Pesan Rahbar

Sekilas Doa Arafah Imam Husain as dan Doa Arafah Imam Husain as

Doa Arafah (Bahasa Arab: دعاء العرفة ) adalah diantara doa-doa Syiah yang menurut riwayat dibaca oleh Imam Husain as pada hari ke-9 Dzul...

Home » » Mausuah Rijaliyah Syiah Bagian 10B

Mausuah Rijaliyah Syiah Bagian 10B

Written By Unknown on Sabtu, 03 Maret 2018 | Maret 03, 2018


[ 240 ]
فما بالكم لا نزودن لطريق القيامة وما يصلحكم فيه قالوا وكيف نتزود لذلك فقال يحج الرجل منكم حجة لعظام الامور ويصوم يوما " شديد الحر للنشور ويصلى ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور ويتصدق بصدقة على المساكين للنجاة من يوم العسير ويتكلم بكلمة حق فيجيره الله لها يوم يستجير ويسكت عن كلمة باطل ينحو بذلك من عذاب السعير يابن آدم إجعل الدنيا مجلسين مجلسا " في طلب الحلال ومجلسا " للاخرة ولا ترد الثالث فانه لا ينفعك وأجعل الكلام كلمتين كلمة للآخرة وكلمة في التماس الحلال والثالثة تضرك وأجعل مالك درهمين درهما تنفقه على عيالك ودرهما لآخرتك والثالث لا ينفعك وأجعل الدنيا ساعة من ساعتين ساعة مضت بما فيها فلست قادرا " على ردها وساعة آتية لست على يقين من ادراكها والساعة التى أنت فيها ساعة عملك فاجتهد فيها لنفسك وأصبر فيها عن معاصي ربك فان لم تفعل قد هلكت. ثم قال قتلى هم لا ادركه. وروى لما توفى عبد الرحمن بن عوف قال اناس من اصحاب رسول الله إنا نخاف على عبد الرحمن فيما ترك فقال كعب وما تخافون كسب طيبا " وانفق طيبا " وترك طيبا " فبلغ ذلك ابا ذر رحمة الله عليه فخرج مغضبا يريد كعبا فمر فلحق عظم بعير فاخذه بيده ثم انطلق يطلب كعبا فقيل لكعب ان اباذر يطلبك فخرج هاربا حتى دخل على عثمان يستغيث به وأخبره الخبر فاقبل أبو ذر يقتص الخبر في طلب كعب حتى انتهى إلى دار عثمان فلما دخل قام كعب فجلس خلف عثمان هاربا " من ابى ذر فقال أبو ذر هاهنا يابن اليهودية تزعم انه لا بأس فيما ترك عبد الرحمن لقد خرج رسول الله نحو أحد وأنا معه فقال يا أبا ذر قلت لبيك يا رسول الله فقال الاكثرون هم الاقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا عن يمينه وشماله وفوقه وخلفه وقدامه وقليل ما هم ثم قال يا ابا ذر قلت نعم يا رسول الله بابى أنت وأمى قال ما سرنى أن لى مثل احد أنفقه في سبيل الله أموت ثم أموت ولا اترك منه قيراطين ثم قال يا اباذر أنت تريد الاكثر وانا
________________________________________
[ 241 ]
اريد الاقل فرسول الله صلى الله عليه وآله يريد هذا وأنت يابن اليهودية تقول لا بأس بما ترك عبد الرحمن بن عوف كذبت وكذب من قال، قال فلم يرد عليه حرفا " حتى خرج. وعن جعفر بن معروف قال: حدثنى الحسن بن على بن النعمان قال حدثنى أبى عن ابن حمزة عن ابى بصير قال: سمعت ابا عبد الله " ع " يقول أرسل عثمان إلى ابى ذر موليين له ومعهما مائتا دينار فقال لهما انطلقا إلى ابى ذر فقولا له ان عثمان يقرئك السلام ويقول لك هذه مائتا دينار فاستعن بها على ما نابك فقال أبو ذر وهل أعطى أحدا " من المسلمين مثل ما اعطاني ؟ قالا لا. قال إنما أنا رجل من المسلمين يسعنى ما يسع المسلمين قالا له انه يقول من طيب مالى وبالله الذى لا إله إلا هو ما خالطها حرام ولا بعثت بها اليك الا من حلال، فقال لا حاجة لى فيها وقد أصبحت يومى هذا وانا من أغنى الناس فقالا له عافاك الله وأصلحك ما نرى في بيتك قليلا ولا كثيرا " مما يستمتع به فقال بلى تحت هذا الاكاف ترون رغيف شعير وقد اتى عليه ايام فما اصنع بهذه الدنانير لا والله حتى يعلم الله انى لا أقدر على قليل ولا كثير وقد أصبحت غنيا " بولاية على بن ابى طالب " ع " وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون وكذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول انه لقبيح بالشيخ ان يكون كذابا بافرداها عليه واعلماه انه يقول لا حاجة لى فيها وفيما عنده حتى القى الله ربى فيكون هو الحاكم فيما بينى وبينه. وأخرج محمد بن يعقوب الكليني في الروضة عن ابى بصير عن ابى عبد الله " ع " قال: أتى أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله انى قد اجبويت المدينة فتأذن لى ان أخرج وابن أخى إلى مزينة فنكون بها فقال صلى الله عليه وآله انى اخشى ان تعبر عليك خيل من العرب فيقتل ابن أخيك فتأتين شعثا فتقوم بين يدى متكئا على عصاك فتقول قتل ابن أخى واخذ السرح فقال يا رسول الله بل لا يكون إلا خيرا " ان شاء الله فاذن رسول الله له فخرج هو وابن أخيه وامرأته فلم يلبثا هناك إلا يسيرا حتى غارت خيل النبي فزارة فيها عيينة بن حصين فاخذت
________________________________________
[ 242 ]
السرح وقتل ابن اخيه واخذت امرأة من بنى غفار واقبل أبو ذر يشتد حتى وقف بين يدى رسول الله وبه طعنة جائفة فاعتمد على عصاه وقال صدق الله ورسوله اخذ السرح وقتل ابن أبى ووقفت بين يديك على عصاي فصاح رسول الله صلى الله عليه وآله في المسلمين فخرجوا في الطلب وردوا السرح وقتلوا نفرا من المشركين. وأخرج في كتاب الجنائز من الكافي عن على بن ابراهيم رفعه قال لما مات ذر ابن أبى ذر مسح أبو ذر القبر بيده ثم قال رحمك الله يا ذر والله إنك كنت بى بارا " ولقد قبضت وانى عنك لراض أما والله ما بى فقدك وما على من غضاضة ومالى احد سوى الله من حاجة ولولا هول المطلع لسرني ان اكون مكانك ولقد شغلنى الحذر لك عن الحد عليك والله ما بكيت لك ولكن بكيت عليك فليت شعرى ماذا قلت وما قيل لك ثم قال اللهم أنى قد وهبت له ما افترضت عليه من حقى فهب له ما أفترضت عليه من حقك فانت أحق بالحق منى. وأما خبر نفيه إلى الربذة: فاعلم أن الذى عليه اكثر أرباب السير وعلماء الاخبار والنقل ان عثمان نفى ابا ذر اولا إلى الشام ثم استقدمه إلى المدينة لما شكا منه معاوية ثم نفاه من المدينة إلى الربذة لما عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام وأصل هذه الواقعة أن عثمان أعطى مروان بن الحكم وغيره بيوت الأموال وأختص زيد بن ثابت بشئ منها جعل أبو ذر يقول بين الناس وفى الطرقات والشوارع (بشر الكافرين بعذاب اليم) ويرفع بذلك صوته ويتلو قوله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) فرفع ذلك إلى عثمان مرارا " وهو ساكت ثم انه أرسل مولى من مواليه أن أنته عما بلغني عنك فقال أبو ذر أينهاني عن قراءة القرآن كتاب الله وعيب من ترك أمر الله فوالله لان أرضى الله بسخط عثمان أحب إلى وخير لى من أن أسخط الله برضى عثمان فاغضب ذلك عثمان واحفظه فتصابر وتماسك إلى أن قال عثمان يوما " والناس حوله أيجوز للأمام ان يأخذ من المال شيئا " قرضا " فإذا أيسر
________________________________________
[ 243 ]
قضاه فقال كعب الأحبار لا بأس بذلك فقال أبو ذر يابن اليهودية أتعلمنا ديننا فقال عثمان قد كثر اذاك وتو لعك باصحابي الحق بالشام فاخرجه إليها فكان أبو ذر ينكر على معاوية اشياء يفعلها فبعث إليه معاوية يوما ثلاثمائة دينار فقال أبو ذر لرسوله ان كانت من عطائي الذى حرمتموني اياه عامى هذا قبلتها وان كانت صلة فلا حاجة لى فيها وردها عليه ثم بنى معاوية الخضراء بدمشق فقال أبو ذر يا معاوية ان كانت هذه من مال الله فهى الخيانة وان كانت من مالك فهى الاسراف وكان أبو ذر يقول بالشام والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وآله والله انى لأرى حقا " يطفا وباطلا يحيى وصادقا " مكذبا " واثرة بغير تقى وصالحا مستأثرا " عليه فقال حبيب بن مسلمة الفهرى لمعاوية ان اباذر لمفسد عليكم الشام فتدارك أهله ان كان لك فيه حاجة. وروى أبو عثمان الجاحظ في كتاب السفيانية عن جلام بن جندب الغفاري قال كنت عاملا لمعاوية على قنسرين والعواصم في خلافة عثمان فجئت يوما اسأله عن حال عملي إذ سمعت صارخا على باب داره يقول أتتكم القطار تحمل النار اللهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له فارتاب معاوية وتغير لونه وقال يا جلام أتعرف الصارخ فقلت اللهم لا قال من عذيري من جندب بن جنادة يأتينا كل يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت ثم قال ادخلوه على فجئ بابى ذر بين قوم يقودونه حتى وقف بين يديه فقال له معاوية يا عدو الله وعدو رسوله تأتينا في كل يوم فتصنع ما تصنع اما انى لو كنت قاتل رجل من أصحاب محمد من غير أذن أمير المؤمنين عثمان لقتلتك ولكني استأذن فيك قال جلام وكنت أحب ان أرى ابا ذر لانه رجل من قومي فالتفت إليه فإذا رجل أسمر ضرب من الرجال خفيف العارضين في ظهره حناء فاقبل على معاوية وقال ما انا بعد والله ولا رسوله بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله أظهرتما الاسلام وأبطنتما الكفر ولقد لعنك رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا عليك امرت
________________________________________
[ 244 ]
ان لا تشبع. سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إذا ولى الامة الاعين الواسع البلعوم الذى يأكل ولا يشبع فلتأخذ الأمة حذرها منه فقال معاوية ما انا ذلك الرجل قال أبو ذر بل أنت ذلك الرجل أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله سمعته يقول وقد مررت به اللهم العنه ولا تشبعه الا بالتراب وسمعته صلى الله عليه وآله يقول است معاوية في النار فضحك معاوية وأمر بحبسه وكتب إلى عثمان فيه فكتب عثمان إلى معاوية ان أحمل جندبا " الى على أغلظ مركب وأوعره فوجه به مع من سار به الليل والنهار وحمله على شارف ليس عليها قتب حتى قدم به إلى المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد فلما قدم بعث إليه عثمان ان الحق باى أرض شئت قال بمكة قال لا قال بيت المقدس قال لا قال باحد المصرين قال لا ولكني مسيرك إلى الربذة فسيره إليها فلم يزل بها حتى مات. وفى (رواية الواقدي): ان أبا ذر لما دخل على عثمان قال له: لا أنعم الله بقين عينا " * نعم ولا لقاه يوما " زينا تحية السخط إذا القينا فقال أبو ذر رضى الله عنه: ما عرفت اسمى قينا قط، وفى رواية أخرى لا أنعم الله بك عينا يا جندب، فقال أبو ذر: انا جندب وسماني رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله فاخترت اسم رسول الله سمانى على أسمى، فقال له عثمان أنت الذى تزعم إنا نقول يد الله مغلولة وان الله فقير ونحن أغنياء فقال أبو ذر لو كنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال الله على عباده ولكني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا وعباده خولا ودينه دخلا فقال عثمان لمن حضر سمعتموها من رسول الله قالوا لا قال عثمان ويلك يا ابا ذر اتكذب على رسول الله فقال أبو ذر لمن حضر ما تدرون انى صدقت قالوا لا والله ما ندرى فقال عثمان أدعو لى عليا " " ع " فلما جاء قال عثمان لأبى ذر أقصص عليه حديثك في بنى أبى العاص فاعاده فقال
________________________________________
[ 245 ]
عثمان لعلى " ع " اسمعت هذا من رسول الله فقال على سمعت رسول الله يقول ما أظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء من ذى لهجة أصدق من ابى ذر فقال من حضر أما هذا فقد سمعناه كلنا من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أبو ذر أحدثكم انى سمعت هذا من رسول الله فتتهوموني ما كنت اظن انى أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمد (ص). وروى الواقدي في خبر آخر باسناده عن صهبان مولى الاسلميين قال: رأيت اباذر يوم دخل به على عثمان فقال له أنت الذى قلت وفعلت فقال أبو ذر نصحتك فاستغششتنى ونصحت صاحبك فاستغشني قال عثمان كذبت ولكنك تريد الفتنة وتحبها قد أنغلت الشام علينا فقال له أبو ذر أتبع سنة صاحبك لا يكن لاحد عليك ملام فقال عثمان مالك وذلك لا ام لك قال أبو ذر ما وجدت لى عذرا " إلا الامر بالمعروف والنهى عن المنكر فغضب عثمان وقال اشيروا على في هذا الشيخ الكذاب اما ان أضربه أو أحبسه أو أقتله فانه قد فرق جماعة المسلمين أو أنفيه من أرض الأسلام فتكلم على " ع " وكان حاضرا " فقال انى أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون فان يك كاذبا " فعليه كذبه وإن يك صادقا " يصبكم بعض الذى يعدكم ان الله لا يهدى من هو مسرف كذاب فاجابه عثمان بجواب غليظ وأجابه على " ع " بمثله ولم نذكر الجوابين تذمما منهما. قال الواقدي ثم ان عثمان فطن على الناس ان يقاعدوا اباذر ويكلموه فمكث كذلك اياما ثم اتى به فوقف بين يديه فقال أبو ذر ويحك يا عثمان اما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله ورأيت ابا بكر وعمر هل هديك كهديهم اما انك لتبطش بى بطش جبار فقال عثمان أخرج عنا من بلادنا فقال أبو ذر ما أبغض إلى جوارك قال أين أخرج قال حيث شئت قال أخرج إلى الشام أرض الجهاد قال انما جلبتك من الشام لما أفسدتها أفاردك إليها قال أخرج إلى العراق قال لا أنك أن تخرج إليها بقدم على قوم أولى شبهة وطعن على الائمة والولاة قال فاخرج إلى
________________________________________
[ 246 ]
مصر قال لا قال فالى اين أخرج قال إلى البادية قال أبو ذر أصير بعد الهجرة أعرابيا " قال نعم قال أبو ذر فاخرج إلى بادية نجد، قال عثمان بل إلى الشرق الا بعد الاقصى فاقصى أمض على وجهك هذا فلا تعدون الربذة فخرج إليها. وروى الواقدي أيضا " عن مالك ابن ابى الرجال عن موسى بن ميسرة ان ابا الاسود الدؤلى قال كنت أحب لقاء ابى ذر لاسأله عن سبب خروجه إلى الربذة فجئته فقلت له الا تخبرني أخرجت من المدينة طائعا " أم خرجت مكرها فقال كنت في ثغر من ثغور المسلمين اغى عنهم فاخرجت إلى المدينة فقلت دار هجرتى واصحابي فاخرجت من المدينة إلى ما ترى ثم قال بينا انا ذات ليلة نائم في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله إذ مر بى فضربني برجله وقال لا اراك نائما في المسجد فقلت بأبى أنت وأمى غلبتني عينى فنمت فيه فقال صلى الله عليه وآله فكيف تصنع إذا اخرجوك منه قلت أذن الحق بالشام فانها أرض مقدسة وارض الجهاد قال فكيف تصنع إذا أخرجت منها قلت أرجع إلى المسجد قال صلى الله عليه وآله فكيف تصنع إذا أخرجوك منه قلت آخذ سيفى فاضربهم به فقال الا ادلك على خير من ذلك انسق معهم حيث ساقوك وتسمع وتطيع وانا اسمع واطيع وتالله ليلقين الله عثمان وهو آثم في جنبى وروى على بن ابراهيم في تفسيره ان ابا ذر (رض) دخل على عثمان وكان عليلا متوكئا على عصاه وبين يدى عثمان مائة الف درهم قد حملت إليه من بعض النواحى وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون ان يقسمها فيهم فقال أبو ذر (رض) لعثمان ما هذا المال فقال عثمان مائة ألف درهم حملت إلى من بعض النواحى اريد ان أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأيى فقال أبو ذر (رض) لعثمان يا عثمان ايما اكثر مائة الف درهم أو أربعة دنانير فقال بل مائة الف درهم فقال اما تذكر انى انا وأنت دخلنا على رسول الله عشاء فرأيناه كثيبا حزينا فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام فلما أصبحنا أتينا فرأيناه ضاحكا مستبشرا " فقلنا له بابائنا وأمهاتنا
________________________________________
[ 247 ]
نفديك دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيبا " حزينا " وعدنا اليك اليوم فرأيناك ضاحكا " مستبشرا " فقال نعم كان بقى عندي من فيئى المسلمين أربعة دنانير لم اكن قسمتها وخفت ان يدركنى الموت وهى عندي وقد قسمتها اليوم فاسترحت فنظر إلى كعب الأحبار فقال له يا ابا بحر ما تقول في رجل ادى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شئ فقال لا لو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شئ فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يابن اليهودية الكافرة ما أنت والنظر في أحكام المسلمين قول الله أصدق من قولك حيث قال الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله الآية فقال عثمان يا ابا ذر انك شيخ خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول صلى الله عليه وآله لقتلتك فقال يا عثمان أخبرني حبيبي رسول الله فقال لا يفتنونك ولا يقتلونك واما عقلي فقد بقى منه ما أحفظ حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك وفى قومك فقال وما سمعت من رسول الله قال سمعته يقول إذا بلع آل ابى العاص ثلاثين رجلا صيروا مال الله دولا وكتاب الله دخلا وعباده خولا الفاسقين حزبا " والصالحين حربا " فقال عثمان يا معشر أصحاب رسول الله محمد هل سمع احد منكم هذا من رسول الله فقالوا لا فقال عثمان ادعوا عليا " فجاء أمير المؤمنين " ع " فقال له عثمان يا ابا الحسن أنظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب فقال أمير المؤمنين لا تقل كذاب فانى سمعت رسول الله يقول ما أظلت الخضراء وما اقلت الغبراء أصدق لهجة من ابى ذر فقال أصحاب رسول الله صدق أبو ذر فقد سمعنا هذا من رسول الله فبكى أبو ذر عند ذلك فقال عثمان يا ابا ذر اسألك بحق رسول الله إلا ما أخبرتني عن شئ اسألك عنه فقال أبو ذر والله لو لم تسألني بحق رسول الله لاخبرتك فقال أي البلاد أحب اليك ان تكون فيها فقال مكة حرم الله وحرم رسوله ا عبد الله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا ولا كرامة لك فقال المدينة فقال لا ولا كرامة لك قال فسكت أبو ذر فقال عثمان أي البلاد أبغض اليك تكون فيها
________________________________________
[ 248 ]
فقال الربذة التى كنت فيها على غير دين الاسلام فقال عثمان سر إليها فقال أبو ذر صدق الله ورسوله صلى الله عليه وآله. وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهرى في كتاب السقيفة عن عبد الرزاق عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال لما خرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودى في الناس ان لا يكلم أحد اباذر ولا يشيعه وأمر مروان بن الحكم ان يخرج به فخرج به ونحاماه الناس إلا على بن أبى طالب وعقيلا أخاه وحسنا " وحسينا " وعمارا فانهم خرجوا معه يشيعونه فجعل الحسن يكلم ابا ذر فقال له مروان أيها يا حسن ألا تعلم ان الامير قد نهى عن كلام هذا الرجل فان كنت لا تعلم فاعلم ذلك فحمل على مروان فضرب بالسوط بين اذنى راحلته وقال تنح لحاك الله إلى النار فرجع مروان مغضبا " إلى عثمان فتلظى على على " ع " ووقف أبو ذر فودعه القوم ومعه ذكو ان مولى أم هاني بنت أبى طالب " ع " قال ذكوان فحفظت كلام القوم وكان حافظا " فقال على " ع " يا ابا ذر انك غضبت لله ان القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك فامتحنوك بالقلى ونفوك إلى الفلا والله لو كانت السموات والارض على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل له منها مخرجا " يا اباذر لا يونسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل ثم قال لأصحابه ودعوا عمكم وقال لعقيل ودع أخاك فتكلم عقيل فقال ما عسى أن نقول يا ابا ذر أنت تعلم انا نحبك وأنت تحبنا فاتق الله فان التقوى نجاة واصبر فان الصبر كرم واعلم ان استثقالك الصبر من الجزع واستبطانك العافية من اليأس فدع اليأس والجزع ثم تكلم الحسن " ع " فقال يا عماه لولا انه لا ينبغى للمودع ان يسكت وللمشيع ان ينصرف لقصر الكلام وان طال الاسف وقد اتى القوم اليك ما ترى فضع عنك الدنيا بتذكر فراقها وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها واصبر حتى تلقى نبيك صلى الله عليه وآله وهو عنك راض، ثم تكلم الحسين " ع " فقال يا عماه ان الله تعالى قادر على أن يغير ما ترى والله كل يوم هو في شأن وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك فما
________________________________________
[ 249 ]
اغناك عما منعوك وأحوجهم إلى ما منعتهم فاسأل الله الصبر والنصر واستعذبه من الجشع والجزع فان الصبر من الدين والكرم وان الجشع لا يقدم رزقا " والجزع لا يؤخر، أجلا ثم تكلم عمار مغضبا " فقال لا آنس الله من أوحشك ولا آمن من أخافك اما والله لو اردت دنياهم لآمنوك ولو رضيت أعمالهم لاحبوك وما منع الناس ان يقولوا بقولك الا الرضا بالدنيا والجزع من الموت ومالوا إلى ما مال إليه سلطان جماعتهم والملك لمن غلب فوهبوا لهم دينهم ومنحهم القوم دنياهم فخسروا الدنيا والاخرة الا ذلك هو الخسران المبين، فبكى أبو ذر وكان شيخا " كبيرا " وقال رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله صلى الله عليه وآله مالى بالمدينة سكن ولا شجن غيركم انى ثقلت على عثمان بالحجاز ثم ثقلت على معاوية بالشام وكره ان اجاور أخاه وابن خاله بالمصرين فافسد الناس عليهما فسيرني إلى بلد ليس لى به ناصر ولا دافع إلا الله والله ما اريد إلا الله صاحبا ولا أخشى مع الله وحشة ورجع القوم إلى المدينة فجاء على " ع " إلى عثمان فقال له عثمان ما حملك على رد رسولي وتصغير أمرى فقال على " ع " أما رسولك فاراد ان يرد وجهى فرددته واما أمرك فلم أصغره قال أو ما بلغك نهيى عن كلام ابى ذر قال أو كلما أمرت بامر معصية أطعناك فيه قال عثمان أقد مروان من نفسك قال مم ذا قال من شتمه وجذب راحلته قال اما راحلته فراحلتي بها واما شتمه اياى فوالله لا تشتمني شتمة إلا شتمتك مثلها لا اكذب عليك فغضب عثمان وقال: لم لا يشتمك كانك خير منه قال على " ع " أي والله ومنك ثم قام فخرج فارسل عثمان إلى وجوه المهاجرين والانصار والى بنى أمية يشكو إليهم عليا " " ع " فقال القوم أنت الوالى عليه واصلاحه أجمل قال وددت ذلك فاتوا عليا " " ع " فقالوا لو اعتذرت إلى مروان وأتيته فقال " ع ": كلا أما مروان فلا آتيه ولا اعتذر منه ولكن إن أحب عثمان اتيته فرجعوا إلى عثمان فاخبروه فارسل عثمان إليه فاتاه ومعه بنو هاشم كلهم فتكلم على " ع " فحمد الله واثنى عليه ثم قال أما ما وجدت على
________________________________________
[ 250 ]
فيه من كلام ابى ذر ووداعه فوالله ما اردت مسائتك ولا الخلاف عليك ولكن أردت به قضاء حقه وأما مروان فانه أعترض يريد ردى عن قضاء حق الله تعالى فرددته رد مثلى مثله وأما ما كان منى اليك فانك أغضبتني فاخرج الغضب منى ما لم أرده فتكلم عثمان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما ما كان منك إلى فقد وهبته لك وأما ما كان منك المروان فقد عفى الله عنك وأما ما حلفت عليه فانت البر الصادق فادن يدك فاخذ يده فضمها إلى صدره فلما نهض قالت قريش وبنو أمية لمروان أما أنت فقد جبهك على وضرب راحلتك وقد تفانت وائل في ضرع ناقة وذبيان وعبس في لطمة فرس والأوس والخزرج في نسعه أفتحمل لعلى ما أتاه اليك فقال مروان فوالله لو أردت ذلك قدرت عليه. وروى أن عبد الله بن مسعود لما بلغه خبر نفى أبى ذر إلى الربذة وهو إذ ذاك بالكوفة قال في خطبة بمحفل من أهل الكوفة فهل سمعتم قول الله تعالى ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا " منكم من ديارهم يعرض بذلك بعثمان فكتب الوليد بذلك لعثمان فأشخصه من الكوفة فلما دخل مسجد النبي صلى الله عليه وآله أمر عثمان غلاما " له أسود فدفع ابن مسعود وأخرجه من المسجد ورمى به الارض وأمر باحراق مصحفه وجعل منزله حبسه وحبس عنه عطاءه أربع سنين إلى أن مات. وروى شهر ابن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم قال كنت عند أبى الدرداء إذ دخل عليه رجل من المدينة فسأله فقال اين تركت اباذر فقال بالربذة فقال انا لله وإنا إليه راجعون لو ان اباذر قطع منى عضوا ما هجيته لما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيه. وروى بعض المؤرخين قال لما أمر أبو ذر بالمسير إلى الربذة سار إليها فاقام بها اياما ثم اتى المدينة فدخل على عثمان والناس عنده سماطين فقال يا أمير المؤمنين انك أخرجتني إلى أرض ليس بها زرع ولا ضرع وليس لى خادم يخدمني
________________________________________
[ 251 ]
إلا مخدرة ولا ظل يظلنى إلا ظل شجرة فاعطني خادما " وغنيمات أعيش بها فحول وجهه عنه فتحول إلى السماط الآخر فقال مثل ذلك فقال له حبيب بن سلمة لك عندي يا اباذر الف درهم وخادم وخمس مائة شاة فقال أبو ذر أعط خادمك والفك وشويهاتك إلى من هو أحوج منى إلى ذلك فانى إنما أسأل حقى في كتاب الله تعالى فجاء على " ع " فقال له عثمان الا تغنى عنا سفيهك هذا قال " ع " أي سفيه قال أبو ذر قال على " ع " ليس بسفيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبى ذر أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون أن يك كاذبا " فعليه كذبه وان يك صادقا " يصبكم بعض الذى يعدكم قال عثمان التراب في فيك قال على " ع " التراب في فيك أنشد بالله ممن سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك لأبى ذر فقام أبو هريرة وغيره فشهدوا بذلك فولى على ولم يجلس. ومن كلام أبى ذر (رض) الدنيا ثلاث ساعات ساعة مضت وساعة أنت فيها وساعة لا تدرى اتدركها أم لا فلست تملك بالحقيقة إلا ساعة واحدة إذا الموت من ساعة إلى ساعة. وروى أنه قال قتلني هم يوم لم أدركه قيل وكيف ذلك يا أبا ذر قال ان أملى جاوز أجلى. وعن ابى عبد الله عن أبيه " ع " أنه قال في خطبة أبى ذر يا مبتغى العلم لا يشغلك أهل ومال عن نفسك، أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت إلى غيرهم، الدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره، وما بين البعث والموت إلا كنومة تمتها ثم أستيقظت منها، يا جاهل العلم تعلم العلم فان قلبا ليس فيه شرف العلم كالبيت الخراب الذى لا عامر له. عن أبى جعفر " ع " عن أبى ذر أنه قال يا باغى العلم قدم لمقامك بين يدى الله فانك مرتهن بعملك كما ندين تدان، يا باغى العلم صل قبل أن لا تقدر على ليل ولا نهار تصلى فيه، إنما مثل الصلاة لصاحبها كمثل رجل دخل على ذى سلطان فانصت
________________________________________
[ 252 ]
له حتى فرغ من حاجته وكذلك المرء المسلم باذن الله مادام في الصلاة لم يزل الله ينظر إليه حتى يفرغ من صلاته: يا باغى العلم تصدق قبل ان لا تعطى شيئا " ولا جمعه، إنما مثل الصدقة وصاحبها مثل رجل طلبه قوم بدم فقال لهم لا تقتلوني أضربوا لى أجلا أسعى في رجالكم كذلك المرء المسلم باذن الله كلما تصدق بصدقة حل بها عقدة من رقبته حتى يتوفى الله أقواما " وهو عنهم راض ومن رضى الله عنه فقد أمن من النار: يا باغى العلم ان هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شرفا ختم على فمك كما تختم على ذهبك وعلى رزقك، يا باغى العلم ان هذه الامثال ضربها الله للناس وما يلعقها إلا العالمون. وأخرج الكشى عن حلام بن أبى ذر الغفاري وكانت له صحبة قال مكث أبو ذر (ره) بالربذة حتى مات فلما حضرته الوفاة قال لأمرأته إذبحي شاة من غنمك فاصنعيها فإذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق فاول ركب تريهم قولى يا عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قد قضى نحبه ولقى ربه فأعينوني عليه وأجيبوه فان رسول الله أخبرني انى أموت في أرض غربة وأنه يلى غسلى ودفني والصلاة على رجال من أمتى صالحون. وعن محمد بن علقمة الأسود النخعي قال خرجت في رهط أريد الحج منهم مالك بن الحرث الأشتر وعبد الله بن الفضل التميمي ورفاعة بن شداد البجلى حتى قدمنا الربذة فإذا أمرأة على قارعة الطريق تقول يا عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله قد هلك غريبا " ليس له أحد يعيننى عليه قال فنظر بعضنا إلى بعض وحمدنا الله على ما ساق الينا وأسترجعنا على عظم المصيبة ثم أقبلنا معها فخهزناه وتنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء وتعاونا على غسله حتى فرغنا منه ثم قدمنا مالك الأشتر فصلى عليه ثم دفناه فقام الأشتر على قبره ثم قال اللهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله عبدك في العابدين وجاهد فيك المشركين لم يغير ولم يبدل لكنه رأى منكرا " فغيره بلسانه وقلبه حتى جفى ونفى
________________________________________
[ 253 ]
وحرم وأحتقر ثم مات وحيدا " غريبا " اللهم فاقصم من حرمه ونفاه من مهاجرة حرم الله وحرم رسول الله قال فرفعنا أيدينا جميعا وقلنا " آمين فقدمت الشاة التى صنعت فقالت أنه أقسم عليكم ان لا تبرحوا حتى تتغدوا فتغدينا وأرتحلنا. وذكر أبو عمرو بن عبد البر في كتاب الاستيعاب قال لما حضرت ابا ذر الوفاة وهو بالربذة بكت زوجة ابى ذر فقال ما يبكيك فقالت ما لى لا أبكى وأنت تموت بفلاة من أرض وليس عندي ثوب بسعك كفنا ولا بدلى من القيام بجهازك فقال أبشرى ولا تبكى فانى سمعت رسول الله يقول لا يموت بين أمرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فلا يريان النار أبدا وقد مات لنا ثلاثة من الولد وسمعت أيضا " رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لنفر أنا فيهم ليموتن أحدكم بفلاة من الارض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة وانا لا أشك أنى ذلك الرجل والله ما كذب ولا كذبت فانظري الطريق قالت أم ذر فقلت أنى وقد ذهب الحاج وتقطعت الطريق فقال: أذهى وتبصري قالت فكنت أشتد إلى الكثيب فاصعد وأنظر ثم أرجع إليه فامرضه فبينما انا وهو على هذه الحالة إذ أنا برجال على ركابهم كأنهم السرخم تخب بهم رواحلهم فاسرعوا إلى حتى وقفوا على وقالوا يا أمة الله مالك فقلت أمرؤ من المسلمين يموت تكفنونه قالوا ومن هو ؟ قلت أبو ذر قالوا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قلت نعم قالت ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه فقال: إنى أبشروا سمعت رسول الله يقول لنفر أنا فيهم ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر الا وقد هلك في قرية وجماعة والله ما كذبت ولا كذبت ولو كان عندي ثوب يسعنى كفنا لى أو لامرأتي لم لم اكفن إلا في ثوب هو لى ولها وانشدكم الله أن ألا يكفنني رجل منكم كان عريفا أو أميرا " أو بريدا " أو نقيبا قالت وليس في أولئك النفر إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار قال له انا أكفنك يا عم في ردائي هذا وفى ثوبين معى
________________________________________
[ 254 ]
في عيبتي من غزل أمي فقال أبو ذر أنت فكفني فمات فكفنه الانصاري. قال أبو عمرو كان النفر الذين حضروا موت أبى ذر بالربذة مصادفة جماعة منهم حجر بن الأدبر ومالك بن الحارث الأشتر (ره). قلت: حجر بن الأدبر هو حجر بن عدى الذى قتله معاوية وهو من أعلام الشيعة وعظمائها وستأنى ترجمته ان شاء الله تعالى. وفى معالم التنزيل: ان ابا ذر " ره " لما أخرجه عثمان إلى الربذة فادركته بها منيته ولم يكن أحد معه إلا أمرأته وغلامه فاوصاهما ان أغسلاني وكفناني ثم ضعاني على قارعة الطريق فاول ركب يمر بكم فقولا له هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فأعينوني على دفنه فلما مات فعلا فاقبل عبد الله بن مسعود في رهط من العراق فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الابل تطأها وقام إليه الغلام وقال هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فأعينوني على دفنه فاستهلت عين ابن مسعود يقول صدق رسول الله صلى الله عليه وآله تمشى وحدك وتموت وحدك ونبعث وحدك ثم نزل هو واصحابه فواروه بالتراب ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله في مسيره إلى تبوك وكانت وفاة أبى ذر (ره) في سنة احدى وقيل أثنين وثلاثين من الهجرة في خلافة عثمان. والغفاري بكسر الغين المعجمة وفتح الفاء بعد الألف راء مهملة إلى بنى غفار على وزن كتاب وهو غفار بن مليل بن ضمرة بطن من كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. والربذة: التى نفى إليها أبو ذر هي بفتح الراء المهملة والباء الموحدة والذال المعجمة على وزن قصبة، قال في القاموس هي مدفن ابى ذر الغفاري قرب المدينة وقال الفيومى في المصباح هي قرية كانت عامرة في صدر الأسلام وبها قبر أبى ذر الغفاري وهى في وقتنا هذا دارسة لا يعرف بها رسم وهى من المدينة في جهة الشرق على طريق الحاج نحو ثلاثة أيام هكذا أخبرني به جماعة من أهل المدينة
________________________________________
[ 255 ]
في سنة ثلاثة وعشرين وسبعمائة. (أبو اليقظان عمار) بعين مهملة مفتوحة فميم مشددة فراء ابن ياسر بمثناة تحتية وبعد الالف سين مهملة وراء. ابن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن الوذيم بفتح الواو كسر الذال المعجمة وبعدها ياء مثناة تحتية واخره ميم ويقال الوذين بالنون ابن تغلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بمثناة تحتية على وزن سام بن عنس بفتح العين المهملة وسكون النون وبعدها سين مهملة ابن مالك وهو مذحج بن أدد بن زيد بن يشجب المذحجي العنسى مولى بنى مخزوم. قال أبو عمرو في كتاب الاستيعاب كان ياسر والد عمار بن ياسر عربيا " قحطانيا " من عنس في مذحج الا ان أبنه عمار كان مولى لبنى مخزوم لأن اباه ياسر قدم مع أخوين له يقال لهما الحرث ومالك في طلب أخ لهم رابع فرجع الحرث ومالك إلى اليمن واقام ياسر بمكة فحالف ابا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر المخزومى فزوجه أبوه حذيفة أمة له يقال لها سمية فأولدها عمارا " فمن هاهنا كان عمار مولى بنى مخزوم وأبوه عربي قحطاني لا يختلفون في ذلك وللحلف والولاء الذى بين بنى مخزوم وعمار وأبيه ياسر كان أجتماع بنى مخزوم على عثمان حين نال غلمان عثمان من عمار ما نالوا من الضرب حتى ناله فتق في بطنه وكسروا ضلعا " من اضلاعه فاجتمعت بنوا مخزوم وقالوا والله لئن مات لاقتلنا به أحدا " غير عثمان. وكان عمار رضى الله عنه آدم طويلا مضطربا أشهل العينين بعيد ما بين المنكبين لا يغير شيبته. قال أبو عمر ولم يزل عمار مع حذيفة بن المغيرة حتى مات وجاء الله بالاسلام فاسلم عمار وعبد الله أخوه وياسر أبوهما وسمية أمهما وكان أسلامهم
________________________________________
[ 256 ]
قديما " في أول الأسلام. وقال غيره أسلم عمار بعد بضعة وثلاثين رجلا والنبى في دار الأرقم بن أبى الارقم وكان يعذب هو وأخوه وأبوهما وأمهما في الله عذابا " عظيما " وكان رسول الله يمر بهم وهم يعذبون فيقول صبرا " يا آل ياسر فان موعدكم الجنة ويقول لهم صبرا " يا آل ياسر اللهم أغفر لآل ياسر وقد فعلت وكانت سمية أم عمار من الخيرات الفاضلات وهى أول شهيدة في الاسلام وقد كانت قريش أخذت ياسرا " وسمية وأبنيهما وبلال وجنابا وصهيبا " فالبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ فاعطوهم ما سألوا من الكفر وسب النبي صلى الله عليه وآله بالسنتهم وأطمأن الأيمان في قلوبهم ثم جاء إلى كل واحد منهم قومه بانطاع الأدم فيها الماء فالقوهم فيها ثم حملوا بجوانبها فلما كان العشى جاء أبو جهل فجعل يشتم سمية ويرفث ثم وجأها بحربة في قلبها فماتت وهى أول من أستشهد في الاسلام فقال عمار للنبى صلى الله عليه وآله يا رسول الله بلغ العذاب من أمي كل مبلغ فقال صبرا يا ابا اليقظان اللهم لا تعذب أحدا " من آل ياسر بالنار وفيهم انزل (ألا من اكره وقلبه مطمئن بالأيمان). قال أبو عمرو: هذا مما أجمع أهل التفسير عليه. وهاجر عمار مع النبي إلى المدينة فكان من المهاجرين الأولين وصلى القبلتين وشهد بدرا " والمشاهد كلها وأبلى بلاء حسنا " وأختلف في هجرته إلى الحبشة فقال أبو عمرو أنه هاجر إليها وقيل لم يهاجر. روى ابن عباس أنه قال في قوله تعالى (أو من كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس) انه عمار بن ياسر (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) أنه أبو جهل بن هشام. وعن على " ع " قال: أستأذن عمار على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أئذنوا له مرحبا " بالطيب ابن الطيب.
