من جفوني فإنى * قد خلعت
الكرى على العشاق عادت ركائنى إلى مثل ما يرى فإنه خلع ما لا يملك على من لا يقبل
________________________________________
[ 462
]
فاستحى
الشريف ووصله. قال المؤلف عفا الله عنه: ابن مطرز المذكور هو أبو القاسم عبد الواحد
ابن محمد الشاعر ذكره الثعالبي في ذيل اليتيمة وأنشد له وهو من جيد الشعر: سرى
مغرما " بالعيس ينتجع الركبا * يسائل عن بدر الدجى الشرق والغربا إذا لم تبلغني
اليكم ركائنى * فلا وردت ماء ولأرعت العشبا على عذبات الجزع من ماء تغلب * غزال يرى
ماء العيون له شربا إذا ملأ البدر العيون فإنه * لعينك بدر يملأ العين والقلبا
وأورد له شعرا " كثيرا " أغلبه جيد حسن وأما بيت الشريف المرتضى الذى أشار إليه ابن
المطرز فهو من أبيات مشهورة له رضى الله عنه وهى: يا خليلي من ذؤانة قيس * في
التصابى رياضة الأخلاق علللانى بذكرها تطرباني * واسقياني دمعى بكاس دهاق وخذا
النوم من جفوني فإنى * قد خلعت الكرى على العشاق وملح سيدنا الشريف المرتضى (ره)
محاسنه كثيرة جدا ". وذكر أبو القاسم بن فهد الهاشمي في تاريخه إتحاف الورى باخبار
أم القرى في حوادث سنة تسع وثمانين وثلاثمائة. قال فيها حج الشريف المرتضى والرضى
فاعتقلهما في أثناء الطريق ابن الجراح الطائى فاعيطاه تسعة الآف دينار من أموالهما.
وللشريف المرتضى مصنفات كثيرة منها: كتاب (الشافي) في الإمامة وهو كتاب لم يصنف
مثله في الاصول. وكتاب (الذخيرة) وكتاب (جمل العلم والعمل) وكتاب (تنزيه الأنبياء)
وكتاب (الصرفة) وكتاب (الذريعة في الاصول) وكتاب (الغرر والدرر) وكتاب (المقنع في
الغيبة) وكتاب (الخلاف في أصول الفقه) وكتاب (الملخص في أصول الدين) وكتاب
(الانتصار) وكتاب (الشيب والشباب) وكتاب
________________________________________
[ 463
]
(الطيف
والخيال) وكتب أخرى في المسائل وغير ذلك: وديوان شعره يزيد على عشرين الف بيت. وذكر
أبو القاسم التنوخى صاحب الشريف قال حصرنا كتبه فوجدناها ثمانين الف مجلد من
مصنفاته ومحفوظاته ومفرداته. وقال الثعالبي في كتاب (اليتيمة) انها قومت بثلاثين
الف دينار بعد ان أهدى إلى الرؤساء والوزراء منها شطرا " عظيما ". وكانت وفاته لخمس
بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة وصلى عليه ابنه أبو جعفر محمد
وتولى غسله أبو الحسين احمد بن الحسين النجاشي ومعه الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن
الجعفري وسلار بن عبد العزيز الديلمى ودفن اولا في داره ثم نقل منها إلى جوار جده
الحسين " ع " فدفن في مشهده مع أبيه وأخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة قدس الله أرواحهم
الطاهرة، ولنورد الآن من منظوم كلامه الرفيع الشأن ما يهزله السامع عطف الاستحسان
فمن ذلك قوله من قصيدة قال الثعالبي وهو مما يسكر بلا شرب ويطرب بلا سماع. أحب ثرى
نجد ونجد بعيدة * الا حبذا بحد وان لم تفد قربا يقولون نجد لست من شعب أهلها * وقد
صدقوا لكننى منهم حبا كأنى وقد فارقت بحدا شقاوة * فتى ضل عنه قلبه ينشد القلبا
وقوله في أخرى: ولقد زادني عشية جمع * منكم زائر على الآكام بات أشهى إلى الجفون
وأحلى * في منامي غب السرى من منامي كدت لما حللت بين تراقيه * حراما أحل من إحرامي
وسقاني من ريقه فسقاني * من زلال مصفق بمدام صد عنى بالنزر اذانا يقظان * وأعطى
كثيره في المنام والتقينا كما اشتهينا ولا عيب * سوى ان ذاك في الأحلام
________________________________________
[ 464
]
وإذا كانت
الملاقاة ليلا * فالليالي خير من الأيام وقوله من قصيدة طويلة: أترى يؤب لنا
الأبيرق * والمنى للمرء شغل طلل لعزة لا يزال * على ثراه دم يطل قتلوا وما قتلوا
وعند * هم لنا قود وعقل قل للذين على مواعدهم * لنا خلف ومطل كم ضامني من لا أضيم *
وملنى من لا أمل يا عاذلا لملامه * كل على سمعي وثقل ان كنت تأمر بالسلو * فقل
لقلبي كيف يسلو قلبى رهين في الهوى * ان كان قلبك منه يخلو ولقد علمت على الهوى *
ان الهوى سقم وذل وتعجبت جمل لشيب * مفارقي وتشيب جمل ورأت بياضا " في سواد * ما
رأته هناك قبل كذبالة رفعت على * الهضبات للسارين ضلوا لا تنكريه سويب غيرك * فهو
للجهلات غل وله قدس الله سره: مولاى يا بدر كل داجية * خذ بيدى قد وقعت في اللجج
حسنك ما تنقضي عجائبه * كالبحر حدث عنه بلا حرج بحق من خط عارضيك ومن * سلط سلطانها
على المهج مد يديك الكريمتين معا * ثم ادع لى من هواك بالفرج وقوله: ولما تفرقنا
كما شاءت النوى * تبين ود خالص وتودد كأنى وقد سار الخليط عشية * أخو جنة مما أقوم
واقعد
________________________________________
[ 465
]
وله من
قصيدة: ألا يا نسيم الريح من أرض بابل * تحمل إلى أهل الخيام سلامى وقل لحبيب فيك
بعض نسيمه * اما آن ان تسطيع رجع كلامي رضيت ولولا ما علمتم من الجوى * لما كنت
أرضى منكم بلمام وإنى لأرضى ان كون بارضكم * على اننى منها استفدت سقامي وقوله:
بينى وبين عواذلى * في الحب أطراز الرماح انا خارجي في الهوى * لا حكم إلا للملاح
وقوله: قل لمن خده من اللحظ دام * رق لى من جوانح فيك تدمى يا سقيم الجفون من غير
سقم * لا تلمني ان مت منهن سقما " انا خاطرت في هواك بقلب * ركب البحر فيك اما واما
وقوله من قصيدة: قل لمعز بالصبر وهو خلى * وجميل العذول ليس جميلا ما جهلنا ان
السلو مريح * لو وجدنا إلى السلو سبيلا وقوله من مقطوع في الشيب: يقولون لا تجزع من
الشيب ضلة * وأسهمه اياى دونهم تهمى وقالوا اتاه الشيب بالحلم والحجى * فقلت بما
يبرى ويعرف من لحمى وما سرنى حلم يفئ إلى الردى * كفاتى ما قبل المشيب من الحلم إذا
كان يعطينى من الحزم سالبا * حياتي فقل لى كيف ينفعني حزمى وقد جربت نفسي الغداة
وقاره * فما شد من وهنى ولا سد من ثلمى وإنى مذ أضحى عذارى قراره * أعاد بلا سقم
واجفى بلا جرم وسيان بعد الشيب عند جنائى * وقفن عليه أم وقفن على رسمى
________________________________________
[ 466
]
وفى هذا
المقدار من محاسن شعره كفاية إذ كان جميعا " ليس له نهاية. (الشريف الرضى) أبو
الحسن محمد بن أبى احمد الحسين بن موسى الموسوي أخو الشريف المرتضى المذكور قبله.
كان يلقب بالرضى ذى الحسبين لقبه بذلك الملك بهاء الدولة وكان يخاطبه بالشريف
الأجل. مولده سنة تسع وخمسين وثلاثمائة ببغداد. كان فاضلا عالما " شاعرا " مبرزا ".
ذكره الثعالبي في اليتيمة فقال: أبتدأ يقول الشعر بعد ان جاوز العشر سنين بقليل وهو
اليوم أبرع أبناء الزمان وانجب سادات العراق يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف
بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر ثم هو أشعر الطالبيين من مضى منهم
ومن غبر على كثرة شعرائهم المفلقين ولو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق وسيشهد
بما أجريه من ذكره شاهد عدل من شعره العالي القدح الممتنع عن القدح الذى يجمع إلى
السلامة متانة والى السهولة رصانة ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مداها، كان
أبوه يتولى نقابة الطالبين والحكم فيهم أجمعين والنظر في المظالم والحج بالناس ثم
ردت هذه الأعمال كلها إليه في سنة ثمانين وثلاثمائة وأبوه حى. وذكره أبو الحسن
الباخررى في دمية القصر فقال: له صدر الوسادة بين الأئمة والسادة وانا إذا مدحته
كنت كمن قال لذكاء ما أنورك ولخضاره ما أغزرك وله شعر إذا أفتخر به أدرك به من
المجد أقاصيه وعقد بالنجم نواصيه وإذا نسب انتسبت الرقة إلى نسيبه وفاز بالقدح
المعلى من نصيبه حتى إذا أنشده الراوى بين يدى الغرهاة قال له من الغرهات وإذا وصف
فكلامه في الاوصاف أحسن من الوصائف الوصاف وان مدح تحيرت الأوهام بين مادح وممدوح
له بين
________________________________________
[ 467
]
المتراهنين
في الحلبة سبق سابح مروح وان نثر حمدت منه الأثر ورأيت هناك خرزات من العقد نفض
وقطرات من المزن ترفض ولعمري ان بغداد قد انجبت به فبوأته ظلالها وأرضعته زلالها
وأنشقته شمالها وورد شعره دجلتها فشرب منها حتى شرق وأنغمس فيها حتى كاد ان يقال
غرق وهو وأخوه في دوحة السيادة ثمران وفى فلك الرياسة قمران وأدب الرضى إذا قرن
بعلم المرتضى كان فر ندا في متن الصارم المنتضى. قال الخطيب في تاريخ بغداد: سمعت
أبا عبد الله الكاتب بحضرة أبى الحسن ابن محفوظ وكان أوحد الرؤساء قال سمعت جماعة
من أهل العلم بالأدب يقولون الرضى أشعر قريش فقال ابن محفوظ هذا صحيح وقد كان في
قريش من يجيد القول الا ان شعره قليل فاما مجيد ومكثر فليس إلا الرضى. وكان الرضى
قد حفظ القرآن بعد ان جاوز الثلاثين سنة في مدة يسيرة وكان عارفا بالفقه والفرائض
معرفة قوية، وأما اللغة والعربية فكان فيهما اماما وله من التصانيف كتاب (المتشابه
في القرآن) وكتاب (حقائق التنزيل) وكتاب (تفسير القرآن) وكتاب (مجازات الآثار
النبوية) وكتاب (تعليق خلاف الفقهاء) وكتاب (تعليقة الايضاح لابي على) وكتاب (خصائص
الائمة) وكتاب (نهج البلاغة) وكتاب (تلخيص البيان في مجازات القرآن) وكتاب
(الزيادات في شعر أبى تمام) وكتاب (سيرة والده الطاهر) وكتاب (انتخاب شعر ابن
الحجاج) وكتاب (مختار شعر أبى اسحاق الصابى) وكتاب (ما دار بينه وبين أبى اسحاق من
الرسائل ثلاث مجلدات) وكتاب (ديوان شعره) يدخل في أربع مجلدات. قال أبو الحسن
العمرى رأيت تفسيره للقرآن فرأيته من أحسن التفاسير يكون في كبر تفسير أبى جعفر
الطوسى أو اكبر وكانت له هيبة وجلالة وفيه ورع وعفة وتقشف ومراعاة للأهل والعشيرة
وهو أول طالبي جعل عليه السواد.
________________________________________
[ 468
]
وكان عالى
الهمة شريف النفس لم يقبل من أحد صلة ولا جائزة حتى انه رد صلات أبيه. وناهيك بذلك
شرف نفس وشدة صلف واما الملوك من بنى بويه فإنهم أجتهدوا على قبوله صلاتهم فلم يقبل
وكان يرضى بالاكرام وصيانة الجانب واعزاز الاتباع والاصحاب. وذكر الشيخ أبو الفرج
ابن الجوزى في التاريخ في وفاة الشيخ أبى اسحاق ابراهيم بن احمد بن محمد الطير بى
الفقيه المالكى قال كان شيخ الشهود المعدولين ببغداد ومتقدمهم وكان كريما " مفضلا
على أهل العلم وقرأ عليه الشريف الرضى القرآن وهو شاب حدث فقال يوما من الايام
للشريف اين مقامك ؟ قال في دار أبى بباب محول فقال مثلك لا يقيم بدار أبيه قد نحلتك
دارى بالكرخ المعروفة بدار البركة فامتنع الرضى من قبولها وقال له لم أقبل من أبى
قط شيئا " فقال ان حقى عليك أعظم من حق أبيك عليك لانى حفظتك كتاب الله فقبلها وكان
يلتهب ذكاء وحدة ذهن من صغره. ذكر أبو الفتح ابن جنى في بعض مجاميعه قال احضر الرضى
إلى ابن السيرافى النحوي وهو طفل جدا " لم يبلغ عمره عشر سنين فلقنه النحو وقعد
عنده يوما " في الحلقة فذاكره شيئا " من الاعراب على عادة التعليم فقال له إذا قلنا
رأيت عمرا " فما علامة النصب في عمر فقال له الرضى بغض على " ع " فتعجب السيرافى
والحاضرون من حدة خاطره وحكى أبو الحسن العمرى قال دخلت على الشريف المرتضى فارانى
الابيات قد عملها وهى: سرى طيف سعدى طارقا " فاستفزني * هبوبا وصحبي في الفلاة هجود
فلما أنتهينا للخيال الذى سرى * إذ الدار قفرى والمزار بعيد فقلت لعيني عاودي النوم
واهجعي * لعل خيالا طارقا " سيعود فخرجت من عنده ودخلت على أخيه الرضى (رض) فعرضت
عليه
________________________________________
[ 469
]
الابيات
فقال بديها ": فردت جوابا " والدموع بوادر * وقد آن للشمل المشت ورود فهيهات من
لقيا حبيب تعرضت * لنا دون لقياه مهامه بيد فعدت إلى المرتضى بالخبر فقال يعز عليى
أخى قتله الذكاء فما كان إلا يسيرا " حتى مضى لسبيله. وذكر أبو الحسين بن الصابى
وابنه غرس النعمة في تاريخهما ان القادر بالله عقد مجلسا " أحضر فيه الطاهر ابا
احمد الموسوي وابنه ابا القاسم المرتضى وجماعة من القضاة والشهود وابرز لهم أبيات
الرضى أبى الحسن رضى الله عنه التى أولها. ما مقامي على الهوان وعندي * مقول صارم
وانف حمى واباء محلق بى عن الضيم * كما راع طائرا وحى أي عذر له إلى المجد إذ * ذل
غلام في غمده المشرفى أحمل الضيم في بلاد الاعادي * وبمصر الخليفة العلوى من أبوه
أبى ومولاه مولاى * إذا ضامني البعيد القصى لف عرقي بعرقه سيدا الناس * جميعا "
محمد وعلى ان ذلى بذلك الجو عز * واوامى بذلك الصقع رى قد يذل العزيز ما لم يشمر *
لانطلاق وقد يضام الابى ان شرا على اسراع عزمى * في طلاب العلى وحظي بطى أرضى
بالاذى ولم يقف ال * عزم قصورا " ولم تعز المطى تاركا " اسرتي رجوعا إلى * حيث
غديري قذى رعى وبى كالذى يخبط الظلام وقد * أقمر من خلفه النهار المضى وقال الحاجب
عن لسان الخليفة للنقيب أبى احمد قل لولدك محمد أي هوان قد اقام عليه عندنا وأى ذل
أصابه في ملكنا وما الذى يعمل معه صاحب مصر لو مضى إليه اكان يصنع إليه اكثر من
صنيعنا، الم نوله النقابة ؟ ألم نوله المظالم ؟ ألم
________________________________________
[ 470
]
نستخلفه على
الحرمين والحجاز وجعلناه أمير الحجيج ؟ فهل يحصل له من صاحب مصر اكثر من هذا ؟ ما
نظنه يكون لو حصل عنده إلا واحدا من افناء الطالبيين بمصر فقال النقيب أبو أحمد اما
هذا الشعر فمما لم نسمعه منه ولا رأيناه بخطه ولا يبعد ان يكون بعض أعدائه نحله
اياه وعزاه إليه فقال القادر ان كان كذلك فليكتب محضر يتضمن القدح في انساب ولاة
مصر ويكتب محمد خطه فيه فكتب محضر بذلك وشهد فيه جميع من حضر المجلس منهم النقيب
أبو أحمد وابنه المرتضى وحمل المحضر إلى الرضى ليكتب خطه فيه حمله إليه أبوه وأخوه
فامتنع من سطر خطه وقال لا اكتب وأخاف من دعاة مصر وانكر الشعر واقسم انه ليس بشعره
وانه لا يعرفه فاجبره أبوه على ان يسطر خطه في المحضر فلم يفعل وقال أخاف دعاة
المصر بين وغيلتهم لى فانهم معروفون بذلك فقال له أبوه يا عجباه اتخاف من بينك
وبينه ستمائة فرسخ ولا نخاف من بينك وبينه مائة ذراع وحلف ان لا يكلمه وكذلك
المرتضى فعل ذلك تقية وخوفا من القادر وتسكينا " له، ولما انتهى الأمر إلى القادر
سكت على سوء اضمر له وبعد ذلك بايام صرفه عن النقابة وكان الطائع لله اكثر ميلا إلى
الرضي من القادر وكان هو اشد حبا واكثر ولاء للطائع منه للقادر وهو القائل للقادر
في قصيدته التى مدحه بها: عطفا " أمير المؤمنين فإنا * في دوحة العلياء لا نتفرق ما
بيننا يوم الفخار تفاوت * ابدا كلانا في المعالى معرق إلا الخلافة ميزتك فإننى *
أنا عاطل منها وأنت مطوق فيقال ان القادر قال له على رغم أنف الشريف. وحضر يوما "
مجلس القادر فجعل يشم لحيته فقال القادر اظنك تشم منها رائحة الخلافة فقال لا بل
رائحة النبوة فاهتز القادر لهذا الجواب. وكان الرضى لعلو همته وشرف نفسه تنازعه
نفسه إلى الخلافة وكان ربما يحبس بذلك خاطره وينظمه في شعره ولا يجد من الدهر عليها
مساعدة فيذوب
________________________________________
[ 471
]
كمدا ويفنى
وجدا " حتى توفى رحمه الله ولم يبلغ غرضا فمن ذلك قوله: ما انا للعليا ان لم يكن *
من ولدى ما كان من والدى وما مشت بى الخيل إن لم اطأ * سرير هذا الأغلب المساجد فإن
انلها فكما رمته * اولا فقد يكذبنى رائدي والغاية الموت فما فكرتي * اسايقى اصبح ام
قائدى وقوله يعنى نفسه. فيا عجبا " مما يظن محمد * وللظن في بعض المواطن غرار يقدر
ان الملك طوع يمينه * ومن دون ما يرجوا لمقدر اقدار له كل يوم منية وطماعة * ونبذ
قريض بالأمانى سيار لئن هو اعفي للخلافة لمة * لها طرر فوق الجبين واطرار وابدى لنا
وجها " نقيا كانه * وقد نقشت فيه العوارض دينار ورام العلى بالشعر والشعر دائبا " *
ففى الناس شعر خاملون وشعار وإنى أرى زندا تواتر قدحه * ويوشك يوما ان تشب له نار
وقوله مثل ذلك: هذا أمير المؤمنين محمد * كرمت مغارسه وطاب المولد أوما كفاك بان
امك فاطم * واباك حيدرة وجدك احمد يمسى ومنزل ضيفه لا محتوى * كرما " وبيت نضاره لا
يقلد وفى شعره الكثير الواسع من هذا النمط. وكان اسحاق بن ابراهيم بن هلال الصابى
صديقا له وكان يطمعه في الخلافة ويزعم ان طالعه يدل على ذلك وكتب إليه في هذا
النمط: ابا حسن لى في الرجال فراسة * تعودت منها ان تقول فتصدقا وقد خبرتني عنك انك
ماجد * سترقى من العلياء ابعد مرتقى فوفيتك التعظيم قبل أوانه * وقلت اطال الله
للسيد البقا
________________________________________
[ 472
]
واضمرت منه
لفظة لم ابح بها * إلى ان أرى اظهارها لى مطلقا فإن عشت أو ان مت فاذكر بشارتي *
واوجب بها حقا " عليك محققا " وكن لى في الأولاد والاهل حافظا " * إذا ما اطمأن
الجنب في مضجع البقا فاجابه الرضى بقصيدة طويلة يعده فيها بابلاغه أماله ان ساعده
الدهر وتم المراد وأولها: سننت لهذا الرمح غربا مذلقا * وأجريت في ذا الهندوانى
رونقا وسومت ذا الطرف الجواد وانما * شرعت له نهجا " فخب واعنقا لئن برقت منى مخائل
عارض * لعينيك تقضى ان يجود ويغدقا فليس بساق قبل ربعك مربعا " * وليس براق قبل جوك
مرتقى وحكى انه لما شاعت أبيات الصابى المذكورة انكرها وقال إنما عملتها في أبى
الحسن على بن عبد العزيز كاتب الطائع بالله وما كان الامر كما ادعاه ولكنه خاف على
نفسه. وحكى أبو إسحاق الصابى قال كنت عند الوزير أبو محمد المهدى ذات يوم فدخل
الحاجب واستاذن للشريف المرتضى (رض) فاذن له فلما دخل قام إليه واكرمه وأجلسه معه
في دسته وأقبل عليه يحدثه حتى فرغ من حكايته ومهماته ثم قال فقام وودعه وخرج، فلم
تكن ساعة حتى دخل الحاجب واستأذن للشريف الرضى وكان الوزير قد أبتدأ بكتابة رقعة
فالقاها ثم قام كالمندهش حتى استقبله من دهليز الدار واخذ بيده واعظمه واجلسه في
دسته ثم جلس بين يديه متواضعا " وأقبل عليه بجميعه فلما خرج الرضى خرج معه وشيعه
إلى الباب ثم رجع، فلما خف المجلس قلت ايأذن الوزير لى أعزه الله تعالى ان أسأله عن
شئ قال نعم وكأنك تسأل عن زيادتي في أعظام الرضى على أخيه المرتضى والمرتضى أسن
وأعلم ؟ فقلت نعم ايد الله الوزير فقال إعلم انا أمرنا بحفر النهر الفلاني وللشريف
المرتضى على ذلك النهر ضيعة فتوجه عليه من ذلك مقدار ستة عشر درهما " أو
________________________________________
[ 473
]
نحو ذلك
فكاتبني بعدة رقاع يسأل في نخفيف ذلك المقدار عنه وأما أخوه الرضى فبلغني ذات يوم
انه ولد له غلام فارسلت إليه بطبق فيه الف دينار فرده وقال قد علم الوزير إنى لا
أقبل من أحد شيئا " فرددته وقلت انى إنما أرسلته للقوابل فرده ثانية وقال قد علم
الوزير انا أهل بيت لا يطلع على أحوالنا قابلة غريبة وانما عجايزنا يتولين هذا
الأمر من نسائنا ولسن ممن ياخذن اجرة ولا يقبلن صلة فرددته إليه وقلت يفرقه الشريف
على ملازميه من طلبة العلم فلما جاءه الطبق وحوله الطلبة قال هاهم حضور فليأخذ كل
أحد ما يريد فقام رجل واخذ دينارا " فقرض من جانبه قطعة وامسكها ورد الدينار إلى
الطبق فسأله الشريف عن ذلك فقال إنى احتجت إلى دهن السراج ليلة ولم يكن الخازن
حاضرا فاقترضت من فلان البقال دهنا " فاخذت هذه القطعة لأدفعها إليه عوض دهنه وكان
طلبة العلم الملازمون للشريف الرضى في دار قد اتخذها لهم سماها دار العلم وعين لهم
فيها جميع ما يحتاجون إليه فلما سمع الرضى أمر في الحال ان يتخذ للخزانة مفاتيح
بعدد الطلبة ويدفع إلى كل منهم مفتاحا " ليأخذ ما يحتاج إليه ولا ينتظر خازنا "
يعطيه ورد الطبق على هذه الصورة فكيف لا أعظم من هذه حاله ولذلك كان الرضى يقدم على
المرتضى لمحله في نفوس العامة والخاصة وكان الرضى ينسب إلى الأفراط في عقاب الجاني
من أهله وله في ذلك حكايات. منها ان أمرأة علوية شكت إليه زوجها وإنه يقامر بما
يحصله من حرفة يعانيها وان له أطفالا وهو ذو عيلة وحاجة وشهد لها من حضر بالصدق
فيما ذكرت فاستحضره الشريف وأمر به فبطح وأمر بضربه فضرب والمرأة تنتظر أن يكف
والامر يزيد حتى جاوز ضربه مائة خشبة فصاحت المرأة وايتم اولادي كيف تكون حالنا إذا
مات هذا فقال لها الشريف ظننت انك تشكيه إلى المعلم. ورأيت في ديوانه انه بلغه عن
قوم من اعدائه قالوا لبهاء الدولة قد جرت عاده الرضى بانشاده الخلفاء شعره وانه
إنما يتكبر عليك في ترك الانشاد وكذبوا في
________________________________________
[ 474
]
ذلك لأنه لم
ينشد قط ممدوحا " وهذه فضيلة تفرد فيها عن الشعراء فكتب بهذه الأبيات إليه مع قصيدة
في كتاب: جناني شجاع ان مدحت وأنما * لساني إذا سيم النشيد جبان وما ضر قوالا اطاع
جنانه * إذا خانه عند الملوك لسان ورب حييى في السلام وقلبه * وقاح إذا لف الجياد
طعان ورب وقاح الوجه تحمل كفه * انامل لم يقرع بهن عنان وفخر الفتى بالقول لا
بنشيده * ويروى فلان مرة وفلان وحكى بعضهم قال أجتاز بعض الأدباء بدار الشريف الرضى
ببغداد وهو لا يعرفها وقد أخنى عليها الزمان وذهبت بهجتها وخلقت ديباجتها وبقايا
رسومها تشهد لها بالنظارة وحسن الشارة فوقف عليها متعجبا من صروف الزمان وطوارق
الحدثان وتمثل بقول الشريف الرضى المذكور: ولقد وقفت على ربوعهم * وطلولها بيد
البلا نهب فوقفت حتى ضج من لغب * نضوى ولج بعذلى الركب وتلفتت عينى فمذ خفيت * عنى
الطلول تلفت القلب فمر به شخص وهو ينشد الأبيات فقال له هل تعرف هذه الدار لمن ؟
فقال لا فقال هذه الدار لصاحب الأبيات الشريف الرضى فتعجب من حسن الاتفاق. ومثل هذه
الحكاية ما ذكره الحريري في كتاب (درة الغواص في أوهام الخواص) وهو ما رواه ان عبيد
بن شرية الجرهمى عاش ثلاثمائة سنة وادرك الاسلام فاسلم فدخل على معاوية بن أبى
سفيان بالشام وهو خليفة فقال حدثنى بأعجب ما رأيت فقال مررت ذات يوم بقوم يدفنون
ميتا " لهم فلما انتهيت إليهم أغروقت عيناى بالدموع فتمثلت بقول الشاعر: يا قلب إنك
من أسماء مغرور * فإذكر وهل ينفعك اليوم تذكير قد بحت بالحب ما تخفيه من احد * حتى
جرت لك اطلاقا محاضير
________________________________________
[ 475
]
فلست تدرى
وما تدرى اعاجلها * ادنى لرشدك أم ما فيه تأخير فاستقدر الله خيرا " وارضين به *
فبينما العسر إذ دارت مياسير وبينما المرء في الأحياء مغتبط * إذا هو الرمس تعفوه
الأعاصير يبكى الغريب عليه ليس يعرفه * وذو قرابته في الحى مسرور قال فقال لى رجل
اتعرف من يقول هذا الشعر فقلت لا فقال ان قائله هو الذى دفناه الساعة وأنت الغريب
تبكى عليه وهذا الذى خرج من قبره أمس الناس رحما به وأسرهم بموته فقال له معاوية
لقد رأيت عجبا " فمن الميت قال عشير ابن لبيد العذري. قال المؤلف عفا الله عنه ومع
كثرة وجود ديوان الشريف الرضى (رض) فلا حاجة إلى الاكثار من شعره. ولنذكر نبذة من
انشائه ومراسيله فإنه قليل الوجود فمن ذلك قوله فصل وأما فلان فما عندي إنك تقرب
عرضه الاشاما صادقا " وذائقا " باصقا فاما ان تجعله لوكة لفيك وعرضة لقوافيك فتلك
حال أرفعك عن الإسعاف إليها والرضا بها وأجل سهمك أن يصيب غير غرضه وحدك أن يطيق
غير مفصله فما كل رمية يطرد فيها النبال ولا كل فريسة ينشب فيها الأظفار. (فصل) قد
كاد الرسول يا أخى وسيدي أطال الله بقاك من كثرة الترداد تتظلم قدماه وكاد المرسل
من أمتداد الطرف لأنتظاره تزور عيناه فلا تجعل للوم طريقا اليك ولا للعتاب متسلقا "
عليك وكن مع مواصلتك الباعلى مقاطعتك وأحمل لمفارقتك كثيرا على مباعدتك فأن ذلك
أخصف لمعاقد العهود واعطف لتزلف القلوب. (فصل): ان رأى السيد الشريف أطال الله بقاه
ان يلقى إلى طرفا من حال سلامته وما جدده الله تعالى من حسم شكايته فحرام على جبيني
الهد وإذا بنا جنبه، ومحصن على عينى الرقاد إذا سهر طرفه لان النفس واحدة وان
اقتسمها
________________________________________
[ 476
]
جسمان
واستهم فيها جسدان ولست اشك في هزيمة الداء ونقيصة الالم لما اجده من سكون النفس
وطمانينة القلب ولو كان غير ذلك لعلقت نفسي لعلق قسيمتها وتألمت مهجتي لالم
مساهمتها والله يقيه ويقينى فيه الاسواء بمنه وقدرته إنشاء الله (فصل): وراودت نفسي
في أنفاذ رسول إليه يسأله الحضور ثم أضربت عزيمة الرأى خوفا " من أزعاجه في مثل هذا
الوقت ولئلا ينسبني إلى نقض الشرائط وفسخ العهود اللوازم لأنه يشارطني في ليلة
يومنا هذا في داره ولهذا كان عزمى في الانفاذ إليه بين رأيين جاذب إلى أمام وممسك