________________________________________
[ 257 ]
وعنه " ع " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول عمار ملئ إيمانا " إلى مشاشه. وعن خالد بن الوليد قال كان بينى وبين عمار كلام فاغلظت له فشكاني إلى رسول الله فقال من عادى عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الجنة تشتاق إلى ثلاثة على وعمار وسلمان. وعن على " ع " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله دم عمار ولحمه وعظمه حرام على النار. وعن عائشة أنها قالت ما من احد من أصحاب رسول الله اشاء إن أقول فيه إلا قلت إلا عمار بن ياسر انى سمعت رسول الله يقول عمار ملئ ايمانا " إلى أخمص قدميه. قال عبد الرحمن بن أبزى شهدنا مع على " ع " صفين ثمان مائة ممن بايع بيعة الرضوان قتل منا ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر (رض). روى الأعمش عن أبى عبد الرحمن السلمى قال شهدنا مع على صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله يتبعونه كأنه علم لهم. وروى أن مسعود البدوى وطائفة قالوا لحذيفة حين أحتضر وقد ذكر الفتنة إذا أختلف الناس فبمن تامر قال عليكم بابن سمية فانه لن يفارق الحق حتى يموت أو قال فانه يزول مع الحق حيث زال. قال أبو عمرو بعضهم يجعل هذا الحديث عن حذيفة مرفوعا. وعن أبانة العكبرى عن النبي صلى الله عليه وآله ما خير عمار بين أمرين الا أختار أشدهما. وعن أبى بكر بن عياش في قوله تعالى (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا " وقائما ") قال عمار. وروى أبو بكر بن مردويه في كتابه والواحدي في أسباب النزول قال
________________________________________
[ 258 ]
ابن عباس وقتادة لما هاجر النبي أسر أبو جهل عمارا " وجعل يمسح رأسه وعفره وبقر بطن أمه وجعل يقول سب محمدا " أو لاقتلنك فسبه ونجا وهرب فقال قومه عند النبي كفر عمار فقال النبي أن عمارا ملئ إيمانا " من قرنه إلى قدمه وأختلط الأيمان بلحمه ودمه، وجاء عمار إلى النبي باكيا فقيل له كيف أفلت قال وكيف يفلت من يسب رسول الله صلى الله عليه وآله ويذكر آلهتم بخير فجعل النبي يمسح عينيه ويقول ان عادوا لك فعد لهم بما قلت فجاء جبرئيل " ع " يقول (إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان). وعن أحمد بن يونس قال سمعت ابا بكر بن عياش في قوله (امن هو قانت آناء الليل ساجدا ") قال ساعات الليل ساجدا " وقائما " يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قال عمار (هل يستوى الذى يعلمون) قال عمار (والذين لا يعلمون) قال مواليه بنى المغيرة. وأخرج الكشى في رجاله عن فضيل الرسان قال سمعت ابا داود وهو يقول حدثنى بريدة الأسلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الجنة تشتاق إلى ثلاثة قال فجاء أبو بكر فقيل له يا ابا بكر أنت الصديق وأنت ثانى أثنين أذ هما في الغار فلو سألت رسول الله صلى الله عليه وآله من هولاء الثلاثة قال أنى أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فتعيرني بذلك بنو تيم قال ثم جاء عمر فقيل له يا ابا حفص ان رسول الله قال ان الجنة تشتاق إلى ثلاثة وأنت الفاروق أنت الذى ينطق الملك على لسانك فلو سألت رسول الله من هؤلاء الثلاثة فقال انى أخاف ان أسأله فلا أكون منهم فيعيرني بذلك بنو عدى ثم جاء على " ع " فقيل له يا ابا الحسن ان رسول الله قال ان الجنة لتشتاق إلى ثلاثة فلو سألته من هولاء الثلاثة فقال " ع " أسأله أن كنت منهم حمدت الله فان لم اكن منهم حمدت الله قال: فقال على " ع " يا رسول الله أنك قلت ان الجنة لتشتقاق إلى ثلاثة فمن هؤلاء قال أنت منهم وأنت أولهم وسلمان الفارسى فانه قليل الكبر وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك وعمار بن ياسر يشهد معك مشاهد غير واحدة ليس منها إلا وهو فيها كثير خيره ضئ نوره عظيم أجره.
________________________________________
[ 259 ]
وعن جعفر بن معروف قال حدثنا الحسن بن على بن نعمان عن أبيه عن صالح الحذاء قال لما أمر النبي ببناء المسجد قسم عليهم المواضع إلى كل رجل رجلا فضم عمار إلى على " ع " فبيناهم في علاج البناء إذ خرج عثمان عن داره وارتفع الغبار فتمنع بثوبه وأعرض بوجهه قال: فقال على " ع " لعمار إذا قلت شيئا فرد على قال: فقال عليه السلام من كلامه: لا يستوى من يعمر المساجدا * يظل فيها راكعا " وساجدا " ومن يرى عن الطريق حائدا قال فاجابه عمار كما قال فغضب عثمان من ذلك فلم يستطع ان يقول لعلى شيئا فقال لعمار يا عبد يالكع ومضى فقال على " ع " لعمار هنيت بما قال لك الا تأتى النبي فتخبره قال فاتاه فاخبره فقال يا نبى الله ان عثمان قال لى يالكع فقال رسول الله من يعلم ذلك قال على " ع " قال فدعاه وسأله فقال له كما قال عمار فقال لعلى أذهب فقل له حيث ما كان يا عبد يالكع أنت القائل لعمار يا عبد يالكع فذهب على عليه السلام فقال له ذلك فانصرف. وعن على بن عقبة عن رجل عن أبى عبد الله " ع " قال كان رسول الله وعلى " ع " وعمار يعملون مسجدا " فمر عثمان في بزة له يخطر فقال على ارجز به فقال عمار: لا يستوى من يعمر المساجدا * يظل فيه راكعا " وساجدا " ومن تراه عائدا " معاندا " * عن الغبار لا يزال حائدا " قال فانى النبي (ص) فقال ما أسلمنا لتشتم أعراضنا وأنفسنا فقال رسول الله أفتمنن بذلك فنزلت آيتان " يمنون عليك إن أسلموا " الآية ثم قال النبي صلى الله عليه وآله لعلى " ع " اكتب هذا في صاحبك ثم قال النبي اكتب هذه الآية. انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله. وعن محمد بن أحمد بن حماد المروزى قال عمار بن ياسر الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد القته قريش في النار يا نار كونى بردا " وسلاما " على أبراهيم فلم يصبه
________________________________________
[ 260 ]
منها مكروه وقتلت قريش أبويه ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول صبرا " يا آل ياسر موعدكم الجنة ما تريدون من عمار، عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان عمار عمار جلدة بين عينى وانفى تقتله الفئة الباغية. وهو أول من بنى مسجدا " لله تعالى في الأسلام بنى مسجد قبا وكان الناس في بناء المسجد النبوى ينقلون لبنة لبنة وهو ينقل لبنتين لبنتين فغشى عليه فاتاه رسول الله فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول ويحك يابن سمية الناس ينقلون لبنة لبنة وأنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة في الآخرة. وعن حبيب بن أبى ثابت قال لما بنى المسجد جعل عمار يحمل حجرين حجرين فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله يا أبا اليقظان الا تشفق على نفسك قال يا رسول الله أنى أحب أن أعمل في هذا المسجد قال ثم مسح ظهره ثم قال أنك من أهل الجنة تقتلك الفئة الباغية. وعن مجاهد قال رآهم وهم يحملون حجارة المسجد فقال رسول الله مالهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وتلك دار الاشقياء والفجار. وروى الطبرسي في الاحتجاج عن ابان بن تغلب عن الصادق " ع " ان عمار بن ياسر قام حين تولى الخلافة أبو بكر فقال يا معاشر قريش يا معاشر المسلمين ان كنتم علمتم والا فاعلموا أن أهل بيت نبيكم أولى به وأحق بارئه وأقوم بامور الدين وآمن على المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح لأمته فمروا صاحبكم ليرد الحق إلى أهله قبل ان يضطرب حبلكم ويضعف امركم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفون فيما بينكم ويبلغ فيكم عدوكم فقد علمتم ان بنى هاشم أولى بهذا الأمر منكم وعلى " ع " من بينهم وليكم بعهد الله ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي أبوأبكم التى كانت إلى المسجد كلها غير بابه وإيثاره إياه بكريمته فاطمة " ع " دون من خطبها إليه منكم وقوله صلى الله عليه وآله انا مدينة الحكمة وعلى بابها فمن اراد الحكمة فليأتها من بابها وأنكم جميعا " مضطرون فيما أشكل
________________________________________
[ 261 ]
عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن عن كل أحد منكم إلى ماله من السوابق التى ليست لأفضلكم عند نفسه فمالكم تحيدون عنه وتغيرون على حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة بئس للظالمين بدلا أعطوه ما جعله الله له ولا تولوا عنه مدبرين ولا ترتدوا على (1) أدباركم فتنقلبوا خاسرين. وشهد عمار قتال اليمامة في زمن أبى بكر فاشرف على صخرة وقال يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون إلى إلى أنا عمار بن ياسر وقطعت أذنه وهو يقاتل أشد قتال. وأستعمله عمر على الكوفة وكتب معه إليهم كتابا مضمونه أنى بعثت اليكم عمار بن ياسر أميرا " وابن مسعود معلما " ووزيرا " وأنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله من أهل بدر فاسمعوا لهما وأقتدوا بهما وقد آثرتكم بهما على نفسي. وعن عبد الله بن أبى الهذيل قال رأيت عمارا " وقد أشترى قتا بدرهم فاستزاد حبلا فابى فجاذبه حتى قسمه نصفين وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة فقيل لعمران عمارا لا يحسن السياسة فعزله فلما ورد عليه قال له أسائك عزلنا إياك قال لئن قلت ذاك لقد سائنى حين أستعملتني وساءني حين عزلتني. وعن سالم بن أبى الجعد أن عمر جعل عطاء عمار ستة الآف. وروى الجوهرى قال قام عمار يوم بويع عثمان فنادى يا معشر المسملين إنا قد كنا وما كنا نستطيع الكلام قلة وذلة فاعزنا الله بدينه وأكرمنا برسوله فالحمد لله رب العالمين يا معشر قريش إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم تحولونه هاهنا مرة وهاهنا مرة ما أنا امن أن ينزعه الله منكم ويضعه في غيركم كما زعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله فقال له هشام بن المغيرة يابن سمية لقد عدوت طورك وما عرفت قدرك ما أنت وما رأت قريش لأنفسها أنك لست في شئ من أمرها وإمارتها فتنح عنها وتكلمت قريش باجمعها فصاحوا بعمار فانتهروه فقال
________________________________________
(1) في نسخة: على أعقابكم (*)
________________________________________
[ 262 ]
الحمد لله رب العالمين ما زال أعوان الحق اذلاء ثم قام فانصرف. قال الشعبى وأقبل عمار ينادى ذلك اليوم: يا ناعى الإسلام قم فانعه * قد مات عرف وبدا منكر أما والله لو أن لى أعوانا لقاتلهم والله لأن قاتلهم واحد لاكونن له ثانيا " فقال على " ع " يا ابا اليقظان والله لا اجد عليهم أعوانا " ولا أحب ان أعرضكم لما لا تطيقون. وروى عياش بن هشام الكلبى عن أبى مخنف في أسناده انه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلى وجوهر فاخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله فاظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلموه فيه بكل كلام شديد حتى أغضبوه فخطب فقال لنا خذن حاجتنا من هذا الفئ وان رغمت به أنوف أقوام فقال على عليه السلام اذن تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه فقال عمار أشهد الله ان أنفى أول راغم من ذلك فقال عثمان أعلى يابن ياسر تجترئ خذوه فاخذوه ودخل عثمان فدعا به وضربه حتى غشى عليه ثم أخرج فحمل حتى اتى به منزل أم سلمة (ره) فلم يصل الظهر والعصر والمغرب فلما افاق توضأ وصلى وقال الحمد لله ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله تعالى فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومى وكان عمار حليفا " لبنى مخزوم يا عثمان أما على فاتقيته وأما نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف اما والله لئن مات لاقتلن به رجلا من بنى أمية عظيم الشأن فقال عثمان وانك لها هنا يابن القسرية قال فانهما قسريتان - وكانت أم هشام وجدته قسريتين من نخلة - فشتمه عثمان وأمر به فاخرج فاتى به أم سلمه فإذا هي غضبت لعمار وبلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت ايضا " وأخرجت شعرا " من شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وفعلا من نعاله وثوبا " من ثيابه وقالت لأسرع ما تركتم من سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد. وروى آخرون ان السبب في ضرب عثمان لعمار انه مر بقبر جديد فسأل
________________________________________
[ 263 ]
عنه فقيل عبد الله بن مسعود فغضب عثمان على عمار لكتمانه اياه موته إذ كان المتولي للصلاة عليه والقيام بشأنه وعندها وطأه عثمان حتى أصابه الفتق. وروى آخرون ان المقداد وعمار وطلحة والزبير وعدة من أصحاب رسول الله أجتمعوا وهم خمسون رجلا من المهاجرين والأنصار فكتبوا كتابا " عددوا أحداث عثمان وما نقموا عليه وخوفوه به وأعلموه أنهم مواثبوه ان لم يقلع وقالوا لعمار أوصل هذا الكتاب لعثمان حتى يقرأه فلعله أن يرجع عن هذا الذى ننكره فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه ثم قال اعلى تقدم من بينهم فقال لأنى أنصحهم لك قال كذبت يابن سمية فقال عمار انا ابن ياسر فامر عثمان غلمانه فمدوا بيديه ورجليه وضربوه حتى أغمى عليه وكان ضعيفا " كبيرا " وقام إليه عثمان بنفسه ووطئ بطنه ومذاكيره برجليه وهما في الخفين حتى أصابه الفتق فاغمى عليه أربع صلوات فقضاها بعد الأفاقة فاتخذ لنفسه ثيابا تحت ثيابه وهو أول من لبس الثياب تحت الثياب لاجل الفتق فغضب لذلك بنو مخزوم وقالوا والله لئن مات عمار من هذا لنقتلن من بنى أمية شيخا " عظيما " يعنون عثمان ثم ان عمارا " الزم بيته إلى أن كان من قتل عثمان ما كان. أخرج الشيخ الطوسى (ره) في أماليه باسناده عن أبى نجية قال سمعت عمار بن ياسر يعاتب ابا موسى الاشعري ويوبخه على تأخره عن على بن أبى طالب " ع " وقعوده عن الدخول في بيعته ويقول له يا ابا موسى ما الذى أخرك عن أمير المؤمنين " ع " فوالله لئن شككت فيه لتخرجن عن الإسلام وأبو موسى يقول لا تفعل ودع عتابك لى فانما انا أخوك فقال له عمار (رض) ما انا لك باخ أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يلعنك ليلة العقبة وقد هممت مع القوم بما هممت فقال له أبو موسى أفليس قد أستغفر لى قال عمار قد سمعت اللعن ولم أسمع الاستغفار. وعن ابى مخنف قال لما نزل أمير المؤمنين ذا قار وقد خرج عليه طلحة والزبير بعث أبنه الحسن " ع " وعمار بن ياسر وزيد بن صوحان وقيس بن سعد
________________________________________
[ 264 ]
ابن عبادة ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة فاقبلوا حتى كانوا بالقادسية فتلقاهم الناس فلما دخلوا الكوفة قرأوا كتاب على " ع " وهو من عبد الله على أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين أما بعد فانى خرجت مخرجى هذا إما ظالما " وإما مظلوما " وإما باغيا " وإما مبغيا " على فانشد الله رجلا بلغه كتابي هذا الا نفر إلى فان كنت مظلوما " أعانني وان كنت ظالما " أستعتبني والسلام. قال أبو مخنف فحدثني موسى بن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبيه قال أقبلنا مع الحسن " ع " وعمار بن ياسر من ذى قار حتى نزلنا القادسية فنزل الحسن وعمار ونزلنا معهما فاحتبى عمار بحمائل سيفه ثم جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم ثم سمعته يقول ما تركت في نفسي حزة أهم إلى من أن لا يكون نبشنا عثمان من قبره ثم أحرقناه بالنار فلما دخل الحسن " ع " وعمار الكوفة أجتمع اليهما الناس فقام الحسن فاستنفر الناس. قال أبو مخنف حدثنى جابر بن زيد قال حدثنى تميم بن حذيم الناجى قال قدم علينا الحسن " ع " ابن على وعمار بن ياسر يستنفران الناس إلى على " ع " ومعهما كتابه فلما فرغا من قرائة كتابه قام الحسن وهو فتى حدث السن فقال أبى والله لارثى له من حداثة سنه وصعوبة مقامه فرماه الناس بابصارهم وهم يقولون اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا فوضع يده على عمود فتساند إليه وكان عليلا من شكوى به فقال الحمد لله العزيز الجبار الواحد القهار الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء وعلى ما احببنا وكرهنا من شدة ورخاء وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمدا " عبده ورسوله من علينا بنبوته وخصه برسالته وأنزل عليه وحيه وأصطفاه على جميع خلقه وأرسله إلى الجن والانس حين عبدت الاوثان وأطيع الشيطان وجحد الرحمن فصلى الله على محمد وآله وجزاه أفضل ما جزى المسلمين أما بعد فانى لا أقول لكم الا ما تعرفون ان أمير المؤمنين
________________________________________
[ 265 ]
على بن ابى طالب " ع " ارشد الله امره واعز نصره بعثنى اليكم يدعوكم إلى الصواب والى العمل بالكتاب والجهاد في سبيل الله وان كان في عاجل ذلك ما تكرهون فان في آجله ما تحبون ان شاء الله تعالى وقد علمتم ان عليا " " ع " صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وحده وانه يوم صدق به لفى عاشرة من سنه ثم شهد معه جميع مشاهده وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسوله واثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم ولم يزل رسول الله عنه راض حتى غمضه وغسله وحده والملائكة اعوانه والفضل به عمه ينقل إليه الماء ثم ادخله حضرته واوصاه بقضاء دينه وعداته وغير ذلك من اموره كل ذلك من من الله عليه والله ما دعا إلى نفسه ولقد تداك الناس عليه تداك الابل الهيم عند وردها فبايعوه طائعين ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث احدثه ولا خلاف اتاه حسدا " وبغيا " عليه فعليكم عباد الله بتقوى الله والجد والصبر والاستعانة بالله والحقوا إلى ما دعاكم إليه امير المؤمنين " ع " عصمنا الله وإياكم بما عصم اولياءه واهل طاعته والهمنا وإياكم تقواه واعاننا وإياكم على جهاد اعدائه واستغفر الله العظيم لى ولكم، ثم مضى إلى الرحبة فهيأ منزلا لابيه امير المؤمنين عليه السلام. قال جابر قلت لتميم كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه فقال ولما سقط عنى من قوله أكثر ولقد حفظت بعض ما سمعت، قال أبو مخنف ولما فرغ الحسن بن على " ع " من. خطبته قام عمار فحمد الله واثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال ايها الناس اخو نبيكم وابن عمه يستنفركم لنصر دين الله وقد بلاكم الله بحق دينكم وحرمة إمامكم فحق دينكم اوجب وحرمة امامكم اعظم ايها الناس عليكم بامام لا يؤدب وفقيه لا يعلم وصاحب بأس لا ينكل في ذى سابقة في الإسلام ليست لأحد وانكم لو حضرتموه بين لكم امركم ان شاء الله تعالى، قال فلما بلغ أبو موسى خطبة الحسن " ع " وعمار قام فصعد المنبر وقال الحمد لله الذى اكرمنا بمحمد صلى الله عليه وآله فجمعنا بعد الفرقة وجعلنا اخوانا " متحابين بعد العداوة وحرم
________________________________________
[ 266 ]
علينا دماءنا واموالنا قال الله تعالى (لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل) وقال تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا " فجزاؤه جهنم خالدا " فيها) فاتقوا الله وضعوا اسلحتكم وكفوا عن قتال اخوانكم اما بعد يا اهل الكوفة ان تطيعوا الله باديا " وتطيعوني ثانيا " تكونوا جرثومة من جراثيم العرب ياوى اليكم المضطر ويأمن فيكم الخائف ان عليا انما يستنفركم لجهاد امكم عائشة وطلحة والزبير حوارى رسول الله صلى الله عليه وآله ومن معهم من المسلمين وانا اعلم منكم بهذه انفنن انها اقبلت اشبهت وإذا ادبرت اسفرت انى اخاف عليكم ان يلتقى غاران منكم فيقتتلان ثم يتركان كالأحلاس الملقاة بنجوة من الارض ثم تبقى رجرجة من الناس لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر انها قد جائتكم فتنة لا يدرى من اين تؤتى تترك الحليم حيران كأن اسمع رسول الله صلى الله عليه وآله بالأمس يذكر الفتن فيقول انت فيها نائما " خير منك قائما وانت فيها قائما خير منك ساعيا فشلوا سيوفكم وقصروا رماحكم ونصلوا سهامكم واقطعوا اوتاركم وخلوا قريشا " يرتق فتقها ويرأب صدعها فان فعلت فلانفسها ما فعلت وان ابت فعلى انفسها ما جنت وتصلى هذه الفتنة من جناها، فقام إليه عمار بن ياسر (ره) فقال انت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك فقال نعم هذه يدى بما قلت فقال ان كنت صادقا فانما عناك بذلك وحدك واتخد عليك الحجة فالزم بيتك ولا تدخلن في الفتنة اما انى اشهد ان رسول الله صلى الله عليه وآله امر عليا " ع " بقتال الناكثين وسمى له فيهم من سمى وامره بقتال القاسطين وان شئت لاقيمن لك شهودا يشهدون ان رسول الله صلى الله عليه وآله انما نهاك وحدك وحذرك من الدخول في الفتنة ثم قال له اعط يدك على ما سمعت فمد يده فقال له عمار غلب الله من غابه وجاحده ثم جذبه فنزل عن المنبر. وروى فروة بن الحرث التميمي قال كنت اعتزل الحرب بوادي السباع مع الأحنف بن قيس وخرج ابن عم لى يقال له جون مع عسكر البصرة فنهيته فقال لا أرغب بنفسى عن نصرة ام المؤمنين وحواري رسول الله فخرج معهم
________________________________________
[ 267 ]
فانى لجالس مع الأحنف نستنشى الأخبار إذا بجون بن قتادة ابن عمى مقبلا فقمت إليه فاعتنقته وسألته عن الخبر فقال أخبرك العجب خرجت وانا لا أريد أن أبرح الحرب حتى يحكم الله بين الفريقين فبينا انا واقف مع الزبير أذ جاءه رجل فقال ابشر أيها الأمير فان عليا " لما رأى ما اعد الله من هذا الجمع نكص على عقبيه وتفرق عنه أصحابه وأتاه آخر فقال له مثل ذلك فقال له الزبير ويحكم أبو الحسن يرجع والله لو لم يجد الا العرفج لدان الينا فيه ثم أقبل رجل فقال أيها الأمير ان نفرا " من أصحاب على فارقوه ليداخلو معنا منهم عمار بن ياسر فقال الزبير كلا ورب الكعبة ان عمارا " لا يفارقه ابدا فقال الرجل بلى والله مرارا " فلما رأى الزبير ان الرجل ليس راجعا " عن قوله بعث معه رجلا آخر وقال اذهبا فانظرا فعادا وقالا ان عمارا " قد اتاك رسولا من عند صاحبه قال جون فسمعت والله الزبير يقول وانقطاع ظهراه واجدع انفاه واسوداد وجهاه ويكرر ذلك مرارا ثم أخذته رعدة شديدة فقلت والله ان الزبير ليس بجبان وأنه لمن فرسان قريش المذكورين وان لهذا الكلام لشأنا لا اريد ان أشهد مشهدا " يقول أميره هذه المقالة فرجعت اليكم ولم يكن إلا قليلا حتى مر الزبير بنا تاركا للقوم فاتبعه عمر ابن جرموز فقتله. وأخرج الشيخ الطوسى في أماليه عن موسى بن عبد الله الأسدى قال لما انهزم أهل البصره أمر على بن أبى طالب " ع " ان تنزل عائشة قصر بنى خلف فلما نزلت جائها عمار بن ياسر فقال لها يا امه كيف رأيت ضرب بنيك دون دينهم بالسيف فقالت استبصرت يا عمار من أجل انك غلبت قال انا أشد استبصارا من ذلك اما والله لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على لحق وانكم على الباطل فقالت له عائشة أهكذا يخيل لك أتق الله يا عمار فان سنك قد كبر ودق عظمك وفنى أجلك وأذهبت دينك لأبن أبى طالب فقال عمار أنى والله أخترت لنفسي في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فرأيت أن عليا أقرأهم لكتاب الله
________________________________________
[ 268 ]
وأعلمهم بتأويله وأشدهم تعظيما " لحرمته وأعرفهم بالسنة مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وعظم عنائه وبلائه في الإسلام فسكتت. (وروى) نصر بن مزاحم في كتاب (صفين) قال: لما اراد أمير المؤمنين " ع " المسير إلى الشام استشار من معه من المهاجرين والأنصار فقام عمار بن ياسر فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أمير المؤمنين أن أستطعت ان لا تقيم يوما " فافعل أشخص بنا قبل استعار نار الفجرة واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة وادعهم إلى حظهم ورشدهم فان قبلوا سعدوا وان أبوا إلا حربنا فوالله ان سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة عند الله وكرامة منه. وأخرج الطوسى (ره) في أماليه باسناده عن الحسين بن اسباط الصيدى قال سمعت عمار بن ياسر (ره) يقول عند توجهه إلى صفين اللهم لو اعلم انه ارضى لك ان أرمى بنفسى من فوق هذا الجبل لرميت بها ولو أعلم أنه أرضى لك أن أوقد لنفسي نارا فافع فيها لفعلت وانى لا اقاتل أهل الشام إلا وانا اريد بذلك وجهك وانا أرجو أن لا تخيبني وانا أريد وجهك الكريم. وروى قال خرج في اليوم الثالث من أيام صفين عمار بن ياسر وخرج إليه عمرو بن العاص فاقتتل الناس كاشد القتال وجعل عمار يقول يا أهل الإسلام تريدون ان تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين فلما اراد الله ان يظهر دينه ويظهر رسوله اتى النبي صلى الله عليه وآله وهو والله فيما نر راهب غير راغب وقبض الله ورسوله لنعرفه وهو معروف بعداوة المسلم ومودة المجرم فالعنوه لعنه الله وقاتلوه فانه ممن يطفى نور الله ويظاهر أعداء الله وكان مع عمار زياد بن النصر على الخيل فأمره أن يحمل في الخيل فحمل في الخيل وصبروا له وشد عمار في الرجال فازالوا عمرو بن العاص عن موقعه. وروى عن حبيب بن ثابت قال لما كان قتال صفين قال رجل لعمار يا ابا اليقظان الم تقل قال رسول الله قاتلوا الناس حتى يسلموا فإذا اسلموا عصموا منى
________________________________________
[ 269 ]
دماؤهم وأموالهم قال بلى ولكن والله ما اسلموا ولكن أستسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا ". وروى أيضا باسناده عن جندب بن عبد الله قال قام عمار بن ياسر بصفين فقال أمضوا عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله إنما قتله الصالحون المنكرون العدوان الآمرون باحسان فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم لو درس هذا الدين لم قتلتموه فقلنا لإحداثه فقالوا ما أحدث شيئا " وذلك لانه مكنهم من دار الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو أنهدمت عليهم الجبال والله ما أظنهم يطلبون دمه انهم ليعلمون أنه الظالم ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرئوها وعلموا لو ان الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما يرعون فيه منها ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام ليستحقوا فيها طاعة الله والولاية فخدعوا اتباعهم أن قالوا قتل امامنا مظلوما " ليكونوا بذاك جبابرة ملوكا " وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولا هي ما بايعه من الناس رجل اللهم ان تنصريا فطال ما نصرت وان تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما احدثوا لعبادك العذاب الأليم ثم مضى ومضى معه أصحابه فلما دنى من عمرو بن العاص قال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك فطال ما بغيت الإسلام عوجا " ثم حمل عمار وهو يقول: صدق الله وهو للصدق أهل * وتعالى ربى وكان جليلا رب عجل شهادة لى بقتل * في الذى قد أحب قتلا جميلا مقبلا غير مدبر ان للقتل * على كل مبتة تفضيلا انهم عند ربهم في جنان * يشربون الرحيق والسلسبيلا من شراب الأبرار خالطه المسك وكأسا " مزاجها زنجبيلا ثم نادى عمار عبيد الله بن عمر، وذلك قبل مقتله فقال يا بن عمر صرعك الله بعت دينك بالدنيا من عدو الله وعدو الاسلام قال كلا ولكن أطلب بدم
________________________________________
[ 270 ]
عثمان الشهيد المظلوم قال كلا أشهد على علمي فيك انك أصبحت لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله وانك ان لم تقل اليوم فستموت غدا فانظر إذا أعطى الله العباد على نياتهم ما نيتك ثم قال عمار اللهم انك لتعلم ان لو أعلم ان رضاك ان أقذف بنفسى في هذا البحر لفعلت اللهم أنك تعلم لو أعلم أن رضاك أن أضع ضبة سيفى في بطني ثم أنحنى عليها حتى تخرج من ظهرى لفعلت اللهم وانى أعلم مما علمتني أنى لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاه القوم الفاسقين ولو أعلم اليوم عملا أرضى لك منه لفعلته. وروى نصر أيضا باسناده عن اسماء بن خارجة الفزارى قال كنا بصفين مع على " ع " تحت راية عمار بن ياسر ارتفاع الضحى وقد استظلينا برداء احمر إذ أقبل رجل يستقرى الصف حتى أنتهى الينا فقال أيكم عمار بن ياسر فقال عمار انا عمار فقال أبو اليقظان قال نعم قال ان لى اليك حاجة فانطق بها سرا أم علانية قال أختر لنفسك أيهما شئت قال بل علانية قال فانطق قال أنى خرجت من أهلى مستبصرا " في الحق الذى نحن عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم وأنهم على الباطل فلم أزل على ذلك مستبصرا " حتى ليلتى هذه فانى رأيت مناديا " فقام فاذن وشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا " رسول الله ونادى بالصلاة ونادى مناديهم مثل ذلك ثم اقيمت الصلاة فصلينا صلاة واحدة وتلونا كتابا واحدا ودعونا دعوة واحدة فادركي الشك في ليلنى هذه فبت بليلة لا يعلمها الا الله حتى أصبحت فاتيت أمير المؤمنين " ع " فذكرت ذلك له فقال لقيت عمار بن ياسر قلت لا قال فالقه فانظر ما يقوله لك فاتبعه فجئتك لذلك فقال عمار تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لى فانها راية عمرو بن العاص قاتلتها مع رسول الله ثلاث مرات وهذه الرابعة فما هي بخيرهن ولا ابرهن بل هي شرهن وأفجرهن شهدت بدرا " وأحدا " ويوم حنين أو شهدها اب لك فيخبرك عنها قال لا قال فان مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين وان مراكز هؤلاء على مراكز
________________________________________
[ 271 ]
رايات المشركين والأحزاب فهل ترى هذا العسكر ومن فيه والله لوددت ان جميع من فيه ممن أقبل مع معاوية يريد قتالا مفارقا " فالذي نحن عليه كانوا خلقا " واحدا " فقطعته وذبحته والله لدمائهم جميعا " أحل من دم عصفورا " فترى دم عصفور حراما قال لا قال فانهم كذلك حلال دماؤهم اترانى بينت لك قال قد بينت قال فاختر أي ذلك أحببت فانصرف الرجل فدعاه عمار ثم قال اما انهم سيضربونكم باسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا والله ماهم من الحق على ما يقذى عين ذباب والله لو ضربونا باسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا إنا على حق وأنهم على باطل، وقد تضافرت الروايات ان النبي صلى الله عليه وآله قال عمار بن ياسر جلدة بين عينى تقتله الفئة الباغية. وفى صحيح مسلم عن أم سلمة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية. وروى الحميدى في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند ابى سعيد الخدرى في الحديث السادس عشر من افراد البخاري قال ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار فقتله معاوية. وروى نصر عن حفص بن عمران الأزرق الدحمى قال حدثنى نافع بن عمر الجمحى عن ابن أبى مليكة قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص لأبيه لولا ان رسول الله أمر بطاعتك ما سرت معك هذا المسير اما سمعت رسول الله يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية. وروى نصر في كتاب صفين بينا على واقفا " بين جماعة من همدان وحمير وغيرهم من أبناه قحطان إذ نادى رجل من أهل الشام من يدل على ابى نوح الحميرى فقيل له قد وجدته فما تريد قال فحسر عن لتامه فإذا وذو الكلاع الحميرى ومعه جماعة من أهله ورهط فقال لأبى نوح سر معى قال إلى ابن قال إلى أن تخرج من الصف قال وما شأنك قال ان لى اليك حاجة قال أبو نوح معاذ الله ان أسير
________________________________________
[ 272 ]
اليك إلا في كتيبة فقال ذوالكلاع بلى فسر فلك ذمة الله وذمة رسوله وذمة ذى الكلاع حتى ترجع إلى خيلك فانما أريد ان أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه فسار أبو نوح وسار ذو الكلاع فقال له إنما دعوتك احدثك حديثا حدثناه عمرو بن العاص قديما " في خلافة عمر بن الخطاب ثم اذكرناه الآن به فاعاده انه بزعم ان سمع رسول الله صلى الله عليه وآله قال يلتقى أهل الشام وأهل العراق وفى احدى الكتيبتين الحق وامام الهدى ومعه عمار بن ياسر فقال أبو نوح نعم والله أنه لفينا قال أنشدك بالله اجاد هو على قتالنا قال أبو نوح نعم والله ورب الكعبة لهو أشد على قتالكم منى ولو ددت انكم خلق واحد فذبحته وبدأت بك قبلهم وانت ابن عمى قال ذو الكلاع ويلك على م تمنى ذلك منا فوالله ما قطعتك فيما بينى وبينك قط وان رحمك لقريبة وما يسرنى أنى أقتلك قال أبو نوح ان الله قطع بالإسلام أرحاما " قريبة ووصل به ارحاما " متباعدة وأنى اقاتلك وأصحابك لأنا على الحق وأنتم على الباطل فقال ذوالكلاع فهل تستطيع ان تأتى معى صف أهل الشام فانالك جار منهم حتى تلقى عمرو بن العاص فتخبره بحال عمار وجده في قتال لعله أن يكون صلح بين هذين الجندين قلت واعجباه من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان عمار ولا يعتريهم الشك لمكان على " ع " ويستدلون على ان الحق مع أهل العراق يكون عمار بين أظهرهم ولا يعبأون بمكان على " ع " ويحذرون من قول النبي صلى الله عليه وآله تقتلك الفئة الباغية ويرتاعون لذلك ولا يرتاعون لقوله صلى الله عليه وآله في على اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ولا لقوله لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق وهذا يدلك على ان عليا " أجتهدت قريش كلها في مبدأ الأمر في اخمال ذكره وستر فضائله وتغطية خصائصه حتى محى فضله ومزيته من صدور الناس كافة إلا قليلا منهم. قال نصر فقال له أبو نوح انك رجل غادر وأنت في قوم غدر وان لم ترد الغدر اغدروك وانى إن أموت أحب إلى من ان أدخل مع معاوية فقال ذو الكلاع انا جار لك من ذلك ان لا تقتل ولا تسلب
________________________________________
[ 273 ]
ولا تكره على بيعة ولا تحبس عن جندك وإنما هي كلمة تبلغها عمرو بن العاص لعل الله ان يصلح بذلك بين هذين الجندين ويضع عنهم الحرب والقتال فقال أبو نوح انى أخاف غدرتك وغدرت أصحابك، قال ذو الكلاع انا لك بما فلت زعيم قال أبو نوح اللهم انك ترى ما اعطاني ذو الكلاع وأنت تعلم ما في نفسي فاعصمني وأختر لى وأنصرني وأدفع عنى ثم سار مع ذى الكلاع حتى أتى عمرو بن العاص وهو عند معاوية وحوله الناس وعبيد الله بن عمر يحرض الناس على الحرب فلما وقفا على القوم قال ذو الكلاع لعمرو يا ابا عبد الله هل لك في رجل ناصح لبيب مشفق يخبرك عن عمار بن ياسر فلا يكذب بك. قال ومن هو ؟ قال هو ابن عمى هذا وهو من أهل الكوفة فقال عمرو وأرى عليك سيماء أبى تراب: فقال أبو نوح على سيماء محمد وأصحابه وعليك سيماء أبى جهل وسيماء فرعون فقام أبو الأعور فسل سيفه وقال لا أرى هذا الكذاب اللئيم يسابنا بين أظهرنا وعليه سيماء أبى تراب فقال ذو الكلاع أقسم بالله لئن بسطت يدك إليه لأحطمن أنفك بالسيف ابن عمى وجاري عقدت له ذمتي وجئت به اليكم ليخبركم عما تماربتم فقال عمرو بن العاص اذكرك بالله إلا ما صدقتنا ولم تكذبنا أفيكم عمار بن ياسر ؟ قال أبو نوح ما أنا بمخبرك حتى تخبرني لم تسأل عنه ومعنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله عدة غيره كلهم جاد على قتالكم فقال عمرو سمعت رسول الله يقول ان عمار تقتله الفئة الباغية وأنه ليس لعمار أن يفارق الحق ولن تأكل النار من عمار شيئا فقال أبو نوح لا إله إلا الله والله أكبر إنه لفينا جاد على قتالكم فقال عمرو والله الذى لا إله إلا هو إنه لجاد على قتالنا: قال نعم والله الذى لا إله إلا هو ولقد حدثنى يوم الجمل انا سنظهر على أهل البصرة، ولقد قال لى أمس إنكم لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعفات هجر لعلمنا إنا على الحق وانكم على الباطل ولكانت قتلانا في الجنة وقتلا كم في النار. قال عمرو فهل تستطيع أن تجمع بينى وبينه ؟ قال نعم فركب عمرو بن العاص وإبناه وعتبة بن أبى سفيان وذو الكلاع وأبو الأعور السلمى
________________________________________
[ 274 ]
وحوشب والوليد بن عقبة وانطلق وسار أبو نوح ومعه شرحبيل بن ذى الكلاع بحمير حتى أنتهى إلى أصحابه فذهب أبو نوح إلى عمار فوجده قاعدا مع أصحاب له منهم: الأشتر، وهاشم، وابن بديل، وخالد بن عمر، وعبد الله بن حجل، وعبد الله بن عباس. فقال لهم أبو نوح انه دعاني ذو الكلاع وهو ذو رحم فقال إخبرنى عن عمار ابن ياسر افيكم هو ؟ فقلت لم تسأل عنه فقال اخبرني عمرو بن العاص في إمرة عمر بن الخطاب انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يلتقى أهل الشام وأهل العراق وعمار مع أهل الحق وتقتله الفئة الباغية نعم ان عمارا فينا فسألني أجاد هو على قتالنا فقلت نعم والله انه لأجد منى في ذلك ولوددت انكم خلق واحد فذبحه وبدأت بك يا ذالكلاع فضحك عمار. قال ايسرك ذلك ؟ قال نعم ثم قال أبو نوح اخبرني الساعة عمرو بن العاص انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: تقتل عمار الفئة الباغية قال عمار رحمه الله اقررته بذلك قال نعم لقد أقررته بذلك فاقر فقال عمار صدق وليضرنه ما سمع ولا ينفعه فقال أبو نوح فانه يريد أن يلقاك فقال عمار لأصحابه اركبوا فركبوا وساروا قال فبعثنا إليهم فارسا من عبد القيس يسمى عوف بن بشر قد بهظنى فذهب حتى إذا كان قريبا " منهم نادى أين عمرو ابن العاص ؟ قالوا هاهنا فاخبره بمكان عمار وخيله قال عمرو قل له فليسر الينا. قال عوف انه يخاف غدرانك وفجراتك فقال عمرو وما أجرأك على وأنت على هذه الحالة قال عوف جرأنى على ذلك بصرى فيك وفى أصحابك وان شئت نابذتك الآن على سواء فقال عمرو انك لسفيه وانى باعث اليك ورجلا من أصحابي يواقفك فقال أبعث من شئت فلست المستوحش وإنك لا تبعث الاشقياء فرجع عمرو وانفذ إليه أبا الأعور فلما تواففا تعارفا فقال عوف انى الا عرف الوجه وانكر القلب وانى لا أراك مؤمنا " ولا أراك إلا من أهل النار: قال أبو الأعور يا هذا لقد أعطيت لسانا يكبك الله به على وجهك في النار قال عوف كلا والله إنى لا أتكلم إلا بالحق ولا تتلكم إلا بالباطل وانى ادعوك إلى الهدى واقاتلك على الضلال وافر من
________________________________________
[ 275 ]
النار وأنت بنعمة الله ضال تنطق بالكذب وتقاتل على ضلالة وتشترى العقاب بالمغفرة والضلالة بالهدى انظر إلى وجوهنا ووجوهكم وسيمانا وسيماكم واسمع دعوتنا ودعوتكم فليس أحد منا إلا وهو أولى بالحق وبمحمد صلى الله عليه وآله وأقرب إليه منكم فقال أبو الأعور لقد اكثرت الكلام وذهب النهار ويحك ادع اصحابك وادعو اصحابي وليأتي اصحابك في قلة ان شاءوا أو كثرة فانى اجئ من اصحابي بعدتهم فسار عمار في اثنى عشر فارسا " حتى إذا كانوا بالمنصف سار عمرو بن العاص في اثنى عشر فارسا حتى اختلفت أعناق الخيل خيل عمرو وخيل عمار ونزل القوم واحتبوا بحمائل سيوفهم فتشهد عمرو بن العاص فقال له عمار اسكت فلقد تركتها وأنا الاحق بها منك فان شئت كانت خصومة فيدفع حقنا باطلك وان شئت كانت خطبة فنحن اعلم بفصل الخطاب منك وان شئت اخبرتك بكلمة تفصل بيننا وبينك ونكفرك قبل القيام وتشهد بها على نفسك ولا تستطيع ان تكذبني فيها فقال عمرو يا ابا اليقظان ليس لهذا جئت إنما جئت لانى رأبتك اطوع أهل هذا العسكر فيهم اذكرك الله إن لا كففت سلاحهم وحقنت دماءهم وحرصت على ذلك فعلى م تقاتلونا أو لسنا نعبد إلها واحدا " ونصلي إلى قبلتكم وندعو دعوتكم ونقرأ كتابكم ونؤمن بنبيكم ؟ فقال عمار الحمد لله الذى اخرجها من فيك إنها لى ولأصحابي القبلة والدين وعبادة الرحمن والنبى والكتاب من دونك ودون اصحابك الحمد لله الذى قررك لنا بذلك وجعلك ضالا مضلا اعمى وسأخبرك على ما أقاتلك عليه وأصحابك ان رسول الله صلى الله عليه وآله امرني ان اقاتل الناكثين وقد فعلت وأمرني ان اقاتل القاسطين وانتم هم. واما المارقون فلا أدرى أأدركها أم لا ايها الابتر تعلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فانى مولى الله ورسوله وعلى مولاى بعدهما قال عمرو لم تشتمني يا ابا اليقظان ولست اشتمك فقال عمار (ره) وبم تشتمني اتستطيع ان تقول انى عصيت الله ورسوله يوما " قط فقال عمرو ان فيك لمساب سوى ذلك فقال عمار
________________________________________
[ 276 ]
ان الكريم من اكرمه الله كنت وضيعا " فرفعني الله ومملوكا " فاعتقني الله وضعيفا " فقوانى الله وفقيرا " فأغناني الله قال عمرو فما ترى في قتل عثمان فقال فتح لكم باب كل سوء قال عمرو فعلى " ع " قتله قال عمار بل الله رب على قتله وعلى سعه قال عمرو فكنت فيمن قتله قال كنت مع من قتله وانا اليوم اقاتل معهم قال عمرو فلم قتلتموه قال عمار انه اراد ان يغير ديننا فقتلناه فقال عمرو الا تسمعونه قد اعترف بقتل امامكم فقال عمار قد قالها فرعون قبلك لقومه الا تسمعون فقاموا ولهم زجل فركبوا خيولهم ورجعوا وقام عمار وأصحابه فركبوا خيولهم ورجعوا وبلغ معاوية ما كان بينهم فقال هلكت العرب ان حركتهم خفة العبد الأسود يعنى عمارا ". وروى نصر عن زيد بن وهب الجهنى ان عمار بن ياسر نادى يومئذ أين من يبغى رضوان ربه ولا يؤب إلى مال ولا ولد قال فأتته عصابة من الناس فقال يا أيها الناس أقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذى يبغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوما " والله ما كان إلا ظالما " لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله عليه. وعن حبيب بن ثابت قال: لما كان قتال صفين والراوية مع هاشم بن عتبة قال جعل عمار بن ياسر يتناوله بالرمح ويقول أقدم يا أعور لا خير في أعور لا يأتي الفزع قال فجعل يستحى من عمار وكان عالما بالحرب فيتقدم لمراكز الراية فإذا تناهت إليه الصفوف قال عمار أقدم يا أعور لا خير في أعور لا ياتي الفزع فجعل عمرو بن العاص يقول انى لا أرى لصاحب الراية السوداء عملا لئن دام على هذا لتفانت العرب اليوم فاقتتلوا قتالا شديدا " وجعل عمار يقول صبرا " عباد الله الجنة تحت ضلال البيض. وحدثنا عمرو بن شمر قال حمل عمار في ذلك اليوم على صفوف أهل الشام وهو يرتجز ويقول: كلا ورب البيت لا أبرح اجى * حتى أموت أو أرى ما أشتهى
________________________________________
[ 277 ]
لا أبرحن الدهر احمى عن على * صهر الرسول ذى الأمانات الوفى ينصرنا رب السماوات العلى * ونقطع الهام بحد المشرفى يمنحنا النصر على من يبتغى * ظلما " علينا جاهدا " ما يأتلى قال فضرب صفوف أهل الشام حتى أضطرهم إلى الفرار. وروى نصر عن عبد الخير الهمداني قال: نظرت إلى عمار بن ياسر يوما " من ايام صفين قد رمى رمية غمى عليه فلم يصل الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء ولا الفجر ثم افاق فقضاهن جميعا " يبدأ باول شئ ثم بالتى تليها. قال نصر وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال سمعت الشعبى يقول قال الأحنف بن قيس يقول والله إنى لألى جانب عمار بن ياسر فتقدمنا حتى دنونا من هاشم بن عتبة فقال له عمار أحمل فداك أبى وأمى فقال له هاشم رحمك الله يا ابا اليقظان انك رجل تأخذك خفة في الحرب وإنما زحفت باللواء زحفا " أرجو أن أنال بذلك حاجتى وإنى ان خففت لم آمن الهلكة - وقد كان قال معاوية لعمرو ويحك ان اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة وقد كان من قبل يرقل به ارقالا وان زحف اليوم زحفا " انه اليوم الاطول على أهل الشام فان زحف في عنق من أصحابه انى لأطمع ان يقطتع - فلم يزل به حتى حمل فنظر إليه معاوية فوجه إليه جماعة اصحابه ومن يزن بالبأس والنجدة منهم في ناحية وكان في ذلك الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص ومعه يومئذ سيفان قد تقلد باحدهما وهو يضرب بالآخر فاطاقت به خيول على وجعل عمرو يقول يا الله يا رحمن ابني ابني فيقول معاوية اصبر فلا بأس عليه فقال عمرو ولو كان يزيد بن معاوية لصبرت فلم تزل حماة أهل الشام تذب عن عبد الله حتى نجى هاربا " على فرسه: قال نصر وحدثنا عمر بن سعد قال وفى هذا اليوم قتل عمار بن ياسر أصيب في المعركة وقد كان حين نظر إلى راية عمرو بن العاص. قال والله انها لراية قاتلتها ثلاث مرات وما هذه بأرشدهن. ثم قال:
________________________________________
[ 278 ]
نحن ضربناكم على تأويله * كما ضربناكم على تنزيله ضربا " يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحق إلى سبيله * يا رب انى مؤمن بقيله وفى رواية أنه مضى ومعه عصابة وكان لا يمر بواد من أودية صفين إلا تبعه من كان هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم جاء إلى هاشم بن عتبة وكان صاحب راية على " ع " فقال يا هاشم أعورا " وجبنا لا خير في أعور لا يغشى البأس اركب يا هاشم فركب ومضى معه وهو يقول: أعور يبغى أهله محلا * قد عالج الحياة حتى ملا وعمار يقول تقدم يا هاشم الجنة تحت ظلال السيوف. والموت تحت أطراف الأسل وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين اليوم القى الأحبة محمدا " وحزبه وتقدم حتى دنى من عمرو بن العاص فقال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك فقال لا ولكن أطلب بدم عثمان قال أشهد على علمي فيك ان لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله تعالى وإنك ان لم تقتل اليوم تمت غدا فانظر إذا أعطى الله الناس على قدر نياتهم ما نيتك لعد فانك صاحب الراية التى قاتلتها ثلاثا " مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهذه الرابعة ما هي بأبر واتقى ثم استسقى وقد أشتد عطشه فاتته أمرأة طويلة اليدين معها عسر واداوة فيها ضياح من لبن فقال حين شرب الجنة تحت الأسنة اليوم القى الأحبة محمدا " وحزبه والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا انا على الحق وانهم على الباطل ثم حمل وحمل عليه أبو جويرية السكسكى وأبو العادية الفزارى فاما أبو العادية فطعنه وأما أبو جويرية فاحتز رأسه فاقبلا يختصمان كلاهما يقول انا قتلته فقال عمرو بن العاص ان تختصمان إلا في النار فسمعها معاوية فقال لعمرو ما رأيت مثلما صنعت اليوم قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهم انكما تختصمان في النار فقال عمرو وهو والله ذلك وأنت لتعلمه ولوددت انى مت قبل هذا بعشرين سنة.
________________________________________
[ 279 ]
وروى وكيع عن شعبة عن عبد الله بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: لكأنى انظر إلى عمار وهو صريع فاستسقى فاتى بشربة من لبن فشرب فقال اليوم القى الأحبة ان رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلى ان آخر شربة اشربها في الدنيا شربة من لبن. وعن حبة بن جويرية العرنى قال قلت لحذيفة بن اليمان حدثنا فانا نخاف الفتن فقال عليكم بالفئة التى فيها ابن سمية فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق فان آخر رزقه ضياح من لبن قال حبة فشهدته يوم قتل يقول ائتونى باخر رزق لى في الدنيا فاتى بضياح من لبن في قدح أروح بحلقة حمراء فما اخطا حذيفة ثم قال اليوم القى الأحبة محمدا " وحزبه وقال والله لو ضربونا حتى بلغونا سعفات هجر لعلمت اننا على الحق وانهم على الباطل ثم قتل رضى الله عنه. وقد كان ذو الكلاع يسمع عمرو بن العاص يقول ان النبي صلى الله عليه وآله قال لعمار تقتلك الفئة الباغية وآخر شرابك ضياح من لبن فقال ذو الكلاع لعمرو ويحك ما هذا فقال عمرو انه سيرجع الينا ويفارق ابا تراب وذلك قبل ان يصاب عمار فلما اصيب عمار في هذا اليوم اصيب ذو الكلاع فقال عمرو لمعاوية والله ما ادرى بقتل ايهما انا اشد فرحا " والله لو بقى ذو الكلاع حتى يقتل عمار لمال بعامة قومه إلى على ولأفسد علينا أمرنا. قال نصر وروى عمر بن سعد قال كان لا يزال رجل يجئ فيقول لمعاوية وعمرو انا قتلت عمار فيقول له عمرو فما سمعته يقول فيخبطون حتى أقبل ابن حوى فقال فسألته قال عمرو فما كان آخر منطقه قال سمعته يقول اليوم القى الأحبة محمدا " وحزبه فقال صدقت أنت صاحبه اما والله ما ظفرت يداك ولقد اسخطت ربك. قال نصر روى عمر بن شمر عن السدى ان رجلين بصفين اختصما في
________________________________________
[ 280 ]
سلب عمار وفى قتله فاتيا عبد الله بن عمرو بن العاص فقال ويحكما أخرجا عنى فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما لقريش ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قاتله وسالبه في النار. قال الخوارزمي في (المناقب) وفرح بقتل عمار أهل الشام وقال معاوية قتلنا عبد الله بن بديل وهاشم بن عتبة وعمار بن ياسر فاسترجع النعمان بن بشير قال والله إنا كنا نعبد اللات والعزى وعمار يعبد الله ولقد عذبه المشركون بالرمضاء وغيرها من الوان العذاب فكان يوحد الله ويصبر على ذلك وقال رسول الله صبرا " يا آل ياسر موعدكم الجنة وقال له ان عمار يدعو الناس إلى الجنة ويدعونه إلى النار. قال نصر: وكان عبد الله بن سويد الحميرى من آل ذى الكلاع قال لذى الكلاع ما حديث سمعته من ابن العاص في عمار فاخبره فلما قتل عمار خرج عبد الله ليلا يمشى فاصبح في عسكر على " ع " وكان عبد الله من عباد أهل زمانه وكاد أهل الشام ان يضطربوا لولا ان معاوية قال لهم ان عليا " قتل عمارا " لأنه أخرجه إلى الفتنة ثم أرسل معاوية إلى عمرو لقد افسدت على أهل الشام أكل ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله تقوله فقال عمرو وقلتها ولست أعلم الغيب ولا أدرى ان صفين تكون قلتها وعمار يومئذ لى ولك رويت أنت فيه مثلما رويت فغضب معاوية وتنمر لعمرو وعزم على منعه خيره فقال عمرو لأبنه وأصحابه لا خير في جوار معاوية ان تجلت هذه الحرب عنه لأفارقنه وكان عمرو بن العاص حمى الأنف فقال: تعاتبني ان قلت شيئا " سمعته * فقد قلت لو أنصفتني مثله قبلى أنعلك فيما قلت نعل ثبته * وتزلق بى في مثل ما قلته نعلي وما كان لى علم بصفين إنها * تكون وعمار يحث على قتلى ولو كان لى بالغيب علم كتمتها * وكابدت اقواما " مراجلهم تغلى
________________________________________
[ 281 ]
أبى الله إلا ان صدرك واغر * على بلا ذنب جنيت ولا ذحل سوى انى والراقصات عشية * بنصرك مدخول الهوى ذاهل العقل فلا وضعت عندي حصان قناعها * ولا حملت وجناء ذعلبة رحلى فلا زلت أرعى في لوى بن غالب * قليلا غنائي لا أمر ولا أحلى من الله ارجو من خناقك مرة * ونلت الذى رجيت ان لم ازر أهلى وأترك لك الشام الذى ضاق رحبها * عليك ولم يهنك بها العيش من أجلى فاجابه معاوية: الان لما القت الحرب ركبها * وقام بنا الأمر الجليل على رجل غمزت قناتي بعد ستين حجة * تباعا كأنى لا أمر ولا أخلى أتيت بأمر فيه للشام فتنة * وفى دون ما أظهرته زلة النعل فقلت لك القول الذى ليس ضائرا " * ولو ضر لم يضررك حملك لى ثقلى فعاتبتني في كل يوم وليلة * كأن الذى ابليك ليس كما أبلى قيا قبح الله العتاب وأهله * ألم تر ما أصبحت فيه من الشغل فدع ذا ولكن هل لك اليوم حيلة * ترد بها قوما " مراجلهم تغلى دعاهم على فاستجابوا الدعوة * أحب إليهم من ثرى المال والأهل إذا قلت هابوا حرمة الموت أرقلوا * إلى الموت أرقال الهلوك إلى الفحل قال فلما انى عمر اشعر معاوية اتاه فاعتبه وصار أمرهما واحدا. وروى عن الصادق " ع " انه قال لما قتل عمار بن ياسر ارتعات فرائص خلق كثير وقالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله عمار تقتله الفئة الباغية، فدخل عمرو على معاوية وقال يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا قال لما ذا ؟ قال قتل عمار بن ياسر قال معاوية قتل عمار فماذا قال أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله عمار تقتله الفئة الباغية قال معاوية رخصت في قولك أنحن قتلناه إنما قتله على بن أبى طالب لما ألقاه بين رماحنا فاتصل ذلك بعلى فقال فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله قتل حمزة
________________________________________
[ 282 ]
لما القاه بين رماح المشركين. وروى صاحب (السياسة والامامة) عن معاوية تأويلا آخر اشنع من هذا قال الباغية التى تبغى دم عثمان أي تطلبه. وروى انه لما قتل عمار احتمله أمير المؤمنين " ع " وجعل يمسح الدم والتراب عن وجهه ويقول: وما ظبية تسى القلوب بطرفها * إذا التفتت خلنا بأجفانها سحرا " باحسن منه كلل السيف وجهه * دما " في سبيل الله حتى قضى صبرا وفى رواية اخرى: انه لما بلغ قتل عمار أمير المؤمنين " ع " جاء حتى وقف على مصرعه وجلس إليه ووضع رأسه في حجره وأنشد: ألا أيها الموت الذى هو قاصدي * أرحني فقد أفنيت كل خليل أراك بصيرا " بالذين أودهم (1) * كأنك تنحو نحوهم بدليل ثم استرجع وقال ان من لا يسؤه قتل عمار فليس له من الإسلام نصيب رحم الله عمارا " ما رأيت عند رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثا " إلا هو رابعهم ولا أربعة إلا وعمار خامسهم ما وجبت الجنة لعمار مرة ولكن وجبت مرارا " هناه الله بما هيأ له من جنة عدن انه قتل والحق معه وهو على الحق كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله يدور الحق مع عمار حيث دار ثم قال قاتل عمار وشاتمه وسالبه سلاحه معذب بنار جهنم، ثم تقدم " ع " وصلى عليه وتولى دفنه بيده. قال أبو عمرو في كتاب (الأستيعاب) دفنه على عليه السلام بثيابه ولم يغسله. وقال المسعودي في (مروج الذهب) وكان قتله عند العشاء وله ثلاث وسبعون سنة وقبره بصفين وصلى عليه على " ع " ولم يغسله. قال أبو عمرو: كان سن عمار يوم قتل نيفا " وتسعين، وقيل احدى وتسعين
________________________________________
(1) في نسخة: أحبهم (*)
________________________________________
[ 283 ]
وقيل أثنين وتسعين. وقيل ثلاثة وتسعين. قال وكان عمار يقول انا ترب رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن أحد أقرب إليه سنامنى، وكان قتله في شهر ربيع الأول وقيل الآخر سنة سبعة وثلاثين وقيل ان ابا العادية قاتل عمار عاش إلى زمن الحجاج فدخل عليه فأكرمه وقال له أنت قتلت ابن سمية يعنى عمارا " ؟ قال نعم قال من سره ان ينظر إلى عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا ثم سأله أبو العادية حاجة فلم يجبه إليها فقال تعطى لهم الدنيا ولا يعطونا منها ويزعم انى عظيم الباع فقال من كان ضرسه مثل احد وفخذه مثل جبل ورقان ومجلسه مثله المدينة والربذة أنه لعظيم الباع يوم القيامة والله لو أن عمارا " قتله أهل الأرض لدخلوا كلهم النار وينسب إلى عمار من الشعر هذه الابيات: توق من الطرق أوساطها * وعد من الجانب المشتبه وسمعك صن عن سماع القبيح * كصون اللسان عن النطق به فانك عند سماع القبيح * شريك لقائله فانتبه (حذيفة بن اليمان) وأسم اليمان (حسيل) بمهملتين مصغرا " ويقال (حسل) بكسر ثم سكون ابن جابر العبسى بموحده ثم الأشهل حليفهم يكنى أبو عبد الله وكان أبوه اليمان صحابيا أيضا " استشهد باحد قال ابن هشام في سيرته قال ابن اسحاق لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى احد رفع حسل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش في الأطام مع النساء والصبيان وهما شيخان كبيران فقال احدهما لصاحبه لا ابالك ما تنتظر فوالله ان بقى لواحد منا من عمره الا ظمؤ حمار وانما نحن هامة اليوم أو غد فلا نأخذ اسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وآله لعل الله يرزقنا مع شهادة ان لا إله إلا الله شهادة مع رسول الله فاخذا اسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما ! فاما ثابت بن وقش فقتله المشركون، واما حسل ابن جابر فاختلفت عليه اسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه فقال حذيفة أبى قالوا
________________________________________
[ 284 ]
والله ما عرفنا وصدقوا فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين فاراد رسول الله صلى الله عليه وآله ان يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله خيرا ". قال ابن حجر العسقلاني في التقريب كان حذيفة جليلا من السابقين. صح في مسلم عنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله اعلمه بما كان وما يكون إلى ان تقوم الساعة. قال الذهبي في الكاشف كان صاحب السر منعه واباه شهود بدر استخلاف المشركين لهما. وروى عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وأبصركم بالحلال والحرام وسئل أمير المؤمنين " ع " فقال كان عارفا " بالمنافقين، وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن المعضلات فان سألتموه وجدتموه بها خبيرا ". وكان حذيفة يسمى صاحب السر وكان عمر لا يصلى على جنازة لا يحضرها حذيفة، ويقال ان عمر ساله هل انا منهم. وروى المفضل بن عمر عن جعفر بن محمد " ع " انه قال كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لا يعرفون الا ببغض على بن أبى طالب " ع " وكان حذيفة يعرفهم لأنه كان ليلة العقبة يقود ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وعمار يسوقها وقد قعد المنافقون على العقبة ليلا لرسول الله عند منصرفه من غزاة تبوك وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله خلف عليا " بالمدينة على أهله ونسائه فقال المنافقون بعضهم لبعض ان محمدا " بغض نفسه إلى أصحابه بسبب على وعلى هو الذاب عنه والمجاهد دونه لا يعمل فيه الحر والبر والسيف والسنان وفد استخلفه بالمدينة فبادروا هذا الذى لولا على لكان اهون من فقع قرقر ولولا أبو طالب بمكة لم يتبعه احد فانه آواه ونصره وذب عنه وجاهد قريشا " فيه حتى استفحل أمره وعظم شأنه فلما استقر قراره اعاد الملك والسلطان إلى بنى أبيه من دون قريش، افقريش لبنى هاشم خول واتباع وقد اجتمعت كلمتهم بالأسلام بعد ان كنتم مختلفين
________________________________________
[ 285 ]
فبعدوا واخشوشنوا، واجمعوا امركم وشركائكم ثم اطلبوا بثأركم ممن اختدعكم عن دينكم وأدخلكم في دينه ثم جعلكم أتباعه وأتباع بنى هاشم ومواليهم وعبيدهم إلى ان تقوم الساعة والا فعيشوا اشقياء عباد يد بعد الالهة اذلة ما بقيتم وكان القائل عمر يحرض أصحابه ليلة العقبة على قتل رسول الله فضرب الله وجوههم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وكان حذيفة في خلافة أبى بكر وعمر يشكوه إلى أبى بكر وأبو بكر يقول دعه إنا ان حركناه اثرناه على انفسنا من ليلة العقبة لا حاجة لنا إليه فاضرب عنه فالسكوت خير من الخوض في امره فلما ملك عمر بعث إليه فقال له ما زلت نحدث اصحاب محمد صلى الله عليه وآله في خلافة أبى بكر انى باب من أبواب جهنم ثم رفع عمر عليه بالدرة فقال حذيفة اسكن يا خليفة المسلمين فانك باب من أبواب جهنم تمنع المنافقين ان يدخلوها فتبسم عمر عند ذلك ثم أقبل على اصحابه فقال لهم صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وأعلم اصحابه بالمنافقين فكان حذيفة يقول السكينة تنطق على لسانك بقوله لحذيفة انك أعرف الناس بالمنافقين. وأخرج الكشى باسناده عن ابى جعفر " ع " عن أبيه عن جده عن على ابن أبى طالب قال ضاقت الأرض بسبعة بهم ترزقون وبهم تنصرون وبهم تمطرون منهم سلمان الفارسى والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة وكان على " ع " يقول وانا امامهم وهم صلوا على فاطمة " ع ". وأخرج الترمذي عن حذيفة قال سألتنى امى متى عهدك برسول الله صلى الله عليه وآله فقلت منه كذا وكذا فنالت منى فقلت لها دعينى آتى رسول الله واصلي معه المغرب وأسأله ان يستغفر لى ولك فاتيته وصليت معه المغرب ثم قام فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعه فسمع صوتي فقال من هذا حذيفة قلت نعم قال ما حاجتك غفر الله لك ولأمك ان هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه ان يسلم على ويبشرني ان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
________________________________________
[ 286 ]
وأخرج الشيخ الطوسى في اماليه باسناده عن خالد بن خالد اليشكرى قال خرجت سنة فتح تستر حتى قدمت الكوفة فدخلت المسجد فإذا انا بحلقة فيها رجل جهم من الرجال فقلت من هذا فقال القوم اما تعرفه قلت لا قالوا هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قال فقعدت إليه فحدث القوم فقال ان الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله عن الخير وكنت اسأله عن الشر مخافة ان اقع فيه فانكر القوم ذلك عليه فقال سأحدثكم بما انكرتم انه جاء أمر الإسلام فجاء أمر ليس كأمر الجاهلية وكنت اعطيت من القرآن فقها وكانوا يجيئون فيسألون النبي فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله أيكون بعد هذا الخير شر قال نعم قلت فما العصمة منه قال صلى الله عليه وآله السيف قال قلت وهل بعد السيف بقية قال نعم تكون امارة على اقذاء أو هدنة على دخن قال قلت ثم ماذا قال ثم تنشأ دعاة الضلالة فان رأيت يومئذ خليفة عدل فالزمه وإلا فمت عاضا " على جذل شجرة. وروى ابن شهر اشوب مرفوعا " عن حذيفة قال لو احدثكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله لرجمتموني قالوا سبحان الله نحن نفعل قال لو أحدثكم ان بعض امهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها شديد بأسها تقاتلكم ما صدقتم قالوا سبحان الله ومن يصدق بهذا قال تأتيكم أمكم الحميراء في كتيبة يسوق بها اعلاجها من حيث تسوء وجوهكم. وذكر أبو موسى الأشعري عند حذيفة بالدين فقال اما أنتم فتقولون ذلك واما انا فاشهد انه عدو لله ولرسوله وحرب لهما في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار وروى إن عمارا " سئل عن أبى موسى فقال لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما " سمعته يقول صاحب البرنس الأسود ثم كلح كلوحا علمت أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط وكان حذيفة عارفا بهم. وروى ابن المغازلى في كتاب المناقب باسناده إلى حذيفة بن اليمان قال آخى
________________________________________
[ 287 ]
رسول الله صلى الله عليه وآله بين المهاجرين وكان يواخى بين الرجل ونظيره ثم أخذ بيد على بن أبى طالب " ع " فقال هذا أحى قال حذيفة فرسول الله صلى الله عليه وآله سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين ليس له شبيه ولا نظير وعلى أخوه. وإلى هذا المعنى اشار الصفى الحلى (ره). أنت سر النبي والصنو وابن * العم والصهر والأخ السجاد لو رأى مثلك النبي لآخاه * والا فأخطأ الأنتقاد وروى ان عليا " " ع " لما ادرك عمرو بن عبد ود ولم يضربه فوقع الناس في على فرد عنه حذيفة فقال النبي صلى الله عليه وآله يا حذيفة فان عليا " سيذكر سبب وقفته ثم أنه ضربه فلما جاء سأله النبي عن ذلك فقال " ع " قد كان شتم أمي وتفل في وجهى فخشيت ان أضربه لحظ نفسي فتركته حتى سكن ما بى ثم قتلته في الله قال المؤلف وإنما ذكرنا هذا الحديث لما يعلم به من اخلاص حذيفة لأمير المؤمنين " ع " من زمن النبي صلى الله عليه وآله. وروى أبو مخنف قال لما بلغ حذيفة بن اليمان ان عليا قد قدم ذا قار واستنفر الناس دعا أصحابه فوعظهم وذكرهم الله وزهدهم ورغبهم في الآخر وقال لهم الحقوا بامير المؤمنين " ع " وسيد الوصيين فان من الحق ان تنصروه وهذا أبنه الحسن وعمار قد قدما الكوفة يستفرون الناس فانفروا قال فنفر أصحاب حذيفة إلى أمير المؤمنين " ع " ومكث حذيفة بعد ذلك خمسة عشر ليلة وتوفى (رض) وقال المسعودي في مروج الذهب كان حذيفة عليلا بالمدائن في سنة ست وثلاثين فبلغه قتل عثمان وبيعة على " ع " فقال أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة فوضع على المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال أيها الناس ان الناس قد بايعوا عليا " ع " فعليكم بتقوى الله وأنصروا عليا وآزروه فوالله أنه لعلى الحق اولا وآخرا " وانه لخير من مضى بعد نبيكم ومن بعد نبيكم ومن بقى إلى يوم القيامة ثم اطبق يمينه على يساره وقال اللهم انى اشهدك انى قد بايعت عليا "
________________________________________
[ 288 ]
وقال الحمد لله الذى ابقانى إلى هذا اليوم وقال لأبنيه صفوان وسعد إذا أنا مت احملاني وكونا معه فسيكون له حرب يهلك فيها كثير من الناس فاجهدا ان تشهدا معه فانه والله على الحق ومن خالفه على الباطل. ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة ايام وقيل بأربعين يوما " هذا كلام المسعودي. قال المؤلف وشهد أبناه المذكوران بعد ذلك صفين مع أمير المؤمنين " ع " وقتلا بها شهيدين رحمهما الله. وعن أبى الحسن الرضا " ع " لما حضرته الوفاة قال لأبنته اية ساعدة هذه قالت آخر الليل قال الحمد لله الذى بلغني هذا المبلغ ولم اوال ظالما على صاحب حق ولم اعاد صاحب حق. وروى الديلمى في أرشاد القلوب مرفوعا " قال لما استخلف عثمان بن عفان آوى إليه عمه الحكم بن العاص وولده مروان بن الحكم ووجه عماله في الامصار وكان فيمن وجه الحرث بن الحكم إلى المدائن فاقام بها مدة يتعسف أهلها ويسئ معاملتهم فوفد منهم إلى عثمان وفد يشكونه واعلموه بسوء ما يعاملهم به واغلظوا عليه بالقول فولى حذيفة بن اليمان عليهم وذلك آخر ايامه فلم ينصرف حذيفة عن المدائن إلى ان قتل عثمان واستخلف على بن أبى طالب فاقام حذيفة عليها وكتب " ع " إليه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على أمير المؤمنين إلى حذيفة بن اليمان سلام عليك اما بعد فانى قد وليتك ما كنت عليه لمن كان قبلى من حرف المدائن وقد جعلت اليك اعمال الخراج والرستاق وجبابة أهل الذمة فاجمع اليك ثقاتك ومن احببت ممن ترضى دبنه وامانته واستعز بهم على اعمالك فان ذلك اعز اليك ولو ليك واكبت لعدوك وانى امرك بتقوى الله وطاعته في السر والعلانية واحذرك عقابه في الغيب والمشهد واتقدم اليك بالاحسان إلى المحسن والشدة على المعاند وآمرك بالرفق في امورك والدين والعدل في رعيتك
________________________________________
[ 289 ]
فانك مسائل عن ذلك وانصاف المظلوم والعفو عن الناس وحسن السيرة ما استطعت فان الله يجزى المحسنين وآمرك ان تجبى خراج الارضين على الحق والنصفة ولا تجاوز ما تقدمت به اليك ولا تدع منه شيئا " ولا تبدع فيه امرا " ثم اقسم بين أهله بالسوية والعدل واخفض لرعيتك جناحك وواس بينهم في مجلسك وليكن القريب والبعيد عندك في الحق سواء واحكم بين الناس بالحق واقم فيهم بالقسط ولا تتبع الهوى ولا تخف في الله لومة لائم فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وقد وجهت اليك لتقرأه على أهل مملكتك ليعلموا رأينا فيهم وفى جميع المسلمين فاحضرهم وأقرأ عليهم وخذ البيعة لنا على الصغير والكبير منهم ان شاء الله تعالى. فلما وصل عهد أمير المؤمنين إلى حذيقة جمع الناس فصلى بهم ثم امر بالكتاب فقرأ عليهم وهو بسم الله الرحمن الرحيم من على بن أبى طالب إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين سلام عليكم فانى احمد اليكم الله الذى لا إله إلا هو واسأله ان يصلى على محمد وآله اما بعد فان الله تعالى اختار الاسلام دينا " لنفسه وملائكته ورسله إحكاما لصنعه وحسن تدبيره ونظرا منه لعباده وخص به من أحبه من خلقه فبعث إليهم محمدا " فعلمهم الكتاب والحكمه اكراما " وتفضلا لهذه الأمة وادبهم لكى يهتدوا وجمعهم لئلا يتفرقوا ووقفهم لئلا يجوروا فلما قضى ما كان عليه من ذلك مضى إلى رحمة الله به حميدا " محمودا " ثم ان بعض المسلمين اقاموا بعده رجلين رضوا بهديهما وسيرتهما فاقاما ما شاء الله ثم توفاهما الله عزوجل ثم ولوا بعدهما الثالث فاحدث احداثا " ووجدت الأمة عليه فعالا فاتفقوا عليه ثم نقموا منه فغيروا ثم جاؤني كتتابع الخيل فبايعوني انى استهدى الله بهداه واستعينه على التقوى ألا وان لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله والقيام عليكم بحقه وإحياء سنته والنصح لكم بالمغيب والمشهد وبالله نستعين على ذلك وهو حسبنا ونعم الوكيل وقد وليت أموركم حذيفة بن اليمان وهو ممن أرضى بهداه وأرجوا صلاحه وقد أمرته بالأحسان إلى محسنكم والشدة على مريبكم
________________________________________
[ 290 ]
والرفق بجميعكم اسأل الله لنا ولكم حسن الخيرة والإسلام ورحمته الواسعة في الدنيا والآخرة ورحمة الله وبركاته، قال ثم ان حذيفة صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: الحمد لله الذى احيى الحق وامات الباطل وجاء بالعدل ودحض الجور وكبت الظالمين أيها الناس إنه ولا كم الله أمير المؤمنين " ع " حقا " حقا " وخير من نعلمه بعد نبينا واولى الناس بالناس وأحقهم بالأمر وأقربهم إلى الصدق وأرشدهم إلى العدل واهداهم سبيلا وادناهم إلى الله وسبيلة وأمسهم برسول الله صلى الله عليه وآله رحما انيبوا إلى طاعة أول الناس سلما واكثرهم علما وأقصدهم طريقة واسبقهم إيمانا " واحسنهم يقينا واكثرهم معروفا " وأقدمهم جهادا " وأعزهم مقاما " اخى رسول الله صلى الله عليه وآله وابن عمه وأبى الحسن والحسين وزوج الزهراء البتول سيدة نساء العالمين فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله وسنة نبيه فان لله في ذلك رضى ولكم مقنع وصلاح والسلام فقام الناس فبايعوا أمير المؤمنين " ع " احسن بيعة وأجمعها فلما أستتمت البيعة قام إليه فتى من ابناء العجم وولاة الأنصار لمحمد بن عمارة بن التيهان يقال له مسلم متقلدا سيفا " فناداه من أقصى الناس أيها الأمير إنا سمعناك تقول في اول كلامك قد ولا كم الله أمير المؤمنين حقا " حقا " تعرض بمن كان قبله من الخلفاء انهم لم يكونوا امراء المؤمنين حقا " حقا " فعرفنا ذلك أيها الإمير رحمك الله ولا تكتمنا فانك ممن شهد وعاين ونحن مقلدون ذلك اعناقكم والله شاهد عليكم فيما تأتون به من النصيحة لأمتكم وصدق الخبر عن نبيكم فقال حذيفة أيها الرجل اما إذا سألت وفحصت هكذا فاسمع وافهم ما اخبرك به اما من تقدم من الخلفاء قبل على بن أبى طالب من تسمى بأمير المؤمنين فانهم تسموا بذلك وسماهم الناس واما على بن أبى طالب " ع " فان جبرئيل سماه بذلك الأسم عن الله تعالى شهد له، ورسول الله عن سلام جبرئيل بامرة المؤمنين وكان أصحاب رسول الله يدعونه في حياة رسول الله بامرة المؤمنين قال الفتى كيف كان ذلك يرحمك الله ؟ قال حذيفة ان الناس كانوا يدخلون على رسول الله
________________________________________
[ 291 ]
قبل الحجاب فنهاهم رسول الله ان يدخل أحد إليه وعنده دحية بن خليفة الكلبى وكان رسول الله يراسل قيصر ملك الروم وبنى حنيفة وبنى غسان على يده وكان جبرئيل " ع " يهبط عليه في صورته ولذلك نهى رسول الله ان يدخل المسلمون عليه إذا كان عنده دحية قال حذيفة وانى أقبلت يوما " لبعض أمورى إلى رسول الله مهجرا " رجاء ان القاه خاليا " فلما صرت بالباب فإذا انا بشملة قد سدلت على الباب فرفعتها وهممت بالدخول وكذلك كنا نصنع فإذا انا بدحية قاعد عند رسول الله والنبى صلى الله عليه وآله نائم ورأسه في حجر دحية الكلبى فلما رأيته أنصرفت فلقينى على بن أبى طالب " ع " في بعض الطريق فقال يابن اليمان من اين أقبلت قلت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله قال وماذا صنعت عنده قال قلت اردت الدخول عليه في كذا وكذا وذكرت الأمر الذى جئت له فلم يتهيأ لى ذلك قال ولم قلت كان عنده دحية الكلبى وسألت عليا " معونتي على رسول في ذلك الأمر قال فارجع معى فرجعت معه فلما صرنا إلى باب الدار جلست بالباب ورفع على " ع " الشملة ودخل فسلم فسمعت دحية يقول وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثم قال له أجلس فخذ رأس أخيك وابن عمك من حجري فانت اولى الناس به فجلس على " ع " واخذ رأس رسول الله فجعله في حجره وخرج دحية من البيت فقال على أدخل يا حذيفة فدخلت وجلست فما كان باسرع من ان أنتبه رسول الله فضحك في وجه على ثم قال يا ابا الحسن من حجر من أخذت رأسي قال من حجر دحية الكلبى فقال ذلك جبرئيل فما قلت له حين دخلت وما قال لك قال دخلت فسلمت فقال لى وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال رسول الله يا على سلمت عليك ملائكة الله وسكان سمواته بامرة المؤمنين من قبل ان يسلم عليك أهل الأرض. يا على ان جبرئيل فعل ذلك عن امر الله تعالى وقد أوحى إلى عن ربى عزوجل من قبل دخولك ان أفرض ذلك على الناس وانا فاعل ذلك ان شاء الله تعالى فلما كان من الغد بعثنى رسول الله إلى ناحية فدك في
________________________________________
[ 292 ]
حاجة فلبثت اياما " ثم قدمت فوجدت الناس يتحدثون ان رسول الله أمر الناس ان يسلموا على على بامرة المؤمنين وان جبرئيل اتاه بذلك عن الله عزوجل فقلت صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا فقد سمعت جبرئيل يسلم على على بامرة المؤمنين فحدثتهم الحديث فسمعني عمر بن الخطاب وانا احدث الناس في المسجد فقال لى أنت رأيت جبرئيل وسمعته اتق القول فقد قلت قولا عظيما " وقد خولط بك فقلت نعم انا رأيت ذلك وسمعته فارغم الله انف من رغم فقال يا ابا عبد الله لقد رأيت وسمعت عجبا ". قال حذيفة فسمعني بريدة بن الخصيب الاسلمي وانا احدث ببعض ما رأيت وسمعت فقال لى والله يابن اليمان لقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالسلام على على " ع " بامرة المؤمنين فاستجابت له طائفة يسيره من الناس ورد ذلك عليه واباه كثير من الناس فقلت يا بريدة اكنت شاهدا ذلك اليوم فقال نعم من أوله إلى آخره فقلت له حدثنى به يرحمك الله فان كنت عن ذلك اليوم غائبا " فقال بريدة كنت انا وعمار أخى مع رسول الله في نخيل بنى النجار فدخل علينا على بن أبى طالب فسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وآله عليه السلام ورددنا ثم قال له يا على اجلس هناك فجلس فدخل رجال فامرهم رسول الله بالسلام على على " ع " بامرة المؤمنين فقال الأمر عن الله ورسوله فقال نعم ثم دخل طلحة وسعد بن مالك فقال لهما رسول الله سلما على على بامرة المؤمنين فقالا عن الله ورسوله فقال نعم قالا سمعنا واطعنا ثم دخل سلمان الفارسى وأبو ذر الغفاري فسلما فرد عليهما السلام ثم قال سلما على على بامرة المؤمنين فسلما ولم يقولا شيئا ثم دخل عمار والمقداد فسلما فرد عليهما السلام وقال سلما على على " ع " بامرة المؤمنين ففعلا لم يقولا شيئا " ثم دخل عثمان وأبو عبيدة فسلما فرد عليهما السلام وقال سلما على على بامرة المؤمنين قالا عن الله ورسوله ؟ قال نعم: ثم دخل فلان وفلان وعد جماعة من المهاجرين والأنصار كل ذلك يقول رسول الله سلموا على على بامرة المؤمنين
________________________________________
[ 293 ]
فبعض سلم ولم يقل شيئا " وبعض يقول للنبى عن الله ورسوله فيقول نعم حتى غص المجلس باهله وامتلات الحجرة وجلس بعض على الباب وفى الطريق وكانوا يدخلون فيسلمون ويخرجون ثم قال لى ولأخي قم يا بريدة أنت وأخوك فسلما على على " ع " بامرة المؤمنين فقمنا وسلمنا ثم عدنا إلى مواضعنا فجلسنا ثم أقبل رسول الله عليهم جميعا " فقال اسمعوا وعوا انى أمرتكم ان تسلموا على على بامرة المؤمنين وان رجالا سألوني إذا لك عن أمر الله وامر رسوله ما كان لمحمد ان يأتي أمرا " من تلقاء نفسه بل بوحى ربه وامره افرأيتم والذى نفسي بيده لأن أبيتم ونقضتموه لتكفرون ولتفارقون ما بعثنى به ربى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر قال بريدة فلما خرجنا سمعت بعض أولئك الذين أمروا بالسلام على على " ع " بامرة المؤمنين من قريش يقول لصحابه وقد التقت بهما طائفة من الجفاة البغاة عن الإسلام من قريش اما رأيت ما صنع محمد " ص " بابن عمه من علو المنزلة والمكان لو يستطيع والله لجعله نبيأ من بعده فقال له صاحبه امسك ولا يكبرن عليك هذا فانا لو فقدنا محمدا " لكان فعله هذا تحت اقدامنا قال حذيفة ومضى بريدة إلى بعض طريق الشام ورجع وقد قبض رسول الله وبايع الناس ابا بكر فاقبل بريدة ودخل المسجد وأبو بكر على المنبر وعمر دونه بمرقاة فناداهما من ناحية المسجد يا ابا بكر ويا عمر فقال أبو بكر مالك يا بريدة اجننت قال لهما والله ما جننت ولكن اين سلامكما بالأمس على على بامرة المؤمنين فقال له أبو بكر يا بريدة الأمر يحدث بعده الأمر وانك غبت وشهدنا والشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال لهما رأيتما ما لم ير الله ورسول الله ولكن وفى لك صاحبك بقوله لو فقدنا محمدا صلى الله عليه وآله لكان قوله هذا تحت اقدامنا الا ان المدينة حرام على ان اسكنها ابدا " حتى أموت فخرج بريدة باهله وولده فنزل بين قومه بنى أسلم فكان يطلع في الوقت دون الوقت فما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين سار إليه وكان معه حتى قدم العراق فلما أصيب أمير المؤمنين سار إلى خراسان فنزلها ولبث هناك إلى
________________________________________
[ 294 ]
أن مات رحمه الله، قال حذيفة فهذا انباء ما سألتنى عنده فقال الفتى لا جزى الله الذين شهدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسمعوه يقول هذا القول لعلى " ع " خيرا " فقد خانوا الله ورسوله وازالوا الامر عمن رضيه الله ورسوله وأقروه فيمن لم يره الله ولا رسوله لذلك اهلا لا جرم والله لن يفلحوا بعدها فنزل حذيفة عن منبره فقال يا أخا الانصار ان الامر كان أعظم مما تظن انه غرب والله البصير وذهب اليقين وكثر المخالف وقل الناصر لاهل الحق فقال له الفتى فهلا انتضيتم اسيافكم ووضعتموها على رقابكم وضربتم بها الزائلين عن الحق قدما قدما حتى تموتوا أو تدركوا الامر الذى تحبونه من طاعة الله عزوجل وطاعة رسوله فقال له أيها الفتى أنه أخذوا والله باسماعنا وأبصارنا وكرهنا الموت وتزينت لنا الحياة وسبق علم الله بامرة الظالمين ونحن نسأل الله التغمد لذنوبنا والعصمة فيما بقى من آجالنا فانه مالك رحيم ثم أنصرف حذيفة إلى منزله وتفرق الناس، قال عبد الله فبينا أنا ذات يوم عند حذيفة أعرده في مرضه الذى مات فيه وقد كان يوم قدمت فيه من الكوفة وذلك من قبل قدوم على عليه السلام إلى العراق فبينما انا عنده إذ جاء الفتى الانصاري فدخل على حذيفة فرحب به وادناه وقرب مجلسه وخرج من كان عند حذيفة من عواده وأقبل عليه الفتى فقال يا ابا عبد الله سمعتك يوما تحدث عن بريدة بن الخصيب الأسلمي أنه سمع بعض القوم الذين أمرهم رسول الله أن يسلموا على على بامرة المؤمنين يقول لصاحبه اما رأيت اليوم ما صنع محمد بابن عمه من التشريف وعلو المنزلة حتى لو قدر ان يجعله نبيا لفعل فاجابه صاحبه وقال لا يكبرن عليك فلو فقدنا محمدا " لكان قوله نحت اقدامنا وقد ظننت نداء بريدة لهما وهما على المنبر انهما صاحبا القوم قال حذيفة أجل القائل عمر والمجيب أبو بكر فقال الفتى إنا لله وإنا إليه راجعون هلك والله القوم وضلت اعمالهم قال حذيفة ولم يزل القوم على ذلك من الارتداد وما يعلم الله منهم اكثر فقال الفتى قد كنت أحب ان أتعرف هذا الأمر من فعله ولكني اجدك مريضا
________________________________________
[ 295 ]