لى وراء الجاذب يحضه الشوق ويحرضه النزاع إلى رؤيته فينجذب والممسك ينتبه الوفاء
بعهده والمحافظة على وده فيقف هائبا " والذى أمكننى عند غيبته إنى حرمت القرائة على
نظرى وصرفت مستأذن الحديث عن دخول سمعي وفزعت إلى المضجع وإن كان نابيا لنبوة النوم
وإن كان نائبا " لنابه فإن رأى أدام الله عزه أن يجعل شخصه الكريم جوابا " عن هذه
الأحرف لينشر من نسائمي ما أنطوى لفراقه ويطفى من جناني ما أضطرم من نار أشواقه فعل
إن شاء الله. (فصل): وإن أتسق الأمر الذى إلى الله أرغب في تمامه وأسأل العون على
لم شمله وتأليف نظامه كان فلان عندي في المنزلة التى ان أسرف منها وجد الناس جميعا
" تحته والمكان الذى إذا طمح فيه بطرفه لم ير احدا من الرجال فوقه والله يعين على
مشاطرته كرائم النعماء ويجعل الرشد مقرونا " بصحبته في الدين والدنيا انه ولى ذلك
والفادر عليه. (فصل): قرأت ما كتب به مولاى الاستاذ أطال الله بقاه وملكنى الابتهاج
مما وقفت عليه ممن علم خبره واقتسمتني ايد الارتياح لما انسته به من دوام سلامته
والله يقيه الهم ويكفيه الغم بمنه وقدرته. واما خبرى فانا الآن في منزلة من العافية
بعد ان كنت في نازلة من المنزلة وتحت ظل من السلامة بعد حصولي في هجير من عارض
العلة ولله الحمد
________________________________________
[ 477
]
على
الابتلاء بالأول والأنعام بالآخر ولولا شغلى بما ذكرت وانغماسمى فيما وصفت لم أقنع
نفسي بالتأخر عنه طول هذه المدة مع السرور الذى يهفونى إليه والجواذب التى تسرع بى
نحوه والله يحرسه ويحرسني فيه بمنه إنه ولى ذلك والقادر عليه. (فصل): فأن رأى أطال
الله مدته ان يجيبنى إلى النمسه ويحتمل ما أقترحته فإنه أهل لنزول الحوائج به وموضع
لتكاثر المسائل عليه فيما يسأل الا باذل ولا يحمل الا حامل فعل إنشاء الله. (فصل):
أختلف ميعاد أو صدق بعاد اعيذك أطال الله بقاك من ذلك وعدتي إنك بصيرا " لتصف فيه
عن قولك أحشفا وسوء كيله والمعنى بجميع هذا وذالى وأخلفت وأوعدتني إنك تجازيني على
ما فعلته بالقطيعة وعادة الكريم انجاز الوعد وأخلاف الوعيد فإن لابد فالصدق ليتوارث
الفعلان ويعتدل الامر ان ولا يكون الشر أغلب الطبيعتين عليك والخير انقص الحظين
عندك والذى أسألك أدام الله عزك أن تسرع النهضة إلى ولا تعجل الطلوع على إن شاء
الله تعالى (فصل): لو شئت أطال الله بقال لا تشمت الخجل من قبيح ما ترتكبه وقعة بعد
أخرى وانا دائب اتلاقاك بالصعب والذلول والدقيق والجليل واستميلك استمالة النافر
واستعطفك أستعطاف الشارد وأداريك مداراة الولد والوالد بل مداراة الناظر الرامد
وأنت ماض على غلوائك في البعد وجار على شننك في القطيعة والهجر ولو رمت شرح جميع ما
جرى منك لطال الكلام وكثر الخصام والان فإن الذى أسألك أدام الله عزك ان تخرج من
لباس الخلق الجافي وتشرع في غدير الود الصافى فإنه أولى بك وأشبه بمثلك. (فصل): إذا
كان انعام سيدنا الوزير أطال الله بقاه عريض الاكتاف بعيد الأقطار والأطراف ينال
المحروم المرزوق سجله ويسع القاصي والدانى فضله كان أحق من ضئ فيه يسمى وأخذ منه
بنصيب وقسيم من سبقت منه
________________________________________
[ 478
]
خدمة وتوكدت
له حرمة وقد شمل أفضال سيدنا الوزير أدام الله عزه اشكالي وأمثالي من أهل هذا البيت
وانا أعوذ بعامر فضله ان يعرينى الزمان من ملابس طوله فإن رأى حرس الله مدته ان
ينعم على بالتوقيع في معنى كيت وكيت فعل أن شاء الله. وكانت وفاته قدس الله روحه
بكرة يوم الأحد لست خلون من المحرم سنة ست وأربعمائة وحضر الوزير فخر الملك وجميع
الاعيان والاشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه ودفن في داره بمسجد الأنباريين
بالكرخ ومضى أخوه المرتضى من جزعه عليه إلى مشهد مولانا الكاظم موسى بن جعفر " ع "
لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه وصلى عليه فخر الملك أبو غالب ومضى بنفسه
آخر النهار إلى أخيه المرتضى إلى المشهد الشريف الكاظمي فالزمه بالعود إلى داره ثم
نقل الرضى إلى مشهد الحسين بكربلاء فدفن عند أبيه. ورثاه أخوه المرتضى بقصيدة
أولها: يا للرجال لفجعة جذمت يدى * ووددت لو ذهبت على براسى ما زلت أحذر وردها حتى
أتت * فحسوتها في بعض ما انا حاسى ومطلتها زمنا فلما صممت * لم يثنها مطلى وطول
مكاسى لله عمرك من قصير طاهر * ولرب عمر طال بالادناس ورثاه أيضا تلميذه مهيار بن
مرزويه الكاتب بقصيدة لم أسمع في باب المراثى ابلغ منها وأولها: من جب غارب هاشم
وسنامها * ولوى لويا واستزل مقامها وغزى قريشا " بالبطاح فلفها * بيد وقوض عزها
وخيامها واناخ في مضر بكلكل خسفه * يستام فاحتملت له ما سامها من حل مكة فاستباح
حريمها * والبيت يشهد وأستحل حرامها ومضى بيثرب مزعجا ما شاء من * تلك القبور
الطاهرات عظامها
________________________________________
[ 479
]
يبكى النبي
وليت هيج لفاطم * بالطف في انبائها ايامها الدين ممنوع الحمى من راعه * والدار
عالية البنا من رامها اتناكرت ايدى الرجال سيوفها * فاستسلمت أم أنكرت إسلامها أم
غال ذا الحسبين حامى دورها * قدر اراح على العدو سهامها ومنها: بكر النعى من الرضى
بمالك * غاياتها متعود اقدامها كلح الصباح بموته عن ليلة * فضحت على وجه الصباح
ظلامها صدع الحمام صفات آل محمد * صدع الرداء به وحل نظامها بالفارس العلوى شق
غبارها * والناطق العربي شق كلامها سلب العشيرة يومه مصباحها * مصلاحها عمالها
علامها برهان حجتها التى بهرت به * أعدائها وتقدمت أعمامها النص مروى وكنت دلالة *
مشهورة لما نصبت امامها قدمت فضليها وجئت فبرزت * سبقا خطى لك احمدت اقدامها دبرتها
طفلا وسدت كهولها * برضى النفوس وكنت بعد غلامها ومنها: أبكيك للدنيا التى طلقتها *
وقد اصطفتك شبابها وغرامها ورميت غاربها بفتلة حبلها * زهدا " وقد القت اليك زمامها
وهى قصيدة طويلة طنانة. وكان المهيار انشد هذه القصيدة المرثية بحضور جماعة ممن كان
يحسد الرضى فشق عليه ونسبوه إلى المبالغة والافراط في اطرائه فرثاه بقصيدة أخرى
أجاد فيها كل الاجادة وعرض بهم ليزداد واغيظا مطلعها: أقريش لا لفم أراك ولا يد *
فتوكلي غاض الندى وخلا الندى
________________________________________
[ 480
]
وما أحسن
قوله من جملتها: يا ناشد الحسنات طوف قاليا " * عنها وعاد كأنه لم ينشد أهبط إلى
مضر فسل حمراءها * من صاح بالبطحاء يا نار اخمدي بكر النعى فقال أردى خيرها * ان
كان يصدق فالرضي هو الردى فجعت بمعجز آية مشهودة * ولرب آيات له لم تشهد كانت إذا
هي في الامامة وزعت * ثم أدعت بك حقها لم تجحد تبعتك عاقدة عليك أمورها * وعرى
تميعك بعد لما تعقد ورآك طفلا شيبها وكهولها * فتزحزحوا لك عن مكان السيد (أبو أحمد
عدنان بن الشريف الرضى) أبى الحسن محمد المذكور قبله كان يلقب الطاهر ذا المناقب
جده أبى الحسن ابن موسى وتولى نقابة الطالبيين ببغداد بعد وفاة عمه المرتضى على
قاعدة جده وأبيه. قال أبو الحسن العمرى هو الشريف العفيف المتميز بصلاحه واصابة
رأيه يعرف علم العروض وأظنه يأخذ ديوان أبيه وجده بحسن الاستماع ويتصور ما يسنده
إليه. وقال غيره كانت الملوك من بنى بويه تعظمه كثيرا وتراه بالعين التى كانت ترى
أباه بها وعمه وجده. قال صاحب عمدة الطالب وانقرض بانقراضه عقب الرضى " رض ". قال
المؤلف ورأيت في مشجرة معتمد عليها ان ابا احمد عدنان المذكور أولد ولدا أسمه على
لكنه درج ولم يعقب فانقرض بانقراضه عقب الشريف الرضى رضى الله عنه. (أبو الحسن محمد
بن أبى جعفر) محمد بن أبى الحسن على بن الحسن بن على بن ابراهيم بن على بن عبد الله
الأعرج بن الحسين الاصغر بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب " ع " يلقب
________________________________________
[ 481
]
بشيخ الشرف
النسابة كان عالما " فاضلا كبيرا " إليه أنتهى علم النسب في عصره وله فيه مصنفات
كثيرة ما بين مختصر ومعلول وهو شيخ الشريفين المرتضى والرضى أبنى أبى احمد الموسوي
وشيخ أبى الحسن العمرى النسابة وكان قد بلغ من السن عمرا " طويلا واحرز من الفخر
قدرا جليلا بلغ تسعا " وتسعين سنة وهو صحيح الاعضاء مات سنة خمس وثلاث وأربعين وخلف
عدة من الولد درجوا وانقرض بانقراضهم عقبه. (السيد أبو الحسن) محمد بن احمد بن
الحسن بن ابراهيم طباطبا بن أسماعيل بن ابراهيم بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى
طالب " ع " كان فاضلا أديبا " شاعرا " حسن الشعر موصوفا بالديانة والعفة متوقد
الذهن ذكى الفطنة مولده باصبهان وله تصانيف منها كتاب (نقد الشعر) وكتاب (تهذيب
الطبع) وكتاب (العروض) وكتاب (في المدخل إلى معرفة المعمى من الشعر) وكتاب (تقريظ
الدفاتر وديوان شعره). ومن شعره في العفة قوله: الله يعلم ما أتيت خنا " * ان
اكثروا العذال أو سفهوا ماذا يعيب الناس من رجل * خلص العفاف من الانام له يقظاته
ومنامه شرع * كل بكل منه مشتبه ان هم في حلم بفاحشة * زجرته عفته فينتبه ومن جيد
شعره قوله: باتوا وابقوا في حشاى لبينهم * وجدا إذا ظعن الخليط أقاما لله أيام
السرور كأنما * كانت لسرعة مرها أحلاما " لو دام عيش رحمة لاخى هوى * لاقام لى ذاك
السرور وداما يا عيشنا المفقود خذ من عمرنا * عاما ورد من الصبا اياما
________________________________________
[ 482
]
وقوله في
طول الليل: كأن نجوم الليل سارت نهارها * فوافت عشاء وهى أنضاد أسفار وقد خيمت كى
تستريح ركابها * فلا فلك جار ولا كوكب سار وكانت وفاته (ره) سنة أثنتين وعشرين
وثلاثمائة وطباطبا لقب جده ابراهيم. قال أبو الحسن العمرى وغيره وإنما لقب بذلك لأن
اباه اراد أن يقطع له ثوبا " وهو طفل فخيره بين ان يجعل له قميصا " أو قبا فقال
طباطبا يعنى قباقبا. وقيل بل أهل السواد لقبوه بذلك وطبا طبا بلسان النبطية سيد
السادات نقل ذلك أبو نصر البخاري عن الناصر بالحق والله أعلم. (السيد أبو الحسين بن
على بن الحسين) ابن الحسن بن القاسم بن على بن أبى طالب عليهم السلام كان من علية
العلوية ومحاسن الحسينية وأهل الفضل والعلم والأدب. وكان الصاحب اسماعيل بن عباد
صاهره بابنته التى هي واحدته ويفتخر بهذه الوصلة ويباهى بها وكان الحسين بن على
يقول لولده أبى الحسن على المذكور لا أعلم في بنى عيبا " الا اتصالك بابنة الصاحب
وذلك لجلالة قدره وعظم بيته. ولما ولدت ابنة الصاحب من أبى الحسين ابنه ابا الحسن
عبادا " ووصلت البشارة إلى الصاحب أنشأ يقول: احمد الله لبشرى أقبلت عند العشى * إذ
حبانى الله سبطا " هو سبط للنبى مرحبا ثمة أهلا بغلام هاشمى * نبوى علوى حسنى صاحبي
ثم قال: الحمد لله حمدا دائما ابدا * إذ صار سبط رسول الله لى ولدا فقال أبو محمد
الخازن قصيدة على وزنه ورويه مطلعها: بشرى فقد انجز الأقبال ما وعدا * وكوكب المجد
في افق العلى صعدا وقد تفرع في أرض الوزارة عن * روح الرسالة غصن مورق رشدا
________________________________________
[ 483
]
لله آية شمس
للعلى ولدت * نجما " وغاية عز اطلعت اسدا وعنصر من رسول الله واشجة * كريم عنصر
اسماعيل فاتحدا وبضعة من أمير المؤمنين زكت * اصلا وفرعا " وصحت لحمة وسدا وما أحسن
قوله فيها: وكادت الغادة الهيفاء من طرب * تعطى مبشرها الأرهاف والغيدا ولقد أبدع
وأغرب في قوله لم يتخذ ولدا " إلا مبالغة * في صدق توحيد من لم يتخذ ولدا وكان
الصاحب إذا ذكر عبادا " أنشد: يا رب لا تخلني من صنعك الحسن * يا رب حطنى في عبادة
الحسن ولما فطم قال فيه: فطمت ايا عباد يابن الفواطم * فقال لك السادات من آل هاشم
لئن فطموه عن رضاع لبانه * لما فطموه عن رضاع المكارم وكان الصاحب رحمه الله قال
قصيدة معراة من الألف التى هي اكثر الحروف دخولا في المنثور والمنظوم وأولها: قد ضل
يجرح صدري * من ليس يعدوه فكرى وهى في مدح أهل البيت " ع " تقع في سبعين بيتا فتعجب
الناس منها وتداولتها الرواة، فسارت مسير الشمس في كل بلدة وهبت هبوب الريح بالبر
والبحر. فاستمر الصاحب على تلك الطريقة وعمل قصائد كل واحدة منها خالية من حرف من
حروف الهجاء وبقيت عليه واحدة تكون معراة من الواو فانبرى صهره أبو الحسين المذكور
لعملها وقال قصيدة فريدة ليس فيها واو مدح الصاحب في عرضها وأولها: برق ذكرت به
الحبائب * لما بدا فالدمع ساكب ابدا معى منهلة * هاتيك أم غرز السحائب
________________________________________
[ 484
]
نثرت لئالي
أدمع * لم تفترعها كف ثاقب لما سرت ليلى تحث * لنأيها عنا الركائب ظلت تجيل لحاظها
* كالسيف لم يخط المضارب للسحر في أرجائها * مهما أدارتها ملاعب جعلت قى سهامها *
ان ناضلته عقد حاجب لم يخط سهم أرسلته * ان سهم اللحظ صائب تسقيك ريقا نشره * ان
قسته للخمر غالب كم قد تشكى خصرها * من ضعفه ثقل الحقائب كم أخجلت بظفائر * ابدت
لنا ظلم الغياهب إخجال كف الصاحب * القرم المرجى للسحائب ملك تلالا من معاقد * عزه
شرف المناصب نشأت سحائب رفده * في الخلق تمطر بالرغائب وهى طويلة تنيف على الستين،
ولما مات الصاحب (ره) رثاه صهره أبو الحسين المذكور بمراث منها قصيدة أولها: الا
انها أيدى المكارم شلت * ونفس المعالى إثر فقدك سلت حرام على العلياء ان هي قوضت *
وحجر على شمس الضحى ان تجلت ومن محاسن شعره يصف جارية بيدها شمعة. خطرت لنا بعد
العشاء بشمعة * تحكى لنا شكل القنا الخطار فكأنها طعنت بها عشاقها * فتكللت عوض
النجيع بنار وأشعاره كثيرة غالبها يتصف بالجودة والحسن وفيما أوردناه كفاية (أبو
الحسن بن أبى الغنائم) محمد بن على بن أبى الطيب محمد بن أبى عبد الله محمد بن أبى
الحسين احمد الأصغر الضرير بن على بن محمد الصوفى بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن
عمر الاطرف بن
________________________________________
[ 485
]
أمير
المؤمنين على بن أبى طالب المعروف بالعمرى علامة النسب المشهور وفهامة الادب
المذكور انتهى إليه علم النسب في زمانه وتميز به على أمثاله وأقرانه وصار قوله حجة
من بعده ومحجة يسلكها المهتدى لقصده والمتأخرون من النسابين كلهم عيال عليه وما
منهم إلا من يروى عنه ويسند إليه سخر الله له هذا العلم تسخيرا ولقى فيه من أجلاء
المشايخ خلقا " كثيرا " وصنف فيه كتاب (المبسوط، والمجدي والشافي، والمشجر) وكان
يسكن البصرة ثم أنتقل منها سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وسكن الموصل وتزوج بأمرأة
هاشمية من بيت قديم بالموصل له رياسة وفيه ستر يعرف ببيت آل عيسى الهاشمي فولدت له
ولديه ابا على محمدا " وابا طالب هاشما " وغيرهما ودخل بغداد مرارا " آخرها سنة خمس
وعشرين وأربعمائة واجتمع بالشريفين الأجلين المرتضى والرضى وحضر مجالسهما، وروى
عنهما وكان أبوه أبو الغنائم نسابة أيضا " اما ما في فن النسب وكان يكاتب من
الامصار البعيدة في تحرير الأنساب المشكوك فيها فيجيب بما يعول عليه من اثبات أو
نفى فلا يتجاوز قوله وبالجملة فقد رزق هو وولده أبو الحسن العمرى المذكور من هذا
العلم حظا " وافرا ولم يتيسر لاحد من علماء النسب ما تيسر لهما وكان أبو الحسن حيا
" إلى بعد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة (ره) (أبو الحسن محمد بن على) ابن الحسين بن
الحسن بن احمد بن القاسم بن الحسن بن على بن أبن طالب المعروف بالوصى الهمداني ذكره
الثعالى في يتيمة الدهر فقال هو من علية العلوية وأركان الدولة الهاشمية السامانية
وكان مستوطنا " بخارى ووصى الأمير السديد على بن طاهر بن الحسين السامانى فاشتهر
بالوصى. وكان الأمير الرضى أبو القاسم نوح بن منصور وجهه رسولا إلى فخر الدولة فقول
بالاجلال والترحيب والتاهيل والتقريب وخرج كافى الكفاة الصاحب بن عباد في موكبه
لأستقباله وبالغ في اكرامه واجلاله.
________________________________________
[ 486
]
حكى أبو
الحسن الرضى المذكور عن نفسه قال لما توجهت تلقاء الرى في سفارتي هذه فكرت في كلام
القى به الصاحب فلم يحضرني ما أرضاه وحين استقبلني وافضى عنانه إلى عناني جرى على
لساني (ما هذا بشر ان هذا إلا ملك كريم) فقال الصاحب (إنى لاجد ريح يوسف لولا أن
تفندون) ثم قال مرحبا الف مرحب بالرسول ابن الرسول والوصى ابن الوصي وله شعر كثير
الملح والظرف لا يكاد يخلو من لفظ رشيق ومعنى أنيق فمن ذلك قوله: يا رب أنت على
الامور قدير * وبأمرئ جم الذنوب خبير يسر لعبدك من نوالك توبة * فعليك تيسير الامور
يسير وقوله: وشادن مقرطق * نادمته في المجلس تحكى لنا غرته * بدرا " بدا في الحندس
جعلت وردى خده * ومقلتيه نرجسى وقوله في الصاحب بن عباد: مات الموالى والمحب * لاهل
بيت ابى تراب قد كان كالجبل المنيع * لهم فصار مع التراب (أبو هاشم محمد بن داود)
ابن احمد بن داود بن أبى تراب على بن عيسى بن محمد البطحائي بن القاسم ابن الحسن بن
زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب " ع " المعروف بالعلوى الطبري احد أعيان السادة
المشهورين بالسيادة جم الفضائل حميد الصفات والشمائل يأخذ من الادب بأوفر نصيب ويحل
من الفضل بواد خصيب وكان بينه وبين الصاحب بن عباد مزيد محبة واخلاص واكيد صحبة
واختصاص ومراسلات من النظم والنثر صادرة عن ولاء لا يشوبه رياء وفيه يقول الصاحب
ابن عباد رحمه الله تعالى:
________________________________________
[ 487
]
ان ابا هاشم
يد الشرف * مادحه آمن من السرف حل من المجد في وسائطه * وخلف العالمين في طرف وهذه
شهادة في السيادة ما عليها زيادة، وكتب إليه الصاحب أيضا " وقد أعتل: أبو هاشم مالى
اراك عليلا * ترفق بنفس المكرمات قليلا لترفع عن قلب النبي حرارة * وتدفع عن صدر
الوصي غليلا فلو كان من بعد النبيين معجز * لكنت على صدق النبي دليلا وكتب أبو هاشم
إلى الصاحب كتابا " بحبر وكان الصاحب يكره الحبر فانكره وكتب إليه: كتبت يا سيدى
كتابا " * يحسده الروض والغدير لكن تحبيره بحبر * انكره رقه الحبير فعد عنه إلى
دواة * قليل تأثيرها كثير وخذ دواتي بلا امتنان * فربما يغرم المشير وبعث إليه دواة
وكانت من الف مثقال ذهب أحمر وكتب أبو هاشم إلى الصاحب: دعوت اله الناس حولا محولا
* ليصرف سقم الصاحب المتفضل إلى بدنى أو مهجتي فاستجاب لى * فها انا مولانا من
السقم ممتل فشكرا " لربى حين حول سقمه * إلى وعافاه ببرء معجل واسأل ربى ان يديم
علاءه * فليس سواء مفزع لبنى على فاجابه الصاحب: ابا هاشم لم أرض هاتيك دعوة * وأن
صدرت عن مخلص متطول فلا عيش لى حتى تدوم مسلما " * وصرف الليالى عن ذراك بمعزل فان
نزلت يوما " بجسمك علة * وحاشاك منها يا علاء بنى على فناد بها بالحال غير مؤخر *
إلى جسم أسماعيل دون تحول
________________________________________
[ 488
]
والله أطال
بقاء: الشريف مولاى ما علمت ولو علمت لعدت اغناء الله بحسن العادة عن العيادة وهو
حسبى. ولأبي هاشم فخر الدولة: يا فلك الأرض وبحر الورى * وشمس ملك مالها من مغيب
دعوت مولاك بنيل المنى * وقد أجاب الله وهو المجيب فقال قل ما شئت مستوليا * ودبر
الدنيا برأى مصيب يامن كتبنا فوق اعلامه (نصر من الله وفتح قريب) (السيد الرئيس أبو
القاسم على بن موسى) ابن اسحاق بن الحسن بن الحسين بن اسحاق بن موسى الكاظم بن جعفر
الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب سلام الله
عليهم أجمعين الموسوي الملقب ذى المجدين نقيب النقباء بمرو، ذكره أبو الحسن
الباخرزى في دمية القصر فقال هذا جمال العترة الموسوية الممعن منها في الطريقة
السوية أذن علوى لم يكن مثله في كرم المناسب وشرف المناصب فما هو إلا حجة للنواصب
وقد سعدت بضيافته في شهر رمضان سنة سبع وأربعين وأربعمائة فرأيت من دسته المطروح
وزنده المقدوح نعيما " وملكا " كبيرا " وخبرا " وخيرا " وفضلا كثيرا " كما قلت فيه
من قصيدة: اتاك الصيام فعاشرنه * بقلب تقى وعرض نقى واوجبت للقوم هشم الثريد * على
شرط منصبك الهاشمي ولو ذهبت أصف ما تلقاني به من تشريف وتقريب واهلني له من تأهيل
وترحيب وحكمي في من أنزال وانوال وخلع على من جاه ومال لخرجت من شرط الكتاب
واستهدفت من السنة النقاد لهم العتاب، اما الادب فمنه واليه ومعول أرباب الصناعة
عليه، واما الخلق فكما يقتضيه الإسلام وكأنه منتسخ من أخلاق جده عليه السلام واما
الجاه فمسلم له غير منازع فيه واما المحل فسلم لا يسلم من الزلل مرتقيه واما
الرياسة فقد القت إليه الارسان واما النقابة فقد فرشت له
________________________________________
[ 489
]
رفرفها
الخضر وعبقريها الحسان وهذا مكان غرر من كلماته ودرر من حصياته يلوح عليها سيماء
النبوة ويحيط بجوانبها سماء المروة انشدني لنفسه بمرو سنة سبع وأربعين وأربعمائة:
رجوتك حينا والرجاء وسيلة * وحسبك لوما " ان تخيب راجيا " ووالله لا تبقى على الحر
نعمة * فجد واغتنم شكرا " على الدهر باقيا " وله أيضا ": إذا انا لم اهتز للجود
والندى * فمن ذا الذى يهتز يا ام مالك ذريني وانفاقي لمالى على العلى * ورأيك فيما
اخترت من حفظ مالك فجود يمينى عادة عرفت بها * وكل يمين لم تجد كشمالك وما انا ممن
ينتهى عن سماحة * بنهيك إذ تنهيننى بجمالك ولا عذل ربات الخدور بما تعى * مكارمي
اللأتى سرت في الممالك وله أيضا ": وليس عجيبا " ان مثلى خاضع * لمثلك والأملاك
حولي خضع وإنك تقصيني وتملك طاعتي * واملاك هذا الدهر لى منك اطوع ولولا الهوى ما
قادني لك قائد * ولكنه بالحر ما شاء يصنع وله أيضا: يا أضعف العالمين وصلا * وأسعف
الناس بالفراق ومن غرامي به شديد * ليس يداوى بالف راق ان كان لابد من فراق * فعن
وداع وعن عناق وزورة ترغم الاعادي * وخلوة حلوة المذاق وله أيضا ": مالى وللعلة لا
زمتها * ولازمتنى كلزوم الغريم كأنها عافت لئام الورى * ثم اصطفت كل صفى كريم
________________________________________
[ 490
]
قال الأديب
يعقوب بن احمد النيشابوري ما أحسن ما اعتذر من جنايتها عليه واسائتها إليه بلفظ
يتضمن امتداح أصله وشرف عرقه والمعنى الذى أشار إليه المتنبي في قصيدة له: ومنازل
الحى الحسوم فقل لنا * ما عذرها في تركها خيراتها وزائرة المتنبي في قوله: وزائرتى
كان بها حياء * فليس تزور الا في الظلام بذلت لها المطارف والحشايا * فعافتها وباتت
في عظامي لاعظامه وفيه يقول الاديب المذكور: يقول صديقى ألأدلنى * على برمك الجود
والهاشمي فقلت واقسمت رب العلى * على بن موسى أبو القاسم وكانت وفاته سنة ثلاث
وخمسمائة (ره). (السيد أبو الحسن محمد بن عبيدالله) ابن على بن الحسن بن الحسين بن
جعفر بن عبيدالله بن أبى الحسين الأصغر بن على بن أبى طالب عليه السلام الملقب شرف
السادات البلخى كان أول من دخل من آبائه إلى بلخ جعفر بن عبيدالله وكان يلقب بالحجة
لفضله وزهده وبيانه وكان أبو البحترى وهب بن وهب قد حبسه بالمدينة ثمانية عشر شهرا
" فما أفطر إلا بالعيدين ولما دخل بلخ القت إليه الرياسة زمامها وقدمته امامها وكان
هو وأولاده نقباءها ورؤساءها وسفراءها الذين أرجو لشرفهم أرجاءها، واما شرف السادة
المذكور فذكره الباخرزى في دمية القصر فقال هو سيد السادات وشرفهم وبحر العلماء
ومغترفهم وتاج الأشراف العلوية المتفرعين من الجرثومة النبوية الشارحين غرر الاداب
في اخبية الانساب وهو ولا مثنوية من المشرفين في الذروة العليا ومن المجدين من
اسنمة الدنيا شوس على عالم العلم ذوائبه وتقرطس اهداف الاداب صوائبه ولم يزل له
امام سرير الملك قدم صدق يطلع في سماء
________________________________________
[ 491
]
الفخار بدره
ويوطى أعناق النجوم قدره وأقل ما يعد من محصوله جمعه بين ثمار الادب وأصوله ووصفه
بأنه ينثر فينفث في عقد السحر ويحلق إلى الشعرى إذا اسف إلى الشعر واما الذى ورائه
من العلوم الآلهية التى اجال فيها الافكار وافتض منها الأبكار فما لا يحصر ولا يحزر
ولا يحد ولا يعد وقد صحبته عشرين سنة ارتدى في ضلال نعمه العيش الناعم حى عادت فراخ
وسائلي قشاعم فكم زممت إليه المطية وركزت على مكارمه الخطية ما دحا " لما اشتهر على
الألسنة من حسبه ونسبه وآخذا بحظى من أدبه ونشبه ولم يرتع ناظري وفى الروض الناضر
الا بتأملى في اقلامه ولا صار سمعي صدف اللالى الا بتقريضي روائع كلامه وليس أسير
واجئ إلى التنويه بأسمه والاشادة بذكره الا نوع تعليل وما احتاج النهار إلى دليل.