وانا اكره ان املك بحديثي ومسألتي وقام لينصرف فقال حذيفة لا بل أجلس يابن أخى وتلق منى حديثهم وان كربنى ذلك فلا أحسبنى إلا مفارقكم إنى لا أحب ان لا تغتر منزلتهما في الناس فهذا ما أقدر عليه من النصيحة لك ولأمير المؤمنين من الطاعة له ولرسوله وذكر منزلته فقال يا ابا عبد الله حدثنى بما عندك من أمورهم لأكون على بصيرة من ذلك فقال حذيفة إذا والله لاخبرنك بخبر سمعته ورأيته ولقد والله دلنا ذلك من فعلهم على انهم والله ما آمنوا بالله ولا برسوله طرفة عين وأخبرك ان الله تعالى أمر رسوله في سنة عشر من مهاجرته من مكة إلى المدينة ان يحج هو ويحج الناس معه فأوحى الله بذلك (واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) فامر رسول الله صلى الله عليه وآله المؤذنين فاذنوا في أهل السافلة والعالية ألا ان رسول الله قد عزم على الحج في عامه هذا ليفهم الناس حجهم ويعلمهم مناسكهم فيكون سنة لهم إلى آخر الدهر قال فلم يبق أحد ممن دخل في الإسلام الا حج مع رسول الله سنة عشر ليشهدوا منافع لهم ويعلمهم حجهم ويعرفهم مناسكهم وخرج رسول الله بالناس وبنسائه معه وهى حجة الوداع فلما أستتم حجهم وقضوا مناسكهم وعرف الناس جميع ما أحتاجوا إليه وأعلمهم أنه قد أقام لهم ملة ابراهيم " ع " وقد أزال عنهم جميع ما أحدثه المشركون بعده ورد الحج إلى حالته الاولى ودخل مكة فاقام بها يوما " واحدا " فهبط الامين جبرئيل باول سورة العنكبوت فقال أقرأ يا محمد: بسم الله الرحمن الرحيم: الم أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ام حسب الذين يعملون السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون) فقال رسول الله يا جبرئيل وما هذه الفتنة فقال يا محمد ان الله يقرئك السلام ويقول لك إنى ما أرسلت نبيا قبلك إلا أمرته عند أنقضاء أجله أن يستخلف على أمته من بعده من يقوم مقامه ويحيى لهم سنته وأحكامه فالمطيعون لله فيما يأمرهم به رسول الله هم الصادقون
________________________________________
[ 296 ]
والمخالفون على أمره هم الكاذبون وقد دنا يا محمد مصيرك إلى ربك وجنته وهو يأمرك أن تنصب لامتك من بعدك على بن أبى طالب وتعهد إليه فهو الخليفة القائم برعيتك وأمتك ان أطاعوه وإن عصوه وسيفعلون ذلك وهى الفتنة التى تلوت عليك الآية فيها وان الله عزوجل يأمرك ان تعلمه جميع ما علمك وتستحفظه جميع ما حفظك واستودعك فهو الامين المؤتمن. يا محمد إخترتك من عبادي نبيا " وأخترته وصيا ". قال فدعا رسول الله عليا " فخلا به يومه ذلك وليلته وأستودعه العلم والحكمة التى آتاه الله إياها وعرفه ما قال جبرئيل وكان ذلك في يوم عائشة أبنة أبى بكر، فقالت يا رسول الله لقد طال أستخلاؤك بعلى منذ اليوم، قال فاعرض عنها رسول الله فقالت لم تعرض عنى يا رسول الله بأمر لعله يكون لى صلاحا " فقال صدقت وايم الله أنه لامر صلاح لمن أسعده الله بقوله والايمان به وقد أمرت بدعاء الناس جميعا " إليه وستعلمين ذلك إذا أنا قمت به في الناس. قالت يا رسول الله ولم لا تخبرني به الآن لا تقدم بالعمل به والأخذ بما فيه الصلاح قال سأخبرك فاحتفظيه إلى أن اؤمر بالقيام به في الناس جميعا " فانك ان حفظتيه حفظك في العاجلة والآجلة جميعا " وكانت لك الفضيلة بسبقه والمسارعة إلى الأيمان بالله ورسوله وان أضعتيه وتركت رعاية ما القى اليك منه كفرت نربك وحبط اجرك وبرئت منك ذمة الله وذمة رسوله وكنت من الخاسرين ولم يضر الله ذلك ولا رسوله فضمنت له حفظه والايمان به ورعايته فقال ان الله تعالى أخبرني ان عمرى قد أنقضى وأمرني ان أنصب عليا " للناس علما وأجعله فيهم إماما " وأستخلفه كما أستخلف الانبياء من قبلى أوصياءها وأنا صائر إلى أمر ربى وآخذ فيه بأمره فليكن هذا الامر منك نحت سويداء قلبك إلى أن يأذن الله بالقيام به فضمنت له ذلك وقد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله على ما يكون منها فيه ومن صاحبتها حفصة وأبويهما فلم تلبث أن أخبرت حفصة وأخبرت كل واحدة منهما أباها فاجتمعها فارسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين فخبراهم بالامر فاقبل
________________________________________
[ 297 ]
بعضهم على بعض وقالوا ان محمدا " يريد أن يجعل هذا الامر في بيته كسنة كسرى وقيصر إلى آخر الدهر ولا والله مالكم في الحياة من حظ إن أفضى هذا الامر إلى على بن أبى طالب وان محمدا " عاملكم على ظاهركم وان عليا " يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم فاحسنوا النظر لانفسكم في ذلك وقدموا آراءكم فيه ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأحالوا الرأى فاتفقوا على ان ينفروا برسول الله صلى الله عليه وآله ناقته على عقبة الهرشا وقد كانوا صنعوا مثل ذلك في غزاة تبوك فصرف الله السوء عن نبيه صلى الله عليه وآله واجتمعوا في أمر رسول الله من القتل والاغتيال واسقاء السم على غير وجه وقد كان اجتمع أعداء رسول الله من الطلقاء من قريش والمنافقين من الانصار ومن كان في قلبه الارتداد من العرب في المدينة وما حولها فتعاقدوا وتحالفوا على ان ينفروا به ناقته وكانوا (أربعة عشر رجلا) وكان من عزم رسول الله صلى الله عليه وآله ان يقيم عليا " وينصبه للناس بالمدينة إذا قدم فسار رسول الله صلى الله عليه وآله يومين وليلتين فلما كان في اليوم الثالث أتاه جبرئيل " ع " بآخر سورة الحجر فقال أقرأ (ليسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين) قال ورحل رسول الله صلى الله عليه وآله يعدوا السير مسرعا " على دخول المدينة لينصب عليا " ع " علما للناس فلما كانت الليلة الرابعة هبط جبرئيل " ع " في آخر الليل فقرأ عليه (يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدى القوم الكافرين) وهم الذين هموا برسول الله صلى الله عليه وآله فقال أما تراني يا جبرئيل أعدو السير مجدا " فيه لا دخل المدينة فأفرض ولاية على " ع " على الشاهد والغائب فقال له جبرئيل إن الله يأمرك ان تفرض ولاية على غدا إذ نزلت منزلك فقال رسول الله نعم يا جبرئيل غدا " أفعل ذلك ان شاء الله تعالى. وامر رسول الله صلى الله عليه وآله بالرحيل من وقته وسار الناس معه حتى نزل (بغدير خم) فصلى بالناس وأمرهم ان يجتمعوا إليه ودعا عليا " " ع " فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يد على " ع " اليسرى بيده
________________________________________
[ 298 ]
اليمنى ورفع صوته بالولاية لعلى " ع " على الناس أجمعين وفرض طاعته عليهم وأمرهم ان لا يختلفوا عليه بعده وخبرهم ان ذلك من أمر الله تعالى وقال لهم: الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: " فمن كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله، ثم أمر الناس ان يبايعوه فبايعه الناس جميعا " ولم يتكلم منهم أحد وقد كان أبو بكر وعمر تقدما إلى الجحفة فبعث وردهما ثم قال لهما النبي صلى الله عليه وآله متجهما لهما يابن أبى قحافة ويا عمر بايعا عليا " بالولاية من بعدى فقالا: أمر من الله ومن رسوله فقال ؟ وهل يكون مثل هذا من غير أمر من الله ومن رسوله نعم أمر من الله ومن رسوله فبايعا. ثم انصرفا وسار رسول الله صلى الله عليه وآله باقى يومه وليلته حتى إذا دنو من عقبة (هرشا) فقدمه القوم فتواروا في ثنية العقبة وقد حملوا معهم دبابا " وطرحوا فيها الحصى فقال حذيفة فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا عمار بن ياسر وأمره ان يسوق ناقته وأنا أقودها حتى إذا سرنا في رأس العقبة ثار القوم من ورائنا ودحرجوا الدباب بين فوائم الناقة فذعرت وكادت ان تنفر برسول الله فصاح بها النبي ان أسكني فليس عليك بأس فانطقها الله بقول عربي فصيح فقالت والله يا رسول الله لا ازلت بدا " عن مستقرا " يد ولا رجلا عن موضع رجل وأنت ظهرى. فتقدم القوم ألى الناقة ليدفعوها فاقبلت انا وعمار لنضرب وجوههم بأسيافنا وكانت ليلة مظلمة فزالوا عنا وآيسوا مما ظنوا وادبروا، فقلت يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين يريدون ما ترى ؟ فقال يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا والآخرة فقلت ألا تبعث إليهم يا رسول الله رهطا فيأتوا برؤوسهم ؟ فقال ان الله أمرنى أن أعرض عنهم واكره ان يقول الناس انه دعا اناسا من قومه وأصحابه إلى دينه فاستجابوا له فقاتل بهم حتى ظهر على عدوه ثم أقبل عليهم فقتلهم ولكن دعهم يا حذيفة فان الله لهم بالمرصاد وسيمهلهم قليلا ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ. فقلت من هؤلاء المنافقون يا رسول الله أمن
________________________________________
[ 299 ]
المهاهرين أم من الانصار ؟ فسماهم إلى رجلا رجلا حتى فرغ منهم ولقد كان فيهم اناس كنت كارها " ان يكون فيهم فامسكت عند ذلك فقال رسول الله يا حذيفة كأنك شاك في بعض من سميت لك أرفع رأسك إليهم فرفعت طرفي إلى القوم وهم وقوف على الثنية فبرقت برقة اضاءت ما حولنا وثبتت البرقة حتى خلتها شمسا طالعة فنظرت والله إلى القوم فعرفتهم رجلا رجلا فأذا هم كما قال رسول الله وعدد القوم (أربعة عشر رجلا) تسعة من قريش وخمسة من سائر الناس فقال له الفتى سمهم لنا يرحمك الله ؟ فقال حذيفة هم والله أبو بكر. وعمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف. وسعد بن أبى وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص هؤلاء من قريش: وأما الخمسة الأخر: فأبو موسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة الثقفى، واوس بن الحدثان البصري، وأبو هريرة، وأبو طلحة الأنصاري. قال حذيفة ثم أنحدرنا من العقبة وقد طلع الفجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله فتوضأ وأنتظر أصحابه حتى انحدروا من العقبة وأجتمعوا فرأيت هؤلاء بأجمعهم وقد دخلوا مع الناس وصلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أنصرف رسول الله من صلاته التفت فنظر إلى أبى بكر وعمر وأبى عبيدة يتناجون فأمر مناديا فنادى في الناس لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر وأرتحل رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس من منزل العقبة فلما نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى أبى حذيفة أبا بكر وأبا عبيدة يسار بعضهم بعضا " فوقف عليهم وقال أليس قد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ان لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس على سر والله لتخبروني فيما أنتم وإلا أتيت رسول الله فأخبره بذلك منكم فقال أبو بكر يا سالم عليك عهد الله وميثاقه فان نحن خبرناك بالذى نحن فيه وبما اجتمعنا فان أحببت ان تدخل معنا فيه دخلت وكنت رجلا منا وان كرهته كتمته علينا: فقال سالم لكم ذلك وأعطاهم بذلك عهده وميثاقه وكان سالم شديد البغض والعداوة لعلى بن أبى طالب عليه السلام: وعرفوا ذلك منه فقالوا إنا قد أجتمعنا
________________________________________
[ 300 ]
على ان نتحالف ونتعاقد على ان لا نطيع محمدا " فيما فرض علينا من ولاية على ابن أبى طالب بعده فقال لهم سالم عليكم عهد الله وميثاقه ان في هذا الأمر كنتم تخوضون وتناجون ؟ قالوا أجل علينا عهد الله وميثاقه إنما كنا في هذا الأمر بعينه لا في شئ سواه قال سالم وانا والله أول من يعاقدكم على هذا الأمر ولا اخالفكم عليه انه والله ما طلعت شمس على أهل بيت أبغض إلى من بنى هاشم ولا في بنى هاشم أبغض إلى ولا أمقت من على بن أبى طالب فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم فانى واحد منكم فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر ثم تفرقوا. فلما أراد رسول الله المسير أتوه فقال لهم فيما كنتم تنتاجون في يومكم هذا وقد نهيتكم عن النجوى فقالوا يا رسول الله ما التقينا غير وقتنا هذا فنظر إليهم النبي صلى الله عليه وآله مليا ثم قال لهم أنتم أعلم أم الله (ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون) ثم سار صلى الله عليه وآله حتى دخل المدينة وأجتمع القوم جميعا " وكتبوا صحيفة بينهم على ذكر ما تعاقدوا عليه في هذا الأمر وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية على بن أبى طالب " ع " وان الأمر لأبى بكر وعمر وابى عبيدة وسالم معهم ليس بخارج منهم وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا أصحاب العقبة وعشرون رجلا أخر وأستودعوا الصحيفة ابا عبيدة بن الجراح وجعلوه أمينهم عليها قال فقال الفتى يا ابا عبد الله يرحمك الله هبنا ان نقول هؤلاء القوم رضوا ابا بكر وعمر وابا عبيدة لأنهم من مشيخة قريش ومن المهاجرين الأولين فما بالهم رضوا بسالم وليس هو من قريش ولا من المهاجرين والانصار وانما هو لأمرؤ من الأنصار قال حذيفة ان القوم أجمع تعاقدوا على إزالة هذا الأمر عن على بن أبى طالب حسدا " منهم له وكراهة لأمرته وأجتمع لهم مع ذلك ما كان في قلوب قريش عليه في سفك الدماء وكان خاصة رسول الله وكانوا يطلبون الثار الذى أوقعه رسول الله بهم عند على من بنى هاشم فانما العقد على ازالة الأمر عن على ابن أبى طالب " ع " هؤلاء الأربعة عشر وكانوا يرون ان سالم رجل منهم فقال
________________________________________
[ 301 ]
الفتى فخبرني يرحمك الله عما كتب جميعهم في الصحيفة لأعرفه فقال حذيفة حدثتني بذلك أسماء بنت عميس الخثعمية أمرأة أبى بكر ان القوم أجتمعوا في منزل أبى بكر فتووامروا في ذلك وأسماء تسمعهم وتسمع جميع ما يديرونه في ذلك حتى أجتمع رأيهم على ذلك فامروا سعيد بن العاص الأموي فكتب لهم الصحيفة بأتفاق منهم وكانت نسخة الصحيفة بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اتفق عليه الملا من أصحاب محمد رسول الله من المهاجرين والانصار الذين مدحهم الله تعالى في كتابه على لسان نبيه أتفقوا جميعا " بعد ان أجتهدوا في آرائهم وتشاوروا في أمورهم وكتبوا هذه الصحيفة نظرا " منهم إلى الإسلام وأهله على غابر الأيام وباقى الدهور وليقتدى بهم من يأتي من بعدهم من المسلمين اما بعد فان الله بمنه وكرمه بعث محمدا " رسولا إلى الناس كافة بدينه الذى أرتضاه لعباده فأدى من ذلك وبلغ ما امره الله به واوجب علينا القيام بجميعه حتى إذا اكمل الدين وفرض الفرائض وأحكم السنن اختار الله له ما عنده فقبضه إليه مكرما محبورا من غير ان يستخلف احدا " من بعده وجعل الاختيار إلى المسلمين يختارون لانفسم ما وثقوا برأيه ونصحه وان للمسلمين في رسول الله اسوة حسنة قال الله تعالى (ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) ان رسول الله لم يستخلف احدا " لئلا يجرى ذلك في بيت واحد فيكون ارثا " دون سائر المسلمين ولئلا يكون دولة بين الاغنياء منكم ولئلا يقول المستخلف ان هذا الامر باق في عقبه من ولد إلى ولد إلى يوم القيامة والذى يجب على المسلمين عند مضى خليفة من الخلفاء ان يجتمع ذووا الرأى والصلاح منهم فيتشاوروا في أمورهم فمن رأوه مستحقا له ولوه أمورهم وجعلوه القيم عليهم فانه لا يخفى على أهل كل زمان من يصلح منهم للخلافة فان ادعى مدع من الناس جميعا " ان رسول الله أستخلف رجلا بعينه نصبه للناس ونص عليه باسمه ونسبه فقد ابطل في قوله واتى بخلاف ما تعرفه أصحاب رسول الله وخالف جماعة المسلمين ان ادعى مدع ان خلافة رسول الله
________________________________________
[ 302 ]
ارث وان رسول الله صلى الله عليه وآله يورث فقد احال في قوله لأن رسول الله قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وان أدعى مدع ان الخلافة لا تصلح إلا لرجل واحد من بين الناس جميعا " وانها مقصورة فيه لا ينبغى لغيره لأنها تتلوا النبوة فقد كذب لان النبي قال: أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم وإذا أدعى مدع أنه يستحق الخلافة والامامة بقربه من رسول الله ثم هي مقصورة عليه وعلى عقبه يرثها الولد منهم عن والده ثم هي كذلك في كل عصر وزمان لا تصلح لغيرهم ولا ينبغى ان تكون لاحد سواهم إلى ان يرث الله الارض ومن عليها فليس له ولا لولده وان دنا من النبي نسبه لأن الله يقول وقوله القاضى على كل احد ان اكرمكم عند الله اتقاكم وقال رسول الله ان ذمة المسلمين واحدة يسعى بها ادناهم وكلهم يد واحده على من سواهم فمن آمن بكتاب الله وأقر بسنة رسول الله فقد استقام واناب واخذ بالصواب ومن كره ذلك من فعلهم فقد خالف الحق والكتاب وفارق جماعة المسلمين فاقتلوه فان قتله صلاح الامة وقد قال رسول الله من جاء إلى أمتى وهم جميع ففرق بينهم فاقتلوه واقتلوا الفرد كائنا " ما كان فان الاجتماع رحمة والفرقة عذاب ولا يجتمع امتى على ضلال ابدا " وان المسلمين يد واحدة على من سواهم فانه لا يخرج من جماعة إلا مفارق معاند لهم مظاهر عليهم اعداءهم فقد اباح الله ورسوله دمه واحل قتله. وكتبها سعيد بن العاص باتفاق ممن اثبت أسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة في المحرم سنة عشر من الهجرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا النبي وآله. ثم دفعت الصحيفة إلى أبى عبيده بن الجراح فوجه بها إلى مكة فلم نزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى ان ولى الامر عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها وهى الصحيفة التى تمنى أمير المؤمنين " ع " عليه لما توفى عمر فوقف عليه وهو مسجى بثوبه فقال ما احب ان القى الله الا بصحيفة هذا المسجى ثم أنصرفوا وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس صلوة الفجر ثم جلس في مجلسه يذكر الله عزوجل حتى طلعت الشمس فالتفت إلى أبى عبيدة بن الجراح
________________________________________
[ 303 ]
فقال بخ بخ من مثلك لقد أصبحت أمين هذه الامة ثم تلا (فويل للذين يكتبون الكتاب بايدهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا " قليلا فويل لهم مما كتبت أيدهم وويل لهم مما يكسبون) لقد اشبه هؤلاه رجال في هذه الامة يستخفون من الناس ولا يستحقون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا " ثم قال صلى الله عليه وآله لقد اصبح في هذه الامة في يومى هذا قوم ضاهوهم في صحيفتهم التى كتبوها علينا وعلقوها في الكعبة وان الله تعالى يعذبهم عذابا " ليبتليهم ويبتلي من يأتي من بعدهم تفرقة بين الخبيث والطيب ولولا انه تعالى أمرنى بالاعراض عنهم للامر الذى هو بالغه لقدمتهم فضربت اعناقهم قال حذيفة فوالله لقد رأينا هؤلاء النفر عند ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله هذه المقالة ولقد أخذتهم الرعدة فما يملك أحد من نفسه شيئا " ولم يخف على أحد ممن حضر مجلس رسول الله ذلك اليوم ان رسول الله اياهم عنى بقول ولهم ضرب تلك الامثال بما تلا من القرآن قال ولما قدم رسول الله من سفره ذلك نزل منزل أم سلمة زوجته فاقام بها شهرا " لا ينزل منزلا سواه من منازل أزواجه كما كان يفعل قبل ذلك قال فشكت عائشة وحفصة ذلك إلى أبويهما فقالا لهما انا لا نعلم لم صنع ذلك ولاى شئ هو أمضيا إليه فلا طفاه في الكلام وخادعاه عن نفسه فانكما تجد انه حييا " كريما " فلعلكما تسلان ما في قلبه وتستخرجان سخيمته قال فمضت عائشة وحدها إليه فاصابته في منزل أم سلمة وعنده على بن أبى طالب " ع " فقال لها النبي ما جاء بك يا حميراء قالت يا رسول الله انكرت نخلفك عن منزلك هذه المدة وانا اعوذ بالله من سخطك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله لو كان الامر كما تقولين لما اظهرت سرا " أوصيتك بكتمانه لقد هلكت واهلكت أمة من الناس قال ثم أمر خادمة أم سلمة فقال أجمعى لى هؤلاء يعنى نساءه فجمعتهن له في منزل أم سلمة فقال لهن أسمعن ما أقول لكن واشار بيده إلى على بن أبى طالب " ع " فقال لهن هذا أخى ووصى ووارثى والقائم فيكن وفى الامة من بعدى فاطعنه فيما
________________________________________
[ 304 ]
يأمركن ولا تعصينه فتهلكن بمعصيته ثم قال يا على أوصيك بهن فامسكهن ما أطعن الله واطعنك وأنفق عليهن من مالك وامرهن بامرك وانههن عما يريبك وخل سبيلهن ان عصينك فقال على " ع " يا رسول الله انهن نساء وفيهن الوهن وضعف الرأى فقال ارفق بهن ما كان الرفق بهن امثل فمن عصاك منهن فطلقها طلاقا " يبرأ الله ورسوله منها قال وكان نساء النبي قد صمتن فلم يقلن شيئا " وتكلمت عائشة فقالت يا رسول الله ما كنا لتأمرنا بالشئ فنخالفه الى ما سواه فقال لها بلى يا حميراء قد خالفت أمرى أشد الخلاف وايم الله لتخالفين قولى هذا ولتعصينه بعدى ولتخرجن من البيت الذى اخلفك فيه متبرجة قد حف بك فئام من الناس فتخالفيه ظالمة عاصية لربك ولينبحنك في طريقك كلاب الحوأب ألا ان ذلك كائن ثم قال قمن فانصرفن إلى منازلكن فقمن وانصرفن قال ثم ان رسول الله جمع أولئك النفر ومن مالاهم على على " ع " وطابقهم على عداوته ومن كان من الطلقاء والمنافقين وكانوا زها. أربعة الآف رجل فجعلهم تحت يد اسامة بن زيد مولاه وأمره عليهم وامرهم بالخروج إلى ناحية من الشام فقالوا يا رسول الله انا قدمنا من سفرنا الذى كنا فيه معك ونحن نسألك ان تأذن لنا في المقام لنصلح من شأننا بصلحنا في سفرنا قال فامرهم ان يكونوا في المدينة ربث اصلاح ما يحتاجون إليه وامر اسامة بن زيد فعسكر بهم على اميال من المدينة فاقام بهم بمكانه الذى حده له رسول الله صلى الله عليه وآله منتظرا " القوم ان يوافوه إذا فرغوا من أمورهم وقضاء حوائجهم وإنما اراد رسول الله بما صنع من ذلك ان تخلوا المدينة منهم ولا يبقى بها احد من المنافقين قال فهم على ذلك من شأنهم ورسول الله يحثهم وبأمرهم بالخروج والتعجيل إلى الوجه الذى نديهم إليه إذ مرض رسول الله مرضه الذى توفى فيه فلما رأوا ذلك تباطوا عما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله من الخروج فامر قيس بن عبادة وكان سياف رسول الله والحباب بن المنذر في جماعة من الانصار ان يرحلوا بهم إلى عسكرهم فاخرجهم قيس بن سعد والحباب بن
________________________________________
[ 305 ]
المنذر حتى القاهم بعسكرهم وقالا لاسامة ان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرخص لك في التخلف فسر من وقتك هذا ليعلم رسول الله ذلك فارتحل بهم اسامة وأنصرف قيس والحباب بن المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخبراه برحلة القوم فقال صلى الله عليه وآله لهما ان القوم غير سائرين من مكانهم قال وخلا أبو بكر وعمرو أبو عبيدة باسامة وجماعة من أصحابه فقالوا إلى اين تنطلق وتخلى المدينة أحوج ما كنا إليها والى المقام بها فقال لهم وما ذلك قالوا ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد نزل به الموت والله لئن خلينا المدينة ليحدثن بها أمور لا يمكن اصلاحها فننظر ما يكون من أمر رسول الله ثم المسير بين ايدينا قال فرجع القوم إلى المعسكر الاول فاقاموا به وبعثوا رسولا يتعرف لهم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فاتى الرسول عائشة فسألها عن ذلك سرا " فقالت أمض إلى أبى بكر وعمر ومن معهما فقل لهما ان رسول الله قد ثقل فلا يبرحن أحد منكم وانا أعلمكم بالخبر وقتا بعد وقت واشتدت علة رسول الله فدعت عائشة صهيبا " فقالت أمض إلى أبى بكر وأعلمه ان محمدا في حال لا يرجى فهلم الينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتم ان يدخل معكم وليكن دخولكم المدينة في الليل قال فأتاهم الخبر فاخذوا بيد صهيب فادخلوه على أسامة بن زيد فاخبره الخبر وقالوا له كيف ينبغى لنا ان نتخلف عن مشاهدة رسول الله صلى الله عليه وآله واستأذنوه في الدخول فاذن لهم في الدخول وأمرهم ان لا يعلم بدخولهم احد فان عوفي رسول الله صلى الله عليه وآله رجعتم إلى عسكركم وان حدث حادث الموت عرفونا ذلك لنكون في جماعة الناس فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة ورسول الله صلى الله عليه وآله قد ثقل فافاق بعض الافاقة فقال صلى الله عليه وآله لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شر عظيم فقيل له وما هو يارسول الله صلى الله عليه وآله فقال ان الذين كانوا في جيش اسامة قد رجع منهم نفر مخالفون لامرى ألا انى إلى الله منهم برئ ويحكم نفذوا جيش اسامة فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة قال وكان بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله يؤذنه بالصلاة في كل وقت صلاة فان قدر على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس وان هو لم
________________________________________
[ 306 ]
يقدر على الخروج أمر على بن أبى طالب " ع " يصلى بالناس وكان على بن أبى طالب والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله من ليلته التى قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يد أسامة اذن بلال ثم اتاه يخبره كعادته فوجده قد ثقل فمنع من الدخول عليه فأمرت عائشة صيهبا " ان يمضى إلى أبيها فيعلمه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد ثقل وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلى ابن أبى طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس فاخرج أنت إلى المسجد فصل بالناس فانها حيلة تهنيك وحجة لك بعد اليوم قال فلم يشعر الناس وهم في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وآله أو عليا " يصلى بهم كعادته التى عرفوها في مرضه إذ دخل أبو بكر المسجد وقال ان رسول الله قد ثقل وقد امرني ان أصلى بالناس فقال له رجل من أصحاب رسول الله وأنى لك ذلك وأنت في جيش اسامة ولا والله ما أعلم احدا " بعث اليك ولا أمرك بالصلاة ثم نادى الناس بلالا فقال على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك ثم أسرع حتى اتى الباب فدقه دقا " شديدا " فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ما هذا الدق العنيف فانظروا ما هو قال فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال فقال ما وراءك فقال ان أبا بكر دخل المسجد وتقدم حتى وقف في مقام رسول الله وزعم ان رسول الله أمره بذلك فقال أو ليس أبو بكر مع اسامة في الجيش هذا والله هو الشر العظيم الذى طرق البارحة المدينة لقد اخبرنا رسول الله بذلك ودخل الفضل وادخل بلال معه فقال صلى الله عليه وآله ما وراءك يا بلال فاخبر رسول الله الخبر فقال صلى الله عليه وآله أقيموني اقيموني أخرجوني إلى المسجد والذى نفسي بيده قد نزلت بألاسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن ثم خرج معصوب الرأس يتهادى بين على " ع " والفضل بن العباس ورجلاه تجران في الارض حتى دخل المسجد وأبو بكر قائم في مقام رسول الله وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا معه واكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي به بلال فلما رأى الناس
________________________________________
[ 307 ]
رسول الله صلى الله عليه وآله قد دخل المسجد وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض اعظموا ذلك وتقدم رسول الله فجذب ابا بكر من ورائه فنحاه عن المحراب وأقبل ابو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وأقبل الناس فصلوا خلف رسول الله وهو جالس وبلال يسمع الناس التكبير حتى قضى صلاته ثم التفت فلم ير ابا بكر فقال أيها الناس الا تعجبون من ابن ابى قحافة وأصحابه الذين انفذتهم وجعلتهم تحت يد اسامة وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذى وجهوا إليه فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة أبتغاء الفتنة ألا وان الله قد اركسهم فيها عرجوا بى إلى المنبر فقام وهو مربوط حتى قعد على ادبى مرقاة فحمد الله واثنى عليه ثم قال أيها الناس اننى قد جاءني من أمر ربى ما الناس صائرون إليه وإن قد نركتكم على الحجة الواضحة ليلها كنهارها فلا تختلفوا من بعدى كما اختلف من كان قبلكم من بنى أسرائيل أيها الناس لأحل لكم إلا ما احله القرآن ولا احرم عليكم إلا ما حرمه القرآن وانى مخلف فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ولن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتى هما الخليفتان وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فاسألكم ماذا خلفتموني فيهما وليذادن يومئذ رجال عن حوضى كما تذاد الغريبة من الابل فيقول انا فلان وانا فلان فنقول اما الاسماء ففد عرفت ولكنكم أرتددتم من بعدى فسحقا " لكم سحقا " ثم نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته ولم يظهر أبو بكر وأصحابه حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من أمر الانصار وسعيد في السقيفة ما كان فمنعوا أهل بيت نبيهم حقوقهم التى جعلها الله عزوجل واما كتاب الله فمزقوه كل ممزق وفيما اخبرتك يا اخا الانصار من خطب معتبر لمن أحب الله هدايته فقال الفتى صم لى القوم الآخرين الذين حضروا الصحيفة فقال حذيفة هم أبو سفيان وعكرمة بن أبى جهل وصفوان بن أمية بن خلف وسعيد بن العاص وعياش بن أبى ربيعة وبشر بن سعيد وسهيل بن عمر وحكيم بن حزام وصهيب بن سنان وأبو الأعور السلمى ومطيع بن الأسود المدوى وجماعة
________________________________________
[ 308 ]
من هؤلاء ممن سقط عنى احصاء عددهم فقال الفتى يا ابا عبد الله ما هؤلاء في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أنقلب الناس أجمعون بسببهم فقال حذيفة إن في هؤلاء رؤس القبائل وأشرافها وما من رجل من هولاء إلا ومعه خلق عظيم يسمعون له ويطيعونه واشربوا في قلوبهم من أبى بكر كما اشرب في قلوب بنى إسرائيل من حب العجل والسامري حتى تركوا هارون واستضعفوه قال الفتى فانى اقسم بالله حقا " حقا " إنى لا ازال لهم مبغضا " وإلى الله منهم ومن افعالهم متبرئا " ولازلت لأمير المؤمنين " ع " مواليا " ولأعدائه معاديا " ولألحقن به وانى لأؤمل ان ارزق الشهادة معه وشيكا " ان شاء الله ثم ودع حذيفة وقال هذا وجهى إلى أمير المؤمنين " ع " فخرج إلى المدينة واستقبله أمير المؤمنين وقد شخص من المدينة يريد العراق فصار معه إلى البصرة فلما التقى أمير المؤمنين " ع " مع أصحاب الجمل كان ذلك الفتى أول من قتل من أصحاب أمير المؤمنين وذلك لما صف القوم واجتمعوا على الحرب أحب أمير المؤمنين " ع " ان يستظهر عليهم بدعائهم إلى القرآن وحكمه فدعا بمصحف وقال من يأخذ هذا المصحف يعرضه عليهم ويدعوهم إلى ما فيه فيحيى ما احياه ويميت ما اماته قال وقد شرعت الرماح بين العسكرين حتى لو اراد أمرؤ ان يمشى عليها لمشى قال فقام الفتى فقال يا أمير المؤمنين انا آخذه وأعرضه عليهم وادعوهم إلى ما فيه قال فاعرض عنه أمير المؤمنين ثم نادى الثانية من يأخذ هذا المصحف فيعرضه عليهم ويدعوهم إلى ما فيه فلم يقم إليه أحد فقام الفتى فقال يا أمير المؤمنين أنا آخذه وأعرضه عليهم وادعوهم الى ما فيه قال فاعرض عنه أمير المؤمنين " ع " ثم نادى الثالثة فلم يقم إليه أحد من الناس إلا الفتى فقال انا آخذه وأعرضه عليهم وادعوهم إلى ما فيه فقال أمير المؤمنين انك أن فعلت فانت مقتول فقال والله يا أمير المؤمنين ما شئ أحب إلى من ان ارزق الشهادة بين يديك وان اقتل في طاعتك فاعطاه أمير المؤمنين ع " المصحف فتوجه به نحو عسكرهم فنظر إليه أمير المؤمنين " ع " وقال ان الفتى ممن حشا الله
________________________________________
[ 309 ]
قلبه نورا " وإيمانا " وهو مقتول ولقد اشفقت عليه ولن يفلح القوم بعد قتلهم إياه فمضى الفتى بالمصحف حتى وقف بازاء عسكر عائشة وطلحة والزبير حينئذ عن يمين الهودج وشماله وكان له صوت فنادى باعلى صوته معاشر الناس هذا كتاب الله وان أمير المؤمنين على بن أبى طالب " ع " يدعوكم إلى كتاب الله والحكم بما انزل الله فيه فانيبوا إلى طاعة الله والعمل بكتابه قال وكانت عائشة وطلحة والزبير يسمعون قوله فامسكوا فلما رأى ذلك أهل عسكرهم بادروا إلى الفتى والمصحف في يمينه فقطعوا يده اليمنى فتناول المصحف بيده اليسرى وناداهم باعلى صوته مثل ندائه أول مرة فبادروا إليه فقطعوا يده اليسرى فتناول المصحف واحتضنه ودماؤه تجرى عليه فناداهم مثل ذلك فشدوا عليه فقتلوه ووقع ميتا فقطعوه اربا " اربا " ولقد رأينا شحم بطنه اصفر، قال وأمير المؤمنين واقف يراهم فاقبل على اصحابه وقال إنى والله ما كنت في شك ولا لبس من ضلالة القوم وباطلهم ولكن احببت ان يتبين لكم جميعا ذلك من بعد قتلهم الرجل الصالح حكيم بن جبلة العبدى في رجال صالحين معه ورثوبهم بهذا الفتى وهو يدعوهم إلى كتاب الله والحكم والعمل بموجبه فثاروا عليه فقتلوه لا يرتاب بقتلهم أياه مسلم ووقعت الحرب واشتدت فقال امير المؤمنين " ع " احملوا عليهم بسم الله حم لا ينصرون وحمل عليه السلام هو بنفسه والحسنان " ع " وأصحاب رسول الله معه فغاص في القوم بنفسه فوالله ما كانت ألا ساعة من نهار حتى رأينا القوم شلايا يمينا " وشمالا صرعى تحت سنابك الخيل ورجع أمير المؤمنين مؤيدا " منصورا " فتح الله عليه ومنحه كتافهم فامر بذلك الفتى وجميع من قتل معه فلفوا في ثيابهم بدمائهم لم تنزع عنهم ثيابهم وصلى عليهم ودفنهم وامرهم ان لا يجهزوا على جريح ولا يتبعوا لهم مدبرا " وامر بما حوى العسكر فجمع له فقسمه بين أصحابه وامر محمدا " ابن أبى بكر ان يدخل أخته إلى البصرة فتقيم بها اياما " ثم يرحلها إلى منزلها بالمدينة. قال عبد الله بن مسلمة كنت ممن شهد حرب الجمل فلما وضعت الحرب أوزارها
________________________________________
[ 310 ]
رأيت أم ذلك الفتى واقفة عليه فجعلت تبكى وتقبله ثم أنشأت تقول: يا رب ان مسلما اتاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم يامرهم بالامر من مولاهم * فخضبوا من دمه قناهم وامهم قائمة تراهم * تأمرهم بالبغى لا تنهاهم (حزيمة بن ثابت) ابن الفاكه بن ثعلبة الخطمى الانصاري ذو الشادتين يكنى ابا عمارة وإنما قيل له ذو الشهادتين لأن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل شهادته كشهادة رجلين. قال الزمخشري في ربيع الأبرار روى ان رسول الله استقضاه يهودى دينارا " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اولم أقضك فطلب البينة فقال لأصحابه ايكم يشهد لى فقال حزيمة انا يا رسول الله فقال وكيف تشهد بذلك ولم تحضره ولم تعلمه قال يا رسول الله نحن نصدقك على الوحى من السماء فكيف لا نصدقك على إنك قضيته فانفذ شهادته وسماه بذلك لأنه صير شهادته شهادة رجلين. وروى ابن الجوزى في كتاب الأذكياء قال أخبرنا ابن الحسين قال أخبرنا ابن المذهب قال أخبرنا احمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثنى أبى قال اخبرنا أبو اليمان قال اخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثنا عمارة بن خزيمة الأنصاري ان عمه حدثه ان النبي صلى الله عليه وآله ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي ليقضيه ثمن فرسه فاسرع النبي صلى الله عليه وآله المشى وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يتعرضون للأعرابي فيساومون في الفرس الذى ابتاعه النبي حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذى ابتاعه النبي صلى الله عليه وآله فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وآله ؟ فقال انى كنت مبناعا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقال النبي قد ابتعته منك قال لا فطفق الناس يلوذون بالنبي والأعرابي وهما يتراجعان فطفق الأعرابي يقول هلم شاهدا " يشهد انى قد بعتك من جاء من المسلمين قال للأعرابي ويلك ان النبي لم يكن ليقول إلا حقا " حتى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبي ومراجعة الأعرابي
________________________________________
[ 311 ]
فطفق الأعرابي يقول هلم شاهدا " يشهد إنى قد بايعتك فقال خزيمة انا اشهد انك قد بايعته فاقبل النبي صلى الله عليه وآله على خزيمة فقال بم تشهد فقال بتصديقك يارسول الله فجعل النبي صلى الله عليه وآله شهادة خزيمة بشهادة رجلين وكان خزيمة من كبار الصحابة شهد بدرا " وما بعدها من المشاهد وكانت راية بنى حطمة بيده يوم الفتح. قال الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين " ع " وكان خزيمة ممن انكر على ابى بكر تقدمه على على " ع ". وروى عن الصادق " ع " انه قام ذلك اليوم فقال أيها الناس الستم تعلمون ان رسول الله قبل شهادتى ولم يرد معى غيرى قالوا بلى قال فاشهدوا انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول أهل بيتى يفرقون بين الحق والباطل وهم الأئمة الذين يقتدى بهم وقد قلت ما علمت وما على الرسول إلا البلاغ. وعن الأسود بن زيد النخعي قال لما بويع على بن أبى طالب " ع " على منبر رسول الله قال خزيمة بن ثابت الانصاري وهو واقف بين يدى المنبر هذه الابيات: إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا * أبو حسن مما نخاف من الفتن وجدناه أولى الناس بالناس انه * أطب قريشا بالكتاب وبالسنن فان قريشا ما تشق غباره * إذا ما جرى يوما " على الضمر البدن وفيه الذى فيهم من الخير كله * وما فيهم مثل الذى فيه من حسن وصى رسول الله من دون أهله * وفارسه قد كان في سالف الزمن وأول من صلى من الناس كلهم * سوى خيرة النسوان والله ذو منن وصاحب كبش القوم في كل وقعة * يكون له نفس الشجاع لذى الذقن فذاك الذى تثنى الخناصر باسمه * امامهم حتى اغيب في الكفن ومن شعر خزيمة قوله في يوم الجمل لعائشة: اعائش خلى عن على وعببه * بما ليس فيه إنما أنت والده
________________________________________
[ 312 ]
وصى رسول الله من دون أهله * وأنت على ما كان من ذاك شاهده وحسبك منه بعض ما تعلمينه * ويكفيك لو لم تعلمي غير واحده إذا قيل ماذا عبت منه رميته * بخذل ابن عفان وما تلك آيده وليس سماء الله قاطرة دما * لذاك وما ارض الفضاء بمائدة وقوله أيضا " في ذلك اليوم: ليس بين الانصار في حرمة الحر * ب وبين العداة إلا الطعان وقراع الكماة بالقضب البيض * إذا ما تحطم المران فادعها يستجب فليس من الخزرج والأوس يا على جبان يا وصي النبي قد اجلت الحر * ب الاعادي وسارت الاضعان واستقامت لك الامور سوى الشا * م وفى الشام تظهر الاضغان حسبهم ما رأوا وحسبك منا * هكذا نحن حيث كان وكانوا وقتل خزيمة بصفين مع أمير المؤمنين " ع " في الواقعة المعروفة بوقعة الخميس في الوقائع. قال نصر بن مزاحم، بسنده عن ابراهيم النخعي قال: حدثنى القعقاع بن الأبرد الطهوى، قال والله إنى لواقف قريبا " من على بصفين يوم وقعة الخميس وقد التقت مذحج وكانوا على ميمنة على " ع " بعك ولخمم وخذام والاشعريين وكانوا مستبصرين بقتال على فلقد والله رأيت ذلك اليوم من قتالهم وسمعت من وقع السيوف على الرؤس وخبط الخيول بحوافرها في الأرض وفى القتلى ما الجبال تهد ولا الصواعق تصعق باعظم هؤلاء في الصدور من تلك الاصوات ونظرت إلى على " ع " وهو قائم فدنوت منه فسمعته يقول لا حول ولا قوة ألا بالله اللهم اليك اشكو وأنت المستعان ثم نهض " ع " حين قام فانم الظهيرة وهو يقول (ربنا) افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير القاتحين) وحمل على الناس بنفسه وسيفه مجرد بيده فلا والله ما حجز بين الناس ذلك اليوم الا رب العالمين في قريب من ثلث
________________________________________
[ 313 ]
الليل الأول وقتلت يومئذ أعلام العرب وقتل في هذا اليوم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين. وروى عن الفضل بن دكين قال حدثنا عبد الجبار بن العباس الشامي عن أبى اسحق قال لما قتل عمار (ره) دخل خزيمة بن ثابت فسطاطه وطرح عنه سلاحه ثم شن عليه الماء فاغتسل ثم قاتل حتى قتل. وروى أبو معشر عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال ما زال جدى كافا سلاحه يوم الجمل ويوم صفين حتى قتل عمار فلما قتل عمار سل سيفه وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول تقتله الفئة الباغية فقاتل حتى قتل (ره). قال نصر ابن مزاحم، وقالت منيعة بنت خزيمة بن ثابت ذى الشهادتين ترثى اباها (ره) وهى تقول: عين جودى على خزيمة بالدم‍ * ع قتيل الأحزاب يوم الفرات قتلوا ذا الشهادتين عتوا * ادرك الله منهم بالترات قتلوه في فتية غير عزل * يسرعون الركوب في الدعوات نصروا السيد الموفق ذا العد * ل ودانوا بذاك حتى الممات لعن الله معشرا " قتلوه * ورماهم بالخزى والآفات قال عبد الحميد بن أبى الحديد المدائني ومن غريب ما وقفت عليه من العصبية القبيحة ان ابا حيان التوحيدي قال في كتاب البصائر ان خزيمة بن ثابت المقتول مع على " ع " بصفين ليس هو ذو الشهادتين بل آخر من الأنصار صحابي أسمه خزيمة بن ثابت وهذا خطأ لأن كتب الحديث والنسب تنطق بأنه لم يكن في الصحابة من الأنصار ولا من غير الانصار من أسمه خزيمة بن ثابت إلا ذو الشهادتين وإنما الهوى لا دواء له على ان الطبري صاحب التاريخ قد سبق ابا حيان بهذا القول ومن كتابه نقل أبو حيان، والكتب الموضوعة لأسماء الصحابة تشهد بخلاف ما ذكراه ثم أي حاجة لناصري أمير المؤمنين " ع " ان يتكثروا بخزيمة
________________________________________
[ 314 ]
وأبى الهيثم وعمار وغيرهم لو أنصف الناس هذا ورأوه بالعين الصحيحة لعلموا أنه لو كان وحده وحاربه الناس كلهم أجمعون لكان على الحق وكانوا على الباطل أنتهى كلامه. وكانت وقعة صفين في سنة سبع وثلاثين للهجرة. والخطمى بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة وفى آخرها ميم نسبة إلى بطن من الانصار وهم بنو خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس بن حارثة ينسب إليهم جماعة من الصحابة. (أبو أيوب الانصاري) أبو أيوب خالد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار وهو تيم ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الانصاري الخزرجي من بنى النجار كان من كبار الصحابة شهد العقبة وبدرا " وسائر المشاهد وكان سيدا " معظما " من سادات الانصار وهو صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله نزل عنده لما خرج من بنى عمرو ابن عوف حين قدم المدينة مهاجرا " من مكة فلم يزل عنده حتى بنى مسجده ومساكنه ثم أنتقل إليها. وروى ابن شهر اشوب في المناقب مرفوعا عن سلمان (رض) قال لما قدم النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة تعلق الناس بزمام الناقة فقال النبي صلى الله عليه وآله يا قوم دعوا الناقة فهى مأمورة فعلى باب من بركت فانا عنده فاطلقوا زمامها وهى تهف في السير حتى دخلت المدينة فبركت على باب أبى أيوب الأنصاري ولم يكن في المدينة أفقر منه فانقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي صلى الله عليه وآله فنادى أبو أيوب يا اماه أفتحي الباب فقد قدم سيد البشر واكرم ربيعة ومضر محمد المصطفى والرسول المجتبى فخرجت وفتحت الباب وكانت عمياء فقالت واحسرتاه ليت كان لى عين أبصر بها إلى وجه سيدى رسول الله فكان أول معجزة النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة انه وضع كفه على وجه ام أبى أيوب فانفتحت عيناها. قال الذهبي وفد أبو أيوب على ابن عباس بالبصرة فقال انى أخرج عن
________________________________________
[ 315 ]
مسكني لك كما خرجت عن مسكنك لرسول الله صلى الله عليه وآله فاعطاه ذلك وعشرين الف درهما " واربعين عبدا ". وكان أبو أيوب من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين " ع " وانكر على أبى بكر تقدمه على على " ع " وروى عن الصادق " ع " انه قام في ذلك اليوم فقال أتقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيكم واوردوا إليهم حقهم الذى جعله الله لهم فقد سمعتم مثل سمع اخواننا في مقام بعد مقام لنبينا صلى الله عليه وآله ومجلس بعد مجلس يقول أهل بيتى ائمتكم بعدى ويومئ إلى على " ع " ويقول هذا أمير البررة وقاتل الكفرة مخذول من خذله منصور من نصره فتوبوا إلى الله من ظلمكم ان الله تواب رحيم ولا تتولوا عنه مدبرين ولا تتولوا عنه معرضين قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب ان ابا أيوب شهد مع على " ع " مشاهده كلها. وروى عن الكلبى وابن اسحق قالا شهد معه يوم الجمل وصفين وكان على مقدمته يوم النهروان. وقال أبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين قال حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثنا ابن فضيل قال حدثنا الحسن بن الحكم النخعي عن رباح بن الحرث النخعي قال كنت جالسا " عند على إذ قدم قوم متلثمون فقالوا السلام عليك يا مولانا فقال اولستم قوما " عربا " قالوا بلى ولكنا سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله قال فلقد رأيت عليا " ضحك حتى بدت نواجده ثم قال اشهدوا ثم ان القوم مضوا إلى رحالهم فتبعتهم فقلت لرجل منهم من القوم قال نحن رهط من الأنصار وذاك يعنون رجلا منهم أبو أيوب الانصاري صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله قال فاتيته فصافحته. وروى هذا الخبر بعبارة اخرى عن رياح بن الحرث المذكور قال كنت في الرحبة مع أمير المؤمنين " ع " إذ أقبل ركب يسيرون حتى اناخوا بالرحبة ثم اقبلوا يمشون حتى أتوا عليا " " ع " فقالوا السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله
________________________________________
[ 316 ]
وبركاته قال من القوم قالوا مواليك يا أمير المؤمنين قال فنظرت إليه وهو يضحك ويقول من أين وانتم قوم عرب قالوا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم وهو آخذ بعضدك يقول ايها الناس الست اولى بالمؤمنين من انفسهم قلنا بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال ان الله مولاى وانا مولى المؤمنين وعلى مولى من كنت مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقال " ع " انتم تقولون ذلك قالوا نعم قال " ع " وتشهدون عليه قالوا نعم قال " ع " صدقتم فانطلق القوم وتبعتهم فقلت لرجل منهم من انتم يا عبد الله قال نحن رهط من الانصار وهذا أبو أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فاخذت بيده فسلمت عليه وصافحته. وروى ابن ديزيل في كتاب صفين أيضا " عن يحيى بن سليمان عن أبراهيم الهجرى عن أبى صادق قال قدم علينا أبو أيوب الانصاري العراق فاهدت له الارد جزورا " فبعثوها معى فدخلت إليه وسلمت عليه وقلت له يا ابا أيوب قد كرمك الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وآله ونزوله عليك فمالى اراك تستبقل الناس بسيفك تقاتل هؤلاء مرة وهؤلاء مرة قال ان رسول الله صلى الله عليه وآله عهد الينا ان نقاتل مع على " ع " الناكثين فقد قاتلناهم وعهد الينا ان نقاتل معه القاسطين فهذا وجهنا إليهم يعنى معاوية واصحابه وعهد الينا ان نقاتل معه المارقين ولم ارهم بعد. وروى أبو بكر محمد بن الحسن الآجرى تلميذ أبى بكر بن داود السجستاني في الجزء الثاني من كتاب الشريعة باسناده ان علقمة بن قيس والأسود بن يزيد قالا أتينا ابا أيوب الانصاري فقلنا ان الله تعالى اكرمك بمحمد صلى الله عليه وآله إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك وكان رسول الله صلى الله عليه وآله ضيفك فضيلة فضلك الله بها ثم خرجت تقاتل مع على بن أبى طالب فقال مرحبا بكما واهلا واننى اقسم لكما بالله لقد كان رسول الله في هذا البيت الذى انتما فيه وما في البيت غير رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى " ع " جالس عن يمينه وانا قائم بين يديه وانس إذ حرك الباب فقال رسول الله يا أنس أنظر من بالباب فخرج فنظر ورجع فقال هذا عمار بن
________________________________________
[ 317 ]
ياسر قال أبو أيوب فسمعت رسول الله يقول يا أنس افتح لعمار الطيب ابن الطيب ففتح الباب فدخل عمار فسلم على رسول الله فرد عليه السلام ورحب به وقال يا عمار سيكون في أمتى بعدى هناة وأختلاف حتى يختلف السيف بينهم حتى يقتل بعضهم بعضا " ويتبرأ بعضهم من بعض فان رأيت ذلك فعليك بهذا الذى عن يمينى يعنى عليا " " ع " وان سلك الناس كلهم واديا " فاسلك وادى على وخل الناس طرا "، يا عمار ان عليا " لا يزل عن هدى يا عمار ان طاعة على من طاعتي وطاعتي من طاعة الله تعالى. وروى الخطيب في تاريخه ان علقمة والاسود اتيا ابا أيوب الانصاري عند منصرفه من صفين فقالا له يا ابا أيوب ان الله اكرمك بنزول محمد صلى الله عليه وآله وبمجئ ناقته تفضلا من الله تعالى واكرما لك حتى اناخت ببابك دون الناس جميعا " ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب أهل لا إله إلا الله فقال يا هذا ان الرائد لا يكذب أهله ان رسول الله صلى الله عليه وآله امرنا بقتال ثلاثة مع على " ع " بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فاما الناكثون فقد قاتلناهم وهم أهل الجمل طلحة والزبير واما القاسطون فهذا منصرفنا عنهم يعنى معاوية وعمرو بن العاص واما المارقون فهم أهل الطرفاوات وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروان والله ما أدرى أين هم ولكن لابد من قتالهم انشاء الله تعالى ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعمار تقتلك الفئة الباغيه وأنت إذ ذاك على الحق والحق معك يا عمار ان رأيت عليا " سلك واديا " وسلك الناس كلهم واديا " فاسلك مع على فانه لن يرديك في ردئ ولن يخرجك من هدى يا عمار من تقلد سيفا اعان به عليا قلده الله يوم القيامة وشاحين من در ومن تقلد سيفا " اعان به عدو على " ع " قلده الله وشاحين من النار قلنا يا هذا حسبك رحمك الله. وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال حدثنا عمرو بن سعد عن الأعمش قال كتب معاوية إلى ابى أيوب الانصاري وكان من شيعة على " ع " كتابا "
________________________________________
[ 318 ]
وكتب إلى زياد بن سمية وكان عاملا لعلى " ع " على بعض فارس كتابا " ثانيا " فاما كتابه إلى أبى أيوب الأنصاري فكان سطرا واحدا حاجيتك لا تنسى الشيباء ابا عذرها ولا قاتل بكرها فلم يدر أبو أيوب ما هو قال فاتى به عليا فقال يا أمير المؤمنين ان معاوية كهف المنافقين كتب إلى بكتاب لا أدرى ما هو قال على عليه السلام فاين الكتاب فدفعه إليه فقرأه قال نعم هذا مثل ضربه لك يقول ما انسى الذى لا تنسى الشيباء لا تنسى ابا عذرها والشيباء المرأة البكر ليلة افتضاضها لا تنسى بعلها الذى افترعها ابدا ولا تنسى قاتل بكرها وهو أول ولدها كذلك لا أنسى انا قتل عثمان وأما الكتاب الذى كتبه الى زياد فانه كان وعيدا " وتهديدا " فقال زياد وبلى على معاويه كهف المنافقين وبقية الاحزاب يهددني ويتوعدني وبيني وبينه ابن عم محمد صلى الله عليه وآله معه سبعون الفا سيوفهم على عواتقهم يطيعونه في جميع ما يأمرهم به لا بلتفت رجل منهم وراءه حتى يموت اما والله لأن ظفر ثم خلص إلى ليجدني احمر ضرابا " بالسيف، قال نصر بن مزاحم احمر أي مولى فلما ادعاه معاوية عاد عربيا " منافيا ". قال نصر وروى عمر بن شمران معاوية كتب في أسفل كتابه إلى ابى أيوب الانصاري. ابلغ لديك ابا أيوب مألكة * انا وقومك مثل الذئب والنقد اما قتلتم أمير المؤمنين فلا * ترجوا الهوادة منا آخر الابد ان الذى نلتموه ظالمين له * أبقت حزازته صدعا على كبدي انى حلفت يمينا غير كاذبة * لقد قتلتم اماما غير ذوى اود لا تحسبوا اننى انسى مصائبه * وفى البلاد من الانصار من احد في أبيات اخر فلما قرأ الكتاب على " ع " قال لشد ما شحذكم معاوية يا معشر الانصار اجيبوا الرجل فقال ابو أيوب يا أمير المؤمنين انى ما شاء ان أقول شيئا " من الشعر تعبي به الرجال إلا قلته قال عليه السلام فانت إذا أنت فكتب
________________________________________
[ 319 ]
أبو أيوب إلى معاوية اما بعد فانك كتبت لا تنسى الشيباء ابا عذرها ولا قاتل بكرها فضربتها مثلا لقتل عثمان وما نحن وما قتل عثمان ان الذى تربص بعثمان وثبط يزيد بن اسد وأهل الشام عن نصرته لأنت وان الذى قتلوه لغير الانصار وكتب في آخر كتابه: لا توعدنا ابن حرب اننا نفر * لا نبتغى ود ذى البغضاء من احد فاسعوا جميعا بنوا الاحزاب كلكم * لسنا نريد رخاكم آخر الأبد نحن الذين ضربنا الناس كلهم * حتى استقاموا وكانوا بينى الأود فالعام قصرك منا ان ثبت لنا * ضرب بزايل بين الرأس والجسد اما على فانا لا نفارقه * ما رقرق الأل في الداوية الجرد اما تبدلت منا بعد نصرتنا * دين الرسول اناسا ساكنى الجند لا يعرفون اضل الله سعيهم * الا اتباعكم يا راعى النقد لقد بغى الحق هضما شر ذى كلع * واليحصبيون طرا " بيضة البلد قال فلما اتى معاوية كتاب ابى أيوب كرهه. وأخرج الكشى باسناده عن محمد بن سليمان قال قدم علينا أبو أيوب الانصاري فنزل ضيعتنا يعلف خيلا له فاتيناه فاهدينا له قال فقعدنا عنده فقلنا يا ابا أيوب قاتلت المشركين بسيفك هذا مع رسول الله ثم جئت تقاتل المسلمين فقال ان النبي أمرنى بقتال القاسطين والمارقين والناكثين وقاتلت القاسطين وإنا نقاتل ان شاء الله بالسعفات بالطرافات بالنهر وانات وما ادرى أنى هي. قال المؤلف ثم شهد أبو أيوب (ره) وقعة النهروان مع أمير المؤمنين وهو على مقدمته فقاتل المارقين أيضا " كما أمره النبي صلى الله عليه وآله بذلك. ولما أخرج معاوية يزيد على الصائفة وهى غزوة الروم - وإنما سميت الصائفة لأنهم يغزون صيفا " لمكان البرد والثلج - خرج معه أبو أيوب الانصاري رغبة في جهاد المشركين فمرض في اثناء الطريق ولما صاروا على الخليج ثقل أبو أيوب
________________________________________
[ 320 ]
فاتاه يزيد عائدا " وقال له ما حاجتك يا أبا أيوب فقال اما دنياكم فلا حاجة لى فيها ولكن إذا مت فقدموني ما استطعتم في بلاد العدو فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يدفن عند سور القسطنطينة رجل صالح من أصحابي وقد رجوت أن اكونه ثم مات فجهزوه وحملوه على سرير فكانوا يجاهدون والسرير يحمل ويقدم فجعل قيصر يرى سرير يحمل والناس يقتتلون فارسل إليهم ما هذا الذى أرى قالوا صاحب نبينا وقد سألنا ان ندفنه في بلادك ونحن منفذون وصيته فارسل إليهم العجب كل العجب من عقولكم تعمدون إلى صاحب نبيكم فتدفنونه في بلادنا فإذا وليتم اخرجناه إلى الكلاب فقالوا إنا والله ما اردنا ان نودعه بلادكم حتى نودع كلامنا آذانكم فانا كافرون بالذى اكرمناه هذا له لأن بلغنا انه نبش من قبره أو عبث به ان تركنا بارض العرب نصرانيا إلا قتلناه ولا كنيسة إلا هدمناها فكتب إليهم قيصر أنتم كنتم أعلم منا فوحق المسيح لاحفظنه بيدى سنة ثم دفنوه عند سور القسطنطينة فبنى عليه قبة يسرج فيها إلى اليوم وأختلف المؤرخون في السنة التى كانت بها هذه الغزاة ومات فيها أبو أيوب فقال المسعودي في مروج الذهب كانت سنة خمس وأربعين وقال غيره كانت سنة خمسين وقيل أحدى وخمسين وقيل أثنين وخمسين والله أعلم. وسئل الفضل بن شاذان عن ابى أيوب وقتاله مع معاوية المشركين فقال كان ذلك منه قلة فقه وغفلة ظن انه إنما يعمل عملا لنفسه يقوى به الاسلام ويوهى (1) به الشرك وليس عليه من معاوية متى كان معه اولم يكن والله أعلم (أبو الهيثم مالك بن التيهان) بفتح التاء المثناه من فوق وبعدها ياء مكسورة مشددة مثناة من تحت ثم هاء وبعد الالف نون ابن أبى عبيد بن عمر عبد الاعلم بن عامر البلوى ثم الانصاري حليف بنى عبد الاشهل وقالت طائفة من أهل العلم انه من الانصار
________________________________________
(1) في نسخة - ويوهن (*)
________________________________________
[ 321 ]
من أنفسهم من الاوس هو مشهور بكنيته كان أحد النقباء ليلة العقبة شهد بيعة العقبة الاولى والثانية وكان احد التسعة الذين لقوا قبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله بالعقبة وهو أول من بايع رسول الله ليلة العقبة فيما يزعم بنو عبد الاشهل واما بنو النجار فيزعمون ان أول من بايع ليلة العقبة أسعد بن زرارة، وزعم بنو سلمة انه كعب بن مالك وزعم غيرهم ان أول من بايع رسول الله البراء والله أعلم. وشهد أبو الهيثم بدرا " واحدا " والمشاهد كلها. وروى الطوسى في أماليه عن زيد بن أرقم في خبر طويل ان النبي صلى الله عليه وآله أصبح طاويا " فاتى فاطمة " ع " فرأى الحسن والحسين " ع " يبكيان من الجوع فجعل يزقهما بريقه حتى شبعا وناما فذهب مع على إلى دار أبى الهيثم فقال مرحبا " برسول الله ما كنت ان تأتيني واصحابك إلا وعندي شئ وكأن لى شئ ففرقته في الجيران فقال صلى الله عليه وآله أوصاني جبرائيل " ع " بالجار حتى حسبت انه سيورثه قال فنظر النبي إلى نخلة في جانب الدار فقال أبو الهيثم تأذن في هذه النخلة فقال يا رسول الله انه لفحل وما حمل شيئا " قط شأنك به فقال يا على اتينى بقدح ماء فشرب منه ثم مج فيه ثم رش على النخلة فتملت اعذاقا " من بسر ورطب ما شئنا فقال صلى الله عليه وآله ابدؤا بالجيران فاكلنا وشربنا ماءا " باردا " حتى شبعنا وروينا فقال يا على هذا من النعيم الذى يسألون عنه يوم القيامة يا على تزود لمن ورائك لفاطمة والحسن والحسين قال فما زالت تلك النخلة نسميها نخلة الجيران حتى قطعها يزيد عام الحرة قال الفضل بن شاذان ان ابا الهيثم من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين " ع " وانكر تقدم ابى بكر عليه. وروى عن الصادق " ع " انه قام ذلك اليوم فقال انا اشهد على نبينا صلى الله عليه وآله انه اقام عليا " - يعنى في يوم غدير خم - فقال الانصار ما اقامه للخلافة، وقال بعضهم ما اقامه إلا ليعلم الناس انه مولى من كان رسول الله مولاه فسألوه عن ذلك فقال
________________________________________
[ 322 ]
قولوا لهم على ولى المؤمنين بعدى وانصح الناس لامتي وقد شهدت بما حضرني فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ان يوم الفصل كان ميقاتا "، وشهد أبو الهيثم مع أمير المؤمنين " ع " وقعة الجمل وصفين فمن شعره يوم الجمل: قل للزبير وقل لطلحة اننا * نحن الذين شعارنا الانصار نحن الذين رأت قريش فعلنا * يوم القليب اولئك الكفار كنا شعار نبينا ودثاره * تفديه منا الروح والابصار ان الوصي امامنا وولينا * برح الخفاء وباحث الاسرار وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال أقبل أبو الهيثم بن التيهان وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله بدر يا تقيا عفيفا يسوى صفوف أهل العراق ويقول يا معشر أهل العراق انه ليس بينكم وبين الفتح في العاجل والجنة في الآجل إلا ساعة من النهار فارسوا اقدامكم وسووا صفوفكم واعيروا ربكم جماجمكم واستعينوا بالله الهكم وجاهدوا عدو الله وعدوكم واقتلوهم قتلهم الله وابادهم واصبروا فان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. قال أبو عمر ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب اختلف في وقت وفاة ابى الهيثم ابن التيهان فذكر خليفة عن الاصمعي قال سألت قومه فقالوا في حياة رسول الله قال أبو عمر وهذا القول لم يتابع عليه قائله وقيل انه توفى في خلافة عمر سنة عشرين أو احدى وعشرين وقيل بل قتل مع على " ع " ابن أبى طالب بصفين سنة سبع وثلاثين وهو الاكثر وقيل انه شهد صفين مع على " ع " ومات بعده بيسير ثم قال أبو عمر حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا الدولابى قال حدثنا أبو بكر الوجيهى عن أبيه عن صالح بن الوجيه قال وممن قتل بصفين عمار وأبو الهيثم ابن التيهان وعبد الله بن بديل وجماعة من البدريين ثم روى أبو عمر رواية اخرى فقال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عثمان بن أحمد بن السماك قال حدثنا حنبل بن اسحق بن على قال
________________________________________
[ 323 ]
قال أبو نعيم: أبو الهيثم بن التيهان اسمه مالك واسم التيهان عمرو بن الحارث أصيب أبو الهيثم مع على " ع " يوم صفين قال أبو عمر هذا قول ابى نعيم وغيره قال ابن أبى الحديد في شرح النهج وهذه الرواية أصح من قول ابن قتيبة في كتاب المعارف وذكر قوم ان ابا الهيثم شهد صفين مع على " ع " ولا يعرف ذلك أهل العلم ولا يثبتونه فان تعصب ابن قتيبة معلوم وكيف يقول لا يعرف أهل العلم وقد قاله أبو نعيم وقاله صالح بن الوجيه ورواه ابن عبد البر وهؤلاء شيوخ المحدثين. قال المؤلف وممن قال بشهوده صفين نصر بن مزاحم في كتاب صفين وهو من الاصول القديمة المعتمدة ويشهد بذلك ما رواه أهل الأخبار من خطبة أمير المؤمنين " ع " بعد وقعة صفين وقوله فيها: ما ضر إخواننا الذين سفكت دماؤهم بصفين ان لا يكونوا اليوم احياء يسيغون الغصص ويشربون الرنق قد والله لقوا الله فوفاهم أجورهم وأحلهم دار الأمن بعد خوفهم اين اخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق اين عمار بن ياسر وابن التيهان واين ذو الشهادتين واين نظراؤهم من اخوانهم الذين تعاقدوا على المنية وابرد برؤوسهم إلى الفجار قال ثم ضرب يده إلى لحيته فاطال البكاء ثم قال اوه على اخواني الذين تلوا القرآن فاحكموه وتدبروا الفرض فاقاموه احيوا السنة واماتوا البدعة دعوا للجهاد فأجابوه ووثقوا بالقائد فاتبعوه: وهذه الخطبة مذكورة في نهج البلاغة اخذنا غرضنا منها. والبلوى بفتح الياء الموحدة وبفتح اللام وفى آخرها الواو نسبة إلى بلى بفتح الباء الموحدة وكسر اللام وتشديد الياء على فعيل وهو يلى ابن عمر بن الحاف ابن قضاعة وهو أبوحى من اليمن وهو قضاعة بن مالك بن حميراء بن سباء والله أعلم. (أبى ابن كعب) قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الانصاري
________________________________________
[ 324 ]
الخزرجي يكنى ابا المنذر وابا الطفيل وابا يعقوب من فضلاء الصحابة شهد العقبة مع التسعين وكان يكتب الوحى آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينه وبين سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل وشهد بدرا " والعقبة الثانية وبايع لرسول الله صلى الله عليه وآله كان يسمى سيد القراء. وروى ان النبي صلى الله عليه وآله قال له ان الله أمرنى أن اقرأ عليك فقال يا رسول الله بابى وامى أنت وقد ذكرت هناك قال صلى الله عليه وآله نعم باسمك ونسبك فارعد ابى فالتزمه رسول الله حتى سكن وقال قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون: ذكره ابن شهر اشوب في المناقب. وروى البخاري ومسلم والترمذي عن انس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وآله لأبى ان الله أمرنى أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا قال وسماني قال نعم فبكى. قيل فعل ذلك لتعلم آداب القراء (1) وإن تكون القراءة سنة. وروى البخاري ان النبي صلى الله عليه وآله قال لأبى بن كعب ان الله اقرءك القرآن قال الله سمانى لك قال نعم قال وقد ذكرت عند رب العالمين قال نعم فذرفت عيناه وروى الشيخ الجليل محمد بن يعقوب الكليني قدس الله روحه في الكافي عن الصادق " ع " أنه قال أما نحن فنقرأ على قراءة أبى. وكان أبى من الأثنى عشر نفر الذين انكروا على أبى بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله. وروى الطبرسي في كتاب الأحتجاج مرفوعا " عن ابان بن تغلب عن الصادق جعفر بن محمد ان أبى بن كعب قام فقال يا ابا بكر لا تجحد حقا " جعله الله لغيرك ولا تكن أول من عصى رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيه وصفيه وصد عن أمره اردد الحق إلى أهله تسلم ولا تتماد في غيك فتندم وبادر الانابة يخف وزرك ولا نخصص هذا الأمر الذى لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك فعن قليل تفارق ما أنت
________________________________________
(1) في نسخة: القرآن (*)
________________________________________
[ 325 ]
فيه وتصير إلى ربك بما جنيت وما ربك بظلام للعبيد. وروى عن أبى بن كعب أنه قال مررت عشية يوم السقيفة بحلقة الانصار فسألوني من أين مجيئك قلت من عند أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا كيف تركتهم وما حالهم قلت وكيف تكون حال قوم كان بينهم إلى اليوم موطئ جبرئيل ومنزل رسول رب العالمين وقد زال اليوم ذلك وذهب حكمهم عنهم ثم بكى أبى وبكى الحاضرون. وأخرج النسائي عن قيس بن عبادة قال بينا انا في المسجد في الصف المقدم فجذبني رجل جذبة فنحانى وقام مقامي فوالله ما عقلت صلاتي فلما أنصرف إذا هو أبى بن كعب فقال يافتى لا يسوؤك الله ان هذا عهد من النبي صلى الله عليه وآله الينا أن نليه ثم أستقبل القبلة فقال هلك أهل العقد ورب الكعبة ثم قال والله ما آسى عليهم ولكن آسى على من أضلوا قلت يا ابا يعقوب من تعنى بأهل العقد قال الامراء قال ابن حجر في التقريب أختلف في سنة موته أختلافا كثيرا قيل سنة تسع عشر وقيل سنة أثنين وثلاثين وقيل غير ذلك قال بعض المؤرخين الاصح أنه مات في زمن عمر فقال عمر اليوم مات سيد المسلمين والله أعلم. (سعد بن عبادة بن دلهم) ابن حارثة بن أبى حزينة بن تغلبه بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الانصاري كان سيد الخزرج وكبيرهم يكنى ابا ثابت وابا قيس من أعاظم الصحابة وهو أحد النقباء شهد العقبة مع السبعين والمشاهد كلهما ما خلا بدرا " فانه تهيأ للخروج فلدغ فاقام وكان جوادا " وكان له جفنة تدور مع رسول الله في بيوت أزواجه، عن يحيى بن كثير قال كان لرسول الله من سعد بن عبادة جفنة ثريد في كل يوم تدور معه اينما دار من نسائه وكان يكتب في الجاهلية بالعربية ويحسن القول والرمى والعرب تسمى من أجتمعت فيه هذه الأشياء الكامل ولم يزل سعد سيدا " في الجاهلية والإسلام وأبوه وجده وجد جده لم يزل فيهم الشرف
________________________________________
[ 326 ]