قال المؤلف عفا الله تعالى عنه ولسلسلة السيد المذكور حديث متسلسل باربعة عشر ابا "
وهو ما رواه أبو سعد بن السمعاني في (الذيل) قال اخبرنا أبو شجاع عمر بن أبى الحسين
البسطامى الأمامي بقرأنى قال حدثنى السيد أبو محمد الحسين ابن على بن أبى طالب من
لفظه ببلخ حدثنى سيدى ووالدى أبو الحسن على بن ابى طالب سنة ست وأربعمائة حدثنى أبو
طالب الحسن بن عبيدالله سنة أربع وثلاثين وأربعمائة حدثنى والدى أبو على عبيدالله
بن محمد حدثنى أبى محمد بن عبيدالله حدثنى أبى عبيدالله بن على حدثنى أبى على بن
الحسن حدثنى أبى الحسن ابن الحسين حدثنى أبى الحسن بن جعفر وهو أول من دخل بلخ من
هذه الطائفة حدثنى أبى جعفر الملقب بالحجة حدثنى أبى عبد الله حدثنى أبى الحسن
الأصغر حدثنى أبى على بن الحسين بن على عن أبيه عن جده على بن أبى طالب " ع " قال
رسول الله ليس الخبر كالمعاينة قال شيخنا الشيخ زين الدين الشهيد رحمه الله في شرح
الدراية هذا اكثر ما اتفق لنا روايته من الأحاديث المسلسلة بالآباء. قال المؤلف:
واتفق لى أنا رواية أربعة أحاديث مسلسلة بسبعة وعشرين أبا
________________________________________
[ 492
]
وسيأتى
ذكرها ان شاء الله في ترجمة الوالد رضى (ره) في الطبقة العاشرة من هذا الكتاب ولشرف
السادة المذكور من المنثور والمنظوم ما يفوق الدرر في اسلاكها والدرارى في افلاكها
وله في النثر كلمات قصار كل واحدة منها تقصار وهى محذوة على مثال الامثال كقوله من
استغنى عن الدنيا فكأنه دعاها إلى الامتاع ومن حرص عليها فكأنه اغراها بالامتناع
اللئيم من قصر عن الواجب من غير قصر في يديه ولا قصور فيما لديه الغنى معان ومن
عادى معانا " فقد عاد مهانا من دق نجارك عن نجاره فلا تجاره ومن قصر حسامك عن حسامه
فلا تسامه ومن شعره قوله يمدح الوزير ابا نصر احمد بن عبد الصمد سنة خمس وعشرين
واربعمائة. اشبه العصى إذا تأود قدا * وحكى الورد إذ تفتح خدا وثنى للوداع في حرمة
البين * بنانا يكاد يعقد عقدا ولقد حاول الكلام فحاشا * واشييه فاسبل الدمع سردا
لست انسى وان تقادم عهدا * عهد أحبابنا بنجد ونجدا حين غصن الشباب غض ونجم * الوصل
سعد بحسن اسعاد سعدى وغزال قد أورث البدر غيظا * وجهه الطلق والغزالة حقدا الف الصد
والتجنب حتى * علم الطيف في الكرى ان يصدا فسقى عهده العهاد وان لم * يقض حقا لنا
ولم يرع عهدا بل سقاه ندى الوزير فجدوى * راحتيه اجدى واهنى واندى وقوله من أخرى:
أراعك ان تجرى الدموع كما تجرى * وقد جد من يجرى إلى الوصل والهجر أتعجب أن أرعى
المصابيح في الدجى * وقد زالت الشمس المنيرة عن حجري ايجمل تأتيني وجمل سرت بها *
جمالتها نشوى الحمائل إذ تسرى لك الله من قال له لفظ وامق * يرى انه يسلى ولكنه
يغرى يكلفني الصبر الجميل وانما * يجر عنى كاسا " أمر من الصبر
________________________________________
[ 493
]
وساحرة
الالحاظ لم أر قبلها * بان تناهى الحسن ينفث بالسحر ترد الغصون المائسات بحسرة *
وتثنى البدور الطالعات على وزر وقوله أيضا ": قالوا رأيت كاسماعيل من رشإ * فقلت
شرواه في دار الخلو ديرى من ذا راى الحور في الدنيا معاينة * أم من يشاهد ما بين
الورى قمرا أعجب به بانة فرعاء ناضرة * ترى عنا قد من مسك لها ثمرا إذا بدى وجهه أو
لاح مبسمه * أو جاد بالقول إما قل أو كثرا رأيت في عارضيه الدر منسبكا * والدر
متنظما والدر منتثرا سبحان خالقه ما كان أقدره * ان يفضح العقل أو أن يفتن البشرا
لو شاء أوسع أهل الارض قاطبة * من ثغره سكرا من طرفه سكرا وقوله أيضا ": شد النطاق
بخصره فغدا فريدا في جماله * يجنى اللجين من الجبال فكيف عيد إلى جباله وله أيضا ":
افدي بروحى من قلبى كوجنته * في الوصف لا الحكم فالاحكام تفترق أعجب بحرقة قلب ماله
لهب * ومن تلهب خد ليس يحترق وله أيضا: وإنى لمن قوم إذا تميزت * ليال تلقوا صرفها
بالتنمر قدام الورى في كل يوم تقدم * صدورهم في كل يوم تصدر بقرباهم قد سار كل
خليفة * وبالأمر منهم ساس كل مؤمر بنى الله فوق الساريات بيوتنا " * باحمده المحمود
ثم بحيدر مقلبنا كف الوصي وحجره * ومرضعنا دار النبي المطهر ونحن تنقذنا الأنام من
العمى * ووشك الردى في الجاحم المتسعر ونحن كسرنا الوثن والصلب كلها * ونحن نجوم
الأرض في كل مشعر
________________________________________
[ 494
]
فيدعو لنا
في الفرض كل موحد * ويدعو لنا في الأرض كل مكبر ويسمو إلى تفضيلنا كل موقن * ويفضى
إلى تنقيصنا كل ممترى وقد ذقت من حلو الزمان ومره * وجربت طورى عرفه وتنكر فلم ار
ازرى للعلى من تسوف * ولم ار أحرى للمنى من تشمر قضيت لأقلامى ديونا " كثيره * وقد
حل دين المشرفى المشهر واشعاره كثيرة في هذا المقدار كفاية. (السيد الأجل أبو
الحسن) على بن أبى طالب بن عبيدالله البلخى بن أخى المذكور قبله ذكره الباخرزى في
كتاب دمية القصر فقال شرف السادة عمه وله أخص الفضل واعمه وهو من أغصان تلك الدولة
العلياء ومن أزهار تلك الدوحة الغناء ورأيت الشيخ ابا عمرو يروى بين يدى عمه شعره
وأسارير وجهه من سرور تشرق ولسانه بالحمد والشكر ينطق لما يرشح به اناؤه ومن فضل
مختزن في اهابه وبخاته سار ذكره لها وشرف قدرها به ورأيت في كتاب قلايد الشرف قافية
منسوبة إليه فلم اتمالك ان قلت عين الله عليه وحواليه، مطلعها: أرقت وحجرى بالمدافع
يشرق * وقلبي إلى شرقي رامة شيق وما زلت أحمى بالتصبر مهجة * يكر عليها للصبابة
فيلق خليلي هل لى بالعذيبة رجعة * وان لم يعاودني الصبا المتأنق وهل لى باطراف
الوصال تماسك * وهل انا من داء التفرق مقرق بحيث الصبا فينان أخضر مورق * يغازلى
والعيش صاف مورق وكم قد مضى ليل على ابرق الحمى * يضئ ويوم بالمشرق يشرق تسرقت فيه
اللهو املس ناعما " * واطيب انس المرء ما يتسرق ويا حسن طيف قد تعرض موهنا * وقلب
الدجى من صولة الصبح يخفق تنسمت رياه قبيل وروده * وما خلته يحنو على ويشفق
________________________________________
[ 495
]
(السيد أبو
المحاسن) اسماعيل بن حيدر العلوى العباسي ذكره الشيخ أبو الحسن على بن عبيدالله ابن
بابويه في (رجاله) فقال جليل ثقة صالح محدث، وروى عنه الشيخ المفيد عبد الرحمن بن
احمد النيشابوري شيخ الأصحاب بالرى وذكر الباخرزى في دمية القصر فقال كان خبر هذا
الفتى يترائى لى واسمع انه قد نبغ وان قميص فضله قد سبغ وهو في ريعان صباه سبق
القاضى حيدر اباه وكنت اقترح على الايام ان تكحلني بطلعته فاقف على صفته كما وقفت
على صنعته فاتفق حصولي في الرى في ديوان الرسائل بها وقد اظن انه إذا سمع بى قصدني
اما مفيدا أو مستفيدا " فلما تراخى عنى وتنفست على استبطائي اباه مدة مديدة قلت في
نفسي لعل له عذرا وتعرفت خبره فزعموا انه صاحب فراش منذ أسبوع يكاد ينفجر عليه من
عين الفضل ينبوع فكتبت إليه أعوده: عجل الله برأ اسماعيلا * وجلاه الشفاء عضبا
صقيلا لا يرو عنه الذبول فقدما " * قد حمدنا من القناة الذبولا ونسيم الرياض لا
يكتسى الصحة * الا بأن يهب عليلا فحمل إليه أبوه القاضى حيدر هذه الابيات وهو لما
به مستعد لما به فكتب إلى ببنان مرتعش وقلم لا يكاد ينتعش ببيتين تمثل بهما وهما:
رمتى وستر الله بينى وبينها * ونحن بأكناف الحجاز رميم فلو انها لما رمتني رميتها *
ولكن عهدي بالنضال قديم وانطفأ بعد ذلك بساعة وفى منه حسرة اتجرعها ولا اكاد اسيغها
وفى العين عبرة أجلبها من الشؤن ثم أسلبها وكانت وفاته سنة أربع وثلاثين وأربعمائة
ومن شعره قوله: العرب والعجم عالمان بنا * انا على الحادثات فتيان من معشر ما اطل
هامهم * في المجد الاظى وتسجان
________________________________________
[ 496
]
أولئك
السادة الأولى شرفت * مغارس منهم واغصان ياليت شعرى متى يجلل من * هامة قرنى اغر
عريان يضئ ما أظلم البهيم كما * يضحك والدمع منه هتان كم قلت إذ شامه الكفاح لنا *
انك يا مشرفى فتان إلا ويبدى فتور حقك لى * انك بين القراب يقظان سقيا لايامنا التى
سلفت * والدهر مغضى الجفون وسنان حتى إذا قرت العيون بكم * علمت ان الزمان غيران
فلج حتى تقاذفت بكم * عنا مطايا الفراق غيطان لما تصرمت تصارمت لكم * منا بوصل
السهاد اجفان وقوله أيضا: أفى الصبا أشتاق وصل الصبا * كلا ولكن معالى شيب لو ان ما
حملته همتي * حمل سلى لعزاء المشيب (السيد الا جبل أبو الحسن المطهر) ابن أبى
القاسم على بن أبى الفضل محمد بن على بن محمد بن حمزة بن أحمد ابن محمد بن اسماعيل
الديباج بن محمد بن عبد الله الباهر على بن الحسين بن على ابن أبى طالب الملقب
بالمرتضى بن ذى الفخرين ذكره الشيخ أبو الحسين بن بابوبه في رجاله فقال هو من كبار
سادات العراق وصدور الاشراف وانتهى منصب النقابة والرياسة في عصره إليه وكان عالما
" في فنون العلوم وله خطب ورسائل لطيفة قرأ على الشيخ الموفق أبو جعفر الطوسى في
سفر الحج وذكره أبو الحسن الباخرزى في دمية القصر فقال هو من الاشراف السادة اتفق
اكتحالي بغرته الزهراء واسضائتى بزهرته الغراء سنة أربع وثلاثين وأربعمائة بالرى
ألا ان الالتقاء كان خلسة والاجتماع لحظة وما زالت أخباره تترامى إلى باثنية الجميل
على فيزداد غرس ولائه في قلبى أثمارا " وهلال وفائه بين جوانحي أقمارا " ولم أظفر
مما القاه
________________________________________
[ 497
]
بحر علمه
على لسان فضله إلا بهذين البيتين: جانب جناب البغى دهرك كله * وأسلك سبيل الرشد
تسعد والزم ومن وسخته عذرة أو فجرة * لم ينقه بالرحض بحر القلزم قال المؤلف السيد
المذكور من أكابر السادة العظماء ومشاهير الفضلاء والعلماء وكان نقيبا " على الرى
وقم وآمل ذا ثروة ونعمة عظيمة مع كمال الفضل وعلو النسب والحسب له مدرسة عظيمة بقم
ولما توفى كان من جملة متروكاته أربعمائة من لؤلو وناهيك بها ثروة وكانت ملوك آل
سلجوق يلتمسون مصاهرته ويفتخرون بذلك لعلو قدره وأرتفاع شأنه وكان الخواجة نظام
الملك صاهر ابنه السيد الأجل محمد بابنته التى هي واحدة بعد ان تشفع إليه بمن يعز
عليه ولم نزل النقابة والرياسة في ولده حتى تغلب خوارزم شاه تكش على العراق فقتل
السيد يحيى بن محمد بن على بن محمد بن المطهر المذكور وهرب أبنه إلى بغداد. كما
سيأتي في ترجمته إن شاء الله، فزالت ايامهم وانقضى زمانهم وخلد في صدور الدفاتر
محاسنهم واحسانهم رحمهم الله. (السيد الأجل أبو القاسم) يحيى بن أبى المفضل محمد بن
على بن محمد بن النقيب المطهر المذكور قبله ملقب عز الدين المرتضى علم الهدى ذا
الشرفين قال الشيخ أبو الحسن على ابن عبيدالله بن بابويه في وصفه هو الصدر الكبير
الإمام السيد الأجل الرئيس الأنور الأطهر الأشرف المرتضى المعظم عز الدولة والدين
شرف الإسلام نصير الملك رضى الملك والسلاطين ملك النقباء في العالمين اختيار الايام
افتخار الانام قطب الدولة ركن الملة عماد الامة سلطان العترة الطاهرة عمدة الشريعة
رئيس رؤساء الشيعة صدر علماء العراق قدوة الاكابر معين الحق حجة الله على الخلق ذى
الشرفين كريم الطرفين نظام الحضرتين جلال الاشراف سيد أمراء السادة شرقا " وغربا "
قوام آل الرسول ملك السادة ومنبع السعادة وكهف الأمة وسراج
________________________________________
[ 498
]
الملة وطود
الحلم والرزانة وقس اللسن والأبانة وعلم الفضل والافضال ومقتدى العترة والآل انتهى.
كان رحمه الله خاتمة أهل بيته في الرياسة بالعراق وعظيمهم الذى لا يزاحمه عظيم من
دون اغراق عظم في الرياسة قدره وأشرق في سماء الايالة بدره وفوضت إليه نقابة
الطالبيين بالرى وقم وآمل وكان فاضلا عالما " كبيرا " عليه تدور رحى الشيعة واليه
ترد أحكام الشريعة وخوطب بسلطان العلماء ورئيس العظماء وكان راوية للاحاديث يروى عن
والده المرتضى السعيد شرف الدين محمد وعن مشايخه الكرام قدست أرواحهم وكانت مدته
قبلة الآمال ومحط الرحال وباسمه الشريف نظم السيد عز الدين على بن السيد الأمام
ضياء الدين فضل الله الحسينى الراوندي حبيب النسيب للحسيب النسيب ولم يزل راقيا
لأوج السعد والاقبال ممتطيا " صهوة العز والجلال حتى اصابته عين الكمال وجرى الدهر
على عادته في تبديل الأحوال فخنم له بالشهادة ونال من خيرى الدنيا والآخرة الحسنى
وزيادة وكان سبب شهادته ان الملك خوارزم شاه تكش لما استولى على الرى وتلك الأطراف
وقتل من بها من الاعيان والاشراف كان الشريف المذكور ممن عرض على السيف وجرى عليه
ذلك الظلم والحيف وذلك في سنة تسع وثمانين وخمسمائة وانتقل محمد ولده إلى بغداد
ومعه السيد ناصر بن مهدى الحسينى وكان وروده إليها في شعبان سنة أثنين وتسعين
وخمسمائة وتلقيا من قبل حضرة الخليفة الناصر لدين الله بالقبول ففوضت نقابة
الطالبين في بغداد إلى السيد ناصر المذكور ثم فوضت إليه الوزارة فترك أمر النقابة
إلى محمد بن السيد عز الدين فصار نقيب الطالبيين على رسم آبائه الطاهرين ثم حج ورجع
إلى بلده رحمهم الله أجمعين. (تكش) بفتح المنثاة من فوق والكاف والسين المعجمة على
وزن حبش والله أعلم. (السيد أبو عبد الله) جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر
بن الحسن بن الحسين بن
________________________________________
[ 499
]
على بن أبى
طالب عليه السلام. قال النجاشي كان وجها " في الطالبين متقدما " روى الحديث وكان
ثقة في أصحابنا سمع واكثر وعمر وعلا اسناده له كتاب (التاريخ العلوى) وكتاب (الصخرة
والبئر). مات في ذى القعدة سنة ثمان وثلاثمائة وله نيف وتسعون سنة وذكر عنه انه قال
ولدت بسر من راى سنة أربع وعشرين ومائتين وعلى هذا فيكون وفاته عن أربع وثمانين سنة
رحمه الله تعالى. (السيد أبو ابراهيم) حسن بن على بن عبد الرحمن الشجرى بن قاسم بن
الحسن بن زيد بن الحسن ابن على بن أبى طالب " ع " كان من أعاظم الأشراف بقزوين عظيم
الشأن وافر الجاه مقدما رئيسا " ذا فضائل وكمالات عديدة إليه انتهت الرياسة في تلك
الديار وبه اقتدت السادة الاخيار وكان قد عمر عمرا " طويلا فاضر في آخر عمره عند
كبر سنه فاسف على ذهاب بصره وتالم لذلك كثيرا " فجمع مائة نفر من السادات والفضلاء
والصالحين من أهل قزوين وانهر وأعطى كل منهم راحلة وزادا وحج بهم معه ولما وصل إلى
المدينة المنورة رأى في منامه قائلا يقول ما هذا الاسف كله على ذهاب بصرك ولم ببق
من عمرك ما تأسف على ذهاب الصبر فاختر أما رجوع بصرك كما كان أو ان يكون في أحد
أولادك دعوة مسجابة دائمة فاختار في منامه الاستجابة ورجع من الحج بجميع من ذهب معه
ولما وصل إلى قزوين أنتقل إلى جوار الله تعالى وتوفى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ولم
تزل الرياسة في أعقابه إلى اليوم. (ابو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري) صهر
الشيخ المفيد (ره) وخليفته والجالس بعد وفاته مجلسه متكلم فقيه قيم بالامرين جميعا
" صنف كتبا كثيرة مفيدة.
________________________________________
[ 500
]
منها كتاب
(التكملة في التوحيد) كتاب جواب المسألة في ايمان آباء النبي جواب المسألة في ولد
صاحب الزمان جواب المسألة في الرد على الغلاة جواب المسألة في أوقات الصلاة جواب
المسألة الواردة من صيداء جواب مسألة أهل الموصل جواب المسألة في ان الفعال غير هذه
الجملة مسألة في المسح على الرجلين جواب المسائل الواردة من طرابلس أجوبة مسائل شتى
في فنون من العلم مات يوم السبت سادس عشر شهر رمضان سنة ثلاث وستين وأربعمائة ودفن
في داره. (السيد تاج الدين) على بن عماد الدين جعفر بن على بن عبد الله بن احمد
الجعفري كان سيدا فاضلا بدهستان قرأ على علماء خوارزم أنواع العلوم وقرأ طرفا من
تصانيف الفخر الرازي عليه وفوض إليه منصب الفتوى بدهستان كما كان مفوضا " إلى والده
السيد عماد الدين وكان يفتى على مذهب الحنفية تقية وذكر ذلك الشيخ أبو الحسن على بن
عبد الله بن بابويه في رجاله ودهستان بكسر الدال المهملة والهاء وسكون السين
المهملة وفتح التاء المثناة من فوقها وبعد الالف نون مدينة مشهورة عند مازندران
بناها عبد الله بن طاهر خرج منها جماعة من العلماء قاله السمعاني في الأنساب والله
العالم بالصواب. (السيد أبو البركات) على بن الحسين بن على بن جعفر بن محمد بن
الحسين بن على بن محمد الملقب بالديباج بن الأمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن
على زين العابدين بن الحسين ابن على بن أبى طالب " ع " ذكره الثعالبي في (يتيمة
الدهر) فقال هو بقية الشرف وبحر الادب وربيع الكرم وغرة نيسابور وشيخ العلوية وحسنة
الحسينة وامام الشيعة بها ومن له صدر تضيق عنه الدهناء وتفزع إليه الدهماء: وكلام
كدمع صب غريب * رق حتى الهواء يكشف عنده رق لفظا " ورق معنى فأضحى * كل شئ من
البلاغة عبده
________________________________________
[ 501
]
يزين تالد
أصله بطارف فضله، ويحكى طهارة نسبه وبراعة ادبه ويرجع من حسن المروة وكرم الشيمة
إلى ما تتواتر به أخباره وتشهد عليه آثاره ويقول شعرا صادرا عن طبع شريف وفكر لطيف
وذكره أبو نصر العتبى في تاريخ اليميني فقال قد جمع الله له بين ديباجتي النظم
والنثر فنثره منثور الرياض جادتها السحائب ومنظومه منظوم العقود زانتها النحور
والترائب فمن نثره ما كتبه إلى بعض أصحابه في شكاية لحقته وكان هو أيضا " شاكيا "
برقتى هذه وانا عائد معود وقاصد بالزيارة مقصودا خاطب اصدقائي بما اخاطب واكاتب
إخوانى بما اكاتب سمائي وقدة وارضى رعدة تنتابني الحمى وتفارقني الشكوى نفسي نفسان
ونفسي نفسان كأن الحول شاطرني فصوله فنلت غرته وحجوله فالربيع بين عينى وخيشومى
والصيف كان بين صدري وحلقومى وما عرفت لعلتي هذه سببا " إلا إنى رأيت نفس الكرم
شاكية فشاركتها في شكواها ووجدت عين الكمال متأذية فاحتملت عينى اذاها وقلت متمثلا
لا ممتثلا: ونعود سيدنا وسيد غيرنا * ليث التشكى كان بالعواد ثم ذكرت ما اعد الله
للعباد من ثواب العلة في المعاد فاستصغرت من ذلك ما استعظمته وسهل مسلكي وان
استوعرته وقلت نصح الله تلك النسمة من العلة واعطى الشيخ بها امانا من القلة واعمى
عنه ناظر الزمان ولا طرق إلى فنائه طوارق الحدثان ونمنيت إنى واصلت غدوى برواحى في
زيارة الشيخ مشاهدا " للحال واقباله نحو البرء والأقبال لكن حيل بين العير والنزوان
ومنه قوله: ان تكن كتابتي للأمير انفا " لم ترتع وبكر لم تفترع فلا اشوبها بارب ولا
اتسبب إليها بسبب فعل من لا يشين ولائه طمع ولا يشوب دعواه عيب ولا طبع غير أن
الأضطرار بغير وجه الاختيار والعذر فيه مقبول عند ذوى الأخطار والاحرار وفلان يمسى
بحق الجوار ولقد نشر جرائد شكره واظهر بحسن البشر خبايا بره فملأ الأرض ثناء
والسماء دعاء وعادة الامير أن يحيى الآمال ويسترق الاحرار فليجعل متكرما هذا الأمل
محظوظا " ولا يجعله محطوطا "
________________________________________
[ 502
]
ان شاء
الله. ومنه قوله: بعض الوقت مقت وبعض الحين حين والطالب عجول والمطلوب منه ملول وكل
اناء يرشح بما فيه وكل جان يده إلى فيه ومن كلامه: انا من الناس لم يعدو الخط حظا "
ولا الشعر شعارا " ومن نظمه قوله: واغيد سحار بالحاظ عينه * حكى لى تثنيه من البان
املودا سلخت بذكراه عن الصبح ليلة * انادمه والكأس والناى والعودا ترى انجم الجوزاء
والنجم فوقها * كباسط كفيه ليقطف عنقودا " وقوله: أسرب القطا هل من يعير جناحه *
فيوسعني برا " وأوسعه شكرا " لعلى القى من احب لقائه * فقد فرق الأيام ما بيننا
دهرا " وكان هذا السيد في زمن السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين ينزل نيشابور
وأبنه الحسين بن على بن الحسين ورد بغداد في خلافة المهتدى وادرك خلافة المعتمد
وتوفى ببغداد في خلافته وقبره ببغداد ظاهر وأبنه جعفر بن الحسين ابن على اقام
ببغداد بعد موت أبيه مدة ثم انتقل إلى الجبل ووقع أختياره على همدان فاتخذها دار
مقام وأولد بها وأبنه الحسين بن جعفر بن الحسين بن على اقام بهمدان بعد موت أبيه ثم
أنتقل إلى قزوين واتخذها دار مقام وكان من المعمرين مات وله مائة وخمس سنين رحمه
الله. (السيد أبو طالب) محمد بن عمر بن يحيى بن الحسين النسابة بن احمد المحدث بن
عمر بن يحيى ابن الحسين ذى العبرة بن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب " ع
" كان جده احمد المحدث سيدا " جليلا عالما " نسابة نقيبا " رئيسا " وهو أول نقيب
ولى على ساير الطالبيين كافة ورد العراق من الحجاز سنة احدى وخمسين ومائتين. وكان
السيد أبو طالب المذكور احد السادة المذكورين واوحد الفضلاء
________________________________________
[ 503
]
المشهورين
يجمع بين شرفي الحسب والنسب ويأخذ بطرفي المجد الارثى والمكتسب ويقيم من أدبه وفضله
اعدل شاهد على طهارة أصله وإذا طابقت الفروع الأصول فذاك هو الشرف الموصول ولله در
ابن الرومي حيث يقول بعدم التعويل على مجرد النسب: وما النسب الموروث لا در دره *
بمحتسب الا بآخر مكتسب وكان السيد لما سمع هذا البيت صدق قائله فاجتهد في اكتساب
الفضل حتى لحق أوائله وهكذا فلتكن الهمم العلية والشيم العلوية وكانت وفاته رحمه
الله في سنة سبع وأربعمائة وقد جعل الله من نسله سادة اجلاء وقادة نبلاء منهم سبط
النقيب شمس الدين أبو عبد الله احمد بن النقيب أبى الحسن على بن أبى طالب محمد
المذكور وكان سيدا " جليلا وفاضلا نبيلا توفى في جمادى الأولى سنة أحدى وخمسين
وأربعمائة عن أربع وخمسين سنة وقام مقامه ولده السيد النقيب نجم الدين أسامة بن أبى
عبد الله شمس الدين احمد ولى النقابة سنة أثنتين وخمسين وأربعمائة فاقام فيها أربع
سنين ثم قلت رغبته فيها فاستعفي منها وتوفى في رجب سنة أثنتين وسبعين وأربعمائة عن
خمس وأربعين سنة وقام مقامه ولده أبو طالب عبد الله المعروف بالتقى النسابة بن
أسامة وكان عالما فاضلا مبجلا وهو صاحب الحكاية مع السيد الفاضل النسابة امام الحرم
جعفر بن أبى البشر الضحاك بن سليمان بن على بن عبد الله بن محمد المعروف بتغلب بن
عبد الله الأكبر بن محمد السائرى بن موسى الثاني بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد
الله بن الحسن بن ابن الحسن بن على بن أبى طالب " ع " والحكاية هي ما رواه السيد
الجليل شهاب الدين احمد بن على بن عنبة في كتاب (عمدة الطالب) قال حدثنى الشيخ
الملقب تاج الدين أبو عبد الله محمد بن معيه الحسينى باسناده إلى السيد العالم عبد
الحميد بن التقى بن أسامة النسابة، قال: حدثنى أبو طالب عبد الله بن أسامة قال حججت
انا وعبد الله بن المختار فبينما نحن ذات ليلة في المسجد الحرام وإذا
________________________________________
[ 504
]
بجماعة
مجتمعة على شخص ورأيت الناس يعظمون ذلك الشخص ويجتمعون عليه فسألنا عنه من هو فقيل
جعفر بن أبى البشر امام الحرم فقال لى السيد عدنان وكان منا ضعف أنى لاضعف من
الذهاب إليه والسلام عليه فقم أنت وسلم عليه فقمت فأتيته وسلمت عليه وقبلت رأسه
وقبل صدري لأنه كان رجلا قصيرا " ثم قال لى من أنت قلت بعض بنى عمك فقال اعلوى أنت
قلت نعم قال احسيني أم حسنى أم محمدى أم عباسي أم عمرى فقلت بل حسيني فقال ان
الحسين الشهيد اعقب من زين العابدين وحده واعقب زين العابدين من ستة، محمد الباقر
وعبد الله الباهر وزيد الشهيد وعمر الأشرف والحسين الأصغر وعلى الأصغر فمن أبهم أنت
فقلت انا من ولد زيد الشهيد فقال ان زيدا " اعقب من ثلاث رجال الحسين ذى الدمعة
وعيسى ومحمد فمن أيهم أنت فقلت انا من واد الحسين ذى الدمعة قال فإن الحسين ذى
الدمعة أعقب من ثلاثة يحيى والحسين القعدد وعلى فمن أيهم أنت فقلت انا من ولد يحيى
قال فإن يحيى بن ذى الدمعة أعقب من سبعة رجال القاسم والحسن الزاهد وحمزة ومحمد
الاصغر وعيسى ويحيى وعمر فمن أيهم أنت فقلت انا ولد عمر بن يحيى قال فإن عمر بن
يحيى أعقب من رجلين احمد المحدث وابى منصور محمد فلأيهما أنت قلت لاحمد المحدث قال
فإن احمد المحدث أعقب من الحسين النسابة النقيب وأعقب الحسين النسابة من رجلين زيد
ويحيى فمن أيهما أنت قلت من يحيى بن الحسين قال فإن يحيى أعقب من رجلين أبى على عمر
وأبى محمد الحسن فمن أيهما أنت قلت من ولد أبى على عمر بن يحيى قال فإن ابا على عمر
بن يحيى أعقب من ثلاثة أبى الحسن وابى طالب وابى الغنائم محمد فمن أيهم أنت قلت من
ولد أبى طالب محمد بن أبى على عمر بن يحيى قال: قال فكن ابن أسامة قال فقلت انا ابن
أسامة وهذه الحكاية تدل على حسن معرفة هذا الشريف بانساب قومه واستحضاره لاعقابهم
وكان للسيد أبى طالب أبى عبد الله التقى المذكور ولدان جليلان أحدهما أبو الفتح نجم
الدين والثانى أبو على عبد الحميد بن التقى النسابة
________________________________________
[ 505
]
ويلقب جلال
الدين انتهى علم النسب مولده ليلة الثلاثاء تاسع عشر شوال سنة أثنين وعشرين
وخمسمائة اما أبو الفتح فقد انقرض نسبه وأما عبد الحميد فاعقب من ولدين وكلاهما
عالم فاضل أبو طالب محمد شمس الدين وأبو الفتح على نجم الدين وكان أبو طالب محمد بن
عبد الحميد نقيب المشهد والكوفة وكان عالما " فاضلا نسابة وفى بيته العقب توفى سنة
ست وستين وستمائة. (السيد أبو محمد) الحسن بن على بن حمزة بن كمال الشرف أبى القاسم
محمد بن الحسن بن محمد ابن على الزاهد بن محمد الاصغر بن يحيى بن الحسين ذى العبرة
بن زيد بن على بن الحسين ابن على بن أبى طالب " ع " الملقب علم الدين الطاهر النقيب
الأقاسى كان جده كمال الشرف أبو القاسم محمد نقيبا ولاه الشريف المرتضى نقابة
الكوفة وامارة الحج حج بالناس مرارا " وأولاده أجلاء رؤساء وآباءه سادة معظمون وأما
السيد أبو محمد علم الدين المذكور فذكره ابن كثير الشامي في تاريخه وقال مولده
ومنشأه الكوفة وكان شاعرا " ماهرا " فاضلا من بيت أدب ورياسة ومروة دخل بغداد ومدح
المقتفى والمستنجد وولده المستضئ وأبنه الناصر فوض إليه الناصر نقابقة العراق وكان
شيخا " مهيبا " تجاوز عمره الثمانين وتوفى في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة رحمه الله
وولده السيد أبو عبد الله الملقب قطب الدين كان سيدا جليلا عالما " شاعرا " تولى
نقابة النقباء ببغداد إلا انه لم يعقب فانقرض عقبه، والافاسى بفتح الهمزه وسكون
القاف وفتح السين المهملة وبعد الإلف سين مهملة أيضا " نسبة إلى أقاسى وهى قرية من
قرى الكوفة وأول من نسب إليها جده محمد الأصغر بن يحيى بن الحسين ذى العبرة ثم جرت
النسبة على من بعده من أولاده.
________________________________________
[ 506
]
(السيد أبو
الرضا) فضل الله بن على بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبى الفضل
عبيدالله بن الحسن بن على بن محمد بن محمد بن الحسن بن جعفر بن ابراهيم ابن جعفر بن
الحسن المثنى بن الحسن بن على بن أبى طالب الملقب ضياء الدين الأمام الراوندي علامة
زمانه وعميد أقرانه جمع إلى علو النسب كمال الفضل والحسب وكان استاذ أئمة عصره
ورئيس علماء دهره له تصانيف تشهد بفضله وأدبه وجمعه بين موروث المجد ومكتسبه. روى
عن الشيخ العلامة أبى على الفضل بن الحسن الطبرسي وأبى على الحداد والشيخ أبى جعفر
النيسابوري وأبى الفتح بن أبى الفضل الاخشيدى وخلق آخرين من الشيعة والسنة وروى عنه
اكثر أهل عصره ومن تصانيفه كتاب (الكافي) في التفسير وضوء الشهاب ومقاربة الطيبة
إلى مقارنة النية والأربعين في الاحاديث (والكافي) في علم العروض والقوافي ونظم
العروض والطب الرضوي وغير ذلك له مدرسه عظيمة بكاشان ليس لها نظير على وجه الأرض
سكنها من العلماء والفضلاء والزهاد والحجاج خلق كثير وفيها يقول ارتجالا: ومدرسة
أرضها كالسماء * تجلت علينا بافاقها كواكبها اغر أصحابها * وابراجها عز أطباقها
وصاحبها الشمس ما بينهم * تضئ الظلام باشراقها فلو ان بلقيس مرت بها * لأهوت لنكشف
عن ساقها وظفته صرح سليمان إذ * يمرد بالجن حذاقها قال أبو سعيد السمعاني في كتاب
الأنساب لما وصلت إلى كاشان قصدت زيارة السيد أبى الرضا المذكور فلما أنتهيت إلى
داره وقفت على الباب هنيئة أنتظر خروجه فرأيت مكتوبا " على طراز الباب هذه الآية
المشعرة بطهارته وتقواه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
") فلما أجتمعت
________________________________________
[ 507
]
به رأيت منه
فوق ما كنت أسمع عنه وسمعت منه جملة من الأحاديث وكتبت عنه مقاطيع من شعره ومن جملة
أشعاره التى كتبها إلى بخطه الشريف هذه الابيات: هل لك يا مغرور من ذاجر * أو حاجز
عن جهلك الغامر أمس تقضى وغدا لم يجئ * واليوم يمضى لمحبة الباصر فذلك العمر كذا
ينقضى * ما أشبه الماضي بالغابر قال المؤلف عفا الله عنه تعالى ولقد وقفت على ديوان
هذا السيد الشريف فرأيت ما هو أبهى من زهرات الربيع وثمرات الخريف فاخترت منه ما
يروق سماعه لأولى الالباب ويدخل إلى المحاسن من كل باب فمن ذلك قوله في أول قصيدة
يمدح بها الصاحب بهاء الدين: سفرت لنا عن طلعة البدر * احدى الخرائد من بنى البدر
فأجل قدر الليل مطلعها * حتى ترائت ليلة القدر لو انها كشفت لآلئها * من فوقها
والعقد والثغر لأضائت الدنيا لساكنها * والليل في باكورة العمر حتى يظن الناس انهم
* هجم العشاء بهم على الفجر وحديثها سحر إذا أتسقت * لو كان طعم الشهد للسحر
وجبينها بدر التمام إذا * حاذاك لولا كلفة البدر ومنها: يالاتمى كف الملام فقد *
غلب الغرام بها على الصبر فوحق فاحمها الاثيث وهل * في ذلكم قسم لذى حجر إنى إلى
معسول ريقتها * اظما من البادى إلى القطر عهدي بها والوصل يجمعنا * كاللوز توأمتين
في قشر ما شئته شائت وما كرهت * فهو الكريه يحل في صدري نغد واكلانا وفق صاحبه *
ومطيع حكم النهى والامر
________________________________________
[ 508
]
كالدهر
ممتثلا لسيده * أعلمت من هو سيد الدهر وقوله في أول قصيدة يمدح بها ربيب الملوك ابن
أمين الملوك الحسين المستوفى: عودوا ببعض عشيات الحمى عودوا * عودوا فإن لم يكن نقد
فموعود وعدتمونا إذا ما العود فيه جرى * ماء الربيع فهذا الماء والعود السمع يصغى
إلى مكذوب وعدكم * والقلب يصغى إليه وهو معمود بل للكواعب عذر في الصدود إذا *
أنصفتهن وما الانصاف محمود شيبت نفسك لما رحت مكتهلا * فكيف تصبو اليك الخرد الغيد
واسود يومك لما ابيض رأسك من * بيض وسود جناها البيض والسود غصن الشباب ذوى فينانه
نضرا * فعاد وهو جنى المتن مخضود عهد الشباب جزاك الله صالحة * فليس مثلك في
الاشياء موجود ان الشباب إذا ولى بطيبه * فليس يرجعه نوح وتعديد وقوله في أول قصيدة
يمدح بها الصاحب مجد الدين: آها لبرق أو مضا * هاج غرامي ومضى كانه لما بدى * لمع
سيوف تنتضى أو التواء حية * قتلته فنضنضا وبالريج نسمة * من ساكنى ذات الاضا مريضة
لم تستطع * من ضعفها ان تنهضا فاحتبست على الربى * وكل خبت روضا حتى غدت لطيمة *
مفضوضة على الفضا يا برق يا ريح معا * تركتماني حرضا ما لكما أوقدتما * على الحشا
جمر الغضا واأسفا على الصبا * اكان دينا " يقتضى عاد برغم معطى * ذاك الغداف أبيضا
________________________________________
[ 509
]
وعاد حقى
باطلا * وعاد جسمي غرضا لهفى على عهد الصبا * أفلت عنى وانقضى جار عليه الشيب لما *
ان قضا فلا قضا أظلمت الدنيا على * عينيى لما ان اضا من الذى اشكوا إذا * صار
الطبيب ممرضا آه على شبية * بنيانها تقوضا لاقصرن خاطري * إذا شدا أو قرضا على
مراثيها فقد * ابقت بقلبي مرضا وقوله في أول قصيدة يمدح بها الصاحب بها الدين: مقل
الظباء إذا رمين قواصد * وقلوبنا ابدالهن مقاصد حور تسلحت الحلى وطاردت * شوس
الرجال فهم لهن طرائد قامت دمالجها مقام سيوفها (1) * ومن السلاح دمالج ومعاضد بل
حسنهن هو السلاح وغالب * قرن بها ذاك السلاح يجالد من كل واضحة الجبين كأنها * بدر
تكنفه ظلام راكد يشفى غليل ضجيعها من ريقها * عذب يرقرقه شنيب يارد سقيا لايام مضين
حميدة * والدهر عز والزمان مساعد ما انس لا انسى العشيات التى * سلفت لنا يا ليتهن
عوائد بجنيننا ثمرات كل لبانة * إذ نحن ولدان وهن ولائد سقيا لهن معالما ومعاهدا *
ما مثلهن معالم ومعاهد وكأنها ايام مولانا التى * هي في نحور المكرمات قلائد أعنى
بهاء الدين والصدر الذى * بعلاجه صلح الزمان الفاسد الاريحى المستجاد المرتجى *
واللوذعى المستماح الماجد
________________________________________
(1) وفى
نسخة: سلاحها (*)
________________________________________
[ 510
]
نام الخلائق
في ذراه وطرفه * مما يحافظهم رقيب شاهد هو في سماء الفخر بدر زاهر * والآخرون أهلة
وفراقد وأصيبت في الكواكب كثرة * والبدر ما بين الكواكب واحد أغنى نداه العالمين
فاصبحوا * ما فيهم إلا غنى واجد المجد للعافي عليه حاكم * والبشر في تلك الحكومة
شاهد وانامل أم أبحر زخارة * وشمائل أم انعم وعوائد يبقى على العافين ماء وجوههم *
بمواهب لم يبلهن مواعد سهل على الاحباب عفو كلامه * وعلى العداة بوارق ورواعد صب
ولكن العلى صبواته * لا تصبينه عقائل وخرائد لا بل خرائده نهى وصرامة * ومآثر
تحتاطها ومحامد ولقد تفرع في المكارم ذروة * ذل العدو لها وخاب الحاسد وعياله طوعا
" وكرها " كل من * تحت السماء فمادح أو حامد وقوله: أسمع هديت وخير القول انصحه *
ولا تكن في استماع النصح ذا شطط ان في الذرى ملكأ أو في الثرى سقطا * ولا تكن وسطا
لا خير في الوسط وقوله: ان سليمى أقسمت لا تجود * الا ضحى السبت إذا ما يعود فنحن
لاستنجاز موعودها * نعظم السبت كأنا يهود وقوله: بليت من الهوى بجوى عتيد * وقلب لا
يطاوعى عنيد وحزن لا اقاومه قوى * يحاكمى إلى صبر شديد وحب يبتغى منى مزيدا * وما
عندي وحقك من مزيد وخل لا أطيق له خلافا * ولو أمر الغداة بضرب جيدي
________________________________________
[ 511
]
جفاني إذ
نوى سفرا " بعيدا " * فيالله للسفر البعيد وكنت الفته الفا جديدا " * ففاجأني
بهجران جديد وقوله من قصيدة: يا سقى الله عشيات الحمى * بين اكناف النقى فالمنحني
وليالي بجمع انها * فرص العمر وتارات المنى بينما نحن معا نرتع إذ * نفضوا الخيف
واموا اليمنا خرست بيضهم بيض القبا * ورعت سمرههم سمر القنا وأتت عاذلتي باكرة * ان
رأتنى وصبا حلف ضنا ثم لما أعجبتها نفسها * واذابت قلبى الممتحنا حلفت لو أننى كنت
انا * أنت لم أختر لروحي المحنا قلت خليني وخلى عذلى * ما انا أنت ولا أنت أنا لو
رأتنى حين بانوا والنوى * تجعل الأعين منا أعينا لرأت أنملنا السننا * ورأت السننا
أنملنا وقوله ملغزا في أحمد: أقبل كالبدر في مدارعه * تشرق في السعد من مطالعه أوله
ربع عشر ثالثه * وربع ثانيه جذر رابعه وكان السيد المذكور موجودا " إلى سنة ثمان
وأربعين وخمسمائة والراوندي بفتح الراء المهملة والواو وبينهما الف وسكون النون
آخرها دال مهملة نسبة إلى راوند وهى قرية من قرى كاشان بنواحي أصبهان قاله السمعاني
في الانساب ابنه السيد الامام أبو الحسن على عز الدين بن السيد الامام أبى الرضا
فضل الله ضياء الدين الحسينى الراوندي هو شبل ذلك الاسد وسالك بهجة الاسد والعلم
ابن العلم ومن يشابه ابه فما ظلم كان سيدا " عالما " فاضلا فقيها ثقة اديبا " شاعرا
" الف وصنف وقرط بفوائده الاسماع وشنف ونظم ونثر وحمد منه العين والاثر فوائده
________________________________________
[ 512
]
في فنون
العلم صنوف وفرائده في آثار الدهر شنوف ومن تصانيفه تفسير كلام الله المجيد لم يتمه
والطراز المذهب في ابراز المذهب ومجمع اللطائف ومنبع الطرائف وكتاب (غمام الغموم)
وكتب (مزن الخزن) وكتاب (نثر اللئالى لفخر المعالى) وكتاب (حسيب النسيب للحسيب
النسيب وهو الف بيت في الغزل والنسيب) وكتاب (غنية المتغنى ومنية الممتنى ومن نظمه
الباهر المزرى بعقود الجواهر. قوله في حسيب النسيب: يقولون ان الركب بعد غد غادى *
فهل لفؤادي ان غدا الركب من فادى يقولون الا قالوا ويحكون لاحكوا * بان غدا يحدوا
بظعنهم الحادى فيا نفس غيضي لات حين تبلد * ويا عين فيضى ليس ذا وقت ابلادى فهذا
ولما يخل منهم نديهم * فكيف باحوالى إذا ما خلا النادى فديتك هل بعد الفراق تواصل *
وهل يرتجى التقريب من بعد ابعاد هداني اليك الحب ثم أضلني * فكيف احتيالى والمضل هو
الهادى دعاني الهوى سرا " فلبيت جهرة * وان كان اضلالي إليه وارشادي فقال الححى
مهلا فقلت له مه * فإنى في واد وانك في واد الا ليت شعرى هل أرى قلة الحمى * وهل
يروين سكانها غلة الصادى وهل تسهلن للعاشقين بذى الغضى * موارد طلاب مطالب وراد
وقوله أيضا: ذكرتكم والشهب رزحى من السرى * وكف الثريا للغروب تشير وقد نشرت صدغ
الظلام يد الدجى * فلم يبق من صدغ الظلام ضفير فقلت لندمانى قوما فعالجا * فزادا "
يسير الوجد حيث يسير فقاما إلى صب له من جوى النوى * قرين ومن فرط الغرام عشير له
رنة من بعدها الف رنة * اليكم ومن بعد الزفير زفير فقالا معا " في السر نادى فؤاده
* وان لم يعد لاعاد فهو اسير
________________________________________
[ 513
]
فهل من فؤاد
سالم نستعيره * فإن فؤاد الهاشمي كسير وقوله أيضا ": سلا عذبات رامة بل رباها *
سلاها لاعدمتكما سلاها انازحة فراجعة سليمى * اليك أم أستقر بها نواها اما ومنى
وزمزم والمصلى * وأركان العتيق ومن بناها لقد الف الفؤاد هوى سليمى * ولم يخلص إليه
هوى سواها ورب ليلة زهراء بتنا * نروى من جوانحنا صداها فلف الصبح أردية الدياجى *
ورق على مطارفنا نداها فقامت تعقد الازرار عجلى * وقد حلت مدامعنا حباها فتبكى تارة
وتنوح أخرى * أسى فلها بكاى ولى بكاها وقوله: وقالوا سقيم أي ورب محمد * ورب على
اننى لسقيم سقيم جفاه الاقربون فقلبه * به من ندوب الحادثات كلوم وقالوا لها هلا
وأنت كريمة * وصلت الفتى العذري وهو كريم ومالك قد أصبحت لا نرحمينه * وقلبك فيما
يزعمون رحيم فقالت لهم حى سليم من الهوى * بلى اننى من حبها لسليم وقوله: سرى طيفها
والشهب صاح ونشوان * وجنح الدجى في عرصة الجوجيران وكف الثريا بالدعاء ملحة * وصحن
الثرى من عسكر الزنج ملآن فأرقني والوجد والركب جنح * واكثرهم من قهوة النوم سكران
الا أيها الوجد الذى هو قائلي * ترفق قليلا إنما انا انسان فلو انه ما بى بثهلان
بعضه * لأصبح رجراج الثرى منه بثهلان وشعره كله على هذا الأسلوب الذى يملك السامع
ويسترق القلوب.
________________________________________
[ 514
]
(السيد أبو
طالب) محمد بن احمد بن محمد العلوى الحسينى صاحب كتاب (الرضا) ذكره الشيخ أبو الحسن
على بن عبيدالله بن بابويه في فهرس أسماء علماء الأمامية وقال في شأنه فاضل ثقة.
وذكره أبو الحسن على بن الحسن الباخرزى في كتاب (دمية القصر). فقال رأيت هذا السيد
العالم الزاهد رضى الله عنه عند اجتيازى بالطبس وأقررت بطلعته الناظر وارتديت
بصحبته العيش الناضر وطال ما كنت أسمع به فلما التقينا صغر الخبر الخبر فالخلق
جددوا العلم ماله في طريقته المثلى من ندد وكان ملحا على أصحاب الملح يستفيدهم
ويفيدهم حتى امليت عليه شيئا " من محفوظاتي واستكتبته بعض فوائده فجشم قلمه واستعمل
في اجابتي كرمه الا إنى فجعت بما افادنيه ونفذ الدهر حكمه فيه وآفات التعليقات
كثيرة كما قال ابن درست: عليك بالحفظ دون الجمع للكتب * فأن للكتب آفات تفرقها
الماء يغرقها والنار تحرقها * والفار يخرقها واللص يسرقها فما أنشده لنفسه: ان
المكارم أصبحت لهفانة * حرى وأنت بلالها وبليلها وإذا المكارم ذللت أو ضللت * يوما
" فانت دلالها ودليلها وله: لا تلحقنك ضجرة من سائل * قد رام عزك ان نرى مقتولا
وأعلم بأنك عن قريب صائر * خبرا " فكن خبرا " يروق جميلا (فصل) من نثر له رشحه بنظم
وكتب بهما إلى الرئيس أبى القاسم عبد الحميد بن يحيى طلع على خطاب حضرة سيدنا
مقصورا " على عقود حلاها تقاصيرها، وحليها كالرياض جلا أزاهيرها، وحليها هذه نظمها
خاطر المولى وهذه وسمها ماطر الولى حارت احداق البشر في حدائقه، وغارت حقائق الدر
من حقائقه،
________________________________________
[ 515
]
فخدمته
وتلقيته باليمين وقلت (أزلفت الجنة للمتقين): ولو أطاقت من الأعظام تنشره * نواظر
العين ما مكنت فيه يدا وان من أعطته المعالى زمامها وامطته المكارم سنامها وأولته
البلاغة صمصامها وجعلته البراعة عصامها ثم اعتام صفاياها اعتياما وأحتكم في مزاياها
أحتكاما فإحر به ان يكون كتابه (المعالى) مقصورا " على (حور مقصورات في الخيام)
وتبسم الفاظه عن اللؤلؤ الفرادى والتوام فهنيئا له منزلته السماء في المجد العميم
(فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) وكم كررت ناظري في فصوله عند
وصوله فكانت أحسن من ملك أو شباب معاد وأشقى من ملك محاسد ومعاد ووقفت على سلامة
نفسه النفيسة نفس الله مددها ووفر من الخير مددها ولا زالت عيون البلاء عنها غافلة
وفنون العلماء إليها رافلة وأفنان العواف عليها مائدة وأنواع العوائد إليها عائدة
فإنها نفس من عاتق المكارم والفها كما عانقت لام الكتاب ألفها أما المخطوبة
والكريمة المطلوبة فقد وصلت ومثله وان كان لا مثل له مثلها إلى مثلى من المنتمين
إلى خدمته والمربوبين بنعمته يهدى فيزف وعن غيره يكف: فرائد جاوز الشعرى تراقيها *
نظم المحاسن عقدا " في تراقيها فلو تجسم ما فيهن من حكم * زهر كزهر جلاها صوب
ساريها تناهبتها العذراى الحور ناظمة * على النحور عقودا " من لأليها لها محاسن ما
ان سويت بدلا * إلا وابدى مساويه مساويها إذ لا مروة إلا وهو ناظما * ولا فتوة إلا
وهو بانيها متى نظمت مديحا في مفاخره * تضوعت عنبرا " وردا " قواليها هذى المهارى
حداهن الولاء إلى * دار تعطرت الدنيا اهاليها ولما انصرفت من البصرة في خدمة الركاب
العميدي اتفق لى الأستعاد برؤبته ثانية وتدالت أسباب الوصول دانية يكاد يأخذها من
قام بالراح فتزودت
________________________________________
[ 516
]
من أنبساط
تلقائه والاغتباط ببقائه ما اعتقدت معه لله تعالى حمدا " دائبا " وشكرا واصبا " ولم
تظل به الايام حتى بسط القضاء حناحه عليه وقضبه الله تعالى وله الكبرياء إليه رحمه
الله. (السيد الشريف) أبو السعادات هبة الله بن على بن محمد بن حمزة بن احمد بن
عبيدالله بن محمد ابن عبد الرحمن الشجرى بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن على
بن أبى طالب " ع " المعروف بابن الشجرى البغدادي ذكره الشيخ أبو الحسن على ابن
عبيدالله بن بابويه القمى في رجاله وعده من مشايخ الامامية قال كان فاضلا صالحا "
صنف الامالى شاهدت غير واحد يقرأها عليه. وذكره القاضى ابن خلكان في (وفيات
الاعيان) وقال: كان اماما في النحو واللغة وأشعار العرب وايامها وأحوالها كامل
الفضائل متضلعامن الأدب اصنف فيها عدة تصانيف فمن ذلك كتاب (الامالى) وهو اكبر
تآليفه واكثرها افادة املاه في أربعة وثمانين مجلسا " وهو يشتمل على فوائد جمة
وفنون الادب وختمه بمجلس قصره على أبيات من شعر أبى الطيب تكلم عليها وذكر ما قاله
السراج فيها وزاد من عنده ما سنح له وهو من الكتب الممتعة ولما فرغ من إملائه حضر
إليه أبو عبد الله بن الخشاب والتمس سماعه منه فلم يجبه إلى ذلك وعاداه ورد عليه في
مواضع من الكتاب ونسبه في مواضع منه إلى الخطأ فوقف أبو السعادات على ذلك الرد فرد
عليه وبين غلطه وجمعه كتابا سماه (الامصار) وهو على صغر حجمه مفيد جدا " وسمعه عليه
الناس وجمع أيضا " كتابا سماه (الحماسة) ضاهى بن حماسة أبى تمام الطائى وهو كتاب
غريب مليح أحسن فيه وله في النحو عدة تصانيف وكان حلو الكلام فصيحا " جيد البيان
والتفهيم وقرأ الحديث على جماعة من الشيوخ المتأخرين مثل أبى الحسن المبارك بن عبد
الجبار الصيرفى وأبى على محمد بن سعيد
________________________________________
[ 517
]
الكاتب
وغيرهما وذكره الحافظ السمعاني في كتاب (الذيل) وقال اجتمعت معه في دار الوزير أبى
القاسم على بن طرد الزينبي وقت قرائتي عليه الحديث وعلقت عليه شيئا من الشعر في
المدرسة ثم مضيت وقرأت عليه جزء من (امالي) أبى العباس ثعلب النحوي وحكى أن أبا
القاسم محمود الزمخشري لما قدم بغداد قاصدا " للحج في بعض أسفاره مضى إلى زيارة أبى
السعادات المذكور فلما اجتمع به ذكر قول المتنبي: وأستكثر الأخبار قبل لقائه * فلما
التقينا صغر الخبر الخبر ثم أنشده بعد ذلك قول محمد بن هاني الأندلسى: كانت مسائلة
الركبان تخبرني * عن جعفر بن فلاح أحسن الخبر حتى التقينا فوالله ما سمعت * اذنى
باحسن مما قد رأى بصرى فقال الزمخشري روى عن النبي صلى الله عليه وآله لما قدم عليه
زيد الخيل قال يا زيد ما وصف ليى أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون
ما وصف لى غيرك فخرج الحاضرون وهم يعجبون كيف يستشهد الشريف بالشعر والزمخشري
بالحديث وهو رجل أعجمى وكان أبو السعادات المذكور نقيب الطالبين بالكرخ وله شعر حسن
فمن ذلك قصيدة يمدح بها بعض الوزراء وصدرها: هذى السديرة والغدير الطافح * فاحفظ
فؤدك اننى لك ناصح يا سدرة الوادي الذى إن ضله * السارى هداه انشره المتفاوح هل
عائد قبل الممات لمغرم * عيش تقضى في ظلالك صالح ما أنصف الرشأ الضنين بنظرة * لما
دعى مضى الصبابة طامح شط المزار به وبوئ منزلا * بصميم قلبك فهو دان نازح غصن تعطفه
النسيم وفوقه * قمر يحف به ظلام جانح وإذا العيون تساهمته لحاظها * لم يرومنه
الناظر المتراوح ولقد مررنا بالعقيق فشاقنا * فيه مراتع للمها ومسارح
________________________________________
[ 518
]
ظلنا به
نبكى فكم من مضمر * وجدا اذاع هواه دمع سافح محت السنون رسومها فكأنما * تلك العراص
المقفرات نواضح يا صاحبي تأملا حييتما * وسقى دياركما الملث الرائح أدمى بدت
لعيوننا أم ربربا " * أم خردا " أكفالهن رواجح أم هذه مقل الصوار رنت لنا * خلل
البراقع أم قنا وصفايح لم يبق جارحة وقد واجهننا * إلا وهن لها بهن جوارح كيف
أرتجاع القلب من أسر الهوى * ومن الشقاوة ان يراض القارح لو بلة من ماء ضارج شربة *
ما أثرت للوجد فيه لواقح ومن هاهنا يحرج إلى المديح، ومن شعره أيضا ": هل الوجد خاف
والدموع شهود * وهل مكذب قول الوشاة جحود وحتى متى تفى شؤنك بالبكا * وقد حد حدا
للبكاء لبيد وإنى وان حفت قناتي كبرة * لذو مرة في النائبات جليد فيه أشارة إلى قول
لبيد يخاطب أبنتيه: إلى الحول ثم أسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وكان بين الشريف أبى السعادات المذكور وبين أبى محمد الحسن الحريمى الشاعر تنافس
جرت العادة بمثله بين أهل الفضل فلما وقف على شعره قال فيه: يا سيدى والذى يعيذك من
* نظم قريض يصدى به الفكر ما فيك من جدك النبي سوى * إنك لا ينبغى لك الشعر ولعمري
ما أنصفه ولكن العد ويقول في عدوه ما شاء. وكانت ولادة الشريف المذكور في سنة خمس
وأربعمائة. وتوفى يوم الخميس لعشر بقين من شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.
والشجرى بفتح الشين المعجمة وفتح الجيم وبعدها راء نسبة إلى شجرة وهى قرية من أعمال
المدينة على ساكنها الصلاة والسلام وليس من أجداده من أسمه
________________________________________
[ 519
]
شجرة فينسب
إليه كما تردد في ذلك ابن خلكان والله أعلم. (السيد أبو الصمصام) عماد الدين ذو
الفقار بن محمد بن سعيد بن الحسن بن احمد الملقب حميدان ابن اسماعيل قتيل القرامطة
بن يوسف بن محمد بن يوسف الأصغر بن ابراهيم ابن موسى الجون بن عبد الله المحض بن
الحسن المثنى بن الحسن بن على بن أبى طالب " ع " الحسنى المروزى حسام المجد القاطع
وقمر الفضل الساطع والامام الذى عرف فضله الإسلام وأوجبت حقه العلماء الاعلام ونطقت
بمدحه افواه المحابر والسن الاقلام وسعى جهده في بث احاديث أجداده الكرام عليهم
الصلاة والسلام وقل ما خلت إجازة من روايته لسعة علمه وروايته والثقة بورعه وديانته
كان فقيها " عالما " متكلما وكان ضريرا " يروى عن السيد الأجل المرتضى علم الهدى
ابى القاسم على بن الحسين الموسوي والشيخ الموفق أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسى
والشيخ الجليل الصدوق أبى العباس احمد بن على بن احمد بن العباس النجاشي وروى عنه
السيد أبو الرضا فضل الله الراوندي ومن في طبقته قال الشيخ أبو الحسن على بن عبد
الله بن بابويه في (رجاله) صادفته وهو ابن مائة وخمسة عشر سنة (ره). والمروزي بفتح
الميم وسكون الراء وفتح الواو بعدها زاى هذه النسبة إلى مرو الشاهجان وهى احدى
كراسي خراسان وهى أربع مدن هذه ونيسابور وهرات وبلخ هذه مرو بناها الاسكندر ذو
القرنين وزاد في النسبة إليها زاى كما قالوا بالنسبة إلى الرى رازى وهذا من باب
تغيير النسب واكثر أهل العلم يخص زيادة الزاى في النسب ببنى آدم وما عدا ذلك لا
يزاد فيه فيقال فلان المرزوى والثوب وغيره من المتاع مروى بسكون الراء وقيل بل يقال
في الجميع بزياده الزاى ولا فرق بين بنى آدم وغيرهم والله أعلم
________________________________________
[ 520
]
(السيد
احمد) ابن على العلوى الحسينى المرعشي أحد السادات الفضلاء والقادة النبلاء ولد
بدهستان في صفر سنة أثنتين وستين وأربعمائة ونشأ بجرجان واستوطن في آخر عمره سارى
مازندران وكان سيدا فاضلا نسابة سافر إلى الحجاز والعراق وخراسان وما وراء النهر
والبصرة وخوزستان ولقى كثيرا من أئمة الحديث وسمع ببغداد من أبى يوسف عبد السلام بن
محمد بن يوسف القزويني وبالكوفة من أبى الحسين احمد بن محمد بن جعفر الثقفى وسمع
بجرجان من أبى القاسم اسماعيل بن مسعدة الاسماعيلي وباصبهان من أبى عمرو محمد بن
احمد بن عمر النهاوندي قال السمعاني كان السيد المذكور صاحب فضل كبير لكنه كان
غاليا " في التشيع معروفا " بذلك وكنت رأيته أولا بمرو وانا صغير ثم رأيته بسارى
وسمعت منه بعض الاحاديث وكتبتها عنه. وتوفى في شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة
رحمه الله. والمرعشي بضم الميم وسكون الراء المهملة وفتح العين المهملة وكسر الشين
المعجمة نسبة إلى مرعش وهو لقب لجده معلى بن عبيدالله بن محمد بن الحسين ابن الحسين
الإصغر بن زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب " ع " لقب به لأنه كانت به
رعشة وتشبيها له بمرعش وهو جنس من الحمام يحلق في الهواء والله أعلم. (السيد أبو
طاهر) محمد بن يحيى بن ظفر بن الداعي بن مهدى بن جعفر بن محمد بن عبد الله ابن محمد
بن عمر بن على بن أبى طالب " ع " كان من أهل أسترآباد شيخ الامامية بها ومقدم
طائفته وعشريته وأهل بيته كلهم علماء فضلاء محدثون اما جده الداعي ابن مهدى فكان من
علماء الحديث المشهورين وأما ظفر بن الداعي فكان فقيها ثقة صالحا " قرأ على الشيخ
أبى الفتح محمد بن على الكراجكى تلميذ الشريف المرتضى. وأما أبو طاهر المذكور فكان
جليل القدر رفيع الشأن فقيها " محدثا " رئيسا "
________________________________________
[ 521
]
مدرسا " سمع
منه المخالف والمؤالف وممن سمع منه أبو سعد السمعاني وكانت ولادته سنة ست وستين
وأربعمائة ولم تؤوخ وفاته رحمه الله (السيد أبو المحاسن) احمد بن السيد الامام فضل
الله بن على الحسينى الراوندي الملقب كمال الدين تقدم ذكر أبيه وأخيه كان عالما "
فاضلا ولى القضاء فحمدت سيرته وذكره الشيخ أبو الحسن على بن بابويه في فهرس أسماء
علماء الأمامية ووصفه بالعلم والفضل ولأبيه أشعار كثيرة يخاطبه بها فمن ذلك قوله
يخاطبه: أقرة عينى اننى لك ناصح * وان سبيل الرشد دونك واضح أقرة عينى لا تغرنك
المنى * فما هن الا قانصات جوامح وليس المنى الا سرابا بقيعة * ترقرقه بادى النهار
الصحاصح واياك والدنيا الدنية انها * بوارح سوء ليس فيهن سانح إذا ما أستشفتها
الحقيقة أفصحت * بان المنايا غاديات روائح وان ليس نفس المرء الا منيحة * ولابد
يوما " ان ترد المنايح كفى حزنا ان الذنوب كثيرة * وما هن إلا المخزيات الفواضح كفى
حزنا " انا نسينا عديدنا * وقد عدها مستأمن لا يسامح ويا صدق ما قد قال من قبل شاعر
* يعبر عما أضمرته الجوانح كفى حزنا ألا حياة شهية * ولا عمل يرضى به الله صالح
وقوله في أول قصيدة كتبها إليه وهو باصبهان: البين فرق بين جسمي والكرى * والبين
ابكانى نجيعا أحمرا دمعى دم مذ صعدته حرقتي * سلبته حمرته فسال مقطرا كالورد أحمر
ثم ان قطرته * خلع الرداء وعاد أبيض أزهرا قالوا تصبر قلت لا تستعجلوا * أو تصبر
الأيام ان اتصبرا هذا حديث والنزاع يكاد ان * يقوى فينزع قلبى المتجبرا
________________________________________
[ 522
]
قسما " لو
انى كنت أعلم أننى * أبقى كذا متلددا متحيرا لعلقت ذيل أبى المحاسن عنوة * أما تهيأ
للفراق وشمرا وكتب إليه في جواب كتابه: وصل الكتاب فكان اكرم واصل * وقبلته في
الحال أفرح قابل وحمدت ربى إذ قرأت كتابه * غررا " حوالى لم تكن بعواطل وسألته
التوفيق وهو موفق * لمصالح الولد الأعز الفاضل وقضاء ما قد كان من تقصيره * بالجد
فيما بعد غير مماطل فليجتهد همان في تحصيله * لا شئ أحسن من قضاء عاجل (السيد أبو
الحسن) على بن رضى الدين ما نكديم بن اسماعيل بن عقيل بن عبد الله بن الحسن ابن
جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن على بن الحسين ابن أبى
طالب " ع " كان أبوه السيد رضى الدين اماما " فاضلا فقيها ثقة ذكره الشيخ أبو الحسن
على بن عبيد الله بن بابويه في فهرس أسماء علماء الأمامية واثنى عليه. وأما أبنه
السيد أبو الحسن المذكور فذكره أبو الحسن الباخرزى في (دمية) القصر. فقال ما عسى أن
أقول في هذا السيد والوجه وضئ والشعر مرضى واللسان عربي والجد نبى والجلة شرف وهو
من أسلاف الاشراف خلف رأيته عارضي الوجه من الشعر متناصف حسن الوجه والشعر غض الأدب
والسن يضرب جماله وهو من الانس بعرق من الجن واستكتبته نبذا " من أشعاره فكتب لى
يخطه الديباجي الجلى وضمنها ما لم يضمن صدور الغانيات من الحلى: لعمرك ما نجدية
الدار اتهمت * وحنت إلى نجد وأنت من الوجد يا جزع منى لا وأسكب عبرة * وأدنى الذى
أخفى كاقصى الذى نبدى أقول إذا ما الليل أرخى سدوله * وطال مطال الصبح والقول لا
يجدى
________________________________________
[ 523
]
ألا ليت
شعرى هل أرى الصبح طالعا " * بوجهك لى أفديه من طالع سعد وان جل ذاك الوجد عن قدر
مهجتي * فليس على العبد الضعيف سوى الجهد ولو كنت اعطى ما أشاء من المنى * لما كنت
تمشى قط إلا على خدى قلت ليت شعرى من المنتعل لهذا الخد فأشهد له بعلو الجد: وما
زهرات الروض باكرها الندى * ولا البدر فيما بين أنجمه الزهر باحسن من سعدى إذا ما
تبسمت * بياقوت فيها عن نظام من الدر وقوله: بنفسى معسول الرضاب مهفهف * حثيث الخطى
في المشى سود غدائره أراق دمى وجدا وأرق ناظري * إذا ما دجى جنح الحنادس ناظره وكنت
سجيس الدر أخشى فراقه * فكان الذى كنا قديما " نحاذره وبت كما شاء الفراق ولم ازل *
اكفكف دمعا تستهل بوادره بكى عند توديعي أسى فتهتكت * على ملاء من حاسديه ستايره
فدمعته أشفت إلى الرقباء ما * أسرته من برح الغرام ضمائر وما نكديم لفظة فارسية
معناها خد القمر أو قمرى الخد وهى مركبة من مانك وديم فمانك بفتح الميم وسكون النون
بعد الالف وكاف فارسية وهو القمر وقيل الشمس والاول أصح والديم بكسر الدال وسكون
الياء المثناة من تحت على وزن جيم وهو الخد فاعلمه فقل ما أعرف احد تأمل معنى ذلك
ولقد سألت عن هذه اللفظه جماعة من الفرس فلم يعلموه حتى وقفت عليه في كتاب من كتب
اللغة الفارسية: (الشريف) أبو محمد الحسن بن أبى الضوء العلوى الحسينى نقيب مشهد
باب التين ببغداد وكان سيدا جليلا عالما " فاضلا أديبا " حسن الشعر والرواية عظيم
الشأن جليل القدر وذكره العماد الكاتب في (الخريدة) وأنشد له من قصيدة يرثى بها
النقيب الطاهر ابا عبد الله:
________________________________________
[ 524
]
احملاني ان
لم يكن لكما * عقر إلى جنب قبره فاعقرانى وانضحا من دمى عليه فقد * كان دمى من نداه
لو تعلمان قال العماد وتوفى الشريف أبو محمد المذكور سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. قال
المؤلف عفا الله عنه ذكرت بهذين البيتين حكاية حكاها ذكره الشيخ أبو الفرح عبد
الرحمن بن الجوزى في كتاب (الأذكياء) وهى تنافى كون هذين البيتين للسيد أبى محمد
المذكور. وصورة الحكاية قال بلغني من بعض أصحاب المبرد إنه قال انصرفت من مجلس
المبرد فعبرت على خربة فإذا انا بشيخ قد حرج منها وفى يده حجر فهم ان يرمينى فتتر
ست بالدفتر فقال لى مرحبا بالشيخ فقلت وبك فقال لى من اين أقبلت قلت من مجلس المبرد
فقال البارد ثم قال ما الذى أنشدكم وكان عادته أن يختم مجلسه ببيت أو بيتين ومن
الشعر فقلت انشدنا: اعار الغيث نائله * إذا ما مائه نفدا وان اسد شكى جبنا * أعار
فؤاده الأسدا فقال أخطأ قائل هذا الشعر قلت كيف قال الا تعلم إذا اعار الغيث نائله
بقى بلا نائل وإذا اعار الاسد فؤاده بقى بلا فؤاد قال هلا قال مثل هذا وأنشد: علم
الغيث نداه فإذا * ما وعاه علم البأس الأسد فله الغيث مقربا لندى * وله الليث مقر
بالجلد فكتبتها عنه وأنصرفت ثم مررت به بعد أيام وإذا به قد خرج وبيده حجر فكاد
يرمينى ثم ضحك وقال مرحبا بالشيخ اتيت من مجلس المبرد فقلت نعم فقال ما الذى أنشدكم
فقلت أنشدنا: ان السماحة والمروة ضمنا * قبرا بمرو على الطريق الواضح فإذا مررت
بقبره فاعقر به * كرم الجياد وكل طرف سابح فقال لى أخطأ قائل هذا الشعر قلت كيف قال
ويحك لو نحر نجب خراسان
________________________________________
[ 525
]
ما أثر في
حقه هلا قال مثل هذا وأنشد: أحملاني ان لم يكن لكما * عقر إلى جنب قبره فاعقرانى
وأنضحا من دمى عليه فقد * كان دمى من نداه لو تعلمان فلما عدت الى المبرد قصصت عليه
القصة فقال لى أتعرفه قلت لا فقال ذاك خالد الكاتب تأخذه السوداء في ايام الباذنجان
أنتهى فأن صحت هذه الحكاية بطلت نسبة البيتين المذكورين إلى السيد أبى محمد المذكور
لأن المبرد توفى سنة ست وثمانين وقيل سنة خمس وثمانين ومائتين وقد علمت ان وفاة
السيد أبى محمد المذكور سنة سبع وثلاثين وخمسمائة فتعين نظم البيتين المذكورين قبل
وجوده بمدة مديدة فيتحمل ان يكون ضمنها قصيدة فنسبها إليه والله أعلم. (الشريف أبو
ابراهيم) محمد بن احمد بن محمد بن الحسين بن اسحاق المؤتمن بن موسى الكاظم بن جعفر
الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب " ع "
المعروف بالحرانى كان عالما فاضلا أديبا " لبيبا " عاقلا شجاعا " مقدما " تقدم
بحران ونبغ بها وأشتهر ذكره وعلا صيته قال العمرى النسابة لم تكن حال أبى ابراهيم
في أول أمره واسعة فزوجه أبو عبد الله الحسين الحرانى بن الحسين بن على بن عبد الله
بن على الطيب العلوى العمرى أبنته خديجة المعروفة بام سلمة وكان أبو عبد الله
الحسين العمرى متقدما بحران مستوليا عليها وقوى أمر أولاده حتى استولوا على حران
وملكوها على آل وثاب وساروا سيرة ردية وأسلم بعضهم بعضا " حتى تفرقوا وقهروا
وأخرجوا عن حران قال فامد أبو عبد الله الحسين ابا ابراهيم بماله وجاهد ونبغ أبو
ابراهيم وتقدم وخلف أولاد سادة فضلاء هذا كلامه ومن شعر أبى ابراهيم القصيدة التى
كتبها إلى أبى العلاء المعرى وأجاب عنها المعرى بالقصيدة المشهورة المثبة في ديوانه
وأول قصيدة الشريف أبى ابراهيم قوله:
________________________________________
[ 526
]
غير مستجس
وصال الغوانى * بعد ستين حجة وثمان فصن النفس عن طلاب التصابى * وازجر القلب عن
سؤال المغانى ان شرخ الشباب بدله شيبا " * وضعفا " مقلب الاعيان فانفض الكف عن صبا
الحميا * وامعن الفكر في اطراح المعاني وبيمن بساعة البين فأجعل * خير فال تناعب
الغربان اترجى ما لا رحيبا " فاسعاد * سعاد وقد مضى الاطيبان فالاديب الأريب يعرف
ما * ضمن طى الكتاب بالعنوان علق الدهر عارضيك بشيب * انكرت عرفه انوف الغوانى
وتحامت حماك نافرة عنك * نفار المهمى من السرحان ورد الغائب البغيض اليهن * وولى
حبيبهن المدانى وأخو الحزم مغرم بحميد * الذكر يوم الندى ويوم الطعان همه المجد
واكتساب المعالى * ونوال العافى وفك العاتى لا يعير الزمان طرفا ولا يجمل * صبرا
بطارق الحدثان وقصيدة طويلة غراء جيدة جدا " وفى هذا القدر منها كفاية وقصيدة
المعرى أولها: عللاني فإن بيض الغوانى * فنيت والظلام ليس بفانى ان تناسيتما وداد
اناس * فاجعلانى من بعض من تذكراني رب ليل كأنه الصبح في الحسن * وان كان أسود
الطيلسان قد ركضنا فيه إلى اللهو لما * وقف النجم وقفة الحيران كم أردنا ذاك الزمان
بمدح * فشظنا بذم هذا الزمان ومع شهرة ديوانه فلا حاجة إلى اثبات اكثر من هذا وما
احسن قوله فيها: وعلى الدهر من دماء الشهيدين * على ونجله شاهدان فهما في أواخر
الليل فجران * وفى أولياته شفقان
________________________________________
[ 527
]
قال بعض
الشراح إنما قال هذا لأن الممدوح كان رجلا علويا " شيعيا " وفرقة من الشيعة يزعمون
ان الحمرة التى في أوائل الليل وأواخره لم تكن إلا منذ قتل الحسين " ع " ومنهم من
يرى ان ادعاء هذا محال لأن تلك الحمرة لم تزل موجودة قبل قتله " ع " بل يحسن القول
على مذهبه بان يقول إنما كانت أعلاما " من الله تعالى بما سيكون من قتلهما " ع "
قبل ان يكون أنتهى. قال المؤلف لم ينفرد الشيعة بهذا القول بل قال به أيضا جماعة من
أهل السنة منهم العلامة جلال الدين السيوطي فقد قال في تاريخ الخلفاء كان قتله يوم
عاشوراء وكسفت الشمس ذلك اليوم واحمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ثم لا زالت
ترى الحمرة بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله هذا نصه فنسبة القول به إلى فرقة من
الشيعه لا وجه له. وتوفى السيد أبو ابراهيم بحلب فرثاه المعرى بقصيدته التى خاطب
بها أولاده: بنى الحسب الوضاح والشرف الجم * لساني ان لم ارث والدكم خصمى وهى قصيدة
طويلة أحسن فيها كل الاحسان. والحراني بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين وبعد
الألف نون نسبة إلى حران وهى مدينة عظيمة مشهورة بين الموصل والشام قيل سميت بهاران
اخى اسماعيل " ع " لأنه أول من بناها فعربت ففيل حران والله أعلم. (الشريف أبو
القاسم) طاهر بن الحسين بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر الحجة بن عبد الله الاعرج
ابن الحسين الأصغر بن زين العابدين على بن الحسين بن على بن أبى طالب كان شريفا
جليلا عالما " فاضلا كريما " ممدحا " شهما شجاعا " مقاما مهيبا مع الصلاح والورع
والتقوى وهو الذى مدحه أبو الطيب المتنى بالقصيدة البائية التى يقول فيها: إذا علوى
لم يكن مثل طاهر * فما هو إلا حجة للنواصب يقولون تأثير الكواكب في الورى * فما
باله تأثيره في الكواكب
________________________________________
[ 528
]
علاكتد
الدنيا إلى كل غاية * تسير به سير الذلول براكب وحق له ان يسبق الناس جالسا * وبدرك
ما لم يدركوا غير طالب ويحدى عرانين الملوك وإنها * لمن قدميه في أجل المراتب يد
للزمان الجمع بينى وبينه * لتفريقه بينى وبين النوائب هو ابن رسول الله وابن وصيه *
شبههما شبهت بعد التجارب وكان يسكن الرملة من بلاد الشام وكانت له المنزلة العظيمة
والجاه الرفيع عند صاحبها الأمير أبى محمد الحسين بن عبيدالله بن طغج حتى قيل انه
الذى أمر المتبى بمدحه وكان المتنبي وعد الأمير ابا محمد بقصيدة فقال له اجعلها
عوضا " عنى في الشريف فسار إليه وأنشده القصيدة المذكورة والله أعلم.