وكان سعد يجير فيجار وذلك لسؤدده ولم يزل هو وأصحابه أصحاب اطعام في الجاهلية والإسلام. وعن النبي صلى الله عليه وآله الجود شيمة ذلك البيت يعنى بيتهم وهو الذى أجتمعت عليه الانصار ليولوه الخلافة وقد اختلف أصحابنا (رض) في شأنه فعده بعضهم من المقبولين واعتذر عن دعواه الخلافة بما روى عنه انه قال لو بايعوا عليا " ع " لكنت أول من بايع. وبما رواه محمد بن جرير الطبري عن أبى علقمة قال قلت لسعد بن عبادة وقد مال الناس لبيعة أبى بكر تدخل فيما دخل فيه المسلمون قال اليك عنى فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إذا انامت تضل الاهواء ويرجع الناس على أعقابهم فالحق يومئذ مع على (عليه السلام) وكتاب الله بيده لا نبايع لاحد غيره فقلت له هل سمع هذا الخبر غيرك من رسول الله فقال معه ناس في قلوبهم أحقاد وضغائن قلت بل نازعتك نفسك ان يكون هذا الأمر لك دون الناس كلهم فحلف انه لم يهم بها ولم يردها وانهم لو بايعوا عليا " ع " كان أول من بايع سعد. وزعم بعضهم ان سعدا " لم يدع الخلافة ولكن لما اجتمعت قريش على أبى بكر يبايعونه قالت لهم الانصار اما إذا خالفتم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيه وحليفته وابن عمه فلستم أولى منا بهذا الأمر فبايعوا من شئتم ونحن معاشر الانصار نبايع سعد بن عبادة فلما سمع سعد ذلك قال لا والله لا أبيع دينى بدنياى ولا ابدل الكفر بالأيمان ولا اكون خصما " لله ورسوله ولم يقبل ما أجتمعت عليه الانصار فلما سمعت الانصار قول سعد سكتت وقوى أمر ابى بكر. وقال آخرون دعوى سعد الخلافة أمر كاد ان يبلغ أو بلغ حد التواتر وكتب السير ناطقة بان الانصار هم الذين سبقوا المهاجرين إلى دعوى الخلافة فلم يتم لهم الامر وما زعمه بعضهم خلاف المشهور. فقد روى أبو جعفر محمد ابن جرير الطبري في التاريخ ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما قبض اجتمعت الانصار
________________________________________
[ 327 ]
في سقيفة بنى ساعدة وأخرجوا سعد بن عبادة ليولوه الخلافة وكان مريضا " فخطبهم ودعاهم إلى اعطاء الرياسة والخلافة فأجابوه ثم ترادد الكلام فقالوا فان ابى المهاجرون وقالوا نحن أولياؤه وعترته فقال قوم من الانصار نقول منا أمير ومنكم أمير فقال سعد فهذا أول الوهن وسمع عمر الخبر فاتى منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وفيه أبو بكر فارسل إليه ان أخرج إلى فارسل أنى مشغول فارسل إليه عمر أخرج فقد حدث أمر لابد من أن تحضره فخرج فاعلمه الخبر فمضيا مسرعين نحوهم ومعهما أبو عبيدة فتكلم أبو بكر فذكر قرب المهاجرين من رسول الله وإنهم أولياؤه وعترته ثم قال نحن الأمراء وانتم الوزراء لا نفتات عنكم بمشورة ولا نقضى دونكم الأمور فقام الحباب بن المنذر الجموح فقال يا معشر الانصار املكوا عليكم أمركم فان الناس في ظلكم ولن يجترى مجتر على خلافكم ولن يصدر احد إلا عن رأيكم أنتم أهل العزة والمنعة واولو العدد والكثرة وذووا البأس والنجدة وإنما ينظر الناس ما تصنعون فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم فان أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير فقال عمر هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد لا ترضى العرب بان تؤمركم ونبيها من غيركم ولا تمنع العرب ان تولى أمرها لمن كانت النبوة فيهم من ينازعنا سلطان محمد صلى الله عليه وآله ونحن أولياؤه وعشيرته فقال الحباب بن المنذر يا معشر الانصار أملكوا ايديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الامر فان أبوا عليكم فاجلوهم من هذه البلاد فانتم احق بهذا الامر منهم فانه باسيافكم دان الناس بهذا الدين انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب انا أبو شبل في عرينة الاسد والله ان شئتم لنعيدها جذعة فقال عمر إذا يقتلك الله قال بل اياك فقال أبو عبيدة يا معشر الانصار انكم أول من نصر فلا تكونوا أول من بدل وغير فقام بشير بن سعد والد النعمان بن بشير فقال يا معاشر الانصار ألا ان محمدا من قريش وقومه أولى به وايم الله لا يرانى الله انازعهم هذا الامر فقال أبو بكر هذا عمر وأبو
________________________________________
[ 328 ]
عبيدة بايعوا ايهما شئتم فقال لا والله لا نتولى هذا الامر عليك وأنت أفضل المهاجرين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله في الصلاة وهى أفضل الدين أبسط يدك فلما بسط يده ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير عقتك عقاق انفست على ابن عمك الامارة فقال اسيدين خضير رئيس الاوس لاصحابه والله لئن لم تبايعوه ليكون للخزرج عليكم الفضيلة فقاموا فبايعوا ابا بكر فانكر على سعد بن عبادة والخزرج ما أجتمعوا عليه وأقبل الناس يبايعون ابا بكر من كل جانب ثم حمل سعد بن عبادة إلى داره فبقى اياما وارسل إليه أبو بكر ليبايع فقال لا والله حتى ارميكم بما في كنانتي واخضب سنان رمحي واضرب بسيفي ما اطاعني واقاتلكم باهل بيتى ومن تبعني ولو اجتمع معكم الجن والانس ما بايعتكم حتى أعرض على ربى فقال عمر لا ندعه حتى يبايع فقال بشير ابن سعد انه قد لج وليس بمبايع لكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه أهل بيته وطائفة من عشيرته ولا يضركم تركه إنما هو رجل واحد فاتركوه وجاءت أسلم فبايعت فقوى بهم جانب ابى بكر وبايعه الناس. وروى أبو جعفر الطبري في التاريخ أيضا " عن ابن عباس قال: قال عمر ابن الخطاب يوما " على المنبر انه بلغني ان قائلا منكم يقول لو مات أمير المؤمنين بايعت فلانا " فلا يغرنى امرؤ ان يقول ان بيعة ابى بكر كانت له فلتة فلقد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها وليس فيكم من تقطع إليه الاعناق كابى بكر وانه كان من خيرنا حين توفى رسول الله ان عليا والزبير تخلفا عنا في بيت فاطمة ومن معهما وتخلف عنا الانصار واجتمع المهاجرون الى ابى بكر فقلت له انطلق بنا الى اخواننا من الانصار فانطلقنا نحوهم فلقينا رجلان صالحان من الانصار قد شهدا بدرا " احدهما عويم بن ساعدة والثانى معن بن عدى فقالا لنا ارجعوا فاقضوا امركم بينكم فاتينا الانصار وهم مجتمعون في سقيفة بنى ساعدة وبين اظهرهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة وجمع فقام رجل منهم فحمد الله واثنى
________________________________________
[ 329 ]
عليه فقال اما بعد فنحن الانصار وكتيبة الاسلام وانتم يا معشر قريش رهط نبينا صلى الله عليه وآله قد دفنت الينا دافة من قومكم فاذاهم يريدون أن يغصبونا الامر فلما سكت وكنت قد زودت في نفسي مقالة اقولها بين يدى ابى بكر فلما ذهبت اتكلم قال أبو بكر على رسلك فقام فحمد الله وأثنى عليه فما ترك شيئا " كنت زودت في نفسي الا جاء به أو بأحسن منه وقال يا معشر الانصار انكم لا تذكرون فضلا إلا وأنتم له أهل وان العرب لا تعرف هذا الأمر الا لقريش أوسط العرب دارا " ونسبا " وقد رضيت لكم احد هذين الرجلين واخذ بيدى وبيد ابى عبيدة ابن الجراح والله ما كرهت من كلامه غيرها ان كنت لاقدم فتضرب عنقي لا يغلبنى الى اثم احب الي من أن اؤمر على قوم فيهم أبو بكر فلما قضى أبو بكر كلامه قام من الانصار رجل فقال انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير وارتفعت الأصوات واللغط فلما خفت الأختلاف قلت لأبى بكر ابسط يدك ابايعك فبسط يده فبايعته وبايعه الناس ثم نزونا على سعد بن عبادة فقال قائلهم قتلتم سعدا " فقلت أقتلوه قتله الله. وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهرى في كتاب السقيفة قال اخبرني أحمد بن اسحاق قال حدثنا أحمد بن سيار قال حدثنا سعيد بن كثير زعفير الانصاري ان النبي صلى الله عليه وآله لما قبض اجتمعت الانصار في سقيفة بنى ساعدة فقالوا ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد قبض فقال سعد بن عبادة لابنه قيس أو لبعض بنيه إنى لا أستطيع ان أسمع الناس كلامي لمرضى ولكن تلق منى قولى فاسمعهم فكان سعد يتكلم ويستمع ابنه فيرفع به صوته ليسمع قومه فكان من قوله بعد حمد الله والثناء عليه ان قال ان لكم سابقة إلى الدين وفضيلة إلى الأسلام ليست لقبيلة من العرب ان رسول الله صلى الله عليه وآله لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمان وخلع الاوثان فما آمن به الا قليل والله ما كانوا ان يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يعزوا دينه ولا يدفعوا ضيما " عراه حتى اراد الله بكم خيرا " لفضيلة وساق اليكم
________________________________________
[ 330 ]
الكرامة وخصكم بدينه ورزقكم الأيمان به وبرسوله والإعزاز لدينه والجهاد لاعدائه فكنتم اشد الناس على من تخلف عنه منكم واثقله على عدوه من غيركم حتى استقاموا لامر الله طوعا " وكرها " واعطى البعيد المقادة صاغرا " داخرا " حتى انجز الله لنبيكم الوعد ودانت باسيافكم العرب توفاه الله تعالى وهو عنكم راض وبكم قرير عين فشدوا ايديكم بهذا الامر فانكم أحق الناس واولاهم به فأجابوه جميعا " ان وفقت في الرأى واصبت في القول ولن نعدو ما امرت نوليك هذا الامر فابت لنا مقنع ولصالح المؤمنين رضى ثم انهم ترادوا الكلام بينهم فقالوا ان أبت مهاجرة قريش فقالوا نحن المهاجرون وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الاولون ونحن عشيرته واولياؤه فعلى م تنازعونا هذا الامر من بعده فقالت طائفة منهم إذا " نقول منا أمير ومنكم أمير لن نرضى بدون هذا منهم ابدا " لنا في الايواء والنصرة مالهم في الهجرة ولنا في كتاب الله مالهم فليسوا يعدون شيئا " إلا ونعد مثله وليس من رأينا الاستيثار عليهم فمنا أمير ومنهم أمير فقال سعد بن عبادة هذا أول الوهن. وأتى الخبر عمر فاتى منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وكان الذى أتاه بالخبر معن ابن عدى فاخذ بيد عمر وقال قم فقال عمر إنى عنك مشغول فقال إنه لابد من قيام معه فقال له ان هذا الحى من الانصار قد أجتمعوا في سقيفة بنى ساعدة معهم سعد بن عبادة يدورون حوله ويقولون أنت المرجى ونجلك المرجى وثم اناس من أشرافهم وخشبت الفتنة فانظر يا عمر ماذا ترى واذكر لأخوتك من المهاجرين وأختاروا لأنفسكم فانى أنظر إلى باب فتنة قد فتح الساعة إلا أن يغلقه الله ففزع عمر أشد الفزع حتى أتى ابا بكر وقال قم فقال أبو بكر أين نبرح حتى نوارى رسول الله فقال عمر لابد من قيام وسنرجع انشاء الله تعالى فقام أبو بكر مع عمر فحدثه الحديث ففزع أبو بكر وخرجا مسرعين إلى سقيفة بنى ساعدة وفيها رجال من أشراف الانصار ومعهم سعد بن عبادة وهو مريض بين أظهرهم فاراد عمر
________________________________________
[ 331 ]
ان يتكلم ويمهد لأبى بكر وقال خشيت ان يقصر أبو بكر عن بعض الكلام فلما يئس عمر كفه أبو بكر فقال على رسلك فستكفى الكلام ثم تكلم بعد كلامي بما بدا لك فتشهد أبو بكر ثم قال جل ثناؤه بعث محمدا " صلى الله عليه وآله بالهدى ودين الحق فدعا إلى الإسلام فاخذ الله بقلوبنا ونواصينا إلى ما دعانا إليه وكنا معاشر المهاجرين أول الناس إسلاما " والناس لنا في ذلك تبع ونحن عشيرة رسول الله صلى الله عليه وآله واوسط العرب أنسابا " ليس من قبيلة من قبائل العرب إلا ولقريش فيها ولادة وأنتم أنصار الله الذين آويتم ونصرتم رسول الله ثم أنتم وزراء رسول الله وأخواننا في كتاب الله وشركاؤنا في الدين وفيما كنا فيه من خير فانتم أحب الناس الينا واكرمهم علينا وأحق الناس بالرضا بقضاء الله والتسليم إلى ما ساق الله إلى اخوانكم من المهاجرين وأحق الناس ان لا تحسدوهم فانتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة وأحق الناس ان لا يكون انتقاض هذا الدين واختلاطه على ايديكم وأنا أدعوكم إلى أبى عبيدة وعمر فكلاهما قد رضيت لهذا الامر وكلاهما نراه له أهلا فقال عمر وأبو عبيدة ما ينبغى لأحد من الناس ان يكون فوقك أنت صاحب الغار وثاني أثنين وأمرك رسول الله صلى الله عليه وآله بالصلاة فأنت أحق الناس بهذا الأمر فقال الأنصار والله ما نحسدكم على خير ساقه الله اليكم ولا أحد أحب الينا ولا أرضى عندنا منكم نشفق فيما بعد هذا ليوم ونحذر ان يغلب على هذا الامر من ليس منا ولا منكم فلو جعلتم اليوم رجلا منكم بايعنا ورضينا على انه إذا هلك اخترنا واحدا " من الانصار فإذا هلك كان آخر من المهاجرين ابدا " ما بقيت هذه الأمة كان ذلك اجدر أيعدل في الله محمد صلى الله عليه وآله فيشفق الانصاري ان يزيغ فيقبض عليه القرشى ويشفق القرشى ان يزيغ فيقبض عليه الانصاري فقام أبو بكر فقال ان رسول الله لما بعث عظم على العرب ان يتركوا دين آبائهم فخالفوه وشاقوه وخص الله المهاجرين الأولين بتصديقه والايمان به والمواساة والصبر معه على شدة اذى قومه فلم يستوحش الكثرة عدوهم فهم أول من عبد الله في
________________________________________
[ 332 ]
الارض وهم أول من آمن برسول الله وهم أولياؤه وعترته وأحق الناس بالأمر بعده لا ينازعهم فيه إلا ظالم وليس احد بعد المهاجرين فضلا وقدما في الإسلام مثلكم فنحن الأمراء وأنتم الوزراء لا نمتاز دونكم بمشورة ولا نقضى دونكم الامور فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال يا معاشر الانصار املكوا عليكم ايديكم إنما الناس في فيئكم وظلكم ولن يجترئ مجتر على خلافكم ولا يصدر الناس إلا عن أمركم أنتم أهل الأيواء والنصرة وكانت اليكم الهجرة وأنتم اصحاب الدار والايمان والله ما عبد الله علانية إلا عندكم وفى بلادكم ولا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم ولا عرف الايمان إلا من اسيافكم فاملكوا عليكم أمركم فان ابى هؤلاء فمنا أمير ومنهم أمير فقال عمر هيهات لا يجتمع سيفان في غمد ان العرب لا ترضى ان تؤمركم ونبيها من غيركم وليس نمتنع العرب ان تولى أمرها من كانت النبوة فيهم واولى الامر لنا بذلك الحجة الظاهرة على من حالفنا والسلطان المبين على من نازعنا من ذا يخاصمنا في سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لأثم أو متورط في هلكة فقام الحباب بن المنذر فقال يا معاشر الانصار لا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا نصيبكم من الامر فان أبوا عليكم ما اعطيتموهم فاجلوهم من بلادكم وتولوا هذا الامر عليهم فانتم أولى بهذا الامر انه دان لهذا الامر باسيافكم من لم يكن بدين انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ان شئتم لنعيدنها جذعة والله لا يرد احد على ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف قال فلما رأى بشير بن سعد الخزرجي ما أجتمعت عليه الانصار من تأمير سعد بن عبادة وكان حاسدا " له وكان من سادة الخزرج قام فقال أيها الانصار إنا وإن كنا ذو سابقة فإنا ما نريد بجهادنا وإسلامنا إلا رضى ربنا وطاعة نبينا " صلى الله عليه وآله ولا ينبغى لنا ان نستطيل على الناس بذلك ولا نبغى به عوضا " من الدنيا ان محمدا " رجل من قريش وقومه أحق بميراث أمره وايم الله لا يرانى الله انازعهم هذا الامر فاتقوا الله ولا تنازعوهم ولا تخالفوهم فقام أبو بكر وقال هذا عمر
________________________________________
[ 333 ]
وأبو عبيدة بايعوا ايهما شئتم فقالا والله لا نتولى هذا الامر عليك وأنت أفضل المهاجرين وثاني أثنين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله على الصلاة والصلاة أفضل الدين أبسط يدك نبايعك فلما بسط يده وذهبا يبايعانه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير عقك عقاق والله ما أضطرك لهذا الأمر إلا الحسد لأبن عمك فلما رأت الاوس ان رئيسا " من رؤساء الخزرج قد بايع قام أسيد بن خضير وهو رئيس الأوس فبايع حسدا " لسعد أيضا " ومنافسة له ان بلى الأمر فبايعت الأوس كلها لما بايع اسيد وحمل سعد بن عبادة وهو مريض فادخل إلى منزله فامتنع من البيعة في ذلك اليوم وفيما بعده واراد عمر أن يكرهه عليها فاشير عليه ان لا يفعل وانه لا يبايع حتى يقتل ولا يقتل حتى يتقل أهله ولا يقتل أهله حتى تقتل الخزرج كلها وان حوربت الخزرج كانت الاوس معها وفسد الامر فتركوه وكان لا يصلى بصلاتهم ولا يجتمع بجماعتهم ولا يقضى بقضائهم ولو وجد اعوانا لضاربهم وفلم يزل كذلك حتى مات أبو بكر ثم لقى عمر في خلافته وهو على فرس وعمر على بعير فقال عمر هيهات يا سعد فقال سعد هيهات يا عمر فقال أنت صاحب من أنت صاحبه قال نعم انا ذاك ثم قال لعمر والله ما جاورنى أحد هو أبغض إلى جوارا " منك فقال عمر فانه من كره جوار رجل انتقل عنه فقال سعد إنى لارجو ان أخليها لك عاجلا الى جوار من هو أحب إلى جوارا " منك ومن أصحابك فلم يلبث سعد بعد ذلك إلا اياما " قليلة حتى خرج إلى الشام فمات بحوارن ولم يبايع لأحد لا لأبى بكر ولا لعمر ولا لغيرهما. ومما يدل دلالة صريحة على ان سعدا طلب الخلافة لنفسه: ما رواه أبو بكر الجوهرى في كتاب السقيفة، قال حدثنى أبو الحسن على بن سليمان النوفلي قال سمعت أبى يقول ذكر سعد بن عبادة عليا " " ع " بعد يوم السقيفة فذكر أمرا " من أمره نسيه أبو الحسن يوجب ولابته فقال له أبنه قيس بن سعد أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول هذا الكلام في على بن أبى طالب ثم تطلب الخلافة ويقول
________________________________________
[ 334 ]
أصحابك منا أمير ومنكم أمير لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة ابدا ". نعم قال محمد بن جرير ان الانصار لما فاتها ما طلبت من الخلافة قالت - أو قال بعضها - لا نبايع إلا عليا " " ع " وذكر نحو هذا على بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير الموصلي في تاريخه ومات سعد بن عبادة بحوران وهى كورة بدمشق سنة أربع عشرة وقيل خمس عشرة. قيل قتله الجن لأنه بال قائما " في الصحراء ليلا ورووا بيتين من شعر قيل إنهما سمعا ليلة قتله ولم ير قائلها وهما قد قتلنا سيد الخزرج * سعد بن عبادة فرميناه بسهمين * فلم نخط فؤاده ويقول قوم ان أمير الشام يومئذ اكمن له من رماه ليلا وهو خارج إلى الصحراء بسهمين فقتله لخروجه عن طاعة الامام وقد قال بعض المتأخرين في ذلك: يقولون سعد شكت الجن قلبه * الا ربما صححت ذنبك بالعذر وما ذنب سعد انه بال قائما " * ولكن سعدا " لم يبايع ابا بكر وقد صبرت عن لذة العيش انفس * وما صبرت عن لذة النهى والامر (قيس بن سعد بن عبادة) يكنى ابا عبد الملك وقيل ابا الفضل وقيل ابا عبد الله وابا القاسم وهو من كبار الصحابة أيضا " كان من النبي صلى الله عليه وآله بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير شهد مع النبي صلى الله عليه وآله المشاهد كلها وكان حامل راية الانصار مع رسول الله أخذ النبي الراية من أبيه ودفعها إليه فكان حامل رايته صلى الله عليه وآله وكان شيخا " كريما " شجاعا " اصلع طويلا جدا " امد الناس قامة يركب الفرس المشرف ورجلاه تخطان الارض وما في وجهه طافة شعر وكان يسمى خصى الانصار وكانت الانصار تقول وددنا لو إنا نشترى لقيس بأموالنا لحية وكان مع ذلك جميلا. وذكر يونس بن عبد الرحمن في بعض كتبه انه كان لسعد بن عبادة ستة أولاد وكلهم قد نصر رسول الله وفيهم قيس بن سعد بن عبادة وكان قيس احد العشرة الذين لحقهم النبي صلى الله عليه وآله من العصر
________________________________________
[ 335 ]
الاول ممن كان طولهم عشرة اشبار باشبار أنفسهم وكان شبر الرجل منهم يقال انه مثل ذراع احدنا وكان قيس وسعد أبوه طولهما عشرة اشبار بأشبار أنفسهم ويقال ان من العشرة خمسة من الانصار واربعة من الخزرج ورجلا من الاوس وكان من دهات العرب وأهل الرأى والمكيدة في الحرب مع النجدة والشجاعة والسخاء وكان شريف قومه غير مدافع وكان أبوه وجده كذلك وكان يقول لو لا الإسلام لمكرت مكرا " لا تطيقه العرب. وعنه انه قال لولا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول المكر والخديعة في النار لكنت من أمكر هذه الامة قال أبراهيم بن سعيد بن هلال الثقفى في كتاب الغارات حدثنى أبو غسان قال أخبرني على بن ابى سيف قال كان قيس بن سعد مع ابى بكر وعمر في حياة رسول الله فكان ينفق عليهما وعلى غيرهما ويفضل فقال له أبو بكر ان هذا لا يقوم به مال أبيك فامسك يدك فلما قدموا من سفرهم قال سعد بن عبادة لأبى بكر اردت ان تبخل أبنى انا لقوم لا نستطيع البخل. قال وكان قيس بن سعد يقول في دعائه اللهم أرزقني حمدا " وجحدا " فانه لا حمدا بفعال ولا جحد إلا بمال اللهم وسع على فان القليل لا يسعنى ولا أسعه. وعن جابر في قصة جيش العسرة ان قيسا " كان في ذلك الجيش وأنه كان ينحر ويطعم حتى استدان بسبب ذلك فنهاه أمير الجيش وهو أبو عبيدة فبلغ النبي صلى الله عليه وآله فقال الجود من شيمة أهل هذا البيت. واستقرض رجل منه ثلاثين الفا فلما ردها ابى ان يقبلها. وجاءته عجوز كانت تألفه فقال لها كيف حالك قالت ما في بتى جرذ قال ما أحسن ما سألت لاكثرن جرذان بيتك، وملاؤا بيتها خبزا " ولحما " وسمنا " وتمرا " وهو ممن لم يبايع ابا بكر. قال الفضل بن شاذان أنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين " ع ". وقال ابن ابى الحديد كان قيس بن سعد من كبار شيعة أمير المؤمنين " ع "
________________________________________
[ 336 ]
وقائل بمحبته وولائه وشهد معه حروبه كلها وكان مع الحسن " ع " ونقم عليه صلحه لمعاوية وكان طالبي الرأى مخلصا " في أعتقاده ووده. وقال أبراهيم بن سعد بن هلال الثقفى في كتاب العارات كان قيس بن سعد من شيعة على " ع " مناصحا " له ولولده ولم يزل على ذلك إلى ان مات وقد ذكرنا في ترجمة أبيه أنه بلغ من اخلاصه أنه حلف ان لا يكلم اباه ابدا لدعوته الخلافة. وقال أبراهيم لما ولى أمير المؤمنين " ع " الخلافة قال لقيس سر إلى مصر فقد وليتكها وأخرج إلى ظاهر المدينة واجمع ثقالك ومن أحببت ان يصحبك حتى تأتى مصر ومعك جند فان ذلك ارعب لعدوك واعز لوليك فإذا أنت قدمتها ان شاء الله تعالى فاحسن إلى المحسن واشتد على المريب وارفق على العامة والخاصة فالرفق يمن فقال قيس رحمك الله يا أمير المؤمنين قد فهمت ما ذكرت فاما الجند فانى أدعه لك فإذا احتجت إليهم كانوا قريبا منك وان اردت بعثتهم إلى وجه من وجوهك كانوا لك عدة ولكى اسير إلى مصر بنفسى وأهل بيتى واما ما أوصيتني به من الرفق والاحسان فالله تعالى هو المستعان على ذلك، فخرج قيس في سبعة نفر من أهل بيته حتى دخل مصر فصعد المنبر وأمر بكتاب معه فقرأ على الناس فيه من عبد الله أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين سلام عليكم فانى أحمد الله اليكم الذى لا إله إلا هو اما بعد فان الله بحسن صنعه وقدره وتدبيره أختار الإسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله وبعث به أنبيائه إلى عباده فكان مما اكرم الله عزوجل به هذه الامة وخصهم به من الفضل ان بعث محمدا " إليهم فعلمهم الكتاب والحكم والسنة والفرائض وادبهم لكيما يهتدوا وجمعهم لكيما لا يتفرقوا وزكاهم لكيما يتطهروا فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله إليه فعليه صلوات الله وسلامه ورحمته ورضوانه ثم ان المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم احسنا السيرة ثم توفيا فولى من بعدهما وال أحدث احداثا فوجدت الامة عليه مقالا فقالوا ثم نقموا فتغيروا ثم جاؤني فبايعوني وانا استهدى الله
________________________________________
[ 337 ]
الهدى واستعينه على التقوى الا وان لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة رسوله والقيام بحقه والنصح لكم بالغيب والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل، وقد بعثت اليكم قيس بن سعد الأنصاري أميرا " فوازروه وأعينوه على الحق وقد أمرته بالاحسان إلى محسنكم والشدة على مريبكم والرفق بعوامكم وخواصكم وهو ممن ارضى هديه وارجوا صلاحه ونصجه اسأل الله لنا ولكم عملا زاكيا " وثوابا " جميلا ورحمة واسعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتب عبد الله ابن أبى رافع في صفر سنة ست وثلاثين. قال إبراهيم فلما فرغ من قراءة الكتاب قام قيس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال الحمد لله الذى جاء بالحق وامات الباطل وكبت الظالمين أيها الناس إنا بايعنا خير من نعلم من بعد نبينا محمد صلى الله عليه وآله فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله فان نحن لم نعمل بكتاب الله وسنة رسوله فلا بيعة لنا عليكم فقام الناس فبايعوا واستقامت مصر واعمالها لقيس وبعث عليها عماله إلا ان قرية منها قد أعظم أهلها قتل عثمان وبها رجل من بنى كنانة يقال له يزيد بن الحارث فبعث الى قيس انا لا نأتيك فابعث عمالك فالارض أرضك ولكن اقرنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس. ووثب مسلمة بن مخلد بن صامت الانصاري فنعى عثمان ودعا إلى الطلب بدمه فارسل إليه قيس ويحك اعلى تثب والله ما أحب ان لى ملك الشام ومصر وانى قتلتك فاحقن دمك فارسل إليه مسلمة إنى كاف عنك ما دمت أنت والى مصر وكان قيس بن سعد (ره) ذا رأى وحزم فبعث إلى الذين أعتزلوا انى لا اكرهكم على البيعة ولكني ادعكم واكف عنكم فهادنهم وهادن مسلمة بن مخلد وجبى الخراج فليس احد ينازعه. قال إبراهيم وخرج على " ع " إلى الجمل وقيس على مصر ورجع إلى الكوفة من البصرة وهو بمكانه فكان أثقل خلق الله على معاوية لقرب مصر واعمالها إلى الشام ومخافة ان يقبل على " ع " بأهل العراق ويقبل إليه قيس بأهل مصر فيقع
________________________________________
[ 338 ]
بينهما فكتب معاوية إلى قيس وعلى " ع " بالكوفة قبل ان يسير إلى صفين من معاوية بن ابى سفيان إلى قيس بن سعد سلام عليك فانى احمد الله اليك الذى لا إله إلا هو أما بعد، ان كنتم نقمتم على عثمان في اثرة رأيتموها أو ضربة سوط ضربها أو في شتمة رجل أو بسيرة احد أو في استعماله الفتيان من أهله فأنكم قد علمتم ان كنتم تعلمون ان دمه لم يكن ليحل لكم بذلك فقد ركبتم عظيما من الأمر وجئتم شيئا " ادا " فتب يا قيس إلى ربك من المجلبين على عثمان ان كانت التوبة قبل الموت تغنى شيئا " واما صاحبك فقد استيقنا أنه اغرى الناس تقبله وحملهم على قتله حتى قتلوه وإنه لم يسلم من دمه عظيم قومك فان استطعت يا قيس ان لا يكون ممن لا يطلب بدم عثمان فافعل وبايعنا على على في أمرنا هذا ولك سلطان العراقين ان انا ظفرت ما بقيت ولمن احببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لى سلطان واسألني من غير هذا ما نحب فانك لا تسألني شيئا " الا اتيته واكتب إلى رأيك فيما كتبت اليك، فلما جاء إليه كتاب معاوية أحب ان يدافعه ولا يبدى له أمره ولا يعجل له حربه فكتب إليه، اما بعد فقد وصل إلى كتابك وفهمت الذى ذكر من أمر عثمان وذلك أمر لم اقاربه وذكرت ان صاحبي هو الذى اغرى الناس بعثمان ودسهم إليه حتى قتلوه وهذا امر لم اطلع عليه وذكرت لى ان عظيم عشيرنى لم يسلم من دم عثمان فليسرني أن أول الناس كان في أمره عشيرتي واما ما سألتنى من مبايعتك على الطلب بدمه وما عرضته على فقد فهمته وهذا أمر لى فيه نظر وفكر وليس هذا مما يعجل إلى مثله وانا كاف عنك وليس يأتيك من قبلى شئ تكرهه حتى نرى وترى إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. قال إبراهيم فلما قرأ معاوية كتابه لم يره الا مقاربا " مباعدا " ولم يأمن ان يكون له في ذلك مخادعا " مكايدا " فكتب إليه، اما بعد فقد قرأت كتابك فلم ارك تدنو فاعدك سلما " ولم ارك تباعد فاعدك حربا " اراك كحبل الجرود وليس مثلى.
________________________________________
[ 339 ]
يصانع بالخدايع ولا يخدع بالمكايد ومعه عدد الرجال واعنة الخيل فان قبلت الذى عرضت عليك فلك ما أعطيتك وان أنت لم تفعل ملات مصر عليك خيلا ورجالا والسلام. فلما قرأ قيس كتابه وعلم انه لا يقبل منه المدافعة والمطاولة أظهر له ما في نفسه فكتب إليه من قيس بن سعد إلى معاوية بن ابى سفيان. اما بعد فالعجب من استسقاطك رأى والطمع في اتسومنى لا ابا لغيرك الخروج من طاعة أولى الناس بالأمر واقولهم بالحق واهداهم وأقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسيلة وتأمرني بالدخول في طاعتك طاعة ابعد الناس من هذا الأمر واقولهم بالزور وأضلهم سبيلا واتآهم (1) من رسول الله وسيلة ولديك قوم ضالون مضلون من طواغيت أبليس واما قولك انك تملا على مصر خيلا ورجلا فلئن لم اشغلك عن ذلك حتى يكون منك انك لذو جد والسلام. فلما اتى معاوية كتاب قيس ايس منه وثقل مكانه عليه وكاد ان يكون مكانه غيره أحب إليه لما يعلم من قوته وتابيه ونجدته واشتد أمره على معاوية فاظهر للناس ان قيسا " قد بايعكم فادعوا الله له وقرأ عليهم كتابه الذى لأن فيه وقاربه واختلق كتابا " نسبه إلى قيس فقرأه على أهل الشام: للأمير معاوية بن ابى سفيان من قيس بن سعد. أما بعد: فان قتل عثمان كان حدثا " في الإسلام عظيما " وقد نظرت لنفسي وديني فلم يسعنى مظاهرة قوم قتلوا امامهم مسلما " محرما " برا " تقيا " فنستغفر الله سبحانه لذنوبنا ونسأله العصمة لديننا الا وانى قد القيت اليكم بالسلام واجبتك إلى قتال قتلة الامام الهادى المظلوم فاطلب منى ما أحببت من الاموال والرجال أعجله اليك إن شاء الله والسلام على الأمير ورحمة الله وبركاته. قال فشاع بالشام كلها ان قيسا صالح معاوية وأتت عيون على بن أبى طالب " ع " إليه بذلك فاعظمه واكبره وتعجب له ودعا أبنيه حسنا " وحسينا " ع " وابنه محمد وعبد الله بن جعفر فاعلمهم بذلك وقال ما رأيكم فقال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين دع ما يريبك إلى ما لا يريبك اعزل
________________________________________
(1) في نسخة: ابعدهم (*)
________________________________________
[ 340 ]
قيسا " من مصر قال على " ع " والله انى غير مصدق بهذا على قيس فقال عبد الله اعزله يا أمير المؤمنين فان كان ما قد قيل حقا فلا يعتزل لك ان عزلته قال وانهم لكذلك إذ جاءهم كتاب من قيس بن سعد فيه: اما بعد فانى أخبرك يا أمير المؤمنين اكرمك الله وأعزك ان قبلى رجالا معتزلين سألوني ان اكف عنهم وادعهم على حالهم حتى يستقيم امر الناس فترى ويرون وقد رأيت ان اكف عنهم ولا اعجل بحربهم وان أتألفهم فيما بين ذلك لعل الله ان يقبل بقلوبهم ويفرقهم عن ضلالتهم إن شاء الله والسلام. فقال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين إنك ان اطمعته في تركهم واعتزالهم استشرى الامر وتفاقمت وقعد عن بيعتك كثير ممن تريده على الدخول فيها ولكن مره بقتالهم فكتب إليه: اما بعد فسر إلى القوم الذين ذكرت فان دخلوا فيما دخل فيه المسلمون وإلا فناجزهم والسلام قال فلما أتى هذا الكتاب قيسا " فقرأه لم يتمالك ان كتب إلى على " ع " اما بعد يا أمير المؤمنين فالعجب لك تأمرني بقتال قوم كافين عنك لم يهدوا يدا للفتنة ولا أرصدوا لها فاطعني يا أمير المؤمنين وكف عنهم فان الرأى تركهم والسلام فلما اتاه هذا الكتاب قال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين أبعث محمدا بن أبى بكر يكفيك أمرها وأعزل قيسا فوالله لبلغني ان قيسا يقول ان سلطانا لا يتم الا بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء والله ما أحب ان لى سلطان الشام مع سلطان مصر وانى قتلت بن مخلد وكان عبد الله بن جعفر اخا محمد بن ابى بكر لأمه وكان يحب ان يكون له امرة وسلطان فاستعمل على " ع " محمد بن أبى بكر على مصر لمحبته له ولهوى عبد الله بن جعفر أخيه فيه وكتب معه كتابا " إلى أهل مصر فسار حتى قدمها فقال له قيس ما بال أمير المؤمنين ما غيره أدخل أحد بينى وبينه قال لا وهذا السلطان سلطانك وكان بينهما نسب كان تحت قيس فرسة بنت أبى قحافة أخت أبى بكر الصديق فكان قيس زوج عمة محمد فقال قيس لا والله لا أقيم معك ساعة واحدة وغضب حين عزله على عنها وخرج منها مقبلا إلى المدينة ولم يمض
________________________________________
[ 341 ]
إلى على " ع " بالكوفة قال ابراهيم وكان مع شجاعته ونجدته جوادا " مفضلا. فحدثني على بن محمد بن أبى السيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال خرج قيس ابن سعد من مصر فمر بأهل بيت من القين فنزل بماءهم فنحر له صاحب المنزل جزورا واتاه بها فلما كان الغد نحر له اخرى ثم حبستهم السماء إلى اليوم الثالث فنحر لهم ثالثة ثم ان السماء اقلعت فلما اراد قيس ان يرتحل وضع عشرين ثوبا " من ثياب مصر وأربعة الآف درهم عند أمرأة الرجل وقال لها إذا جاء صاحبك فادفعي هذه إليه ثم رحل فما أتت عليه ساعة حتى لحقه الرجل صاحب المنزل على فرس ومعه رمح والثياب والدراهم بين يديه فقال يا هؤلاء خذوا ثيابكم ودراهمكم فقال قيس انصرف أيها الرجل فانها لم تكن لنا خذها قال والله لتأخذنها فقال قيس لله أبوك الم تكرمنا وتحسن ضيافتنا فكافيناك فليس هذا بأس فقال الرجل إنا لم نأخذ لقرى الأضياف ثمنا والله لا اخذها ابدا " فقال قيس اما إذا ابى ان لا يأخذ فوالله ما فضلني رجل من العرب غيره. قال ابراهيم وقال أبو المنذر مر قيس في طريقه برجل من بلى يقال له الأسود ابن فلان فأكرمه فلما اراد قيس ان يرتحل وضع عند أمرأته ثيابا " ودراهم فلما جاء الرجل دفعته إليه فلحقه فقال ما انا بايع ضيافتي والله لتأخذن هذا أو لانفذن الرمح بين جنبيك فقال قيس ويحكم خذوه. وقال ابراهيم ثم أقبل قيس حتى قدم المدينة فجاءه حسان بن ثابت شامتا به وكان عثمانيا " فقال له نزعك على بن أبى طالب وقد قتلت عثمان فبقى عليك الأثم ولم يحسن لك الشكر فزجره قيس وقال له يا اعمى القلب يا اعمى البصر والله لولا ان القى بين رهطي ورهطك حربا لضربت عنقك ثم أخرجه من عنده. قال ابراهيم ثم ان قيسا " وسهل بن حنيف خرجا " حتى قدما " على على " ع " الكوفة فخبره قيس الخبر وما كان بمصر فصدقه وشهد مع على بصفين هو وسهل ابن حنيف (ره).