________________________________________
[ 529
]
بسم الله
الرحمن الرحيم الطبقة الحادية عشرة (من الدرجات الرفيعة في طبقات الامامية من
الشيعة) رحمهم الله تعالى برحمته الواسعة (النابغة الجعدى) هو أبو ليلى حيان بن قيس
بن عبد الله بن وحوح بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن
معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن قصعة بن قيس بن عيلان بن مضر. قال أبو
الفرج الأصبهاني هذا النسب الذى عليه الناس اليوم مجتمعين وقد روى فيه روايات تخالف
هذا. وعن محمد بن سلام أنه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن صعصعة. وقال ابن
الأعرابي هو قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة ابن جعدة بن كعب بن ربيعة.
قال أبو الفرج وهذا وهم ممن قال انه اسمه قيس إذ ليس يشك في انه كان له أخ يقال له
وحوح بن قيس وهو الذى قتله بنو أسد. وإنما سمى النابغة لأنه أقام مدة لا يقول الشعر
ثم نبغ فقيل له النابغة. وقيل انه قال الشعر في الجاهلية ثم أجبل دهرا " ثم نبغ بعد
بالشعر في الإسلام. قال المؤلف يقال أجبل الشاعر إذا صعب عليه قول الشعر فانقطع
كأنه وصل إلى جبل من قولهم أجبل الحافر إذا أقضى إلى الجبل والصخر الذى لا يحك فيه
المعول.
________________________________________
[ 530
]
وعن ابن
الاعرابي قال أقام النابغة الجعدى ثلاثين سنة لا يتكلم ثم تكلم بالشعر فقيل له
النابغة. وكان شاعرا " قديما " مفلقا طويل البقاء في الجاهلية والإسلام وهو أسن من
نابغة بنى ذبيان ويدل على ذلك قوله: ومن يك سائلا عنى فإنى * من الفتيان ايام
الخنان أتت مائة لعام ولدت فيه * وعشر بعد ذاك وحجتان فقد ابدت خطوب للدهر منى *
كما أبقت من السيف اليماني وعمر بعد ذلك عمرا " طويلا والخنان بضم الخاء وبعدها
نونين بينهما الف على وزن سراب، سئل محمد بن حبيب عن أيام الخنان ما هي فقال وقعة
كانت لهم فقال قائل منهم خنوهم بالرماح فسمى ذلك العام عام الخنان انتهى. يقال خنى
الجذع إذا قطعه والقوم وطئ تحتهم أي حريمهم. وقال الفيروز آبادي في القاموس الخنان
كقراب زمام للإبل وزمن الخنان كان في عهد المنذر بن ماء السماء ماتت الابل منه ومن
شعر النابغة في طول عمره: قالت امامة كم عمرت زمانة * وذبحت من عنز على الأوثان
ولقد شهدت عكاظ قبل محلها * فيها وكنت اعد ملفتيان والمنذر بن محرق في ملكه * وشهدت
يوم هجائن النعمان وعمرت حتى جاء احمد بالهدى * وقوارع تتلى من القرآن ولبست في
السلام ثوبا " واسعا " * من سيب لا حرم ولا منان والمنذر بن محرق المذكور هو ابن
النعمان ملك الحيرة وكان من ندمائه كما يدل عليه قوله: تذكرت والذكرى تهيج على
الفتى * وما حاجة المحزون ان يتذكرا نداماى عند المنذر بن محرق * أرى اليوم منهم
ظاهر الأرض مقفرا كهول وفتيان كأن وجوههم * دنانير مماشيف في أرض قيصرا
________________________________________
[ 531
]
وهذا مما
يدل على أنه أسن من النابغة الذبيانى لأن الذبيانى أدرك النعمان ابن المنذر وهو
أدرك أياه المنذر ونادمه ومات الذبيانى قبله ولم يدرك الإسلام وهو أدرك الإسلام
وأسلم وعاش إلى أيام عبد الملك بن مروان. وقال أبو حاتم السجسانى في كتاب
(المعمرين) عاش ماتى سنة، وقال عمر بن شبه مائة وثمانون سنة وانشد عمر بن الخطاب
أبياته التى يقول فيها: لبست اناسا فافنيتهم * وافنيت بعد اناس اناسا " ثلاثة أهلين
أفنيتهم * وكان الاله هو المستأسا فقال عمر كم لبثت مع كل أهل قال ستين سنة. وقال
ابن قتيبة انه عمر مائتين وعشرين سنة. قال أبو الفرج وما ذاك بمنكر لأنه قال لعمر
انه أفنى ثلاثة قرون كل قرن ستون سنة فهذه مائة وثمانون سنة ثم عمر بعدهم فمكث بعد
قتل عمر خلافة عثمان وعلى " ع " ومعاوية ويزيد وقدم على عبد الله بن الزبير فمكث
بمكه وقد دعا إلى نفسه وبين هولاء وعمر نحو ما ذكر ابن قتيبة بل لا اشك انه بلغ هذا
السن وعن الأصمعى انه عاش مائتين وثلاثين سنة. قال أبو عبيدة كان النابغة ممن فكر
في الجاهلية وابكر الخمر والسكر وهجر الازلام واجتنب الأوثان وقال في الجاهلية
كلمته التى أولها: الحمد لله لا شريك له * من لم يقلها فنفسه ظلما وكان يذكر دين
ابراهيم " ع " والحنيفية ويصوم ويستغفر، ولما بعث للنبى صلى الله عليه وآله وفد
عليه، وأنشده قصيدته التى أولها: خليلي غضا ساعة وتهجرا * ولو ما على ما أحدث الدهر
أوزرا فلما وصل إلى قوله: بلعنا السماء مجدنا وجدودنا * وانا لنرجو فوق ذلك مظهرا
غضب النبي صلى الله عليه وآله وقال له اين يا أبا ليلى ؟ قال إلى الجنة: قال: أجل
________________________________________
[ 532
]
إن شاء الله
تعالى فلما فرغها قال له النبي صلى الله عليه وآله لا يفض الله فاك مرتين. قال يعلى
بن الأسد والعقيلي فلقد رأيته وقد أتت عليه مائة سنة أو نحوها وما انفض من فيه سن
ولا أنفلت وان اسنانه لكالبرد المنهل. وفى رواية نصر بن عاصم الليثى انه أنشد النبي
صلى الله عليه من القصيدة قوله: ولا خير في حلم إذا لم تكن له * بوادر تحمى صفوه ان
يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال له صلى
الله عليه وآله صدقت لا يفضض الله فاك فمكث بعد كلما سقطت له سن عادت أخرى. وهذه
القصة رويت مسلسلة بالشعراء من رواية دعبل بن على الشاعر عن أبى نواس عن والبة بن
الحباب عن الفرزدق عن الطرماح عن النابغة وهى في كتاب الشعر لأبي زرعة الرازي وعن
مسلمة بن أبى محارب قال دخل النابغة الجعدى على عثمان بن عفان فقال أستودعك الله
قال وأين تريد يا أبا ليلى قال الحق بابلى فاشرب من البانها فإنى منكر لنفسي فاذن
له فدخل على الحسن والحسين ابني على " ع " فقالا له انشدنا من شعرك يا ابا ليلى
فانشدهما: الحمد لله لا شريك له * من لم يقلها فنفسه ظلما " المولج الليل في النهار
وفى * النهار ليلا يفرج الظلما الخافض الرافع السماء على * الارض ولم يبن تحتهاد
عما ثم عظاما أقامها عصب * ثمة لحما كساه فالتحما من نطفة قدرها مقدرها * يخلق منها
الانسان والنسما واللون والصوت والمعايش * والارزاق شتى وفرق الكلما ثمة لابدان
سيجمعكم * والله جهدا شهادة قسما فائتمروا الان ما بدا لكم * واعتصموا ما وجدتم
عصما في هذه الارض والسماء ولا * عصمة منه الا لمن عصما
________________________________________
[ 533
]
وهى قصيدة
طويلة يذكر ضروب التوحيد والاقرار بالبعث والجزاء والجنة والنار. قال فقال الحسن
والحسين يا ابا ليلى كنا نروى هذا الشعر لأمية بن أبى الصلت فقال يا ابني رسول الله
انى لصاحب هذا الشعر وأول من قاله وان السروق من سرق شعر أمية. قال أبو الفرج وغيره
وشهد النابغة مع على " ع " بصفين. وروى احمد بن عبد العزيز الجوهرى باسناده إلى ابن
داب. قال لما خرج أمير المؤمنين على بن أبى طالب " ع " إلى صفين خرج معه نابغة بنى
جعدة فساق به يوما " فقال: قد علم المصران والعراق * ان عليا " فحلها العتاق أبيض
جحجاح له رواق * وأمه غالى بها الصداق اكرم من شد به نطاق * ان الاولى جاروك لا
افاقوا لهم سباق ولكم سباق * قد علمت ذالكم الرفاق سقتم إلى نهج الهدى وساقوا * إلى
التى ليس لها عراق في أهله عادتها النفاق ولما تغلب معاوية كتب إلى مروان فاخذ أهل
النابغة وماله فلما قدم معاوية الكوفة دخل عليه النابغة وعنده مروان فقال: من راكب
يأتي ابن هند بحاجتي * على النأى والانباء تنمى وتجلب ويخبر عنى ما يقول ابن عامر *
ونعم الفتى ياوى إليه المعصب فان تأخذوا أهلى ومالى بظنة * فأنى لحراب الرجال محرب
صبور على ما يكره المرء كله * سوى الظلم إنى ان ظلمت لا غضب فالتفت معاوية إلى
مروان فقال ما ترى قال أرى ان لا ترد عليه شيئا " فقال ما أهون عليك ان ينحجر هذا
في غار ثم يقطع عرضى على ثم تأخذه العرب
________________________________________
[ 534
]
فترويه اما
والله ان كنت لمن يرويه اردد عليه كل شئ اخذته منه. وذكر أبو نعيم في تاريخ أصبهان
ان معاوية كان أخرج النابغة إلى أصبهان وكانت وفاته بها. وعن ابن قتيبة انه مات
بأصبهان أيضا ". وفى تاريخ الإسلام للذهبي ان النابغة قال هذه الابيات: المرء يهوى
أن يعيش * وطول عمر قد يضره وتتابع الأيام حتى * ما يرى شيئا " يسره تفنى بشاشته
ويبقى * بعد حلوا العيش مره ثم دخل بيته فلم يخرج حتى مات. وكان موته في ايام عبد
الملك بن مروان ومن شعره: وكم من أخى عيلة مقتر * تأنى له المال حتى انجبر وآخر قد
كان جم الغنى * أتته الحوادث حتى افتقر وكم غائب كان يحشى الردى * ناب وأودى الذى
في الحضر وللصمت أفضل في حينه * من القول في خطل أو هذر عليك من أمرك ما تستطيع *
وليس يعنيك منه قدر وما البغى إلا على أهله * وما الناس إلا كهذا الشجر ترى الغصن
في عنفوان الشباب * يهتز في بهجة قد نضر زمانا " من الدهر ثم التوى * فعاد إلى صفرة
فانكسر وبينا الفتى يعجب الناظرين * مال على عطفه فانعقر فاحمد ربى باحسانه * إلى
واشكر فيمن شكر هداني بنعمته للهدى * وشق المسامع لى والبصر واحسن ربى فيما مضى *
وأرجو المعافاة فيما غبر (قائدة) النوابغ العشراء جماعة: الجعدى المذكور والنابغة
الذبيانى وعبد الله ابن المخارق الشيباني ويزيد بن ابان الحارثى ونابغة بنى رمد
والنابغة بن لأى الغنوى
________________________________________
[ 535
]
والحرث بن
بكر اليربوعي والحارث بن عدوان التغلبي والنابغة العدواني ولم يسم قاله في القاموس.
(كعب بن زهير بن أبى سلمى) بضم السين قال في (الصحاح) وليس في العرب سلمى بضم السين
غيره واسمه ربيعة بن رياح بكسر الراء ثم تحتية مثناة بن مرة بن الحرث بن مازن بن
تغلب بن ثور بن هرمة بن الأطم بن عثمان بن عمرو بن طابخة بن الياس بن مضر ابن نزار
بن معد بن عدنان وأمه أمرأة من بنى عبد الله بن غطفان يقال لها كبشة بنت عمار بن
عدى بن سحيم وهى أم سائر أولاد زهير، كان أبوه زهير احد الشعراء الثلاثة الفحول
المقدمين على سائر الشعراء بالاتفاق وانما الخلاف في تقديم أحدهم على الآخر وهم
أمرؤ القيس وزهير والنابغة الذبيانى. روى المدائني عن عيسى بن يزيد قال سأل معاوية
الأحنف بن قيس عن أشعر الشعراء قال زهير قال وكيف ذلك قال كف عن المادحين فضول
الكلام قال مثل ماذا قال مثل قوله: فما يك من خير أتوه فإنما * توارثه ابآء ابائهم
قبل قال محمد بن سلام احتج من فضل زهيرا " بانه كان أمتنهم شعرا " وأبعدهم من سخف
وأجمعهم لكثير من المعنى في قليل في اللفظ وأشدهم مبالغة في المدح واكثرهم أمثالا
فمن ذلك قوله في معلقته: سأمت تكاليف الحياة ومن يعش * ثمانين عاما " لا ابا لك
يسأم رأيت المنايا خبط عشواء من تصب * تصبه ومن تخطى يعمر ويهرم ومن لم يصانع في
أمور كثيرة * يضرس بانياب ويوطا بمنسم ومن يك ذا فضل فيخبل بفضله * على قومه يستغن
عنه ويذمم ومن يجعل المعروف من دون عرضه * يفره ومن لا يتقى الشتم يشتم ومن لم يذد
عن حوضه بسلاحه * يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
________________________________________
[ 536
]
ومن هاب
اسباب المنايا ينلنه * ولو نال أسباب السماء بسلم ومن يغترب يحسب عدوا " صديقه *
ومن لم يكرم نفسه لم يكرم ومهما تكن عند أمرء من خليقة * وان خالها تخفى على الناس
تعلم وعن عكرمة بن جرير قال قلت لأبى يا ابه من أشعر الناس قال أعن الجاهلية سألتنى
أم عن الإسلام قال ما سألتك الا عن الإسلام فإذا قد ذكرت الجاهلية فاخبرني عن أهلها
قال زهير أشعر أهلها قلت فالإسلام قال الفرزدق نبعة الشعر قلت فالاخطل قال يجيد مدح
الملوك ويصيب وصف الخمرة قلت فما تركت لنفسك قال نحرت الشعر نحرا. ويروى ان رسول
الله صلى الله عليه وآله نظر إلى زهير بن أبى سلمى وله مائة سنة فقال صلى الله عليه
وآله: اللهم اعذني من الشيطان فمات. وكان موته قبل البعثة بسنة. وروى عن ابن عباس
انه قال كنت مع عمر بن الخطاب سنة ست عشرة أذ خرج إلى الشام وهى أول حرحة خرجها حتى
إذا أتيته فشكا إلى تخلف على صلوات الله عليه عن الخروج معه فصلى صلاة المغرب ثم
ثبت حتى صلى العشاء وأوتر فركب وأخذ كل انسان زميله وكنت زميلا له فصار لا يرى شيئا
" إلا رفع سوطه وقرع به وسط رحله ثم رفع صوته يتغنى بشعر الأسود بن زنيم الدئلى
بمدح النبي صلى الله عليه وآله: ما حملت من ناقة فوق رحلها * أبروا وفى ذمة من محمد
حتى أنى على الشعر ثم قال أستغفر الله وسكت هنيئة ثم قرع وسط رحله واندفع يتغى بشعر
أبى طالب " ع ". وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للارامل حتى أتى
على الابيات ثم قال أستغفر الله هيه يابن عباس ما منع عليا " ان يخرج في هذه الغزاة
قلت أولم تبعث إليه فجائك وذكر عذرة لك قال بلى قلت هو ما اعتذر به ثم قال أبوك
يابن عباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله قلت نعم قال بخ بخ
________________________________________
[ 537
]
ما منع قومك
منكم قلت لا أدرى قال انهم يكرهون ولايتكم قلت فلم يكرهون ذلك فوالله ما زلنا لهم
بخير قال اللهم اغفر، يكرهون ان تكون النبوة والخلافة فيكم فتكونون حجفا " حجفا "
ان أول من رابكم عن هذا الامر أبو بكر ولو جعل لكم من الامر نصيبا " لما هناكم
قومكم. يابن عباس انشدني لشاعر الشعراء قلت من هو ؟ قال أولا تعرفه قلت لا قال هو
ابن أبى سلمى قلت فكيف صار شاعر الشعراء قال أنه لا يتبع حوشى الكلام ولا يعاظل بين
المنطق ولا يقول إلا ما يعرف ولا يمدح الرجل إلا بما يكون في الرجال فانشدته حتى
برق الفجر قال حسبك الآن أقرأ القرآن قلت ما أقرأ قال الواقعة فقرأتها ونزل فاذن
وصلى الصبح وكان زهير نظارا " متوقيا " فرأى في منامه آتيا اتاه فحمله إلى السماء
حتى كاد يمسها بيده ثم تركه فهوى إلى الأرض فلما أحتضر قص رؤياه على أولاده وقال
إنى لا أشك ان يكون بعدى من خبر السماء شئ فإن كان فتمسكوا به وسارعوا إليه ثم توفى
قبل المبعث الشريف بسنة فلما بعث صلى الله عليه وآله خرج إليه بجير ابنه فاسلم ثم
رجع إلى بلاده فلما جاهر صلى الله عليه وآله اتى بجير المدينة فكان من خيار
المسلمين وشهد الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم حنين أو خيبر. وأما كعب
بن زهير فكان من فحول الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام وكان يقال
أشعر الشعراء في الجاهلية زهير وأشعرهم في الإسلام أبنه كعب وعن هشام بن اسحاق قال:
قال زهير بيتا ونصفا ثم أكدى فمر به النابغة فقال: يا أبا امامة أجز قال وما قلت
قال قلت: تزيد الارض أما مت خفا * وتحيى ان حييت بها ثقيلا نزلت بمستقر العز منها
فاكدى والله النابغة وأقبل كعب وانه لغلام فقال له أبوه أجز وأنشده فقال كعب:
(وتمنع جانبيها ان تزولا) فضمه إليه وقال أشهد انك أبنى حقا ". وروى أصحاب السير ان
كعبا " وبحيرا " ابني زهير خرجا إلى أبرق العراق فقال بجير
________________________________________
[ 538
]
لكعب اثبت
في غنمنا هنا حتى آتى هذا الرجل يعنى النبي صلى الله عليه وآله فاسمع كلامه وأعلم
ما عنده فاقام كعب ومضى بجير إلى النبي صلى الله عليه وآله فسمع وآمن به فبلغ ذلك
كعب فغضب وقال: ألا بلغا عنى بجيرا " رسالة * فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا سقاك بها
المأمون كاسا روية * وانهلك المأمون منها وعلكا ففارقت اسباب الهدى وتبعته * على أي
شئ ويب غيرك دلكا على مذهب لم تلف أما ولا إبا * عليه ولم تعرف عليه اخا لكا فان
انت لم تفعل فلست بآسف * ولا قائل اما عثرت لعا " لكا وأرسل بها إلى بجير فلما وقف
عليها أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله فلما سمع قوله سقاك المأمون قال صلى الله
عليه وآله مأمون والله وذلك انهم كانوا يسمون رسول الله المأمون ولما سمع صلى الله
عليه وآله قوله على مذهب ويروى على خلق لم تلف اما البيت قال صلى الله عليه وآله
أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه ثم ان رسول الله قال من لقى منكم كعب بن زهير فليقتله
وذلك عند انصرافه صلى الله عليه وآله عن الطائف فكتب إليه أخوه بجير بهذه الابيات:
أمن مبلغ كعبا " فهل لك في التى * تلوم عليها باطلا وهى أحرم إلى الله لا العزى ولا
اللات وحده * فتنجو إذا كان النجاء وتسلم لدى يوم لا تنجو وليس بمفلت * من الناس
الا طاهر القلب مسلم فدين زهير وهو لا شئ دينه * ودين أبى سلمى على محرم وكتب بعد
هذه الابيات ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أهدر دمك وانه قتل رجالا بمكة ممن
كان يهجوه ويؤذيه ومن بقى من شعراء قريش كابن الزيعرى وهبيرة بن أبى وهب قد هربوا
في كل وجه وما أحسبك ناجيا " فإن كان لك في نفسك حاجة فصر إليه فإنه يقبل من أتاه
تائبا " ولا يطالبه بما تقدم قبل الإسلام فلما بلغ كعبا " الكتاب أتى إلى مزينة
لتجيره من رسول الله صلى الله عليه وآله فأبت ذلك
________________________________________
[ 539
]
عليه فحينئذ
ضاقت عليه الأرض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان عدوه فقالوا هو مقتول فقال قصيدته
المشهورة يمتدح فيها النبي صلى الله عليه وآله ويذكر خوفه وأرجاف الوشاة به
ومطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة
البين إذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول يجلو عوارض ذى ظلم إذا ابتسمت * كأنها
منهل بالراح معلول ومنها: تسعى الوشاة بجنبيها وقولهم * إنك يا ابن أبى سلمى لمقتول
وقال كل خليل كنت آمله * لا آلهينك إنى عنك مشغول فقلت خلوا سبيلى لا ابا لكم *
فكلما قدر الرحمن مفعول كل ابن انثى وإن طالت سلامته * يوما " على آلة حدباء محمول
أنبئت ان سول الله أوعدنى * والعفو عند رسول الله مأمول مهلا هداك الذى أعطاك نافلة
* القرآن فيه مواعيظ وتفصيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم * أذنب وان كثرت في
الاقاويل إنى أقوم مقاما لا يقوم به * أرى وأسمع ما لو يسمع الغيل لظل يرعد الا أن
يكون له * من النبي باذن الله تنويل حتى وضعت يمينى لا انازعه * في كف ذى نقمات
قيله القيل ومنها: ان الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول في عصبة من
قريش قال قائلهم * ببطن مكة لما أسلموا زولوا زالوا فما زال انكاس ولا كشف * عند
اللقاء ولا ميل معاذيل شم العرانين أبطال لبوسهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل ثم
خرج حتى أتى المدينة فنزل على رجل من جهينة كانت بينه وبينه
________________________________________
[ 540
]
معرفة فاتى
به إلى المسجد ثم أشار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال هذا رسول الله فقم
إليه وأستأمنه على نفسك وعرف كعب رسول الله صلى الله عليه وآله بالصفة التى وصفه له
الناس وكان مجلس رسول الله بين أصحابه مثل موضع المائدة يتحلقون حوله حلقة حلقة
فيقبل على هؤلاء فيحدثهم ثم يقبل على هؤلاء فيحدثهم فقام إليه حتى جلس بين يديه
فوضع يده في يده ثم قال يا رسول الله ان كعب بن زهر جاء ليستأمن منك تائبا " مسلما
" فهل أنت قابل منه إن انا جئتك به قال نعم ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله
يعرف كعبا ولا رأه قبل ذلك قال يارسول الله انا كعب بن زهير فقال صلى الله عليه
وآله الذى يقول ما يقول ثم أقبل على أبى بكر فاستنشده الشعر فانشد: سقاك بها
المأمون كأسا " روية * وأنهلك المأمون منها وعلكا فقال كعب ما هكذا قلت يا رسول
الله قال رسول الله وكيف ؟ قلت قال قلت: سقاك أبو بكر بكأس روية * وانهلك المأمون
منها وعلكا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله مأمون والله ووثب رجل من الأنصار
فقال يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه فقال صلى الله عليه وآله دعه عنك فأنه
قد جاءنا تائبا " نازعا " ثم انشد النبي قصيدته المذكورة فلما بلغ إلى قوله: ان
الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول أشار رسول الله صلى الله عليه
وآله إلى من حوله ان أسمعوا. ويروى ان كعبا " أنشد من سيوف الهند فقال رسول الله:
قل من سيوف الله فلما أتى على آخرها رمى عليه بردة كانت عليه ولذلك سميت هذه
القصيدة بالبردة وقال أبو بكر ابن الأنباري ان معاوية بذل لكعب في البردة عشرة آلاف
فقال ما كنت لاوثر بثوب رسول الله (ص) أحدا فلما مات كعب بعث معاوية إلى ورثته
بعشرين الف فأخذها منهم وهى التى كانت تلبسها الخلفاء في الاعياد. وعن على بن زيد
ان كعب بن زهير أنشد رسول الله قصيدته في المسجد
________________________________________
[ 541
]
الحرام لا
في مسجد المدينة ذكره أبو الفرج الأصبهاني في الجامع الكبير والاول هو المشهور.
وكان إسلام كعب بعد رجوع النبي صلى الله عليه وآله من الطائف وغزوة تبوك وذلك في
السنة التاسعة من الهجرة. ومن شعره الذى يشهد بحسن عقيدته ويدل على خلوص سريرته ما
أنشده الشيخ المفيد (ره) في كتاب العيون والمحاسن والشريف المرتضى في كتاب الفصول
والشيخ أبو جعفر ابن شهر اشوب في موضعين من كتاب المناقب وهى قوله يمدح أمير
المؤمنين عليه الصلاة والسلام. صهر النبي وخير الناس كلهم * فكل من رامه بالفخر
مفخور صلى الصلاة مع الأمي أولهم * قبل العباد ورب الناس مكفور (أبو فراس) همام
وقيل هميم بالتصغير ابن غالب بن صعصعة بن ناجية عقال بن محمد ابن سفيان بن مجاشع بن
دارم واسمه بحر وسمى دارما لأن قوما " أتوا أباه في حمالة فأمره أن يأتيه بخريطة
فيها دراهم فجاءه يحملها وهو يدرم تحتها ثقلا أي يقارب خطاه فقال جاءكم دارم بن
مالك وأسمه عرف سمى مالكا لجوده ابن حنظلة ابن مالك بن زيد بن مناة بن تميم بن مرة
التميمي البصري الشاعر المعروف بالفرزدق وهو لقب لقب به لأنه كان جهم الوجه
والفرزدق في الأصل قطع العجين وأحدها فرزدقة وقيل لقب به لغلظه وقصره تشبيها "
بالقنينة التى يشرب بها الماء وهى الفرزدقة والأول أصح لأنه كان أصابه جدري في جهه
ثم برئ منه فيقى وجهه جهما " متغضنا. وأمه ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس. وكان
أبوه غالب من أجلة قومه وسراتهم سيد بادية تميم وله مناقب مشهورة ومحامد مأثورة.
فمن ذلك انه أصاب أهل الكوفة مجاعة وهو بها فخرج اكثر الناس إلى
________________________________________
[ 542
]
البوادى
فكان هو رئيس قومه وكان سحيم بن وثيل رئيس قومه فاجتمعوا بمكان يقال له صوار في طرف
السماوة من بلاد كلب على مسيرة يوم من الكوفة فعقر غالب لأهله ناقة وصنع منها طعاما
" واهدى إلى قوم من بنى تميم جفانا " من ثريد ووجه إلى سحيم جفنة فكفأها وضرب الذى
أتى بها وقال: انا مفتقر إلى طعام غالب إذا نحر ناقة نحرت أخرى فوقعت المنافرة ونحر
سحيم لأهله ناقة فلما كان من الغد عقر غالب لأهله ناقتين فعقر سحيم لأهله ناقتين
فلما كان اليوم الثالث عقر غالب ثلاثا " فنحر سحيم ثلاثا " فلما كان اليوم الرابع
عقر غالب مائة فلم يكن عند سحيم هذا القدر فلم يعقر شيئا " وأسرها في نفسه فلما
انقضت المجاعة دخلت الناس الكوفة قال بنو رياح لسحيم جررت علينا عار الدهر هلا نحرت
مثل ما نحر وكانا نعطيك مكان كل ناقة ناقتين فاعتذر ان ابله كانت متفرقة وعقر
ثلاثمائة ناقة وقال للناس شأنكم والا كل وكان ذلك في خلافة أمير المؤمنين " ع "
فاستفتى في الاكل منها فقضى " ع " بتحريمها وقال هذه لم يرد بها إلا المفاخرة
والمباهاة فالقيت لحومها على كناسة الكوفة فاكلتها الكلاب والعقبان والرخم ويروى ان
غالب بن صعصعة المذكور دخل على أمير المؤمنين " ع " بعد الجمل بالبصرة وغالب شيخ
كبير ومعه ابنه الفرزدق وهو غلام فقال له أمير المؤمنين " ع " من الشيخ قال أنا
غالب بن صعصعة قال ذو الابل الكثيرة قال نعم قال ما فعلت با بلك قال ذعذعتها الحقوق
وأذهبتها الحمالات والنوائب قال ذاك أحسن سبلها. من هذا الغلام معك ؟ قال هذا ابني
همام وقد رويته الشعر يا أمير المؤمنين وكلام العرب ويوشك ان يكون شاعرا " مجيدا "
فقال " ع " اقرئه القرآن فهو خير له فكان الفرزدق بعد ذلك يروى هذا الحديث ويقول
مازالت كلمته في نفسي حتى قيد نفسه بقيد وآلى أن لا يفكه حتى يحفظ القرآن فما فكه
حتى حفظه. قوله ذعذعتها بذالين معجمتين بعد كل منهما عين مهملة أي فرقتها.
________________________________________
[ 543
]
وكان
الفرزدق كثير التعظيم لقبيلة أبيه فما جاءه أحد وأستجار به إلا نهض معه وساعده على
بلوغ غرضه. فمن ذلك ما حكاه المبرد في كتاب (الكامل) ان الحجاج بن يوسف الثقفى لما
ولى تميم بن زيد القينى بلاد السند دخل البصرة فجعل يخرج من أهلها ما شاء فجاءت
عجوز إلى الفرزدق فقالت إنى استجرت بقبر أبيك وأتت منه بحصيات فقال ما شأنك قالت ان
زيد بن تميم خرج بابن لى معه ولا قرة لعيني ولا كاسب على غيره فقال وما اسم ابنك
فقالت خنيس فكتب إلى تميم مع بعض من شخص: تميم بن قيس لا تكون حاجتى * بظهر فلا
يبقى على جوابها وهبني خنيسا " وأحتسب فيه منة * لعبرة أم ما يسوغ شرابها أتتنى
فعاذت يا تميم بغالب * وبالحفرة السافى عليها ترابها وقد علم الأقوام انك ماجد *
وليث إذا ما الحرب شب شهابها فلما ورد الكتاب على تميم تشكك في الاسم اخنيس أم حبيش
فقال انظروا من له مثل هذا الاسم في عسكرنا فاصيب ستة ما بين خنيس وحبيش فوجه بهم
إليه. وحضر الفرزدق ونصيب الشاعر عند سليمان بن عبد الملك فقال سليمان للفرزدق يا
ابا فراس أنشدني شيئا " وإنما أراد ان ينشده مدحا له فانشده قوله في مدح أبيه وهو
من جيد الشعر: وركب كأن الريح تطلب عندهم * لهاترة من جذبها بالعصائب سعوا يخبطون
الريح وهى تلفهم * إلى شعب الاكوار ذات الحقائب إذا انسوا نارا يقولون ليتها * وقد
حضرت ايديهم نار غالب فاعرض عنه سليمان كالمغضب فقال له نصيب يا أمير المؤمنين الا
انشدك في رويها فقال هات فانشده أبياتا منها: فعاجوا فأثنوا بالذى أنت أهله * ولو
سكتوا أثنت عليك الحقائب
________________________________________
[ 544
]
فقال سليمان
للفرزدق كيف تراه قال أراه شر اهل جلدته ثم قام وهو يقول: (وخير الشعر أشرفه رجالا
وشر الشعر ما قال العبيد) وكان نصيب عبدا أسود لرجل من أهل القرى فكاتب على نفسه،
ومدح عبد العزيز بن مروان فاشترى ولاءه، وللفرزدق في مفاخر أبيه أشياء كثيرة، وأما
جده صعصعة بن ناجية فأنه كان عظيم القدر في الجاهلية واشترى ثلاثين موؤدة وفى ذلك
يقول الفرزدق مفتخرا ": وجدى الذى منع الوائدات * واحى الوئيد فلم يوئد ويقال انه
احيى الف موؤدة وحمل الف فرس وهو أول من أسلم من اجداد الفرزدق وقد ذكره ابن عبد
البر في كتاب (الاستيعاب) في جملة الصحابة وكان الفرزدق في الطبقة الاولى من
الشعراء الإسلاميين. قال ابن شرحة الفرزدق أشعر الناس. وعن يونس لولا الفرزدق لذهب
شعر العرب. وقيل لابن هبيرة ين سيد أهل العراق قال الفرزدق هجاني ملكا " ومدحني
سوقة. وقال أبو عمر ولم أر بدويا " اقام في الحضر إلا فسد لسانه غير رؤبة والفرزدق.
وكان بينه وبين جرير من المهاجاة والمعاداة ما هو مشهور. قال جرير أدركت الفرزدق
ولم يبق من اسنانه الأسن واحدة ولو كان له سنان لاكلنى. ومن أخبار الفرزدق ان
النوار بنت أعين المجاشعية خطبها رجل من بنى أمية فرضيته وجعلت أمرها إلى الفرزدق
فقال لها أشهدي بذلك على نفسك ففعلت واجتمع الناس لذلك فتكلم الفرزدق وقال اشهدوا
إنى قد تزوجتها واصدقتها كذا كذا فانا ابن عمها واحق الناس بها فبلغ ذلك النوار
فابته وجزعت وأستترت منه ونافرته إلى عبد الله بن الزبير فلما قدمت نزلت على خولة
بنت
________________________________________
[ 545
]
ابن زبان
وأستشفعت بها عند عبد الله وأنضم الفرزدق إلى حمزة بن عبد الله الزبير وتوسل فجعل
أمر الفرزدق يضعف وأمر النوار يقوى فقال الفرزدق: أما بنوه فلم تقبل شفاعتهم *
وشفعت بنت منظور بن زبانا ليس الشفيع الذى يأتيك متزرا " * مثل الشفيع الذى يأتيك
عريانا فبلغ ابن الزبير هذا فدعا النوار فقال ان شئت فرقت بينكما وقتلته فلا يهجوها
ابدا وان شئت سيرته إلى بلاد العدو فقالت ما اريد واحدة منهما قال فانه ابن عمك
وراغب فيك فأزوجه إياك قالت نعم فزوجه اياها فكان الفرزدق يقول خرجنا متباغضين
ورجعنا متحابين. ثم ان الفرزدق طلق النوار فندم على ذلك وله فيها أشعار منها قوله:
ندمت ندامة الكسعى لما * غدت منى مطلقة نوار وكانت جنتي فخرجت عنها * كآدم حين
أخرجه الضرار ولو أنى ملكت يدى وقلبي * لكان على للقدر الخيار والكسعى الذى أشار
إليه هو غامد بن الحرث من بنى كسع كصرحي من اليمن وكان قد أتخذ قوسا " وخمسة أسهم
وكمن في قنطرة قطيع فرمى عيرا " فانحطه السهم وصدم الجبل فأورى نارا فظن انه قد
أخطى فرمى ثانيا " وثالثا " إلى آخرها وهو يظن خطأه فعمد إلى قوسه فكسرها فلما أصبح
نظر فإذا الحمر مطروحة مصرعة واسهمه. فندم وقطع ابهامه وأنشد: ندمت ندامة لو ان
نفسي * تطاوعني إذا لقطعت خمسى تبين لى سفاه الرأى منى * لعمر أبيك حين كسرت قوسى
ومن شعر الفرزدق: هما دلياني من ثمانين قامة * كما انقض باز أقتم الريش كاسره فلما
أستوت رجلاى في الارض قالتا * أحى يرجى أم قتيل تحاذره فقلت أرفعا الاستار لا
يشعروا بنا * وأقبلت في اعجاز ليل أبادره
________________________________________
[ 546
]
أحاذر
بوانين قد وكلابنا * واسود من ساج تصر مسامره وكان الفرزدق قال هذه الأبيات
بالمدينة فلما سمع أهل المدينة بها جاؤا إلى مروان بن الحكم وهو والى المدينة من
قبل معاوية فقالوا لا يصلح هذا الشعر بين أزواج النبي صلى الله عليه وآله وقد أوجب
على نفسه الحد فقال مروان لست أحده ولكن اكتب إلى من يحده ثم أمره أن يخرج من
المدينة وأجله ثلاثة أيام وفى ذلك يقول: توعدنى وأجلني ثلاثا " * كما وعدت بمهلكها
ثمود ثم كتب مروان إلى عامله ان يحده ويسجنه وأوهمه انه كتب له بجائزة ثم ندم مروان
على ما فعله فوجه رسولا إلى الفرزدق يقول له إنى قلت شعرا " فاسمعه ثم أنشد: قل
للفرزدق والسفاهة كاسمها * ان كنت تارك ما أمرتك فاجلس ودع المدينة إنها محبوبة *
وأقصد لمكة أو لبيت المقدس وإذا أجتنبت من الأمور عظيمة * فخذن لنفسك بالرماع
الاكيس قوله فاجلس أي أقصدا لجلساء وهى نجد سميت بذلك لارتفاعها لأن الجلوس في
اللغة الارتفاع فلما وقف الفرزدق على الابيات فطن لما أراده ورمى بالصحيفة وخرج
هاربا " إلى أن اتى سعيد بن العاص الاموى وعنده الحسن والحسين " ع " وعبد الله بن
جعفر فاخبرهم الخبر فامر له كل واحد بمائة دينار وراحلة وتوجه إلى البصرة وقيل
لمروان أخطأت فيما فعلت فإنك عرضت عرضك لشاعر مضر فوجه وراءه بمائتي دينار وراحلة
خوفا " من لسانه. وأنشد الفرزدق سليمان بن عبد الملك قصيدة ميمية أنتهى منها إلى
قوله. ثلاث وأثنتان فهن خمس * وسادسة تميل إلى سمام فبتن بجانبى مصرعات * وبت أفض
أغلاق الختام فقال له سليمان قد أقررت عندي بالزنا ولابد من أقامة الحد عليك فقال
الفرزدق ومن أين أوجبت على الحد فقال من كتاب الله تعالى والزانية والزانى
________________________________________
[ 547
]
فاجلدوا كل
واحد منهما مائة جلدة فقال الفرزدق ان كتاب الله تعالى يدرءه عنى بقوله تعالى
(الشعراء يتبعهم الغاوون الم تر انهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا يفعلون)
فانا قلت ما لم أفعل فتبسم سليمان وقال أولى لك، وكان حلو النادرة سريع الجواب. جاء
عنبسة بن معدان إلى باب بلال قال له بلغت النار يا ابا الفارس قال أجل ورأيت أباك
ينتظرك وقال وجهك أحراح مجموعة فقال تأمل هل ترى فيها حرامك والأحراح بحائين
مهملتين جمع حرح وهو فرج الإمرأة يخفف للفرد بحذف آخره فيقال حرومتى جمع عادت الحاء
لأن الجمع يرد الاشياء إلى اصولها، وكان يقول ما عييت بجواب أحد قط الا بجواب أمرأة
وصبى ونبطى أما الأمرأة فإنى ذهبت ببغلتى أسقيها بالنهر وإذا بالنسوة يغسلن ثيابهن
فلما حاذيتهن ضرطت فضكحن منها فالتفت اليهن وقلت لهن لا تضحكن فوالله ما حملتني
أنثى قط إلا وفعلت ما فعلت البغلة فقالت احداهن فكيف كان حال من حملتك تسعة أشهر
فاراها قد قاست منك ضراطا " عظيما " فما وجدت لها جوابا " واما الصبى فإنى كنت أنشد
في مربد البصرة وفى حلقتي الكميت بن زيد وهو أذ ذاك صبى فاعجبني حسن استماعه فقلت
له كيف ما سمعت يا غلام قال حسن قلت أيسرك إنى أبوك قال اما أبى فلا أبغى به بدلا
ولكن وددت إنك أمي ليأكل أبى من أطايبك فاخجلني ولم أجد له جوابا واما النبطي فانه
لقيته بيثرب فقال لى أنت الفرزدق قلت نعم قال أنت الذى يخاف الناس من لسانك قلت نعم
قال إذا هجوتني تموت فرسى قلت لا قال افيموت ولدى قلت لا قال افاموت انا قلت لا قال
فادخلني في حرأم الفرزدق من رجلى إلى عنقي قلت فلم تركت رأسك قال حتى أرى الزانية
ما تصنع. وكان الفرزدق يروى عن أمير المؤمنين وعن أبنه الحسين " ع " وأبى سعيد
الخدرى وغيره وعنه الكميت الشاعر ومروان الأصغر وخالد الحذاء واشعث ابن عبد الملك
والصعق بن ثابت وابنه لبطة بن الفرزدق وآخرون.
________________________________________
[ 548
]
قال الشريف
المرتضى رضى الله عنه في الغرر والدرر وكان الفرزدق شيعيا " مائلا إلى بنى هاشم.
ولما خرج الحسين من مكة قاصدا " الكوفة سنة احدى وستين من الهجرة ووصل الشقوق إذا
هو بالفرزدق قد وافاه هناك فسلم عليه ثم دنا منه وقبل يده فقال له الحسين " ع " من
أين أقبلت يا ابا فراس قال من الكوفة قال كيف تركت أهل الكوفة قال خلفت قلوب الناس
معك وسيوفهم مع بنى أمية عليك وقد قل الديانون والقضاء ينزل من السماء والله يفعل
في خلقه ما يشاء. وفى رواية عن الفرزدق انه قال لقيني الحسين " ع " في منصر في من
الكوفة فقال ما وراءك يا ابا فراس قلت اصدقك قال الصدق أريد قلت أما القلوب فمعك
وأما السيوف فمع بنى أمية والنصر من الله قال " ع " ما أراك إلا صدقت الناس عبيد
المال والدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درت به معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل
الديانون. وفى رواية عنه أيضا انه قال حججت بامى في سنة ستين فبينا انا أسوق بعيرها
حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين " ع " خارجا " من مكة معه أسيافه وأتراسه فقلت لمن
هذا القطار فقيل للحسين بن على " ع " فأتيته وسلمت عليه وقلت له بلغك الله سؤلك
واملك فيما تحب بابى أنت وأمى يابن رسول الله ما أعجلك فقال لو لم أعجل لأخذت ثم
قال لى من أنت قلت انا أمرؤ من العرب فلا والله ما فتشني عن اكثر من ذلك ثم قال
اخبرني عن الناس خلفك فقلت الخبير سألت قلوب الناس معك وسيوفهم عليك والقضاء ينزل
من السماء والله يفعل ما يشاء قال صدقت لله الأمر وكل يوم ربنا في شأن إن نزل
القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على اداء الشكر وان حال القضاء
دون الرجاء فلا يبعد من كان الحق نيته والتقوى سريرته فقلت له أجل بلغك ما تحب
وكفاك ما تحذر وسألته عن أشياء من نذر ومناسك فاخبرني بها وحرك راحلته وقال السلام
عيك ثم افترقنا.
________________________________________
[ 549
]
وفى رواية
ان الفرزذق قال له يابن رسول الله كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك
مسلما " فترحم عليه وقال اما انه قد صار إلى رحمة الله ورضوانه وقضى ما عليه وبقى
ما علينا وانشد عليه السلام: فان تكن الدنيا تعد نفيسة * فان ثواب الله أعلى وانيل
وان تكن الابدان للموت انشأت * فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل وان تكن الارزاق قسما
" مقدرا " * فقلة جهد المرء في الكسب اجمل وان تكن الاموال للترك جمعها * فما بال
متروك به المرئ يبخل ثم ودعه الفرزدق في نفر من أصحابه ومضى يريد مكة فقال له ابن
عم له من بنى مجاشع يا ابا فراس هذا الحسين بن على " ع " فقال له الفرزدق نعم هذا
الحسين بن على وابن فاطمه الزهراء بنت محمد المصطفى هذا والله ابن خيرة الله وأفضل
من مشى على الارض وقد كنت قلت فيه قبل اليوم أبياتا غير متعرض لمعروفه بل أردت بذلك
وجه الله والدار الآخرة فلا عليك ان تسمعها فقال ابن عمه ان رأيت ان تسمعنيها يا
ابا فراس فقال قلت فيه وفى أمه وأبيه وجده عليهم الصلاة والسلام: هذا ابن خير عباد
الله كلهم * هذا التقى النقى الطاهر العلم هذا حسين رسول الله والده * أمست بنور
هداه تهتدى الامم هذا ابن فاطمة الزهراء غرتها * في جنة الخلد مجريا بها القلم إذا
رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهى الكرم يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن
الحطيم إذا ما جاء يستلم بكفه خيزران ريحه عبق * من كف أروع في عرنينه شمم يغضى
حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم ينشق نور الهدى عن نور غرته *
كالشمس تنشق عن اشرافها الظلم مشتقة من رسول الله نبعته * طابت أرومته والخيم
والشيم
________________________________________
[ 550
]
من معشر
حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويستقيم به
الأحسان والنعم ان عد أهل الندى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الارض قيل هم لا
يستطيع مجار بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وان كرموا بيوتهم من قريش يستضاء بها *
في النائبات وعند الحكم ان حكموا فجده من قريش في أرومتها * محمد وعلى بعده علم بدر
له شاهد والشعب من أحد * والخندقان ويوم الفتح مذ علموا وخبير وحنين يشهدان له *
وفى قريظة يوم صيلم قتم مواطن قد علت أقدارها ونمت * آثارها لم تلها العرب والعجم
هكذا نسب هذه القصيدة للفرزدق في الحسين " ع " الشيخ كمال الدين بن طلحة في
(مناقبه) قال الشيخ على بن عيسى القمى " ره " واظنه نقل هذا الكلام والقصيدة من
كتاب (الفتوح) لأبن أعثم فانه نسب القصيده إلى الفرزدق في الحسين أيضا " والذى عليه
الرواة مع أختلاف كثير في أبياتها انها للحزين الليثى قالها في فثم بن العباس وان
الفرزدق أنشدها في على بن الحسين قال المؤلف عفا الله عنه، اما كون القصيدة بتمامها
في قثم بن العباس فأمر يشهد بعض أبيات القصيدة باستحالته كما تراه وأما انشاد
الفرزدق لها في على بن الحسين فقد ذكره كثير من رواة الأحبار والمؤرخين. ونحن نذكر
الخبر في ذلك من رواية الشيخ الحافظ أبى طاهر أحمد بن محمد ابن أحمد بن محمد بن
ابراهيم السلفي الأصبهاني قال قال أخبر الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن
احمد الصيرفى بقرائتي عليه في جمادى الآخرة من سنة خمسة وتسعين وأربعمائة ببغداد
قال أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن على الوراق قرأت عليه قال أخبرني أبو أحمد
عبد السلام بن الحسين بن محمد بن عبد الله طيفور البصري اللغوى قال قرأت على أبى
عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب
________________________________________
[ 551
]
المتوفى
بالبصرة سنة أربعة وخمسين وثلاثمائة على باب داره وكتبته من كتاب املاه املاء من
أصله ثم قرأته بعد ذلك بعشر سنين عشية الجمعة لست ليال بقين من شعبان سنة أربع
وخمسين وثلاثمائة على أبى الحسين محمد بن محمد بن جعفر ابن لنكك اللغوى على باب
داره ولم يكن أصل يرجع إليه وذكر انه قد سمعه: قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن
زكريا بن دينار قال حدثنا عبد الله بن محمد يعنى بن عايشة قال حدثنى أبى وغيره قال
حج هشام بن عبد الملك في زمن عبد الملك أو الوليد فطاف بالبيت فجهد ان يصل إلى
الححر فيستلمه فلم يقدر عليه فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه أهل الشام
إذ أقبل على بن الحسين بن على " ع " وكان من أحسن الناس وجها " وأطيبهم ريحا " فطاف
بالبيت فكلما بلغ إلى الحجر تنحى له الناس حتى يستلمه فقال رجل من أهل الشام من هذا
الذى قد هابه الناس هذه الهيبة فقال هشام لا أعرفه مخافة ان يرغب فيه أهل الشام
وكان الفرزدق حاضرا فقال الفرزدق لكنى أعرفه قال الشامي من هو يا ابا فراس فقال
الفرزدق: هذا الذى تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير
عباد الله كلهم * هذا التقى النقى الطاهر العلم روى ابن لنكك الظاهر بظاء معجمة
وروى المتوثى بطاء غير معجمة: إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهى
الكرم ينمى إلى ذروة العز التى قصرت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم يكاد يمسكه
عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم يغضى حياء ويغضى من مهابته * ولا يكلم
إلا حين يبتسم من جده دان فضل الانبياء له * وفضل أمته دانت له الامم ينشق نور
الهدى عن نور غرته * كالشمس ينجاب عن اشراقها القتم مشتقة من رسول الله نبعته *
طابت عناصرها والخيم والشيم
________________________________________
[ 552
]
هذا ابن
فاطمة ان كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا الله شرفه قدما " وفضله * جرى بذاك
له في لوحه القلم فليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من انكرت والعجم ليس هذا
البيت في رواية المتوثى وعرفه ابن لنكك: كلتا يديه غياث عم نفعهما * يستوكفان ولا
يعروهما العدم سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه أثنان حسن الخلق والكرم حمال
أثقال أقوام إذا فدحوا * حلو الشمائل تحلو عنده نعم لا يخلف الوعد ميمون نقيبته *
رحب الفناء أريب حين يعتزم عم البرية بالأحان فانقشعت * عنه الغيابة والاملاق
والعدم من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم ان عد أهل التقى كانوا
أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم
قوم وان كرموا هم الغيوث إذا ما أزمة ازمت * والاسد اسد الشرى والباس محتدم لا ينقص
العسر بسطا من أكفهم * سيان ذلك إن اثروا وان عدموا روى لنكك لا يقبض العسر: يستدفع
السوء والبلوى بحبهم * ويسترب به الأحسان والنعم مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل
بدء ومختوم به الكلم يأتي لهم ان يحل الذى ساحتهم * خيم كريم وايد بالندى هضم أي
الخلايق ليست في رقابهم * لاولية هذا أوله نعم من يعرف الله يعرف أوليه ذا * والدين
من بيت هذا ناله الأمم كان ابن لنكك يروى الدين بلا واو. قال فغضب هشام وأمر بحبس
الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة وبلغ ذلك على بن الحسين " ع " فبعث إلى الفرزدق
باثنى عشر الف درهم وقال اعذرنا
________________________________________
[ 553
]
يا ابا فراس
فلو كان عندنا اكثر من هذا لوصلناك به فردها الفرزدق وقال يابن رسول الله ما قلت
الذى قلت إلا غضبا لله ولرسوله وما كانت لأرزء عليه شيئا " فقال شكر الله لك ذلك
غير إنا أهل بيت إذا أنفذنا أمرا " لم نعد فيه فقبلها وجعل يهجو هشاما " وهو في
الحبس فكان مما هجاه به: أيحبسنى بين المدينة والتى * إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعينا له حولاء باد عيوبها فبعث إليه فاخرجه. قلت جزى
الله الفرزدق عن هذا المقام أحسن جزائه فلقد أدى ما وجب عليه من اخلاصه وولائه لا
جرم ان الله شكر له هذه الحسنة واعد له ذخائر ثوابها وقد رأى ما أقر عينه في الدار
التى ثوى بها. ومن أخبار الفرزدق ما حكاه محمد بن حبيب قال صعد الوليد بن عبد الملك
المنبر فسمع صوت ناقوس فقال ما هذا فقيل البيعة فأمر بهدمها وتولى ذلك بيده فتتابع
الناس يهدمون فكتب إليه ملك الروم ان هذه البيعة قد اقرها من كان قبلك فان يكونوا
أصابوا فقد أخطأت وان تكن أصبت فقد اخطأوا فقال من يجيبه فقال الفرزدق يكتب إليه
(وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين
ففهمناها سليمان وكلا أتينا حكما وعلما) الآية فاستحسن ذلك. وروى معاوية بن عبد
الكريم عن أبيه قال دخلت على الفرزدق فتحرك فإذا في رجليه قيد قلت ما هذا يا ابا
فراس قال حلفت أن لا أخرج هذا من رجلى حتى أحفظ القرآن. وروى انه لما ماتت النوار
أمرأة الفرزدق خرج الحسن البصري في جنازتها ووقف على قبرها والفرزدق واقف معه
والناس ينظرون فقال الحسن ما للناس فقال الفرزدق خير الناس وشر الناس فقال الحسن
لست بخير الناس
________________________________________
[ 554
]
ولست بشرهم
ما أعددت لهذا المضجع قال شهادة ان لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة قال الحسن نعم
العدة ثم أنشأ الفرزدق يقول: أخاف وراء القبران لم يعافنى * أشد من القبر التهابا
واضيقا إذا جاء في يوم القيامة قائد * عنيف وسواق يسوق الفرزدقا فقد خاب من أولاد
آدم من مشى * إلى النار مشدود القلادة أزرقا يساق إلى نار الجحيم مسربلا * سرابيل
قطران لباسا " محرقا " إذا شربوا فيها * مر الصديد تمزقا فابكى الناس. وروى انه مات
للفرزدق ابن صغير فصلى عليه ثم الفتت إلى الناس وقال: وما نحن إلا مثلهم غير اننا *
أقمنا قليلا بعدهم ثم نرحل فمات بعد ذلك بايام رحمه الله. قال الشريف المرتضى في
(الغرر والدرر) كان الفرزدق قد نزع في آخر عمره عما كان من القذف والفسق وراجع
طريقة الدين على انه لم يكن في خلال فسقه منسلخا " عن الدين جملة ولا مهملا أمره
أصلا. قال ومما يشهد بذلك ما أخبرنا به أبو عبد الله المرزبانى قال أخبرنا أبو ذر
القراطيبى قال أخبرنا ابن أبى الدنيا قال أخبرنا الرياشى عن الأصمعى عن سلام ابن
مسكين قال قيل للفرزدق علام تقذف المحصنات فقال والله لله أحب إلى من عينى هاتين
أفتراه يعذبنى بعدها. ورؤى انه تعلق باستار الكعبة فعاهد الله على ترك الهجاء
والقذف الذين كان أرتكبهما قال: الم ترنى عاهدت ربى اننى * لبين رئاج قائما ومقام
على حلفة لا اشتم الدهر مسلما * ولا خارجا " من في زور كلام اطعتك يا ابليس تسعين
حجة * فلما انقضى عمرى وتم تمامى فزعت إلى ربى وايقنت اننى * ملاق لأيام الحتوف
حمامى
________________________________________
[ 555
]
وروى الصولى
عن الحسن بن فياض عن أدريس بن عمران قال جاءني الفرزدق فتذاكرنا رحمة الله وسعتها
فكان أوثقنا بالله تعالى فقال له رجل ألك هذا الرجاء بالله والمذهب وأنت تقذف
المحصنات وتفعل ما تفعل فقال أترونني لو اذنبت الى أبوى ذنبا " كانا يقذفانى في
تنور وتطيب أنفسهما بذلك قلنا لا بل يرحمانك قال فانا والله أوثق برحمة ربى منى
برحمتهما. قال أبو عمرو بن العلا حضرت الفرزدق وهو يجود بنفسه فما رأيت أحسن ثقة
منه بالله تعالى. وكان وفاته في أول سنة مائة وعشرة. وقيل اثنى عشرة وقيل أربع عشرة
وكان قد قارب المائة. وروى انه لما نعى الفرزدق إلى جرير بكى بكاءا " شديدا " فقيل
له اتبكى رجلا يهجوك وتهجوه من أربعين سنة. قال اليكم عنى ما تساب رجلان ولا تناطح
كبشان ومات أحدهما إلا تبعه الآخر من قريب ثم عاش بعده أربعين يوم فمات، وفى رواية
انه نعى الفرزدق إلى المهاجر بن عبد الله وجرير عنده فقال: مات الفرزدق بعد ما
جدعته * ليت الفرزدق كان عاش قليلا فقال لهما المهاجر بئس لعمرك والله ما قلت في
ابن عمك اتهجو ميتا " والله لو رثيته لكنت اكرم العرب فقال ان رأى الأمير ان بكتمها
عليه فإنها سوءة ثم قال يرثيه من وقنه: فلا ولدت بعد الفرزدق حامل * ولا ذات بعل من
نفاس تعلت هو الواقد الميمون والراتق الثائى * إذ النعل يوما " بالعشيرة زلت وقال
يرثيه أيضا ": فجعنا بحمال الديات ابن غالب * وحامى تميم عرضها والمزاحم بكيناك
حدثان الفراق وإنما * بكيناك إذ نابت صروف العظائم
________________________________________
[ 556
]
فلا حملت
بعد ابن ليلى مهيرة * ولا شك انطاع المطى الرواسم ومما يستجاد من شعر الفرزدق: قالت
وكيف يميل مثلك في الصبى * وعليك من سمة الحليم وقار والشيب ينهض في الشباب كأنه *
ليل يصيح بجانبيه نهار وقوله في الهجاء: فلو يرمى بلؤم بنى كليب * نجوم الليل ما
وضحت لسار ولو لبس النهار بنو كليب * لدنس لؤمهم وضح النهار وما يغدو عزيز بنى كليب
* ليطلب حاجة إلا بجار وقوله في الفخر: ان الذى سمك السماء بنى لنا * بيتا " دعائمه
أعز واطول بيتا " بناه لنا المليك وما بنى * ملك السماء فإنه لا ينقل بيتا " زرارة
محتب بفنائه * ومجاشع وأبو الفوارس نهشل الاكثرون إذا يعد ذو الحجى * والاولون إذا
يعد الاول حلل الملوك ثيابنا في أهلنا * والسابغات الرعى ما نتسربل أحلامنا تزن
الجبال رزانة * وتخالنا اسد إذا ما نجهل (الفضل) ابن العباس بن عتبة بن أبى لهب بن
عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وقد تقدم ذكر أبيه العباس في الأول من الطبقة
الأولى وكان الفضل هذا أحد شعراء بنى هاشم المذكورين وفصحائهم المشهورين هاشمى
الأبوين أمه أمينة بنت العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وكان شديد
الادمة وفى ذلك يقول: وانا الاخضر من يعرفني * أخضر الجلدة في بيت العرب قال عبيد
الله بن حبيب وإنما أتاه السواد من قبل جدته وكانت حبشية وحدث أبو عبيدة النحوي قال
أخبرني من سمع الفرزدق يقول أتيت الفضل
________________________________________
[ 557
]
ابن العباس
اللهبى وهو يمتح بدلو من زمزم ويقول: وانا الأخضر من يعرفني * أخضر الجلدة في بيت
العرب من يساجلنى يساجل ماجدا " * يملأ الدلو إلى عقد الكرب ورسول الله جدى جده *
وعلينا كان تنزيل الكتب قال فقلت من يساجلك فرجلي من كذا أمه قال أتعرفني لا أم لك
قال قلت كيف لا أعرفك وقد نزل في أبويك سورة من كتاب الله فقال عز من قاتل (تبت يدا
أبى لهب) قال فضحك وقال أنت الفرزدق قلت نعم قال قد علمت ان أحدا لا يحسن هذا غيرك.