________________________________________
[ 342 ]
وقال بعض المؤرخين لما أمر على " ع " قيسا " على مصر أحتال معاوية بكل حيلة فلم ينخدع له فاحتال على أصحاب على حتى حسنو اله عزله وتولية محمد ابن أبى بكر مكانه وشنعوا عليه بانه قد كاتب معاوية فلما عزل بمحمد عرف على " ع " ان قد خدع فكان على " ع " بعد ذلك يطيع قيسا في الامر كله وحضر معه صفين وكان في مقدمته ومعه خمسة آلاف. وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال حدثنى عمر بن سعد عن اسماعيل بن خالد عن عبد الرحمن بن عبيد قال لما أراد على " ع " المسير إلى الشام دعا من كان معه من المهاجرين والانصار فجمعهم فحمد الله وأثنى عليه وقال اما بعد فانكم ميامين الرأى ومراجيح العلم مباركوا الامر مقاويل بالحق ولقد عزمنا على المسير إلى عدونا وعدوكم فاشيروا علينا برأيكم فقام جماعة فتكلموا ثم قام قيس بن سعد فحمد الله واثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين إنكلمش بنا على عدونا فوالله ان جهادهم احب إلى من جهاد الترك والروم لادهانهم في دين الله واستذلالهم اولياء الله من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله من المهاجرين والانصار والتابعين باحسان إذا غضبوا على رجل حبسوه وضربوه وحرموه وسيروه وفينا لهم في انفسهم حال ونحن لهم فيما يزعمون قطين - قال يعنى رقيق -. فقال أشياخ الانصار منهم خزيمة بن ثابت وأبو أيوب وغير هما لم تقدمت أشياخ قومك ويدأتهم بالكلام يا قيس فقال اما انى عارف بفضلكم معظم لشانكم ولكني وجدت في نفسي الضغن الذى في صدوركم جاش حين ذكرت الاحزاب. وروى نصر في الكتاب المذكور أيضا " باسناده ان معاوية دعا النعمان بن بشير بن سعد الانصار ومسلمة بن مخلد الانصاري ولم يكن معه من الانصار غيرهما فقال يا هذان لقد غمني ما لقيت من الاوس والخزرج واضعى سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال حتى جبنوا أصحابي الشجاع منهم والجبان وحتى والله ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلا قيل قتله الانصاري اما والله لالقينهم
________________________________________
[ 343 ]
يحدى وحديدي ولأعبين لكل فارس منهم فارس ينشب في حلقه ولأرمينهم باعدادهم من قريش رجال لم يغذهم التمر والطفيشل يقولون نحن الانصار قد والله آووا ونصروا ولكن أفسدوا حقهم بباطلهم فغضب النعمان وقال يا معاوية لا تلومن الانصار في حب الحرب والسرعة نحوها فانهم كانوا كذلك في الجاهلية، واما دعاؤهم إلى النزال فقد رأيتهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله كثيرا واما لقاؤك اياهم باعدادهم من قريش فقد علمت ما لقيت قريش منهم قديما فان احببت ان ترى فيهم مثل ذلك آنفافا فعل وأما التمر والطفيشل، فاما التمر فكان لنا فلما ذقتموه شاركتمونا فيه، واما الطفيشل فكان لليهود فلما اكلناه غلبناهم عليه كما غلبت قريش على السخينة ثم تكلم مسلمة بن مخلد فقال يا معاوية ان الانصار لا تعاب احسابها ولا نجداتها واما غمهم اياك فقد والله غمونا ولو رضينا ما فارقونا ولا فارقنا جماعتهم وان ذلك ما فيه من مباينة العشيرة ولكن حملنا ذلك لك ورجونا منك عوضه واما التمر والطفيشل فانهما يجران عليك السخينة والخرنوب، قال وانتهى هذا الكلام إلى الأنصار فجمع قيس بن سعد الانصار ثم قام فيهم خطيبا فقال ان معاوية قال ما بلغكم، واجابه عنكم صاحبكم ولعمري ان غضتم معاوية اليوم لقد غضتموه امس وان وترتموه في الاسلام لقد وترتموه في الشرك وما لكم إليه من ذنب أعظم من نصر هذا الدين فجدوا اليوم جدا تنسونه به ما كان أمس وجدوا غدا جدا " تنسونه ما كان اليوم فانتم مع هذا اللواء الذى كان يقاتل عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل والقوم مع لواء ابى جهل والاحزاب فاما التمر فانا لم نغرسه ولكن غلبنا عليه من غرسه واما الطفيشل فلو كان لطعامنا لسمينا به كما سميت قريش سخينة ثم قال قيس في ذلك شعرا ". يابن هند دع التوثب في الحرب * إذا نحن بالجياد سرينا نحن من قد علمت فادن إذا * شئت بمن شئت في العجاج الينا ان تشأ فارسا " له فارس منا * وان شئت باللفيف التقينا
________________________________________
[ 344 ]
أي هذين ما اردت فخذه * ليس منا وليس منك الهوينا ثم لا نسلخ العجاجة حتى * تنجلي حربنا لنا أو علينا ليت ما تطلب الغداة اتانا * انعم الله بالشهادة عينا فلما اتى شعره وكلامه معاوية دعا عمرو بن العاص فقال ما ترى في شئتم الانصار قال أرى ان توعدهم ولا تشتمهم ما عسى ان تقول لهم إذا اردت ذمهم فذم ابدانهم ولا تذم احسابهم، فقال ان قيس بن سعد يقوم على كل يوم خطيبا " واظنه والله يفنينا غدا " ان يحبسه عنا حابس الفيل فما الرأى، قال الصبر والتوكل وأرسل إلى رؤس الانصار مع على " ع " فعاتبهم وأمرهم ان يعاتبوه فارسل معاوية إلى ابن مسعود والبراء بن عازب وخزيمة بن ثابت والحجاج بن عرية وابى أيوب فعاتبهم فمشوا إلى قيس بن سعد فقال له ان معاوية لا يحب الشتم فكف عن شتمه فقال ان مثلى لا يشتم ولكن لا اكف عن حربه حتى القى الله قال وتحركت الخيل غدوة فظن قيس ان فيها معاوية فحمل على رجل يشبهه فضربه بالسيف فإذا ليس به ثم حمل على آخر يشبهه أيضا " فقنعه بالسيف فلما تحاجز الفريقان شتمه معاوية شتما قبيحا وشتم الانصار فغضب النعمان بن بشير مع مسلمة فارضاهما بعد ان هما ان ينصرفا إلى قومهما ثم ان معاوية سأل النعمان ان يخرج إلى قيس يعاتبه ويسأله السلم فخرج النعمان فوقف بين الصفين ونادى يا قيس بن سعد انا النعمان بن بشير فخرج إليه وقال هيه يا نعمان ما حاجتك قال يا قيس انه قد انصفكم من دعاكم إلى ما رضى لنفسه يا معشر الانصار انكم اخطأتم في خذل عثمان يوم الدار وقتلتم انصاره يوم الجمل واقحمتم بصولكم على أهل الشام بصفين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا " لكانت واحدة بواحدة ولكنكم لم ترضوا ان تكونوا كالناس حتى أعلمتم في الحرب ودعوتم إلى البراز ثم لم ينزل بعلى خطب قط إلا هونتم عليه المصيبة ووعدتموه الظفر وقد اخذت الحرب منا ومنكم ما قد رأيتم فاتقوا الله في البقية فضحك قيس وقال ما كنت أظنك يا نعمان محتويا على هذه
________________________________________
[ 345 ]
المقالة انه لا ينصح أخاه من غش نفسه وأنت الغاش الضال المضل أما ذكرك عثمان فان كانت الأخبار تكفيك فخذ مني واحدة قتل عثمان من لست خيرا " منه وخذله من هو خير منك واما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث واما معاوية فوالله لو اجتمعت عليه العرب قاطبة لقاتله الانصار واما قولك إنا لسنا كالناس فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله نتقى السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ولكن أنظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلا طليقا " أو اعرابيا " أو يمانيا " مستدرجا بغرور أنظر أين المهاجرين والانصار والتابعون لهم باحسان الذين رضى عنهم ورضوا عنه ثم أنظر هل ترى مع معاوية انصاريا " غيرك وغير صويحبك ولستم والله بدريين ولا عقبين ولا لكما سابقة في الإسلام ولا آية في القرآن ولعمري لان شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك. وروى نصر قال كان معاوية في صفين جعل بسر بن ارطاة يوما بازاء قيس بن سعد فعدا بسر في حماة الخيل فلقى قيسا " كأنه فنيق وهو يقول: انا ابن سعد زانه عبادة * والخزرجيون رجال سادة ليس فرارى في الوغا بعادة * ان الفرار للفتى قلادة يا رب أنت لقنى الشهادة * والقتل خير من عناق غادة فطعن في خيل بسر وطعن بسر قيسا " فضربه قيس بالسيف فرده على عقبيه ورجع القوم جميعا " ولقيس الفضل، ومن شعره في ايام صفين قوله: قلت لما بغى العدو علينا * حسبنا ربنا ونعم الوكيل حسبنا ربنا الذى فتح البصر * ة بالامس والحديث طويل وعلى امامنا وامام * لسوانا اتى به التنزيل يوم قال النبي من كنت مولاه * فهذا مولاه خطب جليل ولما بويع الحسن " ع " بالخلافة بعد أبيه كان قيس من المبادرين إلى بيعته والناهضين بها، ووجه الحسن " ع " عبيدالله بن العباس ومعه قيس بن سعد مقدمة له
________________________________________
[ 346 ]
في اثنى عشر الفا " إلى الشام وقال لعبيدالله أمض حتى تستقبل معاوية فإذا لقيته فلا تقاتله حتى يقاتلك فان فعل فقاتله وان أصبت فقيس بن سعد على الناس فسار عبيدالله حتى نزل بازاء معاوية فلما كان من الغد وجه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيدالله فيمن معه فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم فلما كان الليل أرسل معاوية الى عبيدالله بن العباس إن الحسن قد ارسل لى في الصلح وهو مسلم الأمر الى فان دخلت في طاعتي الان كنت متبوعا " والا دخلت وأنت تابع ولك ان جئتني الآن اعطيك الف الف درهم اعجل لك في هذا الوقت نصفها وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر فاقبل عبيدالله ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى له بما وعده واصبح الناس ينتظرون عبيدالله ان يخرج فيصلى بهم فلم يخرج حتى أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة ثم خطبهم فثبتهم وذكر عبيد الله فنال منه ثم أمرهم بالصبر والنهوض الى العدو فأجابوه بالطاعة وقالوا له انهض بنا إلى عدونا على اسم الله فنزل فنهض بهم وخرج إليه بسر بن ارطاة فصاحوا الى أهل العراق ويحكم هذا أميركم عندنا قد بايع وامامكم الحسن قد صالح فعلى م تقتلون انفسكم فقال لهم قيس بن سعد اختاروا احدى اثنتين اما القتال مع غير امام واما ان تبايعوا بيعة ضلال فقالوا بل نقاتل بغير امام فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم وكتب معاوية إلى قيس بن سعد يدعوه ويمنيه فكتب إليه قيس لا والله لا تلقاني ابدا الا وبيني وبينك الرمح فكتب معاوية حينئذ لما يئس منه، أما بعد فانك يهودى ابن يهودى لا تشقى نفسك وتقتلها فيما ليس لك فان ظهر احب الفريقين اليك نبذك وغولك وان ظهرا بغضهما اليك نكل بك وقتلك وقد كان أبوك أوتر غير قوسه ورمى غير غرضه فاكثر الحز واخطأ المفصل فخذله قومه وادركه يومه فمات بحوران طريدا " غريبا " والسلام فكتب إليه قيس ابن سعد، أما بعد: فانما أنت وثن ابن وثن دخلت في الإسلام كرها " واقمت فيه فرقا " وخرجت منه طوعا " ولم يجعل الله لك فيه نصيبا " لم يقدم اسلامك ولم يحدث
________________________________________
[ 347 ]
نفاقك ولم تزل حربا " لله ولرسوله وحزبا " من احزاب المشركين وعدو الله ونبيه والمؤمنين من عباده وذكرت ابى فلعمري ما أوتر الا قوسه ولا رمى إلى غرضه فشغب عليه من لا يشق غباره ولا يبلغ كعبه وزعمت انى يهودى وقد علمت وعلم الناس انى وابى انصار الدين الذى خرجت منه واعداء الدين الذى دخلت فيه وصرت إليه والسلام فلما قرأ كتابه غاظه واراد جوابه قال له عمرو مهلا فانك ان كاتبته اجابك باشد من هذا وان تركته دخل فيما دخل فيه الناس فامسك عنه قال وبعث معاوية عبد الله بن عامر وعبد الله بن سمرة إلى الحسن " ع " إلى الصلح فدعواه إليه وزهداه في الامر واعطياه ما شرط له معاوية وان لا يتبع احدا " بما مضى ولا ينال احدا " من شيعة على " ع " بمكروه ولا يذكر عليا " " ع " إلا بخير واشياء أخر اشترطها الحسن فأجاب إلى ذلك وانصرف قيس بن سعد فيمن معه إلى الكوفة وانصرف الحسن أيضا إليها واقبل معاوية قاصدا " نحو الكوفة واجتمع إلى الحسن وجوه الشيعة واكابر اصحاب امير المؤمنين " ع " يلومونة ويبكون إليه جزعا مما فعل. وروى ان معاوية استثنى قيس بن سعد من الشيعة في الأمان فقال الحسن لا اصالح حيت لا تستثنى احدا ". وروى ان الحسن لما اشترط على معاوية في الصلح ان لا يطلب احدا " من أهل الحجاز والمدينة والعراق بشئ مما كافي ايام أبيه اجاب معاوية إلى ذلك وقال لا اطلب احدا " الا عشرة انفس لااومنهم فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه معاوية انى قد آليت انى متى ظفرت بقيس بن سعد بن عبادة ان اقطع لسانه ويده فراجعه الحسن وقال لا أرى ان يطلب قيس وغيره بتبعة قلت أو كثرت فبعث إليه معاوية حينئذ برق أبيض وقال اكتب ما شئت فيه فانى ملتزمه فاصطلحا. قال أبو الفرج الاصبهاني لما تم الصلح بين الحسن ومعاوية ارسل إلى قيس ابن سعد يدعوه إلى البيعة وكان رجلا طويلا يركب الفرس المشرف ورجلاه
________________________________________
[ 348 ]
تخطان في الأرض وما في وجهه طاقة شعر وكان يسمى خصى الانصار فلما ارادوا ادخاله إليه قال انى حلفت ان لا القاء إلا وبيني وبينه الرمح والسيف فامر معاوية برمح وسيف بينه وبينه ليبر بيمينه. قال أبو الفرج وقد روى ان الحسن " ع " لما صالح معاوية اعتزل قيس ابن سعد في أربعة آلاف وابى ان يبايع فلما بايع الحسن ادخل قيس ليبايع فاقبل على الحسن فقال في حل انا من بيعتك فقال نعم فالقى له كرسى وجلس معاوية على سرير والحسن معه فقال له معاوية اتبايع يا قيس قال نعم ووضع يده على فخذه ولم يمدها الى معاوية فجئا معاوية على سريره واكب على قيس حتى مسح يده على بده وما دفع قيس إليه يده. وروى ان قيسا " نقم على الحسن " ع " خلعه لنفسه من الخلافة وواجهه بكلام شديد تأسفا " لذلك ثم خرج من معسكر الحسن ولما دعاه معاوية إلى البيعة امتنع وقال ما زلت انا وابى نفتخر بانا لم نبايع ظالما " قط فنصحه الحسن وأمره بمبايعته فاعتذر باعذار كثيرة فالح عليه الحسن فذهب الى معاوية مكرها فقال له معاوية يا قيس ما كنت أود ان تصل إلى هذا الامر وأنت حى فقال له قيس وما كنت احب ان تحكم أنت وانا حى فقام الحاضرون بينهما حتى سكن النزاع. وروى الكشى باسناده عن فضيل غلام محمد بن راشد قال سمعت ابا عبد الله " ع " يقول ان معاوية كتب إلى الحسن بن على ان اقدم أنت والحسين واصحاب على فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة فقدموا الشام فاذن لهم معاوية واعدلهم الخطباء فقال للحسن " ع " قم فبايع فقام ثم قال للحسين " ع " قم فقام فبايع ثم قال قم يا قيس فبايع فالتفت إلى الحسين " ع " ينتظر ما يأمره فقال يا قيس انه امامى يعنى الحسن عليه السلام. وروى باسناده أيضا عن جعفر بن بشير عن ذريح قال سمعت ابا عبد الله يقول دخل قيس بن سعد بن عبادة الانصاري صاحب شرطة الخميس على معاوية
________________________________________
[ 349 ]
فقال له معاوية يا قيس بايع فنظر إلى الحسن فقال يا ابا محمد بايعت فقال معاوية اما تنتهى أما والله انى شئت فقال له قيس اما والله لئن قلت انى شئت لتناقض فقال وكان مثل البعير جسيما وكان خفيف اللحية قال فقام إليه الحسن فقال بايع يا قيس فبايع. وسار قيس إلى المدينة ولم يزل بها مشتغلا بالعبادة حتى توفى إلى رحمة الله تعالى في آخر خلافة معاوية. وعن سليم بن قيس قال قدم معاوية بن ابى سفيان حاجا في ايام خلافته فاستقبله أهل المدينة فنظر فإذا الذين استقبلوه ما منهم إلا قرشي فلما نزل قال ما فعلت الانصار وما بالها لم تستقبلني فقيل له انهم محتاجون ليس لهم دواب فقال معاوية فاين نواضحهم فقال قيس بن سعد بن عبادة - وكان سيد الانصار وابن سيدها - افنوها يوم بدر وأحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله حتى ضربوك واباك على الإسلام حتى ظهر امر الله وانتم كارهون فسكت معاوية فقال قيس اما ان رسول الله صلى الله عليه وآله عهد الينا أنا سنلقي بعده اثرة فقال معاوية فما امركم قال امرنا ان نصبر حتى نلقاه قال فاصبروا حتى تلقوه. قال المؤلف: وهذا الخبر مما كفر به المعتزلة معاوية وروى من طريق آخر ان النعمان بن بشير الأنصاري جاء في جماعة من الانصار فشكوا إليه فقرهم وقالوا لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله ستلقون بعدى اثرة فقد لقيناها قال معاوية فماذا قال لكم قالوا قال لنا فاصبروا حتى تردوا على الحوض قال فافعلوا ما امركم به عساكم تلاقونه غدا " عند الحوض كما اخبركم بقوله مستهزئا بهم وحرمهم ولم يعطهم شيئا ". وروى ان عظيم الروم بعث إلى معاوية بن ابى سفيان بهدية مع رسولين احدهما جسيم والآخر ايد ففطن لهما معاوية فقال لعمرو بن العاص، اما الطويل فانى اجد مثله فمن الأيد فقال اجد القوة والايد في شخصين احدهما محمد ابن
________________________________________
[ 350 ]
الحنفية والآخر قيس بن سعد فقال بردت قلبى فارسل الى قيس بن سعد وعرفه الحال فحضر فلما مثل بين يدى معاوية وعرف ما يراد منه نزع سراويله ورمى بها الى العلج فلبسها فنالت ثندوته فاطرق مغلوبا " وليم قيس على ذلك وقيل له هلا بعثت بها فقال: اردت لكيما يعلم الناس انها * سراويل قيس والوفود شهود وان لا يقولوا غاب قيس وهذه * سراويل عادى نمته ثمود وانى من القوم اليمانين سيد * وما الناس الاسيد ومسود وبده جميع الخلق اصلى ومنصبي * وجسم به اعلى الرجال مديد وحضر محمد بن الحنفية فعرف ما يراد منه فخير العلج بين ان يقعد ويقوم العلج فيعطيه يده فيقيمه أو يقعد العلج ويقوم محمد. ويعطيه يده ويقعد فاختار العلج. الحالتين فغلبه فيهما محمد فاقام العلج واقعده اخرجه ابن عساكر في تاريخه بطرق مختلفة وفى رواية ان ملك الروم يزعم ان احدهما اقوى والآخر اطولهم وقال لمعاوية إن كان في جيشك من يغلبهما ارسلت لك كذا وكذا فلما جاء محمد بن الحنفية فوضع يده في الارض بين يدى القوى وجهد كل الجهد فلم يقدر ان يحركها ووضع الرومي يده فاخذها ابن الحنفية ورفعها بادنى شئ وجاؤا للطويل بلباس قيس بن سعد فبلغ ثدييه. وفى تاريخ الإسلام للذهبي عن أبى عثمان قال بعث قيصر إلى معاوية ابعث إلى سراويل اطول رجل من العرب فقال لقيس بن سعد ما اظننا الا قد احتجنا إلى سراويلك فقام فتنحى وجاء بها فالقاها فقال ألا ذهبت إلى منزلك ثم بعثت بها فقال الابيات السابقة والبيت الآخر منها يروى هكذا: فكدهم بمثلى ان مثلى عليهم * شديد وخلقي في الرجال مديد ولقيس عدة احاديث روى عن النبي صلى الله عليه وآله وعن ابيه وروى عنه عبد الرحمن بن أبى ليلى وعروة بن الزبير والشعبى وميمون بن أبى شبيب وغريب
________________________________________
[ 351 ]
ابن حميد الهمداني وجماعة ومات (ره) سنة ستين وهى السنة التى مات فيها معاوية وقيل مات بعد ذلك. قال ابن حيان كان قد هرب من معاوية فمات سنة خمس وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان، قال ابن حجر، والاول هو الصواب (سعد بن سعد بن عبادة) الانصاري اخو المذكور قال العسقلاني صحابي صغير وقد ولى بعض اليمن لعلى " ع " وقال الذهبي قيل له صحبة، روى عن أبيه وعنه ابنه شرحبيل وأبو امامة ابن سهيل، ولى اليمن لعلى عليه السلام. (أبو قتادة الانصاري) اسمه الحرث وقيل عمرو وقيل النعمان بن ربعى بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة ابن بلدمة بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة السلمى بفتحتين المدنى فارس رسول الله صلى الله عليه وآله شهد احدا " ولم يصح شهوده وبدرا " قاله ابن حجر في التقريب. وأخرج أبو داود عن أبى قتادة ان النبي كان في سفر له فتعطشوا فانطلق سرعان الناس فلزمت رسول الله تلك الليلة، فقال حفظك الله بما حفظت به نبيه وهو طرف من حديث طويل قد أخرجه مسلم. وروى ابن أبى الحديد في شرح نهج البلاغة قال لما قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة ونكح أمرأته كان في عسكره أبو قتادة الانصاري فركب فرسه. والتحق بابى بكر وحلف ان لا يسير في جيش تحت لواء خالد ابدا " فقص على أبى بكر القصة فقال أبو بكر لقد فتنت الغنائم العرب وترك خالد ما أمرته. قال أبو عمر في الاستيعاب شهد أبو قتادة مع على " ع " مشاهده كلها في خلافته قال ابن الأثير شهد أبو قتادة مع على " ع " حروبه كلها وهو بدرى وتوفى
________________________________________
[ 352 ]
سنة أربع وخمسين وقيل مات سنة أربعين وصلى عليه على " ع " والله أعلم. (عدى بن حاتم بن عبد الله) ابن سعد بن الحشرج بن إمرئ القيس بن عدى بن أخزم ابن أبى خزم وأسمه هزومه بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طئ بن ادد بن مالك بن زيد بن كهلان الطائى أبوه حاتم هو الجواد المشهود الذى يضرب بجوده المثل وادرك عدى الإسلام فاسلم سنة تسع وقيل سنة عشر ولاسلامه خبر ذكره ابن هشام في سيرته قال كان عدى يقول ما كان رجل من العرب اشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وآله حين سمع به منى أما انى كنت أمرءا شريفا " وكنت نصرانيا " وكنت أسير في قومي بالمرياع فكنت في نفسي على دين وكنت ملكا " في قومي لما كان يصنع بى فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وآله كرهته فقلت لغلام كان لى عربي وكان راعيا " لأبلى لا ابالك اعدد لى من ابلى جمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا " منى فإذا سمعت بجيش لمحد وقد وطأ هذه البلاد فادن منى فافعل ثم انه أتانى ذات غداة فقال يا عدى ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الأن فانى قد رأيت رايات فسألت عنها فقيل له هذه جيوش محمد قال فقلت قرب لى أجمالي فقربها فاحتملت باهلي وولدى ثم قلت الحق باهل دينى من النصارى بالشام فسلكت الجوشية وخلفت بنتا " لحاتم في الحاضرة فلما قدمت الشام اقمت بها وتخالفني خيل رسول الله فتصيب ابنة حاتم فيمن اصابت فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وآله في سبايا من طى وقد بلغ رسول الله هربي إلى الشام قال فجعلت ابنة حات في حظيرة (1) بباب المسجد كانت السبايا تحبس فيها فمر بها رسول الله فقامت إليه وكانت أمرأة جزلة فقالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الرافد فامنن على من الله عليك قال ومن رافدك قالت عدى بن حاتم قال الفار من الله ورسوله ثم مضى رسول الله وتركي حتى إذا كان من الغد مربى فقلت له مثل ذلك وقال لى مثل ما قال بالأمس
________________________________________
(1) وفى نسخة: في حجرة (*)
________________________________________
[ 353 ]
قالت حتى إذا كان بعد الغد مربى وقد يئست منه فاشار إلى رجل من خلفه ان قومي وكلميه قالت فقمت إليه فقلت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الرافد فامنن على من الله عليك قال صلى الله عليه وآله قد فعلت فلا تعجل حتى تجدى من قومك من يكون لك به ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنينى، فسألت عن الرجل الذى اشار على أن كلميه فقيل لى على بن أبى طالب " ع " فاقمت حتى قدم ركب من بلى أو من قضاعة قالت وإنما اريد ان أتى أخى بالشام قال فجئت رسول الله فقلت يا رسول الله قد قدم من قومي رهط لى فيهم ثقة وبلاغ قالت فكساني رسول الله وحملنى واعطاني نفقة وخرجت معهم حتى قدمت الشام. قال عدى فوالله انى لقاعد في أهلى إذ نظرت إلى ضعينة تصوب إلى منا قال فقلت أبنة حاتم فإذا هي هي فلما وقفت على انسحلت (1) تقول القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك وعورتك قال قلت أي اخية لا تقولي الا خيرا " فوالله مالى من عذر لقد صنعت ما ذكرت قال ثم نزلت فاقامت عندي فقلت لها وكانت امرأة حازمة ماذا ترين في أمر هذا الرجل قالت ارى والله ان تلحق به سريعا " فان يكن الرجل نبيا " فللسابق إليه فضله وان يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن وأنت أنت قال فقلت والله ان هذا للرأى قال فخرجت اقدم على رسول الله المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه فقال من الرجل قلت عدى بن حاتم فقام رسول الله فانطلق بى إلى بيته فوالله انه لعامد بى إليه إذ لقيته أمرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال فقلت في نفسي ما هذا بملك ثم مضى رسول الله حتى دخل بى بيته تناول وسادة من ادم محشوة ليفا فقدمها إلى فقال اجلس على هذه قال فقلت بل أنت اجلس عليها فقال صلى الله عليه وآله بل أنت فجلست عليها وجلس رسول الله بالارض قال فقلت في نفسي والله ما هذا بامرئ ملك
________________________________________
(1) انسحلت: لامت وسخطت (*)
________________________________________
[ 354 ]
ثم قال صلى الله عليه وآله ايه يا عدى بن حاتم الم تكن ركوسيا " (1) قال فقلت بلى قال اولم تكن تسير في قومك بالمرباع (2) قال فقلت بلى قال فان ذلك لم يكن يحل لك في دينك قال قلت اجل والله وعرفت انه نبى يعلم ما يجهل قال ثم قال لى لعلك يا عدى إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن ان المال يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم فوالله ليوشكن ان تسمع بالمرأة تخرج على بعيرها من القادسية حتى تزور هذا البيت لا تخاف ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى ان الملك والسلطان في غيرهم وايم الله ليوشكن ان تسمع بالقصور البيض من أرض بابل ان يفتح (3) عليهم قال فاسلمت فكان عدى يقول مضت اثنتان وبقيت الثالثة ووالله ليكونن قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت وأيم الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه. وروى ابن عبد ربه في كتاب العقد قال وفد عدى بن حاتم على النبي صلى الله عليه وآله فالقى له وسادة وجلس هو على الأرض قال عدى فما رمت حتى هداني الله للإسلام وسرني ما رأيت من كرم رسول الله في بنت حاتم التى أسرتها خيل النبي أسمها سفانة وبها كان يكنى أبوها حاتم. وروى انه لما اتى بها النبي قالت له يا محمد هلك الوالد وغاب الرافد فان رأيت ان تخلى عنى ولا تشمت بى احياء العرب فان أبى سيد قومه كان يفك العانى ويحمى الذمار ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشى السلام ولم يطلب إليه طالب حاجة قط فرده (4) انا أبنة حاتم طى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هذه صفة المؤمن
________________________________________
(1) الركوسية: قوم لهم دين بين دين النصارى والصابئين (2) المرباع: ربع الغنيمة (3) وفى السيرة: فتحت عليهم (4) وفى نسخة إلا قضاها (*)
________________________________________
[ 355 ]
لو كان أبوك إسلاميا " لترحمنا عليه خلوا عنها فان اباها كان يحب مكارم الاخلاق. وروى عن أمير المؤمنين " ع " انه قالو كنا لا نرجو ولا نخشى نارا " ولا ثوابا " ولا عقابا " لكان ينبغى لنا ان نطلب مكارم الأخلام فانها مما يدل على سبيل النجاح فقال رجل فداك ابى وأمى يا أمير المؤمنين سمعته من رسول الله قال " ع " نعم وما هو خير منه لما اتانا سبايا طى فإذا فيها جارية حماء، لعساء، لمياء، خواء. عطباء، صلت الجبين لطيفة العرنين مسنونة الخدين لمساء الكعبين خدلجة الساقين لغاء الخدين خميصة الخصرين مكورة الكشحين مصقولة المتنين فاعجبتني وقلت لأطلبن من رسول الله أن يجعلها في فيئيى فلما تكلمت نسيت ما راعني من جمالها لما رأيت من فصاحتها وعذوبة كلامها فقالت يا محمد (صلى الله عليه وآله) ان رأيت أن تخلى عنى ولا تشمت بى أحياء العرب فانى أبنة سيد قومي كان ابى يفك العانى ويحميى الذمار ويقرى الضيف ويشبع الجائع ويكسى المعدوم ويفرج عن المكروب انا أبنة حاتم طى فقال (ص) خلوا عنها فان اباها كان يحب مكارم الاخلاق فقام أبو بردة فقال يا رسول الله تحب مكارم الأخلاق فقال صلى الله عليه وآله يا ابا بردة لا يدخل الجنة احد لا يحسن الخلق وأخرج احمد عن عدى قال قلت لرسول الله ان أبى كان يصل الرحم ويفعل كذا وكذا قال صلى الله عليه وآله ان اباك اراد أمرا فادركه يعنى الذكر. وروى ان عديا قدم على عمر وكان رأى منه جفاء فقال اما تعرفني قال بلى اعرفك قد اسلمت إذ كفروا وعرفت إذ نكروا ووفيت إذ غدروا واقبلت إذ ادبروا وكان عدى يشابه اباه في الكرم حتى انه كان يفت الخبز للنمل ويقول انهن جارات وفيه يقول الشاعر: باب اقتدى عدى في الكرم * ومن يشابه ابه فما ظلم قال الفضل ابن شاذان كان عدى من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
________________________________________
[ 356 ]
قال ابن قتيبة ذكروا ان عديا قام إلى على " ع " عند خروجه إلى حرب أهل الجمل فقال يا أمير المؤمنين لو تقدمت إلى قومي أخبرهم بمسيرك واستفزهم فان لك على من طى ما معك فقال على " ع " نعم فافعل فتقدم عدى إلى قومه فاجتمعت إليه رؤساء طى فقال يا معشر طى انكم امسكتم عن حرب رسول الله في الشرك ونصرتم الله ورسوله في الإسلام على الردة وعلى " ع " قادم عليكم وقد ضمنت له مثل عدة من معه منكم فانفروا معه وقد كنتم تقاتلون في الجاهلية على الدنيا فقاتلوا في الإسلام على الآخرة فان أردتم الدنيا فعند الله مغانم كثيرة وانا ادعوكم إلى الدنيا والآخرة وقد ضمنت عنكم الوفاء وباهيت الناس بكم فاجيبوا قولى فانكم اعز العرب دارا ولكم فضول من معاشكم وخيلكم فاجعلوا فضل المعاش للقتال وفضول الخيل للجهاد وقد أظلكم على " ع " والناس معه من المهاجرين والبدريين والانصار فكونوا اكثرهم عددا " فان هذا سبيل للحى فيه الغنى والسرور وللقتيل فيه الحياة والرزق الكريم فصاحت طى نعم حتى كاد يصم من صياحهم فلما قدم على " ع " على طى أقبل شيخ من طى قد هرم من الكبر فرفع له من حاجبيه فنظر إلى على " ع " فقال أنت ابن أبى طالب قال نعم فقال مرحبا بك وأهلا قد جعلناك بيننا وبين النار وعدينا بيننا وبينك ونحن بينه وبين الناس والله لو أتيتنا غير مبايع لك لنصرناك لقرابتك من رسول الله وايامك الصالحة ولئن كان ما يقال فيك حقا " من الخير ان في أمرك وأمر قريش لعجبا إذ اخروك وقدموا غيرك سر فوالله لا يتخلف عنك من طى إلا عبد أودعى إلا باذن منك فشخص من طى ثلاثة عشر الف راكبا " (قال) بعض المؤرخين شهد عدى مع أمير المؤمنين " ع " الجمل وصفين وفقئت عينه في يوم الجمل وقتل أبنه طريف وبقى بلا عقب. وروى نصر بن مزاحم قال حدثنا عمر بن سعد عن معد بن طريف عن أبى المجاهد عن المحل بن خليفة قال لما أراد أمير المؤمنين " ع " المسير إلى
________________________________________
[ 357 ]
قتال أهل الشام قام عدى بن حاتم الطائى بين يديه فحمد الله واثنى عليه وقال يا أمير المؤمنين ما قلت إلا بعلم ولا دعوت إلا إلى الحق ولا أمرت إلا برشد ولكن ان رأيت ان تستأنى هؤلاء القوم وتستدعيهم حتى تأتيهم كتبك وتقدم عليهم رسلك فان يقبلوا يصيبوا رشدهم والعافية أوسع لنا ولهم وان يتمادوا في الشقاق ولا ينزعوا من الغى نسير إليهم وقدمنا إليهم بالعذر ودعوناهم إلى في أيدينا من الحق فوالله لهم من الحق أبعد وعلى الله أهون من قوم قاتلناهم بالأمس بناحية البصرة لما دعوناهم إلى الحق فتركوه ناوحناهم برا كالقتال حتى بلغنا منهم ما نحب وبلغ الله منهم رضاه فقام زيد بن حصين الطائى وكان من أصحاب البرانس المجتهدين فقال الحمد لله حتى يرضى ولا إله إلا الله ربنا، أما بعد فوالله ان كنا في شك من قتال من خالفنا ولا تصلح لنا النية في قتالهم حتى نستدعيهم ونستأنيهم ما الاعمال الا في تباب ولا السعي الا في ضلال والله تعالى يقول (واما بنعمة ربك فحدث) إننا والله ما ارتبنا طرفة عين فيمن يتبعونه فكيف باتباع القاسية قلوبهم القليل من الإسلام حظهم أعوان الظلمة وأصحاب الجور والعدوان ليسوا من المهاجرين والانصار ولا التابعين باحسان، فقام رجل من طى فقال يا زيد ابن حصين كلام سيدنا عدى بن حاتم تهجن فقال زيد ما انتم أعرف بحق عدى منى ولكن لا ادع القول بالحق وان سخط الناس. ولعدي في صفين مقامات مشهورة: وروى نصر بن مزاحم قال جاء عدى بن حاتم في يوم من ايام صفين يلتمس عليا " " ع " ما يطأ إلا على انسان ميت أو قدم أو ساعد فوجده تحت رايات بكر بن وائل فقال يا أمير المؤمنين " ع " الا تقوم حتى نموت فقال على " ع " ادن منى فدنا منه حتى وضع اذنه عند انفه فقال ويحك ان عامة من معى يعصينى وان معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه فقال عدى بن حاتم: أقول لما ان رأيت المعمعه * واجتمع الجندان وسط البلقعه
________________________________________
[ 358 ]
هذا على والهدى حقا معه * يا رب فاحفظه ولا تضيعه فانه يخشاك رب فادفعه * ومن أراد غيه فضعضعه وروى نصر أيضا " قال انتدب لعلى " ع " همام بن قبيصة وكان من أشتم الناس لعلى " ع " وكان معه لواء هوازن فقصد لمذحج وهو يقول: قد علم الخرد كالتمثال * انى إذا دعيت للنزال اقدم اقدام الهزبر العالي * أهل العراق انكم من بالى كل تلادى وطريف مالى * حتى انال فيكم المعالى أو اطعم الموت وتلكم حالى * في نصر عثمان ولا ابالى فقال عدى بن حاتم لصاحب الرأية ادن منى فاخذه وحمله وهو يقول: يا صاحب الصوت الرفيع العالي * ان كنت تبغى في الوغى نزالى فاذن فانى كاشف عن حالى * تفدى عليا " مهجتي ومالى واسرتي تتبعها عيالي فضربه وسلبه لواءه فقال ابن حطان وهو شامت به: اهمام لا تذكر مدى الدهر فارسا " * وعض على ما جئته بالاباهم سما لك يوما " في العجاجة فارس * شديد القصير ذو شجا وغمائم فوليته لما سمعت نداءه * تقول له خذ يا عدى بن حاتم فاصبحت مسلوب اللواء مذبذبا * واعظم بهذا منك شتمة شاتم وروى نصر أيضا " قال روى ان عمر بن الخطاب دعا عابس بن سعد الطائى وكان عدى بن حاتم تزوج أخته واولد منها أبنه زيدا " فقال عمر إنى أريد ان اوليك قضاء حمص فكيف أنت صانع قال اجتهد رأيى وأستشير جلسائي فانطلق فلم يمض إلا يسيرا " حتى رجع فقال يا أمير المؤمنين إنى رأيت رؤيا أحب أن أقصها عليك قال هاتها قال رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق ومعها جمع عظيم وكان القمر أقبل من المغرب ومعه جمع عظيم فقال عمر مع أيهما كنت
________________________________________
[ 359 ]
قال مع القمر قال عمر كنت مع الآية الممحوة لا والله لا تعمل على عمل فرده فشهد مع معاوية صفين وكانت راية طى معه فقتل يومئذ فمر به عدى بن حاتم ومعه زيد بن عدى فرآه قتيلا فقال يا أبة هذا والله خالي قال نعم يلعن الله خالك فبئس والله المصرع مصرعه فوقف زيد فقال من قتل هذا الرجل مرارا " فخرج إليه رجل من بكر بن وائل - طوال وائل - فقال انا والله قتلته قال كيف صنعت به فجعل يخبره فطعن زيد بالرمح فقتله فحمل عليه عدى يسبه ويسب أمه ويقول يابن المايقة لست على دين محمد ان لم أرفعك إليهم فضرب فرسه فلحق بمعاوية فأكرمه وحمله وادنى مجلسه فرفع عدى يده فدعا عليه فقال: اللهم ان زيدا " قد فارق ولحق بالمحلين اللهم فارمه بسهم من سهامك لا يشوى يقول لا يخطى فان رميتك لا تنمى لا والله لا اكلمه من رأسي كلمة ابدا ولا يظلنى واياه سقف بيت ابدا "، قال وقال زيد في قتل البكري شعرا: ألا من مبلغ طيا بانى * ثأرت بخالى ثم لم اتأثم تركت اخا تيم يبق بصدره * بصفين مخضوب الجيوب من الدم وذكرني خالي غداة رأيته * فاوخزته رمحي فخر على الفم لقد غادرت ارماح بكر بن وائل * قتيلا عن الأهوال ليس بمحجم قتيل يظل الحى يثنون بعده * عليه بايد من نداه وانعم لقد فجعت طى بحلم ونائل * وصاحب غارات ونهب مقسم لقد كان خالي ليس خال كمثله * دعانا لضيم واحتمالا لمغرم قال ولما لحق زيد بن عدى بمعاوية تكلم رجال من أهل العراق في عدى ابن حاتم وطعنوا في أمره وكان عدى سيد الناس مع على " ع " في نصيحته وعنائه فقام إلى على " ع " فقال يا أمير المؤمنين اما عصم الله رسوله صلى الله عليه وآله من حديث النفس والوسواس واتاني الشيطان بالوحى وليس هذا لأحد بعد رسول الله في عائشة وأهل الأفك والنبى صلى الله عليه وآله خير منك وعائشة يومئذ خير منى وقد
________________________________________
[ 360 ]
قربنى زيد للظن غير انى إذا ذكرت مكانك من الله ومكاني منك اتسع خناقى وطال نفسي والله ان لو وحدت زيدا " لقتلته ولو هلك ما حزنت عليه فاثنى عليه على " ع " خيرا " وقال في ذلك شعرا ": ايا زيد قد عصبتني بعصابة * وما كنت للثوب المدلس لابسا " فليتك لم تخلق وكنت كمن مضى * وليتك إذ لم تمض لم تر حابسا الا زال اعداء وعن ابن حاتم * اباه وأمسى بالفريقين ناكسا " وحامت عليه مذحج دون مذحج * وأصبحت للأعداء ساقا " ممارسا " نكصت على العقبين يا زيد برده * وأصبحت فقد جدعت منا المعاطسا قتلت امرأ من آل بكر بن وائل * فاصبحت مما كنت آمل آيسا وروى الشريف المرتضى (ره) في كتاب الغرر والدرر ان عديا دخل على معاوية فقال له ما فعل الطرفان يعنى طريفا " وطرافا " وطرفه بنيه قال قتلوا مع على ابن أبى طالب " ع " فقال ما أنصفك ابن أبى طالب قدم بينك وأخر بنيه فقال عدى بل ما أنصفته انا ان قتل وبقيت بعده. وقال له معاوية يوما ما ابقى لك الدهر من حب على فقال ان حبه ليتجدد في القلب وان ذكره يتردد في اللسان. وروى انه حضر جماعة من قريش عند معاوية وعنده عدى بن حاتم وكان فيهم عبد الله بن الزبير فقالوا يا أمير المؤمنين ذرنا نكلم عديا فقد زعموا ان عنده جوابا " فقال إنى احذركموه فقالوا لا عليك دعنا واياه فقال له ابن الزبير يا ابا طريف متى فقئت عينك قال يوم فر أبوك وقتل شر قتلة وضربك الأشتر على استك فوقعت هاربا " من الزحف وانشد شعرا ": اما وابى يا ابن الزبير لو اننى * لقيتك يوم الزحف ما رمت لى سخطا " وكان أبى في طئ وأبوابى * صحيحين لم ينزع عروقهما القبطا ولو رمت شتمى عند عدل قضاؤه * لرمت به يا ابن الزبير مدى شحطا
________________________________________
[ 361 ]