قال أبو الفرج المعافى بعد نقل هذه الحكاية وقد الطف الفرزدق فيما خاطب به الفضل
لأنه لما لم يمكنه مساجلته وقد فخر بنفسه من هاشم وقرباه من رسول الله صلى الله
عليه وآله اتى يمضه ويفل من غربه. وحدث على بن محمد النوفلي قال كان أبى عند الحسن
بن عيسى بن على وهو والى البصرة وعنده وجوه أهل البصرة وقد كانت فيهم بقية حسنة في
ذلك الدهر فأفاضوا في ذكر بنى هاشم وما أعطاهم الله من الفضل بنبيه صلى الله عليه
وآله فمن منشد شعرا " ومحدث حديثا " وذاكر فضيلة من فضائل بنى هاشم فقال أبى قد جمع
هذا الكلام اللهبى في بيت قاله ثم أنشد قوله: ما مات قوم كرام يدعون يدا * إلا
لقومي عليهم منة ويدا فمن صلى صلاتنا وذبح ذبيحتنا عرف ان لرسول الله صلى الله عليه
وآله يدا " بما هداه الله تعالى الى الإسلام به ونحن قومه فتلك منة لنا على الناس
وحكى أبو السكن مولى بنى هاشم قال كان الفضل بن العباس بخيلا فقدم على عبد الله بن
العباس حاجا فاتاه إلى منزله مسلما عليه فقال له كيف أنت وكيف حالك قال بخير نحن في
عافية قال فهل لك من حاجة قال لا والله وإنى لأشتهى هذا العنب وقد أغلاه علينا
هؤلاء العلوج فغمز غلاما " له فذهب فاتاه بسلة عظيمة
________________________________________
[ 558
]
من عنب فجعل
يغسل عنقودا " عنقودا " ويناوله فكلما فعل ذلك قال له برتك رحم. وحكى على بن محمد
النوفلي عن عمه ان سليمان بن عبد الملك حج في خلافة الوليد فجاء إلى زمزم فجلس
عندها ودخل الفضل بن العباس اللهبى يستقى فجعل يرتجز ويقول: يا أيها السائل عن على
* سألت عن بدر لنا بدرى مقدم في الخير ابطحى * ولين الشيمة هاشمى زمزمنا بوركت من
ركى * بوركت للساقي وللمسقى فغضب سليمان وهم بالفضل فكفه عنه على بن عبد الله ثم
أتاه بقدح فيه نبيذ من نبيذ السقاية فاعطاه اياه فسأله ان يشربه فأخذه من يده
كالمتعجب ثم قال نعم انه يستحب ووضعه في يده فلم يشربه فلما ولى الخلافة وحج لقيه
الفضل فلم يعطه شيئا ". وحكى ابن الأعرابي قال كان رجل من كنانة يقال له عقرب حناط
قد داين الفضل فمطله ثم مر به الفضل وهو يبيع الحنطة وهو يقول: جاءت بها ضابطة
التجار * ضافية كقطع الأوتار فقال الفضل: قد تجرت عقرب في سوقنا * واعجبا للعقرب
التاجرة قد ذاقت العقوب واستيقنت * ان مالها دنيا ولا آخرة فان تعد عادت لما قد
ساءها * وكانت النعل لها حاضرة وحدث ابن عائشة عن أبيه ان عمر بن أبى ربيعة وقد على
عبد الملك ابن مروان فادخل عليه فسأله عن نسبه فانتسب له فقال: لا انعم الله بعين
عينا * تحية السخط إذا التقينا أأنت القائل: نظرت إليها بالمحصب من منى * ولى نظر
لولا التحرج عازم
________________________________________
[ 559
]
فقلت اشمس
أم مصابيح بيعة * بدت لك خلف السجف أم انت حالم بعيدة مهوى القرط إما لنوفل * أبوها
وإما عبد شمس وهاشم قال قاتلك الله ما الأمك اما كانت لك في بنات العرب مندوحة عن
بنات عمك فقال عمر بئست والله يا أمير المؤمنين هذه التحية لأبن العم على شط الدار
وبعد المزار فقال له عبد الملك أفتراك مرتدعا عن ذلك فقال إنى الى الله تائب فقال
عبد الملك اذن يتوب الله عليك وستحسن جائزتك ولكن أخبرني عن منازعتك اللهبى في
المسجد الجامع فقد اتانى نبأ ذلك وكنت أحب ان أسمعه منك فقال عمر نعم يا أمير
المؤمنين بينا انا جالس في المسجد الحرام في جماعة من قريش إذ دخل علينا الفضل بن
العباس بن عتبة فسلم وجلس ووافقني وانا اتمثل بهذا البيت: وأصبح بطن مكة مقشعرا " *
كأن الأرض ليس لها هشام فاقبل على وقال يا أخابنى مخزوم والله ان بلدة تبحج فيها
عبد المطلب وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله واستقر بها بيت الله لحقيقة ان لا
تقشعر لموت هشام وأشعر من هذا الذى يقول: إنما عبد مناف جوهر * زين الجوهر عبد
المطلب فاقبلت عليه وقلت يا اخا بنى عبد المطلب أشعر من صاحبك الذى يقول: ان الدليل
على الخيرات اجمعها * أبناء مخزوم للخيرات مخزوم فقال لى أشعر من صاحبك الذى يقول:
جبريل أهدى لنا الخيرات اجمعها * أولاد هاشم لا ابناء مخزوم فقلت في نفسي غلبنى
والله ثم حملني الطمع في انقطاعه ان قلت بل أشعر منه الذى يقول: أبناء مخزوم الحريق
إذا * حركته تارة ترى ضرما يخرج منه الشرار مع لهب * من حاد عن حده فقد سلما
________________________________________
[ 560
]
فقال يا أخا
بنى مخزوم أشعر من صاحبك وأصدق الذى يقول: هاشم بحر إذا سما وطما * اخمد حر الحريق
واضطرما فاعلم وخير المقال اصدقه * بان من رام هاشما هشما " فتمنيت ان الارض يا
أمير المؤمنين ساخت بى ثم تجلدت عليه وقلت يا أخا بنى هاشم أشعر من صاحبك الذى
يقول: ابناء مخزوم انجم طلعت * للناس تجلو بنورها الظلما تجود بالليل قبل مسألة *
جودا هنيئا " ويضرب اليهما فاقبل على كأسرع من اللحظ ثم قال أشعر من صاحبك الذى
يقول: هاشم شمس بالسعد مطلعها * إذا بدت أخفت النجوم معا إختارنا الله بالنبي فمن *
قارعنا بعد احمد قرعا " فاسودت الدنيا في عينى وأنقطعت فلم أجد له جوابا ثم قلت يا
أخا بنى هاشم ان كنت تفخر علينا بالنبي صلى الله عليه وآله فما تسعنا مفاخرتك فقال
كيف لا أم لك والله لو كان منك لفخرت به على فقلت صدقت واستغفر الله انه لموضع
الفخار وداخلنى السرور لقطعه الكلام لئلا ينالني خور عن أجابته فافتضح ثم انه فكر
هنبئة ثم قال قد قلت شيئا " فلم أجد بدا " من الأستماع فقلت هات فقال: نحن الذين
إذا سما الفخار بهم * ذا الفخر اقعده هناك القعدد أفخر بنا ان كنت يوما " فاخرا *
تلفى الاولى فخروا لفخرك افردوا قل يابن مخزوم لكل مفاخر * منا المبارك ذو الرسالة
أحمد ماذا يقول ذووا الفخار هنالكم * هيهات ذلك هل ينال الفرقد فحصرت وتبلدت وقلت
ان لك عندي حوابا " فانظرني افتكرت مليا " ثم قلت: لا فخر إلا قد علاه محمد * فإذا
فخرت به فانى أشهد ان قد فخرت وفقت كل مفاخر * واليك في الشرف الرفيع المقصد ولنا
دعائم قد تناهى أول * في المكرمات جرى عليها المولد
________________________________________
[ 561
]
ما ذاقها
حاشى النبي وأهله * في البحر غطغطة الخليج المزيد دع ذا ورح بفناء خود بضة * مما
نطقت به وغنى معبد مع فتية تندى بطون أكفهم * جودا إذا هز الزمان الانكد يتناولون
سلافة عامية * طابت لشاربها وطاب المقعد فوالله يا أمير المؤمنين لقد أجابنى بجواب
كان أشد على من الشعر قال يا أخا مخزوم اريك السهى وتربنى القمر أي أريك الامر
الغامض وتريني الأمر الواضح وتخرج من المفاخرة إلى شرب الراح وهى الخمر المحرمة
فقلت اما علمت أصلحك الله ان الله تعالى يقول في الشعراء وانهم يقولون ما لا يفعلون
قال صدقت ولكن الله تعالى استثنى منهم قوما فقال إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات
فان كنت منهم فقد دخلت في الأستثناء واستحققت العقوبة بدعائك إليها وإن لم تكن منهم
فالشرك بالله أعظم من شرب الخمر فقلت اصلحك الله لا ارى للمتحدي شيئا " اصلح من
السكوت فضحك وقال أستغفر الله وقام عنى فضحك عبد الملك وقال يابن أبى ربيعة اما
علمت ان لبنى عبد مناف السنة لا تطاق ارفع حوائجك فرفعتها فقضاها واحسن جائزتي،
ونسب إليه صاحب الأصابة هذه الأبيات: ما كنت أحسب ان الأمر منصرف * عن هاشم ثم منها
عن أبى حسن من فيه ما فيهم من كل صالحة * وليس في كلهم ما فيه من حسن اليس أول من
صلى لقبلتكم * وأعرف الناس بالقرآن والسنن وأقرب الناس عهدا " بالنبي ومن * جبريل
عون له في الغسل والكفن ماذا يردكم عنه فنعرفه * ها ان بيعتكم من أول الفتن وقد
تقدم ذكر هذه الأبيات في ترجمة والده العباس وذكرنا احتلاف العلماء في ناظمها وعن
عبد الله بن يحيى قال حدثنا عمر الشيباني قال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبى لهب
يرثى من قتل مع الحسين من أهله وكان قد قتل الحسين والعباس
________________________________________
[ 562
]
وعمر ومحمد
وعبد الله وجعفر بنو على بن أبى طالب وأبو بكر والقاسم وعبد الله بنو الحسن بن على
" ع " وعلى وعبد الله ابناء الحسين ومحمد وعون أبناء عبد الله ابن جعفر بن أبى طالب
ومسلم بن عقيل بن أبى طالب وعبد الله وعبد الرحمن وجعفر بنو عقيل بن أبى طالب رضى
الله عنهم أجمعين: اعينى الا تبكيا لمصيبتى * وكل عيون الناس عنى اصبر اعينى جودا
من دموع عزيزة * فقد حق اشفاقي وما كنت أحذر اعينى هذا الاكرمون تتعابعوا * وصلوا
المنايا دار عون وحسر من الأكرمين البيض من آل هاشم * لهم سلف من واضح المجد يذكر
مصابيح امثال الأهلة إذ هم * لدى الحرب أو دفع الكريهة أبصر بهم فجعتنا والفواجع
كلها * تميم وبكر والسكون وحمير وهمدان قد جاشت علينا واجلبت * هوازن... واعصر وفى
كل حى نضحة من دمائنا * بنو هاشم يعلو سناها ويشهر فلله محيانا وكان مماتنا * ولله
قتلانا تدان وتنشر لكل دم مولى ومولى دمائنا * بمرتقب يعلو عليكم ويظهر فسوف ترى
اعدائنا حيث تلتقي * لاى الفريقين النبي المطهر ومن شعر الفضل بن العباس في
الحماسة: مهلا بنى عمنا مهلا موالينا * لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا لا تطمعوا ان
تهينونا فنكرمكم * وان نكف الاذى عنكم وتؤذونا مهلا بنى عمنا من تحت اثلتنا (1) *
سيروا رويدا كما كنتم تسيرونا الله يعلم انا لا نحبكم * ولا نلومكم ان لا تحبونا كل
له نعمة في بغض صاحبه * بنعمة الله نقليكم وتقلونا ومن شعره:
________________________________________
(1) الاثل:
شجر، وهو نوع من الطرفاء، الواحدة: أثلة. (*)
________________________________________
[ 563
]
سبقنا ولم
نسبق وضمنا ولم نضم * لما ذاك محتوما " على الناس محكما فما عد إنسان بامثل هاشم *
إذا عددوا الآباء اسنى واكرما وما افتخر الأقوام إلا بفضلنا * وما وجدوا إلا لنا
متجشما ونحن خصصنا بالنبوة منهم * وكان لهذا الناس عزا مقدما " ونحن ولينا الحجر
والبيت دونهم * ونحن حفرنا جانب الحجر زمزما تخيرنا رب العباد بعلمه * هداة وكان
الله بالناس أعلما وما مثلنا في الناس أو في بذمة * وأقول ان قالوا لحق وأحكما فمن
ذا الذى يعتد أن عد مثلنا * أعز وانكى للعدو وأرغما واصدق عند الناس في كل موطن *
إذا شمرت حرب واحمد مقدما ومن شعره: إنا اناس من سجيتنا * صدق الحديث ووعدنا حتم
والحزم تقوى الله فاتقين * ترشد وليس لفاجر حزم والمرء اكثر ما يعاب به * خطل
اللسان وصمته حكم (أبو المنهل) الكميت بن زيد بن جيش بن مجالد بن وهب بن عمرو بن
سبيع بن مالك ابن سعد بن ثعلبة بن ذوران بن اسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر
الاسدي الكوفى الشاعر مقدم عالم بلغات العرب خبير بايامها فصيح زمانه من شعراء مضر
والسنتها المتعصبين على القحطانية المقارعين لشعرائهم العالمين بالمثالب والايام
المفاخرين بها. وكان يقال ما جمع احد من علم العرب ومناقبها ومعرفة انسابها ما جمع
الكميت، فمن صحح الكميت نسبه صح ومن طعن فيه طعن. وسئل معاد الهراء عن أشعر الناس
فقال: من الجاهليين أمرئ القيس وزهير وعبيد بن الابرص ومن الإسلاميين الفرزدق وجرير
والاخطل فقيل
________________________________________
[ 564
]
له يا ابا
محمد ما رأيناك ذكرت الكميت قال ذاك أشعر الاولين والآخرين. وقال ابن عكرمة الضبى
لو لا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان ولا للبيان لسان ويقال ان شعره بلغ اكثر من
خمسة الآف بيت. وقال أبو عبيدة لو لم يكن لبنى أسد منقبة غير الكميت لكفاهم حبهم
إلى الناس وأبقى لهم ذكرا. وقال بعضهم كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر كان
خطيب أسد وفقيه الشيعة حافظ القرآن العظيم ثبت الجنان وكان كاتبا حسن الخط وكان
نسابة وكان جدلا وهو أول من ناظر في التشيع وكان راميا " لم يكن في أسد أرمى منه
وكان فارسا " شجاعا " دينا وكان مشهورا في التشيع مجاها في ذلك وقصائد الهاشميات من
جيد شعره. وحدث محمد النوفلي قال لما قال الكميت الشعر كان أول ما قال الهاشميات
فسرها ثم اتى الفرزدق فقال له يا ابا فراس إنك شيخ مضر وشاعرها وقد نفث على لساني
فقلت شعرا فاحببت ان أعرضه عليك فان كان حسنا أمرتنى باذاعته وان كان قبيحا "
امرتني بستره وكنت أول من ستره على. قال اما عقلك فحسن وانى لأرجو ان يكون شعرك على
قدر عقلك فانشده: طربت وما شوقا إلى البيض اطرب قال ففيم تطرب يابن أخى فقلت: ولا
لعبأ منى وذو الشيب يلعب قال بلى يابن أخى فالعب فانك في أوان اللعب فقلت: ولم
تلهنى دار ولا رسم منزل * ولم يتطربني بنان مخضب قال وما يطربك يابن اخى فقلت: ولا
انا ممن يزجر الطير همه * أصاح غراب أم تعرض ثعلب فقال أجل لا تتطير فقلت:
________________________________________
[ 565
]
ولا
السارحات البارحات عشية * أمر سليم القرن أم مر أعضب فقال أجل فماذا قلت فقلت وفى
نسخة فقال إلى من طربت لا أم لك فقلت: ولكن إلى أهل الفضائل والنهى * وخير بنى حواء
والخير يطلب قال هؤلاء بنو دارم فقلت: إلى النفر البيض الذين بحبهم * إلى الله فيما
نابنى اتقرب قال هؤلاء بنو هاشم فقلت: بنى هاشم رهط النبي فإنى * بهم ولهم أرضى
مرارا " وأغضب فقال والله لو جزتهم إلى سواهم لكان قولك باطلا. ثم قال يابن أخى اذع
ثم أذع فانت والله أشعر من مضى وأشعر من بقى: خفضت لهم منى جناحى مودة * إلى كنف
عطفاه أهل ومرحب وكنت لهم من هؤلاء وهؤلا * مجنا على انى اذم وانصب وأرمى وأومى
يالعداوة أهلها * وإنى لأوذى فيهم وأؤنب فما سائنى قول أمرئ ذى عداوة * بعوراء فيهم
يجتذبني فاجذب فقل للذى في ظل عمياء جونة * ترى الجور عدلا اين لا اين تذهب باى
كتاب أم بأية سنة * ترى حبهم عارا " على وتحسب فمالى إلا آل احمد شيعة * ومالى الا
مذهب الحق مذهب ومن غيرهم أرضى لنفسي شيعة * ومن بعدهم لا من اجل وارحب يعيرنى جهال
قومي بحبهم * وبغضائهم أدنى لعار واعطب أريب رجالا منهم ويريبني * خلائق مما
أحدثوهن أريب اليكم ذوى آل النبي تطلعت * نوازع من قلبى ظما والبب فإنى عن الأمر
الذى تكرهونه * بقولى وفعلى ما استطعت لأجنب وانى لمن شايعتم لمشايع * وانى فيمن
سبكم لمسبب يشيرون بالأيدى إلى وقولهم * ألا خاب هذا والمشيرون أخيب
________________________________________
[ 566
]
فطائفة قد
كفرتني بحبكم * وطائفة قالوا مسئ ومذنب فما سائنى تكفير هاتيك منهم * ولا عيب هاتيك
التى هي أعيب يعيبوننى من خبهم (1) وضلالهم * على حبكم بل يسخرون وأعجب وقالوا
ترابى هواه ورأيه * بذلك أدعى فيهم وألقب فلا زلت منهم حيث يتهمونني * ولا زلت في
اشياعكم أتقلب وأحمل أحقاد الاقارب فيكم * وينصب لى في الأبعدين فأنصب بخاتمكم غصبا
(2) تجوز أمورهم * فلم أر غصبا " مثله حين يغصب (3) وبدلت الأشرار بعد خيارها * وجد
بها في أمة وهى تلعب وجدنا لكم في آل حم آية * تأولها منا تقى ومعرب وقالوا ورثناها
أبانا وأمنا * وما ورثتهم ذاك أم ولا أب ولكن مواريث بن آمنة الذى * به دان شرقي له
ومغرب فدى لك موروثا أبى وأبو أبي * ونفسي فنفسي بعد بالناس أطيب حياتك كانت مجدنا
وسنائنا * وموتك جدع للعرانين موعب بك اجتمعت احسابنا بعد فرقة * فنحن بنو الإسلام
ندعى وننسب فبوركت مولودا " وبوركت ناشئا " * وبوركت عند الشيب إذ أنت اشيب وبورك
قبر أنت فيه وبوركت * به وله أهل لذلك يثرب لقد غيبوا برا وصدقا " ونائلا * عشية
واراك الصفيح المنصب يقولون لم يورث ولولا نراثه * لقد شاركت فيها بكيل وارحب وعقك
ولخم والسكون وحمير * وكندة والحيان بكر وتغلب لعل عزيزا " آمنا سوف يبتلى * وذو
سلب منهم انيق سيسلب
________________________________________
(1) الخب
الرجل الخداع. (2) وفى نسخة كرها ". (3) وفى نسخة فلم ار غصبا مثله يتغصب (*)
________________________________________
[ 567
]
فيالك أمرا
" قد أشتت أموره * ودنيا أرى اسبابها تتقضب يروضون دين الله صعبا محرما " *
بافواههم والرائض الدين أصعب إذا شرعوا يوما " على الغى فتنة * طريقهم فيها عن الحق
انكب رضوا بخلاف المهتدين وفيهم * مخبأة أخرى تصان وتحجب حنانيك رب الناس من ان يغر
لى * كما غرهم شرب الحياة المنضب يرون لهم حقا " على الناس واجبا " * سفاها وحق
الهاشميين أوجب إذا قيل هذا الحق لا ميل دونه * فانقاضهم في الغى حسرى ولغب فيا
موقدا نارا لغيرك ضوئها * ويا حاطبا " في غير حبلك تحطب الم ترنى من حب آل محمد *
أروح وأغدو خائفا " أترقب كأنى جان محدث وكأنما * بهم أتقى من خشية العار اجرب على
أي جرم أم باية سيرة * أعنف في تقريظهم واكذب أناس بهم عزت قريش فاصبحت * وفيها
حباء المكرمات المطنب مصفون في الأحساب محضون نجرهم * هم امحض منا والصريح المهذب
خضمون اشراف لها ميم سادة * مطاعيم ايسار إذ الناس اجدبوا عن عكرمة الضبى عن أبيه
قال ادركت الناس بالكوفة من لم ير وطربت وما شوقا " إلى البيض أطرب فليس بشيعي. حدث
ابراهيم بن سعد الأسعدي عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وآله في المنام فقال
لى من أي الناس أنت قلت من العرب قال من أي العرب قلت من بنى أسد قال من أسد بن
خزيمة قلت نعم قال اهلا لي أنت قلت نعم قال اتعرف الكميت بن زيد قال قلت يا رسول
الله من أهلى وقبيلتي قال صلى الله عليه وآله أتعرف من شعره شيئا " قلت نعم قال
فانشدني: طربت وما شوقا " * الى البيض أطرب فانشدته إلى ان بلغت إلى قوله:
________________________________________
[ 568
]
فمالى إلا
آل احمد شيعة * وما لى الا مذهب الحق مذهب فقال صلى الله عليه وآله إذا أصبحت
فاقرءه منى السلام وقل له قد غفر الله لك بهذه القصيدة. وقال محمد بن عقبة كانت بنو
أسد تقول فينا فضيلة ليست في العالم ليس من أمرئ فينا إلا وفيه بركة وذلك ان الكميت
عليه الرحمة رأى النبي صلى الله عليه وآله في النوم فقال له انشدني: طربت وما شوقا
" الى البيض أطرب فانشدته فقال له بوركت وبورك قومك. وعن محمد بن سهيل قال قال
الكميت رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم وانا خائف فقال لى مم خوفك فقلت
يا رسول الله صلى الله عليه وآله من بنى أمية ثم أنشدته: الم ترنى من حب آل محمد *
أروح وأغدو خائفا " أترقب فقال لى اظهر فقد آمنك الله في الدنيا والآخرة. وعن نصر
بن مزاحم المنقرى انه رأى النبي صلى الله عليه وآله في النوم وبين يديه رجل ينشد:
من لقلب متيم مستهام فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يقول جزاك الله خيرا "
وأثنى عليه، وسألت عنه فقيل هو الكميت بن زيد. وحكى صاعد مولى الكميت قال دخلت مع
الكميت على على بن الحسين عليه السلام فقال إنى مدحتك بما أرجو ان يكون لى وسيلة
عند رسول الله ثم أنشده قصيدته التى أولها: من لقب متيم مستهام * غير ما صبوة ولا
أحلام طارقات ولا ادكار غوان * واضحات الخدود كالآرام بل هواى الذى اجن وابدى *
لبنى هاشم فروع الأنام
________________________________________
[ 569
]
للقريبين من
ندى والبعيدين من الجور في عرى الاحكام وألمصيبين باب ما أخطأ الناس ومرسي قواعد
الإسلام والحماة الكماة في الحرب ان * لف ضرام وقودها بضرام والولاة الكفاة للأمران
* طرق بيتا بمجهض أو تمام والاساة الشفاة للداء ذى * الريبة والمدركين بالأوغام
واضحى أوجه كريم جدود * واسطى نسبة لهام فهام للذري فالذري من الحسب * الثاقب بين
القمقام فالقمقام فضلوا الناس في الحديث حديثا * وقديما " في أول القدام أسد حرب
غيوث جدب بها * ليل مقاويل غير ما افدام لا مهاذير في الندى مكاثير * ولا مصمتين
بالأفحام سادة ذادة عن الخرد البيض * إذا اليوم كان كالايام ساسة لا كمن يرى رعية
النا * س سواء ورعية الأنعام لا كعبد المليك أو كوليد * أو سليمان بعد أو كهشام من
يمت لا يمت فقيدا " ومن * يحى فلا ذال ولا ذو ذمام فهم الاقربون في كل خير * وهم
الابعدون من كل ذام وهم الأرأفون بالناس في * الرأفة والاحلمون في الاحلام أسرة
الصادق الحديث أبى * القاسم فرع القد امس القدام خير حى وميت من بنى آدم * طرا
مأمومهم والامام فهم شيعتي وقسمي من الامة * حسبى من سائر الاقسام ان أمت لا امت
ونفسي نفسان * من الشك في عمى أو تعامى عادلا غيرهم من الناس طرا " * بهم لاهمام بى
لاهمام لم أبع دينى المساوم بالوكس * ولا مغليا من السوام أخلص الله لى هواى فما *
أغرق نزعا " ولا تطيش سهامي
________________________________________
[ 570
]
فلما أتى
على آخرها قال له (ع) ثوابك يعجز عنه ولكن ما عجزنا عنه فإن الله لا يعجز عن
مكافاتك اللهم أغفر للكميت اللهم أغفر للكميت ثم قسط له على نفسه وعلى أهله
أربعمائة الف درهم وقال له خذ يا ابا المستهل فقال له لو وصلتني بدانق لكان شرفا لى
ولكن إن أحببت ان تحسن إلى فادفع إلى بعض ثيابك التى على جسدك أتبرك بها فقام (ع)
فنزع ثيابه ودفعها إليه كلها ثم قال اللهم ان الكميت جاد في آل رسولك وذرية نبيك
بنفسه حين ضن الناس واظهر ما كتمه غيره من الحق فأمته شهيدا واحيه سعيدا واحسن له
الجزاء عاجلا واجزل له جزيل المثوبة آجلا فإنا قد عجزنا عن مكافاته قال الكميت فما
زلت اعرف بركة دعائه عليه وعلى آبائه عليهم السلام. وحدث محمد بن سهل قال دخلت مع
الكميت على أبى عبد الله جعفر بن محمد الصادق " ع " في أيام التشريق فقال جعلت فداك
الا انشدك قال إنها أيام عظام قال انه فيكم قال " ع " هات فانشده قصيدته التى
أولها: الا هل عم في رأيه متأمل * وهل مدبر بعد الاساءة مقبل وهل امة مستيقظون
لدينهم * فيكشف عنه النعسة المتزمل فقد طال هذا النوم واستخرج الكرى * مساويهم لو
أن ذا الميل يعدل وعطلت الأحكام حتى كأننا * على ملة غير التى نتنحل كلام النبيين
الهداة كلامنا * وأفعال أهل الجاهلية نفعل رضينا بدنيا لا نريد فراقها * على اننا
فيها نموت ونقتل ونحن بها المستمسكون كأنها * لنا جنة مما نخاف ومعقل فكثر البكاء
وارتفعت الاصوات فلما مر على قوله في الحسين عليه السلام: كأن حسينا والبهاليل حوله
* لأسيافهم ما يختلى المتبقل يخضن بهم من آل أحمد في الوغى * دما ظل منهم كالبهيم
المحجل فلم أر مخذولا أجل مصيبة * وأوجب منه نصرة حين يخذل
________________________________________
[ 571
]
يصيب به
الرامون عن قوس غيرهم * فيا آخرا اسدي له الغى أول رفع أبو عبد الله يديه وقال
اللهم أغفر للكميت ما قدم وأخر وما اسر واعلن واعطه حتى يرضى، ومن غرر أبيات هذه
القصيدة قوله في آل البيت (ع) الا يفزع الاقوام مما أضلهم * ولما تجئهم ذات ودقين
ضئبل إلى مفزع لن ينجى الناس من عمى * ولا فتنة الا إليه التحول إلى الهاشميين
البهاليل انهم * لخائفنا الراجى ملاذ وموئل إلى أي عدل ام لاية سيرة * سواهم يؤم
الظاعن المترحل وفيهم نجوم الناس والمهتدى بهم * إذا الليل أمسى وهو بالناس اليل
لهم من هواى انصفو ما عشت خالصا " * ومن شعرى المخزون والمتنخل فلا رغبتي فيهم تغيض
لرهبة * ولا عقدني في حبهم تتحلل وأخرج الكشى عن يونس بن يعقوب قال أنشد الكميت أبا
عبد الله " ع " أخلصن الله لى هواى فما * أغرق نزعا " ولا تطيش سهامي فقال أبو عبد
الله عليه السلام لا تقل هكذا ولكن قل: فقد اغرق نزعا " وما تطيش سهامي وعن عقبة بن
مشير الاسدي عن الكميت بن زيد الاسدي قال دخلت على أبى جعفر " ع " فقال والله يا
كميت لو كان عندنا مال لاعطيناك منه ولكن لك ما قال رسول الله لحسان لا يزال معك
روح القدس ما ذببت عنا. وعن عبيدة بن زرارة عن أبيه قال دخل الكميت بن زيد على أبى
جعفر عليه السلام وانا عنده فانشده شعره: من لقلب متيم مستهام فلما فرغ منها قال "
ع " للكميت لا تزال مؤيدا " بروح القدس مادمت تقول فينا. وروى انه دخل يوما " على
جعفر بن محمد " ع " فانشده فأعطاه الف دينار
________________________________________
[ 572
]
وكسوة فقال
الكميت والله ما أحببتكم للدنيا ولو اردت الدنيا لأتيت من هي في يديه ولكننى
أحببتكم للآخرة فأما الثياب التى اصابت أجسامكم فانا أقبلها لبركتها وأما المال فلا
أقبله. وروى أنه دخل يوما " على فاطمة بنت الحسين " ع " فقال هذا شاعرنا أهل البيت
وجاءت بقدح فيه سويق فحركته بيدها وسقت الكميت فشربه ثم أمرت له بثلاثين دينارا "
ومركب فهملت عيناه وقال لا والله لا أقبلها إنى لم احبكم للدنيا. وعن عبد الله بن
مروان الحرانى قال كان عندنا رجل من عباد الله الصالحين وكان راوية لشعر الكميت
يعنى الهاشميات وكان سمع ذلك منه وكان عالما " بها فتركه خمسا " وعشرين سنة لا
يستحل روايته واشعاره ثم عاد فيه فقيل له الم تكن رهدت فيه وتركتها فقال نعم ولكن
رأيت رؤيا دعتى إلى العود فيه فقيل له وما رأيت قال رأيت كأن القيامة قد قامت
وكأنما انا في المحشر فدفعت إلى مجلة قال أبو محمد قلت لأبى الشيخ وما المجلة قال
الصحيفة قال فنشرتها فإذا فيها (بسم الله الرحمن الرحيم) أسماء من يدخل الجنة من
محبى على بن أبى طالب " ع " قال فنظرت في السطر الاول فإذا اسماء قوم لم أعرفهم
ونظرت في السطر الثاني فإذا هو كذلك ونظرت في السطر الثالث والرابع فإذا فيه الكميت
بن زيد الاسدي قال فذاك الذى دعاني إلى العود فيه. وعن الورد بن زيد قال قلت لابي
جعفر " ع " جعلى الله فداك قدم الكميت فقال " ع " دخل فسأله الكميت عن الشيخين فقال
له أبو جعفر " ع " ما اهريق دم ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله تعالى وحكم النبي
صلى الله عليه وآله وانكر حكم على الا هما وهو في اعناقهما فقال الكميت الله اكبر
الله اكبر حسبى حسبى وعن داود بن النعمان قال دخل الكميت على أبى عبد الله " ع "
فانشده ثم قال الكميت يا سيدى اسألك عن مسألة وكان " ع " متكئا فاستوى جالسا " وكسر
في صدره
________________________________________
[ 573
]
وسادة ثم
قال سل فقال أسألك عن الرجلين فقال " ع " يا كميت بن زيد ما اهريق في الإسلام محجمة
دم ولا اكتسب مال من غير حله ولا نكح فرج حرام إلا وذلك في اعناقهما إلى يوم يقوم
قائمنا ونحن بنو هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما ومن شعره: نفى عن
عينك الارق الهجوعا * وهم يمترى منها الدموعا دخيل في الفواد يهيج سقما " * وحزنا
كان من جذل منوعا " وتوكاف الدموع على اكتئاب * أحل الدهر موجعه الضلوعا ترقرق
أسجما دررا " وسكبا * يشبه سحها غربا هموعا " لفقدان الخضارم من قريش * وخير
الشافعين مما شفيعا لدى الرحمن يصدع بالمثاني * وكان له أبو حسن مطيعا حطوطا في
مسرته ومولا * إلى مرضاة خالقه سريعا " فأصفاه النبي على أختيار * بما اعيى الرفوض
له المذيعا ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا ولكن الرجال
تبايعوها * فلم أر مثلها خطر مبيعا فلم ابلغ بهم لعنا ولكن * اساء بذاك أو لهم
صنيعا فصار بذاك أقربهم لعدل * إلى جور واحفظهم مضيعا أضاعوا أمر قائدهم فضلوا *
وأقومهم لدى الحدثان ريعا تناسوا حقه وبغوا عليه * بلا ترة وكان لهم قريعا فقل لبنى
أمية حيث حلوا * وان حفت المهند والقطيعا اجاع الله من اشبعتموه * واشبع من بحوركم
اجيعا بمرضى السياسة هاشمى * يكون حيا " لامته ربيعا وليثا في المواطن غير نكس *
لتقويم البرية مستطيعا " يقيم أمورها ويذب عنها * ويترك جدبها ابدا " مريعا "
________________________________________
[ 574
]
ويلعن فذ
أمته جهارا * إذا ساس البرية والخليعا " الا اف لدهر كنت فيه * هدانا سامعا لكم
معليعا وكان خالد بن عبد الله القسرى قد أنشد قصيدة الكميت التى يهجو فيها اليمن
وهى التى أولها: إلا حييت عنا يا مدينا فقال أو فعلها والله لا قتلته ثم أشترى
ثلاثين جارية وتخيرهن نهاية في الحسن والكمال والأدب فراواهن الهاشميات ودسهن مع
نخاس إلى هشام بن عبد الملك فاشتراهن جميعا " فلما أنس بهن أستنطقهن فرأى منهن
فصاحة وادبا " واستقرأهن القرآن فقرأنه واستنشدهن الشعر فانشدته قصائد الكميت
الهاشميات فقال ويلكن من قائل هذا الشعر قلن الكميت بن زيد الأسدى قال وفى أي بلد
هو قلن في العراق ثم بالكوفة فكتب إلى خالد وهو عامله على العراق أبعث إلى برأس
الكميت بن زيد الأسدى فلم يشعر الكميت إلا والخيل محدقة بداره فاخذ وحبس في الحبس
وكان ابان بن الوليد عاملا على واسط وكان الكميت صديقه فبعث إليه بغلام على بغل
وقال له أنت حر إن لحقته والبغلة لك وكتب إليه أما بعد فلقد بلغني ما صرت إليه وهو
القتل إلا ان يدفع الله عزوجل وأرى لك ان تبعث إلى حبى وهى زوجة الكميت وكانت ممن
تتشيع أيضا " فإذا دخلت اليك تنقبت نقابها ولبست ثيابها وخرجت فإنى أرجوا الأمن لك
فركب الغلام وسار بقية يومه وليلته من واسط إلى الكوفة فصبحها فدخل الحبس متنكرا "
وأخبر الكميت بالقصة فبعث إلى أمراته فقص عليها القصة وقال أي بنية عم أعلمى ان
الوالى لا يقدم عليك ولا يسلمك قومك ولو خفته عليك لما عرضتك له فألبسته ثيابها
وازارها وخمرته وقالت أقبل وادبر ففعل فقالت ما انكرت منك شيئا " إلا يبسا " في
كفيك أخرج على أسم الله وأخرجت معه جاريتين لها فخرج وعلى باب السجن أبو الوضاح
حبيب بن بديل ومعه فتيان من أسد فلم يؤبه
________________________________________
[ 575
]
له ومشى
الفتيان بين يديه إلى سكة شبيب بناحية الكناس فمر بمجلس من مجالس بنى تميم فقال
بعضهم رجل ورب الكبعة وأمر غلامه فاتبعه فصاح به أبو الوضاح يا كذا وكذا أراك تتبع
هذه المرأة منذ اليوم وأومى إليه بنعله فولى العبد مدبرا " وادخله أبو الوضاح منزله
ولما طال على السجان الأمر نادى الكميت فلم يجبه فدخل ليعرف خبره فصاحت به المرأة
ورائك لا أم لك فشق ثوبه ومضى صارخا " إلى باب خالد فاخبره فاحضر حبى فقال لها يا
عدوة الله احتلت على أمير المؤمنين وأخرحت عدو أمير المؤمنين لانكلن بك ولأصنعن
ولأفعلن فاجتمعت بنو أسد وقالوا ما سبيلك على أمرأة منا خدعت فخافهم فخلى سبيلها
وسقط غراب على الحائط فنعب فقال الكميت لأبى وضاح إنى لمأخوذ وان حائطك لساقط فقال
سبحان الله هذا ما لا يكون ان شاء الله وكان الكميت خبيرا " بالزجر فقال لا بد ان
تحولني فخرج به إلى بنى علقمة وكان يتشيعون فاقام فيهم ولم يصبح حتى سقط الحائط
الذى سقط عليه الغراب قال المستهل وأقام الكميت مدة متواريا " حتى إذا أيقن ان
الطلب خف عنه خرج ليلا في جماعة من بنى أسد على خوف ووجل فيمن معه قال واخذ الطريق
على القطقطانية وكان عالما " بالنجوم مهتديا " بها فلما سار سحرا صاح بنا هوموا يا
فتيان فهو منا وقام فصلى قال المستهل فرأيت شخصا فتضعضعت له فقال مالك قلت أرى شخصا
مقبلا فنظر إليه فقال هذا ذئب قد جاء يستطعمكم فجاء الذئب فربض ناحية فاطعمناه يد
خروف فتعرقها ثم أهرقنا له باناء فيه ماء فشربه فارتحلنا فجعل الذئب يعوى فقال
الكميت ويله ويله الم نطعمه ونسقه وما أعرفني بما يريد وهو يعلمنا انا لسنا على
الطريق فتيامنوا يا فتيان فتيامنا فسكن عواؤه فلم نزل نسير حتى جئنا الشام فتوارى
في بنى أسد وبنى تميم وأرسل إلى أشراف قريش وكان سيدهم يومئذ عنبسة بن سعيد بن
العاص فمشت رجال قريش وأتوا عنبسة وقالوا يا ابا خالد هذه مكرمة اتاك الله بها هذا
الكميت بن زيد لسان مضر كان أمير المؤمنين كتب
________________________________________
[ 576
]
في قتله
فجاء وقد تخلص اليك والينا قال مروه ان يعوذ بقبر معاوية بن هشام فمضى الكميت وضرب
فسطاطه عند قبره وأتى مسلمة بن هشام فقال يا ابا شاكر مكرمة اتيتك بها تبلغ الثريا
ان اعتنيت بها فان علمت إنك تفى وإلا كتمتها قال وما هي فاخبره الخبر فقال على
خلاصه فدخل على هشام وهو عند أمه في غير وقت دخول فقال له هشام أجئت لحاجة قال نعم
قال هي مقضية الا ان تكون الكميت قال ما أحب ان تستثنى على في حاجتى وما انا
والكميت قالت أمه لتقضين حاجته كائنة ما كانت قال قد قضيتها ولو أحاطت بما بين
قطريها قال هي الكميت يا أمير المؤمنين وهو آمن بامان الله وامانك وهو شاعر مضر وقد
قال فينا قولا لم يقل مثله قال قد آمنته وأجزت أمنك له قال فاجلس له مجلسا " ينشدك
فيه ما قال فقعد له وعنده الابرش الكلبى فتكلم بخطبة أرتجلها ما سمع بمثلها قط
ومدحه بقصيدته الرائية ويقال انه أرتجلها وهو قوله: قف بالديار وقوف زائر ومضى فيها
إلى ان وصل إلى قوله: والآن صرت إلى أمية * والامور إلى مصائر وجعل هشام يغمز مسلمة
بقضيب في يده ويقول له اسمع ثم جاء الكميت إلى منزله آمنا فحشدت له المضرية
بالهدايا وأمر له مسلمة بعشرين الف درهم وأمر له هشام باربعين الف درهم وكتب إلى
خالد بأمانه وامان أهل بيته وان لا سلطان له عليهم وفى رواية انه لما أجاره مسلمة
بن هشام وبلغ هشاما دعا به وقال له أتجير على أمير المؤمنين بغير أمره فقال لا
ولكني أنتظرت سكون غضبه قال احضره الساعة فإنه لا جوار لك فقال مسلمة للكميت يا ابا
المستهل ان أمير المؤمنين قد أمرنى بأحضارك قال أو تسلمني يا ابا شاكر قال كلا
ولكني أحتال لك ثم قال ان معاوية بن هشام قد مات قريبا " وقد جزع عليه جزعا شديدا "
فإذا كان من الليل فاضرب رواقك على قبره وانا أبعث اليك ببنيه يكونون معك في الرواق
________________________________________
[ 577
]
فإذا ادعا
بك تقدمت إليهم ان يربطوا ثيابهم بثيابك ويقولون هذا استجار بقبر أبينا ونحن أحق من
أجاره فاصبح هشام على عادته متطلعا " من قصره إلى القبر فرأى فسطاطا " فقال ما هذا
فقالوا لعله مستجير بالقبر فقال يجار من كان إلا الكميت فإنه لا جوار له فقيل فإنه
الكميت قال يحضر أعنف احضار فلما دعى به ربط الصبيان ثيابهم بثيابه فلما نظر هشام
إليهم اغر ورقت عيناه واستعبروهم يقولون يا أمير المؤمنين استجار بقبر أبينا وقد
مات ومات حظه في الدنيا فاجعله هبة لنا وله ولا تفضحنا فيمن أستجار به فبكى هشام
حتى انتحب ثم أقبل على الكميت فقال يا كميت أنت القائل: والا تقولوا غيرنا تتعرفوا
* نواصيها تردى بنا وهى تشرب قال كلا ولا اتان من أتن الحجاز ثم انه حمد الله واثنى
عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله ثم قال: اما بعد فإنى كنت اتدهدى في غمرة
جهالة وأعوم في بحر غوايه، أخى على خطلها، واستنفرني وهلها، فتحيرت في الضلالة،
وتسكعت في الجهالة. مهرعا " عن الحق، جائرا " عن القصد، أقول الباطل ضلالا، وأفوه
بالبهتان وبالا، وهذا مقام عائذ أبصر الهدى، ورفض العمى، فاغسل يا أمير المؤمنين
الحوبة بالتوبة. واصفح عن الزلة واعف عن الجرم، ثم قال شعرا ": كم قال قائلكم لعا *
لك عند عثرته لعاثر وغفرتم لذوى الذنوب * من الأكابر والأصاغر ابني أمية انكم * أهل
الوسائل والأوامر ثقتى لكل ملمة * وعشيرتي دون العشائر اننم معادن للخلافة * كابرا
" من بعد كابر بالتسعة المتتابعين خلا * ئفا وبخير عاشر ثم انه قطع الانشاد وعاد
إلى خطبته فقال: إغضاء أمير المؤمنين وسماحته وصباحته مناط المنتجعين من لا يحل
حبوته لأسائة المذنبين فضلا عن استشاطة
________________________________________
[ 578
]
غضبه لجهل
الجاهلين فقال له ويلك يا كميت من زين لك الغواية ودلاك في العماية قال الذى أخرج
أبانا من الجنة وانساه العهد فلم يجد له عزما " فقال له ايه يا كميت أنت القائل.
فيا موقدا نارا لغيرك ضؤها * ويا حاطبا في غير حبلك تحطب فقال بل انا القائل: إلى
آل بيت أبى مالك * مناخ هو الارحب الاسهل فقال له وأنت القائل: وكعبد المليك أو
كوليد * أو سليمان بعد أو كهشام من يمت لا يمت فقيدا " ومن * يحيى فلا ذوال ولا ذو
ذمام فقال له ويلك يا كميت جعلتنا ممن لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة فقال بل انا
القائل يا أمير المؤمنين: والآن صرت إلى أمية * والأمور إلى مصائر والآن صرت بها
المصيب * كمهتدي بالامس حائر يابن العقائل والاماثل * والجحاجحة الاخابر من عبد شمس
والاكابر * من أمية فالاكابر ان الخلافة والالاف * برغم ذى حسد وواغر دلفا من الشرف
التليد * اليك بالرفد الموافر فحللت معتلج البطاح * وحل غيرك بالظواهر فقال له ايه
وأنت القائل: فقل لبنى أمية حيث كانوا * وان خفت المهند والقطيعا أجاع الله من
أشبعتموه * وأشبع من بجوركم أجيعا بمرضي السياسة هاشمى * يكون حيا " لامته ربيعا "
فقال لا تثريب يا أمير المؤمنين أن رأيت ان تمحو عنى قولى الكاذب
________________________________________
[ 579
]
بقول الصادق
فقال وما هو ؟ فقال: أورثته الحصان أم هشام * نسبا " ثاقبا " ووجها " نضيرا وتعاطى
به ابن عايشة البدر * فامسى له رقيبا " نظيرا " وكساه أبو الخلائف مروان * سناء
المكارم المأثورا لم تجهم له البطاح ولكن * وجدتها له مغان ودورا وكان هشام متكئا
فاستوى جالسا " وقال هكذا فليكن الشعر يقولها لسالم ابن عبد الله بن عمر وكان إلى
جانبه ثم قال قد رضيت عنك يا كميت فقبل يده ثم قال يا أمير المؤمنين ان رأيت ان
تزيد في تشريفي فلا تجعل لخالد على أمارة قال قد فعلت وكتب له بذلك وأمر له بأربعين
الف درهم وثلاثين ثوبا " شامية وكتب إلى خالد ان يخلى سبيل أمرأته ويعطيها عشرين
الف درهم وثلاثين ثوبا " ففعل ذلك. وعن ابن محمد الهمداني قال حدثنى درست بن أبى
منصور قال كنت عند أبى الحسن موسى " ع " وعنده الكميت بن زيد فقال للكميت أنت الذى
تقول: فالآن صرت إلى أمية * والامور إلى مصائر فقال قلت ذاك والله ما رجعت عن
إيمانى وإنى لكم لموال ولعدوكم لمعاد ولكننى قلته على التقية قال " ع " أما لئن قلت
ذلك ان التقية تجوز في شرب الخمر. وروى انه دخل على أبى جعفر محمد بن على الباقر "
ع " وأبو جعفر ينشد. ذهب الذين يعاش في اكنافهم * لم يبق إلا شامت أو حاسد فانشده
الكميت بديهة فقال: وبقى على وجه البسيطة واحد * وهو المراد وأنت ذاك الواحد وروى
عن الكميت انه قال رأيت أمير المؤمنين " ع " في المنام فقال إنشدنى قصيدتك العينية
فانشدته حتى انتهيت إلى قولى: ويوم الدوح دوح غدير خم * ابان له الولاية لو اطيعا
ولكن الرجال تبايعوها * فلم ار مثلها خطر مبيعا
________________________________________
[ 580
]
فقال عليه
السلام صدقت ثم أنشد عليه السلام: ولم أر مثل ذاك اليوم يوما " * ولم أر مثله حقا "
أضيعا قال محمد بن مسلمة كان مبلغ شعر الكميت حين مات خمسة الآف ومائتين وتسعا "
وثمانين بيتا وكانت ولادته ايام مقتل الحسين بن على " ع " سنة ستين وتوفى شهيدا سنة
ست وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمد. وكان سبب موته ما حكاه حجر بن عبد الجبار
قال خرجت الجعفرية على خالد القسرى وهو يحطب على المنبر ولا يعلم بهم فخرجوا ينادون
لبيك جعفر لبيك وعرف خالد خبرهم وهو يخطب فدهش ولم يعلم ما يقول فزعا " فقال
أطعموني ماء ثم خرج الناس فأخذوا وقتلوا وحرقوا فلم عزل خالد عن العراق وولى يوسف
بن عمر دخل عليه الكميت فانشده: خرجت لهم تمشى البراح ولم تكن * كمن حصنه فيه
الرتاج المضبب وما خالد يستطعم الماء فاغرا * بعدلك والداعى إلى الموت ينعب قال
والجند قيام على رأس يوسف بن عمر وهم يمانية فتعصبوا لخالد فوضعوا نعال سيوفهم في
بطن الكميت فوجؤه بها وقالوا تنشد الأمير ولم تستأمره فلم يزل ينزف الدم حتى مات.
قال المؤلف عفا الله عنه هذه الشهادة التى دعا له بها على بن الحسين " ع " وقد تقدم
خبر ذلك. وحدث المستهل بن الكميت قال حضرت أبى عند الموت وهو يجود بنفسه فاغمى عليه
ثم افاق ففتح عينيه ثم قال اللهم آل محمد اللهم آل محمد اللهم آل محمد ثلاث ثم قال
يا بنى انه بلغني في الروايات انه يحفر بظهر الكوفة خندق يخرج فيه الموتى من قبورهم
وينبشون منها فيحولون إلى قبور غيرهم فلا تدفني في الظهر ولكن إذا مت فامض بى إلى
موضع يقال له مكر ان فادفني فيه فدفن في
________________________________________
[ 581
]
ذلك الموضع
وكان أول من دفن فيه وهو مقبرة بنى أسد إلى الساعة. (أبو صخر) كثير بن عبد الرحمن
بن أبى جمعة الأسود بن عامر بن عويمر بن خالد بن سعيد بن خثيمة بن سعد بن مليح بضم
الميم ابن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة بن
أمرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن أزد ابن قمعة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن
عدنان الخزاعى الحجازى الشاعر المشهور احد عشاق العرب المشهورين به صاحب عزة بنت
جميل الأتى ذكرها له معها حكايات ونوادر وأمور مشهورة واكثر شعره فيها. وكان ابن
أسحق يقول كثير أشعر أهل الإسلام وكانت له منزلة عند قريش وقدر وكان عبد الملك
معجبا بشعره فقال يوما كيف ترى شعرى يا أمير المؤمنين فقال اراه يسبق السحر ويغلب
الشعر فقال من أشعر الناس يا ابا صخر فقال من يروى أمير المؤمنين شعره فقال له عبد
الملك إنك لمنهم. ويحكى ان الفرزدق لقى كثيرا " فقال له أنت يا ابا صخر أنسب العرب
حيث نقول: أريد لأنسى ذكرها فكأنما * تمثل لى ليلى بكل سبيل فقال له كثير وأنت يا
أبا فراس أفخر العرب حيث تقول: ترى الناس ما سرنا يسيرون حولنا * وأن نحن أومأنا
إلى الناس وقفوا وقال الجمحى كان لكثير في النسيب نصيب وافر وكانت له من فنون الشعر
ما كانت لجميل وكان راوية جميل وأنما صغر اسمه لقصره وحقارته. وقال الوقاصى رأيت
كثيرا يطوف بالبيت فمن حدثك انه يزيد على ثلاثة أشبار فلا تصدقه وكان إذا دخل على
عبد الملك أو أخيه عبد العزيز يقول له طأطئ رأسك لا يصيبه السقف وكان عبد الملك يحب
النظر إلى كثير فلما ورد عليه فإذا هو قصير حقير تزدريه العين فقال تسمع بالمعيدى
خير من ان تراه فيقول مهلا يا أمير المؤمنين فإنما المرء باصغريه قلبه ولسانه ان
نطق نطق
________________________________________
[ 582
]
ببيان وان
قاتل قاتل بجنان وانا الذى أقول. ترى الرجل النحيف فتزدريه * وفى أثوابه أسد هصور
ويعجبك الطرير فتبتليه * فيخلف ظنك الرجل الطرير وما عظم الرجال لها بزين * ولكن
زينها كرم وخير بغاث الطير أطولها جسوما * ولم تطل البزاة ولا الصقور وقد عظم
البعير بغير لب * فلا يستغن بالعظم البعير فيركب ثم يضرب بالهراوى * فلا عرف لديه
ولا نكير يجرره الصبى بكل سهب * ويحبسه على الخسف الجرير فاعتذر إليه عبد الملك
ورفع مجلسه ونسب في الحماسة هذه الأبيات إلى العباس بن مرداس ويحتمل ان يكون كثير
تمثل بها. وكان أول أمره مع عزة انه مر بنسوة من بنى خمرة ومعه جلب غنم فارسلن إليه
عزة وهى صغيرة فقالت يقبل لك النسوة بعنا كبشا من هذه الغنم وانسئنا بثمنه إلى أن
ترجع فاعطاها كبنا فاعجبته فلما رجع جائته أمرأة منهن بدراهمه فقال وأين الصبية
التى أخذت منى الكبش قالت وما تصنع بها هذه دراهمك قال لا آخذ دراهمي إلا ممن دفعت
إليها الكبش وهو يقول: قضى كل ذى دين فوفى غريمه * وعزة ممطول معنى غريمها فقلن له
أبيت إلا هذه وابرزنها له وهى كارهة ثم إنها أحبته بعد ذلك حبا شديدا " أشد من حبه
لها. وحكى ان عزة دخلت يوما " على أم البنيين بنت عبد العزيز فقالت أرأيت قول كثير:
(قضى كل ذى دين) البيت ما كان ذلك الدين قالت وعدته قبل وخرجت منها قالت انجزية
وعلى اثمها. وكان لكثير غلام عطار بالمدينة وربما باع نساء العرب بالنسيئة فاعسر
على عزة بعطر فمطلته اياما " وحضرت إلى حانوته في نسوة فطالبها فقالت حبا "
________________________________________
[ 583
]
وكرامة ما
أقرب الوفاء وأسرع فانشد متمثلا: (قضى كل ذى دين فوفى غريمه) فقالت النسوة أتدرى من
غريمتك قال لا والله قلن هي عزة قال اشهدكم إنها في حل مما لي عندها ثم مضى إلى
سيده فاخبره بذلك فقال كثير وانا اشهد الله إنك حر لوجهه ووهبه جميع ما في الحانوت
من العطر وله في مطالها بالوعد شعر كثير منه: أقول لها عزيز مطلت دينى * وشر
الغانيات ذوا المطالى فقالت ويح غيرك كيف أقضى * غريما ما ذهبت له بمالى وعن الهيثم
بن عدى ان عبد الملك سأل كثيرا عن أعجب خبر له مع عزة فقال حججت سنة من السنين وحج
زوج عزة بها ولا يعلم أحد بصاحبه فلما كنا في بعض الطريق أمرها زوجها بابتياع سمن
يصلح به طعاما " لأهل رفقته فجعلت تدور الخيام خيمة خيمة حتى دخلت الى وهى لم تعلم
انها خيمتي وكنت أبرى أسهما " لى فلما رأيتها جعلت ابرى وانا أنظر إليها ولا أعلم
حتى بريت ذراعي مرات وأنا لا أشعر والدم يجرى فلما تبينت ذلك دخلت إلى وأمسكت يدى
وجعلت تمسح الدم عنها بثوبها وكان عندي نحى من سمن فحلفت لتأخذنه فاخذته وجاءت الى
زوجها بالسمن فلما رأى ثوبها سألها عن خبره فكاتمته حتى حلف عليها لتصدقنه فصدقته
فضربها وحلف ليشتمنى في وجهى فوقفت على وهو معها فقالت لى يابن الزانية وهى تبكى ثم
أنصرفا فذلك حين أقول: يكلفها الخنزير شتمى وما بها * هواني ولكن للمليك أستذلت
وهذا البيت من قصيدة له هي من محاسن شعره أولها: خليلي هذا ربع عزة فاعقلا *
قلوصيكما ثم أبكيا حيث حلت وما كنت أدرى قبل عزة ما البكا * ولا موجعات القلب حتى
تولت فلا يحسب الواشون ان صبابتي * بعزة كانت غمرة فتجلت فوالله ثم الله ما حل
قبلها * ولا بعدها من خلة حيث حلت وما مر من يوم على كيومها * وان عظمت أيام أخرى
وجلت
________________________________________
[ 584
]
وكانت لقطع
الحبل بينى وبينهما * كناذرة نذرا فاوفت وبرت فقلت لها يا عز كل مصيبة * إذا وطنت
يوما لها النفس ذلت ولم يلق إنسان من الحب منعة * تعم ولا عمياء الا تجلت اباحت حمى
لم ترعها النفس قبلها * وحلت تلاعا " لم تكن قبل حلت أريد ثواء عندها واظنها * إذا
ما اطلنا عندها المكث ملت فوالله ما قاربت إلا تباعدت * بهجر ولا اكثرت إلا أقلت
يكلفها الخنزير شتمى وما بها * هواني ولكن للمليك استذلت هنيئا " مريئا " غير داء
مخامر * لعزة من أعراضنا ما استحلت فان تكن العتبى فأهلا ومرحبا * وحقت لها العتبى
علينا وقلت وان تكن الاخرى فان ورائنا * مناويح لو سارت بها العيس كلمت أسيئي بنا
أو أحسنى لا ملومة * لدينا ولا مقلية ان تقلت فما انا بالداعى لعزة بالردى * ولا
شامت ان نعل عزة زلت وابى وتهيامى بعزة بعدما * تخليت عما بيننا وتخلت لكا المبتغى
ظل الغمامة كلما * تبوأ منها للمقيل اضمحلت كأنى واياها غمامة ممحل * رجاها فلما
جاوزته استهلت كأنى انادى صخرة حين أعرضت * من الصم لو تمشى بها العصم زلت صفوحا "
فما نلقاك إلا نجيلة فمن حل منها ذلك الميل ملت فما انصفت أما النساء فبغضت * إلى
وأما بالنوال فضنت فواعجبا للقلب كيف اعتزازه * وللنفس لما وطنت كيف ذلت وكنا عقدنا
عقدة الوصل بيننا * فلما توافقنا شددت وحلت وكنا سلكنا في صعود من الهوى * فلما
توافينا ثبت وزلت فان سأل الواشون فيم سلوتها * فقل نفس حر سليت فتسلت وللعين تذراف
إذا ما ذكرتها * وللقلب وسواس إذ العين ملت
________________________________________
[ 585
]
فكنت كذا
رجلين رجل صحيحة * وأخرى رمها الزمان فشلت ولى عبرات لويد من قتلننى * توالى التى
ما بالنى قد تولت فليت قلوصى عند عزة قيدت * بحبل ضعيف بان منها فضلت وأصبح في
القوم المقيمين رحلها * وكان لها باع سواى فشلت تمنيتها حتى إذا ما وليتها * رأيت
المنايا شرعا قد اطلت أصاب الردى من كان يبغى لها الردى * وجن اللواتى قلن عزة جنتي
عليها تحيات السلام هدية * لها كل حين مقبل حيث حلت وعن يعقوب بن عبد الله الأسدى
ومحمد بن صالح الأسلمي قال دخلت عزة على عبد الملك بن مروان وقد عجزت فقال لها أنت
عزة كثير فقالت انا عزة بنت جميل قال أنت الذى يقول لك كثير: لعزة نار ما تبوح
كأنها * إذا ما رمقناها من البعد كوكب فما الذى أعجبه منك قالت يا أمير المؤمنين
إنى كنت في عهدي أحسن من النار في الليلة القرة. وفى حديث محمد بن صالح الأسلمي
فقالت ما أعجب المسلمين منك حين صيروك خليفة قال وكانت له سن سوداء فضحك حتى بدت
فقالت له هذا الذى اردت ان ابديه فقال لها هل تروين قول كثير: وقد زعمت إنى تغيرت
بعدها * ومن ذا الذى يا عز لا يتغير تغير جسمي والخليقة كالتى * عهدت ولم يخبر بسرك
مخبر فقالت لا بل أروى له وهو من قصيدته المتقدمة: كأنى انادى صخرة حين أعرضت * من
العصم لو تمشى بها العصم زلت صفوحا " فما تلقاك إلا بخيلة * فمن مل منها ذلك الوصل
ملت وعن ابراهيم ابن أبى عمرو الجهنى قال سارت الينا عزة في جماعة من قومها فنزلت
حيا لنا فجاءني كثير ذات يوم فقال لى أريد أن اكون عندك اليوم
________________________________________
[ 586
]
حتى أمسى
فاذهب الى عزة فصرت به الى منزلي فاقام عندي حتى كان العشاء ثم أرسلني إليها
واعطاني خاتمه وقال إذا سلمت فستخرج اليك جارية فادفع إليها خاتمي واعلمها مكاني
فجئت بيتها فسلمت فخرجت الى الجارية فاعطيتها الخاتم فقالت أين الموعد قلت صخيرات
أبى عبيدة الليلة فوعدته هناك فخرجت إليه فاعلمته فلما أمسى قال لى انهض بنا فنهضنا
فجلسنا هناك نتحدث حتى جانب من الليل فجاءت فجلست فتحدثا فاطالا فذهبت لأقوم فقال
لى الى أين تذهب قلت اخليكما ساعة لعلكما تتحدثان ببعض ما تكتمان فقال لى اجلس
فوالله ما كان بيننا شئ قط فجلست وهما يتحدثان حتى اسحرنا ثم قامت وأنصرفت وقمت انا
وهو فظل عندي حتى أمسى ثم انطلق. وكان كثير بمصر وعزة بالمدينة فاشتاق إليها فسافر
ليلقاها فصادفها في الطريق وهى متوجهة الى مصر فجرى بينهما كلام طويل الشرح ثم انها
انفصلت عنه وقدمت مصر ثم عاد كثير الى مصر فوافاها والناس منصرفون عن جنازتها فاتى
قبرها واناخ راحلته ومكث ساعة ثم رحل وهو يقول ابياتا منها: أقول ونضوى واقف عند
قبرها * عليك سلام الله والعين تسفح وقد كنت ابكى من فراقك حيه * وأنت لعمري اليوم
انأى وانزح ولكثير مع عزة أخبار كثيرة اقتصرنا منها على هذا المقدار خشية من
الأطالة. وكان كثير شيعيا " شديد التشيع وكان آل مروان يعلمون بمذهبه فلا يغيرهم
ذلك له لجلالته في عيونهم ولطف محله في انفسهم. وحدث ابن قتيبة قال بلغى ان كثيرا "
دخل على عبد الملك بن مروان فسأله عن شئ فاخبره به فقال أو حق على بن أبى طالب انه
كما ذكرت فقال يا أمير المؤمنين لو سألتنى بحقك لصدقتك قال لا اسألك إلا بحق أبى
تراب فحلف له به فرضى ولما عزم عبد الملك على الخروج إلى حرب الزبير أنشدته زوجته
عاتكة بنت يزيد بن معاوية ان لا يخرج بنفسه ويبعث غيره فابى فلم تزل تلح عليه
________________________________________
[ 587
]
في المسألة
وهو يمتنع من الاجابة فلما يئست منه بكت وبكى من حولها من جواريها وحواشيها فقال
عبد الملك قاتل الله كثيرا كأنه رأى موقفنا هذا حين قال: إذا ما أراد الغزو لم يثن
همه * فتاة عليها نظم در يزينها نهته فلما لم تر النهى عاقه * بكت فبكى مما شجاها
قطينها ثم عزم عليها ان تقصر فاقصرت وخرج لقصده فنظر إلى كثير في ناحية عسكره يسير
مطرقا " فدعا به وقال أنى لأعرف ما اسكتك والقى عليك ثبك فإن اخبرتك عنه أتصدقي قال
نعم قال وحق أبى تراب إنك تصدقي قال والله لأصدقنك قال لا أو تحلف به فحلف به فقال
تقول رجلان من قريش يلقى أحدهما صاحبه فيحاربه القاتل والمقتول في النار فما مغنى
سيرى مع أحدهما ولا آمن سهما عائرا لعله ان يصيبني فيقتلني فاكون معهما قال والله
يا أمير المؤمنين ما أخطأت قال فارجع من قريب وأمر له بجائزة. وفى رواية انه دعا به
فقال ذكرت الساعة بيتين من شعرك فإن أصبت ما هما فلك حكمك فقال نعم أردت الخروج
فبكت عاتكة وبكى حشمها فذكرت قولى: (إذا ما أراد العزم) وذكر البيتين فقال أصبب
فاحتكم فاعطاه ما أراد ثم نظر إليه عبد الملك يسير في عرض الموكب متفكرا " فقال على
يابن ابى جمعة فقال ان عرفتك في أي شئ كنت تفكر فلى حكمي فقال نعم قال كنت تقول انا
في شر حال خرجت في جيش من أهل النار ليس على ملتى ولا مذهبي يسير إلى رجل من أهل
النار ليس على ملتى ولا على مذهبي يلتقى الخيلان فتصيبني سهم غرب فاتلف فما هذا
فقال والله يا أمير المؤمنين ما أخطأت ما كان في نفسي فاحتكم قال حكمي ان أصلك في
عشرة الآف درهم وادرك إلى منزلك فأمر له بذلك. وحدث حفص الأمدى قال: كنت أختلف إلى
كثير اتروى شعره قال فوالله إنى لعنده يوما " إذ وقف عليه واقف فقال قتل آل المهلب
بالعقر فقال ما اجل الخطب ضحى آل أبى سفيان بالدين يوم الطف وضحى بنو مروان بالكرم
________________________________________
[ 588
]
يوم العقر
فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك فدعا به فلما دخل عليه قال عليك بهلة الله أتر ابيه
وعصبية وجعل يضحك منه. وعن أبى بكر الهذلى قال كان عبد الله بن الزبير قد اغرى ببنى
هاشم يتبعهم بكل مكروه ويغرى بهم ويحطب بهم على المنابر ويصرح ويعرض بذكرهم فربما
عارضه ابن عباس وغيره منهم ثم بدا له فيهم فجلس ابن الحنفية في سجن عارم ثم جمعه
وسائر من كان بحضرته من بنى هشام فجعلهم في مجالس وملأه حطبا " وأضرم فيه النار
وكان قد بلغه ان ابا عبد الله الجدلي وسائر شيعة ابن الحنفية قد وافوا لنصرته
ومحاربة ابن الزبير فكان سبب ايقاعه بهم وبلغ ابا عبد الله الخبر فوافى ساعة أضرمت
النار عليهم فاطفأها واستنقذم وأخرج ابن الحنفية عن جوار ابن الزبير يومئذ فانشد
محمد بن العباس اليزيدى قال أنشد محمد بن حبيب لكثير في ابن الحنفية وقد حبسهم ابن
الزبير في سجن يقال له سجن عارم: ومن ير هذا الشيخ بالخيف من منى * من الناس يعلم
انه غير ظالم سمى النبي المصطفى وابن عمه * وفكاك أغلال ونفاع غارم أبى فهو لا يشرى
هدى بضلالة * ولا يتقى في الله لومة لائم ونحن بحمد الله نتلو كتابه * حلو لا بهذا
الخيف خيف المحارم فما فرح الدنيا بباق لأهله * ولا شدة البلوى بضربة لازم تخبر من
تلقى بانك عائذ * بل العائذ المظلوم في سجن عارم وقال بعضهم ان كثيرا كان يرى رأى
الكيسانية ويقول بامامة محمد بن الحنفيه ويروون شعرا " في ذلك وهو: ألا ان الأئمة
من قريش * ولاة الحق أربعة سواء على والثلاثة من بينه * هم الاسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط أيمان وبر * وسبط غيبته كربلاء وسبط لا تراه العين حتى * يقود الخيل
يقدمها اللواء
________________________________________
[ 589
]
تغيب لا يرى
عنهم زمانا * برضوى عنده عسل وماء قال المؤلف عفا الله عنه انه ان صح انه كان
كيسانيا فالظن انه رجع عن ذلك كالسيد الحميرى فقد اتفق النقل عن المخالف والمؤالف
ان الباقر " ع " حضر جنازته ورفعها كما سنذكر وذكر ابن شهراشوب في (معالم العلماء)
انه كان من أصحاب الباقر عليه السلام. وروى ان الباقر " ع " قال له تزعم انك من
شيعتنا وتمدح آل مروان قال إنما أسخر منهم واجعلهم حيات وعقارب وآخذا أموالهم. وذكر
الشريف المرتضى (ره) في كتاب (الغرر والدرر) ان ابا جعفر محمد بن على الباقر " ع "
قال لكثير أمدحت عبد الملك بن مروان فقال لم أقل له يا أمام الهدى إنما قلت له يا
شجاع والشجاع حية ويا أسد والأسد كلب فتبسم أبو جعفر. وهذا يدل على انه كان نوى على
بنى مروان في مدائحه. وذكر أيضا في الكتاب المذكور ان رجل نظر إلى كثير وهو راكب
وابو جعفر محمد بن على الباقر " ع " يمشى فقيل له اتركب وأبو جعفر يمشى فقال هو
أمرنى بذلك وانا بطاعته في الركوب أفضل من عصياني اياه بالمشى: وهذا كله مما يدل عن
حسن عقيدته والعامة لعلمهم بتشيعه رموه تارة باعتقاده مذهب الكيسانية وتارة بالقول
بالتناسخ وتارة بعدم الدين والحمق وأخرى بالزندقه والالحاد وغير ذلك وكانت وفاته في
خلافة يزيد بن عبد الملك بالمدينة المنورة ويقال انه لما حضرته الوفاة قال شعرا ":
برأت إلى الاله من ابن أروى * ومن دين الخوارج أجمعينا ومن (فعل) برئت ومن (فعيل) *
غداة دعى أمر المؤمنينا ثم ان روحه خرجت كأنها فص في ماء. وعن جويرية بن اسماء قال
مات كثير وعكرمة مولى ابن عباس في يوم واحد فاجتمع الناس في جنازة كثير ولم يوجد
لعكرمة من يحمله.
________________________________________
[ 590
]
وقال ابن
شهر اشوب في (معالم العلماء) انه لما مات كثير رفع جنازته الباقر عليه السلام وعرقه
يجرى. وعن يزيد بن عروة قال غلب النساء على جنازة كثير يبكينه ويذكرن عزة في ندبهن
قال فقال أبو جعفر محمد بن على " ع " أفرجوا لى عن جنازة كثير لارفعها قال فجعلنا
ندفع عنها النساء وجعل يضربهن محمد " ع " بكمه ويقول تنحين يا صويحبات يوسف فانتدبت
له أمرأة منهن فقالت يا بن رسول الله لقد صدقت إنا لصويحبات يوسف وقد كنا خيرا "
منكم له فقال أبو جعفر " ع " لبعض مواليه أحتفظ بها حتى تجيئني بها إذا انصرفنا قال
فلما انصرف " ع " أتى بتلك المرأة كأنها شرارة النار فقال لها محمد بن على " ع "
ايه أنت القائلة انكن خير منا قالت نعم تؤمنني غضبك يا بن رسول الله قال أنت آمنة
من غضبى فأبينى قالت نحن يا بن رسول الله دعوناه إلى اللذات من المطعم والمشرب
والتمتع والتنعم وانتم معاشر الرجال القيتموه في الجب وبعتموه بابخس الأثمان
وحبستموه في السجن فأينا كان به احنى وعليه أرأف فقال محمد بن على " ع " لله درك لن
تغالب أمرأة إلا غلبت ثم قال لها الك بعل قالت لى من الرجال من انا بعله قال فقال
أبو جعفر " ع " صدقت مثلك من تملك زوجها ولا يملكها قال فلما انصرفت قال رجل من
القوم هذه زينب بنت معيقب الانصارية. ولله الحمد أولا وآخرا " والصلاة والسلام على
خير خلقه المبعوث محمد صلى الله عليه وعلى ابن عمه على بن أبى طالب أمير المؤمنين
وعلى أبنى ابنته وسبطيه الحسن والحسين وعلى ذريته المعصومين الطيبين من ذرية الحسين
عليهم أفضل الصلاة والسلام
مكتبة يعسوب
الدين عليه السلام الإلكترونية
(Dokumen-ABNS)
Posting Komentar