فقال معاوية قد كنت حذرتكموه فأبيتم. قال المؤلف: عرض عدى بقوله صحيحين لم ينزع عروقهما القبطا بما ذكره النسابون من ان العوام ابا الزبير كان رجلا من القبط حدث اسحق بن جرير قال حدثنى رجل من بنى هاشم وكان نسابة لقريش قال كان العوام ابا الزبير رجلا من القبط من أهل مصر وكان مملوكا لخويلد أشتراه من مصر وإنما سمى العوام لأنه يعوم في نيل مصر ويخرج ما يغرق فيه من متاع الدنيا وأشتراه خويلد فنزل بمكة ثم ان خويلدا تبناه وشرط عليه إن هو جنى عليه جناية رده في الرق وقال وكان يقال له العوام بن خويلد وقد قال حسان بن ثابت يهجو آل الزبير بن العوام ويقال ان عثمان بن الحويرث قالها: بنى أسد ما بال آل خويلد * يحنون شوقا كل يوم إلى القبط إذا ذكرت هيفاء حنوا لذكرها * وللرمث المقرون والسمك الرقط احمرى بنى العوام ان خويلدا * غداة تبناه ليوثق في الشرط بانك ان تجنى على جناية * أردك عبدا للنهايا وللقبط قال فسألت الهاشمي كيف تزوج العوام صفية بنت عبد المطلب قال نحن لم نزوجها قلت فمن زوجها قال كان ظهر بصفية داء لا يراه منها إلا بعلها فخرجت إلى الطائف إلى الحرث بن كلدة الثقفى وكان طبيبا " فوصفت له ما تجد فقال لها إنى لا أستطيع أن أداويك فان هذا موضع لا يراه إلا بعل وكان العوام يومئذ بالطائف قد خرج إلى الحرث بن كلدة من داء كان به فعالجه حتى برأ فقال لها الحرث زوجي نفسك من العوام ولم تجد بدا " من ذلك لما كان بها فكان الحرث يصف للعوام فيعالجها حتى تماثلت ففى ذلك يقول الحرث للعوام حين تزوج صفية بنت عبد المطلب. تزوجتها لا بين زمزم والصفا * ولا في ديار الشعب شعب الاكارم تزوجتها لم يشهد القوم بضعها * بنو عمها من عبد شمس وهاشم
________________________________________
[ 362 ]
قال فكان ذلك سبب تزويج صفية بنت عبد المطلب من العوام. مات عدى (ره) سنة ثمان وستين وهو ابن مائة وعشرين سنة وذلك زمن المختار (عبادة بن الصامت بن قيس) ابن أصرم بن فهر بن تغلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج الانصاري الخزرجي يكنى ابا الوليد أحد النقباء ليلة العقبة والذى بايع النبي صلى الله عليه وآله ان لا تأخذه في الله لومة لائم وهو من القوافل ومعنى القوافل ان الرجل من العرب كان إذا دخل يثرب يجئ إلى شريف من الخزرج ويقول له اجرني مادمت بها من ان اظلم فيقول قوفل حيث شئت فلا يفعرض له أحد وممن جمع القرآن وكان طويلا جسيما " جميلا. قال سعيد بن عقير كان طوله عشرة أشبار قال العلامة (ره) في الخلاصة هو ممن اقام بالبصرة وكان شيعيا ". وقال الكشى عن الفضل بن شاذان انه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين " ع " مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وله اثنتان وسبعون سنة واخطأ من قال انه عاش إلى خلافة معاوية. (بلال بن رياح) بفتح الراء المهملة والباء الموحدة وبعد الألف حاء مهملة الحبشى بن حمامة وهى أمه كانت مولاة لبنى جمح يكنى ابا عبد الله مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله أسلم قديما فعذبه قومه وجعلوا يقولون له ربك اللات والعزى وهو يقول أحد أحد. قال محمد بن اسحق كان أمية بن خلف يخرج بلال إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالشجرة العظيمة ثم توضع على ظهره فيقول لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فيقول بلال وهو على ذلك أحد أحد فمر أبو بكر يوما " على أمية بن خلف وهو يعذب بلالا فقال لأمية اما تتقى الله تعالى في هذا المسكين حتى متى قال أنت أفسدته فانقذه مما ترى فقال أبو بكر افعل عندي غلام أسود اجلد واقوى على دينك
________________________________________
[ 363 ]
اعطيكه به قال أمية قد قبلت قال هو لك فاعطاه أبو بكر غلامه ذلك واخذ بلالا. وفى معالم التنزيل أسم الغلام الذى أشترى به أبو بكر بلالا من أمية بن خلف قسطاط. وفى مناقب ابن شهر اشوب كان لأبى بكر غلام مشرك فرأى بلالا يعذب فقايض به، وقيل ان ابا بكر اشترى بلالا بسبع اواق، وقيل بخمس فاعتقه وشهد بدرا " واحدا " والمشاهد كلها مع رسول الله وفيه يقول الشاعر يوم بدر: هنيئا " زادك الرحمن خيرا " * فقد أدركت خيرك يا بلال فلا نكسا " وجدت ولا جبانا " * غداة تنوشك الاسل الطوال وهو أول من اذن لرسول الله صلى الله عليه وآله وكان يؤذن له سفرا " وحضرا " وكان خازنا على بيت ماله وعامله على صدقات الثمار وشهد له رسول الله بالجنة وكان ادم شديد الادمة نحيفا " طويلا أحنى له شعر كثير خفيف العارضين به شمط كثير لا يغيره وكان يلحن في كلامه ويجعل الشين سينا فقال رسول الله سين بلال عند الله شين وجاء رجل إلى أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين ان بلالا كان يناظر اليوم فلانا فجعل يلحن في كلامه وفلان يعرب ويضحك من بلال فقال أمير المؤمنين " ع " يا ابا عبد الله إنما يراد اعراب الكلام وتقويمه لتقويم الاعمال وتهذيبها ما ينفع فلانا اعرابه وتقويمه لكلامه إذا كانت افعاله ملحونة اقبح لحن وماذا يضر بلالا لحنه في كلامه إذا كانت افعاله مقومة احسن تقويم ومهذبة احسن تهذيب ومع ذلك فقد روى له شعر عنه فصيح بالعربية روى النسائي في سننه وابن هشام في سيرته انه لما قدم المدينة كان فيمن اخذته الحمى فكان أذا افلت عنه يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة * بواد وحولي أذخر وجليل وهل أردن يوما " مياه مجنة * وهل يبدون لى شامة وطفيل ثم يقول اللهم العن عتبة بن أبى ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا إلى أرض الوباء والمراد بالواد مكة وجليل نبت ضعيف وقيل هو التمام ومجنة بفتح
________________________________________
[ 364 ]
الميم وقد تكسر وفتح الجيم أيضا " وبعدها نون مشددة سوق باسفل مكة وفى القاموس انه موضع قرب مكة وشامة وطفيل بكسر الفاء جبلان مشرفان على مجنة وفى المواهب اللدنية شامة وطفيل عينان بقرب مكة. وروى ان بلال مدح النبي (ص) بلسان الحبشة فقال: أره بره كنكره * كراكرى مندره فقال صلى الله عليه وآله لحسان بن ثابت اجعله عربيا " فقال حسان بالعربية: إذ المكارم في آفاقنا ذكرت * فإنما بك فينا يضرب المثل وروى ان النبي صلى الله عليه وآله بينما هو والناس في المسجد ينتظرون بلال أن يأتي فيؤذن إذ أتى بعد الأذان فقال النبي ما حبسك يا بلال فقال إنى اجتزت بفاطمة وهى تطحن واضعة ابنها الحسن عند الرحى وهى تبكى فقلت لها ايما أحب اليك ان شئت كفيتك ابنك وإن شئت كفيتك الرحى فقالت أنا ارفق بابنى وأخذت الرحى فطحنت فذاك الذى حبسني فقال النبي صلى الله عليه وآله رحمتها رحمك الله. وفى مناقب ابن شهر اشوب روى إنه أخذ بلال جمانة بنت الزحاف الأشجعي فلما كان في وادى النعام هجمت عليه وضربته ضربة بعد ضربة ثم جمعت ما كان يعز عليها من ذهب وفضة في سفرة وركبت حجرة من خيل أبيها وخرجت من العسكر عل وجهها إلى شهاب بن مازن الملقب بالكوكب الدرى وكان قد خطبها من أبيها ثم انه انفذ النبي صلى الله عليه وآله سلمان وصهيبا إليه لأبطائه فرأوه ملفى على وجه الأرض والدم يجرى من تحته على وجه الأرض فاتيا النبي صلى الله عليه وآله فأخبراه بذلك فقال النبي كفوا عن البكاء ثم صلى ركعتين ودعا بدعوات ثم أخذ كفا من الماء فرشه على بلال فوثب قائما وجعل يقبل قدم النبي صلى الله عليه وآله فقال له النبي من هذا الذى فعل بك هذا الفعال يا بلال فقال جمانة بنت الزحاف وإنى لها عاشق فقال صلى الله عليه وآله أبشر يا بلال فسوف انفذ إليها وأتى بها فقال النبي صلى الله عليه وآله يا ابا الحسن هذا أخى جبرئيل يخبرني من رب العالمين ان جمانة لما قتلت بلال
________________________________________
[ 365 ]
مضت إلى رجل يقال له شهاب بن مازن وكان قد خطبها من أبيها ولم ينعم له بزواجها وقد شكت حالها إليه وقد سار بجموعه يروم حربنا فقم وأقصده بالمسلمين فالله تعالى ينصرك عليه وها انا راجع إلى المدينة فقال فعند ذلك سار الإمام " ع " بالمسلمين وجعل يجد في السير حتى وصل إلى شهاب وجاهده ونصر المسلمون فاسلم شهاب وأسلمت جمانة والعسكر واتى بهم الإمام إلى المدينة وجددوا الإسلام على يد النبي فقال النبي يا بلال ما تقول فقال يا رسول الله قد كنت محبا لها وشهاب ابن مازن أحق بها منى فعند ذلك وهب شهاب لبلال جاريتين وفرسين وناقتين. وروى انه صلى الله عليه وآله قال لعجوز اشجعيه يا اشجعيه لا تدخل العجوز الجنة فرآها بلال باكية فرفعها للنبى فقال والأسود كذلك فجلسا يبكيان فراهما العباس فذكرهما له فقال صلى الله عليه وآله والشيخ كذلك فجلسوا يبكون فدعاهم وطيب قلوبهم وقال ينشئهم الله كأحسن ما كانوا وذكر انهم يدخلون الجنة شبابا منورين. ولما كان يوم الفتح أمر النبي بلالا ان يصعد البيت ويؤذن فوقه فصعد واذن على البيت فقال خالد بن سعيد بن العاص الحمد لله الذى اكرم ابى فلم يدرك هذا اليوم وقال الحارث بن هشام واثكلاه ليتنى مت قبل هذا اليوم قبل أن أسمع بلالا ينهق فوق الكعبة وقال الحكم بن ابى العاص هذا والله الحدث العظيم ان عبد بنى جمع يصيح بما يصيح به على بيته فاتى جبرئيل " ع " رسول الله صلى الله عليه وآله فاخبره بمقالة القوم. ولم يؤذن بلال لأحد بعد رسول الله وقال لا اؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وان فاطمة " ع " قالت ذات يوم انى اشتهى ان اسمع صوت مؤذن ابى صلى الله عليه وآله بالأذان فبلغ ذلك بلالا فاخذ في الآذان فلما قال الله اكبر ذكرت اباها وايامه فلم تتمالك من البكاء فلما بلغ إلى قوله اشهد ان محمدا " رسول الله شهقت فاطمة " ع " وسقطت لوجهها وغشى عليها فقال الناس لبلال امسك فقد فارقت ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله الدنيا فظنوا انها قد ماتت فقطعوا اذانه ولم يتمه فاقامت
________________________________________
[ 366 ]
فاطمة " ع " وسألته ان يتم الأذان فلم يفعل وقال لها يا سيدة النسوان انى اخشى عليك مما تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان فاعفته عن ذلك. وفى المواهب اللدنية ان عمر لما قدم الشام حين فتحها اذن بلال فتذكر الناس النبي صلى الله عليه وآله قال اسلم مولى عمر فلم ار باكيا اكثر من يومئذ. وعن ابراهيم التميمي لما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله اذن بلال ورسول الله لم يدفن فكان إذا قال اشهد ان محمدا " رسول الله صلى الله عليه وآله انتحب الناس في المسجد فلما دفن قال له أبو بكر أذن قال ان كنت انما اعتقتني لأن اكون معك فلا سبيل إلى ذلك وان كنت اعتقتني لله فخلني ومن اعتقتني له قال ما اعتقتك إلا لله قال فانى لا أؤذن لاحد بعد رسول الله قال فذلك اليك قال فاقام حتى خرجت بعوث الشام فخرج معهم حتى انتهى إليها. وعن سعيد بن المسيب قال لما كانت خلافة ابى بكر تجهز بلال ليخرج إلى الشام فقال له أبو بكر ما كنت اراك تدعني على هذه الحالة فلو اقمت معنا فاعنتنا قال ان كنت انما اعتقتني لله تعالى فدعني اذهب وان كنت انما اعتقتني لنفسك فاحبسني عندك فاذن له فخرج إلى الشام فمات بها. وفى المنتفى قال أبو بكر لبلال اعتقك وقد كنت مؤذنا لرسول الله وبيدك ارزق رسوله ووفوده فكن مؤذنا " لى كما كنت لرسول الله وخازنا " لى كما كنت خازنا " لرسول الله فقال يا ابا بكر صدقت كنت كذلك فان كنت اعتقتني لتأخذ منفعتي في الدنيا أقمت حتى اخدمك وان كنت أعتقتي لتأحذ الثواب من الرب فخلني والرب فبكى أبو بكر وقال أعتقك لآخذ الثواب من المولى فلا اعجلها في الدنيا فخرج بلال إلى الشام فمكث زمانا فرأى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا بلال جفوتنا وخرجت من جوارنا وبلادنا فاقصد إلى زيارتنا فانتبه بلال وقصد إلى المدينة وذلك قريب موت فاطمة " ع " فلما انتهى إلى المدينة تلقاه الناس فاحبر بموت فاطمة فصاح وقال بضعة النبي ما أسرع ما لحقت بالنبي فقالوا له اصعد فاذن فقال لا افعل
________________________________________
[ 367 ]
بعد ما أذنت لمحمد فلم يزالوا به حتى صعد فاجتمع أهل المدينة رجالهم ونساؤهم وصغارهم وكبارهم وقالوا هذا بلال مؤذن رسول الله يريد ان يؤذن استمعوا إلى أذانه فلما قال الله اكبر الله اكبر صاحوا وبكوا جميعا فلما قال اشهد ان لا إله إلا الله ضجوا جميعا " ولما قال اشهد ان محمدا رسول الله لم يبق في المدينة ذو روح إلا بكى وصاح وخرجت العذارى من خدورهن وهن يبكين وصار كموت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى فرغ من أذانه فقال ابشركم انه لا تمس النار عين بكت على رسول الله ثم انصرف إلى الشام وكان يرجع كل سنة مرة فينادى بالأذان إلى ان مات. وأخرج الشيخ الصدوق في الفقيه عن أبى بصير عن احدهما " ع " انه قال ان بلالا كان عبدا " صالحا " قال لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فترك يومئذ حى على خير العمل. وفى كتاب اصفياء أمير المؤمنين " ع " وعن ابن أبى البخترى قال حدثنا عبد الله بن الحسن ان بلال ابى ان يبايع ابا بكر وان عمر جاء واخذ بتلابيبه فقال يا بلال ان هذا جزاء ابى بكر منك انه اعتقك فلا نجئى تبايعه: فقال إن كان أبو بكر اعتقنى لله فليدعني له وان كان اعتقنى لغير ذلك فها انا ذا واما بيعته فما كنت ابايع احدا " لم يستخلفه رسول الله وان بيعة ابن عمه يوم الغدير في اعناقنا إلى يوم القيامة فأينا يستطيع أن يبايع على مولاه فقال له عمر لا ام لك لا تقيم معنا فارتحل إلى الشام وتوفى بدمشق في الطاعون ودفن بباب الصغير وله شعر في هذا المعنى: بالله لا بأبى بكر نجوت ولولا * الله قامت على أوصالي الضبع الله بوأنى خيرا " واكرمني * وانما الخير عند الله متبع لا تلقيني تبوعا " كل مبتدع * فلست مبتدعا " مثل الذى ابتدعوا وعن هشام بن سالم عن أبى عبد الله " ع " قال كان بلال عبدا " صالحا "
________________________________________
[ 368 ]
وكان صهيب عبدا " أسود يبكى على عمر. وأخرج ابن بابويه في أماليه باسناده عن هشام بن الحكم عن ثابت بن هرمز عن الحسن بن أبى الحسن عن أحمد بن أبى الحميدى عن عبد الله بن على قال حملت متاعا " من البصرة إلى مصر فقدمتها فبينا انا في بعض الطريق إذ انا بشيخ طويل شديد الادمة أصلع أبيض الرأس واللحية عليه طمران احدهما أسود والآخر أبيض فقلت من هذا قالوا هذا بلال مؤذن رسول الله فاخذت الواحى واتيته فسلمت عليه ثم قلت السلام عليك أيها الشيخ فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته قلت يرحمك الله حدثنى بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله قال وما يدر بك من انا فقلت أنت بلال مؤذن رسول الله قال فبكى وبكيت حتى اجتمع الناس علينا ونحن نبكى قال لى يا غلام من أي البلاد أنت قلت من أهل العراق قال بخ بخ فمكث ساعة ثم قال اكتب يا أخا أهل العراق: بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول المؤذمون امناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم لا يسألون الله شيئا " إلا أعطاهم ولا يشفعون في شئ إلا شفعوا قلت زدنى قال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من اذن أربعين عاما " محتسبا " بعثه الله يوم القيامة وله عمل أربعين صديقا " مبرورا " متقبلا قلت زدنى يرحمك الله قال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله يقول من اذن عشرين عاما " بعثه الله يوم القيامة وله نور مثل نور سماء الدنيا قلت زدنى يرحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله يقول من اذن عشر سنين أسكنه الله مع ابراهيم في قبته أو في درجته قلت زدنى يرحمك الله قال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من اذن سنة واحدة بعثه الله يوم القيامة وقد غفرت ذنوبه كلها بالغة ما بلغت ولو كانت مثل زنة جبل احد قلت زدنى يرحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول الله يقول: من اذن في سبيل الله صلاة واحدة
________________________________________
[ 369 ]
إيمانا " واحتسابا " وتقربا " إلى الله غفر الله له ما سلف من ذنوبه ومن الله عليه بالعصمة فيما بقى من عمره وجمع بينه وبين الشهداء في الجنة قلت يرحمك الله حدثنى باحسن ما سمعت قال ويحك يا غلام قطعت نياط قلبى وبكى وبكيت حتى إنى والله لرحمته ثم قال أكتب بسم الله الرحمن الرحيم: سمعت رسول الله يقول إذا كان يوم القيامة وجمع الله الناس في صعيد واحد بعث الله إلى المؤذنين بملائكة من نور معهم الوية واعلام من نور يقودون نجائب من زبرجد اخضر وحقائبها المسك الاذفر يركبها المؤذنون فيقومون عليها قياما " يقودهم الملائكة ينادون باعلى اصواتهم بالأذان ثم بكى بكاء شديدا " حتى انتحبت وبكيت فلما سكت قلت مم بكاؤك قال ويحك ذكرتني اشياء سمعت حبيبي وصفيى صلى الله عليه وآله يقول والذى بعثنى بالحق نبيا " انهم ليمرون على الخلق قياما " على النجائب فيقولون الله اكبر الله اكبر فإذا قالوا كذلك سمعت لأمتى ضجيجا " فسأله أسامة بن زيد عن ذلك الضجيج ما هو قال الضجيج التسبيح والتحميد والتهليل فإذا قالوا أشهد ان لا إله إلا الله قالت امتى اياه كنا نعبد في الدنيا فيقال صدقتم فإذا قالوا اشهد ان محمدا " رسول الله قالت امتى هذا الذى اتانا برسالة ربنا فامنا به ولم نره فيقال لهم صدقتم هو الذى ادى اليكم الرسالة من ربكم وكنتم به مؤمنين فحقيق على الله ان يجمع بينكم وبين نبيكم فينتهى بهم إلى منازلهم وفيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم نظر إلى فقال لى ان استطعت ولا قوة إلا بالله ان لا تموت إلا مؤذنا فافعل فقلت يرحمك الله تفضل على واخبرني فإنى فقير محتاج وادأ لي ما سمعت من رسول الله فإنك قد رأيته ولم أره وصف لى كيف وصف لك رسول الله بناء الجنة قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ان سور الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ولبنة من ياقوت وملاطها المسك الاذفر شرفها الياقوت الاحمر والأخضر والأصفر قلت فما أبوابها قال ابوابها مختلفة باب الرحمة من ياقوتة حمراء قلت فما حلقته قال ويحك كف عنى فقد كلفتني شططا قلت ما انا
________________________________________
[ 370 ]
بكاف عنك حتى تؤدى إلى ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم اما باب الصبر فباب صغير مصراع واحد من ياقوتة حمراء لا حلقة لها وأما باب الشكر فانه من ياقوتة بيضاء له مصراعان مسيرة ما بينهما خمسمائة عام له ضجيج وحنين يقو اللهم جئني باهلي قلت هل يتكلم الباب قال نعم ينطقه ذو الجلال والاكرام وأما باب البلاء قلت اليس باب البلاء هو باب الصبر قال لا قلت فما البلاء قال المصائب والاسقام والامراض والجذام وهو باب من ياقوتة صفراء مصراع واحد ما اقل من يدخل منه قلت رحمك الله زدنى وتفضل على فانى فقير فقال يا غلام لقد كلفتني شططا أما الباب الأعظم فيدخل منه العباد الصالحون وهم أهل الزهد والورع والراغبون إلى الله عزوجل المستأنسون به قلت رحمك الله فإذا دخلوا الجنة ماذا يصنعون قال يسيرون على نهرين في مصاف في سفن الياقوت مجاديفها اللؤلؤ فيها ملائكة من نور عليهم ثياب خضر شديدة خضرتها قلت رحمك الله هل يكون من النور الأخضر قال ان الثياب هي خضر ولكن فيها نور من نور رب العالمين يسيرون على حافة ذلك النهر قلت فما أسم ذلك النهر قال جنة الماوى قلت هل وسطها غير هذا قال نعم جنة عدن فسورها ياقوت أحمر هي في وسط الجنان فاما جنة عدن فسورها ياقوت أحمر وحصيها اللؤلؤ قلت فيها غيرها قال نعم جنة الفردوس قلت وكيف سورها قال ويحك كف عنى قد حيرت على قلبى قلت بل أنت الفاعل بى ذلك ما انا بكاف عنك حتى تنم لى الصفة وتخبرني عن سورها قال سورها نور قلت والغرف التى هي فيها قال هي من نور رب العالمين قلت زدنى رحمك الله قال ويحك إلى هذا انتهى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله طوبى لك ان أنت وصلت إلى بعض هذه الصفة وطوبى لمن يومن بهذا قلت يرحمك الله انا والله من المؤمنين بهذا قال ويحك انه من يؤمن أو يصدق بهذا الحق والمنهاج لم يرغب في الدنيا ولا في زهرتها وحاسب نفسه قلت انا مؤمن بهذا قال صدقت ولكن قارب وسدد ولا
________________________________________
[ 371 ]
تيأس وأعمل ولا تفرط وارجع وخف واحذر ثم بكى وشهق ثلاث شهقات فظننا انه مات ثم قال فداكم ابى وامى لو رأكم محمد صلى الله عليه وآله لقرت عينه حين تسألون عن هذه الصفة ثم قال النجا النجا الوحا الوحا الرحيل الرحيل العمل العمل واياكم والتفريط واياكم والتفريط ثم قال ويحكم اجعلوني في حل مما فرطت فقلت له أنت في حل مما فرطت جزاك الله الجنة كما أديت وفعلت الذى عليك يجب ثم ودعى وقال لى اتق الله واد إلى امة محمد ما أديت اليك فقلت افعل انشاء الله تعالى قال استودع الله دينك وامانتك وزودك التقوى واعانك على طاعته بمشيئته. وذكر الزمخشري في ربيع الأبرار قال خطب بلال لأخيه خالد بن رياح أمرأة قرشية فقال لأهلها نحن من قد عرفتم كنا عبدين فاعتقنا الله وكنا ضالين فهدانا الله وكنا فقيرين فاغنانا الله وانا أخطب لكم على أخى فلانة فان تنحكونا فالحمد لله وان تردونا فالله اكبر فاقبل بعضهم على بعض وقالوا بلال من قد عرفتم سابقته ومشاهده ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وآله فزوجوا اخاه فلما انصرفا قال له أخوه يغفر الله لك أما كنت تذكر سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله فقال يا أخى صدقت فانكحك الصدق ومات بلال (ره) سنة سبع عشرة أو عشرين أو احدى وعشرين وله أربع وستون سنة وأختلف في موضع موته فقيل بدمشق ودفن بباب الصغير وقيل بحلب ودفن على باب الأربعين، قال القسطلانى في المواهب اللدنية ولا عقب له، والله أعلم. (أبو الحمراء مولى النبي صلى الله عليه وآله) وخادمه اسمه هلال بن الحرث وقيل ابن ظفر وأصله فارسي وعده بعضهم في الأحرار من خدامه. قال أبو عمرو بن عبد البر في الاستيعاب حديثه عن النبي انه كان يمر ببيت فاطمة وعلى " ع " فيقول السلام عليكم أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ".
________________________________________
[ 372 ]
وأخرج ابن بابويه في أماليه باسناده عن أبى الجارود عن زياد بن المنذر عن القاسم بن الوليد عن شيخ من ثمالة. قال دخلت على أمرأة من تميم عجوز كبيرة وهى تحدث الناس فقلت لها يرحمك الله حدثينى في بعض فضائل أمير المؤمنين " ع " فقالت أحدثك فهذا شيخ كما ترى بين يدى نائم فقلت لها ومن هذا قالت أبو الحمراء خادم رسول الله فجلست إليه فلما سمع حسى استوى جالسا " فقال مه فقلت رحمك الله حدثنى بما سمعت ورأيت من رسول الله صلى الله عليه وآله يصنعه بعلى " ع " فان الله يسألك عنه فقال على الخبير وقعت أما ما رأيت النبي يصنعه بعلى فانه قال لى ذات يوم يا ابا الحمراء إنطلق فادع لى مائة من العرب وخمسين رجلا من العجم وثلاثين رجلا من القبط وعشرين رجلا من الحبشة فاتيت بهم فقام رسول الله فصف العرب ثم صف العجم خلف العرب وصف القبط خلف العجم وصف الحبشة خلف القبط ثم قام فحمد الله واثنى عليه ومجد الله بتمجيد لم يسمع الخلايق بمثله ثم قال يا معشر العرب والعجم والقبط والحبشة أقررتم بشهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ؟ فقالوا نعم فقال اللهم اشهد حتى قالها ثلاثا " فقال في الثالثة اقررتم بشهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا " عبده ورسوله وان على بن أبى طالب أمير المؤمنين وولى أمرهم من بعدى ؟ فقالوا اللهم نعم فقال اللهم اشهد حتى قالها ثلاثا " ثم قال لعلى " ع " يا ابا الحسن انطلق فاتني بصحيفة ودواة فانطلق واتاه بصحيفة ودواة فدفعها إلى على ابن أبى طالب وقال اكتب فقال وما اكتب قال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أقرت به العرب والعجم والقبط والحبشة أقروا بشهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان على بن أبى طالب أمير المؤمنين وولى أمرهم من بعدى ثم ختم الصحيفة ودفعها إلى على بن أبى طالب فما رأيتها إلى الساعة فقلت رحمك الله زدنى قال نعم، خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عرفة وهو آخذ بيد على " ع " فقال يا معشر الخلائق ان الله عزوجل باهى بكم
________________________________________
[ 373 ]
في هذا اليوم ليغفر لكم عامة ثم التفت إلى على فقال له وغفر الله لك يا على خاصة ثم قال يا على أدن منى فدنا منه فقال ان السعيد حق السعيد من أحبك واطاعك وان الشقى كل الشقى من عاداك ونصب لك وابغضك يا على كذب من زعم أنه يحبنى ويبغضك يا على من حاربك فقد حاربنى ومن حاربنى فقد حارب الله يا على من ابغضك فقد ابغضنى ومن أبغضني فقد أبغض الله واتعس الله جده وادخله نار جهنم. قال غير واحد من أصحاب السيران ابا الحمراء نزل بحمص وتوفى بها رحمه الله (أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله) اسمه ابراهيم وقيل أسلم وقيل ثابت وقيل هرمز وقيل بندويه وقيل القبطى وقيل العجمي كان للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبى فلما بشر النبي باسلام العباس أعتقه وكان على فعله وزوجه سلمى فولدت له عبيد الله كاتب أمير المؤمنين " ع " في خلافته كلها. قال النجاشي اخبرنا محمد بن جعفر الأديب قال أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد في تاريخه ان ابا رافع أسلم قديما بمكة وهاجر إلى المدينة وشهد مع النبي مشاهده ولزم أمير المؤمنين من بعده وكان من خيار الشيعة شهد معه حروبه وكان صاحب بيت ماله بالكوفة وابناه عبيد الله وعلى كاتبا أمير المؤمنين عليه السلام. وأخرج أيضا " باسناده عن عبد الله بن عبيد الله بن ابى رافع عن أبيه عن أبى رافع قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو نائم أو يوحيى إليه وإذا حية في جانب البيت فكرهت ان أقتلها فاوقظه فاضطجعت بينه وبين الحية حتى أن كان منها سوء يكون إلى دونه فاستيقظ صلى الله عليه وآله وهو يتلو هذه الآية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ثم قال الحمد لله الذى اكمل لعلى منيته وهنيئا لعلى بتفضيل الله اياه ثم التفت فرأني إلى جانبه فقال ما أضجعك هنا يا ابا رافع فاخبرته خبر الحية فقال قم إليها فاقتلها
________________________________________
[ 374 ]
فقتلتها ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدى فقال يا ابا رافع كيف أنت وقوم يقاتلون عليا " وهو على الحق وهم على الباطل يكون حقا في الله حق جهادهم فمن لم يستطع جهادهم في قلبه فمن لم يستطع فليس وراء ذلك شئ فقلت ادع لى ان أدركتهم ان يعيننى الله ويقوينى على قتالهم فقال صلى الله عليه وآله اللهم ان ادركهم فقوه واعنه ثم خرج إلى الناس فقال يا أيها الناس من أراد ان ينظر إلى أمينى على نفسي وأهلي فهذا أبو رافع أمينى على نفسي. قال عون بن عبيدالله بن أبى رافع فلما بويع على " ع " وخالفه معاوية بالشام وسار طلحة والزبير إلى البصرة قال أبو رافع هذا قول رسول الله سيقاتل عليا قوم يكون حقا في الله جهادهم فباع أرضه بخيبر وداره ثم خرج مع على " ع " وهو شيخ كبير له خمس وثمانون سنة وقال الحمد لله لقد أصبحت لا احد بمنزلتي لقد بايعت البيعتين بيعة العقبة وبيعة الرضوان وصليت القبلتين وهاجرت الهجر الثلاث قلت وما الهجر الثلاث قال هاجرت مع جعفر بن أبى طالب إلى أرض الحبشة وهاجرت مع رسول الله إلى المدينة وهذه الهجرة مع على بن أبى طالب إلى الكوفة فلم يزل مع على حتى استشهد " ع " فرجع أبو رافع إلى المدينة مع الحسن " ع " ولا دار له بها ولا أرض فقسم الحسن دار على بنصفين واعطاه سنخ أرض أقطعه اياها فباعها عبيد الله بن أبى رافع من معاوية بمائة الف وسبعين الفا ". ومن حديث أبى رافع ما رواه أبو محمد عبد الملك بن هشام في غزاة خيبر من كتاب السيرة باسناده عن أبى رافع قال خرجنا مع على " ع " حين بعثه رسول الله برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده فتناول على " ع " بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله على يديه ثم القاه من يده حين فرغ فلقد رأيتنى في نفر سبعة انا منهم نجهد على ان نقلب الباب فلم نقلبه. وروى هذا الحديث أحمد بن حنبل في مسنده أيضا " قال اكثر أصحاب السير
________________________________________
[ 375 ]
من العامة توفى أبو رافع بعد قتل عثمان في أول خلافة أمير المؤمنين " ع " وما ذكرناه عن النجاشي صريح في انه عاش إلى ان استشهد أمير المؤمنين " ع " والله أعلم. (هاشم بن عتبة بن أبى وقاص) وأسم أبى وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لوى بن غالب يكنى ابا عمرو وهو ابن أخى سعد بن أبى وقاص وأبوه عتبة بن أبى وقاص وهو الذى كسر رباعية رسول الله يوم احد وكلم شفتيه وشج وجهه فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فأنهم ظالمون. وقال حسان بن ثابت في ذلك اليوم هذه الأبيات: إذا الله حيا معشرا " بفعالهم * ونصرهم الرحمان رب المشارق فهدك ربى يا عتيب بن مالك * ولقاك قبل الموت احدى الصواعق بسطت يمينا " للنبى محمد * فدميت فاه قطعت بالبوارق فهلا ذكرت الله والمنزل الذى * تصير إليه عند احدى الصقائق فمن عاذري من عبد عذرة بعد ما * هوى في دجوجى شديد المضائق واورث عارا في الحياة لأهله * وفى النار يوم البعث ام البوائق وإنما قال عبد عذره لأن عتبة بن أبى وقاص وأخوته واقاربه في نسبهم كلام ذكر أهل النسب انهم من عذرة وانهم ادعياء في قريش ولهم خبر معروف وقصة مذكورة في كتب النسب وتنازع عبد الله بن مسعود وسعد بن أبى وقاص في ايام عثمان في أمر فاختصما فقال سعد لعبدالله اسكت يا عبد هذيل فقال له عبد الله اسكت يا عبد عذرة، وهاشم بن عتبة هو المرقال لأنه كان يرقل في الحرب ارقالا. قال أبو عمر وفى كتاب الاستيعاب اسلم هاشم بن عتبة يوم الفتح وكان
________________________________________
[ 376 ]
من الفضلاء الاخيار ومن الأبطال المشار إليهم فقئت عينه يوم اليرموك ثم أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق إلى سعد كتب إليه بذلك فشهد القادسية وابلى فيها بلاء حسنا " اقام منه في ذلك مقاما ما لم يقم به أحد وكان سبب الفتح على المسلمين وكان بهمة من البهم خيرا فاضلا ثم شهد هاشم مع على " ع " الجمل وشهد صفين وابلى فيها بلاء حسنا " وبيده كانت راية على " ع " على الرجالة يوم صفين ويومئذ قتل (ره) قال نصر بن مزاحم وروى انه لما شاع خبر عثمان وبيعة الناس لأمير المؤمنين وبلغ الخبر الكوفة أجتمعوا إلى ابى موسى الأشعري وهو يومئذ أمير عليها وقالوا له مالك لا تبايع لعلى " ع " تتربص ولا تدعو إلى بيعته فان المهاجرين والانصار قد بايعوا فقال أبو موسى في هذا الأمر لنرى ما يحدث بعده وما يأتينا من خبر فقال له هاشم بن عتبة أي خبر يأتيك بعد هذا قد قتل عثمان وبايع المهاجرون والانصار والخاص والعام عليا " اتخاف ان بايعت لعلى ان يبعث عثمان فيلومك ثم قبض هاشم بيده اليمنى على يده اليسرى وقال يدى اليسرى لى ويدى اليمنى لعلى " ع " وقد بايعته ورضيت بخلافته وأنشأ يقول: ابايع غير مكترث عليا " * ولا اخشى أميرا " أشعريا " ابايعه وأعلم ان سأمضى * هداك الله حقا والنبيا فلما رأى أبو موسى ذلك من هاشم لم يسعه إلا البيعة فقام وبايع وقام بعده اكابر أهل الكوفة وساداتهم ومشايخهم فبايعوا لعلى عليه السلام قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين لما عزم أمير المؤمنين " ع " على التوجه إلى صفين لقتال معاوية قال زياد بن النضر الحارثى لعبدالله بن بديل بن ورقاء ابن يومنا ويومهم ليوم عصبصب ما يصبر عليه الاكل مشبع القلب صادق النية رابط الجاش وايم الله ما اظن ذلك اليوم يبقى منا ومنهم الارذال قال عبد الله ابن بديل وانا والله أظن ذلك فقال على ليكن هذا الكلام جوابنا في صدوركم
________________________________________
[ 377 ]
لا تظهروه ولا يسمعه منكم سامع ان الله تعالى كتب القتل على قوم والموت على آخرين وكل آتيه منيته كما كتب الله له فطوبى للمجاهدين في سبيل الله والمقتولين في طاعته فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم حمد الله واثنى عليه ثم قال سر بنا يا أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وعملوا في عباد الله بغير رضى الله فاحلوا حرامه وحرموا حلاله واستولاهم الشيطان واوعدهم الاباطيل ومناهم الامانى حتى ازاغهم عن الهدى وقصد بهم فصل الردى وحبب إليهم الدنيا فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة انجزنا موعد ربنا وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله رحما " وأفضل سابقة وقدما " وهم يا أمير المؤمنين يعلمون منك مثل الذى علمنا ولكن كتب عليهم الشقاء ومالت بهم الأهواء فكانوا ظالمين فايدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة وانفسنا بنورك جذلة على من خالفك وتولى الأمر دونك والله ما أحب ان لى ما على الأرض مما أقلت وما تحت السماء مما أظلت وابى واليت عدوا لك أو عاديت وليا لك فقال " ع " اللهم أرزقه الشهادة في سبيلك والمرافقة لنبيك. وروى نصر: أيضا في كتابه المذكور قال دفع على الراية يوما من ايام صفين إلى هاشم بن عتبة وكانت عليه درعان فقال له على " ع " كهيئة المازح يا هاشم اما تختشى ان تكون اعورا " جبانا " قال ستعلم يا أمير المؤمنين لألقن بين جماجم القوم لف رجل ينوى الآخرة فأخذ رمحا فهزه فانكسر ثم أخذ رمحا " آخر فوجده جاسيا " فالقاه ثم دعا برمح لين فشد به لواءه. ولما دفع على " ع " الراية إلى هاشم قال رجل من بكر بن وائل من أصحاب هاشم اقدم مالك يا هاشم قد انتفخ سحرك أعورا " وجبنا قال من هذا قالوا فلان قال أهلها وخير منها إذا رأيتنى قد صرعت فخذها ثم قال لأصحابه شدوا شسوع نعالكم وشدوا ازركم فإذا رأيتموني قد هززت الراية ثلاثا " فاعلموا ان احدا " منكم لا يسبقنى إليها ثم نظر هاشم إلى
________________________________________
[ 378 ]
عسكر معاوية فرأى جمعا " عظيما " فقال من أولئك قالوا أصحاب ذى الكلاع ثم نظر فرأى جندا " آخر فقال من هؤلاء قالوا جند أهل المدينة قال قومي لا حاجة لى في قتالهم قال من عند هذه القبة البيضاء قيل معاوية وجنده قال فانى أرى دونهم اسوره قالوا ذاك عمرو بن العاص وابناه فاخذ هاشم الراية فهزها فقال له رجل من أصحابه امكث قليلا ولا تعجل فقال هاشم (ره) قد اكثروا لومى وما اقلا * انى شريت النفس لما اعتلا أعور يبغى أهله محلا * لا بد ان يفل أو يفلا قد عالج الحياة حتى ملا * اشلهم بذى الكعوب شلا مع ابن عم أحمد المعلا * فيه الرسول بالهدى استهلا أول من صدقه وصلى * نجاهد الكفار حتى نبلى وكان على " ع " قال له ما تخاف ان تكون أعورا " جبانا يا هاشم المرقال: قال يا أمير المؤمنين " ع " أما والله لتعلمن ان شاء الله تعالى سألف بين جماجم القوم فحمل يومئذ يرقل ارقالا قال نصر: وحدثنا عبد العزيز بن سباه عن حبيب ابن أبى ثابت قال لما تناول هاشم الراية جعل عمار بن ياسر (ره) يحرضه على الحرب ويقرعه بالرمح ويقول اقدم يا اعور لا خير في أعور لا يأتي الفزع فيستحى من عمار ويتقدم ويركز الراية فإذا ركزها عاوده بالقول قيقدم أيضا فقال عمرو بن العاص إنى لارى لصاحب الراية السوداء عملا لأن دام على هذا لتفنين العرب اليوم فاقتتلوا قتالا شديدا وعمار ينادى صبرا " عباد الله ان الجنة تحت ظلال البيض وكان بأزاء هاشم وعمار أبو الأعور السلمى ولم يزل عمار بهاشم ينحنى وهو يزحف بالراية حتى اشتد الفتال وعظم والتقى الزحفان فاقتتلا قتالا لم يسمع السامعون بمثله وكثرت القتلى في الفريقين جميعا ". قال نصر وحدثنا عمر بن سعد عن الشعبى عن ابى سلمة ان هشام بن عتبة أستصرخ الناس عند السلمة الا من كان له إلى الله حاجة ومن كان يريد الآخرة
________________________________________
[ 379 ]
فليقبل فاقبل إليه ناس كثير فشد بهم على أهل الشام مرارا " ليس من وجه يحمل عليه إلا صبروا له فقاتل قتالا شديدا " ثم قال لأصحابه لا يهولنكم ما ترون من صبرهم فوالله ما ترون منهم الا حمية العرب وصبرها تحت راياتها وعند مراكزها وإنهم لعلى ضلال وإنكم لعلى الحق يا قوم أصبروا وصابروا واجتمعوا وامشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا " واذكروا الله ولا يسلمن رجل اخاه ولا تكثر والالتفات واصمدوا صمدهم وجالدوهم محتسبين حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين قال أبو سلمة فبينا هو وعصابة من القراء يجالدون أهل الشام إذ طلع عليهم فتى شاب وهو يقول: انا ابن أرباب ملوك غسان * والدائن اليوم بدين عثمان انبأنا قراؤنا بما كان * ان عليا قتل ابن عفان ثم شد لا ينثنى حتى يضرب بسيفه ثم جعل يلعن عليا ويشتمه ويسهب في ذمه فقال له هاشم بن عتبة يا هذا ان الكلام بعده الخصام وان لعنك سيد الأبرار بعده عقاب النار فاتق الله فانك راجع إلى ربك فيسألك عن هذا الموقف وهذا المقام قال الفتى إذا سألني ربى قلت قاتلت أهل العراق لأن صاحبهم لا يصلى كما ذكر لى وانهم لا يصلون وان صاحبهم قتل خليفتنا وهم آزروه على قتله فقال له هاشم يا بنى وما أنت وعثمان إنما قتله أصحاب محمد الذين هم أولى بالنظر في أمور المسلمين وان صاحبنا كان ابعد القوم عن دمه واما قولك انه لا يصلى فهو أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأول من آمن به واما قولك ان أصحابه لا يصلون فكل من ترى معه قارى الكتاب لا ينامون الليل تهجدا " فاتق الله واخش عقابه ولا يغررك من نفسك الأشقياء المضلون فقال الفتى يا عبد الله لقد دخل قلبى من كلامك وإنى لأظنك صادقا " صالحا " وأظنني مخطئا " اثما " فهل من توبة قال نعم أرجع الى ربك وتب إليه فانه يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويحب التوابين ويحب المتطهرين فرجع الفتى إلى صفه منكسرا " نادما " فقال له قوم من أهل الشام خدعك
________________________________________

(Dokumen-ABNS)
Share this post :

Posting Komentar

ABNS Video You Tube

Terkait Berita: