الدرجات الرفيعة
السيد علي ابن معصوم
***********************
[ 1
]
الدرجات
الرفيعة في طبقات الشيعة تأليف صدر الدين السيد على خان المدنى الشيرازي الحسيني
صاحب (سلافة العصر) و (أنوار الربيع) المتوفى سنة 1120 ه 1708 م قدم له العلامة
الكبير السيد محمد صادق بحر العلوم الطبعة الثانية 1397 هجري منشورات مكتبة بصيرتي
قم - شارع ارم
________________________________________
[ 2
]
بسم الله
الرحمن الرحيم
________________________________________
[ 3
]
ترجمة
المؤلف (*) نسبه الشريف هو صدر الدين السيد على خان المدنى الشيرازي ابن نظام الدين
أحمد بن محمد معصوم بن أحمد نظام الدين ابن ابراهيم بن سلام بن مسعود عماد الدين
ابن محمد صدر الدين ابن منصور غياث الدين ابن محمد صادر الدين ابن ابراهيم شرف
الدين ابن محمد صدر الدين ابن اسحاق عز الدين ابن على ضياء الدين ابن عرب شاه فخر
الدين ابن الامير عز الدين ابى المكارم ابن الامير خطير الدين ابن الحسن شرف الدين
أبى على ابن الحسين أبى جعفر العزيزي ابن على أبى سعيد النصيبينى ابن زيد الاعشم
(1) أبى ابراهيم بن على بن الحسين (إبى شجاع الزاهد) بن (محمد أبى جعفر ابن على بن
الحسين ابن جعفر أبى عبد الله ابن أحمد نصير الدين السكين النقيب ابن جعفر أبى عبد
الله الشاعر ابن محمد أبى جعفر ابن محمد ابن زيد الشهيد ابن الامام السجاد زين
العابدين على بن الحسين عليه السلام (2).
________________________________________
(*) -
إقتطفنا هذه الترجمة مما ذكره شيخنا العلامة الكبير الحجة الشيخ عبد الحسين الاميني
ادام الله وجوده في (ج 11 - ص 346 - ص 353) من كتابه (الغدير في الكتاب والسنة
والادب) مع بعض الاضافات منا والتصرف. (1) - في شرح الصحيفة السجادية للترجم له
المطبوع بايران (ص 17): الاغشم: بالمعجمتين. (2) - أخذنا هذا النسب من كتاب (سلوة
الغريب) للمترجم له وأضفنا إليه - أخذنا من المصادر الوثيقة - كلمتين جعلناهما بين
قوسين، ففى حلقات السلسلة المذكورة في شرح الصحيفة للمترجم له سقط كما لا يخفى. (*)
________________________________________
[ 4
]
من أسرة
كريمة طنب سرداقها بالعلم والشرف والسؤدد، ومن شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في
السماء، تؤتى أكلها كل حين، إعترفت شجونها في أفطار الدنيا من الحجاز الى العراق
الى ايران، وهى مثمرة يانعة حتى اليوم يستبهج الناظر إليها بثمرها وينعة، وأول من
انتقل من رجال هذه العائلة إلى شيراز على أبو سعيد النصيبنى، وأول من غادر شيراز
إلى مكة المعظمة السيد محمد معصوم، وذلك بعد انتقال عمه ختنه الامير نصير الدين
حسين إليها، كما في (سلوة الغريب) لصاحب الترجمة. ولادته ونشأته: ولد سيدنا المترجم
له بالمدينة المنورة ليلة السبت الخامس عشر من جمادى الاولى سنة 1052 ه " واشتغل
بالعلم فيها إلى أن هاجر الى حيدر آباد الهند سنة 1068 ه " وشرع بها في تأليف
كتابه (سلافة العصر) سنة 1081 ه. وأقام بالهند ثمانى وأربعين سنة - كما ذكره
معاصره يوسف ضياء الدين الصنعانى في (نسمة السحر) وكان في حضانة والده الطاهر إلى
أن توفى أبوه سنة 1086 ه (1) فانتقل الى (برهان پور) عند السلطان (أورنك زيب)
وجعله رئيسا على الف وثلاثمائة فارس " وأعطاه لقب (خان) ولما ذهب السلطان إلى بلد
(أحمد نكر) جعله حارسا (لاورنك آباد) فاقام فيه مدة " ثم جعله واليا على " لاهور "
وتوابعه " ثم ولي ديوان " برهان پور " وأشغل هناك منصة الزعامة مدة سنين وكان بعسكر
ملك الهند 1114 ه " ثم استعفى " وحج وزار مشهد الرضا
________________________________________
(1) ذكر
شيخنا في مستدرك الوسائل أن وفاته سنة 1066 ه وفيه تصحيف، فلا حظ. (*)
________________________________________
[ 5
]
عليه
السلام، ورود إصفهان في عهد السلطان حسين الصفوى سنة 1117 ه واقام بها سنين ثم عاد
إلى شيراز " وحط بها عصا السير زعيما ومدرسا مفيدا. مؤلفاته: ان المترجم له سيدنا
صدر الدين من ذخائر الدهر، وحسنات العالم، وعباقرة الدنيا، والعلم الهادى لكل
فضيلة، يحق للامة جمعاه أن تتباهى بمثله، وتبتهج بفضله الباهر، وسؤدده الطاهر،
وشرفه المعلى، وبحده الاثيل، والواقف على آيات براعته، وسور نبوغه - من كتاب خطه
بقلمه أو قريض نطق به فمه. لا يجد ملتحدا عن الاذعان بامامته في كل تلكم المناحى،
ضع يدك على أي سفر قيم من نفثات براعه تجده حافلا ببرهان هذه الدعوى، كافلا
لاثباتها بالبينات، واليك أسماؤها: (1) - رياض السالكين في شرح الصحيفة الكاملة
السجادية " كتاب قيسم يطفح العلم من جوانبه، وتتدفق الفضيلة بين دفتيه " فإذا أسمت
فيه سرح اللحظ فلا يقف إلا على خزائن من العلم والادب موصدة أبوابها " أو مخابئ
ورقائق لم يهتد إليها أي ألمعى غير مؤلفه الشريف المبجل. (2) نغمة الاغان في عشرة
الاخوان: أرجوزة ذكرت برمته في كشكول شيخنا الشيخ يوسف صاحب الحدائق المطبوع. (3)
رسالة في المسلسلة بالاباه شرح فيها الاحاديث الخمسة المسلسلة بابآئه فرغ منها سنة
1109 ه. (4) - سلوة الغريب وأسوة الاديب: في رحلته إلى حيدر آباد سنة 1068 ه. (5)
- أنوار الربيع في أنواع البديع في شرح قصيدته البديعية.
________________________________________
[ 6
]
(6) - الكلم
الطيب والغيث الصيب في الادعية المأثورة، عن النبي (ص) وأهل البيت عليهم السلام "
لم يتمه. (7) - الحدائق النبية في شرح الصمدية لشيخنا البهائي. (8) ملحقات السلافة:
مشحونة بكل أدب وظرافة. (9) - شرحان أيضا على الصمدية: المتوسط والصغير. (10) -
رسالة في أغاليط الفيروز ابادي في القاموس. (11) - موضح الرشاد في شرح الارشاد: في
النحو. (12) سلافة العصر في محاسن أعيان العصر، يشتمل على تراجم شعراء القرن الحادى
عشر " وهو ذيل لريحانة الالباء لشهاب الدين الخفاجي " وقد طبع بمصر سنة 1328 ه.
(13) - الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة (1) (14) - التذكرة في الفوائد النادرة.
(15) - المخلاة في المحاضرات. (16) الزهرة في النحو. (17). الطراز في اللغة، قال
الخونساري في روضات الجنات (ص 413) (كان مشتغلا بتأليفه الى يوم رحلته من الدنيا
ولم يتمه بعد وخرج منه قريب من النصف). (18) - ديوان شعره (2).
________________________________________
(1) وهو
كتابنا هذا الذى تم طبعه في هذه المطبعة، وقد طبع على نسخة مخطوطة مصححة، ومن الاسف
أنه لم يوجد من هذا الكتاب في الخزائن سوى هذا المقدار الذى طبع وهو يتضمن الطبقة
الاولى وشيئا يسيرا من الطبقة الرابعة والحادية عشرة ولم توجد بقية الطبقات الثنتى
عشرة حسب تقسيم المؤلف في أول الكتاب فلا حظ ذلك. (2) أنظر التعريف بهذه المؤلفات
المطبوع منها والمخطوط في كتاب (الذريعة). لشيخنا الامام الطهراني أدام الله وجوده.
مفرقة في أجزائه. (*)
________________________________________
[ 7
]
وله شعر
كثير لا يوجد في ديوانه السائر الدائر، منه تخميسه ليمية شرف الدين البوصيرى (1)
الشهيرة بالبردة أولها مخمسا: يا ساهر الليل يرعى النجم في الظم * وناحل الجسم من
وجد ومن ألم ما بال جفنك يذرو الدمع كالغيم * أمن تذكر جيران بذى سلم مزجت دمعا جرى
من مقلة بدم مشايخه: أخذ المترجم له العلم عن كثير من أعلام الدين " وأساطين
الفضيلة وتضلمه في العلوم يومى إلى كثرة مشايخه في الاخذ والقراءة يروى بالاجازة عن
أستاذه الشيخ جعفر ابن كمال الدين البحراني المتوى سنة 1091 - (أو سنة 1088 كما
ذكره العلامة الشيخ يوسف البحراني في كشكوله) - وعن السيد والده المقدس نظام الدين
أحمد " وعن العلامة المجلسي صاحب البحار " كما أن العلامة المجلسي روى عنه " ويروى
أيضا سيدنا المترجم له عن الشيخ على ابن الشيخ فخر الدين محمد ابن الشيخ حسن صاحب
(معالم الاصول) ابن الشهيد الثاني المتوفى سنة 1104 ه.
________________________________________
(1) -
البوصيري هو أبو عبد الله محمد بن سعيد المولود سنة 608 ه والمتوفى في الرابع من
جمادى الثانية سنة 697 ه. (*)
________________________________________
[ 8
]
الراوون
عنه: يروى بالاجازة عنه كثير من الاعلام " منهم السيد الامير محمد حسين ابن الامير
محمد صالح الخاتون آبادى المتوفى سنة 1151 ه " والشيخ باقر ابن المولى محمد حسين
المكى " كما ذكره السيد عبد الله الجزائري في إجازته الكبيرة " ومنهم العلامة
المحدث الشيخ محمد باقر المجلسي رحمه الله صاحب البحار " كما ذكرنا سابقا. * شعره:
ذكرنا سابقا أن له ديوان شعر، وهو مخطوط توجد نسخ منه في بعض خزائن الكتب في النجف
الاشرف وغيهرا وبعضها بخطه الشريف، وهو حافل بغرر الشعر بأنواعه العديدة " منه
قصيدته الغديرية التى يقول في أولها (1): سفرت أميمة ليلة النفر * كالبدر أو أبهى
من البدر نزلت منى ترمى الجمار وقد * رمت القلوب هناك بالجمر وتنسكت تبغى الثواب
وهل * في قتل ضيف الله من أجر إن حاولت أجرا فقد كسبت * بالحج أصنافا من الوزر نحرت
لواحظها الحجيج كما * نحر الحجيج بهيمة النحر نحرت لواحظها الحجيج كما * نحر الحجيج
بهيمة النحر ترمى وما تدرى بما سفكت * منها اللواحظ من دم هدر.
________________________________________
(1) القصيدة
نناهز (61) بيتا افطر شطرا منها في (ج 11 - ص 344 - ص 345) من كتاب الغدير للعلامة
الاميني، وقد أخذنا من ديوانه المخطوط. (*)
________________________________________
[ 9
]
الله لى من
حب غانية * ترمى الحشا من حيث لا تدرى بيضاء من كعب وكم منعت * كعب لها من كاعب بكر
زعمت سلوي وهى سالية كلا ورب البيت والحجر ما قلبها قلبى فأسلوها * يوما ولا من
أمرها أمرى أبكى وتضحك إن شكوت لها * حر الصدود ولوعة الهجر وعلى وفور ثراى لى ولها
* ذك الفقير وعزة المثرى لم يبق منى حبها جلدا * إلا الحنين ولا عج الذكر ويزيد غلى
الماء ما ذكرت * والماء يثلج غلة الصدر قد ضل طالب غادة حميت * في قومها بالبيض
والسمر ومؤنب في حبها سفها * نهنهته عن منطق الهجر يزداد وجدى عن سلامته * فكأنه
بملامه يغرى لا يكذبن الحب أليق بى * وبشيمتى من سبة الغدر هيهات يأبى الغدر لى نسب
أعزى به لعلى الطهر خير الورى بعد الرسول ومن * حاز العلى بمجا مع الفخر صنو النبي
وزوج بضعته وأمينه في السر والجهر إن تنكر الاعداء رتبته * شهدت بها الايات ف
يالذكر شكرت حنين له مساعيه * فيها وفى أحد وفى بدر سل عنه خيبر يوم نازلها * تنبيك
عن خبر وعن خبر من هد منها بابها بيد * ورمى بها في مهمه قفر واسال براءة حين رتلها
* من رد حاملها أبا بكر والطير إذ يدعو النبي له * من جاءه يسعى بلا نذر والشمس إذ
أفلت لمن رجعت * كيما يقيم فريضة العصر وفراش أحمد حين هم به * جمع الطغاة وعصبة
الكفر *
________________________________________
[ 10
]
من بات فيه
بقية محتسبا * من غير ما خوف ولا ذعر والكعبة الغراء حين رمى * من فوقها الاصنام
بالكسر من راح يرفعه ليصدعها * خير الورى منه على الظهر والقوم من أروى عليلهم * إذ
يجأرون بمهمه قفر والصخرة الصماء حولها * عن نهر ماء تحتها يجرى والناكثين غداة
أمهم * من رد أمهم بلا نكر والقاسطين وقد أضلهم * غى ابن هند وخدنه عمرو من فل
جيشهم على مضض * حتى بحوا بخدايع المكر والمارقين من استباحهم * قتلا فلم يفلت سوى
عشر و (غدير خم) وهو أعظمها * من ناك فيه ولاية الامر واذكر مباهلة النبي به *
وبزوجه * وابنيه للنفر واقرأ (وأنفسنا وأنفسكم (1) * فكفى بها فخرا مدى الدهر هذى
المفاخر والمكارم لا * قعبان من لبن ولا خمر وله أيضا في مدح الامام أمير المؤمنين
على بن أبى طالب عليه السلام نقلا من ديوانه المخطوط أمير المؤمنين فدتك نفسي * لنا
من شأنك العجب العجاب تولاك الاولى سعدوا ففازوا * وناواك الذين شقوا فخابوا ولو
علم الورى ما أنت أضحوا * لوجهك ساجدين ولم يحاوا يمين الله لو كشف المغطى * ووجه
الله لو رفع الحجاب حفيت عن العيون وأنت شمس * سمت عن أن يحللها سحاب ولبس على
الصباح إذا تجلى * ولم يبصره أعمى العين عاب لس ما دعاك أبا تراب * محمد النبي
المستطاب
________________________________________
(1) سورة آل
عمران: آية (61).
________________________________________
[ 11
]
فكان لكل من
هو من تراب * اليك وأنت علته انتساب فلولا أنت لم يخلق سماه * ولو لا أنت لم يخلق
تراب وفيك وفى ولائك يوم حشر * يعاقب أو يثاب بفضلك أصبحت توراة موسى * وإنجيل ابن
مريم والكتاب فوا عجبا لمن ناواك قدما * ومن قوم لدعوتهم أجابوا أزاغوا عن صراط
الحق عمدا * فضلوا عنك أم خفى الصواب أم ارتابوا بما لاريب فيه * وهل في الحق إذ
صدع ارتياب وهل لسواك بعد (غدير خم) * نصيب في الخلافة أو نصاب ألم يجعلك مولاهم
فذلك * على رغم هناك لك الرقاب فلم يطمح إليها هاشمى * وإن أضحى له الحسب اللباب
فمن تيم بن مرة أو عدى * وهم سيان إن حضروا وغابوا لئن جحدوك حقك عن شقاء *
فبالاشقين ما حل العقاب فكم سفهت عليك حلوم قوم فكنت البدر تنبحه الكلاب ومن غرر
شعره أيضا قوله يمدح به الامام أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام " لما
ورد إلى النجف الاشرف مع جمع من حجاج بيت الله الحرام: يا صاح هذا المشهد الاقدس *
قرت به الاعين والانفس و (النجف الاشرف) بانت لنا * أعلامه والمعهد الانفس والقبة
البيضاء قد أشرقت * ينجاب عن لالائها الحندس والقبة البيضاء قد أشرقت * ينجاب عن
لالائها الحندس حضرة قدس لم ينل فضلها لا المسجد الاقصى ولا المقدس حلت بمن حل بها
رتبة * يقصر عنها الفلك الاطلس تود لو كانت حصى أرضها * شهب الدجى والكنس الختنس
(*) وتحسد الاقدام منا على * السعي الى أعتا بها الا رؤس
________________________________________
(1) الكنس
*: هي النجوم كلها. والسيارات منها.
________________________________________
[ 12
]
فقف بها
والثم ثرى تربها * ففى المقام الاطهر الاقدس وقل صلاة وسلام على * من طاب منها
الاصل والمغرس خليفة الله العظيم الذى * من ضوئه نور الهدى يقبس نفس النبي المصطفى
أحمد * وصنوه والسيد الا رأس العلم العيلم بحر الندى * وبره والعالم النقرس (1)
فليلنا من نوره مقمر * ويومنا من ضوئه مشمس أقسم بالله وآياته * إلية تنجي ولا تغمس
إن على بن أبى طالب * منار ين الله لا يطمس ومن حباه الله أنباءما * في كتبه فهو
لها فهرس أحاد بالعلم الذى لم يحط * بمثله بليا ولا هرمس (2) لولاه لم تخلق سماه
ولا * أرض ولا نعمى ولا أبؤس ولا عفا الرحمان عن آدم * ولا نجا من حوته يونس هذا
أمير المؤمنين الذى * شرايع الله به تحرس وحجة الله التي نورها * كالصبح لا يخفى
ولا يبلس تالله لا يجحدها جاحد * إلا امؤ في غيه مركس والمقحم الخليل وطيس الوغى *
إذا تناهى البطل الاحرس جلبا به يوم الفخار التقى * لا الطيلسان الخزو والبرنس (3)
(1) النقرس: بكسر النون ثم القاف الساكنة بعدها الراء المكسورة ثم السين المهملة،
هو الطبيب الماهر المدقق. (2) الهرامسة ثلاثة (هرمس الاول) وهو عند العرب إدريس،
وعند العبرانيين أخنوخ، وهو أول من درس الكتب ونظر في العلوم وأنزل الله عليه
صحائف، و (الهرمس الثاني) كان بعد الطوفان، وكلن بارعا في علم الطب والفلسفة و
(هرمس الثالث) سكن مصر، وكان بعد الطوفان، وكلن طبيبا فيلسوفا عالما. (1) البرنس:
بضم الياء الموحدة، قلنسوة طويلة كانت تلبس في صدر الاسلام.
________________________________________
[ 13
]
يرفل من
تقواه في حلة * يحسدها الديباج والسندس يا خيرة الله الذى خيره * يشكره الناطق
والاخرس عبدك قد أمك مستوحشا * من ذنبه للعفو يستأنس يطوى اليك البحر والبر لا *
يوحشه شئ ولا يونس طورا على فلك به سامح * وتارة ترسى به عرمس (1) في كل هيماء يرى
شوكها * كأنه الريحان والنرجس حتى أتى بابك مستبشرا * ومن أتى بابك لا ييأس أدعوك
يا مولى الورى موقنا * أن دعائي عنك لا يحبس فنجني من خطب دهر غدا للجسم منى أبدا
ينهس (2) هذا ولولا أملى فيك لم * يقربى مثوى ولا مجلس صلى عليك الله من سيد *
مولاه في الدارين لا يوكس (3) ما غردتع ورقاء في روضة * وما زهدت أغصانها الميس
كلمته حول نسبه الذى ذكرناه: قال رحمه الله في (سلوة الغريب): فائدة سنية تتعلق
بنسنا أحبيب التنبيه عليها: بأنجز الكلام إليها وهى أنى قرأت على ظهر كتاب من كتب
الوالد بخط السيد صدر الدين محمد الواعظ ابن منصور غياث الدين ابن محمد صدر الدين
ابن منصور غياث الدين جدنا المذكور في عمود النسب: أن أبا الحسن وأبا زيد
________________________________________
(1) -
العرمس: بكسر العين المهملة. الناقة الصلبة الشديد. (2) - نهس: أخذ بمقدم أسنانه:
نهست الحية. نهشت. نهس الكلب: قبض بالفم. (3) - وكس: نقص، ووكس وأوكس: خسر. (*)
________________________________________
[ 14
]
على بن محمد
الخطيب الحمانى (1) ابن جعفر أبى عبد الله الشاعر أحد أجدادنا قال: وهو جدى، وأدخله
في النسب. هكذا قال فانا صدر الدين محمد الواعظ ابن ناصر الشريعة منصور ابن محمد
صدر الدين ابن منصور غياث الدين ابن محمد ابن إبراهيم بن محمد بن إسحاق بن على ابن
عرب شاه ابن أمير أنه ابن أميرى ابن الحسن بن الحسين العزيزي ابن على النصيببنى بن
زيد الاعثم ابن على - هذا المحكى عنه عينى الحمانى - ابن محمد بن جعفر بن محمد بن
محمد بن زيد الشهيد ابن على ابن لاحسين بن على بن أبى طالب عليه السلام. هذا كلامه،
وأقوك: ليس على بن محمد الحمانى هذا داخلا في عمود نسبنا بل ينتهى نسبه إلى زيد
الشهيد هكذا، هو على بن محمد الخطيب ابن جعفر بن عبد الله الشاعر الذى هو أحد
أجدادنا - ابن محمد بن محدم بن زيد الشهيد. وإن ما أوقع السيد صدر الدين في هذا
الغلط تشابه الاسماء، فان جعفرا جد السيد على الحمانى المذكور - الذى توهم صدر
الدين أنه ابن أحمد السكين - هو أبو أحمد السكين لكن اشتبه عليه بابنه فإن ابنه
أيضا اسمه جعفر كما مر في النسب ويتضع ذلك بان محمد بن زيد الشهى د، وهو أصغر بنى
أبيه - له عدة بنين منهم محمد ابنه، والعقب منه في أبى عبد الله جعفر الشاع وحده،
فأعقب أبو عبد الله جعفر هذا من ثلاثة بنين: محمد الخطيب الذى هو أبو السيد
الحمانى، وأحمد السكين الذى هو جدنا، والقاسم، فيكون السيد على الحمانى ابن أخى
أحمد السكين لا ابن ابنه، فاحمد السكين عمه لاجده، وأيضا ماتم اللسيد صدر الدين
إدخال السيد على الحمانى في النسب حتى أسقط منه أبا الحسن عليا الذى هو بين أبى
جعفر محدم وبين جعفر بن إحمد السكين، وهو غلط فاحش، ولقد مر على ذلك برهة من الزمن
ولم ينبه له أحصاء من أجدادنا.
________________________________________
(1) - أنظر
ترجمة الحمانى هذا في (ج 3 - ص 57 - 69) من كتاب الغدير الطبعة الثانية. (*)
________________________________________
[ 15
]
وفاته رحمه
الله: توفى المترجم له بشيراز في شهر ذى القعدة سنة 1120 ه ودفن بحرم الشاه چراغ
أحدم ابن الامام موسى بن جعفر عليه السلام عند جده غياث الدين المنصور صاحب المدرسة
المنصورية. قال الميرزا عبد الله الافندي في (رياض العلماء) إنه توفى سنة 1118 ه
وفى (سفينة البحار) للشيخ عباس القمى رحمه الله أنه توفى سنة 1119 ه، وفى آداب
اللغة العربية لجرجي زيدان " ج 3 - ص 285، أن وفاته سنة 1104 ه. ولكن الذى اختاره
مشايخنا من أنها كانت سنة 1120 ه هو المعتضد إنه رحمه الله نفسه نص على قدومه الى
إصبهان سنة 1117 ه وقال الشيخ على الحزين في " التذكرة " إنى أدركته بها سنين.
هذا، وتوجد ترجمته لسيدنا المترجم له في أمل الامل، ورياض العلماء، ونسمة السح " ج
2 "، وتذكرة الشيخ على الحزين، والسوانح له أيضا، ونشوة السلافة لابن بشارة، ورياض
الجنة للزونوزى، وتتميم أمل الامل للسيد ابن شبامة ونجوم السماء " ص 176، وروضات
الجنات ص 412، ومستدرك الوسائل " ج 3 - ص 386، وسفينة البحار " ج 2 ص 245 "
والذريعة، ومعجم المطبوعات " ص 244 "، وآداب اللغة العربية " ج 3 - ص 285 "، ومجلة
المرشد العراقية " ج 1 - ص 197 "، وفى بعض أعدادها نشر شطر من شعره وذكر أيضا في
كثير من المعاجم الرجالية، فراجعها.
________________________________________
[ 16
]
هذا موجز من
ترجمة المؤلف رحمه الله، وقد رغب الا الاستاذ محمد كاظم الشيخ صادق الكتبى حفظه
الله أن أصدر الكتاب بها كما صدرت لكثير من مطبوعاته القيمة. والحق - ان ما يبذله
حفظه الله ووفقه في سبيل نشر الكتب اللاسلامية لمما يدعونا الى تشجيعه وشكره ونرجو
لمطبوعاته القيمة الرواج المطر، جعل الله مستقبل أمره خيرا من ماضيه والله ولى
التوفيق محمد صادق بحر العلوم
________________________________________
[ 1
]
الدرجات
الرفيعة في طبقات الشيعة تأليف صدر الدين السيد على خان المدنى الشيراز ي الحسيني
صاحب (سلافة العصر) و (أنوار الربيع) المتوفى سنة 1120 ه 1708 م قدم له العلامة
الكبير السيد محمد صادق بحر العلوم الطبعة الثانية 1397 هجري منشورات مكتبة بصيرتي
قم - شارع ارم
________________________________________
[ 2
]
بسم الله
الرحمن الرحيم ما ترنمت مطربات عنادل الأقلام على عذبات أنامل الأعلام. ولا نفتحت
كمائم أزهار زاهر الكلام في نواضر حدائق الأرقام، بأحسن من حمد مالك أرغم بقدرته كل
منكر وجاحد، واظهر في كل شئ آية تدل على انه واحد، فشهدت بوحدانيته السماء مزبنة
بزينة الكواكب، والأرض حاملة أثقال أعبائها على المناكب ; والصباح هاتك لستور
الظلماء نهاره مطردة في الحدائق الخضر أنهاره والمساء رافلة في حلل السواد سواهم
ليله راكضة في ميادين الظلام أداهم خيله والبحار ملتطمة بالجزر والمد أمواج عبابها،
منتشرة انتشار اللؤلؤ حبات حبابها والأنهار منسابة في الجداول انسياب الحيات في
الرمال، مطردة إطراد الذوابل في أكف الأبطال حين النزال، والماء بائحا " صفاءه
بأسراره، لأئحا " حصباؤه في قراره، والنار لامعة سبائك لهبها. مائجة ذوائب عذبها،
والرياح ناسمة جنوبا " وشمالا مؤرجة بنفحاتها يمينا " وشمالا، والهواء حاملا الماء
في بطون الغمام سائرا " بالجوارى المنشئات في البحر كالأعلام، والطير مفصحة بعد
عحمتها مطربة بالأسحار بنغمتها، والخيل مسابقة في مجاريها معقود الخير بنواصيها،
والأبل هادرة بجر اجرها مجترة بحناجرها، كلها ألسنة ناطقة بوحدانيته وأدلة ثابتة
على فردانيته، أحمده بماله من المحامد السنية، واشكره على سوابغ نعمه الهنية وثمرات
عوارفه اليانعة الجنية التى أبلغت المأمن وبلغت الأمنية، لا سيما التوفيق للأقرار
بالنبوة المحمدية، والإمامة العلوية. والطهارة الفاطمية، والسيادة الحسنية
________________________________________
[ 3
]
والبسالة
الحسينية، والعبادة السجادية، والعلوم الباقرية، واللهجة الصادقية والحلوم الكاظمية
والرجاحة الرضوية، والسماحة الجوادية، والأخلاق النقوية والشهامة العسكرية،
والخاتمة المهدوية فأصلى وأسلم على ذى الأعراق الزكية والأعراف الذكية، والقبلة
المكية المبعوث إلى البرية بالملة المرضية، وعلى آله وعترته اولى النفوس القدسية
والعلوم اللدنيه والمراتب العلية والمناقب العلوية أئمة الأمة وكاشفي الغمة، وسبل
الهداية وأعلام الولاية، وسفن النجاة وأبواب المناجاة، صلى الله وسلم عليه وعليهم
صلاة وسلاما " يبلغان الأمل ويزكيان العمل ما خطت الأقلام وخطت الأقدام. اما بعد
فيقول العبد الفقير إلى ربه الغنى (على صدر الدين) ابن احمد نظام الدين الحسينى
الحسنى عاملهما الله بلطفه الخفى وفضله السنى إنى منذ ارتضعت در الفضل والعلم،
واتشحت رداء العقل والحلم لم ازل مجتنيا " من رياض الفضل أزهى أزهارها واردا " من
موارد الفواضل أصفى أنهارها، مؤلفا " بتقييد شوارد الفوائد مغرما " نظم فرائد
القلائد، متبعا " آثار أرباب التأليف مقتضيا " رسوم أصحاب التصنيف وكنت في حدثان
السن وريعان الصبا وعنفوان الشباب أقدر في خلدي جمع طبقات عالية تحتوى على عيون
أخبار أعيان الفرقة الناجية، اعني الشيعة الأمامية والفرقة الثاني عشرية، إذ لم اقف
لأحد من أصحابنا رضوان الله عليهم على كتاب واف بهذا الغرض، قائم بأداء هذا الحكم
المفترض سوى كتب الرجال وهى مع ضيق مجالها لم تحتو الا على رواة الأحاديث ورجالها،
حتى وقفت على كتاب صنف قبل عصرنا هذا بقليل نحا مؤلفه نحو هذا الغرض الجليل، وهو
الكتاب المسمى (بمجالس المؤمنين) للقاضى نور الله التوسترى نور الله ضريحه وأحله من
مبوأ الرضوان فسيحه عير أنه لم يبرئ منى عليلا ولم يبرد لى غليلا، اما اولا: فلانه
فارسي العبارة أعجمى الإشارة وليس أربى إلا اللسان العربي، واما ثانيا " فلانه جاء
بالطم والرم ولم يميز بين الروح والجرم، فأفسد السمين بالغث ورقع الجديد
________________________________________
[ 4
]
بالرث وأدخل
الدخيل في الصريح وجمع بين الصحيح والجريح، وعد من أصحابنا ما لا ينزل بفنائهم ولا
يسقى من انائهم، وأهمل ذكر جماعة من مشايخنا هم أشهر من أن لا يعرفوا، وحاشاهم من
أن يكونوا نكرات فيعرفوا فحرك منى هذا الأستدراك ما كان منى في مستكن الخاطر وما به
حراك، وذلك بعد ان اشتعل الرأس شيبا " وامتلأت العيبة عيبا " فأزمعت اولا على تأليف
كتاب بسيط حافل كاف في القيام بهذا المقصد كامل. ثم رأيت أن ذلك يفتقر إلى بسطة
فراغ وسكون في هذا الوقف المتصف بالمقت مما لا يكون، مع اشتغال البال واشتعال
البلبال، والخطوب ثائره والساعات طائره، والفرص خطفات بروق تأتلق، والنفوس على
فواتها تذوب وتحترق، فثنيت العنان عن ذلك المرام، واخذت في تأليف هذا الكتاب المفرغ
في قالب الأيجاز والإحكام مع إلتزامى أن لا أخليه من عيون الأخبار والنكت المعتبرة
لدى الأعتبار وأن لا اخل فيه بما يجب ذكره في محاسن كل انسان، مما يليق به من نادرة
أو شعر أو مكرمة أو احسان، هذا مع التثبت والتحرى في النقل وعدم التساهل الذى لا
يسيغه العقل " واذ أسفر ان شآء الله تعالى من افق النمام صاحبه وأزهر بنور الكلام
مصباحه: سميته: (الدرجات الرفيعة في طبقات الإمامية من الشيعة) سائلا ممن نظر فيه
ونهل من صافيه أن يقيل عثارى وزللي، ويستر عوارى وخللي، وهو المثاب في اصلاح ما طغى
به القلم وزلت به القدم، فان الإنسان محل النسيان واول ناس اول الناس. ورتبته على
اثنتى عشرة طبقة الأولى في الصحابة: الثانية في التابعين الثالثة في المحدثين الذين
رووا عن الأئمة عليهم السلام، الرابعة في العلماء من سائر المحدثين والمفسرين
والفقهاء (رض)، الخامسة في الحكماء والمتكلمين، السادسة في علماء العربية، السابعة
في السادة الصفوية، الثامنة في الملوك والسلاطين، التاسعة في الأمراء، العاشرة في
الوزراء، الحادية عشرة في الشعراء، الثانية عشرة في النساء.
________________________________________
[ 5
]
المقدمة
اعلم رحمك الله ان شيعة أمير المؤمنين " ع " والأئمة من ولده عليهم السلام لم
يزالوا في كل عصر وزمان ووقت وأدان، مختفين في زوايا الاستتار محتجبين احتجاب
الأسرار في صدور الأحرار وذلك لما منوا به من معاداة أهل الألحاد ومناواة اولى
النصب والعناد، الذين أزالوا أهل البيت عليهم السلام عن مقاماتهم ومراتبهم وسعوا في
إخفاء مكارمهم الشريفة ومناقبهم، فلم يزل كل متغلب منهم يبذل في متابعة الهوى
مقدوره ويلتهب حسدا " ليطفئ نور الله ويأبى الله الا أن يتم نوره، كما روى عن أبى
جعفر محمد بن على الباقر عليه السلام انه قال لبعض اصحابه: يا فلان ما لقينا من ظلم
قريش إيانا وتظاهرهم علينا، وما لقى شيعتنا ومحبونا من الناس ان رسول الله صلى الله
عليه وآله قبض وقد أخبر الناس أنا أولى الناس بالناس، فتمالات علينا قريش حتى أخرجت
الأمر عن معدنه واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحدا " بعد واحد
حتى رجعت الينا فنكثت ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قتل
فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غدر به وأسلم، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في
جنبه وانتهب عسكره وعولجت خلا خيل امهات أولاده. فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل
بيته وهم قليل حتى قتل، ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون ألفا " ثم
غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم فقتلوه ثم لم نزل اهل البيت نستذل ونستضام،
ونقصي، ونمتهن، ونحرم ونقتل، ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا ووجد
الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا " يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء
وعمال السوء
________________________________________
[ 6
]
في كل بلدة
فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبه ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا
إلى الناس، وكان عظم ذلك وكبره في زمن معاوية بعد موت الحسن " ع " فقتلت شيعتنا بكل
بلدة، وقطعت الأيدى والأرجل على الظنة، وصار من ذكر بحبنا والأنقطاع الينا سجن أو
نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيدالله بن زياد
قاتل الحسين " ع " ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمة، حتى أن
الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من ان يقال له شيعة على. وروى أبو الحسن على
بن محمد بن أبى يوسف المدايني في كتاب (الأحداث) قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى
عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئا " من فضل أبى تراب وأهل بيته،
فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منير يلعنون عليا " ويبرؤن منه. ويقعون فيه وفى
أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة على " ع "،
فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليها البصرة، وكان يتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه
كان منهم أيام على " ع " فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدى والأرجل وسمل
العيون وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم من العراق، فلم يبق بها معروف منهم
وكتب معاوية إلى عماله في جميع الافاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة على " ع " وأهل
بيته شهادة. وكتب إليهم ان انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته والذين
يروون فضائله ومناقبه، فادنوا مجالسهم وقربوهم واكرموهم واكتبوا إلى بكل ما يروى كل
رجل منهم، واسمه واسم ابيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتى اكثروا في فضائل عثمان ومناقبه
لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطايع، ويفيضه في العرب
منهم والموالي فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجئ أحد بخبر
مردود من الناس عاملا من عمال معاوية فيروى في عثمان فضيلة أو منقبة الا كتب اسمه
________________________________________
[ 7
]
وقربه
وشفعه، فلبثوا بذلك حينا " ثم كتب إلى عماله: ان الحديث في عثمان قد كثر وفشى في كل
مصر وفى كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضل
الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبرا " يرويه أحد من المسلمين في أبى تراب إلا
واتونى بمناقض له في الصحابة، فان هذا أحب إلى وأقر لعيني وأدحض لحجة أبى تراب
وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله فقرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة
في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجرى هذا المجرى حتى
أشادوا بذكر ذلك على المنابر وألقى إلى معلمي المكاتب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من
ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم
وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله تعالى، ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى
جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة انه يحب عليا " وأهل بيته فامحوه من
الديوان واسقطوا عطاه ورزقه وشفع ذلك بنسخة اخرى، من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم
فنكلوا به واهدموا داره. فلم يكن البلاء أشد ولا اكثر منه بالعراق ولا سيما
بالكوفة، حتى ان الرجل من شيعة على " ع " ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقى إليه
بسره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الإيمان الغليظة ليكتمن عليه،
فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء القضاة والولاة، وكان
أعظم ذلك بلآء القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون
الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع، حتى
انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدى الديانين الذين لا يستحلون الكذب فقبلوها
ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها. ولم يزل
كذلك حتى مات الحسين بن على " ع " فازداد البلآء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا
القبيل الا خايف على دمه أو طريد في الأرض. ثم تفاقم
________________________________________
[ 8
]
الأمر بعد
قتل الحسين " ع " وولى عبد الملك بن مروان فاشتد على الشيعة، وولى عليهم الحجاج بن
يوسف فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والذين يبغضون عليا " عليه السلام وبوالون
أعداءه فاكثروا من الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم وأكثروا من الغض من على " ع
" وعيبه والطعن فيه والشنآن له حتى ان إنسانا " وقف للحجاج، ويقال انه جد الأصمعى
عبد الملك بن قريب فصاح به: أيها الأمير ان أهلى عقونى فسموني عليا " وانى فقير
بائس واما إلى صلة الأمير محتاج فتضاحك له الحجاج وقال: للطف ما توسلت به وقد وليتك
موضع كذا. وقد روى ابن عرفه المعروف بنفطويه وهو من اكابر المحدثين وأعلامهم في
تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: ان اكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة
افتعلت في ايام بنى امية تقربا " إليهم بما يظنون انهم يرغمون به أنوف بنى هاشم.
قال المؤلف عفا الله عنه ولم يزل الأمر على ذلك سائرا " في خلافة بنى امية حتى جاءت
الخلافة العباسية فكانت أدهى وأمر وأخزى وأضر، وما لقيه اهل البيت " ع " وشيعتهم في
دولتهم اعظم مما منوا به في الخلافة الاموية كما قيل: والله ما فعلت أمية فيهم *
معشار ما فلعت بنو العباس ثم شب الزمان على ذلك وهرم، والشأن مضطرب والشنآن مضطرم
والدهور لا يزداد الا عبوسا " والأيام لا تبدى لأهل الحق إلا بؤسا "، ولا معقل
الشيعة من هذه الخطة الشنيعة في أكثر الأعصار ومعظم الامصار الا الأنزواء في زوايا
التقية والأنطواء على الصبر بهذه البلية، وهذا السبب للذى من أجله لم يصنف احد من
أصحابنا كتابا " في هذا الشأن على مرور الدهر وكرور الزمان فخفي علينا أحوال كثير
من أكابر الشيعة واركان الشريعة، والمسئول ممن وقف على هذا التصنيف، ورشف من زلال
هذا التأليف ; ان لا يبديه الا إلى أهله وان يكتمه عمن أركسه الله في جهله، توقيا "
من عناد الناصبين، وأولى العدوان الغاضبين، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.
________________________________________
[ 9
]
الطبقة
الاولى في الصحابة وقد عن لنا ان نقدم هنا مقدمات: المقدمة الاولى في تعريف الصحابة
وهو على أظهر القول من لقى النبي صلى الله عليه وآله مؤمنا " به ومات على الإسلام
ولو تحللت رده والمراد من اللقاء ما هو أعم من المجالسة والمما شاة ووصول احدهما
إلى الأخر وان لم يكالمه، ويدخل فيه رؤية احدهما للآخر سواء كان ذلك بنفسه أو
بغيره، كما إذا حمل شخص طفلا " إلى النبي صلى الله عليه وآله والمراد رؤيته في حال
حياته والا فلو رآه بعد موته قبل دفنه كأبى ذؤيب الهذلى فليس بصحابى على المشهور،
وكذا المراد برؤيته أعم من أن يكون مع تميزه وعقله حتى يدخل فيه الاطفال الذين
حنكهم ولم يروه بعد التمييز، ومن رآه وهو لا يعقله، والتعبير باللقاء أولى من قول
بعضهم الصحابي من رأى النبي صلى الله عليه وآله لأنه يخرج حينئذ ابن ام مكتوم ونحوه
من العميان وهم صحابه بلا تردد. واللقاء في هذا التعريف كالجنس يشمل المحدود وغيره.
وقولنا مؤمنا " كالفصل يخرج من حصل له اللقاء المذكور ولكن في حال كونه كافرا " لم
يؤمن باحد من الأنبياء كالمشركين، وقولنا به فصل ثان يخرج من لقيه مؤمنا " لكن
بغيره من الأنبياء عليه السلام لكنه هل يخرج من لقيه مؤمنا " بانه سيبعث ولم يدرك
البعثة كبحير الراهب ; فيه تردد. فمن أراد اللقاء حال نبوته حتى لا يكون مثله
صحابيا " عنده يخرج عنه، ومن أراد أعم منه يدخل، وقولنا مات على الإسلام يخرج من
ارتد بعد أن لقيه مؤمنا " ومات على الردة كعبد الله
________________________________________
[ 10
]
ابن جحش
وابن خطل، وقولنا ولو تخللت برده أي بين لقائه مؤمنا " وبين موته صلى الله عليه
وآله بل بعده ايضا "، فان اسم الصحبة باق سواء رجع إلى الإسلام في حياته أو بعده،
وسواء لقيه ثانيا " بعد الرجوع إلى الإسلام ام لا هذا مذهب الجمهور خلافا " لبعضهم
قالوا ويدل عليه قصة الأشعث بن قيس فانه كان ممن ارتد واتى به إلى أبى بكر أسيرا "
فعاد إلى الإسلام فقبل منه ذلك وزوجه اخته وكانت عوراء فأولدها ابنه محمدا " احد
قاتلي الحسين " ع ". ولم يتخلف احد من ذكره في الصحابة ولا من تخريج أحاديثه في
المسانيد وغيرها، وقيل ان الصحابي هو من طالت مجالسته له صلى الله عليه وآله على
طريق السمع والأخذ عنه فلا يدخل من وفد عليه وانصرف بدون مكث وهو قول أصحاب الأصول.
وحكى عن سعد ابن المسيب قال: لا يعد صحابيا " الا من أقام معه صلى الله عليه وآله
سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين. ووجهه أن صحبته شرف عظيم فلا ينال الا
باجتماع يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السفر الذى هو قطعة
من سقر، والسنة المشتملة على الفصول الأربعة التى بها يختلف المزاج، وعورض بانه صلى
الله عليه وآله لشرف منزلته أعطى كل من رآه حكم الصحبة، وايضا يلزم ان لا يعد جويبر
بن عبد الله ونحوه صحابيا " ولا خلاف في انهم صحابة، ثم أن الصحابة على مراتب كثيرة
بحسب النقدم في الإسلام والهجرة والملازمة والقتال تحت رايته والرواية منه ومكالمته
ومشاهدته ومماشاته وان اشترك الجميع في شرف الصحبة، ويعرف كونه صحابيا بالتواتر
والإستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر وأخبار الثقة وقبض رسول الله صلى الله عليه
وآله عن مائة واربعة عشر صحابي آخرهم موتا " على الاطلاق أبو الطفيل عامر بن وائلة،
مات سنة مائة من الهجرة والله تعالى اعلم.
________________________________________
[ 11
]
المقدمة
الثانية حكم الصحابة عندنا في العدالة حكم غيرهم، ولا يتحتم الحكم بالأيمان
والعدالة بمجرد الصحبة ولا يحصل بها النجاة من عقاب النار وغضب الجبار الا ان يكون
مع يقين الايمان وخلوص الجنان، فمن علمنا عدالته وايمانه وحفظه وصية رسول الله في
أهل بيته، وانه مات على ذلك كسلمان وأبى ذر وعمار واليناه وتقربنا إلى الله تعالى
بحبه، ومن علمنا انه انقلب على عقبه واظهر العداوة لأهل البيت " ع " عاديناه لله
تعالى وتبرأنا إلى الله منه ونسكت عن المجهولة حاله، وقالت العامة والحشوية، الواجب
الكف والأمساك عن جميع الصحابة وعما شجر بينهم واعتقاد الأيمان والعدالة فيهم جميعا
" وحسن الظن بهم كلهم وقال أبو المعالى الجوينى منهم ان رسول الله صلى الله عليه
وآله نهى عن الكلام فيما شجر بين أصحابه وقال اياكم وما شجر بين أصحابي. وقال ادعو
إلى أصحابي فلو انفق احدكم مثل احد ذهبا " لما بلغ مدى احدهم ولا نصفه وقال أصحابي
كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وقال: خيركم القرآن الذى أنا فيه ثم الذى يليه. وقد
ورد في القرن الثناء على الصحابة وعلى التابعين. وقال رسول الله صلى الله عليه
وآله: وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. وقد
روى عن الحسن البصري انه ذكر عنده الجمل وصفين فقال، تلك دماء طهر الله منها
أسيافنا فلا نلطخ بها ألسنتنا. ثم ان تلك الأحوال قد غابت عنا وبعدت أخبارها على
حقايقها فلا يليق بنا ان نخوض فيها، ولو كان واحد من هؤلاء قد اخطأ لوجب ان يحفظ
رسول الله صلى الله عليه وآله فيه فمن المروة ان يحفظ رسول الله صلى الله عليه وآله
في عايشة زوجته: وفى الزبير بن عمه ; وفى طلحة الذى وقاه بيده، ثم ما الذى ألزمنا
وأوجب علينا ان نلعن احدا " من المسلمين أو نبرأ منه
________________________________________
[ 12
]
واى ثراب في
اللعنة والبراءة، ان الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف: لم لم تعلن ؟ بل يقول
له لم لعنت ؟ ولو ان انسانا " عاش عمره كله لم يلعن ابليس لم يكن عاصيا " ولا آثما،
ولو جعل الإنسان عوض اللعنة استغفر الله كان خيرا " له، ثم كيف يجوز للعامة ان تدخل
نفسها في امور الخاصة، واولئك قوم كانوا امراء هذه الأمة وقادتها ونحن اليوم في
طبقة سافلة جدا " عنهم فكيف يحسن بنا التعرض لذكرهم ؟ أليس بقبيح من الرعية ان تخوض
في دقائق امور الملك واحواله وشئونه التى ترى بينه وبين اهله وبنى عمه ونسائه
وسراريه ؟ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله صهرا " لمعاوية واخته أم حبيبة
تحته، فالأدب ان تحفظ ام حبيبة وهى ام المؤمنين في اخيها، وكيف يجوز أن يلعن من جعل
بينه وبين رسول الله مودة اليس المفسرون كلهم قالوا هذه الآية نزلت في أبى سفيان
وآله وهى قوله تعالى عسى الله ان يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة. وكان ذلك
مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان وتزوجه ابنته على أن جميع ما ينقله
الشيعة من الاختلاف بينهم والمشاجرة لم يثبت، ولم يكن القوم الا كبنى ام واحدة ولم
يتكدر باطن احد منهم على صاحبه قط، ولا وقع بينهم اختلاف ولا نزاع انتهى كلامه. وقد
قصدي بعض الشيعة الزيدية لنقضه ورده بما لا غنى بنا عن ذكره هنا فقال ما ملخصه:
لولا ان الله تعالى اوجب معاداة اعدائه كما اوجب موالاة اوليائه، وضيق على المسلمين
تركها إذا دل العقل عليها، واوضح الخبر عنها بقوله سبحانه: لا تجد قوما " يؤمنون
بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو ابنائهم أو
اخوانهم أو عشيرتهم وبقوله تعالى: ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما انزل إليه ما
اتخذوهم أولياء. وبقوله تعالى: لا تتولوا قوما " غضب الله عليهم. لاجماع المسلمين
على ان الله تعالى فرض عداوة اعدائه وولاية اولائه، وعلى ان البغض في الله واجب
والحب في الله واجب لما تعرضنا لمعاداة من احد الناس في الدين ولا البراءة منه
ولكانت عداوتنا للقوم تكلفا "
________________________________________
[ 13
]
ولو ظننا
الله عزوجل يعذرنا إذا قلنا: يا رب غاب أمرهم عنا فلم يكن لخوضنا في امر قد غاب عنا
مسى. لاعتمدنا على هذا العذر وواليناهم، ولكنا نخاف ان يقول سبحانه لنا: ان كان
امرهم قد غاب عن ابصاركم فلم يغب عن قلوبكم واسماعكم قد اتتكم به الأخبار الصحيحة
التى بمثلها الزمتم انفسكم الأقرار بالنبي صلى الله عليه وآله وموالاة من صدقه
ومعاداة من عصاه وجحده وامرتم بتدبر القرآن وما جاء به الرسول فهلا حذرتم من ان
تكونوا من اهل هذه الآية القائلين غدا ربنا انا اطعنا ساداتنا وكبراءنا فاضلونا
السبيل. فاما لفظة اللعن فقد امر الله تعالى بها وأوجبها الا ترى إلى قوله تعالى:
اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون فهو اخبار معناه الأمر كقوله: والمطلقات يتربصن
بانفسهن ثلاثة قروء. وقد لعن الله تعالى الغاصبين بقوله: لعن الذين كفروا من بنى
اسرائيل على لسان داود. وقوله ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا
والآخرة وأعد لهم عذابا " مهينا " وقوله: ملعونين اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا
وقال الله لابليس: وان عليك لعنتي إلى يوم الدين. وقال: ان الله لعن الكافرين وأعد
لهم سعيرا ". فأما قول من يقول أي ثواب في اللعن وان الله تعالى لا يقول للمكلف لم
لم تلعن بل قد يقول له لم لعنت وانه لو جعل مكان لعن الله فلانا اللهم اغفر لى لكان
خيرا " له ولو ان انسانا عاش عمره كله ولم يلعن ابليس لم يؤاخذ بذلك. فكلام جاهل لا
يدرى ما يقول اللعن طاعة ويستحق عليها الثواب إذا فعلت على ووجهها، وهو ان يلعن
مستحق اللعنة لله وفى الله لا في العصبية والهوى، لأن الشرع قد ورد بها في نفى
الولد ونطق بها القرآن، وهو ان يقول الزوج في الخامسة: ان لعنة الله عليه ان كان من
الكاذبين. فلو لم يكن الله تعالى يريد ان يتلفظ عباده بهذه اللفظة، وانه قد تعبدهم
بها لما جعلها من معالم الشرع، ولما كررها في كثير من كتابه العزيز ولما قال في حق
القائل: وغضب الله عليه ولعنه وليس المراد من قوله ولعنه الا الأمر لنا أن نلعنه،
ولو لم يكن المراد ذلك لكان لنا ان نلعنه لأن الله تعالى قد لعنه
________________________________________
[ 14
]
فيلعن الله
تعالى انسانا " ولا يكون لنا ان نلعنه، هذا ما لا يسوغ كما لا يجوز ان يمدح انسانا
الا ولنا ان نمدحه ولا بذمه إلا ولنا ان نذمه وقال: هل انبئكم بشر من ذلك مثوبة عند
الله. من لعنه وقال ربنا اتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا " كبيرا ". وقال تعالى:
وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا. وكيف يقول القائل ان
الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن الا يعلم هذا القاتل ان الله تعالى امر
بولاية اوليائه وامر بعداوة اعدائه، فكما يسأل عن التولى يسأل عن التبرئ الا ترى ان
اليهودي إذا اسلم يطالب بان يقال له تلفظ بكلمة الشهادتين ثم قل: تبرأت من كل دين
يخالف دين الإسلام. فلابد من البراءة لأن بها يتم العلم ألم يسمع هذا القاتل قول
الشاعر: تود عدوى ثم تزعم اننى * صديقك ان الرأى عنك لعازب فمودة العدو خروج عن
ولاية الولى وإذا بطلت المودة لم يبق الا البراءة لأنه لا يجوز أن يكون الأنسان في
درجة متوسطة مع اعداء الله تعالى وعصاته بان لا يؤذيهم ولا يبرأ منهم باجماع
المسلمين على نفى هذه الواسطة، واما قوله لو جعل عوض اللعنة استغفر الله لكان خيرا
له فانه لو استغفر من غير ان يلعن أو يعتقد وجوب اللعن لما نفعه استغفاره ولا قبل
منه لأنه يكون عاصيا " لله تعالى مخالفا " امره في امساكه عمن اوجب الله تعالى عليه
البرءة منه واظهار البراءة والمصر على بعض المعاصي لا تقبل توبته واستغفاره عن
البعض الآخر واما من يعيش عمره ولا يلعن ابليس فان كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو كافر
وان كان يعتقد وجوب لعنه ولا يلعنه فهو مخطئ وعلى ان الفرق بينه وبين ترك لعنة رؤوس
الضلالة في هذه الأمة كمعاوية والمغيرة وامثالهما ان احدا " من المسلمين لا يورث
عنده الأمساك عن لعنة ابليس شبهة في امر ابليس والأمساك لعن هؤلاء واضرابهم يثير
شبهة عند كثير من المسلمين في امرهم وتجنب ما يورث الشبهة في الدين واجب فلهذا لم
يكن الأمساك عن لعن ابليس نظيرا " للأمساك عن امر هؤلاء قال ثم يقال
________________________________________
[ 15
]
للمخالفين
ارأيتم لو قال قائل قد غاب عنا امر يزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف فليس ينبغى ان
نخوض في قصتهما ولا ان نلعنهما ونعاديهما ونبرأ منهما هل كان هذا إلا كقولكم قد غاب
عنا امر معاوية والمغيرة بن شعبة واضرابهما فليس لخوضنا في قصتهم معنى وبعد فكيف
ادخلتم ايها العامة والحشوية واهل الحديث انفسكم في امر عثمان وخضتم فيه وقد غاب
عنكم وبرئتم من قتله ولعنتموهم وكيف لم تحفظوا ابا بكر الصديق في محمد ابنه فانكم
لعنتموه وفسقتموه ولا حفظتم عايشة ام المؤمنين في اخيها محمد المذكور ومنعتمونا ان
نخوض وندخل انفسنا في امر على والحسن والحسين " ع " ومعاوية الظالم له ولهما
المتغلب على حقه وحقوقهما وكيف صار لعن ظالم عثمان من السنة عندكم ولعن ظالم على
والحسن والحسين " ع " تكلف وكيف ادخلت العامة انفسها في امر عائشة وبرئت ممن نظر
إليها ومن القائل لها يا حميرا وانما هي حميراء ولعنته بكشفه سترها ومنعتنا نحن عن
الحديث في امر فاطمة وما جرى لها بعد وفاة ابيها فان قلتم ان بيت فاطمة انما دخل
وسترها انما كشف حفظا " لنظام الإسلام وكيلا ينتشر الأمر ويخرج قوم من المسلمين
اعتاقهم من ربقة الطاعة ولزوم الجماعة قيل لكم وكذلك ستر عايشة انما كشف وهود جها
انما هتك لأنها نشرت حبل الطاعة وشقت عصا المسلمين واراقت دماء المؤمنين من قبل
وصول على بن ابى طالب " ع " إلى البصرة وجرى لها مع عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة
ومن كان معها من المسلمين الصالحين من القتل وسفك الدماء ما ينطق به كتب التواريخ
والسير فإذا جاز دخول بيت فاطمة لأمر لم يقع بعد جاز كشف ستر عايشه على ما قد وقع
وتحقق فكيف صار هتك ستر عايشه من الكبائر التى يجب معها التخليد في النار والبراءة
من فاعله ومن اوكد عرى الايمان وصار كشف بيت فاطمة والدخول عليها منزلها وجمع الحطب
ببابها وتهددها في التحريق من اوكد عرى الدين واثبت دعائم الإسلام ومما اعز الله به
المسلمين واطفائه نار الفتنة والحرمتان واحدة والستران واحد وما نحن ان نقول لكم ان
حرمة
________________________________________
[ 16
]
فاطمة " ع "
اعظم ومكانها ارفع وصيانتها لأجل رسول الله صلى الله عليه وآله اولى فانها بضعة منه
وجزء من لحمه ودمه وليست كالزوجة الأجنبية التى لا نسب بينها وبين الزوج وانما هي
وصلة مستعارة وعقد يجرى مجرى اجارة المنفعة وكما يملك رق الامة بالبيع والشراء
ولهذا قال الفرضيون اسباب التوارث ثلاثة: سبب ونسب وولاء والنسب القرابة والسبب
النكاح والولاء ولاء العتق فجعلوا النكاح خارجا " من النسب ولو كانت الزوجة ذات نسب
لجعلوا الاقسام الثلاثة قسمين فكيف تكون عايشة أو غيرها في منزلة فاطمة وقد اجمع
المسلمون كلهم من يحبها ومن لا يحبها منهم انها سيدة نساء العالمين قال وكيف يلزمنا
اليوم حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله في زوجته وحفظ ام حبيبه في اخيها ولم تلزم
الصحابة انفسها حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله في اهل بيته ولا الزمت الصحابة
انفسها حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله في صهره وابن عمه عثمان بن عفان وقد قتلوه
ولعنوه وقد كان كثير من الصحابة يلعن عثمان وهو خليفة منهم عايشة كانت تقول اقتلوا
نعثلا لعن الله نعثلا ومنهم عبد الله بن مسعود وقد لعن معاوية على بن ابى طالب
وابنيه حسنا " وحسينا " وهم احياء يرزقون في العراق وهو يلعنهم في الشام على
المنابر ويقنت عليهم في الصلوات وقد لعن أبو بكر وعمر سعد بن عبادة وهو حى وبرئا
منه واخرجاه من المدينة إلى الشام ولعن عمر خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة
وما زال اللعن فاشيا " في المسلمين إذا عرفوا من الانسان معصية تقتضي اللعن
والبرائة قال ولو كان هذا امر معتبرا " وهو أن يحفظ زيد لأجل عمر وفلا يلعن لوجب ان
يحفظ الصحابة في اولادهم فلا يلعنوا لأجل آبائهم فكان يجب ان يحفظ سعد بن ابى وقاص
فلا يلعن عمر ابن سعد قاتل الحسين " ع " وان يحفظ معاوية فلا يلعن يزيد صاحب وقعة
الحرة وقاتل الحسين " ع " ومخيف المسجد الحرام بمكة وان يحفظ عمر بن الخطاب في
عبيدالله ابنه قاتل الهرمزان والمحارب عليا " في صفين قال على انه لو كان الامساك
عن عداوة من عادى الله من اصحاب محمد رسول الله من حفظ رسول الله في اصحابه ورعاية
________________________________________
[ 17
]
عهده وعقده
لم نعادهم ولو ضربت رقابنا بالسيوف ولكن محبة رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه
ليست كمحبة الجهال الذين يضع احدهم حجته لصاحبه مع المعصية وانما اوجب رسول الله
صلى الله عليه وآله محبة اصحابه لطاعة الله فإذا عصوا الله وتركوا ما اوجب محبتهم
فليس عند رسول الله صلى الله عليه وآله محابات في ترك لزوم ما كان عليه في محبتهم
ولا تغطرس في العدول عن التمسك بموالاتهم فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يحب ان يعادى اعداء الله ولو كانوا عترته كما يحب ان يوالى اولياء الله وان كانوا
أبعد الخلق نسبا " منه والشاهد على ذلك اجماع الأمة على ان الله تعالى اوجب عداوة
من أرتد بعد الإسلام وعداوة من نافق وان كان من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
وان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذى امر بذلك ودعا إليه وذلك أنه صلى الله
عليه وآله قد اوجب قطع يد السارق وضرب القاذف وجلد البكر إذا زنا وان كان من
المهاجرين والأنصار الا ترى انه قال لو سرقت فاطمة لقطعتها فهذه ابنته الجارية مجرى
نفسه لم يحابها في دين الله ولا راقبها في حدود الله وجلد اصحاب الافك وفيهم سطح بن
اثاثه وكان من اهل بدر قال وبعد فلو كان محل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
محل من لا يعادى إذا عصى الله سبحانه ولا يذكر بالقبيح بل يجب ان يراقب لاجل اسم
الصحبه ويغضى عن عيوبه وذنوبه لكان كذلك صاحب موسى المسطور ثنائة في القرآن لما
اتبع هواه فانسلخ عما اوتى من الآيات وغوى قال سبحانه واتل عليهم نبأ الذى آتيناه
اياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولكان ينبغى ان يكون محل عبده
العجل من اصحاب موسى " ع " هذا المحل لأن هؤلاء كلهم قد صحبوا رسولا جليلا من رسل
الله تعالى قال ولو كانت الصحابة عند انفسها بهذه المنزلة لعلمت ذلك من حال انفسها
لانهم اعرف بحالهم من عوام اهل دهرنا وإذا قدرت افعال بعضهم ببعض دلتك على ان القصة
على خلاف ما قد سبق إلى قلوب الناس اليوم هذا على وعمار وابو الهيثم بن التيهان
وخزيمة بن ثابت وجميع من كان مع على " ع " من المهاجرين والأنصار لم يروا
________________________________________
[ 18
]
ان يتغافلوا
عن طلحة والزبير حتى فعلوا بهما وبمن معهما ما يفعل بالشراة في عصرنا وهذا طلحة
والزبير وعايشة ومن كان معهم وفى جانبهم لم يروا ان يمسكوا عن على " ع " حتى قصدوا
له كما يقصد للمتغلبين في زمامننا وهذا معاوية وعمر ولم يريا عليا " ع " بالعين
التى يرى بها العامي صديقه أو جاره ولم يقصرا دون ضرب وجهه بالسيف ولعنه ولعن
اولاده وكل من كان حيا " من اهله وقتل اصحابه وقد لعنهما هو أيضا " في الصلاة
المفروضات ولعن معهما أبا الأعور السلمى وابا موسى الاشعري وكلاهما من الصحابة وهذا
سعد بن ابى وقاص ومحمد به سلمة وإسامة ابن زيد وسعد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد
الله بن عمر وحسان بن ثابت وانس بن مالك لم يروا ان يقلدوا عليا " " ع " في حرب
طلحة ولا طلحة في حرب على " ع " وطلحة والزبير باجماع المسلمين افضل من هؤلاء
المعدودين لأنهم زعموا انهم قد خافوا ان يكون على " ع " قد غلط وزل في حربهما
وخافوا ان يكونا قد غلطا وزلا في حرب على " ع " وهذا عثمان قد نفى ابا ذر إلى
الربذة كما يفعل باهل الخا والريب وهذا عمار وابن مسعود تلقيا عثمان بما تلقياه به
لما ظهر لهما بزعمهما منه ما وعظاه لأجله ثم فعل عثمان ما تناهى اليكم ثم فعل القوم
بعثمان ما قد علمتم وعلم الناس كلهم وهذا عمر يقول في قصة الزبير بن العوام لما
استأذنه في الغزو أنى ممسك بباب هذا الشعب ان يتفرق اصحاب محمد صلى الله عليه وآله
في الناس فيضلوهم وزعم انه وابا بكر كانا يقولان ان عليا " والعباس في قصة الميراث
في عمهما كاذبين ظالمين فاجرين وما رأينا عليا " والعباس اعتذرا ولا تنصلا ولا نقل
احد من اصحاب الحديث ذلك ولا رأيا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله انكروا
عليهما ما حكاه عمرو عنهما ونسبه اليهما ولا انكروا أيضا على عمر وقوله في اصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله انهم يريدون اضلال الناس ويهمون به ولا انكروا على
عثمان دوس بطن عمار ولا كسر ضلع بن مسعود ولا على عمار وابن مسعود ما تلقيا به
عثمان كانكار العامة اليوم الخوض في حديث الصحابة ولا اعتقدت
________________________________________
[ 19
]
الصحابة في
انفسها ما تعتقده العامة فيها اللهم إلا أن يزعموا انهم اعرف بحق القوم منهم وهذا
على وفاطمة والعباس ما زالوا على كلمة واحدة يكذبون الرواية نحن معاشر الأنبياء لا
نورث ويقولون انها مختلقة قالوا وكيف كان النبي صلى الله عليه وآله يعرف هذا الحكم
غيرنا ويكتمه عنا ونحن الورثة ونحن اولى الناس بان يؤدى هذا الحكم إليه وهذا عمر بن
الخطاب يشهد لأهل الشورى انهم النفر الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو
عنهم راض ثم يأمر بضرب اعناقهم ان أخر وافصل حال الأمامة هذا بعد ان ثلبهم وقال في
حقهم ما لو سمعه العامة اليوم من قائل لوضعت ثوبه في عنقه سحبا " إلى السلطان ثم
شهدت عليه بالرفض واستحلت دمه فان كان الطعن على بعض الصحابة رفضا " فعمر بن الخطاب
ارفض الناس وامام الروافض كلهم ثم شاع واشتهر من قول عمر كانت بيعة ابى بكر فلتة
وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه وهذا طعن في العقد وقدح في البيعة الأصلية
ثم ما نقل عنه من ذكر ابى بكر في خلواته قوله عن عبد الرحمن وابنه انه دويبة سوء
ولهو خير من ابيه ثم عمر القائل في سعد بن عبادة وهو رئيس الأنصار وسيدها اقتلوا
سعدا قتل الله سعدا " اقتلوه فانه منافق قد شتم ابا هريرة وطعن في روايته وشتم خالد
بن الوليد وطعن في دينه وحكم بفسقه وبوجوب قتله وخون عمرو بن العاص ومعاوية بن أبى
سفيان ونسبهما إلى سرقة مال الفئ واقتطاعه وكان سريعا " إلى المسائة كثير الجبه
والشتم والسب لكل احد وقل ان يكون في الصحابة من سلم من معرة لسانه أو يده ولذلك
ابغضوه وملوا ايامه مع كثرة الفتوح فيها فهلا احترم عمر الصحابة كما تحتر مهم
العامة اما ان يكون عمر مخطئا واما ان تكون العامة على الخطأ فان قبلوا عمر ما شتم
ولا ضرب ولا اساء الا إلى عاص مستحق لذلك قيل لهم فكانا نحن نقول اننا نريد ان نبرء
ونعادى من لا يستحق البرائة والمعاداة كلا ما قلنا هذا ولا يقول هذا مسلم ولا عاقل
وانما غرضنا الذى يجرى بكلامنا هذا ان نوضح ان الصحابة قوم من الناس لهم ما
________________________________________
[ 20
]
للناس
وعليهم ما عليهم من اساء منهم ذممناه ومن احسن منهم حمدناه وليس لهم عن غيرهم من
المسلمين كبير فضل الا بمشاهدة الرسول صلى الله عليه وآله ومعاصرته لا غير بل ربما
كانت ذنوبهم افحش من ذنوب غيرهم لأنهم شاهدوا الأعلام والمعجزات فقرب اعتقادهم من
الضرورة ونحن لم نشاهد ذلك فكانت عقايدنا محض النظر والفكر بعرضة الشبه والشكوك
فمعاصينا اخف لأنا اعذر ثم نعود إلى ما كنا فيه فنقول وهذه عايشة ام المؤمنين خرجت
بقميص رسول الله صلى الله عليه وآله لم يبل وهذا عثمان قد ابلى سننه اقتلوا نعثلا
قتل الله نعثلا ثم لم ترض بذلك حتى قالت اشهد ان عثمان جيفة على الصراط غدا " فمن
الناس من يقول روت بذلك خبرا " ومن الناس من يقول موقوف عليها وبدون هذا لو قاله
انسان اليوم يكون عند العامة زنديقا " ثم قد حصر عثمان، حصره اعيان الصحابة فما كان
احد ينكر ذلك ولا يعظمه ولا يسعى ازالته وانما انكر على من انكر على المحاصرين له
وهو رجل كما علمتم من وجوه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم من اشرافهم ثم هو
اقرب إليه من ابى بكر وعمر وهو مع ذلك امام المسلمين والمختار منهم للخلافة وللإمام
حق على رعيته فان كان القوم قد اصابوا فاذن ليست الصحابة في الموضع الذى وضعتها به
العامه وان كانوا ما اصابوا فهذا هو الذى نقول من ان الخطأ جائز على آحاد الصحابة
كما يجوز على آحادنا اليوم ولسنا نقدح في الأجماع ولا ندعى اجماعا " حقيقيا " على
قتل عثمان وانما نقول ان كثيرا " من المسلمين فعلوا ذلك ولخصم يسلم ان ذلك كان خطأ
ومعصية فقد سلم ان الصحابي يجوز ان يخطى ويعصى وهو المطلوب وهذا المغيره بن شعبة
وهو من الصحابة ادعى عليه الزنا وشهد عليه قوم بذلك فلم ينكر ذلك عمر ولا قال هذا
محال وباطل لأن هذا صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله لا يجوز عليه
الزنا وهلا انكر عمر على الشهود وقال لهم ويحكم هلا تغافلتم عنه لما رأيتموه يفعل
ذلك فان الله تعالى قد اوجب الأمساك عن مساوى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
واوجب الستر عليهم وهلا تركتموه
________________________________________
[ 21
]
لرسول الله
في قوله دعوا إلى اصحابي ما رأينا عمر الا قد انتصب لسماع الدعوى واقامة الشهادة
واقبل يقول للمغيرة يا مغيرة ذهب ربعك ذهب نصفك يا مغيرة ذهب ثلاثة ارباعك حتى
اضطرب الرابع فجلد الثلاثة وهلا قال المغيرة لعمر كيف تسمع في قول هؤلاء وليسوا من
الصحابة وانا من الصحابة ورسول الله صلى الله عليه وآله قد قال اصحابي كالنجوم
بابهم اقتديتم أهتديتم ما رأيناه قال ذلك بل استسلم لحكم الله تعالى وهيهنا من هو
امثل من المغيرة وافضل قدامة بن مظعون لما شرب الخمر في ايام عمر فاقام عليه الحد
وهو رجل من علية الصحابة ومن أهل بدر المشهود لهم بالجنة فلم يرد عمر الشهادة ولا
دأ عنه الحد لعله انه يدرى ولا قال قد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذكر
مساوى اصحابه وقد ضرب عمر ايضا " ابنه حدا " فمات وكان ممن عاصر رسول الله صلى الله
عليه وآله ولم تمنعه معاصرته له من اقامته الحد عليه وهذا على " ع " يقول ما حدثنى
احد بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله الا استحلفته عليه اليس هذا اتهاما "
لهم بالكذب وما استثنى احدا " من المسلمين الا أبا بكر على ما ورد في الخبر وقد صرح
غير مرة بتكذيب ابى هريرة وقال لا احد اكذب من هذا الدوسى على رسول الله صلى الله
عليه وآله وقال أبو بكر في مرضه الذى توفى فيه وددت انى لم اكشف بيت فاطمة ولو كان
اغلق على حرب فندم والندم لا يكون الا ذنب ثم ينبغى للعاقل ان يفكر في تأخر على " ع
" عن بيعة ابى بكر ستة اشهر إلى ان ماتت فاطمة " ع " فأن كان مصيبا " فابو بكر على
الخطأ في انتصابه في الخلافه وان كان مصيبا " فعلى على الخطأ في تأخره عن البيعة
وحضور المسجد وقال أبو بكر في مرض موته ايضا " للصحابة فلما استخلفت عليكم خيركم في
نفسي يعنى عمر فكلكم ورم لذلك انفه يريد ان يكون الأمر له لما رأيتم الدنيا قد جائت
اما والله لتتخذن ستاير الديباج ونضايد الحرير اليس هذا طعنا في الصحابة وتصريحا "
بانه قد نسبهم إلى الحسد لعمر لما نص عليه بالعهد ولقد قال له طلحه لما ذكر عمر
للأمر ماذا تقول لربك إذا سئلك عن عباده وقد وليت عليهم فظا " غليظا "
________________________________________
[ 22
]
فقال أبو
بكر اجلسوني اجلسوني أبا الله تخوفونى إذا سألى قلت وليت عليهم خير أهلك ثم شتمه
واتمه بكلام كثير منقول فهل قول طلحة ألاطعن في عمر وهل قول ابى بكر ألا طعن في
طلحة ثم الذى كان بين ابى بن كعب وبين عبد الله ابن مسعود من السباب حتى نفى كل
واحد منهما الآخر عن ابيه وكلمة ابى بن كعب مشهورة منقولة ما زالت هذه الأمة مكبوبة
على وجهها منذ فقدوا نبيهم صلى الله عليه وآله وقوله الا هلك أهل العقده والله
ماآسى عليهم انما آسى على من يضلون من الناس ثم قول عبد الرحمن بن عوف ما كنت ارى
ان اعيش حتى يقول له عثمان يا منافق وقوله لو استقبلت من امرى ما استدبرت ما وليت
عثمان شسع نعلي وقوله اللهم ان عثمان قد آلى ان لا يقيم كتابك فافعل به وافعل وقال
عثمان لعلى " ع " في كلام دار بينهما أبو بكر وعمر خير منك فقال على " ع " كذبت انا
خير منك ومنهما عبدت الله قبلهما وعبدته بعدهما. وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن
دينار قال: كنت عند عروة بن الزبير فنذاكرنا كم اقام النبي صلى الله عليه وآله بمكة
بعد الوحى فقال عروة اقام عشرا فقلت كان ابن عباس يقول اقام ثلاث عشرة فقال كذب ابن
عباس وقال ابن عباس المتعة حلال فقال له جبير بن مطعم كان عمر ينهى عنها فقال يا
عدى نفسه من هيهنا ضللتم احدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وتحدثي عن عمر
وجاء في الخبر عن على لولا ما فعل ابن الخطاب في المتعة ما زنى الا شقى وقيل ما زنى
إلا شقى أي قليل سب بعضهم بعضا وقدح بعضهم في بعض في المسائل الفقهية اكثر من ان
يحصى مثل قول ابن عباس وهو يرد على زيد مذهبه في العول في الفرائض ان شاء أو قال من
شاء باهلته ان الذى حصى رمل عالج عددا " اعدل من ان يجعل في مال نصفا " ونصفا "
وثلثا " هذان النصفان قد ذهبا بالمال فاين موضع الثلث ؟ ومثل قول ابن ابى بن كعب في
القرآن لقد رأيت القرآن وزيد هذا غلام ذو ذوابتين يلعب بين صبيان اليهود في المكتب
فقال على في امهات الأولاد وهو على المنبر كان رأى ابى
________________________________________
[ 23
]
بكر ورأى
عمر الا يبعن وأنا ارى الآن بيعهن فقام إليه عبد الله السلمانى فقال له رأيك في
الجماعة احب الينا من رأيك في الفرقة وكان أبو بكر يرى التسوية في قسم الغنائم
وخالفه عمر وانكر فعله وانكرت عايشة على ابى سلمة بن عبد الرحمن خلافه على ابن عباس
في المتوفى عنها زوجها وهى حاملة وقالت فروج يصقع مع الديكة وانكرت الصحابة على ابن
عباس قوله في الصرف وسفهوا رأيه حتى قيل انه تاب من ذلك عند موته واختلفوا في حد
شارب الخمر حتى خطأ بعضهم بعضا ". وروى بعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله
انه قال الشئوم في ثلاثة المرئة والدار والفرس فانكرت عايشة ذلك وكذبت الراوى وقالت
انه انما قال صلى الله عليه وآله ذلك حكاية عن غيره. وروى ايضا " بعض الصحابة عنه
صلى الله عليه وآله انه قال التاجر فاجر فانكرت عايشة ذلك وقلت انما قاله صلى الله
عليه وآله في تاجر دلس وانكر قوم من الأنصار رواية ابى الأئمة من قريش ونسبوه إلى
افتعال هذه الكلمة وكان أبو بكر يقضى بالقضاء فينقضه عليه اصاغر الصحابة كبلال
وصهيب ونحوهما قد روى ذلك في عدة قضايا وقيل لابن عباس ان عبد الله بن الزبير يزعم
ان موسى صاحب الخضر " ع " ليس موسى بنى اسرائيل فقال كذب عدو الله اخبرني ابى ابن
كعب قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر كلاما " يدل على ان موسى صاحب
الخضر هو موسى نبى اسرائيل وباع معاوية اوانى ذهب وفضة باكثر من وزنها فقال له أبو
الدرداء من عذيري من معاوية اخبره عن الرسول صلى الله عليه وآله وهو يخبرني عن رأيه
لا اساكنك بارض ابدا " وطعن ابن عباس في خبر ابى هريره عن رسول الله صلى الله عليه
وآله إذا استيقظ احدكم من نومه فلا يدخلن يده في الأناء حتى يتوضأ وقال فما نصنع
بالسهراس وقال على " ع " لعمر وقد أفتاه الصحابة في مسألة واجمعوا عليها ان كانوا
راقبوك فقد غشوك وان كان هذا جهد رأيهم فقد أخطأوا وقال ابن عباس
________________________________________
[ 24
]
الا يقى
الله زيد بن ثابت يجعل ابن الأبن ابنا ولا يجعل اب الأب أبا " وقالت عايشة اخبروا
زيد ابن ارقم انه قد احبط جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وانكرت الصحابة
على ابى موسى قوله ان النوم لا ينقض الوضوء ونسبته إلى الغفلة وقلة التحصيل وكذلك
انكرت على ابى طلحة الانصاري قوله ان اكل البرد لا يفطر الصائم وهزئت به ونسبته إلى
الجهل وسمع عمر عبد الله بن مسعود وابى ابن كعب يختلفان في صلوة الرجل في الثوب
الواحد فصعد المنبر وقال إذا اختلف اثنان من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
فعن أي فتياكم يصدر المسلمون لا يختلفان بعد مقامي هذا إلا فعلت وصنعت وقال جرير بن
كليب رأيت عمر ينهى عن المتعة وعلى " ع " يأمر بها فقلت ان بينكما لشرا " فقال على
" ع " ليس بيننا الا الخير ولكن خيرنا اتبعنا لهذا الدين قال هذا المتكلم وكيف يصح
ان يقول رسول الله صلى الله عليه وآله (اصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم) لا
شبهة ان هذا يوجب ان يكون اهل الشام وصفين على هدى وان يكون اهل العراق ايضا " على
هدى وان يكون قاتل عمار ابن ياسر مهتديا وقد صح الخبر الصحيح انه صلى الله عليه
وآله قال له نقتلك الفئة الباغية وقال في القرآن فقاتلوا التى تبغى حتى تفى إلى امر
الله فدل على انها ما دامت موصوفة بالمقام على البغى مغارقة لأمر الله ومن يفارق
امر الله لا يكون مهتديا وكان يجب ان يكون بسر بن ارطاة الذى ذبح ولدى عبيدالله بن
العباس الصغيرين مهتديا " لأن بسر من الصحابة ايضا " وكان يجب ان يكون عمر وابن
العاص ومعاوية الذين كانا يلعنان عليا " ع " في ادبار الصلوة وولديه مهتدين وقد كان
في الصحابة من يزنى ومن يشرب الخمر كابى محجن الثقفى ومن ارتد عن الإسلام كطلحة بن
خويلد فيجب ان يكون كل من اقتدى بهؤلاء في افعالهم مهتديا قال وانما هذا من موضوعات
متعصبة الاموية فان لهم من ينصرهم بلسانه وبوضعه الأحاديث إذا عجز عن نصرهم بالسيف
وكل القول في الحديث الآخر وهو قوله القرن الذى انا فيه ومما يدل على بطلانه ان
القرن
________________________________________
[ 25
]
الذى جاء
بعده بخمسين سنة شر قرون الدنيا وهو احد القرون التى ذكرها في النص وكان ذلك القرن
هو القرن الذى قتل فيه الحسين " ع " واوقع بالمدينة وحوصرت مكة ونقضت الكعبة وشرب
خلفاؤه والقائمون مقامه والمنتصبون في منصب النبوة الخمر وارتكبوا الفجور كما جرى
ليزيد بن معاوية وليزيد بن عاتكة وللوليد بن يزيد واريقت الدماء الحرام وقتل
المسلمون وسبى الحريم واستعبد اولاد المهاجرين والأنصار ونقش على ايديهم كما ينقش
على ايدى الروم وذلك في خلافة عبد الملك وامرة الحجاج وإذا تأملت كتب التواريخ وجدت
الخمسين الثانية شرا " كلها لا خير فيها ولا في رؤسائها وامرائها والناس برؤساهم
وامرائهم والقرن خمسون سنة فكيف يصح هذا الخبر قال فاما ما ورد في القرآن من قوله
تعالى لقد رضى الله عن المؤمنين وقوله سبحانه محمد رسول الله والذين معه وقول النبي
صلى الله عليه وآله ان الله أطلع على أهل بدر ان كان الخبر صحيحا " فكله مشروط
بسلامة العاقبة ولا يجوز ان يخبر الحكيم مكلفا " غير معصوم بانه لا عقاب عليه
فليفعل ما شاء قال ومن انصف وتأمل احوال الصحابة وجدهم مثلنا يجوز عليهم ما يجوز
علينا ولا فرق بيننا وبينهم الا الصحبة لا غير فان لها منزلة وشرفا " ولكن لا إلى
حد يمتنع على كل من رأى الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه يوما " أو شهرا " أو اكثر
من ذلك ان لا يخطئ ويزل ولو كان هذا صحيحا " ما أحتاجت عايشة إلى نزول براءتها من
السماء بل كان رسول الله صلى الله عليه وآله من اول يوم يعلم كذب اهل الأفك لأنها
زوجته وصحبتها له أوكد من صحبة غير ما وصفوان بن المعطل كان من الصحابة ايضا " فكان
ينبغى ان لا يضيق صدر رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يحمل ذلك الهم والغم
الشديدين اللذين حملهما ويقول صفوان من الصحابة وعايشة من الصحابة والمعصية عليهما
ممتنعة وامثال هذا كثير واكثر من الكثير لمن اراد ان يستقرى احوال القوم وقد كان
التابعون يسلكون بالصحابة هذا المسلك ولا يقولون في العصاة منهم مثل هذا القول
وانما اتخذهم العامة اربابا "
________________________________________
[ 26
]
بعد ذلك قال
ومن الذى يجترئ على القول بان اصحاب محمد صلى الله عليه وآله لا تجوز البراءة من
احد منهم وان اساء وعصى بعد قول الله تعالى للذى شرفوا برؤيته لئن اشركت ليحبطن
عملك ولتكونن من الخاسرين وبعد قوله سبحانه وتعالى قل انى اخاف ان عصيت ربى عذاب
يوم عظيم وبعد قوله عزوجل فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله
ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد الا من لا فهم له ولا نظر معه ولا تمييز
عنده قال ومن احب ان ينظر اختلاف الصحابة وطعن بعضهم في بعض ورد بعضهم على بعض وما
رد به التابعون عليهم واعترضوا به اقوالهم واختلاف التابعين أيضا " فيما بينهم وقدح
بعضهم في بعض فلينظر في كتاب النظام وقال الجاحظ كان النظام اشد الناس انكارا " على
الرافضة لطعنهم على الصحابة حتى إذا ذكر الفتيا وتنقل الصحابة فيها وقضاياهم
بالأمور المختلفة وقول من استعمل الراى في دين الله انتظم مطاعن الرافضة وغيرها
وزاد عليها وقال في الصحابة اضعاف قولها قال وقال بعض رؤساء المعتزلة غلط ابى خليفة
الذى منه تفرع غلط ابراهيم اغلط واعظم وهو في الاحكام عظيم لأنه اضل خلقا " وغلط
حماد اعظم من غلط ابى حنيفة لأن حمادا " اصل ابى حنيفة الذى منه تفرع غلط ابراهيم
واعظم من غلط حماد غلط علقمة والأسود اعظم من غلط ابراهيم لأنهما اصله الذى عليه
اعتمد وغلط ابن مسعود اعظم من غلط هؤلاء جميعا " لأنه اول من بدر إلى وضع الأديان
برأيه وهو الذى قال اقول فيها برأيى فان يكن صوابا " فمن الله وان يكن خطأ فمنى قال
واستأذن اصحاب الحديث على ثمامة بخراسان حيث كان مع الرشيد بن المهدى فسألوه كتابه
الذى صنفه في الرد على ابى حنيفة في اجتهاد الرأى فقال لست على ابى حنيفة كتبت ذلك
الكتاب وانما كتبته على علقمة والأسود وعبد الله ابن مسعود لأنهم الذين قالوا
بالراى قبل ابى حنيفة قال وقال وكان بعض المعتزلة ايضا " إذا ذكر ابن عباس استصغره.
________________________________________
[ 27
]
وقال صاحب
(الدراية) يقول في دين الله برأيه وذكر الجاحظ في كتابه المعروف بكتاب (التوحيد) ان
ابا هريرة ليس بثقة في الرواية. عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ولم يكن على
يوثقه في الرواية بل يتهمه ويقدح فيه وكذلك عمر وعايشة وكان الجاحظ يفسق عمر بن عبد
العزيز ويستهزئ به ويكفره وعمر بن عبد العزيز وان لم يكن من الصحابة فاكثر العامة
يرى له من الفضل ما يراه لواحد من الصحابة قال وكيف يجوز ان نحكم حكما جزما " ان كل
واحد من الصحابة عدل ومن جملة الصحابة الحكم بن ابى العاص وكفاك به عدوا " مبغضا "
لرسول الله ومن الصحابة الوليد بن عقبة الفاسق بنص الكتاب ومنهم حبيب بن سلمة الذى
فعل ما فعل بالمسلمين في دولة معاوية وبسر ابن ارطاة عدو الله وعدو رسوله وفى
الصحابة كثير من المنافقين لا يعرفهم الناس وقال كثير من المسلمين مات رسول الله
(ص) ولم يعرفه سبحانه كل المنافقين باعيانهم وانما كان يعرف قوما " منهم ولم يعلم
بهم احدا " الا حذيفة فيما زعموا فكيف يجوز ان نحكم حكما " جزما " ان كل واحد ممن
صحب رسول الله صلى الله عليه وآله أو رآه أو عاصره عدل مأمون لا يقع منه خطأ ومن
الذى يمكنه ان يتحجر واسعا " كهذا التحجر أو يحكم هذ الحكم قال واعجب من الحشويه
واصحاب الحديث إذ يجادلون على معاصي الأنبياء ويثبتون انهم عصوا الله وينكرون على
من ينكر ذلك ويطعنون فيه ويقولون هذا رأى معتزلي وربما قالوا ملحد مخالف لنص الكتاب
وقد رأينا منهم الواحد والمائة والألف يجادل في هذا الباب فتارة يقولون ان يوسف " ع
" قعد من امرأة العزيز مقعد الرجل من المرأة وتارة يقولون ان داود " ع " قتل اوريا
لنكح امرأته وتارة يقولون ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان كافرا " ضالا قبل
النبوة وربما ذكروا زينب بنت جحش وقصة الغذاء يوم بدر فاما قدحهم في آدم واثباتهم
معصيته ومناظرتهم من ينكر ذلك فهو دأبهم وديدنهم فإذا تكلم واحد في عمرو بن العاص
أو في معاوية وامثالهما ونسبهم إلى المعصية وفعل
________________________________________
[ 28
]
القبيح
احمرت وجوههم وطالت اعناقهم وتخازرت اعينهم وقالوا مبتدع رافضي يسب الصحابة ويشتم
السلف فان قالوا انما اتبعنا في ذكر معاصي الأنبياء نصوص الكتاب قيل لهم فاتبعوا في
البراءة من جميع العصاة نصوص الكتاب فانه تعالى قال لا تجد قوما " يؤمنون بالله
واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله وقال فان بغت احديهما على الأخرى فقاتلوا
التى تبغى حتى تفئ إلى امر الله وقال اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الأمر منكم
ثم يسألون عن بيعة على " ع " هل هي صحيحة لازمة لكل الناس فلابد من ان يقولوا بلى
فيقال لهم فإذا خرج على الإمام الحق خارج اليس يجب على المسلمين قتاله حتى يعود إلى
الطاعة فهل يكون هذا القتال الا البراءة التى نذكر هنا لانه لا فرق بين الأمرين
وانما برئنا منهم لأنا لسنا في زمانهم فيمكننا ان نقاتل بايدينا فقصارى امرنا ان
نبرأ الآن منهم ونلعنهم ويكون ذلك عوضا " عن القتال الذى لا سبيل لنا إليه قال هذا
المتكلم على ان النظام واصحابه ذهبوا إلى انه لا حجة في الأجماع وأنه يجوز ان تجمع
الأمة على الخطأ وعلى المعصية وعلى الفسق بل على الردة وله كتاب موضوع في الأجماع
بطعن فيه في ادلة الفقهاء ويقول انها الفاظ غير صريحة في كون الأجماع حجة نحو قوله
تعالى جعلناكم امة وسطا " وقوله تعالى كنتم خير امة وقوله تعالى ويتبع غير سبيل
المؤمنين. واما الخبر الذى صورته لا تجتمع امتى على خطأ فخبر واحد ومثل دليل
الفقهاء قولهم ان الهمم المختلفة والآراء المتباينة إذا كان اربابها كثيرة عظيمة
فانه يستحيل اجتماعهم على الخطأ وهذا باطل باليهود والنصارى وغيرهم من فرق الضلال
هذه خلاصة ما ذكره في الرد على ابى المعالى الجوينى وهو كلام إذا تأمله من ليس في
قلبه مرض علم انه اصاب به شاكلة الغرض. وقال السيد على بن طاوس في (الطرايف) من
طريف ما رأيت من مناقضاتهم اننى سمعت جماعة من هؤلاء الأربعة المذاهب ورأيت في
كتبهم انهم
________________________________________
[ 29
]
يستعظمون
ذكر احد من الصحابة بسوء حتى لو علموا ان رجلا ذكر عن ابى بكر وعمر وأمثالهما نقصا
" أو روى لهم عيبا " أو يلعنهم أو غلب على ظنهم ان احدا " ينسب إلى هؤلاء الصحابة
خطيئة فانهم يضللون القائل والناقل والمستمع ويبيح كثير منهم دماء من تعمد ذلك فمن
اعتقادهم في ذلك ما ذكره أبو اسماعيل عبد الله ابن محمد الأنصاري الهروي وهو من
علماء الأربعة للمذاهب في كتاب الأعتقاد ما هذا لفظه ان الصحابة كلهم عدول رجالهم
ونساؤهم. ثم قال عقيب ذلك فمن يتكلم فيهم بتهمة أو تكذيب فقد توثب على الإسلام
بالأبطال ومن ذلك ما ذكره الغزالي في كتاب الأحياء وفى كتاب قواعد العقائد في الأصل
التاسع قال واعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة. قال السيد (ره) هذا ينافض ما
رووه عن نبيهم صلى الله عليه وآله انه قال لعلى " ع " انك تقاتل الناكثين والقاسطين
والمارقين فقاتلهم بامر نبيهم وكانوا من الصحابة وسفكت الدماء بين الفريقيين قال
ومما رأيت من تكذيب هؤلاء الأربعة المذاهب لأنفسهم وذمهم لكثير من صحابة نبيهم جملة
وتفصيلا وشهاداتهم ان نبيهم ذمهم وشهد عليهم بالضلال ما رواه في الجمع بين الصحيحين
للحميدي في مسند سهل ابن سعد في الحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول انا فرطكم على الحوض من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ
ابدا " وليردن على اقوام اعرفهم ويعرفوني ثم يحال بينى وبينهم قال أبو حازم فسمع
النعمان ابن ابى عباس وانا احدثهم هذا الحديث فقال هكذا سمعت سهلا يقول قال فقلت
نعم فقال وانا اشهد على ابى سعيد الخدرى لسمعته يزيد ويقول انهم امتى فيقال انك لا
تدرى ما احدثوا بعدك فاقول سحقا " لمن بدل بعدى ومن ذلك ما رووه في الجمع بين
الصحيحين ايضا " للحميدي في الحديث الستين من المتفق عليه من مسند عبد الله بن عباس
قال ان النبي صلى الله عليه وآله قال الا وانه سيجاء برجال من امتى فيؤخذ بهم ذات
الشمال فاقول يا رب اصحابي اصحابي فيقال انك لا تدرى ما
________________________________________
[ 30
]
احدثوا بعدك
فاقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا " مادمت فيهم إلى قوله العزيز الحكيم
قال فيقال لى انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم ومن ذلك ما رووه ايضا
" في الجمع بين الصحيحين للحميدي في الحديث الحادى والثلاثين بعد المائة من المتفق
عليه من مسند انس بن مالك قال ان النبي صلى الله عليه وآله قال ليردن على الحوض
رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ودفعوا إلى اختلجوا دوني فاقولن أي رب اصحابي
اصحابي فيقالن لى انك لا تدرى ما احدثوا بعدك ومن ذلك ما رووه في الجمع بين
الصحيحين ايضا " للحميدي في الحديث السابع والستين بعد المائتين من المتفق عليه من
مسند أبى هريرة من طرق فمنها عن عطاء بن يسار عن ابى هريرة قال قال النبي صلى الله
عليه وآله بينما انا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل بينى وبينهم فقال هلموا
قلت إلى اين قال إلى النار والله قلت ما شأنهم قال انهم ارتدوا بعدك على ادبارهم
القهقرى ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل بينى وبينهم فقال هلموا قلت إلى اين
فقال إلى النار والله قلت ما شأنهم قال انهم ارتدوا على ادبارهم فلا أرى يخلص منهم
الا مثل همل النعم ورووا نحو ذلك في مسند ام سلمة من عدة طرق ومن مسند عايشة ورووا
نحو ذلك من مسند اسماء بنت ابى بكر ورووا نحو ذلك من مسند سعيد بن المسيب وجميع هذه
الروايات في الجمع بين الصحيحين للحميدي ومن ذلك ما رواه ايضا " الحميدى في الجمع
بين الصحيحين في مسند عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا
فرطكم على الحوض وليدفعن إلى رجال منكم حتى إذا هويت إليهم لأتناولهم اختلجوا دوني
فاقول أي رب اصحابي فيقال انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك ومن ذلك ما رووه في الجمع بين
الصحيحين للحميدي ايضا " في مسند ابى الدرداء في الحديث الأول من صحيح البخاري قالت
أم الدرداء في الحديث الأول دخل أبو الدرداء وهو مغضب فقلت ما اغضبك فقال والله ما
اعرف من امر محمد شيئا الا انهم يصلون جميعا " ومن ذلك ما رووه في الجمع بين
الصحيحين ايضا " في الحديث الأول من صحيح
________________________________________
[ 31
]
البخاري من
مسند انس بن مالك عن الزهري قال دخلت على انس بن مالك بدمشق وهو يبكى فقلت ما يبكيك
فقال لا اعرف شيئا " مما ادركت الا هذه الصلوة وهذه الصلوة قد ضيعت، وفى حديث آخر
منه ما اعرف شيئا " مما كان على عهد رسول الله قبل الصلوة قال اليس صنعتم ما صنعتم
فيها ومن ذلك ما رووه ايضا " في الجمع بين الصحيحين للحميدي ايضا " في الحديث
السادس بعد الثلثمائة من المتفق عليه من مسند ابى هريرة قال عن النبي صلى الله عليه
وآله في اواخر الحديث المذكور ان مثلى كمثل رجل استوقد نارا " فلما اضاءت ما حولها
جعل الفراش وهى الدواب التى يقعن في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن
فيها فذلك مثلى ومثلكم انا آخذ بحجزتكم عن النار فتغلبوني وتقتحمون فيها. قال السيد
" ره " هذه بعض أحاديثهم الصحاح فيما ذكروه عن بعض صحابة نبيهم وما يقع منهم بعد
وفاته فإذا كان شهد نبيهم على جماعة من اصحابه بالضلال والهلاك وانهم ممن كان يحسن
ظنه بهم في حياته ولولا حسن ظنه بهم ما قال أي رب أصحابي ثم يكون ضلالهم قد بلغ إلى
حد لا تقبل شفاعة نبيهم فيهم ويختلجون دونه وتارة يبلغ غضب نبيهم عليهم إلى أن يقول
سحقا " سحقا " وتارة يقول انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم وتارة يشهد عليهم أبو
الدرداء وأنس ابن مالك وهما من اعيان الصحابة عندهم بانه ما بقى من شريعة محمد صلى
الله عليه وآله الا الأجتماع في الصلوة ثم يقول أنس قد ضيعوا الصلوة وتارة يشهد على
قوم من اصحابه يشفق عليه ويأخذ بحجزتهم عن النار وينهاهم مرارا " بلسان الحال
والمقال فيغلبونه ويسسقطون فيها وقد تضمن كتابهم وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن
اهل المدينة مردوا على النفاق لا نعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين فكيف ينبغى ان
يجوز لمسلم ان يرد شهادة الله وشهادة رسوله بضلال كثير من صحابة نبيهم وهل يرد ذلك
من المسلمين الا ممن هو شاك في قول الله تعالى وقول النبي أو مكابر للعيان وكيف
يلام أو يذم من صدق الله ورسوله في ذم بعض اصحابه أو اعتقاد
________________________________________
[ 32
]
ضلاله وكيف
استحسنوا لأنفسهم ان يرووا مثل هذه الأخبار الصحاح ثم ينكروا على الفرقة المعروفة
بالرافضة ما اقروا لهم باعظم منه وزكوهم فيه وكيف يرغب ذو بصيرة في اتباع هؤلاء
الأربعة المذاهب وقد بلغوا إلى هذه الغايات من المناقضات واضطراب المقالات
والروايات. المقدمة الثالثة في تقسيم الصحابي بحسب الرد والقبول إلى مردود ومقبول
اعلم: ان الصحابي لا يخلو من ان يكون اسلامه مسبوقا " بكفر كما هو غالب الوقوع أو
لم يكن مسبوقا " بكفر بل نشأ على الفطرة الإسلامية وهو قليل كأمير المؤمنين عليه
السلام والسبطين من المقبولين وعبد الله بن الزبير من المردودين وكل من القسمين اما
ان يكون كثير الصحبة والملازمة للنبى صلى الله عليه وآله اولا فان كان كثير الصحبة
فلا يخلو من أن يكون سمع النص الجلى في شأن أمير المؤمنين أو لم يسمع والذى سمع لا
يخلو من أن يكون عمل بمقتضى النص ولم يخالف كالمقداد وسلمان وابى ذر (رض) أو لم
يعلم والأول مقبول قطعا " والثانى أما أن يكون عدم علمه بمقتضى النص عنادا
واستكبارا " أو أكراها " وإجبارا " الأول ان كان مسلما " فطريا " فهو عند بعض
الشيعة مرتد فطرى لا تقبل له توبة ولا تغفر له حوبة وأن لم يكن مسلما " فطريا " فان
استبصر ثانيا " ورجع إلى العمل بمقتضى النص فهو مقبول والا كان مرتدا " غير فطرى
وكان مردودا " وتقبل توبته ثانيا " ومن ترك العمل بمقتضى النص عن اكراه مقبول مع
تحقق شرائط العدالة فيه والذى لم يسمع النص لا يخلو من أن يكون اعتمد على دليل آخر
غير النص في أن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله هو أمير المؤمنين " ع " من
غير فصل وأعتقد ذلك أعتقادا جزما " ولم تعترضه شبهة يجوز معها صحة خلافة غيره
ومتابعته أو لم يعتقد ذلك بل كان صاحب شبهة
________________________________________
[ 33
]
والأول أما
لم يعدل عن أمير المؤمنين " ع " أو عدل وعدوله أما عن أكراه وأجبار أو عن عناد
واصرار القسمان الأولان مقبولان والثالث ان لم يكن مسلما " فطريا " ورجع كان مقبولا
والا فمردود والثانى اعني الذى لم يعتقد تعيين أمير المؤمنين " ع " للخلافة
واختلجته شبهة في ذلك أما أن يكون نجا من أسر شبهته أو أستمر في عمهه وحيرته الأول
مقبول والثانى عند بعض علمائنا معذور وقيل لا يعذر ويحكم عليه بالفسق لأن هذا
المطلب ضروري والشبهة فيه تضمحل بادنى توجه فلا تسمع دعوى استمرار الشبهة فيه إلا
ان يكون المدعى لذلك بليدا " وعن مرتبة قابلية الخطاب ساقطا " بعيدا " وفى الجملة
لا يحكم على هذا القسم بالكفر والأرتداد بل هو أما فاسق أو على ظاهر العدالة والقسم
الثاني من التقسيم الأول اعني الذى لم يكن كثير الصحبة للنبى صلى الله عليه وآله
ولم يسمع النص منه في الخلافة أما أن يكون عالما " بالنص من طريق آخر اولا والأول
أن عمل بمقتضى علمه فهو مقبول وأن لم يعمل فان كان عدم علمه عن عناد وكان مسلما "
فطريا " كان مرتدا " لا تقبل توبته والا كان مقبولا ان تاب وان كان عن أكراه وأجبار
كان مقبولا والثانى اعني من لم يكن عالما " بثبوت النص مطلقا " يجرى فيه بعض
التقسيمات السابقة فيقسم إلى مردود ومقبول كما علمت والمقصود بايراد هذه المقدمة
دفع ما توهمته العامة وتقرر في أوهامها من أن الشيعة يكفرون جميع الصحابة أو أكثرهم
وليس كذلك وكيف وهذا أفضل المحققين من الشيعة نصير الدين الطوسى يقول في كتابه
المسمى بالتجريد محاربو على " ع " كفرة ومخالفوه فسقة ومن المعلوم ان أكثر الصحابة
لم يحاربوا عليا " " ع " ولكنهم خالفوه بدفع النص. وقال العلامة الحلى (ره) في شرح
التجريد والمحارب لعلى " ع " كافر لقول النبي صلى الله عليه وآله حربك يا على حربى
ولا شك في كفر من حارب النبي صلى الله عليه وآله وأما مخالفوه فقد اختلف قول
علمائنا فيهم فمنهم من حكم بكفرهم لأنهم دفعوا
________________________________________
[ 34
]
ما علم
ثبوته من الدين ضرورة وهو النص الجلى الدال على امامته " ع " مع تواتره وذهب آخرون
إلى انهم فسقة وهو الأقوى انتهى واستبعدت العامة أن يجتمع جمهور الصحابة على الفسق
والضلال بل رأوا أن ذلك من المحال وأى استبعاد في ذلك وهؤلاء أصحاب موسى نبى الله "
ع " وهم ستمائة ألف انسان وقد شاهدوا الآيات والمعجزات وعرفوا الحجج والبينات لم
يستحل عليهم أن يجتمعوا على خلاف نبيهم " ع " وهو حى بين اظهرهم حتى خالفوا خليفته
وهو يدعوهم ويعظهم ويحذرهم من الخلاف وينذرهم فلا يصغون إلى شئ من قوله ويعكفون على
عبادة العجل من دون الله عزوجل. ثم قد تضافرت الأخبار عن أمير المؤمنين " ع " في
التظلم من قريش والعرب الذين هم الصحابة من وجوه ليس لأنكارها سبيل وهو " ع " أجل
من أن يقول غير الحق وكفاك بخطبته المشهورة المعروفة بالشقشقية تظلما وتألما وشكوى
وهى قوله " ع " أما والله لقد تقصها ابن ابى قحافة وأنه ليعلم أن محلى منها محل
القطب من الرحى ينحدر عنى السيل ولا يرقى إلى الطير فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها
كشحا وطفقت أرتأى بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير
ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا احجى
فصبرت وفى العين قذى وفى الحلق شجى أرى ترائى نهبا حتى مضى الأول لسبيله فادلى بها
إلى ابن الخطاب بعده ثم تمثل بقول الأعشى: (شتان ما يومى على كورها) (ويوم حيان أخى
جابر) فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا
ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسها ويكثر العثار فيها والأعتذار
منها فصاحبها كراكب الصعبة أن أشنق لها خرم وأن أسلس لها تقحم في الناس لعمر الله
بخبط وشماس وتلون واعتراض فصبرت على طولة المدة
________________________________________
[ 35
]
وشدة المحنة
حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم انى أحدهم فيالله وللشورى متى أعترض الريب
في مع الأول منهم حتى صرت افرن إلى هذه النظائر لكنى أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا
فصغى منهم رجل لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه
بين نئيله ومعتلفه وقام معه بنو ابيه يخضمون مال الله خضم الأبل نبتة الربيع إلى أن
أنتكث عليه فتله وأجهز عمله وكبت به بطنته فما راعني إلا والناس كعرف الضبع ينئالون
على من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاى مجتمعين حولي كربيضة الغنم فلما نهضت
بالأمر نكثت طائفة ومرقت اخرى وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول تلك
الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا " والعاقبة للمتقين
بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها أما والذى
فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله
تعالى على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم وسغب مظلوم لا لقيت حبلها على غاربها
وسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز قالوا: وقام
إليه رجل من السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتابا " فاقبل ينظر
فيه فلما فرغ من قراءته قال له ابن عباس لو أطردت مقالتك من حيث أفضيت فقال " ع "
هيهات يابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرت قال ابن عباس فوالله ما أسفت على كلام قط
كاسفى على ذلك الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين " ع " بلغ منه حيث أراد. قال
العلامة الحلى رحمه الله في كتاب نهج الحق هذا يدل بصريحه على تألم أمير المومنين "
ع " وتظلمه من هؤلاء الصحابة وأن المستحق للخلافة هو وأنهم منصره عنها ومن الممتنع
أدعاؤه الكذب في هذا المقام وقد شهد الله تعالى له بالطهارة وإذهاب الرجس عنه وجعله
وليا " لنا في قوله تعالى انما وليكم الله ورسوله
________________________________________
[ 36
]
وامر النبي
صلى الله عليه وآله بالأستعانة به في دعاء المباهلة فوجب أن يكون محقا " في أقواله.
وقال ابن أبى الحديد في شرح النهج وأما قول ابن عباس ما آسفت على كلام إلى آخره
فحدثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي قال قرأت على الشيخ ابى محمد عبد الله
بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة فلما انتهيت إلى هذا الموضع قال لى لو سمعت
ابن عباس يقول هذا لقلت له وهل بقى في نفس ابن عمك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة
لتأسف أن لا يكون بلغ من كلامه ما أراد والله ما رجع عن الأولين ولا عن الآخرين ولا
بقى في نفسه أحد لم يذكره الا رسول الله صلى الله عليه وآله. قال مصدق وكان ابن
الخشاب صاحب دعابة وهزل قال فقلت له أتقول أنها منحولة فقال لا والله وأنى لأعلم
أنها كلامه " ع " كما أعلم انك مصدق قال فقلت له أن كثيرا " من الناس يقولون أنها
من كلام الرضى فقال لى انى للرضى وغير الرضى هذا النفس وهذا الأسلوب وقد وقفنا على
رسائل الرضى وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنشور وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا
خمر ثم قال والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب قد صنفت قبل أن يحلق الرضى بمائتي
سنة ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هي من العلماء قبل أن يخلق
النقيب أبو أحمد والد الرضى. قال ابن أبى الحديد وقد وجدت أنا هذه الخطبة في تصانيف
شيخنا أبى القاسم البلخى إمام البغداديين من المعتزلة وكان في دولة المقتدر قبل أن
يخلق الرضى بمدة طويلة ووجدت أيضا " كثيرا " منها في كتاب أبى جعفر بن قبة أحد
متكلمي الإمامية في الكتاب المعروف بكتاب الإنصاف كان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ
أبى القاسم البلخى ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضى موجودا " وقال الشيخ بن
ميثم وقد وجدتها بنسخة عليها خط الوزير أبى الحسن على
________________________________________
[ 37
]
ابن محمد بن
الفرات وكان وزير المقتدر بالله وذلك قبل مولد الرضى بنيف وستين سنة. قال المؤلف
وقد روى هذه الخطبة الحسن بن عبد الله بن مسعود العسكري من أهل السنة في كتاب معاني
الأخبار بأسناده عن ابن عباس ولكن العامة لما لم يمكنهم الجواب عما تضمنته هذه
الخطبة من القدح الصريح في أنمتهم لم يجدوا لهم مفرا الا أدعاء إنها منحولة: وهبني
قلت هذا الصبح ليل * أيعمى العالمون عن الضياء قال ابن أبى الحديد راويا في شرح
النهج مرفوعا " قال: قال له قائل يا أمير المؤمنين أرأيت لو كان رسول الله صلى الله
عليه وآله ترك ولدا " ذكرا " قد بلغ الحلم وانس منه الرشدا كانت العرب تسلم إليه
امرها ؟ قال لا بل كانت تقتله أن لم يفعل ما فعلت أن العرب كرهت امر محمد صلى الله
عليه وآله وحسدته على ما أتاه الله من فضله واستطالت ايامه حتى قذفت زوجته ونفرت به
ناقته مع عظيم أحسانه إليها وجسيم منته عندها وأجمعت مذكان حيا " على صرف الأمر عن
أهل بيته بعد موته ولولا أن قريشا " جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة وسلما إلى العز
والامرة لما عبدت الله بعد موته يوما " واحدا " ولارتدت في حافرتها وعاد قارحها
جذعا " وبازلها بكرا " ثم فتح الله الفتوح فأثرت بعد الفاقه وتمولت بعد الجهد
والمخمصة فحس في عيونها من الإسلام ما كان سمجا وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما
كان مضطربا وقالت لولا أنه حق لما كان كذا ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن
تدبير الأمراء القائمين بها فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين فكنا نحن ممن
خمل ذكره وخبت ناره وانقطع صوته وصيته واكل الدهر علينا وشرب ومضت السنون والأحقاب
بما فيها ومات كثير ممن يعرف ونشأ كثير ممن لا يعرف وما عسى أن يكون الولد لو كان
رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقربني ما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة بل
للجهاد والنصيحة افتراه لو كان له ولد يفعل ما فعلت كذلك لم يكن يقرب ما قربت ثم لم
يكن ذلك عند قريش والعرب سببا " للحظوة
________________________________________
[ 38
]
والمنزلة بل
للحرمان والجفوة اللهم انك تعلم أنى لم أرد الأمرة ولا علو الملك والرياسة وإنما
أردت القيام بحدودك والأداء لشرعك ووضع الامور في مواضعها وتوفير الحقوق على أهلها
والمضى على منهاج نبيك وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك وروى عنه " ع " أيضا " أنه
قال اللهم انى أستعديك على قريس فأنهم أضمروا لرسول الله ضروبا " من الشر والغدر
فعجزوا عنها وحلت بينهم وبينها فكانت الوجبة بى والدائرة على اللهم أحفظ حسنا "
وحسينا " ولا نمكن فجرة قريش منهما ما دمت حيا فإذا توفيتنى فأنت الرقيب عليهم وأنت
على كل شئ شهيد. وروى أنه قال أما والله الذى خلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي
الأمي إلى أن الأمة ستغدر بك من بعدى وقال " ع " قال لى رسول الله صلى الله عليه
وآله أن أجتمعوا عليك فأضنع ما أمرتك وإلا فألصق كلكلك بالأرض فلما تفرقوا عنى جررت
على المكروه ذيلي وأغضيت على القذى جفنى والصقت بالأرض كلكلى ومثل هذه الأخبار عنه
كثيرة شهيرة وقد بلغت من الكثرة والشهرة بحيث لا يمكن أن تكون بأسرها كذبا بل لابد
وأن يصدق شئ منها وأيها صدقت ثبتت فيه الشكاية ممن منعه الخلافة ولا ريب في أن
جمهور الصحابة كانوا بين سانع ودافع وأما الذين كانوا معه " ع " فقيل أنهم لم
يبلغوا الأربعين حتى روى عنه أنه قال لو وجدت أربعين رجلا لقاتلهم وقيل بل كانوا
سبعمائة من أكابر الصحابة كلهم يريد امامته حامل له على الطلب وهذا ان صح فالمانع
له عن الطلب وقتال القوم أما علمه بأنهم لا يثبتون معه حينئذ أو أتقاء الفتنة في
زمان عدم استقرار الدين وخشية ارتداد القوم وزوال الإسلام كما روى أن فاطمة " ع "
لامته على قعوده وأطالت تعنيفه وهو ساكت حتى أذن المؤذن فلما بلغ إلى قوله أشهد أن
محمدا " رسول الله قال لها أتحبين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا ؟ قالت لا قال فهو
ما أقول لك.
________________________________________
[ 39
]
المقدمة
الرابعة اعلم أن كثيرا " من الصحابة رجع إلى أمير المؤمنين " ع " وظهر له الحق بعد
أن عانده وتزلزل بعضهم في خلافة أبى بكر وبعضهم في خلافته " ع " وليس إلى استقصائهم
جميعا " سبيل وقد اتفقت نقلة الأخبار على أن أكثر الصحابة كانوا معه " ع " في
حروبه. قال المسعودي في مروج الذهب كان ممن شهد صفين مع على " ع " من أصحاب بدر
سبعة وثمانون رجلا منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الأنصار وشهد معه ممن بايع
تحت الشجرة وهى بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار ومن سائر الصحابة تسعمائة وكان
جميع من شهد معه من الصحابة الفين وثمانمائة. وحكى المسعودي أيضا " عن المنذر بن
الجارود قال لما قدم على " ع " البصرة دخل مما يلى الطف فاتى الزاوية فخرجت لانظر
إليه فوردمعه موكب في نحو الف فارس يقدمهم فارس على فرس أشقر قلت من هذا ؟ قالوا:
خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ثم تلاه فارس آخر على كميت معتم بعمامة صفراء من تحتها
قلنسوة بيضاء وعليه قباء أبيض أشهب عليه قلنسوة وثياب بيض متقلدا " سيفا " معه راية
وإذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة مدججين في الحديد والسلاح فقلت من
هذا فقالوا هذا أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وهؤلاء
الأنصار وغيرهم ثم تلاه فارس آخر عليه عمامة صفراء وثياب بيض متقلدا " سيفا "
متنكبا " قوسا " معه راية على فرس أشقر في نحو الف فارس من الناس قلت من هذا ؟ قيل:
أبو قتادة ابن ربعى ثم مر بنا فارس آخر على فرس أبيض عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد
سدلها من بين يديه ومن خلفه شديد الأدمة عليه سكينة ووقار رافعا " صوته
________________________________________
[ 40
]
بالقرآن
متقلدا " سيفا " متنكبا " قوسا معه راية في الف من الناس مختلفى التيجان حوله مشيخة
وكهول وشبان كأنما أوقفوا للحساب وأثر السجود في وجوههم قلت من هذا ؟ قيل: عمار بن
ياسر في عدة من الصحابة من المهاجرين والأنصار وابنائهم ثم مر بنا فارس على فرس
أشقر عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء متقلدا " سيفا متنكبا قوسا " تخط
رجلاه الأرض في آلاف من الناس الغالب على ثيابهم الصفرة والبياض معه راية صفراء قلت
من هذا ؟ قيل: قيس بن سعد بن عبادة في عدة من الأنصار وأبنائهم من قحطان ثم مر بنا
فارس على فرس أشهل ما رأينا أحسن منه عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها من بين
يديه ومن خلفه قلت من هذا ؟ قيل: عبد الله بن عباس في عدة من صحابة رسول الله صلى
الله عليه وآله ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأول قلت من هذا ؟ قيل: قثم
بن العباس ثم أقبلت المواكب والرايات يقفوا بعضها بعضا " واشتبكت الرماح ثم ورد
موكب فيه خلق من الناس عليهم السلاح والحديد مختلفى الرايات في أوله راية كبيرة
يقدم ذلك الموكب فارس كأنه كسر وجبر (قال ابن عائشة وهذه صفة رجل شديد الساعدين
نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء كذلك نخبر العرب في وصفها إذا أخبرت عن
الرجل إنه كسر وجبر) عن يمينه شاب حسن الوجه وعن يساره شاب كذلك وبين يديه شاب
مثلهما قلت من هؤلاء ؟ قالوا: هذا على بن أبى طالب " ع " وهذان الحسن والحسين عن
يمينه وشماله وهذا محمد بن الحنفية بين يديه ومعه الراية العظمى وخلفه عبد الله ابن
جعفر بن أبى طالب وهؤلاء ولد عقيل وغيرهم من فتيان بنى هاشم وهؤلاء المشايخ من أهل
بدر من المهاجرين والأنصار فسار حتى نزل المنزل المعروف بالزاوية وصلى أربع ركعات
وعفر خديه على التراب وقد خالط ذلك دموعه ثم رفع يديه وقال اللهم رب السماوات وما
أظلت والأرضين وما أقلت ورب العرش العظيم هذه البصرة اسألك خيرها وخير ما فيها
وأعوذ بك من شرها
________________________________________
[ 41
]
اللهم
أنزلنا منزلا مباركا " وأنت خير المنزلين اللهم أن هؤلاء قد بغوا على وخالفوا طاعتي
ونكثوا بيعتى اللهم أحقن دماء المسلمين وبعث إليهم من يناشدهم الله في الدماء وقال
" ع " على م تقاتلونني فأبو إلا الحرب. قال المؤلف عفى عنه وهذا حين نذكر من أكابر
الصحابة وأعيانهم من ثبت عندنا ولاؤه وأخلاصه لامير المؤمنين وسيد الوصيين صلى الله
عليه وآله وقد رتبنا هذه الطبقة على بابين. الباب الاول في بنى هاشم وساداتهم من
الصحابة العلية، والشيعة العلوية أبو طالب بن عبد المطلب وأسمه شيبة الحمد بن هاشم
واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة ابن قصى بن كلاب بن لوى بن غالب بن فهر بن
مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن
عدنان، اشتهر بكنيته وأسمه عمران وقيل عبد مناف وقيل شيبة وهو عم النبي صلى الله
عليه وآله وكافله ومربيه وناصره وأمه فاطمة بنت عمرو ابن عائد المخزومية ولد قبل
النبي صلى الله عليه وآله بخمس وثلاثين سنة وكان سيد البطحاء وشيخ قريش ورئيس مكة
قالوا ولم يسد في قريش فقير قط الا أبو طالب وعتبة بن ربيعة هذا لشرفه وهذا لصدقه
وإنما كانت قريش تسود بالمال، ولما مات عبد المطلب اوصى بالنبي صلى الله عليه وآله
إليه فقال: أوصيك يا عبد مناف بعدى * بواحد بعد أبيه فرد فارقه وهو ضجيع المهد *
فكنت كالأم له في الوجد وفى أبيات أخر فيه تصريح بأن أسم أبى طالب عبد مناف فكفل
أبو طالب النبي صلى الله عليه وآله وأحسن تربيته وسافر به إلى الشام وهو ابن اثنتى
عشرة سنة وقيل تسع سنين والأول أكثر يحبه حبا " شديدا " لا يحب أولاده كذلك وكان لا
ينام الا
________________________________________
[ 42
]
إلى جنبه
ويخرجه معه متى خرج. قرأت في أمالى أبى جعفر محمد بن حبيب قال كان أبو طالب إذا رأى
رسول الله صلى الله عليه وآله أحيانا يبكى ويقول إذا رأيته ذكرت أخى وكان عبد الله
أخاه لأبويه وكان شديد الحب له والحنو عليه وكذلك كان عبد المطلب شديد الحب له وكان
أبو طالب كثيرا " ما يخاف على رسول الله صلى الله عليه وآله البيات إذا عرف مضجعه
وكان يقيمه ليلا من منامه ويضجع عليا " ع " مكانه فقال له على " ع " ليلة يا أبه
أنى مقتول فقال: إصبرن يا بنى فالصبر احجى * كل حى مصيره لشعوب قد بذلاك والبلاء
شديد * لفداء الحبيب وابن الحبيب لفداء الأغر ذى الحسب الثاقب * والباع والكريم
النجيب أن تصبك المنون فالنبل تترى * فمصيب منها وغير مصيب كل حى وأن تملى بعمر *
آخذ من مذاقها بنصيب فقال على عليه السلام مجيبا " له: أتأمرني بالصبر في نصر أحمد
* ووالله ما قلت الذى قلت جازعا ولكننى أحببت أن تر نصرتي * وتعلم أنى لم أزل لك
طائعا سأسعى لوجه الله في نصر أحمد * نبى الهدى المحمود طفلا ويافعا أخرج ابن عساكر
عن جلهمة بن عرفة قال قدمت مكة وهم في قحط فقالت قريش يا أبا طالب أقحط الوادي
وأجدب العيال فهلم لنتسقى فخرج أبو طالب ومعه غلام كان وجهه شمس دجى تجلت عنه سحابة
قتماء وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب فالصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام باصبعه وما في
السماء قزعه فاقبل السحاب من ههنا وههنا وأغدق وأنفجر الوادي وأخصب النادى والبادى
وفى ذلك يقول أبو طالب " ع ": وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة
للأرامل
________________________________________
[ 43
]
تطوف به
الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل ولما أمر الله سبحانه رسوله صلى الله
عليه وآله أن يصدع بما أمر به فقام بأظهار دين الله ودعا الناس إلى الإسلام على
رؤوس الأشهاد وذكر آلهة قريش وعابها أعضمت ذلك قريش وأنكروه وأجمعوا على عداوته
وخلافه وارادوا به السوء فقام أبو طالب " ع " بنصرته ومنعه منهم وذب عنه من عاداه
وحال بينه وبين كفار قريش محاماة أبى طالب عنه وقيامه دونه وأمتناعه من أن يسلمه
مشى إليه رجال من أشراف قريش منهم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وأبو سفيان صخر ابن حرب
وأبو البخترى بن هشام والأسود بن المطلب والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام
والعاص بن وائل ونبيه ومنبه أبنا الحجاج وأمثالهم من رؤساء قريش فقالوا له يا أبا
طالب أن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آراءنا فأما أن تكفه
عنا وأما أن تخلى بيننا وبينه فقال لهم أبو طالب قولا " رفيقا " وردهم ردا " جميلا
فانصرفوا عنه ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله على ما هو عليه يظهر دين الله
ويذعوا إليه فوقع التضاغن في قلوبهم حتى أكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه
وآله بينها وتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا " عليه فمشوا إلى أبى طالب مرة ثانية
فقالوا يا أبا طالب أن لك سنا " وشرفا " ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك من إبن أخيك
فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا فأما
أن تكفه عنا أو ننازله وإياك حتى يهلك أحد الفريقين ثم أنصرفوا فعظم على أبى طالب
فراق قومه وعداوتهم ولم تطب نفسه بإسلام إبن اخيه لهم ولا خذلانه فبعث إليه فقال له
يابن اخى ان قومك قد جائوني فقالوا لى كذا وكذا فابق على وعلى نفسك ولا تحملني من
الأمر ما لا اطيقه قال فظن رسول الله انه قد بدا لعمه فيه بداء وانه خاذله ومسلمه
وانه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه فقال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يمينى
والقمر في شمالى علي ان اترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه ثم
استعبر
________________________________________
[ 44
]
باكيا "
وقام وولى فلما ولى ناداه أبو طالب اقبل يا ابن اخى فأقبل راجعا " فقال له اذهب
يابن أخى فقل ما أحببت فوالله لا اسلمك لشئ ابدا وقال أبو طالب " ع " يذكر ما
اجتمعت عليه قريش من حربه لما قام بنصر محمد صلى الله عليه وآله: والله لن يصلوا
اليك بجمعهم * حتى اوسد في التراب دفينا فأنفذ لأمرك ما عليك مخافة * وابشر وقر
بذاك منك عيونا ودعوتني وزعمت انك ناصحى * ولقد صدقت وكنت قبل امينا وعرضت دينا قد
علمت بأنه * من خير أديان البرية دينا " لولا الملامة أو حذارى سبة * لوجدتني سمحا
" بذاك مبينا قال بعض علمائنا اتفق على نقل الأبيات الأربعة قيل البيت الخامس مقاتل
والثعلبي وابن عباس والقاسم وابن دينار وزاد أهل الزبغ والضلال البيت الخامس ظلما "
وزورا " إذ لم يكن في جملة ابياته مسطورا " ولم ينتبهوا للتناقص الذى فيه ومنافاته
باقى الأبيات انتهى قلت: وزيادة البيت لا تنافى إسلامه رضى الله عنه لأن مفهومه
لولا حذار الشغب من قريش وخوف الفتنة التى توجب المسبة عندهم لأظهرت ما تدعوني إليه
وبينته على رؤوس الأشهاد وهذا لا ينافى اسلامه باطنا " واعتقاده الحق كما دل عليه
سائر الأبيات وغيره من شعره ثم ان قريشا " حين عرفت ان ابا طالب قد ابى خذلان رسول
الله صلى الله عليه وآله واسلامه إليهم وراوا اجماعه على مفارقتهم وعداوتهم مشوا
إليه بعمارة ابن الوليد بن المغيرة المخزومى وكان اجمل فتى في قريش فقالوا له يا
أبا طالب هذا عمارة بن الوليد ابهى فتى في قريش واجمله فخذه اليك فأتخذه ولدا " فهو
لك وسلم لنا هذا ابن اخيك الذى خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك لنقتله فأنما
هو رجل برجل فقال أبو طالب " ع " والله ما انصفتموني تعطوني ابنكم اغذوه لكم
واعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا يكون ابدا " فقال له مطعم ابن عدى بن نوفل
وكان له صديقا " مصافيا " والله يا ابا طالب ما أراك تريد ان تقبل من قومك شيئا "
لعمري
________________________________________
[ 45
]
لقد جهدوا
في التخلص مما تكره واراك لا تتصفهم فقال أبو طالب " ع " ما أنصفوني ولا انصفتني
ولكنك قد اجمعت على خذلاني ومظاهرة القوم على فاصنع ما بدا لك، قال فعند ذلك تنابذ
القوم وثارت الأحقاد ونادى بعضهم بعضا " وتذمروا بينهم على من في القبائل من
المسلمين الذين اتبعوا محمدا " صلى الله عليه وآله فوثبت كل قبيلة على من فيها منهم
يعذبونهم ويفتنونهم في دينهم ومنع الله تعالى رسوله منهم بعمه أبى طالب وقام في بنى
هاشم وبنى المطلب حين رأى قريشا " تصنع ما تصنع فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول
الله صلى الله عليه وآله والقيام دونه فأجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما
دعاهم إليه من الدفاع عن رسول الله الا ما كان من أبى لهب فأنه لم يجتمع معهم على
ذلك، قيل ولم يؤثر عن أبى لهب خير قط الا ما روى أن أبا سلمة ابن عبد الأسد
المخزومى لما وثب عليه قومه ليعذبونه ويفتنونه عن الإسلام هرب منهم واستجار بأبى
طالب " ع " وام ابى طالب مخزومية وهى ام عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه
وآله فأجاره فمشى إليه رجال من بنى مخزوم وقالوا يا ابا طالب هبك منعت منا ابن اخيك
محمد فمالك ولصاحبنا تمنعه منا قال انه استجار بى وهو ابن اختى وان أنا لم امنع ابن
اختى لم امنع ابن اخى فأرتفعت اصواتهم وصوته فقام أبو لهب ولم ينصر ابا طالب قبلها
ولا بعدها فقال يا معشر قريش والله لقد اكثرتم على هذا الشيخ لا تزالون تتوثبون
عليه في جواره من بين قومه اما والله لتنتهن عنه أو لنقومن معه فبما قام فيه حتى
يبلغ ما اراد فقالوا بل ننصرف عما تكره يا ابا عتبه فقاموا فانصرفوا وكان وليا "
لهم ومعينا على رسول الله صلى الله عليه وآله وابى طالب فأتقوه وخافوا ان تحمله
الحمية على الإسلام. ثم لما رات قريش إلى انها لا تصل إلى محمد صلى الله عليه وآله
لقيام ابى طالب " ع " دونه اجمعت على ان تكتب بينها وبين بنى هاشم صحيفه يتعاقدون
فيها ان لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم فكتبوها وعلقوها في جوف الكعبة
تأكيدا " على انفسهم وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار
________________________________________
[ 46
]
ابن قصى
فلما فعلوا ذلك انحازت بنو هاشم والمطلب فدخلوا كلهم مع ابى طالب في الشعب فأجتمعوا
إليه وخرج منهم أبو لهب إلى قريش فظاهرها على قومه فضاق الأمر ببنى هاشم وعدموا
القوت الا ما كان يحمل إليهم سرا " وخفية وهو شئ قليل لا يسد ارماقهم واخافتهم قريش
فلم يكن يظهر منهم احد ولا يدخل إليهم احد وذلك اشد ما لقى رسول الله صلى الله عليه
وآله واهل بيته بمكة فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا " حتى جهدوا لا يصل إليهم شئ
الا القليل سرا " ممن يريد صلتهم من قريش وكان أبو جهل بن هشام لقى حكيم بن حزام بن
خويلد بن اسد بن عبد العزى معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد وهى
عند رسول الله صلى الله عليه وآله محاصرة في الشعب فتعلق به وقال اتحمل الطعام إلى
بنى هاشم والله لا تبحرح انت وطعامك حتى افضحك بمكة فجاءه أبو البخترى العاص بن
هشام بن الحرث بن اسد بن عبد العزى فقال مالك وله فقال انه يحمل الطعام إلى بنى
هاشم فقال أبو البخترى يا هذا ان طعاما " كان لعمته عنده بعثت إليه فيه افتمنعه ان
يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فأبى أبو جهل حتى نال كل منهما من صاحبه فأخذ له أبو
البخترى لحييى بعير فضربه به فشجه ووطئه وطأة شديدة فانصرف وهو يكره أن يعلم رسول
الله وبنو هاشم بذلك فيشمتوا به وبعث الله تعالى على صحيفتهم الأرضة فأكلتها قيل
إلا أسم الله وأطلع الله رسوله صلى الله عليه وآله على ذلك فذكره رسول الله لعمه
أبى طالب فقال أبو طالب أربك اطلعك على هذا قال نعم قال فوالله ما يدخل عليك أحد
فأنطلق في عصابة من بنى هاشم والمطلب إلى المسجد فلما رأتهم قريش انكروا ذلك وظنوا
انهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا لأبى طالب
قد آن ترجعوا عما احدثتم علينا وعلى انفسكم فقال انما اتيتكم بأمر نصف بيننا وبينكم
ان ابن اخى اخبرني ان هذه الصحيفة التى في ايديكم قد بعث الله عليها دابة فأبقت اسم
الله واكلت غدركم وتظاهركم علينا بالظلم فان كان كما قال فلا والله ما نسلمه حتى
نموت عن آخرنا
________________________________________
[ 47
]
وأن كان
باطلا دفعناه اليكم قالوا قد رضينا ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما اخبر الصادق " ع "
فقالوا هذا سحر ابن اخيك وزادهم ذلك بغيا " وعدوانا فقال أبو طالب يا معشر قريش على
م نحصر ونحبس وقد بان الأمر وقد تبين انكم اولى بالظلم والقطيعة، ثم دخل هو واصحابه
بين استار الكعبة وقال اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع ارحامنا واستحل ما يحرم عليه
منا ثم انصرف إلى الشعب. ولما اراد الله سبحانه ابطال الصحيفة والفرج عن بنى هاشم
من الضيق والذل الذى كانوا فيه قبض هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك
بن حسل ابن عامر بن لوى فقام في ذلك احسن قيام وذلك أن ابا عمرو بن الحارث كان اخا
" لنصلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصى من امه فكان هشام بن عمرو بحسب ذلك واصلا لبنى
هاشم وكان ذا شرف في قومه بنى عامر بن لوى فكان يأتي بالبعير ليلا وقد أو قره طعاما
" وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب حتى إذ اقبل به فم الشعب خلع خطامه من رأسه ثم
يضربه على جنبه فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به مرة اخرى وقد اوقره تمرا " فيصنع به
مثل ذلك ثم أنه مشى إلى زهير بن أبى امية بن المغيرة المخزومى فقال يا زهير ارضيت
أن تأكل الطعام وتشرب الشراب وتلبس الثياب وتنكح النساء واخوالك حيث قد علمت لا
يبتاعون ولا يبتاع منهم ولا ينكحون ولا ينكح إليهم ولا يواصلون ولا يزارون اما انى
احلف لو كان اخوال ابى الحكم بن هشام ودعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما اجابك
ابدا " قال ويحك يا هشام فما ذا اصنع انما أنا رجل واحد والله لو كان معى رجل آخر
لقمت في نقض هذه الصحيفة القاطعة فقال قد وجدت رجلا قال من هو ؟ قال أنا قال زهير
ابغنا ثالثا " فذهب إلى المطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف فقال له يا مطعم ارضيت
ان يهلك بطنان من بنى عبد مناف جوعا " وجهدا " وانت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه
أما والله لئن امكنتموهم من هذا لتجدن قريشا " إلى مساءتكم في غيره سريعة قال ويحك
ماذا أصنع انما أنا رجل واحد قال قد وجدت ثانيا " قال
________________________________________
[ 48
]
أنا ؟ قال
ابغنا ثالثا " قال قد وجدت قال من هو ؟ قال: زهير بن أبى امية قال قال ابغنا رابعا
" فذهب إلى ابى البخترى بن هشام فقال له نحو ما قال لمطعم قال وهل من أحد يعين على
ذلك قال: نعم وذكرهم له قال فأبغنا خامسا " فمضى إلى زمعة ابن الأسود بن المطلب بن
اسد بن ابى العزى فكلمه فقال وهل يعين على ذلك من احد قال نعم ثم سمى له القوم
فأتعدوا حطيم الحجون ليلا بأعلى مكة فأجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة
حتى ينقضوها وقال زهير: أنا ابدءكم واكون أولكم في التكلم فلما أصبحوا غدوا إلى
انديتهم وغدا زهير بن ابى امية عليه حلة فطاف بالبيت سبعا " ثم اقبل على الناس فقال
يا اهل مكة أنأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى والله لا أقعد
حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة وكان أبو جهل في ناحية المسجد فقال كذبت والله
لا تشق فقال زمعة بن الأسود لابي جهل انت والله كذبت ما رضينا والله بها حين كتبت
فقال أبو البخترى معه صدق والله زمعة لا نرضى بها ولا نقر بما كتب فيها فقال مطعم
بن عدى صدقا والله وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها وقال هشام
بن عمرو مثل قولهم فقال أبو جهل هذا أمر قضى بليل وقام مطعم بن عدى إلى الصحيفة
فحطها وشقها فوجد الأرضة قد اكلتها إلا ما كان من بأسمك اللهم قالوا واما كاتبها
منصور بن عكرمة فشلت يده فيما يذكرون فلما مزقت الصحيفة خرج بنو هاشم من حصار الشعب
فلم يزل أبو طالب " ع " ثابتا " صابرا " مستمرا " على نصرة رسول الله وحمايته
والقيام دونه حتى مات. واعلم انه لا خلاف عندنا في إسلام أبى طالب رضى الله عنه
ونقل ابن الأثير في (جامع الأصول) اجماع أهل البيت " ع " على ايمانه وأجماعهم حجة
ووافقنا على ذلك أكثر الزيدية وبعض شيوخ المعتزلة منهم أبو القاسم البلخى وأبو جعفر
الأسكافي وغيرهما ولنا في ايمانه (رض) عنه روايات منها: ما روى عن حماد بن سلة عن
ثابت عن اسحاق بن عبد الله عن العباس بن
________________________________________
[ 49
]
عبد المطلب
(رض) قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله يابن أخى ما ترجو لابي طالب عمك من
الله سبحانه فقال ارجو له رحمة الله من ربى وكل خير. ومنها ما روته العامة ان ابا
بكر جاء بأبيه أبى قحافة إلى النبي صلى الله عليه وآله عام الفتح يقوده وهو شيخ
كبير أعمى فقال رسول الله ألا تركت الشيخ حتى تأتيه فقال اردت يا رسول الله صلى
الله عليه وآله أن يؤجره الله أما والله أما والذى بعثك بالحق نبيا " لأنا كنت أشد
فرحا " بإسلام عمك أبى طالب منى بإسلام أبى لالتمس بذلك قرة عينك قال صدقت. ومنها
ما روى بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب (رض) وبعضها عن أبى بكر بن أبى
قحافة ان أبا طالب " ع " ما مات حتى قال لا اله إلا الله محمد رسول الله. ومنها
الخبر المشهور ان أبا طالب " ع " عند الموت قال كلاما " خفيا " فأصغى إليه أخوه
العباس ثم رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يابن اخى ولقد قالها عمك
ولكنه ضعف عن أن يبلغك صوته. ومنها ما روى عن أمير المؤمنين " ع " أنه قال ما مات
أبو طالب حتى اعطى رسول الله صلى الله عليه وآله من نفسه الرضا. ومنها ما روى عن
أبى عبد الله " ع " جعفر بن محمد الصادق " ع " ان رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: أن أصحاب الكهف أسروا الأيمان وأظهروا الشرك فأتاهم الله أجرهم مرتين وان أبا
طالب " ع " اسر الأيمان وأظهر الشرك فأتاه الله أجره مرتين. ومنها ما روى عن محمد
بن على الباقر " ع " أنه سئل عما يقوله الناس ان أبا طالب " ع " في ضحضاح من النار
فقال " ع " لو وضع ايمان أبى طالب " ع " في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفة
الأخرى لرجح إيمانه ثم قال ألم تعلموا ان أمير المؤمنين " ع " كان يأمر ان يحج عن
عبد الله وأبيه أبى طالب في حياته
________________________________________
[ 50
]
ثم أوصى
وصيته بالحج عنهما. ومنها ما روى عن المفضل بن عمر عن أبى عبد الله عن أبيه عن أمير
المؤمنين " ع " انه كان ذات يوم جالسا " بالرحبة والناس حوله مجتمعون فقام إليه رجل
فقال يا أمير المؤمنين انك بالمكان الذى أنزلك الله عزوجل به وأبوك يعذب بالنار
فقال " ع " صه فض الله فاك والذى بعث محمدا " صلى الله عليه وآله بالحق لو شفع ابى
في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم ابى يعذب بالنار وابنه قسيم الجنة والنار
ثم قال: والذى بعث محمدا " صلى الله عليه وآله ان نور ابى طالب يوم القيامة ليطفى
انوار الخلق إلا خمسة انوار نور محمد صلى الله عليه وآله ونورى ونور فاطمة ونور
الحسن والحسين ومن ولدته من الأئمة لأن نوره من نورنا الذى خلقه الله تعالى من قبل
ان يخلق الله آدم " ع " بألفى عام. ومنها ما روى ان ابان بن محمد كتب إلى ابى الحسن
على بن موسى الرضا " ع " جعلت فداك انى قد شككت في إسلام ابى طالب فكتب " ع " إليه
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى
الآية وبعدها انك ان لم تقر بإيمان أبى طالب " ع " كان مصيرك إلى النار. ومنها ما
روى عن زين العابدين على بن الحسين " ع " انه سئل عن إسلام أبى طالب " ع " فقال " ع
" واعجبا ان الله تعالى نهى رسوله صلى الله عليه وآله ان يقر مسلمة على نكاح كافر
وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ولم تزل تحت أبى طالب " ع " حتى
مات. ومنها رواية عن النبي صلى الله عليه وآله حدث الحسين بن على " ع " عن أبيه قال
سمعت ابا طالب " ع " يقول حدثنى محمد صلى الله عليه وآله ابن اخى قلت له بماذا بعثت
يا محمد قال بصلة الأرحام وأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه احد ومحمد الصادق
الأمين. ومنها ما روى عن عبد الله بن عباس عن أبيه قال قال أبو طالب " ع "
________________________________________
[ 51
]
للنبى صلى
الله عليه وآله يابن الأخ الله ارسلك قال النبي صلى الله عليه وآله نعم قال فارنى
آيته قال ادع لى تلك الشجرة فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم انصرفت فقال أبو
طالب عليه السلام اشهد انك صادق يا على صل جناح ابن عمك. ومنها ما روى عن أبى عبد
الله " ع " قال: ان أبا طالب اسلم بحساب الجمل. وعنه " ع " انه قال اسلم أبو طالب
بحساب الجمل وعقد بيده ثلاثا " وستين قال ابن بابويه في (معاني الأخبار) سئل أبو
القاسم الحسين بن روح عن معنى هذا الخبر فقال عنى بذلك إله احد جواد قال وتفسير ذلك
ان الألف واحد واللام ثلاثون والهاء خمسة والألف واحد والحاء ثمانية والدال اربعة
والجيم ثلاثة والواو ستة والألف واحد والدال اربعة فذلك ثلاثه وستون. ومنها ما رواه
ابن بابويه في (أماليه) بأسناده عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي قال سمعت ابا عبد
الله الصادق " ع " يقول نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وآله فقال يا محمد
ان الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول انى قد حرمت النار على صلب انزلك وبطن حملك
وحجر كفلك فقال صلى الله عليه وآله يا جبرئيل بين لى ذلك فقال اما الصلب الذى انزلك
فعبدالله بن عبد المطلب واما البطن الذى حملك فآمنة بنت وهب، واما الحجر الذى كفلك
فأبو طالب بن عبد المطلب وفاطمة بنت أسد. قالت الإمامية ومما يدل على ايمانه خطبة
النكاح التى خطبها عند نكاح رسول الله صلى الله عليه وآله خديجة بنت خويلد رضى الله
عنها وهى الحمد لله الذى جعلنا من ذرية ابراهيم " ع " وزرع اسماعيل " ع " وجعل لنا
بلدا " حراما " وبيتا " محجوبا " - وروى محجوجا " - وجعلنا الحكام على الناس ثم ان
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله اخى من لا يوازن به فتى من قريش الا رجح عليه
برا " وفضلا وحزما " وعقلا ورأيا " ونبلا وان كان في المال مقلا فانما المال ظل
زائل وعارية مسترجعة وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك وما احببتم من
الصداق فعلى وله والله بعد نبأ شايع وخطب جليل قالوا افتراه يعلم نبأه الشايع وخطبه
الجليل ثم يعانده ويكذبه وهو
________________________________________
[ 52
]
من اولى
الألباب هذا غير سائغ في العقول. قال المؤلف عفى عنه انى لا أكاد أقضى العجب ممن
ينكر ايمان أبى طالب " ع " أو يتوقف فيه واشعاره التى يرويها المخالف والمؤلف صريحة
في صراحة إسلامه واى فرق بين المنظوم والمنثور إذا تضمنا اقرارا " بالإسلام فمن
اشعاره الدالة صريحا " على إسلامه قوله: ألا بلغا عنى على ذات بينها * لويا وخصا من
لوى بنى كعب الم تعلموا انا وجدنا محمدا " * نبيا كموسى خط في اول الكتب وان عليه
في العباد محبة * ولا حيف فيمن خصه الله بالحب وقوله: ترجون منا خطة دون نيلها *
ضراب وطعن بالوشيج المقوم ترجون ان نسخو بقتل محمد * ولم تحتضب سمر العوالي من الدم
كذبتم وبيت الله حتى تفلقوا * جماجم تلقى بالحطيم وزمزم وتقطع ارحام وتنسى خليلة *
خليلا ويغشى محرم بعد محرم على ما مضى من مقتكم وعقوقكم * وغشيانكم في امركم كل
مأثم وظلم نبى جاء يدعوا إلى الهدى * وامرأتى من عند ذى العرش قيم فلا تحسبونا
مسلميه فمثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم وقوله: فلا تسفهوا احلامكم في محمذ * ولا
تتبعوا امر الغواة الأثائم تمنيتم أن تقتلوه وانما * امانيكم هذى كاحلام نائم وانكم
والله لا تقتلونه * ولما تروا قطف اللحى والجماجم زعمتم بانا مسلمون محمدا " * ولما
نقاذف دونه ونراجم من القوم مفضال أتى على العدى * تمكن في الفرعين من آل هاشم امين
حبيب في العباد مسموم * بخاتم رب قاهر في الخواتم
________________________________________
[ 53
]
يرى الناس
برهانا " عليه وهيبة * وما جاهل في قومه مثل عالم وقوله وقد غضب لعثمان بن مظعون
الجمحى حين عذبته قريش ونالت منه امن تذكر دهر غير مأمون * أصبحت مكتئيا " تبكى
لمحزون امن تذكر أقوام ذوى سفه * يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين الا ترون اذل الله
جمعكم * انا غضبنا لعثمان بن مظغون ونمنع الضبم من يبغى مضيمتنا * بكل مطرد في الكف
مسنون حتى تقر رجال لا حلوم لها * بعد الصعوبة بالأسماح واللين أو تؤمنوا بكتاب
منزل عجب * على نبى كموسى أو كذى النون وقد جاء في الخبر ان ابا جهل بن هشام جاء
مرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ساجد وقد أخذ بيده حجرا " يريد ان يرضخ
به رأسه فلصق الحجر بيده فلم يستطع ما اراد فقال أبو طالب " ع " في ذلك من أبيات:
أفيقوا بنى عمنا وانتهوا * عن الغى من بعض ذا المنطق وإلا فأنى إذا خائف * بوائق في
داركم تلتقي كما ذاق من كان من قبلكم * ثمود وعاد ومن ذا بقى واعجب من ذاك في امركم
* عجائب في الحجر الملصق بكف الذى قام من خبثه * إلى الصابر الصادق المتقى فاثبته
الله في كفه * على رغمه الخائن الأحمق وقوله من أبيات هي من مشهور شعره: أنت النبي
محمد * قرم أغر مسود لمسودين أكارم * طابوا وطالب المولد نعم الأرومة أصلها * عمرو
الخضم الاوحد ولقد عهدتك صادقا " * في القول لاتتزيد واشتهر عن عبد الله المأمون بن
هارون الرشيد انه كان يقول اسلم والله
________________________________________
[ 54
]
أبو طالب
بقوله: نصرت الرسول رسول الاله * ببيض تلا تلا كلمع البروق اذب واحمى رسول الاله *
حماية عم عليه شفيق وروى عن أمير المؤمنين " ع " أنه قال: قال لى أبى يا بنى الزم
ابن عمك فأنك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل ثم قال: ان الوثيقة في لزوم محمد * فأشدد
بصحبته عليه يديكا ومن شعره المناسب لهذا المعنى قوله لعلى وجعفر ابنيه " ع ": ان
عليا " وجعفرا " ثقتى * عند مسلم الزمان والنوب لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخى
لأمى من بينهم وأبى والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بنى ذو حسب وقوله يخاطب
أخاه حمزة وكان يكنى أبا يعلى: فصبرا " ابا يعلى على دين أحمد * وكن مظهرا " للدين
وفقت صابرا " وحط من اتى بالحق من عند ربه * بصدق وعزم لا تكن حمز كافرا " فقد سرنى
إذ قلت انك مؤمن * فكن لرسول الله في الله ناصرا " وناد قريشا " بالذى قد أتيته *
جهارا " وقل ما كان أحمد ساحرا " وكل هذه الأشعار قد جاءت مجيئ التواتر لأنه ان لم
تكن احادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد وهو تصديقه " رض " محمدا " صلى الله
عليه وآله ومجموعها متواتر كما ان كل واحد من قتلات على " ع " الفرسان منقولة احادا
" ومجموعها متواتر يفيدنا العلم الضرورى بشجاعته وكذلك القول فيما يروى عن سخاء
حاتم وحلم الأحنف وذكاء اياس ونحو ذلك وما قول منكري اسلامه (رض) في قصيدته اللامية
التى شهرتها كشهرة (قفا نبك) وان جاز الشك فيها أو في شئ من أبياتها جاز الشك في
قفا نبك وفى أبياتها يقول فيها " ع ": وابيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى
عصمة للأرامل
________________________________________
[ 55
]
تطوف به
الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل لقد علموا أن ابننا لا مكذب * لدينا
ولا يعى بقول الإباطل فأصبح فينا أحمد في أرومة * يقصر عنها سورة المتطاول لعمري
لقد كفت وجدا " بأحمد * واحببته حب الحبيب المواصل وجدت بنفسى دونه وحميته * ودافعت
عنه بالذرى والكلاكل فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها * وشينا لمن عادى وزين المحافل
فمن مثله في الناس أي مؤمل * إذا قاسه الحكام عند التفاضل حليم رشيد عادل غير طائش
* يوالى إلها ليس عنه بغافل فأيده رب العباد بنصره * وأظهر دينا حقه غير ناصل وهى
قصيدة طويلة جدا " أخذنا منها غرضنا هنا قال ابن كثير: هي قصيدة بليغة جدا " لا
يستطيع ان يقولها إلا من نسبت إليه وهى أفحل من المعلقات السبع وابلغ في تأدية
المعنى. قال أصحابنا (رض) انما لم يظهر أبو طالب " ع " الإسلام ويجاهر به لأنه لو
أظهره لم يتهيأ له من نصرة النبي ما تهيأ له وكان كواحد من المسلمين الذين أظهروه
ولم يتمكن من نصرته والقيام دونه حينئذ وإنما نمكن من نصرته والمحاماة عنه بالثبات
في الظاهر على دين قريش وان أبطن الإسلام وما احسن قول السيد أبى محمد عبد الله بن
حمزة الحسينى الزيدى من قصيدة: حماه أبونا أبو طالب * وأسلم والناس لم تسلم وقد كان
يكتم ايمانه * وأما الولاء فلم يكتم وأما رواية العامة عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال ان الله قد وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقه وأنه في ضحضاح من نار فهو
خبر يرونه كلهم عن رجل واحد وهو المغيرة بن شعبة وبغضه لبنى هاشم وعلى الخصوص لعلى
" ع " مشهور معلوم وقصته وخبره غير خاف فبطل التمسك به.
________________________________________
[ 56
]
وما روته
أيضا " من أن عليا " ع " وجعفرا لم يأخذ من تركة أبى طالب عليه السلام شيئا " حديث
موضوع ومذهب أهل البيت " ع " بخلاف ذلك فأن المسلم عندهم يرث الكافر ولا يرث الكافر
المسلم ولكن يرثه المسلم ولو كان أعلى درجة منه في النسب قالوا وقوله صلى الله عليه
وآله لا توارث بين أهل ملتين نقول بموجبه لأن التوارث تفاعل ولا تفاعل عندنا في
ميراثهما واللفظ الذى يستدعى الطرفين كالتضارب لا يكون إلا من اثنين. وورد في السير
والمغازى ان عتبة بن ربيعة أو أخاه شيبة لما قطع رجل عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب
يوم بدر أقبل عليه على " ع " وحمزة (رض) فأستنقذاه منه وخبطا عتبة بسيفهما حتى
قتلاه واحتملا صاحبها من المعركة إلى العريش فألقياه بين يدى رسول الله صلى الله
عليه وآله وأن مخ ساقه ليسيل فقال يا رسول الله لو كان أبو طالب حيا " لعلم أنه قد
صدق في قوله حيث يقول: كذبتم وبيت الله نخلى محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل وننصره
حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل فيقال ان رسول صلى الله عليه وآله
أستغفر له ولأبي طالب " ع " يوم بدر وبلغ عبيدة مع النبي صلى الله عليه وآله إلى
الصفراء ومات ودفن بها. وقد روى أن أعرابيا " جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
في عام جدب فقال أتيناك يا رسول الله ولم يبق لنا صبى يرتضع ولا شارف يجتر، ثم أنشد
يقول: أتيناك والعذراء تدمى لبانها * وقد شغلت أم الرضيع عن الطفل وألقى بكفيه
الفتى لأستكانة * من الجوع حتى ما يمر ولا يحل وليس لنا إلا اليك مزارنا * واين
فرار الناس إلا إلى الرسل فقام النبي صلى الله عليه وآله يجر رداءه حتى صعد المنبر،
فحمد الله وأثنى عليه وقال اللهم أسقنا غيثا " مغثيا " مريئا " هنيئا " مريعا "
سجالا غدقا طبقا " دائما " دررا " تحيى به الأرض وتنبت به الزرع وتدر به الضرع،
واجعله سقيا " نافعا ! عاجلا غير رايث
________________________________________
[ 57
]
فوالله ما
رد رسول الله صلى الله عليه وآله يده إلى نحره حتى القت السماء ارواقها وجاء الناس
يضجون الغرق الغرق يارسول الله صلى الله عليه وآله فقال اللهم حوالينا ولا علينا
فأنجاب عن المدينة حتى استدار حولها كالأكليل فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله
حتى بدت نواجده ثم قال لله در أبى طالب " ع " لو كان حيا " لقرت عينه، من ينشدنا
قوله، فقال " ع " يارسول الله لعلك أردت (وأبيض يستسقى الغمام بوجهه) قال صلى الله
عليه وآله: أجل ؟ فأنشده أبياتا " من هذه القصيدة ورسول الله صلى الله عليه وآله
يستغفر لأبى طالب " ع " على المنبر " ثم قام رجل من كنانة فانشده أبياتا: لك الحمد
والحمد ممن شكر * سقينا بوجه النبي المطر دعى الله خالقه دعوة * إليه واشخص منه
البصر فان كان إلا كما ساعة * أو اقصر حتى رأينا الدرر دفاق العز الى وجسم البعاق *
أغاث به الله عليا مضر فكان كما قاله عمه * أبو طالب ذا رواه غزر به يسر الله صوب
الغمام * فهذا العيان كذاك الخبر فمن يشكر الله يلق المزيد * ومن يكفر الله يلق
الغير فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ان يكن شاعرا " أحسن فقد أحسنت، وسئل
العارف بالله السيد الجليل مولانا السيد عبد الرحمان بن أحمد الحسينى الأدريسى
المغربي نزيل مكة المشرفة والمتوفى بها سنة سبع وثمانين والف، وكان من ارباب الحال
وأقطاب الرجال عن إسلام أبى طالب فاملى ما صورته إعلم قربك الله منه ورزقك كمال
الفهم منه ان أبا طالب " ع " قد قال بإيمانه جمع من أهل الكشف والشهود " ووردت
أحاديث تشهد بإسلامه أوردها الحافظ بن حجر في (الإصابة) وتكلم عليها وجاء عن أمير
المؤمنين على بن أبى طالب " ع " ان جبرئيل " ع " أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال
ان الله يبشرك ببشارة فقال ان الله لا يعذب صلبا " انزلك وبطنا " حملك وحجرا "
كلفلك قال صلى الله عليه وآله بين لى يا جبرئيل فقاله " ع ": أما الصلب
________________________________________
[ 58
]
فهو عبد
الله، واما البطن فهى آمنة وأما الحجر فهو أبو طالب. واخرج تمام الخبر الرازي في
فوائده عن ابن عمر قال: قال رسول صلى الله عليه وآله إذا كان يوم القيامة شفعت لأبى
وامى وعمى أبى طالب وأخ لى كان في الجاهلية أورده المحب الطبري في (ذخائر العقبى)
قال السيوطي في (المسالك) وقد ورد هذا الحديث من طريق آخر عن ابن عباس أخرجه أبو
نعيم وفيه التصريح بأن الأخ من الرضاعة وأخرج الشيخ عبد الوهاب الشعرانى حديثا "
بأن الله تعالى أحيى أبا طالب " ع " للنبى صلى الله عليه وآله انتهى. وانما نقلنا
هذا الكلام على هذا الوجه ليعلم ان محققى الصوفية وافقونا على اسلامه أيضا " فان
قلت هبكم اجمعتم على اسلامه وإيمانه فكيف فلتم بتشيعه وذكرتموه في طبقات الشيعة.
قلت ان النبي صلى الله عليه وآله قد أخبر عشيرته في حياته ان عليا وصيه وخليفته
بمحضر من أبى طالب وغيره من بنى عبد المطلب فاذعن له أبو طالب " ع ". روى الثعلبي
في تفسيره وغيره مسندا " الى البراء قال: لما نزلت (وانذر عشيرتك الأقربين) جمع
رسول الله بنى عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا الرجل منهم يأكل المسنة ويشرب العس
فأمر عليا " " ع " ان يذبح شاة فأدمها ثم قال صلى الله عليه وآله ادنوا بإسم الله
فدنى القوم عشرة عشرة فاكلوا حتى صدروا ثم دعى بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال
لهم اشربوا باسم الله فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال هذا ما سحركم به الرجل
فسكت النبي صلى الله عليه وآله فلم يتكلم يومئذ ثم دعاهم من العد على مثل ذلك
الطعام والشراب ثم أنذرهم صلى الله عليه وآله فقال يا بنى عبد المطلب إنى أنا
النذير اليكم من الله عزوجل والبشير جئتكم بما لم يجئ به أحد " جئتكم بالدنيا
والآخرة فاسلموا واطيعوني تهتدوا " من يواخيني ويوارني ويكون وليى ووصيي وخليفتي في
أهلى ويقضى دينى " فسكت القوم واعاد ذلك ثلاثا " كل ذلك يسكت القوم ويقول على " ع "
أنا فقال صلى الله عليه وآله أنت " فقام القوم وهم يقولون لأبى طالب " ع " أطع ابنك
فقد أمر عليك.
________________________________________
[ 59
]
وذكر الطبري
في تاريخه: عن عبد الله بن عباس عن على بن أبى طالب " ع " قال: لما نزلت هذه الآية
(وانذر عشيرتك الأقربين) على رسول الله دعاني فقال يا على ان الله أمرنى ان أنذر
عشيرتي الأقربين " فضقت بذلك ذرعا " وعلمت انى متى أبدأهم بهذا الأمر رأيت منهم ما
اكره " فصمت حتى جائنى جبرئيل فقال يا محمد انك ان لم تفعل ما أمرت به يعذبك ربك
فاصنع صاعا " من الطعام واجعل عليه رجل شاة واملاء عسا " من لبن " ثم اجمع بنى عبد
المطلب حتى أكلمهم وابلغهم ما امرت به ففعلت ما أمرنى به " ثم دعوتهم وهم يومئذ
أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وابو لهب "
فلما اجتمعوا إليه دعى بالطعام الذى صنعته لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله
صلى الله عليه وآله بضعة من اللحم فشقها باسنانه ثم ألقاها في نواحى الصحفة ثم قال:
كلوا باسم الله فأكلوا حتى مالهم إلى شئ من حاجة وايم الله الذى نفس على بيده إن
كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمته لجميعهم، ثم قال اسق القوم يا على فجئتهم
بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعا " وايم الله ان كان الرجل منهم ليشرب مثله
فلما أراد رسول الله ان يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال لشد ما سحركم صاحبكم
فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله فلما كان من الغد قال رسول
الله يا على ان هذا الرجل قد سبقي إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل ان اكلمهم
فعدلنا اليوم إلى مثل ما صنعت بالأمس ثم اجمعهم لى ففعلت ثم جمعتهم ثم دعا بالطعام
فقربته لهم ففعل مثل ما فعل بالأمس فاكلوا حتى مالهم بشئ حاجة ثم قال إسقهم فجئتهم
بذلك العس فشربوا منه جميعا " حتى رووا. ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
يا بنى عبد المطلب إنى والله ما أعلم ان شابا " في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم
به إنى قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرنى الله ان ادعوكم إليه فايكم يؤازرني
على هذا الأمر على ان يكون أخى ووصيي وخليفتي منكم فاحجم القوم عنه جميعا " وقلت
أنا وانى لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا " واعظمهم
________________________________________
[ 60
]
بطنا "
واحمشمهم ساقا " أنا يارسول الله أكون وزيرك عليه فاعاد القول فامسكوا عنه واعدت ما
قلت فاخذ برقبتى ثم قال لهم هذا أخى ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا " فقام
القوم يضحكون ويقولون لأبى طالب " ع " قد أمرك ان تسمع لابنك وتطيع " فان قلت من
اين ثبت عندكم ان أبا طالب " ع " اذعن بذلك وقبل تأمير ابنه عليه قلت ثبت ذلك عندنا
لما رويناه عن أبى الحسن الرضا عليه السلام انه قال كان نقش خاتم أبى طالب " ع "
رضيت بالله ربا وبابن أخى محمد نبيا " وبابنى على له وصيا ": إذا قالت حذام فصدقوها
* فان القول ما قالت حذام ولله در ابن ابى الحديد المعتزلي حيث يقول: ولولا أبو
طالب وابنه * لما مثل الدين شخصا " فقاما فذاك بمكة آوى وحاما * وهذا بيثرب خاضا
الحماما تكفل عبد مناف بامر * وأودى فكان على تماما " فقل في بشير مضى بعد ما * قضى
ما قضاه وابقى شماما فالله ذافاتحا " للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما " وما ضر مجد
ابى طالب * جهول لغى أو بصير تعامى كما لا يضر أياب الصباح * من ظن ضوء النهار
الظلاما قلت كان ابن ابى الحديد من المتوقفين في إسلام أبى طالب وصرح بذلك في شرحه
لنهج البلاغة فقضى على نفسه بالجهل والتعامى في هذه الابيات، وقال الكلبى لما حضرت
ابا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش وأوصاهم فقال يا معشر قريش انتم صفوة الله من
خلقه وقلب العرب واعلموا انكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا " الا احرزتموه ولا
شرفا " الا ادركتموه فلكم به على الناس الفضيلة وله به اليكم الوسيلة والناس لكم
حرب وعلى حربكم ألب وانى اوصيكم بتعظيم هذه البنية فان فيها مرضاة للرب وقواما "
للجاش وثباتا " للوطاة صلوا ارحامكم ولا تقطعوها فان صلة الرحم منسأة
________________________________________
[ 61
]
في الأجل
وزيادة في العدد واتركوا البغى والعقوق ففيهما هلكت القرون قبلكم خيبوا الداعي
واعطوا السائل فان فيها شرف الحياة والمهمات عليكم بصدق الحديث واداء الأمانة فان
فيها محبة في الخاص ومكرمة في العام وانى اوصيكم بمحمد صلى الله عليه وآله خيرا
فانه الأمين في قريش والصديق في العرب كأنى انظر إلى صعاليك العرب وأهل الوبر
والأطراف والمستضعفين من الناس قد اجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا أمره فخاض بهم
غمرات الموت فصارت رؤساء قريش وصناديدها اذنابا ودورها خرابا وضعافها اربابا
واعظمهم عليه احوجهم إليه وابعدم منه اقربهم عنده قد محضته العرب ودادها واصغت له
فؤادها واعطته قيادها دونكم يا معشر قريش أين أبيكم كونوا له ولاة ولحزبه حماة
والله لا يسلك احد منكم سبيله الا سعد ولا يأخذ بهديه الارشد ولو كان لنفسي مدة
ولأجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ولدفعت عنه الدواهي وانشد يخاطب ابنيه عليا "
وجعفرا " " ع " واخوته حمزة والعباس: أوصى بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وشيخ
القوم عباسا وحمزة الاسد الحامى حنيفته * وجعفرا " ان يذودوا دونه الناسا كونوا فدى
لكم امى وما ولدت * في نصر احمد دون الناس اتراسا ثم مات (رض) قال الواقدي توفى أبو
طالب " ع " في النصف من شوال في السنة العاشرة من النبوة وهو ابن بضع وثمانين سنة
وفى (المواهب اللدنية) ابن سبع وثمانين سنة وفى سيرة العمرى مات بعد ما خرج من
الحصار بالشعب بثمانية اشهر واحد وعشرين يوما " وقال ابن الجوزى مات قبل الهجرة
بثلاث سنين. روى انه لما مات (رض) جاء امير المؤمنين على " ع " إلى رسول الله صلى
الله عليه وآله فاذنه بموته فتوجع عظيما " وحزن شديدا " ثم قال له امض فتول غسله
فإذا رفعته على سريره فاعلمني ففعل فاعترضه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو محمول
على رؤوس الرجال فقال له وصلتك رحم يا عم وجزيت خيرا " لقد ربيت وكفلت صغيرا "
________________________________________
[ 62
]
ونصرت وآزرت
كبيرا " ثم تبعه إلى حفرته فوقف عليه فقال اما والله لأستغفرن لك ولأشفعن فيك شفاعة
يتعجب لها الثقلان وإنما لم يصل عليه صلى الله عليه وآله لأن صلاة الجنائز لم تكن
شرعت بعد ولا صلى رسول الله صلى الله عليه وآله على خديجة وإنما كان تشييع ورقة
ودعاء. وفى الحديث الصحيح المشهور ان جبرئيل قال لرسول الله صلى الله عليه وآله
ليلة مات أبو طالب " ع " اخرج منها فقد مات ناصرك وللمؤلف غفر الله له شعرا في هذا
المقام: ابو طالب عم النبي محمد * به قام أزر الدين واشتد كاهله ويكفيه فخرا " في
المفاخر انه * مؤازره دون الأنام وكافله لئن جهلت قوم عظيم مقامه * فما ضر ضوء
الصبح من هو جاهله ولولاه ما قامت لأحمد دعوة * ولا انجاب ليل الغى انزاح باطله أقر
بدين الله سرا " لحكمة * فقال عدو الحق ما هو قائله وماذا عليه وهو في الدين هضبة *
إذ عصفت من ذى العناد أباطله وكيف يحل الذم ساحة ماجد * أواخره محمودة وأوائله عليه
سلام الله ماذر شارق * وما نليت أخباره وفضائله وكان لأبى طالب (رض) من البنين ستة
أربعة ذكور احدهم طالب وهو اكبر ولده وبه كان يكنى وكانت قريش اكرهته على النهضة
إلى بدر لقتال رسول الله صلى الله عليه وآله ففقد ولم يعرف له خبر ويقال انه اقحم
فرسه في البحر حتى غرق ويقال ان قريشا " ردته إلى مكة ويدل على صحة هذا القول ما
اخرجه الكليني رحمه الله في الروضة باسناده عن ابى عبد الله " ع " انه قال لما خرجت
قريش إلى بدر واخرجوا بنى عبد المطلب معهم خرج طالب بن ابى طالب " ع " فنزل وجاورهم
وهم يرتجزون ونزل طالب ابى طالب يرتجز: يا رب أما تغرزن بطالب * في منقب من هذه
المناقب
________________________________________
[ 63
]
في مغنب
المحارب المغارب * يجعله المسلوب غير السالب فقالت قريش ان هذا ليغلبنا فردوه قال
في رواية اخرى عن ابى عبد الله عليه السلام انه كان اسلم انتهى. قال المؤلف وروى
ارباب السير لطالب شعرا " يدل على اسلامه وهو قوله من أبيات: وقد حل مجد بنى هاشم *
مكان النعائم والزهرة ومحض بنى هاشم احمد * رسول المليك على فترة والثانى امير
المؤمنين " ع " على بن ابى طالب " ع " والثالث جعفر " ع " والرابع عقيل وبنتان أم
هاني وجمانه امهم فاطمة بنت اسد وكأن على أصغرهم وكان جعفر اسن منه بعشر سنين وعقيل
اسن من جعفر بعشر سنين وطالب اسن من عقيل بعشر سنين ذكره ابن قتيبة وابو سعيد وابو
عمر والله اعلم. حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وآله أمه هالة بنت
وهب بن عبد مناف بن زهره وكان اخا لرسول الله صلى الله عليه وآله من الرضاعة
ارضعتهما ثويبة بلبن ابنها مسروح وكانت مولاة ابى لهب وكان اسن من النبي صلى الله
عليه وآله باربع سنين. قال أبو عمرو هذا يرد ما ذكر من تقييد رضاعة ثويبة بلبن
ابنها مسروح إذ لا رضاع الا في حولين ولولا التقييد بذلك حمل الرضاع على زمانين
مختلفين واجيب بامكان ارضاعها حمزة في آخر سنة في اول ارضاعها ابنها وارضاعها النبي
صلى الله عليه وآله في اول سنة في آخر ارضاعها ابنها فيكون اكبر باربع سنين وقيل
كان اسن بسنين وكان اسمه في الجاهلية والإسلام حمزة. قال في القاموس الحمزة الأسد
ويقال انه حموز لما حمزه ضابط لما ضمه ومنه اشتقاق حمزه أو من الحمازة وهى الشدة
ويكنى ابا عمارة وابا يعلى كنيتان له بابنيه عمارة ويعلى وكان يدعى اسد الله واسد
رسوله اخرج البغوي في معجمه عن يحى بن عبد الرحمان بن لبيبه عن ابيه عن جده ان رسول
الله صلى الله عليه وآله قال
________________________________________
[ 64
]
والذى نفسي
بيده انه لمكتوب عند الله عزوجل في السماء السابعة حمزة اسد الله واسد رسوله وكان
اسلامه في السنة الثانية وقبل السادسة من المبعث وسبب اسلامه ما روى ان النبي صلى
الله عليه وآله كان جالسا " عند الصفا فمر به أبو جهل لعنه الله فشتمه وآذاه وقال
فيه ما يكره من العيب لدينه ومن التضعيف لأمره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه
وآله ومولاة لعبدالله بن جذعان في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف أبو جهل عنه فعمد إلى
نادى قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب ان أقبل متوشحا " قوسه
راجعا " من قنصه وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى اهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا
فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش الا وقف وسلم فلما مر بالمولاة وقد رجع رسول الله
صلى الله عليه وآله إلى بيته قالت له يا ابا عماره لو رأيت ما لقى ابن اخيك محمد
صلى الله عليه وآله آنفا من ابى الحكم بن هشام وجده هيهنا جالسا " فآذاه وسبه وبلغ
منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وآله فاحتمل حمزة الغضب لما
أراد الله تعالى به من الكرامة وكان أعز فتى في قريش واشدها شكيمة فخرج يسعى حتى
دخل المسجد ونظر إليه جالسا في القوم فاقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس
فضربه فشجه شجة منكرة وقال اشتمته وانا على دينه أقول ما يقول فرد على ذلك ان
استطعت فقامت رجال بنى مخزوم إلى حمزة لينصروا ابا جهل فقال أبو جهل دعوا ابا عماره
فابى والله سببت ابن اخيه سبا " قبيحا " وثم حمزة على اسلامه وعلى مبايعته النبي
صلى الله عليه وآله فلما اسلم حمزة عرفت قريش ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد
عز وامتنع وان حمزة شيعته فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون من النبي صلى الله عليه
وآله وقال حمزة بن عبدالطلب حين اسلم: حمدت الله حين هدى فؤادى * إلى الإسلام
والدين الحنيف لدين جاء من رب عزيز * خبير بالعباد بهم لطيف إذا تليت رسائله علينا
* تحدر دمع ذى اللب الحصيف رسائل جاء أحمد من هداها * بآيات مبينة الحروف
________________________________________
[ 65
]
واحمد مصطفى
فينا مطاع * فلا تغشوه بالقول العنيف فلا والله نسلمه لقوم * ولما نقض منهم بالسيوف
اخرج الحافظ الدمشقي عن عبد الله بن عباس عن ابيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله خير اعمامي حمزة، واخرج ابن بابويه في اماليه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن
آبائه " ع " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله أحب أخواني إلى على وأحب اعمامي
إلى حمزة، وروى عن الباقر " ع " انه قال كان أمير المؤمنين دائما يقول والله لو كان
حمزة وجعفر حيين ما طمع فيها أبو بكر ولكن ابتليت بجلفين عقيل والعباس: ومثل هذا
الحديث ما أخرجه الكليني في الكافي عن ابن مسكان عن سدير قال: كنا عند ابى جعفر " ع
" فذكرنا ما احدث الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واستذلالهم أمير المؤمنين " ع
" فقال رجل من القوم اصلحك الله فأين كان عز بنى هاشم وما كانوا فيه من العدد ؟
فقال أبو جعفر " ع " من كان بقى من بنى هاشم انما كان جعفر وحمزة فمضيا وبقى معه
رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالأسلام عباس وعقيل وكانا من الطلقاء. اما والله لو
أن حمزة وجعفر كانا بحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا ولو كانا شاهديه لأتلفا انفسهما.
قال المؤلف: دل هذان الحديثان على أن حمزة وجعفرا " كانا يعتقدان استحقاق على " ع "
الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وانه صاحبها دون غيره وانهما لو كان حيين
يوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله لم يطمع فيها غيره ولم يصل إليها احد سواه
ولذلك ذكرناهما في طبقات الشيعة. وروى أن أمير المؤمنين " ع " قال يوم بويع أبو بكر
بالخلافة واحمزتاه ولا حمزة لى اليوم. واجعفراه ولا جعفر لى اليوم. قال ابن أبى
الحديد في شرح النهج سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن أبى زيد فقلت له أتقول
لو ان حمزة وجعفرا " كانا حيين يوم مات رسول الله اكانا يبايعانه بالخلافة ؟ فقال
نعم كانا أسرع إلى بيعته من النار في يبس العرفج
________________________________________
[ 66
]
فقلت له اظن
أن جعفرا " رض " كان يبايعه ولا اظن حمزة كذلك وأراه جبارا " قوى النفس شديد
الشكيمة زاهيا " بنفسه وشجاعا " بهمته وهو العم والأعلى سنا " وآثاره في الجهاد
معروفة وأظنه كان يطلب الخلافة لنفسه فقال الأمر في أخلاقه وسجاياه كما ذكرت ولكنه
كان صاحب دين متين وتصديق خالص لرسول الله صلى الله عليه وآله ولو عاش لرأى من
أحوال على " ع " مع رسول الله صلى الله عليه وآله ما يوجب أن يكسر له بخوته وأن
يقيم له صغره وأن يقدمه على نفسه وأن يتوخى رضا الله ورسوله فيه وإن كان بخلاف
ايثاره ثم قال: أين خلق حمزة السبعى من خلق على " ع " الروحانى اللطيف الذى جمع
بينه وبين خلق حمزة فاتصفت بهما نفس واحدة وأين هيو لأثبته نفس حمزة وخلوها من
العلوم من نفس على " ع " القدسية التى أدركت بالفطرة لا بقوة الرياضة التعليمية ما
لم تدركه نفوس مدققي الفلاسفة الألهيين لو ان حمزة حى حتى رأى من على ما رآه غيره
لكان اتبع له من ظله واطوع له من ابى ذر والمقداد وأما قولك هو العم والأعلى سنا "
فقد كان العباس العم والأعلى سنا وقد عرفت ما بذله له وندبه إليه وكان أبو سفيان
كالعم وكان أعلى سنا " وقد عرفت ما عرضه عليه. ثم قال: لا زالت الإعمام تخدم ابناء
الأخوة وتكون اتباعا لهم الست ترى حمزة والعباس اتبعا ابن أخيهما صلى الله عليه
وآله وأطاعاه ورضيا برياسته وصدقا دعوته الست تعلم ان أبا طالب " ع " كان رئيس بنى
هاشم وشيخهم والمطاع فيهم وكان محمد صلى الله عليه وآله يتيمه ومكفوله وجاريا "
مجرى أحد اولاده عنده ثم خضع له واعترف بصدقه ودان لامره حتى مدحه بالشعر كما يمدح
الادنى الاعلى انتهى ملخصا " وقتل حمزة بأحد شهيدا " قتله وحشى العبد الحبشى. قال
الواقدي: كان وحشى عبدا " لأبنة الحارث بن عامر بن عبد مناف ويقال كان لجبير بن
مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف فقالت له ابنة الحارث أن أبى قتل يوم بدر فان انت
قتلت احد الثلاثة فانت حر محمدا " وعلى بن
________________________________________
[ 67
]
ابى طالب
وحمزة بن عبد المطلب فانى لا أرى في القوم كفوا " لأبى غيرهم فقال وحشى: أما محمد
فقد عرفت انى لا اقدر عليه وان أصحابه لن يسلموه. وأما على " ع " فوالله لو وجدته
نائما ما ايقظته من هيبته. وأما حمزة فالتمسه. قال وحشى فكنت يوم احد التمسه فبينا
انا في طلبه إذ طلع على فطلع رجل حذر مرس كثير الألتفات فقلت ما هذا بصاحبي الذى
التمس إذ رأيت حمزة يفرى الناس فريا فكمنت له إلى صخرة وهو مكبس له كتيت أي مطرق
لصدره صوت من شدة الغيط فاعترض له سباع ابن ام انمار وكانت امه ختانة بمكة مولاة
لشريف الثقفى فقال له حمزة وأنت أيضا يا ابن مقطعة البظور ممن يكتم علينا فاحتمله
حى إذا برقت قدماه رمى به فبرك عليه فشحطه شحط الشاة ثم أقبل إلى مكبسا حين رأني
فلما بلغ المسيل وطئ على جرف فزلت قدمه فهززت حربتى حتى رضيت فضربته في خاصرته حتى
خرجت من مثانته وكر عليه طائفة من أصحابه فاسمعهم يقولون ابا عمارة فلا يجيب فقلت
قد والله مات الرجل فذكرت هند بنت عتبة وما لقيت على ابيها وعمها وأخيها وانكشف عنه
اصحابه حين ايقنوا بموته ولا يرونى فكررت عليه فشققت بطنه فاستخرجت كبده فجئت بها
إلى هند بنت عتبة فقلت لها ماذا لى إن قتلت قاتل أبيك قالت سلنى فقلت هذه كبد حمزة
فأخذتها فمضغتها ثم لفظتها فلا أدرى لم تسغها أو قذرتها فنزعت ثيابها وحليها
فاعطتنيها ثم قالت إذا جئت مكة فلك عشرة دنانير ثم قالت أرنى مصرعه فدللتها عليه
فقطعت مذاكيره وجدعت أنفه واذنيه وقطعت اصابعه فجعلت ذلك معضدين في يديها وخذمتين
أي خلخالين في رجليها حتى قدمت بذلك مكة وقدمت بكبده ايضا " معها. قال الواقدي:
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم احد ما فعل عمى ما فعل عمى فخرج الحرث
بن الصمة يطلبه فأبطأ فخرج على " ع " يطلبه حتى انتهى إلى الحرث ووجد حمزة مقتولا
فجاء فأخبر النبي صلى الله عليه وآله فاقبل يمشى حتى وقف
________________________________________
[ 68
]
عليه فقال
صلى الله عليه وآله ما وقفت موقفا " قط أغيظ إلى من هذا الموقف فطلعت صفية بنت عبد
المطلب ومعها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فحالت الانصار بينها وبين
رسول الله فقال: دعوهما فجعل إذا بكت صفية يبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا
نشجت ينشج وجعلت فاطمة " ع " تبكى فكلما بكت يبكى رسول الله ثم قال صلى الله عليه
وآله لن اصاب بمثل حمزة أبدا ثم قال لصفية وفاطمة " ع " أبشرا أتانى جبرئيل فاخبرني
ان حمزه مكتوب في أهل السموات أسد الله وأسد رسوله ولما رأى صلى الله عليه وآله ما
مثل بحمزة أحزنه ذلك وقال صلى الله عليه وآله إن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين منهم
فانزل الله عليه وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولأن صبرتم لهو خير للصابرين
فقال بل نصبر فلم يمثل باحد من قريش، ولما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله خرج معهم وحشى حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة فلما
رأه قال رسول الله أوحشي قال نعم قال اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة فحدثه فلما فرغ قال
ويحك غيب عنى وجهك فكان يتنكبه لئلا يراه حتى قبضه الله تعالى إليه. وكانت وقعة احد
يوم السبت لأحدى عشر ليلة وقيل لسبع ليال وقيل. لثمان وقيل لتسع وقيل للنصف من شوال
في سنة ثلاث من الهجرة وشذ من قال سنة اربع، وعن مالك كانت بعد وقعة بدر بسنة. وعنه
أيضا كانت على رأس احدى وثلاثين شهرا " من الهجرة والله أعلم، عن جابر قال قال:
رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب، وفى
رواية حمزة خير الشهداء وكان لحمزة " ع " من الولد عمارة ويعلى ولم يعقب واحد منهما
وكان يعلى قد ولد خمسة رجال وماتوا كلهم من غير عقب وتوفى رسول الله صلى الله عليه
وآله ولكل واحد منهما اعوام ولم يحفظ لواحد منهما رواية وكانت له بنت يقال لها ام
أبيها وقيل اسمها آمنة وكانت تحت عمران بن ابى سلمة المخزومى ربيب رسول الله صلى
الله عليه وآله وهى التى ذكرت لرسول الله وقيل له ألا تتزوج ابنة حمزة
________________________________________
[ 69
]
فانها أحسن
فتاة في قريش فقال صلى الله عليه وآله انها ابنة أخى من الرضاعة وان الله عز وجل قد
حرم من الرضاعة ما حرم من النسب. جعفر ابن أبى طالب يكنى أبا عبد الله هو شقيق أمير
المؤمنين " ع " لأمه وأبيه أسلم قديما " وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ومعه
زوجته اسماء بنت عميس فولدت ثمة بنيه عبد الله ومحمدا " وعونا " فلم يزل هنالك حتى
قدم على النبي صلى الله عليه وآله وهو بخيبر سنة سبع فحصلت له الهجرتان. أخرج
الفقيه أبو جعفر محمد بن على بن بابويه " رض " في اماليه عن محمد ابن عمر الجرجاني
قال: قال الصادق جعفر بن محمد أول جماعة كانت ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان
يصلى وأمير المؤمنين على " ع " معه إذ مر أبو طالب وجعفر معه فقال يا بنى صل جناح
ابن عمك فلما أحس رسول الله صلى الله عليه وآله تقدمهما وانصرف أبو طالب مسرورا "
وهو يقول: ان عليا " وجعفرا " ثقتى * عند ملم الزمان والكرب والله لا أخذل النبي
ولا * يخذله من بنى ذو حسب لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * اخى لأمى من بينهم وأبى
فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم وكان (رض) يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثونه وكان
رسول الله صلى الله عليه وآله يسميه أبا المساكين، روى أنه كان يقول لابيه ابى طالب
" ع " يا أبة انى لأستحي ان اطعم طعاما " وجيراني لا يقدرون على مثله وكان يقول له
أبوه انى لأرجو ان يكون فيك خلف من عبد المطلب وله (رض) فضل كثير وقد روى في شأنه
احاديث كثيرة. فمن ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح خيبر قدم جعفر بن
ابى طالب " ع " من الحبشة فالتزمه رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل يقبل بين
عينيه ويقول ما ادرى بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر ام بفتح خيبر، وعن جابر لما
قدم جعفر من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وآله فلما نظر جعفر إلى رسول
________________________________________
[ 70
]
الله صلى
الله عليه وآله خجل قال: مشى على رجل واحدة إعظاما " منه لرسول الله صلى الله عليه
وآله فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله بين عينيه وأعطاه وامرأته اسماء من غنائم
خيبر وقال اشبهت خلقي وخلقي. وعن ابى سعيد الخدرى قال قال رسول الله خير الناس حمزه
وجعفر وعلى " ع ". وروى السبعى قال سمعت عبد الله بن جعفر يقول كنت إذا سئلت عمى
عليا " " ع " شيئا " فمنعني أقول له بحق جعفر فيعطيني، وأخرج ابن بابويه في اماليه
عن جابر عن ابى جعفر الباقر " ع " قال: أوحى الله تعالى إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله انى أشكر لجعفر بن ابى طالب " ع " اربع خصال فدعاه النبي صلى الله عليه
وآله فاخبره فقال لولا ان الله تبارك وتعالى أخبرك ما أخبرتك ما شربت خمرا " قط
لأنى لو شربتها زال عقلي وما كذبت قط لأن الكذب ينقص المروة وما زنيت قط لأنى خفت
انى إذا عملت عمل بى وما عبدت صنما قط لأنى علمت انه لا يضر ولا ينفع فضرب النبي
صلى الله عليه وآله على عاتقه وقال حق لله تعالى ان يجعل لك جناحين تطير بهما مع
الملائكة في الجنة. قال المؤلف: قد تقدم في ترجمة حمزة " ع " وجه ذكرنا لجعفر (رض)
في طبقات الشيعة فلا حاجة بنا إلى اعادته هنا. قال الزمخشري: في ربيع الأبرار كان
جعفرا " أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خلقا " وخلقا " وكان الرجل يرى
جعفر فيقول السلام عليك يا رسول الله يظنه إياه فيقول لست برسول الله أنا جعفر،
وروى عن على بن يونس المدنى قال كنت مع مالك فإذا سفيان بن عيينة بالباب يستأذن قال
مالك رجل صاحب شيبة ادخلوه فدخل فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فردوا عليه
السلام ثم قال السلام سلامان خاص وعام ثم قال السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة
الله وبركاته قال مالك وعليك السلام يا أبا محمد ورحمة الله وبركاته فصافحه مالك ثم
قال يا أبا محمد لولا انها بدعة لعانقناك فقال سفيان بن عيينة
________________________________________
[ 71
]
عانق خير
منك ومنا النبي صلى الله عليه وآله فقال مالك: جعفرا " ! قال نعم قال ذاك حديث خاص
يا أبا محمد ليس بعلم قال سفيان ما يعم جعفرا " يعمنا إذا كنا صالحين وما يخصه
يخصنا فتأذن لى ان احدث في مجلسك قال: نعم يا أبا محمد قال: حدثنى عبد الله بن طاوس
عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال: لما قدم جعفر بن أبى طالب " ع " من ارض الحبشة
اعتنقه النبي صلى الله عليه وآله وقبل بين عينيه وقال جعفر أشبه الناس بى خلقا "
وخلقا "، يا جعفر ما اعجب ما رأيت بأرض الحبشة قال: يا رسول الله بينا أنا امشى في
ازقتها إذا سوداء على رأسها مكتل فيه بر فصدمها رجل على دابته فوقع مكتلها وانتثر
برها وأقبلت تجمعه من التراب وهى تقول: ويل للظالم من الديان يوم الدين ويل للظالم
من المظلوم يوم القيامة ويل للظالم إذا وضع الكرسي للفصل يوم القيامة فقال النبي
صلى الله عليه وآله لا يقدس الله امة لا يؤخذ لضعيفها من قويها حقه غير متعتع.
وكانت هجرته (رض) إلى الحبشة في السنة الرابعة من النبوة وكان هو المتكلم عند
النجاشي من المسلمين المهاجرين إلى الحبشة لما جمع بينهم وبين عبد الله ابن أبى
ربيعة المخزومى وعمرو بن العاص وكانا رسولي قريش إليه، وكان من خبر ذلك ان النبي
صلى الله عليه وآله لما رأى مبالغة قريش في اذى المسلمين بمكة أشار عليهم ان يلحقوا
بأرض الحبشة وقال صلى الله عليه وآله: ان بها ملكا لا يظلم الناس ببلاده فجاوروا
عنده حتى يأتيكم الله بفرج منه فخرج قوم من المسلمين فيهم جعفر " ع " وكان عدتهم
ثلاثة وثلاثون رجلا سوى النساء والأولاد ونزلوا ارض الحبشة وجاوروا بها النجاشي
مكلها آمنين على دينهم يعبدون الله تعالى ولا يؤذون فلما بلغ ذلك قريشا " أئتمروا
أن يبعثوا إلى النجاشي منهم رجلين جلدين من قريش وأن يهدوا إلى النجاشي هدايا مما
يستطرف من متاع مكة ولم يتركوا من بطارقته بطريقا " إلا أهدوا له هدية ثم بعثوا
بذلك عبد الله بن أبى ربيعة المخزومى وعمرو بن العاص فقالوا لهما ادفعا إلى كل
بطريق هديته قبل أن
________________________________________
[ 72
]
تكلما
النجاشي ثم تقدما إلى النجاشي ثم ضلاه ان يسلمهم اليكم قبل أن يكلمهم فخرجا ولما
قدما دفعا إلى كل بطريق هديته وقالا انه قد صبا إلى بلد الملك غلمان سفهاء فارقوا
دين قومهم وقد أرسلنا قومهم ايردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فاشيروا عليه أن
يسلمهم الينا ولا يكلمهم، فقالوا نعم وقدما هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم ثم
كلماه فقالا: أيها الملك انه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم
يدخلوا في دين الملك وجائوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا فيهم أشراف
قومهم من آبائهم واعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فقال بطارقته صدقوا أيها الملك
فارددهم واسلمهم اليهما فغضب النجاشي ثم قال لا والله لا اسلم قوما " جاوروني
ونزلوا بلادي ولجأوا إلى واختاروني على من سواى حتى أدعوهم فاسئلهم ما يقول هذان في
أمرهم فإن كان كما يقولان سلمتهم اليهما وإن كان غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت
جوارهم ما جاوروني فارسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فدعاهم فلما أن
جاء رسوله اجتمعوا فقال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قال جعفر " ع " نقول
والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وآله كائن في ذلك ما هو كائن
وأرسل النجاشي وجمع بطارقته واساقفته فنشروا مصاحفهم حوله فلما جائوه سئلهم ان
هؤلاء يزعمون انكم فارقتم دينهم فأخبروني ما هذا الدين الذى فارقتم به قومكم ولم
تدخلوا في دينى ولا في دين أحد من هذه الأمم. فتكلم جعفر بن ابى طالب " ع " قال له
ايها الملك كنا أهل جاهلية لا نعرف الله ولا رسله نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى
الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوى منا الضعيف وكنا على ذلك حتى بعث
الله رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله تعالى لنوحده
ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وأباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بالمعروف
ونهانا عن المنكر وأمرنا بصدق الحديث واداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف
عن المحارم والدماء
________________________________________
[ 73
]
وأمرنا
بالصلاة والزكاة والصيام وكل ما يعرف من الأخلاق الحسنة ونهانا عن الزنا والفواحش
وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وكل ما يعرف من السيئات، تلى شيئا " يتلى
لا يشبهه شئ فصدقناه وامنا به وعرفنا ان ما جاء به هو الحق من عند الله فعبدنا الله
وحده لا شريك له وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا ففارقنا عند ذلك قومنا
فآذونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان وان نستحل ما كنا نستحل من
الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا وبلغنا ما نكره ولم نقدر على
الأمتناع أمرنا نبينا صلى الله عليه وآله أن نخرج إلى بلادك اختيارا " لك على من
سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ان لا نظلم عندك أيها الملك. فقال لهم النجاشي: هل
معكم مما جائكم به عن الله تعالى شئ ؟ فقال له جعفر " ع " نعم قال فاقرء على فقرء
عليه صدرا " من كهيعص فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلت لحاهم
ومصاحفهم ثم قال: والله ان هذا الكلام هو الكلام الذى جاء به عيسى ليخرجان من مشكاة
واحدة. ثم قال لعبد الله بن مسعود بن ابى ربيعة المخزومى وعمرو بن العاص أعبيد هم
لكم ؟ قالا لا، قال ألكم عليهم دين ؟ قالا لا، قال فانطلقا والله لا أسلمهم اليكما
أبدا " ولا أخلى بينكما وبينهم فالحقا بشأنكما فخرجا من عنده مقبوحين فلما خرجا قال
عمرو بن العاص: لأتينه غدا " وأعيبهم مما استأصل به خضراءهم فقال عبد الله بن ابى
ربيعة وهو أتقى الرجلين فيهما لا تفعل فان للقوم رحما " وان كانوا قد خالفوا فما
يجب ان تبلغ ذلك منهم فقال والله لاخبرته انهم يزعمون ان عيسى بن مريم عبد فلما كان
الغد غدا إليه ودخل عليه فقال: ايها الملك انهم يخالفونك ويقولون في عيسى بن مريم
قولا عظيما يزعمون انه عبد، فقال النجاشي ان لم يقولوا في عيسى بن مريم مثل قولى
أدعهم في ارضى ساعة من نهار، فارسل إليهم وكانت الدعوة الثانية أشد عليهم من الأولى
فاجتمعوا
________________________________________
[ 74
]
فقال بعضهم
لبعض قد عرفتم ان عيسى " ع " الهه الذى يعبد وأن نبيكم جائكم بأنه عبد وان ما
يقولون هو الباطل فماذا تقولون ؟ قال جعفر " ع " تقول والله فيه ما قال الله تعالى
وما جاء به نبيا صلى الله عليه وآله كائن في ذلك ما هو كائن فلما دخلوا عليه قال
لهم: ماذا تقولون في عيسى بن مريم فقال جعفر " ع " نقول فيه ما جاء به نبيا صلى
الله عليه وآله انه عبد الله ورسوله وروحه وكلمته القاها إلى مريم العذراء البتول
فضرب النجاشي بيده إلى الإرض فاخذ منها عودا " فقال ما عدا عيسى بن مريم ما تقول
مثل هذا العود ردوا عليهما هداياهما فخرجا خائنين وقال للمسلمين مرحبا " بكم وبمن
جئتم من عنده وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد انه رسول الله وانه الذى بشر به
عيسى ولولا ما انا فيه من الملك لأتينه حتى اقبل نعله اذهبوا فانتم سيوم بأرضى
والسيوم الآمنون " قال جعفر: فلما جاهر رسول الله وخرج إلى المدينة وظهر بها اتيناه
فقلنا ان صاحبنا قد خرج إلى المدينة فظهر بها وقتل الذى كنا حدثناك عنهم وقد اردنا
الرحيل فزودنا وحملنا ثم قال: بلغ صاحبك ما صنعت اليكم وهذا صاحبي معكم وأنا أشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا " رسول الله صلى الله عليه وآله وقل
له يستغفر لى قال جعفر: فخرجنا حتى أتينا المدينة فتلقانا رسول الله صلى الله عليه
وآله فاعتنقي ثم قال: ما أدرى اسرانا بفتح خيبر ام افرح بقدوم جعفر ووافق ذلك فتح
خيبر ثم جلس فقام رسول النجاشي فقال: هذا جعفر فاسئله ما صنع به صاحبنا فقال لهم ما
فعل بكم ؟ فقالوا ما فعل زودنا وحملنا وشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله (ص)
وقال: قل له يستغفر لى فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فتوضأ ثم دعا ثلاث مرات
فقال: اللهم اغفر للنجاشي فقال المسلمون آمين قال جعفر فقلت للرسول واخبر صاحبك بما
قد رأيت عن النبي صلى الله عليه وآله. وروى عن ابى عبد الله جعفر بن محمد الصادق "
ع " أنه قال: لقد كاد عمرو بن العاص عمنا جعفر بارض الحبشة عند النجاشي وعند كثير
من رعيته
________________________________________
[ 75
]
بانواع من
الكيد ردها الله تعالى بلطفه رماه بالقتل والسرق والزنا فلم يلصق به شئ من تلك
العيوب لما شاهده القوم من طهارته وعبادته ونسكه وسيماء النبوة عليه فلما نبا معوله
عن صفاته هيأ له سما " قدمه إليه في الطعام فارسل تعالى هرا " كفا تلك الصحفة وقد
مد نحوه ثم مات لوقته وقد أكل منها فتبين لجعفر كيده وغائله فلم يعدها عنده وما زال
ابن الجزار عدو لنا أهل البيت. وقتل جعفر " رض " شهيدا في غزوة مؤته في جمادى
الأولى سنة ثمان من الهجرة وهو ابن احدى واربعين سنة وقد تقدم في ترجمة ابيه ابى
طالب " ع " انه كان أسن من أمير المؤمنين بعشر سنين، ومؤته بضم الميم وهمزة ساكنة
بعدها تاء مثناة ويجوز تخفيف الهمزة فيقال موته بسكون الواو موضع من ارض الشام من
عمل البلقاء والبلقاء دون دمشق. وكان جعفر " رض " أحد الأمراء الثلاثة في هذه
الغزوة وهم جعفر وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وقاتل جعفر " رض " في هذه
الواقعة قتالا شديدا " حتى إذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها فكان اول
رجل عقر فرسه في الإسلام وكانت الراية في يده فقاتل حتى قطعت يده اليمنى فاخذها
بيده اليسرى فقطعت فضمها إلى صدره ثم ضربه رجل من الروم قطعه نصفين فوقع أحد نصفيه
في كرم هناك فوجد فيه بضع وثلاثون جرحا "، وعن ابن عمر قال كنت في تلك الغزوة
فالتمسنا جعفرا " فوجدناه في القتلى فعددنا بين منكبيه تسعين ضربة بين طعنة رخ
وضربة سيف. قال الواقدي: حدثنى محمد بن صالح عن عاصم بن عمر عن قتادة ان النبي صلى
الله عليه وآله قال: لما التقى الناس بمؤته جلس على المنبر وكشف له ما بينه وبين
الشام فهو ينظر إلى معركتهم فقال صلى الله عليه وآله اخذ الراية زيد بن حارثة فجائه
الشيطان فحبب إليه الحياة وكره إليه الموت وحبب إليه الدنيا فقال الأن حين استحكم
الأيمان في قلوب المؤمنين تحبب إلى الدنيا فمضى قدما حتى استشهد ثم
________________________________________
[ 76
]
صلى عليه
وقال استغفروا له فقد دخل الجنة وهو يسعى ثم قال صلى الله عليه وآله اخذ الراية
جعفر بن ابى طالب " ع " فجائه الشيطان فمناه الحياة وكره إليه الموت ومناه الدنيا
فقال الآن حين استحكم الأيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا ثم مضى قدما " حتى
استشهد فصلى عليه صلى الله عليه وآله ثم قال استغفروا له فانه شهيد قد دخل الجنة
فهو يطير بها بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة ثم قال صلى الله عليه وآله اخذ
الراية عبد الله بن رواحة ثم دخل الجنة معترضا " فشق ذلك على الأنصار فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله اصابته الجراح قيل يا رسول الله فما اعتراضه قال: لما
اصابته الجراح نكل فعاتب نفسه فشجع فاستشهد فدخل الجنة فسرى عن قومه. وعن اسماء بنت
عميس امرئة جعفر قالت: اصبحت في اليوم الذى اصبب فيه جعفر " ع " واصحابه فأتاني
رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل على وكنت قد اخذت بنى فغسلت وجوههم ودهنتهم قال
يا اسماء اين بنو جعفر فجئت بهم إليه فضمهم وشمهم ثم ذرفت عيناه فبكى فقلت يا رسول
الله صلى الله عليه وآله لعله بلعك عن جعفر شئ قال نعم انه قتل اليوم، فقمت اصيح
واجتمع إلى النساء فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يا اسماء لا تقولي هجرا
" ولا تضربى صدرا " ثم خرج عنى حتى دخل على فاطمة " ع " وهى تقول واابن عماه فقال
على مثل جعفر فلتبك الباكية ثم قال: إصنعوا لآل جعفر طعاما " فقد شغلوا عن انفسهم
اليوم. وعن يحيى بن أبى يعلى قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول: انا احفظ حين دخل
النبي صلى الله عليه وآله على امى فنعى إليها ابى ناظر إليه يمسح على رأسي ورأس اخى
وعيناه تهرقان بالدمع حتى قطرت لحيته ثم قال صلى الله عليه وآله اللهم ان جعفرا "
قدم احسن الثواب فاخلفه بذريته باحسن ما خلفت احدا من عبادك في ذريته، ثم قال صلى
الله عليه وآله يا اسماء أابشرك قالت بلى بابى وامى قال صلى الله عليه وآله فان
الله تعالى جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة، قالت بابى وامى فاعلم الناس بذلك
فقام رسول الله وأخذ بيدى يمسح رأسي حتى رقى المنير واجلسني امامه على
________________________________________
[ 77
]
الدرجة
السفلى وان الحزن ليعرف عليه فتكلم. فقال: ان المرء كثير بأخيه وابن عمه الا ان
جعفرا " قد استشهد وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة ثم نزل ودخل بيته
وادخلني وامر بطعام فصنع له وارسل إلى اخى فتغدينا عنده غداء طيبا " عمدت سلمى
خدامته إلى شعير فطحنته ثم سقته ثم انضجته وادمته بزيت وجعلت عليه فلفلا فتغديت انا
واخى عنده واقمنا عنده ثلاثة ايام ندور في بيوت نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا واتاني
رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ذلك وانا اساوم في شاة فقال: اللهم بارك له في
صفقته فوالله ما بعت شيئا " ولا شربت الا بورك فيه. وعن سعيد بن المسيب ان رسول
الله صلى الله عليه وآله قال مثل لى جعفر وزيد وعبد الله في حينه من كل واحد منهم
على سرير فرأيت زيدا وابن رواحة في اعناقهما صدود ورأيت جعفرا " مستقيما ليس فيه
صدود فسئلت فقيل لى انهما حين غشيهما الموت اعرضا أو صدا بوجوههما واما جعفر فلم
يفعل " وروى عنه صلى الله عليه وآله انه قال: زارني البارحة جعفر في ملابس من
الملائكة له جناحان يطير بهما حيث شاء من الجنة. وروى الزمخشري في ربيع الأبرار
قال: هبط جبرئيل " ع " على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له يا محمد ان اصحابك
الذين بمؤته قد قتلوا جميعا " وصاروا إلى الجنة وان الله قد جعل لجعفر جناحين
ابيضين قادمتاهما مضرجتان بالدماء مكللتان باللؤلؤ والجوهر يطير بهما في الجنة مع
الملائكة: ولهذا يقال لجعفر " رض " ذو الجناحين والطيار في الجنة. قال أمير
المؤمنين " ع " من أبيات له إلى معاوية: وجعفر الذى يضحى ويمسى * يطير مع الملائكة
ابن امى وقال حسان بن ثابت يرثى جعفرا " واصحابه " رض ": فلا يبعدون الله قتلى
تتابعوا * بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
________________________________________
[ 78
]
وزيد وعبد
الله حين تتابعوا * جميعا " وأسياف المنية تقطر رأيت خيار المؤمنين تواردوا * شعوبا
" وخلق بعدهم يتأخر غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم * إلى الموت ميمون النقيبة ازهر اغر
كضوء البدر من آل هاشم * ابى إذا سيم الظلامة اصغر فطاعن حتى مال غير موسد * بمعترك
فيه القنا تتكسر فصار مع المستشهدين ثوابه * جنان وملتف الحدائق اخضر وكنا نرى في
جعفر من محمد * وقارا " وأمرا " حازما " حين يأمر وما زال في الإسلام من آل هاشم *
دعائم صدق لا ترام ومفخر هم اجبل الإسلام والناس حولهم * رضام إلى طود يطول ويقهر
بهاليل منهم جعفر وابن امه * على ومنهم احمد المتخير وحمزة والعباس منهم ومنهم *
عقيل وماء العود من حيث يعصر بهم يكشف اللأواء في كل مأزق * عماش إذا ما ضاق بالناس
مصدر هم اولياء الله انزا حكمه * عليهم وفيهم ذا الكتاب المطهر وقال كعب ابن مالك
الانصاري من قصيدة اولها يقول فيها: نام العيون ودمع عينك يهمل * سحا " كما وكف
الرباب المسيل وجدا على النفر الذين تتابعوا * قتلا بمؤنة اسندوا لم ينقلوا ساروا
امام المؤمنين كأنهم * طود يقودهم الهزبر المشبل إذ يهتدون بجعفر ولوائه * قدام
اولهم ونعم الأول حتى تقوضت الصفوف وجعفر * حيث التقى جمع الغواة مجندل فتغير القمر
المنير لفقدهم * والشمس كاسفة وكادت تأفل قوم علا بنيانهم من هاشم * فرغ اشم وسودد
متأثل وهذه الأشعار تشهد للشيعة بان جعفرا " هو الأمير الأول فان قتل فزيد
________________________________________
[ 79
]
ابن حارثه
فان قتل فعبدالله بن رواحة لا ما يزعمه عامة المحدثين من ان الأمير الأول زيد بن
حارثة ثم جعفر ثم عبد الله. وكان جعفر " رض " عنده من الولد ثمانية ذكور عبد الله
ومحمدا " الأكبر قتل مع عمه أمير المؤمنين " بصفين وعون ومحمد الأصغر قتلا بالطف مع
ابن عمهما الحسين " وحميد وحسين وعبد الله الأصغر وامهم جميعا " اسماء بنت عميس
الخثعمية " رض ". العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عم النبي صلى الله عليه
وآله وآخر من مات من أعمامه صلى الله عليه وآله، امه نثيلة وقيل نثلة بنت جناب بن
كليب بن مالك بن عمرو بن عامر وكان مولده قبل الفيل بثلاث سنين وكان اسن من النبي
صلى الله عليه وآله بسنتين وقيل بثلاث. روى انه قيل له ايكما اكبر انت ام النبي صلى
الله عليه وآله قال هو اكبر منى وانا ولدت قبله: وكان رئيسا " في الجاهلية في قريش
واليه عمارة المسجد الحرام والسقاية بعد ابى طالب " ع ": وكان وسيما جميلا ابيض له
ضفيرتان معتدل القامة وقيل كان طويلا حتى انه كان يقبل المرأة وهى في هودجها على
البعير قال من رآه اطول من رأينا العباس، يطوف بالبيت وكأنه فسطاط ابيض، وكان اجهر
الناس صوتا ". قيل انه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه، وسئل
بعضهم كيف لم تتفتق مرارات الغنم فقال انها كانت الفت صوته ولقد اتتهم غارة فصاح يا
صباحاه فاسقطت الحوامل وكان يقف على سلع فينادى غلمانه وهم بالغابة وبين الغابة
وسلع وهو جبل في وسط المدينة ثمانية اميال وكان النبي صلى الله عليه وآله يحترم عمه
العباس. أخرج أبو محمد الحسن بن ابى الحسن الديلمى في كتابه ارشاد القلوب ان النبي
صلى الله عليه وآله قال في غير موطن وصية منه في العباس ان عمى العباس بقية الأباء
والأجداد فاحفظوني فيه كل في كنفى وانا في كنف عمى العباس فمن آذاه فقد آذانى ومن
عاداه فقد عاداني سلمه سلمى وحربه حربى، واخرج
________________________________________
[ 80
]
الشيخ أبو
على الحسن بن محمد الطوسى في اماليه عن على " ع " قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله احفظوني في عمى العباس فانه بقيه آبائى. وأخرج الترمذي عن عبد المطلب بن ربيعه
بن الحرث بن عبد المطلب ان العباس دخل يوما " على رسول الله صلى الله عليه وآله
مغضبا " فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله ما اغضبك فقال يا رسول الله أرى قوما
" من قريش يتلافون بينهم بوجوه مسفرة فإذا لقونا لقونا بغير ذلك فغضب رسول الله صلى
الله عليه وآله حتى احمر وجهه ثم قال والذى نفسي بيده لا يدخل قلب رجل ايمان حتى
يحبكم: يا أيها الناس من أذى عمى فقد اذانى فانما عم الرجل صنو ابيه واختلف أهل
التواريخ في مبدأ اسلامه، فقال بعضهم كان اسلامه قديما " وكان يكتم ايمانه واسلامه
وخرج مع المشركين يوم بدر فقال رسول صلى الله عليه وآله من لقى العباس فلا يقتله
فانه خرج مستكرها "، وقيل انه اسلم يوم فتح خيبر وكان يكتم اسلامه ويسره ما يفتح
على المسلمين واظهر اسلامه يوم فتح خيبر وشهد حنينا " والطائف وتبوك وقيل ان اسلامه
كان قبل يوم بدر وكان يكتب بأخبار المشركين إلى النبي صلى الله عليه وآله وكان
المسلمون بمكة يتقون به وكان يحب القدوم على رسول الله صلى الله عليه وآله فكتب
إليه رسول الله صلى الله عليه وآله ان مقامك بمكة خير لك. وعن شرحبيل بن سعد قال:
لما بشر أبو رافع رسول الله صلى الله عليه وآله بإسلام العباس بن عبد المطلب اعتقه.
وقيل انه اسلم يوم بدر ولا خلاف انه كان في الأسرى يوم بدر اسره أبو اليسر كعب بن
عمرو الانصاري وكان أبو اليسر رجلا صغير الجثة وكان العباس رجلا عظيما " قويا "
فقال النبي صلى الله عليه وآله لأبى اليسر كيف أسرته قال: اعانني رجل ما رأيته قبل
ذلك ولا بعده فقال لقد اعانك عليه ملك كريم. فلما أمسى القوم والاسارى محبوسون في
الوثاق وفيهم العباس بات رسول الله صلى الله عليه وآله تلك الليلة ساهرا " فقال له
بعض اصحابه ما يسهرك يا رسول الله قال
________________________________________
[ 81
]
سمعت انين
العباس فقام رجل من القوم فارخى من وثاقه شيئا " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
ما بالى لا اسمع أنين العباس فقال رجل من القوم ارخيت من وثاقه شيئا " قال افعل ذلك
بالأسارى كلهم. ولما قدم بالأسارى إلى المدينة قال رسول الله للعباس افد نفسك يا
عباس وابنى اخويك عقيل بن ابى طالب ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب وخليفتك عتبة بن
جحد فانك ذو مال، قال انى كنت مسلما " ولكن القوم استكرهوني قال الله أعلم باسلامك
ان يكن ما ذكرت حقا " فالله يجزيك فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، وكان العباس احد
العشرة الذين ضمنوا طعام اهل بدر ونحر كل واحد يوم نوبته عشرا " من الأبل وكان حمل
معه عشرين اوقية من الذهب ليطعم بها الناس وكان يوم بدر في نوبته فاراد ان يطعم ذلك
اليوم فاقتتوا وبقيت العشرون الأوقية فاخذت منه حين اخد واسر في الحرب فكلم النبي
ان يحسبها في فدائه فابى صلى الله عليه وآله فقال: انه شئ خرجت تستعين به علينا فلا
اتركه لك قال تركتني انكفف قريشا " ما بقيت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فاين
الذهب الذى دفعته إلى ام الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها انى لا أدرى ما يصيبني في
وجهى هذا فان حدث في حادث فهو لك ولعبدالله ولعبيد الله وللفضل ولقثم يعنى بنيه:
فقال العباس: وما يدريك قال اخبرني به ربى جل جلاله فقال العباس: اشهد انك صادق
والذى بعثك بالحق يارسول الله ما علم بهذا غيرى وغيرها وانى لأعلم انك رسول الله ثم
فدى نفسه وابنى اخويه وحليفه. قيل وفى العباس نزلت يا أيها النبي قل لمن في ايديكم
من الأسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور
رحيم، قوله تعالى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا " أي ايمانكم، قال العباس: فأبدلني
الله عشرين عبدا " تاجرا " يضربون بمال كثير وادناهم بعشرين الف مكان العشرين اوقية
واعطاني زمزم وما أحب ان لى بها جميع أموال مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربى.
________________________________________
[ 82
]
قال محمد بن
اسحق كان رسول الله صلى الله عليه وآله لما استشار ابا بكر وعمر وسعد بن معاذ في
أمر الأسارى غلظ عليهم عمر غلظة شديدة فقال يارسول الله اطعني فيما اشير به عليك
فان لا آلوك نصحا " قدم عمك العباس فاضرب عنقه بيدك وقدم عقيلا إلى اخيه على " ع "
يضرب عنقه وقدم كل أسير منهم إلى أقرب الناس إليه يقتله قال فكره رسول الله صلى
الله عليه وآله ذلك ولم يعجبه ولما فدى العباس نفسه رجع إلى مكة ولم يزل فيها فلما
كان الفتح استقبل النبي صلى الله عليه وآله بالأبواء - وهو بفتح الهمزة وسكون الباء
الموحدة والمدة - موضع بين مكة والمدينة وكان معه يوم فتح مكة وأظهر اسلامه يومئذ
وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله حنينا " والطائف وتبوك وكان يوم حنين آخذا "
بركاب رسول الله وهو على بغلته البيضاء الدلدل وقد انطلق الناس إلا نفرا " من اهل
بيته فقال رسول الله حين رأى من الناس ما رأى وانهم لا يلوون على شئ يا عباس اصرخ
يا معشر الأنصار أصحاب العمرة يعنى الشجرة التى بايعوا تحتها بيعة الرضوان يوم
الحديبية ان لا بايفروا عنه قال العباس فناديت فاقبلوا كأنهم الأبل إذا حنت إلى
اولادها. وروى الشيخ أبو محمد الديلمى في كتابه (ارشاد القلوب) ان النبي صلى الله
عليه وآله كان جالسا في مسجده وحوله جماعة من الصحابة إذ دخل عليه عمه العباس وكان
رجلا صبيحا " حسنا " حلو الشمائل فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله قام إليه
واستقبله وقبل بين عينيه ورحب به وأجلسه إلى جانبه وجعل يفديه بابيه وامه فانشده
العباس قوله فيه يمدحه صلى الله عليه وآله. من قبلها طبت في الظلال وفى * مستودع
حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر * انت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين
وقد * الجم نسرا " واهله الغرق وخضت تار الخليل مكتتما * نجول فيها وليس تحترق
________________________________________
[ 83
]
من صلب طاهر
إلى رحم * إذا مضى عالم بدا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن من * خذف عليا تحتها النطق
وأنت لما ولدت اشرقت الا * رض وضائت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفى * النور
وسبل الرشاد نحترق فقال النبي صلى الله عليه وآله يا عم جزاك الله خيرا " ومكافاتك
على الله ثم قال معاشر الناس احفظوني في عمى العباس وانصروه ولا تخذلوه. وأخرج ابن
سعد في الطبقات عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: أرسل العباس بن عبد المطلب
إلى بنى عبد المطلب فجمعهم عنده وكان على " ع " عنده بمنزلة لم يكن احد بها، فقال
العباس: يابن أخى انى قد رأيت رأيا لم أحب ان اقطع فيه شيئا " حتى استشيرك فقال على
" ع " ما هو قال ندخل على النبي صلى الله عليه وآله فنسئله إلى من هذا الأمر من
بعده فان كان فينا لم نسلمه والله ما بقى في الأرض عن طارق وان كان في غيرنا لم
نطلبه بعد ابدا " قال على " ع " يا عم وهل هذا الأمر إلا اليكم وهل احد ينازعكم في
هذا الأمر. وفى رواية ان العباس وعليا " " ع " دخلا على النبي صلى الله عليه وآله
فسئله العباس عن ذلك فلم يجبه هل هو فيهم ام في غيرهم بل قال لهما أنتم المظلومون
انتم المقهورون، هذه روايتنا معشر الشيعة فان قلت هذا ينافى ما تدعونه من ان النبي
قد نص على أمير المؤمنين وبين فرض طاعته ودعى الأمة إلى اتباعه لأنه لو كان الامر
كذلك لم يكن اقول العباس المذكور معنى. قلت قد اجاب عن هذا السؤال شيخنا المفيد قدس
الله روحه في كتاب العيون والمحاسن فقال ان العباس " رض " انما سئل النبي صلى الله
عليه وآله عن كون الامر فيهم بعده على الوجوب وتسليم الامة لهم وهل المعلوم عند
الله تعالى تمكنهم منه وعدم الحيلولة بينهم وبينه فيطمئن بذلك قلبه ويسكن إلى وصوله
إلى غرضه وعدم المنازع وتمكينهم من الامر أو يغلبون عليه وبحال بينهم وبينه، فيسئل
النبي صلى الله عليه وآله ان يوصى لهم
________________________________________
[ 84
]
بالإكرام
والإعظام، ولم يكن في شك من الاستحقاق والاختصاص بالحكم، ألا ترى إلى جواب النبي
بانكم المقهورون وانتم المظلومون فجميع هذه الالفاظ جاءت بها الرواية، ولولا ان
سؤال العباس إنما كان عن حصول المراد من التمسكن من المستحق ونفوذ الامر والنهى لم
يكن لجواب النبي بما ذكرناه معنى يعقل، وكان جوابا " عن غير السؤال ورسول الله صلى
الله عليه وآله يجل عن صفات النقص كلها لانتظامه صفات الكمال، ونظير ذلك فيما
ذكرناه قول رجل لأبيه وهو يعلم انه وارثه دون الناس كافة أترى ان تركتك تكون لى بعد
الوفاة أم تجعل لغيري، وهل ما أهلتنى له يتقرر لى أم يغلبنى عليه اخواني أو بنو عمى
؟ فيقول له الوالد إذا لم يعلم الحال ما يغلب في ظنه من ذلك أو يجيبه بالرجاء وليس
سؤال الولد لوالده عن الاستحقاق، وأمثال ذلك كثير في الجواب عنه كفاية وغنى عن
الأمثال، انتهى. واتفق النقل من الخاصة والعامة: على ان العباس قال لأمير المؤمنين
" ع " يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وهما في الدار إمدد يدك ابايعك، فيقول
الناس عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله، فلا يختلف عليك اثنان، واختلفوا في
رواية جواب أمير المؤمنين، فروت العامة انه قال له أو يطمع فيها طامع غيرى، قال
العباس: ستعلم، فلم يلبثا ان جائتهما الأخبار بأن الإنصار اقعدت سعدا " لتبايعه،
وان عمرا " جاء بابى بكر فبايعه وسبق الانصار بالبيعة، فانشد العباس قول دريد:
أمرتهم أمرى بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد وروت الخاصة: انه قال
يا عم ان لى برسول الله شغلا عن ذلك فلما ألح عليه قال يا عم ان رسول الله أوصى إلى
واوصاني أن لا اجرد سيفا " بعده حتى ياتيني الناس طوعا " وأمرني بجمع القرآن والصمت
حتى يجعل الله لى مخرجا ". وادعت المعتزلة ومتكلموا المجيرة ان في هذا دليلا على ان
رسول الله صلى الله عليه وآله لم
________________________________________
[ 85
]
ينص على
أمير المؤمنين " ع "، قالوا لانه لو نص عليه لم يدعه العباس إلى البيعة لأن المنصوص
عليه لا يفتقر في إمامته وكمالها إلى البيعه فلما دعاه العباس إلى عقد إمامته من
حيث تعقد الإمامة التى تكون بالإختيار دل على بطلان النص. أجاب أصحابنا " رض "
بانه: ان كان دعاء العباس أمير المؤمنين إلى البيعة يدل على ما زعمتم من بطلان النص
وثبوت الإمامة بالإختيار فيجب ان يكون دعاء النبي صلى الله عليه وآله الى بيعته
ليلة العقبة ودعاء المسلمين من المهاجرين والأنصار تحت شجرة الرضوان دليلا على ان
نبوته إنما تثبت له من جهة الإختيار وانه لو كان ثابت الطاعة من قبل الله تعالى
وارساله وكان المعجز دليل نبوته لا مستغنى عن البيعة تارة بعد اخرى، فان قلتم بذلك
خرجتم عن المسلة وان أبيتموه نقضتم العلة، فإن قالوا إبن بيعة الناس لرسول الله صلى
الله عليه وآله لم تكن لأثبات النبوة وانما كانت للعهد في نصرته بعد معرفة حقه
وصدقه فيما أتى به الله عزوجل من رسالته. قيل لهم كذلك كان دعاء العباس أمير
المؤمنين إلى بسط اليد للبيعة فانما كان بعد ثبوت إمامته لتجديد العهد في نصرته
والحرب لمخالفيه وأهل مضادته ولم يحتج " ع " إليها في اثبات إمامته، ويدل على ما
ذكرناه قول العباس: يقول الناس عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان
فعلق الاتفاق بوقوع البيعة ولم يكن ليعلقه به الا وهى بيعة الحرب التى ترعب عندها
الاعداء ويحذرون من الخلاف ولو كانت بيعة الاختيار من جهة الشورى والإجتهاد لما منع
ذلك من الأختلاف بل كانت نفسها الطريق إلى تشت ت الرأى وتعلق كل قبيل باجتهاده
واختياره أو لا ترى إلى جواب أمير المؤمنين " ع " بقوله يا عم ان لى برسول الله صلى
الله عليه وآله شغلا عن ذلك، ولو كانت بيعة عقد الإمامة لما شغله عنها شاغل ولا
كانت قاطعة له عن مراده في القيام برسول الله أو لا ترى
________________________________________
[ 86
]
إلى قوله
لما ألح عليه يا عم ان رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى إلى واوصاني ان لا اجرد
سيفا " بعده، فدل ذلك ايضا " على ان البيعة انما دعا إليها للنصرة والحرب وانه لا
تعلق لثبوت الإمامة بها وان الاختيار ليس منها في قبيل ولا دبير على ما وصفناه.
وروى انه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله واشتغل على " ع " بغسله ودفنه وبويع
أبو بكر خلا الزبير وابو سفيان وجماعة من المهاجرين بعلى " ع " والعباس لأجالة
الرأى وتكلموا بكلام يقتضى الاستنهاض والتهيج فقال العباس: قد سمعنا قولكم فلا لقلة
نستعين بكم ولا لظنة نترك آرائكم فامهلونا نراجع الفكر فإن يكن لنا من الأمر، ثم
مخرج يصر بنا وبهم الحق صرير الحديد ونبسط إلى المجد كفا " لا نقبضها أو نبلغ المدى
وان تكن الاخرى فلا لقلة العدد ولا لوهن في الايد والله لولا ان الإسلام قيد الفتك
لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من المحل العلى فحل على " ع " حبوته فقال: الصبر
حلم والتقوى دين والحجة محمد والطريق الصراط، أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن
النجاة، وعرجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو
استسلم فاراح، ماء آجن ولقمة يغض بها آكلها، ومجتنى الثمرة لغير وقت ايناعها،
كالزارع بغير أرضه، فان اقل يقولوا حرص على الملك وان سكت يقولوا جزع من الموت،
هيهات بعد اللتيا واللتى، والله لابن أبى طالب آنس بالموت من الطفل بثدى امه، بل
اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوى البعيدة ثم نهض
ودخل منزله وتفرق القوم. وروى الزبير بن بكار في (الموفقيات) قال: لما ازدحم الناس
على أبى بكر فبايعوه مر أبو سفيان بن حرب بالبيت الذى فيه على بن أبى طالب " ع "
وانشده ابياتا ".
________________________________________
[ 87
]
بنى هاشم لا
تطمعوا الناس فيكم * ولا سيما تيم ابن مرة أو عدى فما الامر إلا فيكم واليكم * وليس
لها إلا أبو حسن على أبا حسن فاشدد بها كف حازم * فانك بالأمر الذى يرتجى ملى فقال
على " ع " لأبى سفيان: انك تريد أمرا " لسنا من أصحابه وقد عهد إلى رسول الله عهدا
" وانا عليه، فتركه أبو سفيان وعدل الى العباس في منزله فقال يا أبا الفضل أنت لها
أهل واحق بميراث ابن اخيك إمدد يدك لابايعك فلا يختلف عليك الناس بعد بيعتى إياك.
فضحك العباس وقال يا أبا سفيان يدفعها على " ع " ويطلبها العباس فرجع أبو سفيان
خاتبا ". وروى عن البراء بن عازب انه قال: لم أزل لبنى هاشم محبا " فلما قبض رسول
الله صلى الله عليه وآله خفت ان تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم فاخذني ما
ياخذ الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله
فكنت اتردد لبنى هاشم وهم عند النبي في الحجرة واتفقد وجوه قريش فانى لكذلك إذ فقدت
أبا بكر وعمر وإذا قائل يقول القوم في (سقيفة بنى ساعدة) وإذا قائل آخر يقول بوبع
أبو بكر، فلم ألبث وإذا أنا بابى بكر قد أقبل ومعه عمر وابو عبيدة وجماعته من اصحاب
السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعائية لا يمرون باحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده
فمسحوها على يد أبى بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى، فانكرت عقلي وخرجت اشتد حتى انتهيت
إلى بنى هاشم والباب مغلق فضربت عليهم الباب ضربا " عنيفا " وقلت قد بايع الناس
لأبى بكر بن أبى قحافة ! فقال العباس ثربت ايديكم آخر الدهر أما ابى قد أمرتكم
فعصيتموني فمكثت اكابد ما في نفسي ورأيت في الليلة المقداد وأبا ذر وعبادة بن
الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعمارا " وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى
بين المهاجرين، وبلغ ذلك أبا بكر وعمر فارسلا إلى أبى عبيدة والمغيرة بن شعبة
فسألاهما عن الرأى فقال المغيرة الرأى أن تلقوا العباس
________________________________________
[ 88
]
فتجعلوا له
ولولده في هذا الأمر نصيبا " لتقطعوا بذلك ناحية على بن أبى طالب " ع " فانطلق أبو
بكر وعمر وابو عبيدة والمغيرة حتى دخلوا على العباس، وذلك في الليلة الثانية من
وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فحمد أبو بكر الله واثنى عليه قال: وان الله
ابتعث لكم محمدا " نبيا " وللمؤمنين وليا " فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم حتى
اختار له ما عنده فخلى على الناس امورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين
فاختاروني عليهم واليا " ولا موالهم راعيا " فتوليت ذلك وأنا لا أخاف بعون الله
وتسديده وهنا ولا حيرة ولا جبنا وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه انيب، وما
انفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين يتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع
وخطبه البديع فاما دخلتم فيما دخل فيه الناس أو صرفتموهم عما مالوا إليه فقد جئناك
ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا " ولمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله
صلى الله عليه وآله وان كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله ومكان أهلك ثم
عدلوا بهذا الأمر عنكم وعلى رسلكم بنى هاشم، فإن رسول الله منا ومنكم فاعترض كلامه
عمر وخرج إلى مذهبه من الخشونة والوعيد واتيان الأمر من اصعب وجوهه. فقال إى والله
واخرى إنا لم نأتكم حاجة اليكم ولكن كرهنا ان يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون
منكم فيتفاقم الخطب بكم وبهم فانظروا لأنفسكم ولعامتهم. فتكلم العباس فحمد الله
واثنى عليه وقال: ان الله ابتعث محمدا " صلى الله عليه وآله نبيا " كما وصفت ووليا
للمؤمنين فمن الله على امته حتى اختار له وزعمت انه خلى على الناس امورهم ليختاروا
لأنفسهم متفقين غير مختلفين فإن كنت برسول الله صلى الله عليه وآله طلبت فحقنا أخذت
وان كنت بالمؤمنين فنحن منهم ما تقدمنا في امركم فرطا " ولا حللنا وسطا " ولا نزعنا
شخصا ". فإن كان هذا الإمر يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذا كنا كارهين وما أبعد قولك
انهم طعنوا عليك من قولك انهم مالوا إليك، وأما ما بذلت لنا فان يكن حقك لم نرض منه
ببعضه
________________________________________
[ 89
]
دون بعض وما
أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن للحجة نصيبها من البيان، وأما قولك ان رسول
الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم فإن رسول الله شجرة نحن اغصانها وانتم جيرانها،
وأما قولك يا عمر انك تحاف الناس علينا فهذا الذى قدمتموه اول ذلك والله المستعان.
ومما يناسب إيراده هنا ما ذكره الشريف أبو القاسم على بن الحسين المرتضى (رض) في
كتابه (الفصول) قال: حضر الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بسر من
رأى واجتمع إليه من العباسيين وغيرهم جمع كثير فقال له بعض مشايخ العباسيين اخبرني
من كان الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال له كان الإمام من دعاه
العباس إلى مده يده للبيعة، على حرب من حارب وسلم من سالم، فقال العباسي ومن هذا
الذى دعاه العباس لذلك ؟ فقال له الشيخ هو على بن ابى طالب " ع " حيث قال له العباس
في اليوم الذى قبض فيه رسول الله بما اتفق أهل النقل ابسط يدك يابن أخى ابايعك
فيقول الناس عم رسول الله صلى الله عليه وآله بايع ابن اخيه فلا يختلف عليك اثنان،
فقال شيخ من فقهاء البلد فما كان الجواب من على " ع " فقال له كان الجواب ان قال له
ان رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلى ان لا ادعو احدا " حتى يأتوني ولا اجرد
سيفا " حتى يبايعوني وانما انا كالكعبة أقصد ولا أقصد. ومع هذا فلى برسول الله شغل،
فقال له العباسي فقد كان العباس إذا على خطأ في دعائه إلى البيعة ؟ فقال الشيخ لم
يخطأ العباس فيما قصد له لأنه عمل على الظاهر وكان عمل أمير المؤمنين " ع " على
الباطن فكلاهما أصابا الحق ولم يخطئا والحمد لله، فقال له العباسي فإن كان الإمام
هو على بن أبى طالب " ع " بعد النبي صلى الله عليه وآله فقد أخطأ أبو بكر وعمر ومن
تبعهما وهذا أعظم في الدين ؟ فقال له الشيخ لست انشط الساعة بتخطية أحد وانما اجبتك
عن شئ فإن كان صوابا " تضمن تخطية انسان فلا تستوحش من اتباع الصواب وان كان باطلا
فتكلم على بطلانه فهو أولى من التشنيع بما لا يجدى نفعا " مع انه
________________________________________
[ 90
]
ان استعظمت
تخطية من ذكرت فلابد من تخطية على " ع " والعباس من قبل انهما تأخرا عن بيعة أبى
بكر ولم يرضيا بتقدمه ولا عملا له ولا لصاحبه عملا ولا تقلدا لهما ولاية ولا رآهما
أبو بكر ولا عمر أهلا ان يشركا مما في شئ من امورهما وخاصة ما صنع عمر بن الخطاب
يوم الشورى لما ذكر عليا " " ع " عابه ووصفه بالدعابة تارة وبالحرص على الدنيا اخرى
وامر بقتله ان خالف عبد الرحمن وجعل الحق في حيز عبد الرحمن دونه وفضله عليه وذكر
من يصلح للإمامة في الشورى ومن يصلح للإختيار، فلم يذكر العباس في احدى الطائفتين
وقد اخذ من على " ع " والعباس وجميع بنى هاشم الخمس الذى جعله الله لهم وارغمهم فيه
وحال بينهم وبينه وجعله في السلاح والكراع، فان كنت أبها الشريف ايدك الله تنشط
للطعن على على " ع " والعباس رحمه الله بخلافهما للشيخين وكراهتهما وتأخرهما عن
بيعتهما وترى من العقد ما سنه الشيخان من التأخير لهما عن شريف المنازل والفظ عنهما
والحط من أقدارهما فصر إلى ذلك فانه الضلال بغير شبهة، وان كنت ترى ولاءهما
والتعظيم لهما والاقتداء بهما فاسلك سبيلهما ولا تستوحش من تخطئة من خالفهما وليس
هاهنا منزلة ثالثة، فقال العباسي عند سماع هذا الكلام اللهم انك تحكم بين عبادك
فيما كانوا فيه يختلفون. وعن محمد بن عمر بن على عن أبيه عن أبى رافع، قال انى لعند
أبى بكر إذ طلع على " ع " والعباس يتدافعان ويختصمان في ميراث النبي صلى الله عليه
وآله فقال أبو بكر يكفيكم القصير الطويل يعنى عليا " " ع " بالقصير، وبالطويل
العباس. فقال العباس أنا عم النبي ووارثه وقد حال على " ع " بينى وبين تركته ؟ قال
أبو بكر فأين كنت يا عباس حين جمع النبي صلى الله عليه وآله بنى عبد المطلب وانت
أحدهم فقال أيكم يؤازرني ويكون وصيي وخليفتي في أهلى وينجز عدتي ويقضى دينى فاحجمتم
عنها إلا على، فقال النبي صلى الله عليه وآله انت لذلك. فقال العباس
________________________________________
[ 91
]
فما اقعدك
مجلسك هذا تقدمته وتأمرت عليه ؟ فقال أبو بكر أغدرا " يا بنى عبد المطلب. وروى ان
متكلما قال لهارون الرشيد: أريد أن اقرر هشام بن الحكم بأن عليا " ع " كان ظالما "
فقال له ان فعلت ذلك فلك كذا وكذا فامر به، فلما حضر هشام قال له المتكلم يا أبا
محمد روت الأمة باجمعها ان عليا " نازع العباس إلى أبى بكر في تركة النبي صلى الله
عليه وآله قال نعم، قال فايهما الظالم لصاحبه ؟ قال هشام فنظرت فإذا أنا إن قلت ان
عليا " " ع " كان ظالما كفرت وخرجت عن مذهبي وان قلت ان العباس كان ظالما " ضرب
الرشيد عنقي، ووردت على مسألة لم اكن سئلت عنها قبل ذلك ولا أعددت لها جوابا فذكرت
قول أبى عبد الله " ع " وهو يقول لى يا هشام لا تزال مؤيدا " بروح القدس ما نصرتنا
بلسانك، فعلمت انى لا اخذل، وعن لى الجواب في الحال فقلت له لم يكن فيهما ظالم قال
افيختصم. اثنان في أمر وهما جميعا " محقان ؟ قال نعم اختصم الملكان إلى داود " ع "
وليس فيهما ظالم وانما أرادا أن ينبها داود " ع " على الخطيئة ويعرفاه الحكم. كذلك
على " ع " والعباس تحاكما إلى أبى بكر ليعرفاه ظلمه وينبهاه على خطأيه فلم يحر
المتكلم جوابا " واستحسن الرشيد ذلك. وروى الجمهور حديث خصومة على " ع " والعباس
رضى الله عنه عند عمر بن الخطاب وأوردوه في صحاحهم، فنحن نذكر من ذلك طرفا " ثم
نتكلم عليه. رووا عن الزهري عن مالك بن الأوس بن الحدثان: ان عمر بن الخطاب دعاه
يوما لقسمة مال بين قومه قال فبينا انا عنده إذ دخل مؤذنه فقال هل لك في عثمان وسعد
وعبد الرحمن والزبير يستأذنون عليك ؟ قال نعم فاذن لهم قال ثم لبث قليلا فيقال هل
لك في على " ع " والعباس يستأذنان عليك ؟ قال أذن لهما فلما دخلا قال العباس يا
أمير المؤمنين إقضى بينى وبين هذا يعنى عليا "
________________________________________
[ 92
]
" ع " وهما
يختصمان في الصوافى التى افاءها الله على رسوله من أموال بنى النضير، فاستب على " ع
" والعباس عند عمر فقال عبد الرحمن يا أمير المؤمنين اقض بينهما وارح احدهما من
الآخر فقال عمر أنشدكما الله الذى بإذنه تقوم السماوات والأرض هل تعلمون ان رسول
الله صلى الله عليه وآله قال لا نورث ما تركناه صدقة يعنى نفسه ؟ قالوا قد قال ذلك،
فاقبل على العباس وعلى " ع " فقال أنشدكما الله هل تعلمان ذلك ؟ قالا معا " نعم.
قال عمر فانى احدثكم عن هذا الأمر ان الله تبارك وتعالى خص رسوله في هذا الفئ وهو
شئ لم يعطه غيره قال تعالى (ما افاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل
ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير) فكانت هذه خاصة
لرسول الله صلى الله عليه وآله فما اختارها دونكم ولا استأثر بها عليكم، لقد اعطا
كموها وبثها فيكم حتى بقى منها هذا المال فكان ينفق على أهله سنتهم ثم ياخذ ما بقى
فيجعله مجعل مال الله عزوجل فعل ذلك في حياته ثم توفى، فقال أبو بكر أنا ولى رسول
الله فقبضه الله تعالى وقد عمل فيها بما عمل رسول الله (والتفت إلى العباس وعلى " ع
") تزعمان ان أبا بكر فيها ظالم فاجر والله يعلم انه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم
توفى الله ابا بكر فقلت أنا أولى الناس بأبى بكر وبرسول الله فقبضتها سنتين أو قال
سنين من امارتي اعمل فيها مثل ما عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو بكر، ثم
قال وانتما: - وأقبل على العباس وعلى " ع " - تزعمان انى فيها ظالم فاجر والله يعلم
انى لصادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني وكلمتمانى كلمة واحدة وامركما جميع فجئتني
يعنى العباس تسألني نصيبك من ابن أخيك وجاءني هذا يعنى عليا " " ع " يسألنى نصيب
امرأته من أبيها فقلت لكما ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا نورث ما تركناه
صدقة فلما بدا لى ان ادفعها اليكما دفعتها على ان عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان
فيها بما عمل رسول الله وابو بكر وبما عملت انا به فيها وإلا فكلماني، فقلتما
ادفعها الينا بذلك فدفعتها اليكما بذلك افتلتمسان منى قضاء غير ذلك والله الذى
بأذنه
________________________________________
[ 93
]
تقوم
السماوات والأرض لا أقضى بينكما بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فان عجزتما عنها
فادفعاها إلى فانا اكفيكماها. قال المؤلف عفى الله عنه: هذا الحديث من مناكير
العامة وفواقرهم التى يشهد العقل بانكارها ويجزم بعدم صحتها والطعن فيه من وجوه:
الأول: ان عمر استشهد: عثمان وسعدا " وعبد الرحمن والزبير على انهم يعلمون ان النبي
صلى الله عليه وآله قال لا نورث ما تركناه صدقة فقالوا قد قال ذلك ومعظم المحدثين
ذكروا انه لم يرو هذا الخبر إلا أبو بكر وحده حتى ان الفقهاء في اصول الفقه اطبقوا
على ذلك في احتجاجهم بالخبر برواية الصحابي الواحد فاين كان هؤلاء القوم ايام ابى
بكر ما نعلم ان احدا من هؤلاء يوم خصومة فاطمة " ع " وابى بكر روى من هذا شيئا ".
الثاني: ان عمر ناشد عليا " ع " والعباس هل تعلمان ذلك فقالا معا " نعم فإذا كانا
يعلمان فكيف جاء العباس وفاطمة " ع " إلى ابى بكر يطلبان منه الميراث على ما رووه
عن عروة عن عائشة ان فاطمة والعباس اتيا ابا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله
وهما حينئذ يطلبان ارضه بفدك وسهمه بخيبر فقال لهما ابو بكر انى سمعت رسول الله
يقول لا نورث ما تركناه صدقة انما يأكل آل محمد من هذا المال وانى والله لا اغير
امرا " رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته وهل يجوز ان يقال كان العباس يعلم ذلك ثم
يطلب الأرث الذى لا يستحقه وهل يجوز ان يقال كان على " ع " يعلم ذلك ويمكن زوجته ان
تطلب ما لا تستحقه وهل خرجت من دارها إلى المسجد ونازعت ابا بكر وكلمته بما كلمته
به الا بقوله واذنه ورأيه. الثالث: قول عمر لعلى " ع " والعباس وانتما حينئذ تزعمان
ان ابا بكر فيها ظالم فاجر ثم قوله لما ذكر نفسه وانتما تزعمان انى فيها ظالم فاجر
فإذا كانا يزعمان ذلك فيكف يجمع هذا الزعم مع كونهما يعلمان ان رسول الله صلى الله
عليه وآله
________________________________________
[ 94
]
قال لا
نورث. الرابع: انهما حضرا يتنازعان لا في الميراث بل في ولاية صدقة رسول الله صلى
الله عليه وآله ايهما يتولاها ولاية لا أرثا " وعلى هذا كانت الخصومة كما يزعمون
فهل يكون جواب ذلك هل تعلمون وهل تعلمان ان رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة ؟
قالوا: وكانت هذه الصدقة بيد على " ع " غلب عليها العباس وكانت فيها خصومتهما فابى
عمر ان يقسمها بينهما حتى اعرض عنها العباس وغلب عليها على " ع " ثم كانت بيد الحسن
" ع " ثم بيد الحسين " ع " والحسن بن الحسن " ع " كلاهما يتداولانها ثم بيد زيد بن
على " ع ". وروى أيضا " عن ابن شهاب عن مالك بن اوس بن الحدثان قال: سمعت عمر يقول
للعباس وعلى " ع " وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة: انشدكم الله هل تعلمون ان
رسول الله صلى الله عليه وآله كان يدخل فيئه اهل السنة من صدقاته ثم يجعل ما بقى في
بيت المال قالوا اللهم نعم قال فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله قبضها ابو
بكر فجئت يا عباس تطلب ميراثك من ابن اخيك وجئت يا على " ع " تطلب ميراث زوجتك من
أبيها وزعمتما ان ابا بكر كان فيها خائنا " فاجرا " والله لقد كان امرا " مطيعا "
تابعا " للحق ثم توفى أبو بكر فجئتماني تطلبان ميراثكما اما انت يا عباس فتطلب
ميراثك من ابن أخيك واما انت يا على فتطلب ميراث زوجتك من ابيها وزعمتما انى فيها
خائن فاجر والله يعلم انى فيها مطيع تابع للحق فاصلحا امركما والا والله لم ترجع
اليكما فقاما وتركا الخصومة فامضيت صدقة. وهذا الحديث: يدل صريحا " على انهم جاءا
بطلبان الميراث لا الولاية ويطعن في صحته ان أبا بكر حسم المادة أولا وقرر عند
العباس وعلى " ع " وغيرهما ان النبي صلى الله عليه وآله لا يورث وكان عمر من
المساعدين له على ذلك فكيف يعود العباس وعلى " ع " بعد وفاة ابى بكر يحاولان امرا "
قد كان فرغ منه ويئس
________________________________________
[ 95
]
من حصوله
اللم الا ان يكونا ظنا ان عمر ينقض قضاء ابى بكر وهذا بعيد بل مستحيل لأن عليا "
والعباس " ع " كانا يعلمان موالاة عمر لأبى بكر في هذه الواقعة الا تراه يقول
نسبتماني ونسبتما ابا بكر إلى الظلم والخيانة فكيف يظنان انه ينقض قضاء ابى بكر وكم
للعامة من مناكير اعد منها ولا اعددها، والذى نعتقده في العباس " رض " أنه كان
معترفا " لأمير المؤمنين " ع " بالخلافة والأمامة عالما " ماله من عظيم المنزلة
ورفيع المقامة لا يختلجه في ذلك شك ولا ريب بل كان من المتقين الذين يؤمنون بالغيب.
قال السيد على بن طاوس " قدس سره "، روى كثير من علماء الإسلام: دوام اتحاد العباس
مع على " ع " وتولى أمره لما مات وقد كان من أحصاء على حتى روى ابن سعد وهو من
اعيان المخالفين لأهل البيت ان عليا هو الذى غسل العباس وتولى أمره لما مات. وقد
كان من اختصاص على " ع " باولاد العباس قبل تمكنه من خلافته وبعد انبساط يده
ومبايعته ما يدل على دوام الصفاء والوفاء، وقد ذكر ذلك جماعة من العلماء حتى كانوا
خواصه في حروبه وولاياته وفى اسراره واحتجاجاته وما كان طلب العباس للميراث
والصدقات إلا مساعدة لعلى " ع " ولذلك دفعها العباس إليه خاصته واما قولهم ان عليا
" غلب العباس عليها فغير صحيح لاستمرار يد على واولاده عليهم السلام عليها وترك
منازعة بنى العباس لهم، مع ان العباس ما كان ضعيفا عن منازعة على ولا أولاد العباس
ضعفاء عن منازعة اولاده في الصدقات المذكورة ولعل المخالفين ارادوا ان يوقعوا خلافا
" بين العباس وعلى " ع " ليعتذروا لأبى بكر وعمر في مخالفة بنى هاشم. واخرج الشيخ
الطوسى رحمه الله في (أماليه) عن محمد بن عمار بن ياسر عن ابيه عمار قال: لما مرضت
فاطمة " ع " بنت رسول الله صلى الله عليه وآله مرضها الذى توفيت فيه وثقلت جاءها
العباس بن عبد المطلب " رض " عائدا " فقيل له
________________________________________
[ 96
]
انها ثقيلة
وليس يدخل عليها احد فانصرف إلى داره وارسل إلى على فقال لرسوله قل له يابن الأخ ان
عمك يقريك السلام ويقول لك قد فجأنى من الغم بشكاة حبيبة رسول الله صلى الله عليه
وآله وقرة عينه وعينى فاطمة " ع " ما هدني وانى لأضنها أولنا لحوقا برسول الله
والله يختار لها ويحبوها ويزلفها لديه فان كان من امرها ما لا بد منه فانا اجمع لك
الغداة المهاجرين والأنصار حتى يصيبوا الأجر في حضورها والصلاة عليها وفى ذلك جمال
الدين، فقال على " ع " وانا حاضر عنده ابلغ عمى السلام وقل له لا عدمت اشفاقك وتحنك
وقد عرفت مشورتك ولرأيك فضل ان فاطمة بنت رسول الله لم تزل مظلومة ومن حقها ممنوعة
وعن ميراثا مدفوعة لم تحفظ فيها وصية رسول الله صلى الله عليه وآله ولا روعى فيها
حقه ولا حق الله عزوجل وكفى بالله حاكما ومن الظالمين منتقما وأنا أسألك يا عم ان
تسمح لى بترك ما اشرت به فانها اوصتني بستر أمرها ! قال فلما اتى العباس رسوله بما
قاله على " ع " قال يغفر الله لأبن أخى وانه لمغفور له ان رأى ابن اخى لا يطعن عليه
فيه انه لم يولد لعبد المطلب مولد أعظم بركة من على إلا النبي صلى الله عليه وآله
ان عليا " " ع " لم يزل أسبقهم إلى كل مكرمة واعلمهم بكل قضية واشجعهم في الكريهة
واشدهم جهادا " للأعداء في نصرة الحنيفة واول من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه
وآله. وفى السنة السابعة عشرة من الهجرة استسقى عمر بالعباس، روى ابن مسعود قال:
خرج عمر يستسقى بالعباس فقال اللهم إنا نتقرب اليك بعم نبيك وبقية آبائه وكبير
رجاله فانك قلت وقولك الحق المبين: واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة
وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا " فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ اللهم نبيك
في عمه فقد دلونا به مستشفعين ومستغفرين، ثم اقبل على الناس فقال استغفروا ربكم:
انه كان غفارا " يرسل السماء عليكم مدرارا "، قال ابن مسعود ورأيت العباس يومئذ وقد
طال عمره وعيناه تنفتحان
________________________________________
[ 97
]
وسبابته
تجول على صدره وهو يقول: اللهم انت الراعى فلا تهمل ضالة ولا تدع الكسير بدار
مضيعة، فقد ضرع الصغير ورق الكبير، وارتفعت الشكوى وانت تعلم السر واخفى، اللهم
اغثهم بغياثك من قبل ان يقنطوا فيهلكوا إنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم
الكافرون، قال فنشأت طريرة من سحاب وقال الناس ترون ترون ثم تلامت واستتمت ومشت ريح
ثم هدرت ودرت فوالله ما برحوا حتى اعتلقوا الأحذية وقلصوا المآزر وطفق الناس يلوذون
بالعباس ويقولون هنيئا " لك ساقى الحرمين يريدون ما كان من استسقاء أبيه عبد المطلب
بمكة فنسبوه إليه. وروى عن ابن عباس قال: كان بين العباس وعلى " ع " مباعدة فلقيت
عليا " في مرض العباس فقلت له ان كان لك في النظر إلى عمك حاجة فإته وما أراك تلقاه
بعدها فوجم لها وقال تقدمنى، واستأذنت له فاذن فدخل فاعتنق كل واحد منهما صاحبه
واقبل على على يده يقبلها ويقول يا عم ارض عنى رضى الله عنك. قال قد رضيت عنك، ثم
قال يابن اخى قد اشرت عليك من قبل بشيئين فلم تقبل ورأيت في عاقبتهما ما كرهت وها
انا اشير عليك برأى ثالث فان قبلته وإلا نالك ما نالك مما كان قبله، قال وما ذاك يا
عم ؟ قال لما قبض رسول الله اتانا أبو سفيان بن حرب تلك الساعة فدعوناك إلى ان
نبايعك وقلت لك ابسط يدك ابايعك ويبايعك هذا الشيخ فإنا ان بايعناك لم يختلف عليك
احد من بنى عبد مناف وإذا بايعك بنو عبد مناف لم يختلف عليك قرشي وإذا بايعك قريش
لم يختلف عليك احد من العرب، فقلت انا بجهاز رسول الله صلى الله عليه وآله مشغول
وهذا الأمر فليس يخشى عليه، فلم نلبث ان سمعنا التكبير من سقيفة (بنى ساعدة) فقلت
يا عم ما هذا فقلت ما دعوناك إليه فابيت، قلت سبحان الله أو كان هذا ؟ قلت نعم، قلت
أفلا يرد ؟ قلت لك وهل رد مثل هذا قط، ثم اشرت عليك حين طعن عمر فقلت لا تدخل نفسك
في الشورى فانك ان
________________________________________
[ 98
]
اعتزلتهم
قدموك وان ساويتهم تقدموك فدخلت معهم فكان ما رأيت، ثم انا الآن اشير عليك برأى
ثالث فان قبلته وإلا نالك ما نالك مما كان قبله. انى ارى ان هذا الرجل يعنى عثمان
قد اخذ في أمر والله لكأنى بالعرب قد سارت إليه حتى ينحر في بيته كما ينحر الجمل
والله ان كان ذلك وانت بالمدينة لزمك الناس به وإذا كان ذلك لم تنل من الأمر شيئا "
إلا بعد شر لا خير معه، قال ابن عباس فلما كان يوم الجمل عرضت له وقد قتل طلحة فقال
والله لكأن عمى كان ينظر إلى هذا من وراء ستر رقيق والله ما نلت من هذا الأمر شيئا
" إلا بعد شر لا خير معه. وروى ان العباس أوصى عليا " في علته التى مات فيها فقال:
أي بنى انى مشرف على الظعن إلى الله الذى فاقتي إلى عفوه وتجاوزه اكثر من حاجتى إلى
ما انصحك فيه واشير عليك به ولكن العرق نبوض والرحم عروض وإذا قضيت حق العمومة فلا
تأل بى بعد ؟ أن هذا الرجل يعنى عثمان قد ناجانى مرارا " بحديثك وناظرني ملاينا "
ومخاشنا " في أمرك ولم اجد منه عليك إلا مثل ما اجده منك عليه ولا رأيت منه لك إلا
مثل ما رأيت منك له ولست تؤتى من قلة علم ولكن من قلة قبول ومع هذا كله فالرأى الذى
اودعك به ان تمسك عنه لسانك ويدك فانه لا يبداك ما لم تبدأه ولا يجبك عما لم يبلغه
فان قلت كيف هذا وقد جلس مجلسا " أنا صاحبه فقد قاربت ولكن حديث يوم مرض رسول الله
صلى الله عليه وآله فات، ثم حرم الكلام فيه حين مات فعليك الأن بالعزوب عن شئ ارادك
له رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يتم وتصديت له مرة بعد اخرى فلم يستقم، ومن
ساور الدهر غلب ومن حرص على ممنوع تعب، وعلى ذلك فقد اوصيت عبد الله بطاعتك وبعثته
على متابعتك واوجرته محبتك ووجدت عنده من ظنى به لك لا توتر قوسك إلا بعد الثقة بها
وإذا اعجبتك فانظر إلى سيئتها ثم لا تفوق إلا بعد العلم ولا تفرق في النزع إلا
لنصيب الرمية وانظر لا بطرف يمينك
________________________________________
[ 99
]
عينك ولا
تجز شمالك شينك ودعني بآيات من آخر سورة الكهف وقم إذا بدا لك، ومما ينسب إلى
العباس (رض) عنه من الشعر ما عزاه إليه الزمخشري في (ربيع الأبرار) قال: إذا مجلس
الإنصاف حف بإهله * وحلت بواديهم غفار واسلم فما الناس بالناس الذين عهدتهم * ولا
الدار بالدار التى كنت تعلم وتوفى العباس في خلافة عثمان قبل مقتله بسنتين بالمدينة
يوم الجمعة لأثنى عشرة وقبل لأربع عشرة خلون من رجب وقيل من رمضان سنة اثنين
وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين من الهجرة، وهو ابن سبع وثمانين سنة بعد ان كف بصره ادرك
منها في الإسلام اثنين وثلاثين سنة وصلى عليه أمير المؤمنين " ع " وعثمان ودفن
بالبقيع ودخل قبره ابنه عبد الله وكان له من الذكور تسعة بنين وقيل عشرة ومن الاناث
ثلاث بنات والله أعلم. عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبو العباس، امه ام
الفضل لبانة بنت الحرث ابن حرب الهلالية، ولد في شعب بنى هاشم وهم محصورون فيه قبل
الهجرة بثلاث سنين وذكر الطائى ان النبي صلى الله عليه وآله حنكه بريقه حين ولد
ودعا له بالحكمة مرتين. وعن سعيد بن جبير عنه قال بت في بيت خالتي ميمونة فوضعت
للنبى صلى الله عليه وآله سلا فقال من وضع هذا قالت عبد الله قال اللهم علمه
التأويل وفقه في الدين، وكان طويلا أبيضا مشربا " بحمرة جسيما وسيما صبيح الوجه
وكان له وفرة وكان يخضب بالحنا وقيل بالسواد. وروى انه قال: توفى رسول الله صلى
الله عليه وآله وانا ابن عشر سنين وفى رواية ثلاث عشر وفى اخرى خمسة عشر، وكان عمر
يعظمه ويعتد به ويقدمه مع حداثة سنه وعلمه بميله إلى أمير المؤمنين " ع "، وكان إذا
ذكره يقول: ذاكم فتى الكهول له لسان سئول وقلب عقول وقال له لقد علمت علما ما
علمناه.
________________________________________
[ 100
]
وعن سعد بن
ابى وقاص انه قال: ما رأيت احضر فهما والب لبا ولا أكبر علما " ولا اوسع حلما " من
ابن عباس ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات ولا يجاوز قوله وان حوله لأهل بدر. وعن
مسروق قال: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت اجمل الناس، وإذا نطق قلت افصح الناس، فإذا
تحدث قلت اعلم الناس، وقال مجاهد: ما رأيت أحدا " قط مثل ابن عباس لقد مات يوم مات
وانه لخير هذه الأمة وكان يسمى البحر لكثرة علمه. وعن عبيد الله بن عبد الله قال
كان ابن عباس قد فاق الناس بخصال بعلم ما سبق إليه وفقه ما احتيج إليه وحلم ونسب
ولا رأيت أحدا " أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله منه ولا أعلم بشعر ولا
أعلم بعربية ولا بتفسير ولا بحساب ولا بفريضة ولا أعلم بما مضى ولا اثقب رأيا "
فيما احتيج إليه منه، ولقد كنا نحضر عنده فيحدثنا بالعشية كلها في النسب والعشية
كلها في الشعر. وعن أبى مليكه قال صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة فكان إذا نزل
قام شطرا " من الليل يرتل القرآن حرفا " حرفا " ويكثر من النشيج والنحيب. وعن ابى
رجاء قال رأيت ابن عباس واسفل عينيه مثل الشراك البالى من البكاء وكان يصوم الأثنين
والخميس. قال العلامة الحلى في (الخلاصة) عبد الله بن عباس " رض " من اصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله كان محبا " لعلى " ع " وتلميذه حاله في الجلالة والإخلاص
لأمير المؤمنين " ع " اشهر من ان يخفى وقد ذكر الكشى احاديث تتضمن قدحا " فيه وهو
اجل من ذلك وقد ذكرناها في كتابنا الكبير واجبنا عنها انتهى. وعن الشهيد الثاني
رحمه الله جملة ما ذكره الكشى من الطعن فيه خمسة احاديث كلها ضعيفة السند والله
اعلم بحاله انتهى. قال القاضى نور الله في (مجالس المؤمنين) أما أنا فاعتقد ايمانه
واما اجوبة
________________________________________
[ 101
]
العلامة في
كتابه الكبير فلم اقف عليها والذى سمعناه من بعض الثقاة ان كتابه المذكور ضاع قبل
ان ييض في جملة كتب واثاث للعلامة " رض " في الفترة الواقعة بعد وفاة السلطان محمد
خدا بنده الماضي والى الآن لم يقف احد من الافاضل على نسخة من الكتاب المذكور. قال
المؤلف: عفى الله عنه الذى اعتقده في ابن عباس " رض " انه كان من اعظم المخلصين
لأمير المؤمنين واولاده ولا شك في تشيعه وايمانه وستقف على ما نذكره من اخباره على
ما تحقق معه ذلك انشاء الله تعالى. وقال السيد جمال الدين أبو الفضائل احمد بن
طاووس الحلى رحمه الله في كتابه (حل الأشكال في معرفة الرجال) عبد الله بن عباس "
رض " حاله في المحبة والإخلاص لمولانا أمير المؤمنين والموالاة والنصرة له والذب
عنه والخصام في رضاه والمؤازرة له مما لا شبهة فيه وقد كان يعتمد ذلك مع من يجيب
اعتماده معه بعده على ما نطق به لسان السير. وقد روى الكشى اخبارا " شاذة ضعيفة
تقتضي قدحا " أو جرحا " ومثل الحبر " رض " موضع ان يحسده الناس وينافسوه ويقولوا
فيه ويباهتوه: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله * فالناس أعداء له وخصوم كضرائر
الحسناء قلن لوجهها * حسدا " وبغيا " إنه لذميم ولو اعتبر العاقل حالة الناس كافة
رأى انه ليس احد منهم خاليا من متعرض به أو قائل فيه اما مباهتا " أو غير مباهت
ومعلوم ان ذلك غير جار على قانون الصحة ونمط السداد إذ فيهم من لا شبهة في نزاهته
وبرائته: وما زلت استصفى لك الود أبتغى * محاسنة حتى كأنى مجرم لأسلم من قول الوشاة
وتسلمى * سلمت وهل حى من الناس يسلم ولو شك العاقل في كل شئ لما شك في حال نفسه عند
قول باطل يقال وبهت يبهت به لا اصل له في كلام شاهد بان السلامة من التعرض بعيدة
لأن
________________________________________
[ 102
]
الرفيع
بمظنة حسد المتوسط له ومن دونه فيقولان فيه والمتوسط بمظنة الحسد من المتوسط فيقول
فيه والساقط بمنزلة قدح الرفيع والمتوسط حقا فيه وانا مورد ما رواه الكشى في خلاف
ما مدحت به ومجيب من ذلك انشاء الله تعالى. حديث اول يتعلق بقول صدر فيه من مولانا
زين العابدين " ع " من رواية ابراهيم بن عمر الصنعانى وقال ابن الفضائرى فيه
ابراهيم بن الصنعانى اليماني يكنى ابا اسحق ضعيف جدا " روى عن أبى جعفر " ع " وأبى
عبد الله " ع " وله كتاب. حديث ثانى يتعلق بغضب الحسن " ع " منه عقيب مقالة قالها
تتعلق بافتخاره بالعلم وكأنه كان يعرض به الطريق محمد بن مسعود قال حدثنى جعفر بن
محمد بن أيوب قال حدثنى حمدان بن سليمان أبو الخير قال حدثنى أبو محمد عبد الله ابن
محمد اليماني قال حدثنى محمد بن الحسين بن ابى الخطاب الكوفى عن ابيه الحسين عن
طاوس وفى هذا الحديث من لا نثبت روايته اما من حيث لا نعرف عدالته أو من حيث ان
الطعن متوجه إليه. حديث ثالث يتعلق باخذ عبد الله ألفى الف درهم من مال البصرة،
رواه سفيان بن سعيد عن الزهري والمشار اليهما عدوان متهمان. حديث رابع يتعلق
بمراجعته لعلى " ع " بما سفك من الدماء والحديث مروى عن شيخ من اهل اليمامة بذكر عن
معلى بن هلال عن الشعبى وهذا السند ضعيف جدا " لا اصل له تارة بجهالة الشيخ اليماني
وتارة بما يعرف من حال الشعبى من طرق المخالف واما من طرقنا فالأمر ظاهر ومعلى بن
هلال لابد من معرفة عدالته. وروى حديثا " خامسا " يتعلق به وبأخيه عبيدالله شديدا "
في الطعن لكن طريقه ضعيف لأن من رواته محمد بن سنان يرويه عنه محمد بن عيسى العبيدي
________________________________________
[ 103
]
وهو مضعف
قال ولو ورد في مثله الف حديث يقبل امكن ان يعرض للتهمة فكيف مثل هذه الروايات
الضعيفة الركيكة انتهى، وهذا حين نذر جملة من أخباره. روى البخاري ومسلم في
صحيحيهما عن ابن عباس انه كان يقول، يوم الخميس وما يوم الخميس ثم يبكى حتى بل دمعه
الحصى فقلنا يابن عباس وما يوم الخميس قال اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وجعه
فقال اثنونى بدواة اكتب لكم كتابا " لا تضلوا بعدى ابدا فتنازعوا فقال انه لا ينبغى
عندي تنازع فقال قائل ما شأنه هجر استفهموه فذهبوا يعيدون عليه فقال دعوني فالذي
انا فيه خير مما انتم فيه. وفى الصحيحين ايضا اخرجاه معا عن ابن عباس قال: لما
احتضر رسول الله صلى الله عليه وآله وفى البيت رجال منهم عمر بن الخطاب قال النبي
صلى الله عليه وآله هلم اكتب لكم كتابا لا تضلون بعده قال عمر ان رسول الله قد غلبه
الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف القوم واختصموا فمنهم من يقول قربوا
إليه يكتب اليكم كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول القول ما قاله عمر فلما اكثروا
اللغو والاختلاف عنده قال لهم قوموا فكان ابن عباس يقول الرزية كل الرزية ما حال
بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب. قال: بعض العلماء صدق ابن عباس عند كل
عاقل مسلم والله لو لبس المسلمون السواد واقاموا المآتم وبلغوا اعظم الحزن لأجل ما
فعل عمر بن الخطاب لكان قليلا. وروى عبد الله بن عمر قال كنت عند ابى يوما وعنده
نفر من الناس فجرى ذكر الشعر فقال من اشعر العرب فقالوا فلان وفلان فطلع عبد الله
بن عباس فسلم وجلس فقال عمر قد جائنا الخبير من اشعر العرب يا عبد الله ؟ قال زهير
بن ابى سلمى قال فانشدني مما تستجيده له فقال انه مدح قوما " من غطفان
________________________________________
[ 104
]
يقال لهم
بنو سنان: لو كان يعقد فرق الشمس من شرف * قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا قوم سنان
أبوهم حين تنسبهم * طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا انس إذا أمنوا جن إذا فزعوا *
مرزؤن بها ليل إذا جهدوا محسدون على من كان من نعم * لا ينزع الله منهم ما له حسدوا
فقال عمر قاتله الله لقد احسن ولا ارى هذا المدح يصلح إلا لهذا البيت من بنى هاشم
لقرابتهم من رسول الله فقال ابن عباس وفقك الله يا أمير المؤمنين فلم تزل موفقا "
قال ابن عباس اتدرى ما منع الناس منكم قال لا ؟ قال لكنى ادرى قال ما هو ؟ قال كرهت
قريش ان يجتمع لكم الخلافة والنبوة فتجحفوا بالناس جحفا " فنظرت قريش لأنفسها
فاختارت ووفقت فاصابت فقال ابن عباس ايميط عنى أمير المؤمنين غضبه قال قل ما تشاء
قال أما قولك ان قريشا " كرهت فان الله تعالى قال لقوم ذلك بانهم كرهوا ما انزل
الله فاحبط اعمالهم واما قولك كنا تجحف فلو أجحفنا بالخلافة لجحفنا بالقرابة ولكنا
قوم اخلاقا مشتقة من اخلاق رسول الله الذى قال الله تعالى له وانك لعلى خلق عظيم
وقال له واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وأما قولك ان قريشا " اختارت فان الله
تعالى يقول وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة وقد علمت ان الله اختار
لذلك من اختار فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لو فقت قريش فقال عمر على رسلك يا
بن عباس ابت قلوبكم يا بنى هاشم إلا غشا في امر قريش لا يزول وحقدا " عليها لا يحول
فقال ابن عباس لا تنسب قلوب بنى هاشم إلى الغش فان قلوبهم من قلب رسول الله صلى
الله عليه وآله طهره الله وزكاهم وهم اهل البيت الذين قال الله تعالى انما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا واما قولك حقدا " فكيف لا يحقد من
غصب حقه ويراه في يد غيره فقال عمر اما انت يابن عباس فقد بلغى عنك كلام اكره ان
اخبرك به فتزول منزلتك عندي قال ما هو
________________________________________
[ 105
]
اخبرني به
فان يك باطلا فمثلي اماط الباطل عن نفسه وان يك حقا " فان منزلتك عندي لا تزول به.
قال بلغني انك لا تزل اتقول اخذ هذا الأمر منا حسدا " وظلما " قال اما قولك حسدا "
فقد حسد ابليس آدم فاخرجه من الجنة فنحن بنو آدم المحسود واما قولك ظلما " فانت
تعلم صاحب الحق من هو ثم قال الم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله صلى الله عليه
وآله واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله صلى الله عليه وآله فنحن احق برسول
الله صلى الله عليه وآله من سائر قريش فقال عمر قم الآن وارجع إلى منزلك فقام فلما
ولى هتف به عمر ايها المنصرف انى على ما كان منك لراع حقك فالتفت ابن عباس وقال ان
لى عليك حقا " وعلى كل المسلمين برسول الله صلى الله عليه وآله فمن حفظه فحق نفسه
حفظ ومن اضاعه فحق نفسه اضاع فقال عمر لجلسائه واها " لأبن عباس ما رأيته لاحى احدا
" الا خصمه. وروى أبو بكر احمد بن عبد العزيز الجوهرى قال حدثنا أبو زيد عمر ابن
شبة باسناد رفعه إلى ابن عباس قال انى اماشى عمر في سكة من سكك المدينة يده في يدى
فقال يابن عباس ما اظن صاحبك إلا مظلوما "، فقلت في نفسي والله لا يسبقنى بها فقلت
يا أمير المؤمنين فاد إليه ظلامته فانتزع يده من يدى ثم مر يهمهم ساعة ثم وقف
فلحقته فقال يابن عباس ما اظن القوم منعهم من صاحبك إلا انهم استصغروه فقلت في نفسي
هذه شر من الأولى فقلت والله ما استصغره الله حين امره باخذ سورة برائة من ابى بكر.
وعن ابن عباس قال ماشيت عمر بن الخطاب يوما " فقال لى يابن عباس ما منع قومكم منكم
وانتم أهل البيت خاصة ؟ قلت لا ادرى قال لكنى ادرى انكم فضلتموهم بالنبوة فقالوا ان
فضلونا بالخلافة مع النبوة لم يبقوا لنا شيئا " وان افضل النصيبين بايديكم بل ما
اخالها إلا مجتمعة فيكم وان نزلت على رغم انف قريش. وروى احمد بن ابى طاهر في كتاب
تاريخ بغداد بسنده عن ابن عباس
________________________________________
[ 106
]
قال: دخلت
على عمر في اول خلافته وقد القى إليه صاع من تمر على صحفة فدعاني للأكل فاكلت تمرة
واحدة وأقبل يأكل حتى أتى عليه ثم شرب من جرة كانت عنده واستلقى على مرفقة له وطفق
يحمد الله يكرر ذلك ثم قال من ابن جئت يا عبد الله قلت من المسجد قال كيف خلفت ابن
عمك فظننته يعنى عبد الله بن جعفر قلت خلفته مع اقرابه يلعب قال لم اعن ذلك انما
عنيت عظيمكم اهل البيت قلت خلفته يمتح بالغرب على نخلات له وهو يقرأ القرآن فقال يا
عبد الله عليك دماء البدن ان كتمتنيها ابقى في نفسه شئ من أمر الخلافة قلت نعم قال
ايزعم ان رسول الله صلى الله عليه وآله جعلها له قلت نعم وازيدك سألت ابى عما يدعيه
فقال صدق قال عمر لقد كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في امره ذرو من قول لا
يثبت حجة ولا يقطع عذرا " وقد كان يزيغ في امره وقتاما " ولقد اراد في مرضه ان يصرح
باسمه فمنعت من ذلك اشفافا وحفيظة على الإسلام لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه
قريش ابدا " ولو وليها لانتقضت عليه العرب من اقطارها فعلم رسول الله صلى الله عليه
وآله انى علمت ما في نفسه فأمسك وأبى الله إلا امضاء ما حتم. قلت: يشير إلى اليوم
الذى قال فيه صلى الله عليه وآله هلم اكتب لكم كتابا " لا تضلون بعده فقال عمر أنه
قد غلبه الوجع وقد ذكرنا الحديث آنفا ". وحدث ابن عائشة عن ابيه قال نظر الخطيئة
إلى ابن عباس في مجلس عمر وقد برع بكلامه فقال من هذا الذى قد نزل عن القوم في سنه
وعلاهم في قوله قالوا هذا ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله فانشأ يقول
شعرا ". ان وجدت بيان المرء نافلة * تهدى له ووجدت العمى كالصمم المرء يبلى وتبقى
الكلم سائرة * وقد يلام الفتى يوما ولم يلم وعن الشعبى قال: قيل لأبن عباس من أين
اصبت هذا العلم ؟ قال بلسان سؤل وقلب عقول.
________________________________________
[ 107
]
وروى ان
الناس كلموا ابن عباس ان يحج بهم وعثمان محصور في الدار فدخل عليه فاخبره فأمره ان
يحج بهم فحج بالناس فلما قدم رأى عثمان قد قتل وقد بويع أمير المؤمنين " ع ". قال
ابن عباس قدمت من مكة بعد مقتل عثمان بخمسة أيام فجئت عليا " ع " لأدخل عليه فسألت
عنه فقيل لى عنده المغيرة بن شعبة فجلست بالباب حتى خرج المغيرة ودخلت على على " ع
" فقال لى اين لقيت طلحة والزبير ؟ فقلت بالرصف قال ومن معهما قلت أبو سعيد بن
الحرث بن هشام في فتية من قريش فقال " ع " اما انهم لن يدعوا ان يخرجوا فيطلبوا بدم
عثمان والله اعلم انهم قتلة عثمان فقلت له اخبرني عن شأن المغيرة ولم خلا بك قال "
ع " جائنى بعد مقتل عثمان بيومين فقال اخلني ففعلت فقال انت بقية الناس وانا لك
ناصح وانى اشير عليك بترك عمال عثمان عامك هذا فاكتب إليهم باثباتهم على اعمالهم
فإذا بايعوك واطمئن امرك عزلت من احببت وابقيت من احببت فقلت والله لا اداهن في
دينى ولا اعطى الرياء في امرى قال فان كنت قد ابيت فانزع من شئت واقر معاوية فان له
جرءة وهو في اهل الشام مسموع منه ولك في ابقائة حجة فقد كان عمر ولاه الشام كلها
فقلت والله لا استعملت معاوية ابدا " فخرج من عندي بعد ما اشار به ثم عاد فقال إلى
اشرت بما اشرت به وابيت على ثم نظرت فإذا انت مصيب لا يسعك ان تأخذ أمرك بخدعة ولا
ان يكون فيه دلسة فقلت اما اول ما اشار به فقد نصحك فيه وأما الآخر فقد غشك به وانا
اشير عليك ان تبقى معاوية فان بايعك فعلى ان اقفله من منزله قال " ع " الله لا
اعطيه إلا السيف وتمثل " ع " بهذا البيت: فما شبة ان رمتها غير عاجز * بعار إذا ما
غالت النفس غولها فقلت يا أمير المؤمنين " ع " انك رجل شجاع اما سمعت رسول الله
يقول الحرب خدعة فقال بلى فقلت انى والله لأصدرن بهم بعد ورود ولأتركنهم
________________________________________
[ 108
]
ينظرون في
ادبار الأمور ولا يدرون ما وجهها في غير نقض ! عليك ولا إثم فقال " ع " يابن عباس
لست من هناتك ولا هنات معاوية في شئ، لك ان تشير على وارى فإذا عصينك فاطعني فقلت
فانا افعل فان ايسر ما عندي لك الطاعة، ثم خرج ابن عباس معه " ع " إلى البصرة وشهد
معه وقعة الجمل ولما صار على " ع " إلى البصرة بعث ابن عباس فقال له لا تلقين طلحة
فانك ان تلقه تجده كالثور عاقصا " قرنه يركب الصعب ويقول هو الذلول ولكن الق الزبير
فانه الين عريكة فقل له يقول لك ابن خالك عرفتني بالحجاز وانكرتني بالعراق فما عدا
مما بدا قال ابن عباس فاتيت الزبير فقلت له ما قال " ع " فقال انى اريد ما تريد
كانه يقول الملك ولم يزدنى على ذلك فرجعت إلى أمير المؤمنين " ع " فاخبرته. وروى ان
أمير المؤمنين " ع " لما أرسل ابن عباس إلى الزبير قال من كان له ابن عم مثل ابن
عباس فقد اقر الله عينه. وأخرج الكشى باسناده قال، لما هزم على بن أبى طالب " ع "
اصحاب الجمل بعث عبد الله ابن عباس إلى عايشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة قال
ابن عباس فاتيتها وهى في قصر بنى خلف في جانب البصرة قال: وطلبت عليها الاذن فلم
تأذن فدخلت عليها من غير اذنها فإذا بيت قفار لم يعد لى فيه مجلس وإذا هي من وراء
سترين فضربت ببصرى فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة قال فمددت الطنفسة فجلست
عليها، فقالت من وراء الستر يابن عباس اخطأت السنة دخلت بيتنا بغير اذننا وجلست على
متاعنا بغير اذننا، فقال لها ابن عباس نحن أولى بالسنة منك ونحن علماك السنة وانما
بيتك الذى خلفك فيه رسول الله فخرجت منه ظالمة لنفسك غاشة لدينك عانية على ربك
عاصية لرسول الله صلى الله عليه وآله فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا باذنك ولم
نجلس على متاعك إلا بأمرك ان أمير المؤمنين " ع " بعث اليك يامرك بالرحيل إلى
المدينة وقلة العرجة. فقالت: رحم الله أمير المؤمنين ذاك عمر بن الخطاب فقال ابن
________________________________________
[ 109
]
عباس هذا
والله أمير المؤمنين وان تربدت فيه وجوه ورغمت فيه معاطس اما والله لهو امير
المؤمنين " ع " وأمس برسول الله صلى الله عليه وآله رحما " وأقرب قرابة وأقدم سبقا
" واكثر علما " واعلى منارا " واكثر آثارا " من ابيك ومن عمر فقالت ابيت ذلك فقال
اما والله ان كان اباؤك فيه قصير المدة عظيم المشقة ظاهر الشوم بين النكد، وما كان
آباؤك فيه إلا كحلب شاة حتى صرت ما تأمرين ولا تنهين لا ترفعين ولا تضعين وما كان
مثلك إلا كمثل ابن الخضرمى بن نجمان اخى بنى اسد حيث يقول: ما زال اهداء القصائد
بيننا * شتم الصديق وكثرة الألقاب حتى تركتهم كأن قلوبهم * في كل مجمعة طنين ذباب
قال: فاراقت دمعتها وابدت عويلها وتبدى نشيجها ثم قالت اخرج والله عنكم فما في
الأرض بلد ابغض إلى من بلد انتم فيه، فقال ابن عباس فلم والله ماذا بلاؤنا عندك ولا
صنيعنا اليك انا جعلناك للمؤمنين اما وانت بنت ام رومان وجعلنا اباك صديقا " وهو
ابن ابى قحافة فقالت يابن عباس تمنون على برسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ولم
لا نمن عليك لو كان منك قلامة منه مننتنا به ونحن لحمه ودمه ومنه واليه وما أنت إلا
حشية من تسع حشايا خلفهن بعده لست بأبيضهن لونا " ولا أحسنهن وجها " ولا بأرشحهن
عرقا " ولا بأنضرهن ورقا " ولا بأطراهن اصلا فصرت تأمرين فتطاعين وتدعين فتجابين
وما مثلك إلا كما قال آخر بنى فهر: مننت على قومي فابدوا عداوة * فقلت لهم كفوا
العداوة والنكرا ففيه رضا " من مثلكم لصديقه * واحجى بكم ان تجمعو البغى والكفرا
قال ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين " ع " فاخبرته بمقالتها وما رددت عليها فقال " ع "
انا اعلم بك حيث بعثتك. واقام أمير المؤمنين بعد وقعة الجمل خمسين ليلة ثم اقبل على
الكوفة
________________________________________
[ 110
]
واستخلف ابن
عباس على البصرة. ولما خرج " ع " إلى صفين لحرب معاوية كتب إلى عماله يستفزهم فكتب
إلى ابن عباس وهو عامله على البصرة: أما بعد فاشخص إلى بمن قبلك من المسلمين
والمؤمنين وذكرهم بلائى عندهم وعفوي عنهم في الحرب واعلمهم الذى في ذلك من الفضل
والسلام. فلما وصل كتابه إلى ابن عباس بالبصرة قام في الناس فقرأ عليهم الكتاب وحمد
الله واثنى عليه وقال أيها الناس استعدوا للشخوص إلى امامكم وانفروا خفافا " وثقالا
وجاهدوا باموالكم وانفسكم فانكم تقاتلون المحلين القاسطين الذين لا يقرؤن القرآن
ولا يعرفون حكم الكتاب ولا يدينون دين الحق مع أمير المؤمنين " ع " وابن عم رسول
الله صلى الله عليه وآله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والصادع بالحق والمقيم
بالهدى والحاكم بحكم الكتاب الذى لا يرتشى في الحكم ولا يداهن الفجار ولا تأخذه في
الله لومة لائم فقام إليه الأحنف بن قيس فقال نعم والله لنجيبنك ولنخرجن معك على
العسر واليسر والرضا والكره، نحتسب في ذلك الأجر ونامل به من الله العظيم حسن
الثواب واجابه سائر الناس إلى المسير فاستعمل أبا الأسود الدؤلى على البصرة وخرج
حتى قدم على أمير المومنين " ع " بالنخيلة وهى بضم النون: مصغر نخلة موضع من الكوفة
على سمت الشام. وعن عبد الله بن عوف ابن الأحمران عليا " " ع " لم يبرح النخيلة حتى
قدم عليه ابن عباس باهل البصرة. وروى نصر بن مزاحم قال لما اشتد الأمر وعظم البلاء
على اهل الشام قال معاوية لعمرو بن العاص ان رأس الناس بعد على " ع " لعبدالله بن
عباس فلو كتبت إليه كتابا " لعلك تخدعه به ولعله لو قال شيئا " لم يخرج على منه وقد
اكلتنا الحرب ولا ارانا نصل إلى العراق إلا بهلاك أهل الشام فقال عمرو
________________________________________
[ 111
]
ان ابن عباس
لا يخدع ولو طمعت فيه لطمعت في على قال معاوية على ذاك فاكتب فكتب عمرو إليه اما
بعد فان الذى نحن فيه وانتم ليس بأول امر قاده البلاء وانت رأس هذا الجمع بعد على "
ع " فانظر فيما بقى ودع ما مضى فوالله ما ابقت هذه الحرب لنا ولكم حياء ولا صبرا ".
وعلم ان الشام لا تملك إلا بهلاك اهل العراق، وان العراق لا تملك إلا بهلاك اهل
الشام فما خيرنا بعد هلاك اعدادنا منكم وما خيركم بعد هلاك اعدادكم منا ولسنا نقول
ليت الحرب عادت ولكنا نقول ليتها لم تكن وان فينا من يكره اللقاء كما ان فيكم من
يكرهه وانما هو أمير مطاع ومأمور مطيع ومؤتمن مشاور وهو انت فاما الأشتر الغليظ
الطبع القاسي القلب فليس بأهل ان يدعى في الشورى ولا في خواص اهل النجوى وكتب في
اسفل الكتاب: طال البلاء وما يرجى له آسى * بعد الإله سوى رفق ابن عباس قولا له قول
من يرجو مودته * لا تنس حظك ان الخاسر الناسي انظر فداؤك نفسي قبل قاصمة * للظهر
ليس لها راق ولا آسى ان العراق وأهل الشام لن يجدوا * طعم الحياة مع المستغلق
القاسي يابن الذى زمزم سقيا الحجيج له * اعظم بذلك من فخر على الناس انى ارى الخير
في سلم الشأم لكم * والله يعلم ما بالسلم من بأس فيها التقى وامور ليس يجهلها * إلا
الجهول وما نوكى كاكياس فلما وصل الكتاب إلى ابن عباس عرضه على أمير المؤمنين " ع "
فقال قاتل الله ابن العاص ما اغراه بك يا عبد الله اجبه وليرد عليه الشعر الفضل ابن
العباس فانه شاعر فكتب ابن عباس إلى عمرو اما بعد فانى لا اعلم احدا من العرب أقل
حياء منك انه مال بك معاوية إلى الهوى فبعته دينك بالثمن اليسير ثم حيطت الناس في
عشوة طمعا " في الدنيا فاعظمتها اعظام اهل الدنيا ثم تزعم انك
________________________________________
[ 112
]
تننزه عنها
تنزه اهل الورع فان كنت صادقا " فارجع إلى بيتك ودع الطمع في مصر والركون إلى
الدنيا الفانية واعلم ان هذه الحرب ما معاوية فيها كعلى " ع " بدأها على " ع "
بالحق وانتهى فيها إلى العذر وبدأها معاوية بالبغى وانتهى فيها إلى السرف وليس أهل
العراق فيها كأهل الشام بايع أهل العراق عليا " " ع " وهو خير منهم وبايع أهل الشام
معاوية وهم خير منه ولست انا وانت فيها سواء اردت الله تعالى وأردت مصر وقد عرفت
الشئ الذى باعدك منى ولا اعرف الشئ الذى قربك من معاوية فان ترد شرا " لا نسبقك
إليه وان ترد خيرا " لا تسبقنا إليه والسلام. ثم دعا اخاه الفضل فقال: يابن ام اجب
عمرا " فقال الفضل: يا عمرو حسبك من مكر ووسواس * فاذهب فليس لداء الجهل من آسى الا
تواتر طعن في نحوركم * يشجى النفوس ويشقى نخوة الراس اما على فان الله فضله * بفضل
ذى شرف عال على الناس ان تعقلوا الحرب نعقلها مخيسة * أو تبعثوها فانا غير انكاس
قتلى العراق بقتلى الشام ذاهبة * هذا بهذا وما بالحق من باس ثم عرض الشعر والكتاب
على على " ع " فقال لا أراه يجيبك بعدها بشئ ابدا " ان كان يعقل وان عاد عدت عليه
فلما انتهى الكتاب إلى عمرو ابن العاص عرضه على معاوية فقال ان قلب ابن عباس وقلب
على " ع " واحد وكلاهما ولد عبد المطلب وان كان قد خشن فلقد لأن وان كان قد عظم
صاحبا فلقد قارب وجنح إلى السلم. قال نصر وقال معاوية لأكتبن إلى ابن عباس كتابا "
استعرض فيه عقله وانظر ما في نفسه فكتب إليه: اما بعد فانكم معشر بنى هاشم لستم إلى
احد اسرع بالماءة منكم إلى انصار ابن عفان حتى انكم قتلتم طلحة والزبير لطلبهما
واستعظامهما ما نيل منه فان يكن ذلك منافة لبنى امية في السلطان فقد ولياه
________________________________________
[ 113
]
عدى وتيم
فلم تنافسوهم واظهرتم لهم الطاعة وقد وقع من الأمر ما ترى واكلت هذه الحروب بعضها
بعضا حتى استوينا فيها فما يطمعكم فينا يطمعنا فيكم وما يؤيسنا منكم يؤيسكم منا
ولقد رجونا غير ما كان وخشينا دون ما وقع ولست ملاقينا اليوم بأحد من حد أمس ولا
عذابا " أحد من حد اليوم وقد قنعنا بما في ايدينا من ملك الشام فاقنعوا بما في
أيديكم من ملك العراق وابقوا على قريش فأنما بقى من رجالها ستة رجلان بالشام ورجلان
بالعراق ورجلان بالحجاز فاما الرجلان بالشام فانا وعمرو، واما اللذان بالعراق فانت
وعلى، واما اللذان بالحجاز فسعد وابن عمر فاثنان من الستة ناصبان لك واثنان واقفان
فيك وانت رأس هذا الجمع اليوم ولو بايع لك الناس بعد عثمان كنا اليك اسرع منا إلى
على والسلام فلما وصل الكتاب إلى ابن عباس اسخطه وقال حتى متى يخطب ابن هند إلى
عقلي وحتى متى أحجم على ما في نفسي فكتب إليه أما بعد فقد اتانى كتابك وقرأته فاما
ما ذكرت من سرعتنا اليك بالمساءة والى انصار ابن عفان وكراهتنا لسلطان امية فلعمري
لقد ادركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره حتى صرت إلى ما صرت إليه وبيني
وبينك في ذلك ابن عمك واخو عثمان وهو الوليد بن عقبه واما طلحة والزبير فانهما
اجلبا عليه وضيقا خناقه ثم خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك فقاتلناهما على النكت
كما قاتلناك على البغى واما قولك انه لم يبق من قريش غير ستة فما اكثر رجالها واحسن
بقيتها وقد قاتلك من خيارها من قاتلك ولم يخذلنا إلا من خذلك واما إغراؤك إيانا
بعدى وتيم فأن ابا بكر وعمر خير من عثمان كما ان عثمان خير منك وقد بقى لك منا ما
ينسيك ما قبله وتخاف ما بعده واما قولك لو بايع الناس لى لاستقاموا فقد بايع الناس
عليا " وهو خير منى فلم يستقيموا له وما انت وذكر الخلافة يا معاوية وانما انت طليق
وابن طليق والخلافة للمهاجرين الأولين وليس الطلقاء منها في شئ والسلام. فلما وصل
كتابه إلى معاوية قال هذا عملي بنفسى لا اكتب والله كتابا " سنة كاملة وقال شعرا ":
________________________________________
[ 114
]
دعوت ابن
عباس إلى جل حطة * وكان امرءا " اهدى إليه رسائلي فاخلف ظنى والحوادث جمة * وما زاد
أن اغلى على مراجلي فقل لابن عباس اراك مخوفا " * بجهلك حلمي اننى غير غافل فأبرق
وارعد ما استطعت فانني * اليك بما يشجيك سبط الأنامل قال نصر: لما اراد الناس عليا
" " ع " ان يضع الحكمين قال لهم ان معاوية لم بكن ليضع لهذا الأمر أحدا " هو أوثق
برأيه ونظره من عمرو بن العاص وانه لا يصلح للقرشي الا مثله فعليكم بعبدالله بن
عباس فارموه به فان عمرا لا يعقد عقده إلا حلها عبد الله ولا يحل عقدة إلا عقدها
ولا يبرم أمرا " إلا نقضه ولا ينقض امرا " إلا أبرمه فقال الأشعث والله لا يحكم
فينا مضربان حتى تقوم الساعة ولكن اجعل رجلا من اهل اليمن إذا جعلوا رجلا من مضر
فقال على " ع " انى اخاف ان يخدع يمنيكم فان عمرا " لبس من الله في شئ إذا كان في
امر هوى فقال الاشعث والله لئن يحكمان ببعض ما نكره واحدهما من اهل اليمن احب الينا
من ان يكون بعض ما نحب وهما مضربان انتهى ثم اختار اهل الشام عمرو بن العاص وقالوا
قد رضبنا به وقال الاشعث والقراء الذين صاروا خوارج فيما بعد رضينا نحن واخترنا ابا
موسى الاشعري فقال لهم على " ع " فانى لا ارضى بابى موسى ولا ارى ان اوليه قالوا
فانا لا ترضى الا به فقال على " ع " فانه ليس يرضى وقد فارقني وخذل الناس عنى وهرب
منى حتى آمنته بعد شهر ولكن هذا ابن عباس اوليه ذلك. قالوا والله لا تبالي إن كنت
وابن عباس ولا نريد الا رجلا هو منك ومن معاوية سواء لبس إلى واحد منكما ادنى من
الآحر فقال على " ع " قد ابيتم إلا ابا موسى قالوا نعم قال فاصنعوا ما شئتم فبلغ
ذلك اهل الشام فبعث ايمن ابن حزيم الاسدي وكان معتزلا لمعاوية وكان هواه ان يكون من
اهل العراق بهذه الابيات: لو كان للقوم أمر يعصمون به * من الضلال رموكم بابن عباس
لله در أبيه أيما رجل * ما مثله لقصال الخطب في الناس
________________________________________
[ 115
]
لكن رموكم
بشيخ من ذوى يمن * لا يهتدى ضرب اخماس لأسداس ان يخل عمرو به يقذفه في لجج * يهوى
به النجم تيسا " بين اتياس ابلغ لديك عليا " غير عاتبه * قول امرئ لا يرى بالحق من
باس ما الاشعري بمأمون ابا حسن * فاعلم هديث وليس العجز كالرأس فاصدع بصاحبك الادنى
برغمهم * ان ابن عمك عباس هو الاسى فلما بلغ اهل العراق هذا الشعر طارت اهواء قوم
من أولياء على " ع " وشيعته إلى ابن عباس وأبت القراء إلا ابا موسى وكان ايمن بن
حزيم هذا رجلا عابدا " مجتهدا " وقد كان معاوية جعل له فلسطين على ان يبايعه
ويشايعه على قتال على " ع " فقال ايمن هذه الابيات وبعث بها إليه: ولست مقاتلا رجلا
يصلى * على سلطان آخر من قريش له سلطانه وعلى اثمى * معاذ الله من سفه وطيش أأقتل
مسلما " في غير جرم * فليس بنافع ما عشت عيشي وروى المدائني في كتاب (صفين) والزبير
ابن بكار في (الموفقيات) قالا: لما اجتمع اهل العراق على طلب ابى موسى واحضروه
للتحكيم على كره من على " ع " اتاه عبد الله ابن عباس وعنده وجوه الناس والاشراف
فقال يا ابا موسى ان الناس لم يرضوا بك ويجتمعوا عليك لفضل لا تشارك فيه وما اكثر
أشباهك من المهاجرين والانصار المتقدمين قبلك ولكن اهل العراق ابوالا ان يكون الحكم
يمانيا " ورأوا ان معظم اهل الشام ايمان وايم الله انى لأظن ذلك شرا " لك ولنا فانه
قد ضم اليك داهية العرب وليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة فان تقذف بحقك على
باطله تدرك حاجتك منه وان يطمع باطله في حقك يدرك حاجته منك واعلم يا ابا موسى ان
معاوية طليق الأسلام وان اباه رأس الأحزاب وانه يدعى الخلافة من غير مشورة ولا بيعة
واعلم ان لعمرو مع كل شئ يسرك خبيئا " يسوؤك ومما نسيت فلا تنس ان عليا " " ع "
بايعه القوم
________________________________________
[ 116
]
الذين
بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وانها بيعة هدى وانه لم يقاتل القاسطين والناكثين فقال
أبو موسى رحمك الله والله مالى امام غير على " ع " وانى لواقف عندما رأى وان حق
الله احب إلى من رضى معاوية واهل الشام وما انا وانت إلا بالله فقال بعض الشعراء في
ذلك: والله ما كلم الأقوام من بشر * بعد الوصي على كابن عباس اوصى ابن قيس بامر فيه
عصمته * لو كان فيها أبو موسى من الناس انى اخاف عليه مكر صاحبه * ارجو رجاء مخوف
شيب بالياس وذكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري في (أماليه) قال قال عبد الرحمن
ابن خالد بن الوليد. حضرت الحكومة فلما كان يوم الفصل جاء عبد الله بن عباس فقعد
إلى جانب ابى موسى وقد نشر اذنيه حتى كاد ان ينطق بهما فعلمت ان الأمر لا يتم لنا
مادام هناك وانه يفسد على عمرو حيلته فاعملت المكيدة في امره فجئت حتى قعدت عنده
وقد شرع عمرو وابو موسى في الكلام فكلمت ابن عباس كلمة استطعمته جوابها فلم يجب
فكلمته الأخرى فلم يجب فكلمته ثالثة فقال انى لفى شغل عن جوابك الآن فجبهته وقلت يا
بنى هاشم لا تتركون بأوكم وكبركم ابدا " اما والله لولا مكان النبوة كان لى ولك شأن
قال فحمى وغضب واضطرب فكره ورأيه فاسمعني كلاما يسوء سماعة فاعرضت عنه فقمت وقعدت
إلى عمرو بن العاص وقلت قد كفيتك التقوا له، انى قد شغلت باله بما دار بينى وبينه
فأحكم انت امرك قال فذهل والله ابن عباس عن الكلام الدائر بين الرجلين حتى قام أبو
موسى فخلع عليا ". (وروى) البلاذرى في كتاب انساب الاشراف قال قيل لعبدالله بن
العباس ما منع عليا " " ع " ان يبعثك يوم التحكيم قال منعه حاجز القدر ومحنة
الأبتلاء وقصر المدة اما والله لو كنت لقعدت على مدارج انفاسه ناقضا ما ابرم ومبرما
ما نقض اطير إذا سف واسف إذا طار ولكن سبق قدر وبقى اسف ومع اليوم
________________________________________
[ 117
]
غد والآخرة
لأمير المؤمنين. (وروى) ان ابن عباس هو الذى كتب كتاب الصلح بين امير المؤمنين
ومعاوية فلما كتب هذا ما قاضى عليه امير المؤمنين على بن ابى طالب لمعاوية ابن ابى
سفيان قال له عمرو ابن العاص امح امير المؤمنين فانا لا نعرف فلو عرفنا انه امير
المؤمنين ما نازعناه فقال امير المؤمنين " ع " لابن عباس امحه فقال ابن عباس لا
امحوه فمحاه امير المؤمنين " ع " وقال ان هذا اليوم كيوم الحديبية حينما كتبت
الكتاب عن رسول الله صلى الله عليه وآله هذا ما تصالح عليه محمد بن عبد الله رسول
الله صلى الله عليه وآله وسهيل بن عمرو فقال سهيل لو اعلم انك رسول الله لم اخالف
ولم اقاتلك انى إذا لظالم لك ان امنعك ان تطوف بيت الله وانت رسوله ولكن اكتب محمد
بن عبد الله فقال لى رسول الله صلى الله عليه وآله امحها يا على فقلت لا امحو اسم
الرسالة عنك فقال يا على انى لرسول الله ومحمد بن عبد الله ولن يمحو عنى الرسالة
كتابي لهم من محمد بن عبد الله فاكتبها فامح ما اراد محوه اما ان لك مثلى ستعطيها
وانت مضطهد، وفى (رواية) وقال على " ع " ان ذلك الكتاب انا كتبته بيننا وبين
المشركين واليوم اكتبه إلى ابنائهم كما كان رسول الله كتبه إلى آبائهم شبها " ومثلا
فقال عمرو سبحان الله اتشبهنا بالكفار ونحن مسلمون فقال امير المؤمنين " ع " يابن
النابغة ومتى لم تكن للكافرين وليا " وللمسلمين عدوا " فقام عمرو وقال والله لا
يجمع بينى وبينك مجلس بعد اليوم فقال على " ع " اما والله انى لارجو ان يظهر الله
عليك وعلى اصحابك. (ومن مناكير العامة) ما رووه عن عكرمة ان عليا " " ع " احرق
اناسا ارتدوا فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت انا لم احرقهم بالنار وان رسول الله
صلى الله عليه وآله قال لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم لقوله صلى الله عليه وآله من
بدل دينه فاقتلوه فبلغ ذلك عليا " فقال ويح ابن ام الفضل انه لغواص وندم على
احراقهم. (قال) شيخنا المفيد قدس الله روحه وهذا من اظرف شئ سمع واعجبه
________________________________________
[ 118
]
وذلك ان ابن
عباس احد تلامذته والآخذين العلم عنه وهو الذى يقول كان امير المؤمنين " ع " يجلس
بيننا كاحدنا ويداعبنا ويبسطنا ويقول والله ما ملات طرفي منه قط هيبة له فكيف يجوز
من مثل من وصفناه التقدم على امير المؤمنين في الفتيا واظهار الخلاف عليه في الدين
لا سيما في الحال التى هو مظهر له فيه الاتباع والتعظيم والتبجيل وكيف ندم على
احراقهم وقد احرق في آخر زمانه (ع) الاحد عشر الذين ادعوا فيه الربوبية أفتراه ندم
على ندمه الاول كلا ولكن الناصبة تتعلق بالهباء المنثور. (وقال) ابن ابى الحديد وهل
اخذ عبد الله بن عباس الفقه وتفسير القرآن إلا عنه عليه السلام. (وروى) الكشى وغيره
ان ابن عباس حمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وترك عليا " " ع " ووقع بين
امير المؤمنين " ع " وبينه مكاتبات شنيعة من اجل ذلك وهى مذكورة في كتاب الكشى
وبعضها في نهج البلاغة وانكر المحققون من العلماء ذلك وقالوا ان ذلك لم يكن ولا
فارق عبد الله بن عباس عليا ولا بابنه ولا خالفه ولم يزل اميرا " على البصرة إلى ان
قتل " ع "، قال ابن أبى الحديد وهذا هو الامثل عندي والاصوب أي لم يفارق أمير
المؤمنين " ع ". (قال المؤلف) عفا الله عنه: ومما يدل على ان ابن عباس لم يفارق
امير المؤمنين إلى ان قتل ما رواه المؤيد الخوارزمي في مناقبه عن عثمان بن المغيرة
قال لما ان دخل شهر رمضان كان " ع " يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين (ع)
وليلة عند ابن عباس لا يزيد على ثلاث لقم يقول ياتيني امر الله وانا خميص انما هي
ليلة أو ليلتان فاصيب من الليل. (وروى) ذلك ايضا " مصنف كتاب زهد على بن ابى طالب "
ع ". (روى) أبو الفرج الاصبهاني في كتاب (مقاتل الطالبين) ان عليا " ولى غسله ابنه
الحسن وعبد الله بن عباس.
________________________________________
[ 119
]
وذكر بعض
المؤرخين، ان ابن عباس لما قتل على " ع " حمل مبلغا " من بيت المال البصرة ولحق
بالحجاز واستخلف على البصرة عبد الله بن الحرث بن نوفل وهذا هو الصحيح ويدل عليه ان
ابن الزبير عيره بذلك كما سيأتي. روى المدانى قال: وفد عبد الله بن عباس على معاوية
مرة فقال معاوية لابنه يزيد وزياد بن سمية وعتبة بن ابى سفيان ومروان بن الحكم
وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحكم انه قد طال
العهد بعبدالله بن عباس وما كان شجر بيننا وبينه وبين ابن عمه ولقد كان رضيه
للتحكيم فدفع عنه فحركوه للكلام لنبلغ حقيقة صفته وتقف على كنه معرفته ونعرف ما صرف
عنا من شبا حده وزوى عنا من دهاء رأيه فربما وصف المرء بغير ما فيه هو اعطى من
النعت والاسم ما لا يستحقه ثم ارسل إلى عبد الله بن عباس فلما دخل واستقر به المجلس
ابتدأه ابن أبى سفيان فقال يابن عباس ما منع عليا " ان يوجه بك حكما " فقال والله
لو فعل لقرنت عمرا " بصعبة من الابل يوجع كتفيه مراسها ولا ذهلت عقله واجرضته بريقه
وقدحت في سويداء قلبه فلم يبرم امرا " ولم ينقض رأيا الا كنت منه بمرء ومسمع فان
نكثه ابرمت قواه وان ابرمه فصمت عراه بغرب مقول لا يفل حده واصالة رأى كمتاح الاجل
لا وزر منه أفرى به اديمه وافل به شبا حده واشحذ به عزائم المتقين وازيح به شبهة
الناكثين. فقال عمرو بن العاص هذا والله يا معاوية بزوغ (1) اول الشر وافول آخر
الحقير وفى حسمه قطع مادته فبادره بالحملة وانتهز منه الفرصة واردع بالتنيكل به
غيره وشرد به من خلفه فقال ابن عباس يابن النابغة ضل والله عقلك وسفه حلمك ونطق
الشيطان على لسانك هلا توليت ذلك بنفسك يوم صفين حين دعيت إلى النزال ونكافحت
الابطال وكثرت الجراح ونقصفت الرماح وبرزت إلى امير المؤمنين مصاولا فكفا نحوك
بالسيف حاملا لما رأيت الكر آثر
________________________________________
(1) وفى
نسخة: نجوم. (*)
________________________________________
[ 120
]
من الفر وقد
اعددت حيلة السلامة قبل لقائه والانكفاء عنه بعد اجابة دعائه فمنحته رجاء النجاة
عورتك وكشفت له خوف بأسه سوأتك حذر ان يصطلمك بسطوته أو يلتهمك بحملته ثم اشرت على
معاوية كالناصح له بمبارزته وحسنت له التعرض لمكافحته رجاء ان تكفى مؤنته وتعدم
صورته فعلم غل صدرك وما انحيت عليه من النفاق اضلعك وعرف مقر سهمك في غرضك فاكفف
غرب لسانك واقمع عوراء لفظك عن اسد خادر وبحر زاخر فانك ان تعرضت للأسد افترسك وان
عمت في البحر غمسك. فقال مروان بن الحكم يابن عباس انك لتصر بنابك وتورى نارك كأنك
ترجو لغلبة وتؤمل العافية ولولا حلم امير المؤمنين عنكم لتناولكم باقصر انامله
فاوردكم منهلا بعيدا " صدوره ولعمري لئن سطا بكم ليأخذن بعض حقه ولئن عفا عن
جرائركم فقديما ما نسب إلى ذلك فقال ابن عباس وانك لتقول ذلك يا عدو الله وطريد
رسول الله والمباح دمه والداخل بين عثمان ورعيته بما حملهم على قطع اوداجه وركوب
اثباجه اما والله لو طلب منى معاوية ثاره لاخذك به ولو نظر في امر عثمان لوجدك اوله
وآخره، واما قولك لى انك لتصر بنا بك وتورى نارك فاسأل معاوية وعمرا " يخبراك ليلة
الهرير كيف ثباتنا للمثلات واستخفافنا بالمعضلات وصدق جلادنا عند المصاولة وصبرنا
على اللأواء والمطاولة ومصافحتنا بجباهنا السيوف المرهفة ومباشرتنا حد الاسنة
المشرعة هل حمنا عن كرايم تلك المواقف ام لم نبذل مهجنا للمتالف، وليس لك إذ ذاك
فيها مقام محمود ولا يوم مشهود ولا اثر معدود وانهما شهدا ما لو شهدته لاقلقك فاربع
على ظلعك ولا نعرض ما ليس لك فانك كالمقرون في صفد لا تهبط برجل ولا ترقى برجل ولا
ترقى بيد، فقال زياد يابن عباس انى لأعلم ما منع حسنا " وحسينا من الوقوف معك على
امير المؤمنين الا ما سولت لهما انفسهما وغرهما به من هو عند البأساء سلمهما وايم
الله لو وليتهما لأءدبا في الرحلة إلى امير المؤمنين
________________________________________
[ 121
]
انفسهما
ويقل بمكانهما لبثهما فقال ابن عباس إذا والله يقصر دونهما باعك ويضيق بهما ذراعك
ولو رمت ذلك لوجدت من دونهما فئة صدقا صبرا " على البلاء لا يخيمون على اللقاء
فلعركوك بكلاكلهم ووطئوك بمناسمهم واوجروك مشق رماحهم وشفار سيوفهم ووخز اسنتهم حتى
تشهد بسوء ما اتيت وتتبين ضياع الحزم فيما جنيت فحذار حذار من سوء النية فتكافأ برد
الأمنية وتكون سببا " لفساد هذين الحيبن بعد صلاحهما وساعيا في اختلافهما بعد
ائتلافهما حيث لا يضرهما إلتباسك ولا يغنى عنهما ايناسك فقال عبد الرحمن بن أم
الحكم، لله در ابن ملجم فقد بلغ الآمل وامن الرجل واحد الشفرة وألان المهرة وادرك
الثأر ونفى العار وفاز بالمنزلة العليا ورقى الدرجة القصوى فقال ابن عباس اما والله
لقد كرع كأس حتفه بيده وعجل الله إلى النار بروحه ولو ابدى لأمير المؤمنين صفحته
لخالطه الفحل القظم والسيف الخذم ولألعقه صابا " وسقاه سماما " والحقه بالوليد
وعتبة وحنظلة فكلهم كان اشد منه شكيمة وامضى عزيمة ففوى بالسيف هامهم وزملهم
بدمائهم وقرى الذئاب اشلاءهم وفرق بينهم وبين احبابهم اولئك حطب جهنم لها واردون
فهل تحسن منهم من احد أو تسمع له ركزا ولا غر وان ختل ولا وصمة ان قتل فانا لكما،
قال دريد بن الصمة شعرا ": فانا للحم السيف غير مكره * ونلحمه طورا " وليس بذى مكر
يغار علينا واترين فيستقى * بنا ان اصبنا أو نغير على وتر فقال المغيرة بن شعبة اما
والله لقد اشرت على علي " ع " بالنصيحة فآثر رأيه ومضى على غلوائه فكانت العاقبة
عليه لا له وانى لأحسب ان خلفه يقتدون بمنهجه فقال ابن عباس كان والله اعلم بوجوه
الراى ومعاقد الحزم وتصريف الأمور من ان يقبل مشورتك فيما نهى الله عنه وعنف عليه
قال سبحانه لا تجد قوما " يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله إلى
آخر الآية ولقد وقفك على ذكر مبين وآية متلوة قوله تعالى وما كنت متخذ المضلين عضدا
" وهل
________________________________________
[ 122
]
كان يسوغ له
ان يحكم في دماء المسلمين وفى المؤمنين من ليس بمأمون عنده ولا موثوق به في نفسه
هيهات هيهات هو اعلم بفرض الله وسنة رسوله ان يبطن خلاف ما يظهر الا التقية ولات
حين تقية مع وضوح الحق وثبوت الجنان وكثرة الانصار يمضى كالسيف المصلت في امر الله
مؤثرا " لطاعة ربه والتقى على آراء اهل الدنيا فقال يزيد بن معاوية يابن عباس انك
لتنطق بلسان طلق ينبئ عن مكنون قلب حرق فاطو على ما انت عليه كشحا " فقد محا ضوء
حقنا ظلمة باطلكم فقال ابن عباس مهلا يا يزيد فوالله ما صفت القلوب لكم منذ تكدرت
بالعداوة عليكم ولا دنت بالمحبة اليكم منذ فأت بالبغضاء عنكم ولا رضيت اليوم منكم
ما سخطته امس من افعالكم فان تدل الأيام فستقضى لما شذ عنا ونسترجع ما ابتزمنا كيلا
بكيل ووزنا " بوزن وان تكن الأخرى فكفى بالله وليا " لنا ووكيلا على المعتدين علينا
فقال معاوية ان في نفسي منكم لحزازات يا بنى هاشم وانى لخليق ان ادرك فيكم الثأر
وانفى العار فان دمائنا قبلكم وظلامتنا فيكم فقال ابن عباس والله ان رمت ذلك يا
معاوية لنستثيرن عليك اسدا " مخدرة وافاعي مطوفة لا يفثأها كثرة السلاح ولا بعضها
نكاية الجراح يضعون اسيافهم على عواتقهم يضربون بها قدما " قدما من ناواهم يهون
عليهم نباح الكلاب وعواء الذئاب لا يفاتون بوتر ولا يسبقون إلى كريم ذكر قد وطنوا
على الموت انفسهم وسمت بهم إلى العليا هممهم كما قالت الازديه قوم إذا شهدوا الهياج
فلا * ضرب ينهنهم ولا زجر وكأنهم آساد اغيلة * غرئب وبل متونها القطر فلتكونن منهم
بحيث اعددت ليلة الهرير الهرب فرسك وكان اكبر همك سلامة حشاشة نفسك ولو لا طعام من
اهل الشام وفوك بانفسهم وبذلوا دونك مهجهم حتى إذا ذاقوا خز الشفار وايقنوا بحلول
الدمار رفعوا المصاحف مستجيرين بها وعائذين بعصمتها لكنت شلوا مطروحا بالعراء تسفى
عليك رياحها ويعتورك ذئابها وما اقول هذا اريد صرفك عن عزيمتك ولا ازالتك عن
________________________________________
[ 123
]
معقود نيتك
لكن الرحم التى تعطف عليك والأواصر التى توجب صرف النصحية اليك فقال معاوية لله درك
يابن عباس ما تكشف الأيام منك الا عن سيف صقيل وراى اصيل وبالله لو لم يلد هاشم
غيرك لما نقص عدد ولو لم يكن لأهلك سواك لكان الله قد كثرهم ثم نهض فقام ابن عباس
وانصرف. وروى الحنبلى في (نهاية المطالب) باسناده عن ربعى بن خراش قال سأل معاوية
عبد الله بن عباس فقال ما تقول في على بن ابى طالب فقال صلوات الله على أبى الحسن
كان والله علم الهدى. وكهف التقى، وخل الحجى: وبحر الندى، وطود النهى، علما للورى،
ونورا " في ظلم الدجى. وداعيا إلى المحجة العظمى، ومستمسكا " بالعروة الوثقى،
وساميا " إلى الغاية القصوى، وعالما بما في الصحف الأولى، وعاملا بطاعة الملك
الاعلى. وعارفا " بالتأويل والذكرى، ومتعلقا " باسباب الهدى، وحائدا " عن طرقات
الردى، وساميا " إلى المجد والعلى، وقائما " بالدين والتقوى، وسيد من تقمص وارتدى
بعد النبي المصطفى، وافضل من صام وصلى، واجل من ضحك وبكى، صاحب القبلتين وهل يساويه
مخلوق: كان أو يكون، كان والله للأسد قاتلا، وللبهم في الحرب خانلا، على مبغضيه
لعنة الله ولعنة العباد، إلى يوم التناد. قال الزمخشري في ربيع الأبرار كان ابن
عباس يقول في على بن ابى طالب كان والله يشبه القمر الباهر، الأسد الخادر. والفرات
الزاخر، والربيع الباكر، فاشبه من القمر ضوئه وبهاءه، ومن الاسد شجاعته ومضاءه ومن
الفرات جوده وسخائه، ومن الربيع خصبه ورخائه وروى محمد بن جرير الطيرى باسناده عن
الفضل بن العباس بن ربيعة قال وفد عبد الله بن العباس على معاوية قال فوالله انى
لفى المسجد إذ كبر معاوية في الخضراء فكبر اهل الخضراء ثم كبر اهل المسجد بتكبيرة
اهل الخضراء فبلغ الخبر ابن عباس فراح فدخل على معاوية قال علمت يابن عباس ان الحسن
توفى
________________________________________
[ 124
]
قال لذلك
كبرت قال نعم قال اما والله ما موته بالذى يؤخر اجلك ولا حفرته بسادة حفرتك ولأن
اصبنا به فلقد اصبنا بسيد المرسلين وامام المتقين ورسول رب العالمين ثم بعده بسيد
الأوصياء فجبر الله تلك المصيبة ورفع تلك المعرة فقال ويحك يابن عباس ما كلمتك إلا
وجدتك معدا ". وحدث الزبير ابن بكار عن رجاله قال قدم ابن عباس على معاوية وكان
يلبس ادنى ثيابه ويخفض شانه لمعرفته ان معاوية كان يكره اظهاره لشأنه وجاء الخبر
إلى معاوية بموت الحسن بن على " ع " فسجد شكرا " لله تعالى وبان السرور في وجهه في
حديث طويل ذكره الزبير ابن بكار ذكرت منه موضع الحاجة إليه واذن للناس واذن لابن
عباس بعدهم فاستدناه وكان قد عرف بسجدته فقال له اتدرى ما حدث باهلك قال لا قال فان
ابا محمد " ع " توفى فعظم الله اجرك فقال انا لله وانا إليه راجعون عند الله محتسب
المصيبة برسول الله صلى الله عليه وآله وعند الله نحتسب بمصيبتنا بالحسن " ع " انه
قد بلغتني سجدتك فلا اظن ذلك الا لوفاته والله لا يسد جده حفرتك ولا يزيد بقضاء
اجله في عمرك ولربما رزينا باعظم من الحسن " ع " ثم حبى الله قال معاوية كم كان اتى
له قال شأنه اعظم من ان تجهل مولده قال احسبه ترك صبيانا " صغارا " قال كلنا كان
صغيرا " فكبر قال اصبحت سيد أهلك قال اماما ابقى الله ! يا عبد الله الحسين " ع "
بن على " ع " فلا ثم قام وعينه تدمع فقال معاوية لله دره لا والله ما هجيناه قط إلا
وجدناه سيدا " ودخل على معاوية بعد انقضاء العزاء فقال له معاوية يا ابا العباس اما
تدرى ما حدث في اهلك قال لا قال هلك اسامة بن زيد فعظم الله اجرك قال انا لله وانا
إليه راجعون رحم الله اسامة وخرج واتاه بعد ايام وقد عزم على محاققته فصلى في
الجامع يوم الجمعة واجتمع الناس يسألونه عن الحلال والحرام والفقه والتفسير واحوال
الأسلام والجاهلية وافتقد معاوية الناس فقيل انهم مشغولون بابن عباس ولو شاء ان
يضربوا معه بمائة الف سيف قبل الليل لفعل فقال نحن اظلم منه حبسناه عن اهله ونعينا
إليه
________________________________________
[ 125
]
احبته
انطلقوا فادعوه فدعاه الحاجب فقال انا بنى عبد مناف إذا حضرت الصلوة لم نقم حتى
نصلى اصلى إنشاء الله وآتيه فرجع وصلى العصر واتاه فقال حاجتك فما سأله حاجة الا
قضاها وقال اقسمت عليك لما دخلت بيت المال فاخذت حاجتك وانما اراد ان يعرف اهل
الشام ميل ابن عباس إلى الدنيا فعرف ما يريده فقال ان ذلك ليس لى ولا لك فان اذنت
ان اعطى كل ذى حق حقه فعلت قال اقسمت عليك الا دخلت فاخذت حاجتك فدخل فاخذ برنس خز
أحمر يقال انه كان لأمير المؤمنين على بن ابى طالب " ع " ثم خرج فقال يا أمير
المؤمنين بقيت لى حاجة قال ما هي قال على بن أبى طالب " ع " قد عرفت فضله وسابقته
وقرابته وقد كفاكه الموت احب ان لا يشتم على منابركم قال هيهات يابن عباس هذا امر
دين اليس اليس وفعل وفعل فعدد ما بينه وبين على " ع " فقال ابن عباس اولى لك يا
معاوية والموعد القيامة ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون وتوجه إلى المدينة. قلت: اولى
لك. قال الجوهرى تهدد ووعد، وقال الأصمعى أي قاربه يهلكه أي نزل به قال تغلب لم يقل
احد في اولى احسن مما قال الأصمعى. قال المؤلف: عفا الله عنه لأبن عباس مع معاوية
اخبار كثيرة اقتصرنا منها على هذا المقدار خشية الاكثار. وفى بعض الروايات: ان ابن
عباس حضرموت الحسن " ع " بالمدينة وانه لما حمل سرير الحسن " ع " إلى قبر النبي صلى
الله عليه وآله ظن مروان انهم سيد فنونه عند رسول الله صلى الله عليه وآله فتجمع هو
ومن معه ولبسوا سلاحهم ولحقتهم عائشة على بغل وهى تقول مالى ولكم تريدون ان تدخلوا
بيتى من لا احب وجعل مروان يقول: يا رب هيجا هي خير من دعه * أيدفن عثمان في اقصى
المدينة، ويدفن الحسن مع النبي صلى الله عليه وآله لا يكون ذلك ابدا " وانا احمل
السيف وكادت الفتنة تقع بين بنى هاشم وبنى امية فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له
ارجع يا مروان من حيث جئت فانا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله
________________________________________
[ 126
]
لكنا نريد
أن نحدد عهدا " بزيارته ثم نرده إلى جدته فاطمة لندفنه لوصيته عندها ولو كان وصى
بدفنه مع رسول الله صلى الله عليه وآله لعلمت انك اقصر باعا " عن ردنا ولكنه كان
اعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من ان يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره ودخل بيته
بغير اذنه ثم اقبل على عائشة وقال واسوأتاه يوما " على بغل ويوما " على جمل تريدين
ان تطفئ نور الله وتقاتلى اولياء الله أرجعي فقد كفيت الذى تخافين وبلغت ما تحبين
والله منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين. وهذا يخالف ما ذكرناه آنفا " عن المسعودي
والزبير أبن بكار أن أبن عباس لما مات الحسن " ع " كان بدمشق ولعل المراد بابن عباس
الذى حضر بموت الحسن عبيد الله بن عباس لكن إذا اطلق أبن عباس لم يرد به الا عبد
الله والله اعلم. واخرج الشيخ أبو على الحسن بن محمد الطوسى قدس الله روحه في
(أماليه) عن سعيد بن المسيب قال سمعت رجلا يسأل أبن عباس عن على بن أبى طالب " ع "
فقال صلى القبلتين وبايع البيعتين ولم يعبد صنما " ولا وثنا " ولم يضرب على رأسه
بزلم ولا قدح ولد على الفطرة ولم يشرك بالله طرفة عين فقال الرجل انى لم اسألك عن
هذا انما اسألك عن حمل سيفه على عاتقه يختال به حتى انى البصرة فقتل بها اربعين الف
ثم سار إلى الشام فلقى حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم ثم اتى اهل النهروان
وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم فقال له ابن عباس اعلى " ع " اعلم عندك ام انا فقال لو
كان على اعلم عندي منك ما سألتك فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ثم قال ثكلتك امك على
علمني وكان علمه من رسول الله صلى الله عليه وآله علمه الله من فوق عرشه فعلم النبي
صلى الله عليه وآله من الله وعلم على " ع " من النبي صلى الله عليه وآله وعلى من
علم على " ع " وعلم اصحاب محمد صلى الله عليه وآله كلهم في علم على " ع " كالقطرة
الواحدة في سبعة ابحر. واخرج الموفق في مناقبه عن سعيد بن جبير قال بلغ ابن عباس ان
قوما يقعون في على " ع " فقال لأبنه على بن عبد الله خذ بيدى فاذهب بى إليهم فاخذ
________________________________________
[ 127
]
بيده حتى
انتهى إليهم فقال ايكم الساب الله فقالوا سبحان الله من سب الله فقد اشرك فقال ايكم
الساب رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا من سب رسول الله صلى الله عليه وآله فقد
كفر فقال ايكم الساب لعلى " ع " قالوا قد كان ذلك قال فاشهدوا انى سمعت رسول الله
يقول من سب عليا " " ع " فقد سبنى ومن سبنى فقد سب الله ومن سب الله اكبه الله على
وجهه في النار، ثم ولى عنهم فقال لأبنه على كيف رأيتهم فانشأ يقول: نظروا اليك
باعين محمرة * نظر التيوس إلى شفار الجازر قال زدنى فداك أبوك فقال: خزر الحواجب
ناكسى اذقانهم * نظر الذليل إلى العزيز القادر قال زدنى فداك أبوك فقال ما اجد
مزيدا " قال لكنى أجد. احياؤهم خزى على امواتهم * والميتون فضيحة للغابر واخرج
الطوسى رحمه الله في (أماليه) عن يونس بن عبد الوارث عن ابيه قال بينا ابن عباس
(ره) يخطب عندنا على منبر البصرة إذا قبل الناس بوجهه ثم قال ايتها الأمة المتحيرة
في دينها اما والله لو قدمتم من قدم الله واخرتم من أخر الله وجعلتم الوراثة
والولاية حيث جعلها الله ما عال سهم من فرائض الله ولا عال ولى الله ولا اختلف
اثنان في حكم الله فذوقوا وبال ما فرطتم فيه بما قدمت ايديكم وسيعلم الذين ظلموا أي
منقلب ينقلبون. (وروى صاحب كتاب الأوائل) عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله ابن
مسعود انه قال التقيت انا وزفر بن اويس النظرى فقلنا أنمضى إلى ابن عباس نتحدث عنده
فمضينا وتحدثا فكان مما حدثنا به ان قال سبحان الله الذى احصى رمل عالج عددا جعل في
المال نصفا " ونصفا " وثلثا " ذهب النصفان بالمال فاين الثلث انما جعل نصفا " ونصفا
" واثلاثا " وارباعا " وايم الله لو قدموا من قدمه الله واخروا من اخره الله ما
عالت الفريضة قط قلت من الذى نعمه الله ومن الذى اخره الله قال الذى اهبطه الله من
فرض إلى فرض فهو الذى قدمه الله والذى اهبطه
________________________________________
[ 128
]
من فرض إلى
ما بقى فهو الذى اخره الله فقلت من اول من اعال الفرائض قال عمر بن الخطاب. (قال
المؤلف) ترك العول مما اجمع عليه علماء الأمامية ووردت به نصوص عن أهل البيت " ع "
وهو عبارة عن زيادة الفرض على مجموع اجزاء المال واخذ كل صاحب فرض عدد فرضه من هذا
العدد الزائد ليدخل النقص على كل منهم بالسوية مثلا إذا اجتمع بنت وزوج وابوان
فللبنت النصف وهو ستة من اثنى عشر وللزوج الربع ثلاثة منه ولكل من الأبوين السدس
اثنان منه فالمجموع ثلاثة عشر فيقسم المال على ثلاثة عشر ويعطى الزوج ثلاثة منه
والبنت ستة منه وكل من الابوين اثنين ينقص فرض كل منهم والامامية لا يدخلون النقص
الا على البنت فيأخذ الزوج الربع وكل من الابوين السدس ويبقى للبنت خمسة من اثنى
عشر وكان فرضها ستة من اثنى عشر وهذا معنى قول ابن عباس والذى اهبطه الله من فرض
إلى ما بقى فهو الذى اخره الله (وروى) عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ابن رباح قال
سمعت عبد الله بن عباس يقول ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها امة محمد صلى
الله عليه وآله ولولا ان عمر نهى عنها ما احتاج إلى الزنا الا شفى. (وروى) عن ابن
عباس انه قال لو جعل الله لاحد ان يحكم برأيه لجعل ذلك لرسول الله وقد قال له وان
احكم بينهم بما اراك الله ولم يقل بما رأيت (واخرج) ابن بابويه (ره) في اماليه عن
سعيد ابن جبير قال اتيت عبد الله بن عباس فقلت له يابن عم رسول الله صلى الله عليه
وآله انى جئتك اسألك عن على بن أبى طالب " ع " واختلاف الناس فيه فقال ابن عباس
يابن جبير جئت تسألني عن خير خلق الله من الامة بعد محمد نبى الله صلى الله عليه
وآله جئت تسألني عن رجل كانت له ثلاثة الآف منقبة في ليلة القربة يابن جبير جئتني
تسألني عن وصى رسول الله صلى الله عليه وآله ووزيره وخليفته وصاحب حوضه ولوائه
وشفاعته والذى نفس
________________________________________
[ 129
]
ابن عباس
بيده لو كانت بحار الدنيا مدادا " واشجارها اقلاما " واهلها كتابا " فكتبوا مناقب
على بن أبى طالب " ع " وفضائله من يوم خلق الله الدنيا ان يفنيها ما بلغوا معشار ما
اتاه الله تبارك وتعالى. (وحكى) ان عمر بن أبى ربيعة أتى عبد الله بن العباس وهو في
حلقة في المسجد الحرام فقال له امتعنى الله بك ان نفسي قد تاقت إلى قول الشعر وقد
اكثر الناس في الشعر فاسمع حتى انشدك فاقبل عليه ابن وقال هات فانشده: " تشط غدا "
دار جيراننا " فقال ابن عباس: " وللدار بعد غد أبعد " قال عمر والله ما قلت الا كذا
فهل سمعته اصلحك الله قال لا ولكن كذلك ينبغى ثم انشده: امن ال نعم انت غاد فمبكر *
غداة غد أم رائح فمهجر حتى اتى على آخرها فلم يعب شيئا " وقال انت شاعر ماذا شئت
فقل فلما قام عمر قال نافع بن الأزرق الله يابن عباس انا لنضرب اليك اكباد الابل من
اقاصي الأرض لنسألك عن الحلال والحرام فتعرض عنا ويأتيك مترف من مترفى قريش قد عطر
لحيته بالغالية يلحف اذياله بالحصى وينشد شعرا ": رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت *
فيجزى بالعشى فيخسر فقال ابن عباس ليس هكذا انشدني الرجل قال كيف انشدك قال: رأت
رجلا ايما إذا الشمس عارضت * فيضحى وايما بالعشى فيخصر قال ما اراك إلا قد حفظت
البيت قال نعم وان شئت ان انشدك القصيدة انشدتكها قال فأنى اشاء فانشده القصيدة حتى
اتى على آخرها هي سبعون بيتا فقال له نافع يابن عباس اسمعت هذا الشعر قبل اليوم قال
لا ورب هذه البنية قال ما رأيت احفظ منك قال لو رأيت أمير المؤمنين على بن أبى طالب
" ع "
________________________________________
[ 130
]
رأيت احفظ
منى ان كان ليصلى فيبدع الآية فيركع ثم يقوم فإذا قال ولا الضالين رجع إلى الموضع
الذى ركع فيقرتها وينظمها انتظاما " لا يعلم احدا " ممن رآه ما صنع الا حافظ كتاب
الله تعالى. (وحكى المسعودي) في مروج الذهب قال لما هم الحسين " ع " بالخروج إلى
العراق اتاه عبد الله بن عباس فقال يابن عم قد بلغني انك نريد الخروج إلى العراق
وانهم اهل غدر وانما بدعوتك إلى الحرب فلا تعجل فان ابيت الا محاربة هذا الجبار
وكرهت المقام بمكة فاشخص إلى اليمن فانها في عزلة ولك فيها انصار واعوان فاقم بها
ومث دعاتك واكتب إلى أهل الكوفة وأهل العراق ليخرجوا اميرهم فان فووا على ذلك ونفوه
عنها ولم يبقى بها فنعم واما انا لغدرهم بآمن وان لم يفعلوا اقمت مكانك إلى أن يأتي
الله بأمره فان فيها حصونا " وشعابا " فقال الحسين " ع " يابن عم انى لأعلم انك لى
ناصح وعلى شفيق ولكن مسلم بن عقيل كتب إلى باجتماع اهل الكوفة على نصرنى وبيعتي وقد
اجمعت على المسير إليهم فقال انهم من خبرت وجريت وهم اصحاب ابيك واخيك وانك لو خرجت
فبلغ ابن زياد خروجك لأستفزهم وكان الذين كتبوا اليك اشد، عليك من عدوك فان عصيتني
وابيت الا الخروج فلا تخرجن نسائك وولدك معك فوالله انى لخائف ان تقتل ولولا يزرى
بى وبك لانشبت يدى في عنقك فكان الذى رد عليه ان قال والله لأن اقتل بمكان كذا وكذا
احب إلى من ان نستحل بى مكة فايس ابن عباس منه. (وروى غيره) انه لما خرج الحسين من
مكة إلى العراق ضرب عبد الله ابن عباس بيده على منكب ابن الزبير: يالك من قبرة
بمعمر * خلا لك الجو فبيضي واصفرى ونقرى ما شئت ان تنقري * هذا الحسين سائر فابشرى
خلى الجو والله لك يابن الزبير سار الحسين " ع " إلى العراق فقال ابن
________________________________________
[ 131
]
الزبير يابن
عباس والله ما ترون هذا الأمر الا لكم ولا ترون إلا انكم احق به من جميع الناس فقال
ابن عباس انما يرى من كان في شك ونحن من ذلك على يقين ولكن اخبرني عن نفسك بماذا
تروم هذا الأمر قال بشر في قال بماذا شرفت ان كان لك شرف فانما هو بنا فنحن اشرف
منك لأن شرفك منا وعلت اصواتهما فاعترض بينهما رجال من قريش فاسكتوهما. (وروى)
عثمان بن طلحة العذري قال شهدت من ابن عباس (ره) مشهدا " ما سمعته من رجل من قريش
كان يوضع إلى جانب سرير مروان بن الحكم وهو يومئذ امير المدينة سرير آخر اصغر منه
فيجلس عليه عبد الله بن عباس إذا دخل ويوضع الوسائد فيما عدا ذلك فاذن مروان يوما "
للناس وإذا سرير آخر قد احدث تجاه سرير مروان فاقبل ابن الزبير فجلس عليه أي على
السرير المحدث وسكت مروان والقوم فإذا يد ابن الزبير تتحرك فعلمت انه يريد ان ينطق
ثم نطق فقال ان اناسا يزعمون ان بيعة ابى بكر كانت غلطا " وفلتة ومغالبة الا ان شأن
أبى بكر اعظم من ان يقال فيه هذا ويزعمون انه لولا ما وقع لكان الأمر لهم وفيهم
والله ما كان من اصحاب محمد " ص " احد اثبت ايمانا " ولا أعظم سابقة من ابى بكر فمن
قال غير ذلك فعليه لعنة الله فاين هم حين عقد أبو بكر لعمر فلم يكن الا ما قال ثم
القى عمر حظهم في حظوظ وجدهم في جدود فسمت تلك الحظوظ فاخر الله سهمهم وادحض جدهم
وولى الأمر عليهم من كان احق به منهم فخرجوا عليه خروج اللصوص على التاجر خارجا "
من القرية فأصابوا منه عزه ثم قتلهم الله به كل قتلة وصاروا مطردين تحت بطون
الكواكب فقال ابن عباس على رسلك ايها القاتل في أبى بكر وعمر والخلافة اما والله ما
نالا ولا نال احد منهما شيئا " الا وصاحبنا خير ممن نال وقو تقدم صاحبنا لكان اهلا
وفوق الاهل ولولا انك انما تذكر حظ غيرك وشرف امرئ سواك لكلمتك ولكن ما انت وما لا
حظ لك فيه اقتصر على حظ نفسك ودع تيما لتيم وعديا " لعدى وامية لامية
________________________________________
[ 132
]
ولو كلمني
تيمى أو عدوى أو اموى لكلمته واخبرته خبر حاضر لا خبر غائب عن غائب ولك من انت وليس
عليك فان يكن في اسد ابن عبد العزى شئ فهو لك اما والله لنحن اقرب بك عهدا وابيض
عندك يدا واوقر عندك نعمة ممن امسيت تظن انك تصول به علينا وما اخلق ثوب صفيه بعد.
والله المستعان على ما تصفون. (وروى) ان عبد الله بن الزبير تزوج امرأة من فزارة
يقال لها ام عمر بنت منظور فلما دخل بها وخلا معها قال لها اتدرين من معك في حجلتك
قالت نعم عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد قال ليس هذا اردت قالت فاى شئ تريد
فقال معك في حجلتك من اصبح الغداة في قريش بمنزلة الرأس في الجسد لا بل العينين من
الرأس فقالت اما والله لو ان بعض الهاشميين حضرك لكان خليقا " ان لا يقر لك بذلك
فقال لها ان الطعام والشراب على حرام حتى احضرك الهاشميين وغيرهم ممن لا يستيطع
لذلك انكارا " قالت ان اطعتني فلا تفعل وانت اعلم بشأنك فخرج ابن الزبير إلى المسجد
فإذا بحلقة فيها جماعة من قريش وفيها من بنى هاشم عبد الله بن عباس وعبد الله بن
نوفل بن الحرث بن عبد المطلب فقال لهم انى احب ان تنطلقوا معى إلى منزلي في حاجة
عرضت فقام القوم باجمعهم حتى قاموا على باب منزله فقال ابن الزبير يا هذه اطرحي
عليك سترك وأذنى القوم يدخلوا ففعلت فلما اخذوا مجالهم دعا ابن الزبير بالمائدة
فاكل القوم جميعا فلما فرغوا من الغذاء قال لهم انما جمعتكم لحديث اوردته على صاحبة
هذا الستر فزعمت ان لو كان بعض الهاشميين حضرني ما اقر لى به وقد حضرتم ايها الملأ
جميعا " وأنت يابن عباس ما تقول اخبرتها ان معها في خدرها من اصبح الغداة في قريش
بمنزلة الرأس من الجسد لا بل العينين من الرأس فردت على ما قلت فقال له ابن عباس
اراك قصدت قصدي فان شئت ان اقول قلت وان اكف كففت فقال ابن الزبير لا بل قل وما
عسيت ان نقول الست تعلم ان ابى حوارى
________________________________________
[ 133
]
رسول الله
وان امى اسما بنت صديق رسول الله صلى الله عليه وآله وان خديجة سيدة نساء رسول الله
صلى الله عليه وآله وان صفية عمة رسول الله جدتى وان عائشة ام المؤمنين خالتي فهل
تستطيع لهذا انكارا " يابن عباس فان قدرت ان تنكر ذلك فافعل فقال ابن عباس لقد ذكرت
شرفا " شريفا " وفخرا " فاخرا " غير انك بنا نلت هذا كله وادركت سنامه وعلوه فانت
تفاخر من بفخره فخرت وتسامى من بفضله سموت فقال ابن الزبير هلم انافرك قبل ان يبعث
محمد صلى الله عليه وآله فقال ابن عباس (قد انصف القارة من راماها) اسئلكم يا معشر
الحضور اعبد المطلب كان اضخم في قريش أم خويلد فقالوا اللهم بل عبد المطلب فقال
اسألكم بالله اهاشم كان اضخم في قريش ام اسد فقالوا اللهم بل هاشم فقال أسألكم
بالله اعبد مناف كان اضخم في قريش ام عبد العزى قالوا اللهم بل عبد مناف فانشأ ابن
عباس يقول: تنافرني يابن الزبير وقد قضى * عليك رسول الله لا فول هازل فلو غيرنا
يابن الزبير فخسرته * ولكنما فاخرت شمس الاصائل قضى عليك رسول الله صلى الله عليه
وآله بقوله ما افترقت فرقتان الا كنت في خيرهما فقد فارقتنا من لدن قصى بن كلاب
فنحن في فرقة الخير فان قلت لا كفرت وان قلت نعم قهرت فضحك بعض القوم فقال ابن
الزبير اما والله يابن عباس لولا تحرمك بطعامنا وكراهة الاخساس بالدين معك لا عرفت
جبينك قبل ان تقوم من مجلسك هذا فقال ابن عباس ولم افبالباطل فبالباطل لا يغلب الحق
ام بالحق فالحق لا يخس بالدين معى ولا يعنيه على ولا عليك من معى فقالت المرأة من
خلف الستر اما والله لقد نهيته يابن عباس عن هذا المجلس فابى الا ما ترى فقال ابن
عباس أيتها المرأة اقنعي ببعلك فما اعظم الخطر واكرم الخبر ثم اخذ القوم بيد ابن
عباس وقالوا انهض ايها الرجل لقد فضحته في منزله غير مرة فنهض ابن عباس (ره) وهو
يقول شعرا ". الا يا قومنا ارتحلوا وسيروا * فلو ترك القطا ليلا لناما
________________________________________
[ 134
]
فقال ابن
الزبير يا صاحب القطا ارجع واقبل على اما والله ما كنت لتدعني حتى اقول وايم الله
لقد عرف القوم انى سابق غير مسبوق وابى حوارى وصديق يتبجح في الشرف الانيق غير طليق
ولا ابن طليق فقال ابن عباس هذا الكلام مردود من امر حسود سابق فيمن سبقت وفاخر
فيمن فخرت وصديق فيمن صدقت فان كان هذا الأمر ادركته باسرتى فالفخر لى عليك والكثكث
في يديك واما ما ذكرت من الطليق فوالله لقد ابتلى فصبر وانعم عليه فشكر وان كان
لوفيا كريما " غير ناقض بيعة بعد توكيدها ولا مسلم كنيبة بعد تأييدها ولا بفرار
جبان فقال اتعير الزبير بالجن والله أنك لتعلم خلاف ذلك فقال ابن عباس والله أنى
لأعلم انه قد فر وماكر وحارب فما قر وبايع فما بر وانشأ ابن عباس رحمه الله يقول:
وما كان الا كالسكيت امامه * عتاق تجارى في الجهاد فاجهدا فادرك منها مثل ما كان
اهله * وقصر عن جرى الكرام مبلدا فقال عبد الله بن نوفل بن الحرث ويلك يابن الزبير
اقمناه عنك فتأبى الا منازعته فوالله لو نازعته من ساعتك هذه إلى انقضاء عمرك ما
كنت الا كالمزداد من الريح فقل أو دع فقال ابن الزبير والله يا بنى هاشم ما بقى الا
المحاربة والمضاربة بالسيوف فقال له عبد الله بن نوفل بن الحرث اما والله لقد جربت
ذلك فوجدت غيه وخيما فان شئت فعد حتى نعود وانصرف القوم عنه وافتضح ابن الزبير.
(وروى) أن ابن الزبير خطب بمكة على المنبر وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر فقال
ان هيهنا رجلا قد اعمى الله قلبه كما اعمى بصره يزعم ان متعة النساء حلال من الله
ورسوله ويفتى في القملة والنملة وقد احتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها
يرتضخون النوى وكيف الومه في ذلك وقد قاتل ام المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله
عليه وآله ومن وقاه بيده فقال ابن عباس
________________________________________
[ 135
]
لقائده
استقبل في وجه ابن الزبير وارفع من صدري وكان ابن عباس قد كف بصره فاستقبل به قائده
وجه ابن الزبير واقام قامته فحسر عن ذراعيه ثم قال يابن الزبير شعرا ": قد انصف
القارة من راماها * إنا إذا ما فئة نلقاها نرد اولاها على اخسراها * حتى تصير حرضا
" دعواها يابن الزبير اما العمى فان الله تعالى يقول فانها لا تعمى الابصار ولكن
تعمى القلوب التى في الصدور واما فتياى في القملة والنملة فان فيها حكمين لا
تعلمهما انت ولا اصحابك واما حمل المال فانه كان مالا جبناه فاعطينا كل ذى حق حقه
وبقيت بقية هي دون حقنا في كتاب الله فاخذناه بحقنا واما المتعة فسأل أمك اسما إذا
نزلت عن بردى عوسجة واما قتالنا ام المؤمنين فبنا سميت ام المؤمنين لا بك ولا بابيك
فانطلق ابوك وخالك إلى حجاب مده الله عليها فهتكاه عنها ثم اتخذاها فتنة يقاتلان
دونها وصانا حلائلهما في بيوتهما فما انصفا الله ولا محمدا من انفسهما إذ أبرزا
زوجة نبيه صلى الله عليه وآله وصانا حلائلهما واما قتالنا اياكم فانا لقيناكم زحفا
فان كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا وان كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم ايانا وايم
الله لولا مكان صفية فيكم ومكان خديجة فينا لما تركت لبنى اسد بن عبد العزى عظما "
الا كسرته فلما عاد ابن الزبير إلى امه سألها عن بردى عوسجة فقالت الم انهك عن ابن
عباس وعن بنى هاشم فانهم كعم الجواب إذا بدهوا فقال بلى وعصيتك فقالت يا بنى احذر
هذا الاعمى الذى ما اطاقته الأنس والجن واعلم ان عنده فضايح قريش ومخازيها باسرها
فاياك واياه إلى اخر الدهر فقال ايمن بن خزيم بن مالك الأسدى: يابن الزبير لقد
لاقيت بائقة * من البوائق فالطف لطف محتال لاقيته هاشميا " طاب منبته * في مغرسيه
كريم العم والخال ما زال يقرع منك السمع مقتدرا * على الجواب بصوت مسمع عال
________________________________________
[ 136
]
حتى رأيتك
مثل الكلب منحجرا " * خلف الغبيط وكنت الباذخ العالي ابن ابن عباس المعروف حكمته *
خير الأنام له حال من الحال عيرته المتعة المتبوع سنتها * وبالقتال وقد عيرت بالمال
لما رماك على رسل باسهمه * جرت عليك كسوف الحال والبال فاختز مقولك الا على بشفرته
* عزا " وحبا " بلا قيلا ولا قال واعلم بأنك ان عاودت غيبته * عادت عليك مخار ذات
اذيال (وبلغ يزيد بن معاوية) ان ابن الزبير ارسل إلى ابن عباس يدعوه إلى مبايعته
وقال له ان الناس إذا راوك بايعتني لم يتخلف عنى احد فقال له ابن عباس ان ليزيد في
رقابنا بيعة لا يمكن نقضها. فكتب يزيد إلى ابن عباس اما بعد فقد بلغني ان الملحد بن
الزبير دعاك إلى بيعته والدخول في طاعته وانك امتنعت عليه واعتصمت ببيعتى وفاء منك
لنا وطاعة لله في تثبيت ما عرفك الله من حقنا فجزاك الله من ذى رحم باحسن ما يجزى
الواصلين لأرحامهم والموفين بعهدهم ومهما نسيت فانى لست بناس برك وتعجيل صلتك وحسن
جزائك الذى انت اهله منى في الطاعة وما جعله الله لك من الشرافة والقرابة من رسول
الله صلى الله عليه وآله وانظر ما قبلك من قومك ومن يطرأ عليك من الآفاق ومن غره
الملحد بن الزبير بلسانه وزخرف له قوله فاعلمهم حسن رأيك في والتمسك ببيعتى فانهم
لك اطوع ومنك اسمع منهم للملحد المحارق والخارج المارق والسلام. (فكتب إليه ابن
عباس) اما بعد فقد اتانى كتابك تذكر فيه دعاء ابن الزبير اباى إلى بيعته وامتناعي
عليه فان بك ذلك كما بلغك فلم يكن حمدك ولا ودا اردت ولكن الله بالذى نويت به عليم
وزعمت انك لست بناس برى وتعجيل صلتي فاحبس ايها الانسان صلتك عنى فانى حابس عنك
نصرتي وودى فلعمري ما تؤتينا مما في يديك من حقنا الا الحقير القليل وانك لتحبس عنا
منه العريض
________________________________________
[ 137
]
الطويل
وسألتني أن أحض الناس على موالاتك وأن اخذلهم عن ابن الزبير فواعجبا " لك تسألني
نصرتك وتحدوني على ودك وقد قتلت الحسين بفيك الكثكث انك إذ منتك نفسك ذلك لعازب
الرأى وأنت المفند المثبور أنسيت قتلك الحسين " ع " وفتيان عبد المطلب مصابيح الدجى
وأعلام الهدى غادرتهم جنودك مصرعين في البطحاء مرملين بالدماء مسلوبين بالعراه تسفى
عليهم ريح الصبا تعتورهم الذئاب وتنتابهم عرج الضباع لا مكفنين ولا موسدين حتى اتاح
الله لهم قوما " لم يشركوك في دمائهم فكفنوهم ودفنوهم وبهم عززت وجلست مجلسك الذى
جلست أنت وأبوك قبلك وما أنس ما الاشياء لم انس تسليطك عليهم الدعى ابن العاهرة
الفاجرة البعيد من رحمنا اللهم ان رسول الله قال الولد للفراش وللعاهر الحجر فقال
ابوك الولد لغير الفراش والعاهر لا ينقصه عهره شيئا " ويلحق به ولده للزنية كما
يلحق بالعف التقى ولده للرشده فقد أمات أبوك السنة واحيى البدع وقد جررت على
الدواهي بمخاطبتك على انى استصغر واستقصر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى وهذا
الأيدى تنطف من دمائنا وتلك الجثث الطواهر تنتابها العواسل وتفرسها الفراعل وتخطف
لحومها سباع الطير ولن انسى طردك الحسين " ع " من حرم الله وتسييرك إليه الرجال
بالسيوف في الحرم تغتاله وتطلب غرته دسست إليه من نابذه ليقتله فما زلت به حتى
اشخصته من مكة إلى الكوفة فخرج منها خائفا " يترقب تزأر له خيلك زئير الأسد عداوة
منك لله ولرسوله ولأهل بيته وايم الله ان كان لأعز اهل البطحاء بالبطحاء حديثا "
وقديما " واولى اهل الحرمين منزلة بالحرمين لو نوى بهما مقاما " واستحل بهما قتالا
ولكن كره ان يكون هو الذى يستحل حرمة الله وحرمة رسوله فاكبر ما لم تكبر أنت حيث
دسست إليه الرجال تغتاله بهما وما لم يكبر ابن الزبير حين الحد في البيت الحرام مع
حزبه الغاوين فقصد قصد العراق فكتبت إلى ابن مرجانة يستقبله بالخيل والرجال والسيوف
والحراب وأمرته أن يسرع معاجلته ويترك مطاولته واكدت
________________________________________
[ 138
]
بالألحاح
ليقتله ومن معه من بنى عبد المطلب أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا " ثم انه طلب اليكم الموادعة وسألكم الرجعة فاغتنمتم قلة الانصار واستأصال
أهل بيته فعدوتم عليهم فقتلتموهم كأنكم قتلتم أهل بيت من الترك فلا شئ أعجب إلى من
طلبك ودى ونصرتي وقد قتلت ابن أبى وسيفك يقطر من دمى وأنت احد ثارى وانا ارجو ان لا
يطل لديك دمى ولا تسبقني بثأري ولأن سبقت ولا تشتفي بثأري ولان شفيت به في الدنيا
فقتلتنا فقد قتل النبيون وآل النبيين فطللت دمائهم وكان الله الموعد وكفى بالله
للمظلومين ناصرا " والله لنظفرن بك غدا " أو بعد غد وذكرت وفائى لك وعرفاني بحقك
فان يك كما ذكرت أو لم يكن فوالله ما رأيت اعرف أننا احق بهذا الأمر منك ومن أبيك
ولكنكم كابرتمونا فقهرتمونا وأستأثرتم علينا بسلطاننا ودفعتمونا عن حقنا فبعدا
للمنجرى على ظلمنا ودافعنا عن حقنا كما بعدت ثمود وعاد وقوم مدين واخوان لوط. ومن
اعجب الأعاجيب وما زال يريك الدهر العجب حملك بنات رسول الله صلى الله عليه وآله
واغيلمة من ولد صغار اليك بالشام كالسبي المجلوب وترى الناس انك قهرتنا وانك تمن
علينا وبنا من الله عليك ومنعك وأباك وأمك من السبى فلعمري إن كنت تمسى وتصبح وأنت
تجرح بدنى فلقد رجوت أن لا يقطب جراحك لساني ونفضي أو ابرامى وايم الله لا يمكنك
الله بعد قتل الحسين " ع " وعترة رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يأخذك اخذا "
اليما " ويخرجك من الدنيا مذموما " مدحورا " فعش لا ابالك رويدا " ما استطعت فقد
والله لعنك الله وملائكته ورسله والله المستعان وعليه التكلان. (واخرج النسائي في
صحيحه) عن أبى مليكة قال كان بين ابن عباس وبين ابن الزبير شئ فغدوت على ابن عباس
فقلت اتريد ان تقاتل ابن الزبير فتحل حرم الله فقال معاذ الله أن الله كتب ابن
الزبير وبنى امية محلين للحرام وانى والله لا احله ابدا ".
________________________________________
[ 139
]
(وروى
المسعودي) عن سعيد بن جبير إن ابن عباس دخل على ابن الزبير فقال له أبن الزبير إلى
م تونبنى وتعنفني فقال أبن عباس انى سمعت رسول الله يقول بئس المسلم يشبع ويجوع
جاره وأنت ذلك الرجل فقال أبن الزبير والله أنى لاكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ
أربعين سنة وتشاجرا فخرج ابن عباس من مكة فاقام بالطائف حتى مات. (وروى غيره) أن
أبن الزبير حبس عبد الله بن العباس مع محمد بن الحنفية رضى الله عنه في رجال من بنى
هاشم في شعب غارم حتى أرسل المختار من الكوفة جيشا " فاستخلصوهم منه كما سيأتي ذكره
في ترجمة ابن الحنفية انشاء الله تعالى (وروى المدائني) قال لما اخرج ابن الزبير
عبد الله بن عباس من مكة إلى الطائف مر بنعمان فنزل فصلى ركعتين ثم رفع يديه يدعو
فقال اللهم أنك تعلم أنه لم يكن بلد أحب إلى من أن أعبدك فيه من البلد الحرام وانى
لا أحب أن تقبض روحي إلا فيه إن ابن الزبير اخرجني ليكون الأقوى في سلطانه اللهم
فاوهن كيده واجعل دائرة السوء عليه فلما دنى من الطائف تلقاه أهلها فقالوا مرحبا
يابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله أنت والله احب الينا واكرم علينا ممن اخرجك
هذه منازلنا تخيرها فانزل منها حيث احببت فنزل منزلا فكان يجلس إليه أهل الطائف بعد
الفجر وبعد العصر فيتكلم بينهم. (قال المسعودي) في مروج الذهب ذهب بصر ابن عباس
لبكائه على علي ابن أبى طالب والحسن والحسين " ع " وهو الذى يقول: أن يأخذ الله من
عينى نورهما * ففى لساني وقلبي منهما نور قلبى ذكى وعقلي غير مدخل * وفى فمى صارم
كالسيف مشهور (وأخرج الكشى) عن سلام بن سعيد عن عبد الله بن عبد ياليل، رجل من أهل
الطائف. قال: أتينا ابن عباس (ره) نعوده في مرضه الذى مات فيه قال فاغمى عليه في
البيت فاخرج إلى صحن الدار قال فافاق فقال إن خليلي رسول الله
________________________________________
[ 140
]
قال إنى
سأهاجر هجرتين وإنى سأخرج من هجرتى فهاجرت هجرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله
وهجرة مع على " ع " وإنى ساعمى فعميت وإنى ساغرق فأصابني حكة فطرحني أهلى في البحر
فغفلوا عنى فغرقت ثم استخرجوني بعد وأمرني أن أبرء من خمسة من الناكثين وهم أصحاب
الجمل ومن القاسطين وهم أهل الشام ومن الخوارج وهم أهل النهروان ومن القدرية وهم
الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا لا قدر. ومن المرجئه الذين ضاهو اليهود في
دينهم فقالوا الله أعلم قال ثم قال اللهم أن أحيى ما حى عليه على بن أبى طالب " ع "
وأموت على ما مات عليه على بن أبى طالب " ع " قال ثم مات فغسل وكفن ثم صلى على
سريره فجاء طائران أبيضان فدخلا في كفنه فرأى الناس انما هو فقهه، فدفن. (وأخرج
أيضا ") عن شريح عبد أبى عبد الله " ع " ان ابن عباس لما مات وأخرج خرج من كفنه طير
أبيض ينظرون إليه نحو السماء حتى غاب عنهم فقال " ع " وكان أبى يحبه حبا " شديدا "
وكانت امه تلبسه ثيابه وهو غلام فينطلق إليه في غلمان بنى عبد المطلب قال فأتاه بعد
ما أصيب ببصره فقال من أنت قال انا محمد بن على بن الحسين " ع " فقال حسبك من لم
يعرفك فلا عرفك. (وأخرج أحمد بن حنبل) في مسنده عن السدى عن أبى صالح قال لما حضرت
عبد الله بن عباس الوفاة قال اللهم أنى اتقرب اليك ولاية على بن أبى طالب. (قال
الشيخ) أبو الحسين يحيى بن الحسن بن البطريق قدس الله روحه هذا القول من ابن عباس
من أدل دليل على أن الميت يسأل عن معرفة الله تعالى ومعرفة النبي صلى الله عليه
وآله وولاية أمير المؤمنين على بن أبى طالب " ع " لأنه قد ثبت عند من يعلم ومن لا
يعلم أن منكرا " ونكيرا " ومبشرا " أو بشيرا " يسألان الميت عند نزول قبره عن ربه
ونبيه وإمامه وهذا من أدل دليل على سؤال الملائكة عن ولاية أمير المؤمنين " ع "
ولولا ذلك لما جعلها ابن عباس خاتمة علمه لانه كان أعلم أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وآله بعد أمير المومنين " ع " بلا خلاف وكان يقول له
________________________________________
[ 141
]
أمير
المؤمنين " ع " أنت كنت مملوء علما " ولو لم يتحقق في ذلك حالا عن النبي صلى الله
عليه وآله لما كان قد جعل غاية تقربه إلى الله وهو آخر كلام يكتب له ولاية على بن
أبى طالب عليه السلام ولو لم يعلم أن فيها النجاة لما جعلها آخر عمله فهذا مما يجب
على خلق الله كافة أن يأتوا بمثل ما أتى به ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله
وأعلمهم. وتوفى ابن عباس رضى الله تعالى عنه بالطائف سنة ثمان وستين ايام ابن
الزبير وقيل سنة تسع وستين وقيل سنة سبعين وقيل ثلاث وسبعين وهو اضعفها وله من
العمر سبعون سنة وقيل أحدى وسبعين سنة وقيل اربع وسبعين ودفن بالطائف وصلى عليه
محمد بن الحنفية (رض) وقال اليوم مات ربانى هذه الامة وضرب على قبره فسطاطا ".
(وحدث جماعة) من المحدثين قالوا حضرنا جنازة عبد الله بن عباس فلما وضع ليصلى عليه
جاء طائر عظيم ابيض من قبل وج يقال أنه الغرنوق فوقع على اكفانه ودخل فيها فالتمس
فلم يوجد حتى الساعة وكانوا يرون أنه علمه فلما سوى عليه التراب سمع قائل يسمع صوته
ولا يرى شخصه يتلو هذه الآية: (يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية)
فاغرب ابن الضحاك فيما اخرجه عن أبى بكر بن أبى عاصم أن ابن عباس مات بمكة وقبره
بالطائف لا يحتلف فيه أثنان. (قالت العامة) مرويات بن عباس في كتب الحديث الف
وستمائة وستون. وكان له من الولد العباس وبه كان يكى وعلى السجاد الفضل ومحمد وعبد
الله ولبانة وأسماء (قال المؤلف عفى عنه) زرت قبر عبد الله بن العباس مرارا "
بالطائف وهو معظم بتلك الديار وعليه قبة عظيمة يقصده الناس للزيارة من الاطراف
وينذرون له النذور ويعتقدون فيه اعتقادا " عظيما " وهو أهل لذلك رحمه الله تعالى.
(ويقال) ما رؤى قبور أخوة اكثر تباعدا " من قبور بنى العباس قبر عبد الله بالطائف
وقبر عبيدالله بالمدينة وقبر قثم بسمرقند وقبر عبد الرحمن بالشام وقبر معبد
بافريقية.
________________________________________
[ 142
]
الفضل بن
العباس امه أم الفضل أيضا " كان اكبر أولاد العباس وبه كان يكنى ولم يزل اسمه الفضل
في الجاهلية والإسلام وكان يكنى أبا عبد الله وقيل ابا محمد وكان اجمل الناس وجها.
(قال أهل العلم بالتاريخ) غزى الفضل مع رسول الله صلى الله عليه وآله مكة وحنينا
وثبت يومئذ وشهد حجة الوداع واردفه رسول الله صلى الله عليه وآله خلفه فيها لما دفع
من مزدلفة إلى منى وكان الفضل رجلا حسن الشعر ابيض وسيما فمرت ظعن بحريم فجعل الفضل
ينظر اليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه
إلى الشق الآخر فحول رسول الله صلى الله عليه وآله يده من الشق الآخر على وجه الفضل
فصرف وجهه من الشق الآخر فقال العباس لوبت عنق ابن عمك يا رسول الله فقال رأيت شابا
" وشابة فلم آمن الشيطان عليهما. (وأخرج) ابن بابويه (ره) في الفقيه عن القداح عن
الصادق جعفر ابن محمد " ع " قال قال الفضل بن عباس اهدى إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله بغلة اهداها إليه كسرى أو قيصر فركبها النبي بحبل من شعر واردفني خلفه ثم
قال لى يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده امامك. تعرف إلى الله في الرخاء
يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فقد مضى بما هو كائن
فلو جهد الناس ان ينفعوك بامر لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليك ولو جهدوا ان يضروك
بامر لم يكتبه الله عليك لم يقدروا فان استطعت ان تعمل بالصبر مع اليقين فافعل فان
لم تستطع فاصبر فان في الصبر على أمورك خيرا " كثيرا " واعلم أن النصر مع الصبر وان
الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا " ان مع العسر يسرا ". (وكان) الفضل هو الذى يصب
الماء في غسل رسول الله وأمير المؤمنين يغسله. (وروى) أن أمير المؤمنين " ع " عصب
عينى الفضل حين صب الماء عليه وان رسول الله أوصاه بذلك وقال انه لا يبصر عورني احد
غيرك إلا عمى
________________________________________
[ 143
]
ونزل الفضل
مع على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله (روى) أن عليا " ع " منع الناس أن ينزلوا
معه القبر وقال لا ينزل قبره غيرى وغير العباس ثم أمر في نزول الفضل وقثم ابني
العباس ومن شعر الفضل قوله: من أبيات يقول فيها: الا أن خير الناس بعد محمد * وصى
النبي المصطفى عند ذى الذكر واول من صلى وصنو نبيه * واول من اردى الغواة لدى بدر
(روى الزبير بن بكار) قال روى محمد بن اسحق أن ابا بكر لما بويع افتخرت تيم بن مرة
قال وكان عامة المهاجرين وجل الانصار لا يشكون أن عليا " هو صاحب الأمر بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله فقال الفضل بن عباس يا معشر قريش وخصوصا " يا بنى تيم انكم
إنما اخذتم الخلافة بالنبوة ونحن أهلها دونكم ولو طلبنا هذا الأمر الذى نحن اهله
لكانت كراهية الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا حسدا " منهم لنا وحقدا " علينا وانا
لنعلم أن عند صاحبنا عهدا " وهو ينتهى إليه. (قال أبو عمر) أختلف في وفاة الفضل بن
العباس فقيل اصيب باجنادين في خلافة أبى بكر سنة ثلاث عشر. (وفى ذخائر العقبى)
اجنادين بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح الدال المهملة وقد يكسر. الموضع المشهور من
نواحى دمشق وكانت به الوقعة بين المسلمين والروم وقيل قتل يوم مرج الصفر وهو بضم
الصاد وتشديد الفاء موضع بغوطة دمشق كان به وقعة المسلمين على الروم سنة ثلاث عشر
أيضا وقيل مات بطاعون عمواس وهو بفتح العين المهملة والميم وقد تسكن وتخفيف الواو
وبعد الألف سين مهملة اسم بلدة صغيرة بين القدس والرملة منها نشأ الطاعون ثم انتشر
في الشام فنسب إليها وهو اول طاعون كان في الإسلام بالشام سنة سبع عشرة وقيل ثمان
عشرة قال بعضهم والاول اصح وذلك في خلافة عمر ومات في هذا الطاعون خمس وعشرون الفا
وقيل ثلاثون الفا قال السيوطي ان جيش المسلمين،
________________________________________
[ 144
]
وتوفى الفضل
وله من العمر اثنتان وعشرون سنة ولم يترك ولدا " غير ابنة تزوجها الحسن بن على " ع
" ثم فارقها فتزوجها أبو موسى الأشعري فولدت له موسى ومات عنها فتزوجها عمر بن طلحة
بن عبيدالله وقيل أن الفضل خلف ابنا يقال له عبد الله ولم يثبت والله أعلم.
(عبيدالله بن العباس بن عبد المطلب) وأمه أم الفضل أيضا كان اصغر من أخيه عبد الله
نسبة قيل أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسمع منه وحفظ عنه كان احد الأجواد وكان
يقال من اراد الفقه والجمال والسخاء فليأت دار العباس الفقه لعبدالله والجمال للفضل
والسخاء لعبيدالله واستعمل أمير المؤمنين " ع " عبيدالله على اليمن وأمره على
الموسم وبعث معاوية ذلك العام يزيد بن شجرة الزهاوى ليقيم الحج فاجتمع فسأل كل
منهما صاحبه أن يسلم له فابى واصطلى على ان يصلى بالناس شيبة بن عثمان (وروى) أن
معاوية بعث إلى اليمن بسر بن أرطاة في جيش كشيف وأمره أن يقتل كل من كان في طاعة
على " ع " فلما قدم اليمن وعليها عبيدالله بن عباس من قبل على تنحى عبيدالله
واستولى بسر عليها وقتل خلقا " كثيرا " وكان الذى قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين الفا
" وحرق قوما " بالنار فلما بلغ ذلك عليا " ع " بعث جارية بن قدامة السعدى في الفين
فصمد نحو بسر فهرب بسر من بين يديه يفر من جهة إلى أخرى حتى اخرجه من اعمال على " ع
" كلها ورجع إلى معاوية وعاد عبيدالله بن عباس إلى عمله فلم يزل عاملا على اليمن
حتى قتل على " ع " وقيل بل قدم على أمير المؤمنين هو وسعيد بن نمران وعاتبهما علي
على عدم محاربتهما بسرا فقال سعيد قد والله قاتلت ولكن ابن عباس خذلني وأبى أن
يقاتل وقال لا والله ما لنا بهم طاقة فقاتلت بمن معى قتالا ضعيفا " وتفرق الناس عنى
وأنصرفت وهذا هو الصحيح. (وكان) ممن قتله بسر في وجهه هذا سلمان وداود ابني
عبيدالله بن العباس
________________________________________
[ 145
]
وهما غلامان
وقيل اسمهما قثم وعبد الرحمن أمهما حورية بنت خالد بن فارط الكنانية وتكنى ام حكيم
في موضع قتلهما (فروى) على بن مجاهد عن اسحق أن أهل مكة لما بلغهم ما صنعه بسر
خافوه وهربوا فخرجوا فيهم أبنا عبيدالله ابن العباس فاضلوهما عند بئر ميمون بن
الحضرمي وهجم عليهما بسر فاخذهما وذبحهما. (وروى) إنهما وصلا إلى أخوالهما من بنى
كنانة (وقيل) إنما قتلهما باليمن وإنهما ذبحا على درج صنعاء. (وروى) عبد الملك بن
نوفل عن أبيه أن بسرا دخل الطائف فبات بها وخرج حتى مر ببنى كنانة وفيهم ابنا
عبيدالله بن العباس وأمهما فلما أنتهى بسر إليهم طلبهما فدخل رجل من بنى كنانة كان
أبوهما أوصاه بهما فاخذ السيف من بيته وخرج فقال له بسر ثكلتك أمك والله ما كنا
اردنا قتلك فلم عرضت نفسك للقتل قال اقتل دون جارى اعذر لى ثم شد على اصحاب بسر
بالسيف حاسرا " وهو يرتجز: آليت لا يمنع حافات الدار * ولا يموت مصلتا دون الجار
إلا فتى أروع غير غدار فضارب بسيفه حتى قتل ثم قدم الغلامان فذبحا فخرج نسوة من بنى
كنانة فقالت أمرأة منهن هذة الرجال تقتلها فما بال الولدان والله ما كانوا يقتلون
في جاهلية ولإاسلام والله أن سلطانا لا يشيد إلا بقتل الضرع الضعيف والشيخ الكبير
ورفع الرحمة وقطع الارحام لسلطان سوء فقال بسر والله لهممت أن أضع فيكن السيف قالت
والله انه لأحب إلى أن فعلته ولهما بلغ خبر الغلامين أمهما جزعت جزعا " شديدا "
وقالت ترثيهما: هامن أحس لى ابني اللذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف هامن أحس
لى ابني اللذين هما * سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف هامن أحس لى ابني اللذين هما *
مخ العظام فمخي اليوم مزدهف نبئت بسرا " وما صدقت ما زعموا * من قولهم ومن الأفك
الذى اقترفوا
________________________________________
[ 146
]
انحى على
ودجى طفلي مرهفة * مشحوذة وكذاك الظلم والسرف من دل والهة عبرى مفجعة * على صبيين
ضلا إذ مضى السلف (وأخرج الشيخ الطوسى رحمة الله عليه) في أماليه بأسناده عن معاوية
ابن ثعلبة قال أجتمع عبيدالله بن العباس من بعد وبسر بن أرطاة عند معاوية لعبيدالله
أتعرف هذا ! هذا الشيخ قاتل الصبيين ؟ قال بسر نعم أنا قاتلهما، فمه فقال عبيدالله
لو أن لى سيفا " قال بسر فهاك سيفى وأومى إلى سيفه، فزبره معاوية وانتهره، وقال اف
لك من شيخ ما أحمقك اتعمد إلى رجل قد قتلت أبنيه فتعطيه سيفك كأنك لا تعرف أكباد
بنى هاشم والله ان دفعته إليه لبدأ بك وثنى بى، فقال عبيدالله بل والله كنت ابدا بك
ثم أثنى به. (وروى) أبو الحسن المدائني قال أجتمع عبيد الله بن العباس وبسر بن
أرطاة يوما " عند معاوية بعد صلح الحسن " ع " فقال عبيدالله لمعاوية أنت أمرت
اللعين السئ القدم أن يقتل ابني ؟ فقال ما أمرته بذلك ولوددت انه لم يكن قتلهما
فغضب بسر ونزع سيفه فألقاه وقال لمعاوية إقبض سيفك عنى، قلدتنيه وأمرتني أن أخبط به
الناس ففعلت حتى إذا بلغت ما أردت قلت لم اهو ولم أأمر ؟ فقال معاوية خذ سيفك اليك
فلعمري إنك لضعيف تلقى السيف بين يدى رجل من بنى عبد مناف قتلت بالأمس أبنه فقال
عبيدالله أتحسبني يا معاوية قاتلا بسرا " بأحد إبنى هو أحقر وألأم من ذلك. ولكن
والله لا أرى لى مقعنا " ولا أدرك ثارا " إلا أن أصيب بهما يزيد وعبد الله فتبسم
معاوية فقال وما ذنب معاوية وابنى معاوية، والله ما علمت ولا أمرت ولا رضيت ولا
هويت وأحتملها منه لشرفه وسؤدده. (قال) ودعا علي " ع " على بسر فقال: اللهم إن بسرا
" باع دينه بالدنيا وانتهك محارمك، وكانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده من طاعتك، اللهم
فلا تمته حتى تسلبه عقله ولا توجب له رحمتك ولا ساعة من نهار، اللهم إلعن بسرا "
________________________________________
[ 147
]
وعمرا "
ومعاوية، وليحل عليهم غضبك ولتنزل بهم نقمتك وليصيبهم بأسك ورجزك الذى لا ترده عن
القوم المجرمين. فلم يلبث بسر بعد ذلك إلا يسيرا " حتى وسوس وذهب عقله وكان يهذى
بالسيف ويقول اعطوني سيفا " اقتل به لا يزال يردد ذلك حتى اتخذ له سيفا " من خشب
وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتى يغشى عليه فلبث كذلك إلى أن مات.
وقال المسعودي في (مروج الذهب) مات بسر بن أرطاة لعنة الله زائل العقل يلعب بنجوه
فربما شدوا يديه جميعا منعا له من ذلك فسلح ذات يوم فاهوى إليه بفيه فتناوله
فتبادروا لمنعه فقال أتمنعوني ; وعبد الله وقشم يطعماني ; يعنى ابني عبيدالله بن
العباس للذين قتلهما. قال وكان موته في أيام الوليد بن عبد الملك سنة ست وثمانين.
ولما توفى أمير المؤمنين " ع " خرج عبيدالله بن العباس إلى الناس فقال أن أمير
المؤمنين توفى وقد ترك خلفا فان أحببتم خرج اليكم وأن كرهتم فلا أجد على أحد، فبكى
الناس وقالوا بل يخرج الينا، فخرج الحسن " ع " فخطب بهم فقال: أيها الناس اتقوا
الله فانا امراؤكم واولياؤكم وإنا أهل البيت الذين قال الله تعالى فينا (إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، يطهركم تطهيرا) فبايعه الناس وكان خرج إليهم
وعليه ثياب سود ثم وجه عبيدالله بن العباس ومعه قيس بن سعد بن عبادة مقدمة له في
اثنى عشر الفا إلى الشام وقال له يابن عم أنى بعثت معك اثنى عشر الفا " من فرسان
العرب وقراء المصر الرجل منهم يرد الكتيبة فسر بهم والن لهم جانبك وابسط لهم وجهك
وافرش لهم جناحك وادنهم من مجلسك فانهم بقية ثقاة أمير المؤمنين (ع) وسربهم على شط
الفرات حتى تقطع بهم الفرات حتى تصير بمسكن ثم امض حتى تستقبل معاوية فان أنت لقيته
فاحبسه حتى آتيك فانى على اثرك وشيكا وليكن خبرك عندي كل يوم وشاور هذين يعنى قيس
بن سعد وسعيد بن قيس وإذا لقيت معاوية فلا
________________________________________
[ 148
]
تقاتله حتى
يقاتلك فان فعل فقاتله فان اصبت فقيس بن سعد فان اصيب قيس بن سعد فسعيد بن قيس على
الناس فسار عبيدالله بن العباس حتى اتى مسكن وقد وافى معاوية فنزل بقرية يقال لها
الحبوبية بمسكن واقبل عبيدالله بن العباس حتى نزل بازائه فلما كان من غد وجه معاوية
بخيله إليه فخرج إليهم عبيدالله فيمن معه فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم فلما كان
الليل أرسل معاوية إلى عبيدالله بن العباس ان الحسن " ع " قد أرسل لى في الصلح وهو
مسلم الأمر إلى فان دخلت في طاعتي الان كنت متبوعا " والا دخلت وأنت تابع ولك أن
جئتني الآن أن أعطيك الف الف درهم اعجل لك هذا الوقت نصفها وإذا دخلت الكوفة النصف
الآخر فاقبل عبيدالله ليلا فدخل على معاوية في عسكره فوفى له بما وعده واصبح الناس
ينتظرون عبيدالله ان يخرج فيصلى بهم فلم يخرج فطلبوه فلم يجدوه فصلى بهم قيس ابن
سعد ثم خطبهم فثبتهم وذكر عبيدالله فنال منه ثم امرهم بالصبر والنهوض إلى العدو
فأجابوه بالطاعة فحارب بهم من خرج إليه من عسكر معاوية حتى كان من صلح الحسن " ع "
ومعاوية ما كان. وسيأتى ذكر طرف من ذلك في ترجمة قيس بن سعد ان شاء الله تعالى.
(روى) ان عبد الله بن صفوان بن أمية مر يوما " بدار عبد الله بن عباس بمكة فرأى
فيها جماعة من طالبي الفقه ومر بدار عبيدالله بن عباس فرأى جماعة ينتابونها الطعام
فدخل على ابن الزبير فقال له اصبحت والله كما قال الشاعر: فان تصبك من الايام قارعة
* لم ابك منك على دنيا ولا دين قال وما ذاك يا اعرج قال هذان ابنا العباس احدهما
يفقه الناس والآخر يطعم الناس فما تركا لك مكرمة فدعا عبد الله بن مطيع فقال انطلق
إلى ابني عباس فقل لهما يقول لكما أمير المؤمنين اخرجا عنى انتما ومن انزوى اليكما
(وفى نسخة) انتما ومن انضوى أو انضم اليكما من أهل العراق وإلا فعلت وفعلت فقال عبد
الله بن عباس قل لابن الزبير والله ما ينتابنا من الناس إلا رجلان أحدهما يطلب فقها
والآخر
________________________________________
[ 149
]
يطلب فضلا
فاى هذين يمنع وحضر أبو الطفيل عامر بن وائل الكنانى فجعل يقول: لله در الليالى كيف
تضحكنا * منها خطوب اعاجيب وتبكينا ومثلها تحدث الأيام من غير * في ابن الزبير عن
الدنيا تسلينا كنا نجثى ابن عباس فيقبسنا * علما ويكسبنا اجرا " ويهدينا ولا يزال
عبيدالله مترعة * جفانه مطعما ضيفا ومسكينا فالسير والدين والدنيا بدارهما * ننال
منه الذى نبغى إذا شينا ان النبي هو النور الذى كشطت * به عمايات ماضينا وباقينا
ورهطه عصمة في ديننا ولهم * فضل علينا وحق واجب فينا ففيم تمنعهم منا وتمنعنا *
منهم وتؤذيهم فينا وتؤذينا ولست فاعلم باولاهم به رحما * يابن الزبير ولا اولى به
دينا لن يؤتى الله إنسانا " ببغضهم * في الدين عزا " ولا في الارض تمكينا (وكان)
عبيدالله بن العباس من أجواد الأسلام المشهورين، فمن جوده أنه اول من فطر جيرانه
واول من وضع الموائد على الطريق، ومن جوده أنه أتاه رجل وهو بفناء داره فقام بين
يديه وقال يابن عباس ان لى عندك يدا وقد احتجت إليها فصعد إليه بصره وصوبه فلم
يعرفه فقال له ما يدك عندنا قال رأيتك واقفا " عند زمزم وغلامك يملا من مائها
والشمس قد سهرتك فظللتك بطرف كائى حتى شربت قال أجل أنى لأذكر لك ذلك ثم قال لغلامه
ما عندك قال مائة دينار وعشرة آلاف درهم قال ادفعها إليه وما اراها تفى بحق يده
فقال الرجل والله لو لم يكن لاسماعيل ولد غيرك لكان فيك كفاية فكيف وقد ولد سيد
الأولين والآخرين ثم شفع بك وبابيك. (ومن جوده أيضا ") أن معاوية حبس عن الحسن بن
على " ع " صلاته حتى ضاقت حاله فقيل له لو وجهت إلى ابن عمك عبيدالله بن عباس لكفاك
وقد قدم بنحو ألف ألف قال الحسين " ع " فما مقدارها عنده والله أنه لأجود
________________________________________
[ 150
]
من الريح
إذا عصفت وأسخى من السحاب إذا زخر ثم وجه إليه رسوله بكتاب ذكر فيه حبس معاوية عنه
صلاته وضيق حاله وأنه يحتاج إلى مائة الف، فلما قرأ عبيدالله كتابه وكان ارق الناس
قلبا " والينهم عطفا " انهملت عيناه، ثم قال ويلك يا معاوية ما اجترحت يداك من
الإثم حين اصبحت لين المهاد رفيع العماد والحسين يشكو ضعف الحال وكثرة العيال، ثم
قال لقهرمانه إحمل الى الحسين نصف ما نملكه من فضة وذهب ودابة واخبره إنى شاطرته
فان أقنعه ذلك والا فارجع وأحمل إليه الشطر الآخر (قال ولما) وصل الرسول إلى الحسين
قال انا لله ثقلت والله على بن عمى وما حسبت أنه يتسع لنا بهذا كله فاخذ الشطر من
ماله وهو اول من فعل هذا في الاسلام. (ومن جوده أيضا ") ان معاوية أهدى إليه وهو
عنده بالشام من هدايا النيروز حللا كثيرة ومكا وآنية من ذهب وفضة ووجهها إليه مع
حاجبه فلما وضعها بين يديه نظر إلى الحاجب وهو بطيل النظر فيها فقال في نفسك منها
شئ قال نعم والله ان في نفسي منها ما كان في نفس يعقوب من يوسف فضحك عبيد الله وقال
فشأنك بها فهى لك قال جعلت فداك انا اخاف أن يبلغ ذلك معاوية فيغضب لذلك قال
فاختمها بحاتمك وادفعها إلى الخازن وهو يحملها اليك ليلا. فقال الحاجب والله إن هذه
الحيلة في الكرم اكثر من الكرم ولوددت أن لا أموت حتى اراك مكانه، يعنى معاوية فظن
عبيدالله انها مكيدة منه فقال دع هذا الكلام فانا من قوم نفى بما عقدنا ولان ننقض
ما اكدنا، وقال له يوما " رجل من الانصار جعلت فداك والله لو سبقت حاتم نيوم ما
ذكرته العرب وانا شهد أن عفو جودك اكثر من مجهوده وطل صوبك اكثر من وابله. مات
عبيدالله سنة ثمان وخمسين. (وقال الواقدي والزبير بن بكار) توفى بالمدينة في أيام
يزيد بن معاوية.
________________________________________
[ 151
]
وقال مصعب
مات باليمن والأول اصح وقال الحسن مات سنة سبع وثمانين في خلافة عبد الملك والله
أعلم. (قثم بن العباس بن عبد المطلب) امه أم الفضل ايضا " وهو رضيع الحسن بن على
(روى) أن أم الفضل قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله رأيت عضوا من أعضانك في بيتى
قال خيرا " رأيته تلد فاطمة غلاما " ترضعينه بلبن فثم فولد الحسن فارضعته بلبن قثم
وكان فثم يشبه النبي صلى الله عليه وآله، أخرج ابن الضحاك عن ابن العباس ان العباس
رأى إبنا له يقال له قثم فوضعه على صدره وهو يقول: حبى قثم * شبيه ذى الأنف الأشم
نبى ذى النعم * برغم من رغم (وروى ابن عبد البر) في كتاب (الاستيعاب) عن عبد الله
بن جعفر قال ; كنت أنا وعبيدالله وفثم ابني العباس تلعب فمر رسول الله راكبا فقال
ادفعوا لى هذا الفتى يعنى قثم، فرفعه إليه فاردفه ثم جعلني بين يديه ودعا لنا (قال
ابن عبد البر): روى عبد الله بن عباس قال كان قثم آخر الناس عهدا " برسول الله صلى
الله عليه وآله أي آخر من خرج من قبره ممن نزل فيه وكان المغيرة ابن شعبة يدعى ذلك
لنفسه فانكر على بن أبى طالب " ع " ذلك وقال بل آخر من خرج من القبر قثم بن العباس،
(قال) ابن عبد البر وكان قثم واليا " لعلى على مكة عزل عنها على خالد بن العاص بن
هشام وكان واليها لعثمان وولاها ابا قتادة الأنصاري ثم عزل عنها وولى مكانه قثم بن
العباس فلم يزل واليا " حتى قتل على " ع " وقال الزبير بن بكار استعمل على قثم بن
العباس على المدينة. قال ابن عبد البر واستشهد قثم بسمرقند كان واليها مع سعيد بن
عثمان بن عفان زمن معاوية فقتل هناك. (وقال) ابن الضحاك مات قثم في خلافة عثمان بن
عفان وقبره خارج سور
________________________________________
[ 152
]
سمرقند في
قبة عالية معروفة بمزار شاه يعنى السلطان الحى ; وفى قثم يقول داود بن مسلم: عتقت
من حل ومن رحلة * ياناق إن أدنيتني من قثم انك إن أدنيت منه غدا " * حالفني اليسر
ومات العدم في كفه بحر وفي وجهه * بدر وفى العرنين منه شمم اصم عن قيل الخنا سمعه *
وما عن الخير به من صمم لم يدر مالا وبلى قد درى * فعاقها واعتاض عنها نعم (وقيل)
أن هذه الأبيات لأبن المولى في قثم ابن العباس بن عبيدالله بن العباس لا قثم بن
العباس هذا وكان قثم بن العباس بن عبيدالله واليا " على المدينة وقيل على اليمامة
من قبل أبى جعفر المنصور وكان جوادا " ممدحا " والله أعلم، وقثم بضم القاف وفتح
الثاء المثلثة على وزن عمر يقال رجل قثم إذا كان كثير العطاء وجموعا " للخير وبه
سمى الرجل وهو معدول عن قائم تقديرا " ولا ينصرف للعدل والعلمية (عبد الرحمن بن
العباس بن عبد المطلب) أمه أم الفضل أيضا ولد على عهد رسول الله وقتل هو واخوه معبد
بافريقيا شهيدين في خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين مع عبد الله بن سعد بن أبى سرح قال
مصعب وقال ابن الكلبى قتل عبد الرحمن بالشام. (معبد بن العباس بن عبد المطلب) امه
أم الفضل أيضا " ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يحفظ عنه شيئا "
وقتل بافريقيا كما تقدم ذكره آنفا ". (كثير بن العباس بن عبد المطلب) أمه أم ولد
رومية أسمها سبا وقيل أم حميريه وكان يكنى أبا تمام، قال أبو عمرو ولد قبل وفاة
النبي صلى الله عليه وآله باشهر في سنة عشرة من الهجرة وكان فقيها "
________________________________________
[ 153
]
زكيا "
فاضلا عابدا " سيدا " روى عن أبيه وأخيه عبد الله وعنه ابن شهاب وعبد الرحمن الاعرج
وجماعة. (تمام بن العباس رضوان الله عليه ابن عبد المطلب) امه سبا أم كثير المذكورة
آنفا ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وروى عنه لا تدخلوا على قلحا
استاكوا فلولا ان اشق على امتى لامرتهم بالسواك عند كل صلاة، اخرجه البغوي في معجمه
وكان تمام واليا لعلى " ع " على المدينة وكان قد استخلف قبله سهل بن حنيف حين توجه
إلى العراق ثم عزله واستجلبه لنفسه وولى ابا أيوب الانصاري ثم شخص أبو أيوب واستخلف
رجلا من الانصار فلم يزل واليا " إلى أن قتل على " ع " قال الزبير بن بكار وكان
تمام اشد الناس بطشا وله عقب وقال أبو عمرو كان تمام اصغر بنى العباس وكان العباس
يحمله ويقول: تموا بتمام فصاروا عشرة * يا رب فاجعلهم كراما " بررة واجعل لهم ذكرا
" وانم الشجرة ولا يخفى ان هذا ينافى ما تقدم في كثير من أن كثيرا " ولد قبل وفاة
النبي صلى الله عليه وآله باشهر وذكر أن تمام روى عن النبي صلى الله عليه وآله
فيكون كثير اصغر منه قطعا " إلا أن يكون هناك اختلاف بين الرواة والله أعلم ; قال
الزبير بن بكار كان للعباس عشرة بنين ستة منهم امهم ام الفضل وهم الفضل وعبد الله
وعبيد الله وقثم ومعبد وعبد الرحمن وسابعتهم ام حبيب شقيقتهم وفى ام الفضل يقول عبد
الله ابن يزيد الهلالي: ما ولدت نجيبة من فحل * كستة من بطن ام الفضل اكرم بها من
كهلة وكهل وعون بن عباس قال أبو عمرو ولم أقف على اسم امه وكثير وتمام لأم ولد
والحرث بن عباس امه من هذيل هؤلاء عشرة اولاد العباس رحمهم الله تعالى.
________________________________________
[ 154
]
(عقيل بن
أبى طالب بن عبد المطلب) يكنى ابا يزيد ولم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام عقيلا
وهو اخو أمير المؤمنين " ع " لامه وابيه وكان اسن من جعفر رحمه الله بعشر سنين
وجعفر اسن من أمير المؤمنين بعشر سنين، وكان أبو طالب يحب عقيلا اكثر من حبه لسائر
بنيه ولذلك قال للنبى والعباس حين أتياه ليقتسما بنيه عام المحل ليخففا عنه ثقلهم
دعوا لى عقيلا وخذوا من شئتم فاخذ العباس جعفرا " واخذ النبي عليا " وقد قال رسول
الله لعقيل يا ابا يزيد إنى أحبك حبين حبا " لقرابتك منى وحبا " لما كنت أعلم من حب
عمى إياك وكان عقيل قد اخرج إلى بدر مكرها كما أخرج العباس ففداه العباس، روى ان
أخاه عليا " ع " مر به وهو أسير فلما رآه صد عنه فقال له عقيل والله لقد رأيتنى
ولكن عمدا " تصد عنى فجاء على إلى رسول الله فقال يا رسول الله هل لك في أبى يزيد
مشدودة يداه إلى عنقه بنسعه فانطلق معه رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وقف عليه
فلما رأى عقيل رسول الله قال يا رسول الله إن كنتم قتلتم أبا جهل فقد ظفرتم وإلا
فادركوا القوم ما داموا بحدثان فرحتهم فقال النبي صلى الله عليه وآله قد قتله الله
تعالى ولما فدى عاد إلى مكة ثم أقبل مسلما " مهاجرا " قبل الحديبية وشهد غزاة مؤتة:
مع أخيه جعفر " ع " وقيل إنه لم يعد إلى مكة بل اقام مع رسول الله وشهد معه المشاهد
كلها والاول اصح وكان عقيل قد باع دور بنى هاشم المسلمين بمكة وكانت قريش تعطى من
لم يسلم مال من أسلم فباع دور قومه حتى دار رسول الله فلما دخل رسول الله صلى الله
عليه وآله مكة يوم الفتح قيل له ألا تنزل دارك يا رسول الله فقال وهل ترك لنا عقيل
من دار وكان عقيل أنسب قريش وأعلمهم بأيامها ولكنه كان مبغضا " إليهم لأنه كان يعد
مساويهم وكان له طنفسة تطرح في مسجد رسول الله فيصلى عليها ويجتمع إليه الناس في
علم النسب وأيام العرب وكان حينئذ قد ذهب بصره كان يقال إن في قريش أربعة يتحاكم
إليهم في علم النسب وأيام قريش ويرجع إلى قولهم عقيل بن أبى طالب ومخرمة
________________________________________
[ 155
]
ابن نوفل
الزهري وأبوالجهم بن حذيفة العدوى وحويطب بن عبد العزى العامري وكان عقيل أسرع
الناس جوابا " وأشدهم عارضة وأحضرهم مراجعة في القول وابلغهم في ذلك. (قال) الشيخ
عبد الحميد بن أبى الحديد المدائني في شرح (نهج البلاغة) خرج عقيل إلى العراق ثم
إلى الشام ثم عاد إلى المدينة ولم يشهد مع أخيه أمير المؤمنين " ع " شيئا من حروبه
ايام خلافته وعرض نفسه وولده عليه فاعفاه ولم يكلفه حضور الحرب ; قال: واختلف الناس
فيه هل التحق بمعاوية وأمير المؤمنين حى فقال قوم نعم ورووا أن معاوية قال يوما
وعقيل عنده هذا أبو يزيد لو لا علمه انى خير له من أخيه لما اقام عندنا وتركه فقال
عقيل اخى خير لى في دينى وأنت خير لى في دنياى وقد آثرت دنياى واسأل الله خاتمة خير
وقال قوم إنه لم يعد إلى معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين " ع " (قال) ابن أبى
الحديد وهذا القول هو الاظهر عندي واستدلوا على ذلك بالكتاب الذى كتبه عقيل إلى
أمير المؤمنين في آخر خلافته والجواب الذى اجابه. (قال المؤلف) عفا الله عنه إن
الكتاب المشار إليه من أدل دليل على هذا القول فان عقيلا لما كتب إلى أخيه " ع "
عقيب غارة الضحاك بن قيس الفهرى على أطراف أعماله وكان معاوية قد بعثه في وقعة
النهروان وذلك في آخر خلافته " ع " وقد رأيت أن أذكر الكتاب المذكور وجوابه ليطلع
عليه من أحب النظر إليه. (قال) ابراهيم بن محمد بن سعد بن هلال الثقفى في كتاب
الغارات. (كتاب عقيل بن أبى طالب إلى أخيه) حين بلغه خذلان أهل الكوفة له وتقاعدهم
عنه لعبدالله على أمير الؤمنين " ع " من عقيل بن أبى طالب: سلام عليك فانى أحمد
الله اليك الذى لا إله إلا هو:
________________________________________
[ 156
]
أما بعد:
فان الله حارسك من كل سوء وعاصمك من كل مكروه وعلى كل حال إن قد خرجت إلى مكة
معتمرا ". فلقيت عبيدالله بن سعد بن أبى سرح مقبلا من (قديد) في نحو من أربعين شابا
" من أبناء الطلقاء فعرفت المنكر في وجوههم فقلت إلى أين يا أبناء الشائين أبمعاوية
تلحقون عداوة والله منكم قديما " غير منكرة تريدون بها إطفاء نور الله وتبديل أمره
فأسمعني القوم وأسمعتهم فلما قدمت مكة سمعت أهلها بتحدثون ان الضحاك بن قيس أغار
على الحيرة فاحتمل من أموالها ما شاء ثم انكفأ راجعا " سالما " فأف لحياة في دهر
جرأ عليك الضحاك وما الضحاك إلا فقع بقرقر وقد توهمت حيث بلغني ذلك ان شيعتك
وأنصارك خذلوك، فاكتب إلى يابن امى برأيك، فان كنت الموت تريد تحملت إليك بينى اخيك
وولد أبيك فعشنا معك ما عشت ومتنا معك إذا مت فوالله ما أحب أن أبقى في الدنيا بعدك
فواقا، وأقسم بالاعز الأجل إن عيشا " نعيشه بعدك في الحياة لغير هنى ولامرى ولا
نجيع والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. فكتب إليه أمير المؤمنين: من عبد الله على
أمير المؤمنين إلى عقيل بن أبى طالب: سلام عليك فانى احمد اليك الذى لا إله إلا هو:
أما بعد كلانا الله وإياك كلاءة من يخشاه بالغيب إنه حميد مجيد، فقد وصل إلى كتابك
مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي تذكر فيه أنك لقيت عبد الله بن سعد بن أبى سرح مقبلا
من (قديد) في نحو من أربعين فارسا من أبناء الطلقاء متوجهين إلى جهة الغرب وأن ابن
أبى سرح طالما كاد الله ورسوله وكتابه وصد عن سبيله وبناها عوجا فدع عنك ابن أبى
سرح ودع عنك قريشا " وخلهم وتركاضهم في الضلال وتجو الهم في الشقاق ألا وإن العرب
قد أجمعت على حرب أخيك اليوم إجماعها على حرب النبي من قبل اليوم فاصبحوا قد جهلوا
حقه وجحدوا فضله بادروا بالعداوة وفصبوا له الحرب وجهدوا عليه كل الجهد وجروا إليه
جيش الاحزاب اللهم فاجز قريشا عنى الجوازى فقد قطعت رحمى
________________________________________
[ 157
]
وتظاهرت على
ودفعتني عن حقى وسلبتني سلطان ابن امى وسلمت ذلك إلى من ليس مثلى في قرابتي من رسول
الله صلى الله عليه وآله وسابقتي في الإسلام إلا أن يدعى مدع مالا اعرف ولا أظن
الله يعرفه والحمد لله على كل حال وأما ما ذكرت من غارة الضحاك على أهل الحيرة فهو
أقل وأذل من أن يلم بها أو يدنو منها ولكنه قد كان أقبل في جريدة خيل فاخذ على
السماوة حتى مربوا قصة وشراف والقطقطانة فما والى ذلك الصقع فوجهت إليه جندا "
كثيفا من المسلمين فلما بلعه ذلك فر هاربا فانبعوه ملحقوه ببعض الطريق وقد امعن
وكان ذلك حين طفلت الشمس للاباب فتناوشوا القتال قليلا كلا ولا فلم يصبر لوقع
المشرفية وولى هاربا وقتل من أصحابه بضع عشر رجلا ونجا جريضا بعد ما أخذ منه المخنق
فلا ساء بلائى ما نجا واما ما سألتنى أن أكتب اليك برأيى فيما انا فيه فان رأيى
جهاد المحلين حتى القى الله لا يزيدنى كثرة الناس معى عزة ولا تفرفهم عى وحشة لابي
محق والله مع المحق ووالله ما أكره الموت على الحق وما الخير كله إلا بعد الموت لمن
كان محقا واما ما عرضت به من مسيرك إلى ببنيك وبنى أبيك فلا حاجة لى في ذلك فاقم
راشدا " محمودا " فوالله ما أحب أن نهلكوا معى إن هلكت ولا تحسبن ان أبيك لو اسلمه
الناس متخشعا ولا متضرعا إنه لكما قال أخو بنى سليم: فان تأليني كيف أنت فأنني *
صبور على ريب الزمان صليب يعز على أن ترى بى كآبة * فبشمت عاد أو بساء حبيب وقد
اورد الشريف الرضى (ره) بعض هذا الكتاب الذى كتبه أمير المؤمنين " ع " جوابا لاخيه
في نهج البلاغة إلا أن بين ما أورده وبين ما نقلناه اختلافا يسيرا " في العبارة.
(قال المؤلف) القائلون بان عقيلا فارق أخاه في حياته زعموا أنه شهد صفين مع معاوية
غير أنه لم يقاتل ولم يترك نصح أخيه والتعصب له فرووا أن معاوية قال يوم صفين لا
نبالي وأبو يزيد معنا فقال عقيل وقد كنت معكم يوم
________________________________________
[ 158
]
بدر فلم أغن
عنكم من الله شيئا "، واختلفوا في سبب فراقه له " ع " (فروى) أن عليا " ع " كان
يعطيه في كل يوم ما يقوته وعياله فطلب منه اولاده مريسا " فجعل يأخذ كل يوم من
الشعير الذى يعطيه أخوه قليلا ويعزله حتى اجتمع مقدار ما جعل بعضه في التمر وبعضه
في السمن وخبز بعضه وصنع لعياله مريسا " فلم تطلب نفوسهم باكله دون أن يحضر أمير
المؤمنين ويأكل منه فذهب إليه والنمس منه أن يأتي منزله فاتاه فلما قدم المريس بين
يديه سأله عنه فحكى له كيف صنع، فقال " ع " وهل كان يكفيكم ذاك بعد الذى عزلتم منه
قال نعم فلما كان اليوم الثاني جاء ليأخذ الشعير فنقص منه أمير المؤمنين مقدار ما
كان يعزل كل يوم (وقال) إذا كان في هذا ما يكفيك فلا تجعل لى أن أعطيك ازيد منه
فغضب من ذلك فحمى له أمير المؤمنين حديدة ثم قربها من خده وهو غافل فجزع من ذلك
وتأوه فقال أمير المؤمنين مالك تجزع من هذه الحديدة المحماة وتعرضني لنار جهنم فقال
عقيل والله لأذهبن إلى من يعطينى تبرا " ويطعمني برا " ثم فارقه وتوجه إلى معاوية.
(وروى) أنه وفد على أمير المؤمنين " ع " بالكوفة يستر فده فعرض عليه عطاءه فقال
انما أريد من بيت المال فقال تقيم إلى يوم الجمعة فلما صلى قال له ما تقول فيمن خان
هؤلاء اجمعين قال بئس الرجل قال فانك امرتني أن أخونهم وأعطيك فلما خرج من عنده شخص
إلى معاوية فامر له يوم قدومه بمائة الف درهم وقال له يا أبا يزيد انا خير لك أم
على قال وجدت عليا " انظر لنفسه منه لى ووجدتك انظر لى منك لنفسك (وروى) أنه قدم
على أمير المؤمنين " ع " فوجده جالسا في صحن المسجد بالكوفة فقال السلام عليك يا
أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وكان عقيل قد كف بصره فقال عليك السلام يا أبا
يزيد ثم التفت أمير المؤمنين إلى أبنه الحسن فقال له قم وانزل عمك فقام فانزله ثم
عاد إليه فقال اذهب فاشتر لعمك قميصا " جديدا " ورداءا " جديدا " وازارا " جديدا "
فذهب فاشترى له ذلك فغداعقيل على أمير المؤمنين
________________________________________
[ 159
]
في الثياب
فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال وعليك السلام يا ابا يزيد قال يا أمير
المؤمنين ما اراك اصبت من الدنيا شيئا وأنى لا ترضى نفسي من خلافتك بما رضيت به
لنفسك فقال يا ابا يزيد يخرج عطائي فادفعه اليك فلما ارتحل عن أمير المؤمنين انى
معاوية فنصب له كراسيه واجلس جلساه حوله فلما ورد عليه أمر له بمائة الف درهم
فقبضها. (وروى) أنه طلب من أمير المؤمنين صاع بر فلم يعطه وحمى له حديدة وكواه بها
وقد ذكر ذلك أمير المؤمنين في كلام له فقال والله لقد رأيت عقيلا وقد املق حتى
استما حنى من بركم صاعا " ورأيت صبيانه شعث الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم
بالعظلم وعاودني مؤكدا " وكرر على القول مرددا " فاصغيت إليه سمعي فظن انى أبيعه
دينى واتبع قياده مفارقا طريقتي فاحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج
ضجيج ذى دنف من المها وكاد ان يحترق من ميسمها فقلت له ثكلتك الثواكل يا عقيل أتثن
من حديدة أحماها انسانها للعبه وتجرنى إلى نار سجرها جبارها لغضبه أتئن من الأذى
ولا أأن من لظى. وحكى أن معاوية سأل عقيلا عن قصة الحديدة المحماة المذكورة فبكى
وقال انا أحدثك يا معاوية عما سألت نزل بالحسين " ع " أبنه ضيف فاستسلف درهما اشترى
به خبزا واحتاج إلى الأدام فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءهم
من اليمن فاخذ منه رطلا فلما طلبها على " ع " ليقسمها قال يا قنبر أظن أنه حدث في
هذا الزق حدث قال نعم يا أمير المؤمنين وأخبره فغضب وقال على بالحسين فرفع عليه
الدرة فقال الحسين بحق عمى جعفر وكان إذا سئل بحق جعفر سكن فقال له ما حملك على أن
أخذت منه قبل القسمة قال " ع " أن لنا فيه حقا فإذا أعطيناه ورددناه قال فداك أبوك
وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم اما لو لا
انى رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل ثنيتيك لا وجعتك ضربا " ثم دفع إلى
قنبر درهما " كان مصرورا "
________________________________________
[ 160
]
في رداته
وقال اشتر به خير عسل تقدر عليه قال عقيل والله لكانى انظر إلى يدى على " ع " وهما
على فم الزق وقنبر بقلب العسل فيه ثم شده وجعل يبكى ويقول اللهم اغفر للحسين فانه
لم يعلم فقال معاوية ذكرت من لم ينكر فضله رحم الله ابا حسن فلقد سبق من كان قبله
واعجز من يأتي بعده هلم حديث الحديدة قال نعم أقويت وأصابتى مخمصة شديدة فسألته فلم
تند صفاته فجمعت صبياني وجئت بهم والبؤس والضر ظاهران عليهم فقال " ع " إيتنى عشية
لأدفع اليك شيئا " فجئته يقودنى احد ولدى فأمره بالتنحي ثم قال ألا فدونك فاهويت
حريصا قد غلبنى الجشع أظنها صرة فوضعت يدى على حديدة تلتهب نارا فلما قبضتها نبذتها
وخرت كما يخور الثور تحت يدى جازره فقال لى ثكلتك أمك هذا من حديدة اوقدت لها نار
الدنيا فكيف بك وفى غد إن سلكنا في سلاسل جنهم ثم قرأ عليه السلام إذ الأغلال في
اعناقهم والسلاسل يسحبون ثم قال " ع " ليس لك عندي فوق حقك الذى فرضه الله لك إلا
ما ترى فانصرف إلى أهلك فجعل معاوية يتعجب ويقول هيهات هيهات عقمت النساء أن تلدن
مثله (وروى) أن عقيلا رضى الله عنه غدا يوما " عند معاوية وذلك بعد وفاة أمير
المؤمنين " ع " وصلح الحسن " ع " لمعاوية وجلساؤ معاوية حوله فقال يا ابا يزيد
اخبرني عن عسكري وعسكر أخيك فقد وردت عليهما قال أخبرك مررت والله بعسكر أخى فإذا
ليله كليل رسول الله ونهاره كنهار رسول الله إلا أن رسول الله ليس في القوم ما رأيت
إلا مصليا " ولا سمعت الا قارئا ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر
برسول الله صلى الله عليه وآله ليلة العقبة ناقته ثم قال من هذا من يمينك يا معاوية
قال هذا عمرو بن العاص قال هذا الذى اختصم فيه ستة نفر فغلب عليه جزار قريش فمن
الآخر قال الضحاك بن قيس الفهرى قال اما والله لقد كان أبوه جيد الأخذ لعسب التيوس
فمن هذا الآخر قال أبو موسى الأشعري قال هذا ابن السراقة فلما رأى معاوية أنه قد
اغضب جلساءه علم أنه
________________________________________
[ 161
]
أن استخبره
عن نفسه قال فيه سوء فاحب أن يسأله ليقول فيه ما يعلمه من السوء فيذهب بذلك غضب
جلسائه قال يا ابا يزيد ما نقول في ؟ قال دعني من هذا قال لتقولن قال أتعرف حمامة
قال ومن حمامة يا ابا يزيد قال قد أخبرتك ثم قام فمضى فارسل معاوية إلى النسابة
فدعاه وسأله عن حمامة قال ولى الأمان قال نعم قال حمامة جدتك ام أبى سفيان كانت
بغيا " في الجاهلية صاحبة راية فقال معاوية لجلسائه قد ساويتكم وزدت عليكم فلا
تغضبوا. (وروى) ابن عبد ربه في كتاب العقد ان معاوية قال لعقيل إن عليا قد قطعك
ووصلتك ولا يرضينى منك الا أن تلعنه على المنبر قال افعل قال فاصعد فصعد ثم قال بعد
أن حمد الله تعالى واثنى عليه قال أيها الناس ان أمير المؤمنين معاوية أمرنى أن
العن على بن أبى طالب فالعنوه فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين ثم نزل،
فقال له معاوية انك لم تبين يا أبا يزيد من لعنت بينى وبينه قال والله ما ازددت
حرفا ولا نقصت آخر والكلام إلى نية المتكلم. (وروى أيضا) أنه لما قدم عقيل إلى
معاوية اكرمه وقربه وقضى عنه دينه ثم قال له في بعض الايام والله إن عليا لم يكن
حافظا لك إذ قطع قرابتك وما وصلك وما اصطنعك فقال له عقيل والله لقد اجزل العطية
واعظمها ووصل القرابة وحفظها وحسن ظنه بالله إذ ساء به منك وحفظ امانته وأصلح رعيته
إذ خنتم وافسدتم وجرتم فاكفف لا ابا لك فانه عما تقول بمعزل، قال ودخل عقيل على
معاوية وقد كف بصره فاجلسه معاوية على سريره وقال له انتم معشر بنى هاشم تصابون في
أبصاركم قال وانتم معشر بنى أمية تصابون في بصائركم، وقال له معاوية يوما والله إن
فيكم خصلة ما تعجبني يا بنى هاشم قال وما هي قال لين قال لين ؟ ماذا قال هو ذاك قال
إيانا تعير يا معاوية أجل والله أن فينا للينا من غير ضعف وعزا " من غير جبروت واما
انتم يا بنى أمية فان لينكم غدر وعزكم كفر فقال معاوية ما كل هذا أردنا يا أبا يزيد
فانشد عقيل يقول شعرا ":
________________________________________
[ 162
]
لذى اللب
قبل اليوم ما تقرع العصا * وما علم الأنسان إلا ليعلما وقال له إن فيكم لشبقا يا
بنى هاشم قال اجل هو منا في الرجال وفيكم في النساء يا بنى أمية ولذلك لا يقوم
بالاموية إلا هاشمى. وقال معاوية يوما وعنده عمرو بن العاص وقد أقبل عقيل لأضحكنك
من عقيل فلما سلم قال معاوية مرحبا برجل عمه أبو لهب فقال عقيل وأهلا برجل عمته
حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد لأن امرأة ابى لهب ام جميل بنت حرب بن أمية قال
معاوية يا ابا يزيد ما ظنك بعمك ابى لهب قال إذا دخلت النار فاعدل ذات اليسار تجد
عمى ابا لهب مفترشا عمتك حمالة الحطب فانظر اناكح في النار خير أم منكوح قال كلاهما
شر والله. وقال الوليد بن عقبة لعقيل في مجلس معاوية غلبك أخوك يا أبا يزيد على
الثروة قال نعم واستبقنى وإياك إلى الجنة قال اما والله ان شدقيك لمضمومان من دم
عثمان فقال وما أنت وقريش والله ما أنت فينا إلا كنطح التيس فغضب الوليد وقال والله
لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله لأرهقوا صعودا " وأن أخاك لأشد هذه الامة عذابا
فقال صه والله إنا لنرغب بعبد من عبيده عن صحبة أبيك عقبة بن أبى معيط. وقرأت في
كتاب لم يذكر مؤلفه أسمه أن عقيلا رضى الله عنه قدم على على فقال له ما جاء بك ايها
الشيخ فقال مشورة الشقيق والحاح الصديق وتطلع النفس إلى كل ممنوع فقال له ألم يك
عطاؤك دارا " ورزقك جاريا وأنت في دعة مقيم مع أهلك قال بلى ولكن أحببت أن أنال من
دنياك وما حوت كفاك فقال وأبيك إن ذلك لديك لمنزور وقد أخذت عطائي خمسة الآف درهم
فدونكها فاقبضها ثم خرج فاتى معاوية فلما دخل عليه أمر له بمائة الف درهم واجلسه
معه على سريره واذن للناس فلما غص المجلس باهله قال معاوية يا أهل الشام هذا عقيل
بن أبى طالب اتى اخاه عليا وهو يجى إليه أموال العراق فامر له بخمسة آلاف درهم
________________________________________
[ 163
]
واتاني
فأمرت له بمائة الف درهم فقال لهم عقيل يا أهل الشام عنى فاسمعوا لا عن معاوية انى
أتيت أخى عليا " ع " فوجدته رجلا قد جعل دنياه دون دينه وخشى الله على نفسه ولم
تأخذه في الله لومة لائم فوصلنى بما اتسعت له كفاه واحتمله ماله فحسبكم انه خرج إلى
من جميع ماله وانى أتيت معاوية فوجدته رجلا قد جعل دينه دون دنياه وركب الضلالة
واتبع هواه فاعطاني ما لم يعرق فيه جبينه ولم تكدح فيه يمينه رزقا أجراه الله على
يديه وهو المحاسب عليه دوني لا محمود ولا مشكور فيه ثم التفت إلى معاوية فقال اما
والله يابن هند ما تزال منك سو الف يمرها منك قول وفعل فكانى بك قد احاط بك ما الذى
تحاذر فاطرق معاوية ساعة ثم قال من يعذرني من بنى هاشم ثم انشد يقول: ازيدهم
الاكرام كى يشعبوا العصا * فيابوا لدى الاكرام أن يتكرموا إذا عطفتني رقتان عليهم *
نأوا حسدا " عنى فكانوا هم هم واعطيهم صفوا الاخا فكأنني * معا وعطاياى المباحة
علقم واغضى عن الذنب الذى لا يقيله * من القوم إلا الهزبرى المصمم حيا واصطبارا "
وانعطافا ورقة * واكظم غيظ القلب إذ ليس يكظم أما والله يابن أبى طالب لولا أن يقال
عجل معاوية لخرق ونكل عن جواب لتركت هامتك أخف على ايدى الرجال من حولي الحنظل
فاجابه عقيل: عذيرك منهم من يلوم عليهم * ومن هو منهم في المقالة اظلم لعمرك ما
اعطيهم منك رأفة * ولكن لاسباب وحولك علقم أبى لهم ان ينزل الذل دارهم * بنو حرة
زهر وعقل ومسلم وانهم لم يقبلوا الضيم عنوة * إذا ما طغى الجبار كانوا هم هم فدونك
ما اسديت فاشدد به يدا " * وخيركم المبسوط والشر فالزموا ثم رمى المائة الف درهم
ونفض ثوبه وقام ومضى فلم يلتفت إليه. قال المؤلف ثم إن معاوية استعطفه بعد ذلك ولم
يبد له إلا المحبة وكان
________________________________________
[ 164
]
يحتمل له ما
يجبه به يدل على ذلك ما رواه الزمخشري في ربيع الابرار أن معاوية كتب إلى عقيل
يعتذر إليه من شئ جرى بينهما من معاوية بن أبى سفيان إلى عقيل ابن أبى طالب اما بعد
يا بنى عبد المطلب فانتم والله فروع قصى ولباب عبد مناف وصفوة هاشم فاين أحلامكم
الراسية وعقولكم الكاسية وحفظكم الأواصر وحبكم العشائر ولكم الصفح الجميل والعفو
الجزيل مقرونان بشرف النبوة وعز الرسالة وقد والله ساءنى ما كان جرى ولن اعود لمثله
إلى أن أغيب في الثرى فكتب إليه عقيل (ره). صدقت وقلت حقا غير انى * ارى أن لا اراك
ولا تراني ولست أقول سوء في صديقى * ولكني اصد إذا جفاني فركب إليه معاوية وناشده
في الصفح واجازه مائة الف درهم حتى رجع. (وروى) ابن عبد ربه أن معاوية قال لعقيل بن
أبى طالب لم جفوتنا يا ابا يزيد فانشأ يقول: وانى امرؤ منى التكرم شيمة * إذا صاحبي
يوما " على الهون اضمرا ثم قال ايم الله يا معاوية لئن كانت الدنيا افرشتك مهادها
واظلتك بسرادقها ومدت عليك اطناب سلطانها ما ذاك بالذى يزيدك منى رغبة ولا تخشعا "
لرهبة فقال معاوية لقد نعتها ابا يزيد نعتا " هش له قلبى وايم الله يا ابا يزيد لقد
اصبحت علينا كريما والينا حبيبا " وما اصبحت اضمر لك اساءة. (ويروى) أن زوجة عقيل
وهى فاطمة ابنة عتبة بن ربيعة قالت له يا بنى هاشم لا يحبكم قلبى ابدا " اين أبى
اين عمى اين أخى كأن أعناقهم اباريق فضة ترد آنافهم الماء قبل شفاههم قال إذا دخلت
جهنم فخذي على شمالك فشدت عليها ثيابها وأتت عثمان فشكت عليه فبعث عبد الله بن عباس
ومعاوية حكمين فقال ابن عباس لافرق بينهما وقال معاوية ما كنت لافرق بين سنخين من
قريش فلما اتياهما وجداهما قد اغلقا بابهما واصطلحا.
________________________________________
[ 165
]
توفى عقيل
رحمه الله في خلافة معاوية، قال ابن الضحاك ولم يوقف على السنة التى مات فيها وقال
ابن أبى الحديد توفى في خلافة معاوية في سنة خمسين وعمره ست وتسعون سنة وكان له من
البنين ثمانية عشر ذكرا قتل بالطف منهم مع الحسين " ع " خمسة وانقرض الجميع ولم
يعقب منهم الا محمد بن عقيل ولا عقب له من غيره انتهى (أبو سفيان بن الحرث بن عبد
المطلب) هو ابن عم رسول الله وأخوه من الرضاعة ارضعتهما حليمة السعدية أياما قيل
اسمه المغيرة والصحيح ان المغيرة أخوه من أمه غزية بنت قريش بن طريف من ولد فهر بن
مالك وكان ترب رسول الله قبل النبوة يألفه الفا " شديدا " فلما بعث رسول الله عاداه
وهجاه وهجا اصحابه وكان شاعرا " فلما كان عام فتح مكة القى الله في قلبه الاسلام
فخرج متنكرا " فتصدى لرسول الله فاعرض عنه فتحول إلى الجانب الآخر فاعرض عنه فقال
انا مقتول قبل أن أصل إليك فأسلمت وذلك بطريق الأبواء كذا في الصفوة. وفى ذخائر
العقبى أسلم أبو سفيان وحسن اسلامه ويقال أنه ما رفع رأسه إلى النبي صلى الله عليه
وآله حياءا " منه وسلم ولده جعفر لقيا رسول الله بالأبواء وأسلما قبل دخوله صلى
الله عليه وآله مكة. وقيل بل لقياه هو وعبد الله بن أمية بين السقيا والعرج فاعرض
رسول الله عنهما فقالت له أم سلمة (رض) لا يكن ابن عمك واخوك وابن عمتك اشقى الناس
بك وقال له على بن أبى طالب " ع " ائت رسول الله من قبل وجهه فقل له ما قال اخوة
يوسف ليوسف " ع " لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين فانه لا يرضى ان يكون احد
أحسن قولا منه ففعل ذلك أبو سفيان فقال رسول الله اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم
الراحمين، قال أبو سفيان وخرجت معه فشهدت فتح مكة وحنينا " فلما لقينا العدو بحنين
اقتحمت عن فرسى وبيدي السيف مصلتا
________________________________________
[ 166
]
والله يعلم
انى أريد الموت دونه وهو ينظر إلى فقال العباس يا رسول الله أخوك وابن عمك أبو
سفيان فارض عنه فقال صلى الله عليه وآله فعلت فغفر الله كل عداوة عادانيها ثم التفت
إلى فقال أخى لعمري فقبلت رجله في الركاب وكان أبو سفيان ممن ثبت مع رسول الله يوم
حنين لم يفر ولم تفارق يده لجام بغلة رسول الله وعززه على اختلاف في النقل. ويقال
إن الذين كانوا يشبهون رسول الله الحسن بن على بن أبى طالب وجعفر بن ابى طالب وقثم
بن العباس وأبو سفيان بن الحرث هذا والسائب بن عبيد الله بن عبد يزيد بن هاشم بن
عبد المطلب بن عبد مناف. وجمعهم ابن سيد الناس فقال لخمسة شبه المختار من مضر * يا
حسن ما خولوا من شبهه الحسن لجعفر وابن عم المصطفى قثم * وسائب وأبى سفيان والحسن
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب ابا سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وشهد له
بالجنة. عن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أبو سفيان بن الحرث من
شباب أهل الجنة. وعن أبى حبة البدرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال أبو سفيان
من خير اهلي قاله يوم حنين وكان يصلى في كل ليلة الف ركعة. وعن ابن اسحق أن ابا
سفيان بن الحرث لما حضرته الوفاة قال لأهله لا تبكوا على فانى لم افترف خطيئة منذ
اسلمت وكان سبب موته أنه كان في رأسه ثؤلولة فحلقه الحلاق فقطعها فلم يزل مريضا "
حتى مات. قال أهل السير مات أبو سفيان بن الحرث بالمدينة بعد أن استخلف عمر بستة
أشهر ويقال بل مات سنة عشرين وقيل توفى سنة الستة عشر ودفن بالبقيع قاله ابن قتيبة
وقال أبو عمرو دفن في دار عقيل وكان هو الذى حفر قبر نفسه
________________________________________
[ 167
]
قبل أن يموت
بثلاثة ايام وكان له من الأولاد ثلاثة ذكور وبنت (نوفل بن الحرث بن عبد المطلب)
يكنى أبا الحرث وكان اسن من إخوته ومن جميع من اسلم من بنى هاشم حتى من حمزة
والعباس رضى الله عنهما، خرج إلى بدر فاسر ففداه العباس بامر رسول الله كما مر في
ترجمة العباس، وقيل بل فدى نفسه وقيل اسلم وهاجر ايام الخندق وقيل اسلم يوم فدى
نفسه نوفل بن الحرث بن عبد المطلب، قال لما اسر نوفل بن الحرث ببدر قال له رسول
الله صلى الله عليه وآله افد نفسك قال مالى شئ أفتدى به قال افد نفسك برماحك التى
بجدة قال والله ما علم أحد أن لى رماحا بجدة غيرى بعد الله أشهد انك رسول الله وفدى
نفسه بها فكانت الف رمح وشهد نوفل مع رسول الله فتح مكة وحنين والطائف وكان ممن ثبت
مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم حنين بثلاثة الآف رمح فقال رسول الله كأنى ارى
رماحك تقصف اصلاب المشركين وآخى رسول الله بينه وبين العباس بن عبد المطلب وكانا
مشتركين في الجاهلية متفاوضين في المال متحابين. توفى بالمدينة سنة خمس عشرة وقيل
أربع عشرة في خلافة عمر وصلى عليه عمر بعد أن شيعه إلى البقيع ماشيا " ووقف على
قبره حتى دفن وكان له من الولد سبعة ذكور (عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب) امه
عاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ المخزومية ادرك الاسلام وثبت مع النبي صلى الله
عليه وآله فيمن ثبت يومئذ وكان رسول الله يقول له ابن عمى وحبى ومنهم من يقول كان
يقول له ابن أمي (وروى) لما قدم من مكة على النبي البسه حلة واجلسه إلى جانبه وقال
هو ابن أمي وكان أبوه يحبنى ويبرنى ويحسن إلى وكان أبوه الزبير من اشراف قريش. وقتل
عبد الله بن الزبير يوم اجنادين في خلافة أبى بكر شهيدا " ووجد حوله عصبة من الروم
قد قتلهم ثم اثخنه الجراح فمات بها.
________________________________________
[ 168
]
وذكر
الواقدي أن أول قتيل من الروم يومئذ بطريق معلم برز ودعا إلى الميدان فبرز إليه عبد
الله بن الزبير بن عبد المطلب فاختلفا ضربات ثم قتله عبد الله ولم يتعرض لسلبه ثم
برز آخر يدعو إلى البراز فبرز إليه فاقتتلا بالرمحين ساعة ثم صارا إلى السيفين
فضربه عبد الله على عاتقه وهو يقول خذها وانا ابن عبد المطلب فاثبته وقطع سيفه
الدرع فاسرع في منكبه ثم ولى الرومي منهزما فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يتبارز
فقال عبد الله إنى والله ما اجد أنى أصبر فلما اختلفت السيوف واخذ بعضها بعضا " وجد
في ربضة من الروم عشرة حوله قتلى وهو مقتول بينهم وكانت سنه نحوا من ثلاثين سنة.
وقيل إن سنه لما توفى النبي صلى الله عليه وآله كانت ثلاثين سنة ولم يعقب والله
اعلم. (عبد الله بن جعفر بن أبى طالب رحمه الله) يكنى ابا جعفر امه اسماء بنت عميس
الخثعمية وهو أول مولود ولد للمسلمين المهاجرين بالحبشة وقدم مع أبيه على النبي
بخيبر سنة سبع وقد تقدم ذلك في ترجمة جعفر رحمه الله. (وروى) عن الأمام أبى عبد
الله جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال بايع رسول الله صلى الله عليه وآله
الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وهم صغار ولم يبايع صغيرا " قط إلا هم. (وروى) عن
عبد الله بن جعفر أنه قال انا أذكر حين وافى الخبر رسول الله بموت أبى فدخل علينا
البيت ونعاه الينا ومسح يده على رأسي ورأس اخى وقبل ما بين عينى وقد فاضت عيناه
بالدمع حتى قطرت لحيته وهو يقول اللهم إن جعفرا " قدم إلى احسن الثواب فاخلفه في
ذريته باحسن ما خلفت احدا " من عبادك في ذريته ثم عاد الينا بعد ثلاثة ايام فاحسن
عزاءنا جميعا " وغير ثيابنا ودعا لنا وقال لأمى اسماء لا تحزني فانى وليهم في
الدنيا والآخرة وقد تقدم نحو ذلك في ترجمة جعفر (رض) بابسط من هذا.
________________________________________
[ 169
]
(وروى) أبو
الفرج الاصبهاني باسناده عن عثمان بن ابى سليمان وابن قمارين قالا مر النبي صلى
الله عليه وآله بعبدالله بن جعفر وهو يصنع شيئا " من طين من لعب الصبيان فقال ما
تصنع بهذا فقال أبيعه قال ما تصنع بثمنه قال اشترى به رطبا " فاكله فقال النبي صلى
الله عليه وآله اللهم بارك له في صفقة يمينه فكان يقال ما اشترى شيئا " قط إلا رمح
به. وكان عبد الله احد اجواد الأسلام المشهورين وكان يلقب بالجواد وبحر الجود وكان
يقال له ابن ذى الجناحين وصاح به اعرابي يا ابا الفضل فقيل له كنيته قال إن تكن
كنيته فانها صفته وكان حليما " ظريفا " عفيفا " وقيل لم يكن في الإسلام اسخى منه
واستسرفه بعضهم في الجود فقال ان الله عودني عادة وعودت خلقه عادة عودني ان يمدنى
بالرزق وعودت خلقه ان أمدهم بالبر فاكره أن أقطع العادة فيقطع عنى المادة. وروى انه
اعطى امرأة سألته مالا عظيما " فقيل له انها لا تعرفك وكان يرضيها اليسير فقال إن
كان يرضيها اليسير فانى لا ارضى إلا بالكثير وإن كانت لا تعرفني فانا اعرف نفسي.
(وروى) الرياشى عن الأصمعى قال مدح نصيب بن رياح عبد الله بن جعفر فامر له بمال
كثير وكسوة شريفة ورواحل موقرة برا " وتمرا " فقيل أتفعل هذا بمثل هذا العبد الأسود
قال اما لأن كان عبدا " اننى لحر وإن كان أسود إن ثناءه لأبيض وإنما اخذ مالا "
يفنى وثيابا " تبلى ورواحل تنضى واعطى مديحا يروى وثناء يبقى. ومن غريب ما يحكى من
جوده ان عبد الرحمن بن ابى عمارة وهو من نساك الحجاز دخل على نحاس يعرض قيانا له
تعلق بواحدة منهن فشهر يذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعذلونه فكان جوابه
أن قال. يلومى فيك أقوام اجالسهم * فما ابالى اطار اللوم ام وقعا
________________________________________
[ 170
]
فانتهى خبره
إلى عبد الله بن جعفر فلم يكن له هم غيره فحج فبعث إلى مولى الجارية فاشتراها منه
باربعين الف درهم وأمر قيمة جواريه ان تزينها وتطيبها ففعلت وبلغ الناس قدومه
فدخلوا عليه فقال مالى لا ارى ابن ابى عمارة فاخبر الشيخ فاتاه مسلما " فلما اراد
ان ينهض استجلسه ثم قال ما فعل حب فلانة قال في اللحم والدم والمخ والعصب قال
اتعرفها لو رأيتها قال لو ادخلت الجنة ما انكرها فامر بها عبد الله ان تخرج إليه
وقال إنما اشتريتها لك والله ما دنوت منها فشأنك بها مباركا لك فيها فلما ولى قال
يا غلام احمل معه مائة الف درهم ينعم معها بها فبكى عبد الرحمن فرحا " وقال يا أهل
البيت لقد خصكم الله بشرف ما خص به احدا " قبلكم من صلب آدم " ع " فلتهنكم هذه
النعمة وبورك لكم فيها. وخرج عبد الله إلى ضيعة له فنزل على نخيل وقوم فيه غلام
اسود يقوم عليها فاتى الغلام بقوته ثلاثة اقراص فدخل كلب فدنا من الغلام فرمى إليه
بقرص فاكله ثم رمى إليه بالثاني والثالث فاكلهما وعبد الله ينظر إليه فقال يا غلام
كم قوتك كل يوم قال ما رأيت قال فلم آثرت هذا الكلب قال ما هي بارض كلاب وانه جاء
من مسافة بعيدة جائعا " فكرهت ان ارده قال فما أنت اليوم صانع قال اطوى يومى هذا
فقال عبد الله بن جعفر ألام على السخاء ان هذا لأسخى منى فاشترى الغلام والنخيل
فاعتق الغلام ووهب له النخيل ثم ارتحل. وانشد عبد الله بن جعفر قول الشاعر: ان
الصنيعة لا تكون صنيعة * حتى تصيب بها طريق المصنع فقال هذا رجل يريد ان يبخل الناس
بل امطر المعروف مطرا فان صادف موضعا كان الذى قصدت وإلا كنت احق به. قدم رجل من
المدينة بسكر فكسد عليه فقصد به عبد الله بن جعفر فاشتراه منه وانهبه الناس فلما
رأى الرجل ذلك قال لعبد الله اتأذن لى ان انهب معهم جعلت فداك قال بلى فانهب فجعل
ينهب مع الناس وعبد الله يضحك.
________________________________________
[ 171
]
خرج الحسنان
" ع " وعبد الله بن جعفر رضى الله عنه وأبو حبة الانصاري من مكة إلى المدينة
فأصابهم مطر فلجأوا إلى خباء اعرابي فاقاموا عنده ثلاثا " حتى سكنت السماء وذبح لهم
فلما ارتحلوا قال له عبد الله ان قدمت المدينة فاسأل عنا فاحتاج الأعرابي بعد سنين
فقالت امرأته لو اتيت المدينة فلقيت اولئك الفتيان فقال قد نسيت اسماءهم فقالت سل
عن ابن الطيار فاتاه فقال الق سيدنا الحسن " ع " فلقيه فامر له بمائة ناقة بفحولها
ورعاتها ثم اتى الحسين " ع " فقال كفانا أبو محمد مؤنة الأبل فامر له بالف شاة ثم
انى عبد الله (رض) فقال كفانى اخواى الأبل والشاة فامر له بمائة الف درهم ثم اتى
ابا حبة فقال والله ما عندي مثل ما اعطوك ولكن جئني بابلك فاوقرها لك تمرا " فلم
يزل اليسار في اعقاب الاعرابي (وروى) عنه (رض) كان يقول لا خير في المعروف إلا أن
يكون ابتداء فاما أن يأتيك الرجل بعد تململ على فراشه لا يدرى ايرجع ينجح الطلب أو
كآبة المنقلب فان أنت رددته عن حاجته تصاغرت إليه نفسه فتراجع الدم في وجهه وتمتى
ان يجد نفقا " في الارض فيدخل فيه فلا. قال المسعودي في مروج الذهب وقد عبد الله بن
جعفر رضى الله عنهما على معاوية فسمع به عمرو بن العاص فسبق إلى دمشق ودخل على
معاوية وعنده جمع من بنى هاشم وغيرهم فقال عمرو قد اناكم رجل خذول للسلف متعارف
بالسرف وذكر مساوى اعرضنا عن ذكرها فغضب عبد الله بن الحرث بن عبد المطلب وقال كذبت
يا عمرو ليس عبد الله كما ذكرت ولكنه لله ذكور ولبلائه شكور وعن الخناء نفور مهذب
ما جد كريم حليم إن ابتدأ أصاب وإن سئل أجاب غير حصر ولا هياب كالهزبر الضرغام
والسيف الصمصام ليس كمن اختصمت فيه من قريش مشركوها فغلب عليه جزا ها فاصبح أو ضعها
نسبا " والأمها حسبا " لاشرف له في الجاهلية مذكور ولا قدم له في الاسلام مشهور غير
انك تنطق بلسان غيرك ولقد كان أمر في الحكم وابين في الفصل ان يعمك عن ولو غك في
اعراض
________________________________________
[ 172
]
قريش كعام
الضبع في وجارها فلست لأعراضها بوفى ولا لأحسابها بكفى، فهم عمرو بان يتكلم فمنعه
معاوية وتفرق القوم. (وروى) المدائني قال بينا معاوية يوما " جالسا " وعنده عمرو بن
العاص إذ قال الآذن قد جاء عبد الله بن جعفر بن ابى طالب فقال عمرو والله لأسوأنه
اليوم فقال معاوية لا تفعل يا ابا عبد الله فانك لا تنتصف منه ولعلك ان تظهر لنا من
معيبه ما هو خفى عنا وما لا تحب ان نعلمه منه وغشيهم عبد الله بن جعفر فادناه
معاوية وقربه فمال عمرو إلى بعض جلساء معاوية فنال من على (ع) جهارا غير سائر له
وثلبه ثلبا " قبيحا " فالتمع لون عبد الله بن جعفر واعتراه إفكل حتى ارعدت فرائصه
ثم نزل من السرير كالفنيق فقال عمرو مه يا ابا جعفر فقال له عبد الله صه لا ام لك
ثم قال: اظن الحلم دل علبى قومي * وقد يتجهل الرجل الحليم ثم حسر عن ذراعيه وقال يا
معاوية حتى م تتجرع غيضك والى كم الصبر على مكروه قولك وسيئ ادبك وذميم اخلافك
هبلتك الهبول اما يزجرك ذمام المجالسة عن القدح لجليسك ان لم تكن لك حرمة من دينك
تنهاك عما لا يجوز لك اما والله لو عطفتك اواصر الارحام وحاميت على سهمك من الاسلام
ما اوعيت بنى الأماء لمتك والعبيد الشك اعراض قومك وما يجهل موضع الصفوة إلا اهل
الجزة وإنك لتعرف وشائط قريش وصفوة عرآثرها فلا يدعونك تصويب ما فرط من خطتك في سفك
دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين " ع " إلى التمادي في ما قد وضح لك الصواب في
خلافه فاقصد لمنهج الحق فقد طال عماؤك عن سبيل الرشد وخبطك في ديجور ظلمة الغى فان
ابيت إلا تتابعا في قبح اختيارك لنفسك فاعفنا عن سوء المقالة فينا إذا ضمنا وإياك
الندى وشأنك وما تريد إذا خلوت والله حسيبك فوالله لولا ما جعل لنا الله في يديك
لما اتيناك ثم قال انك ان كلفتني ما لم اطلق * ساءك ما سرك منى من حلق
________________________________________
[ 173
]
فقال معاوية
ابا جعفر اقسمت عليك لتجلسن لعن الله من أخرج ضب صدرك من وجاره محمول لك ما قلت ولك
عندنا ما املت فلو لم يكن محتدك ومنصبك لكان خلقك وخلقك شافعين لك الينا كيف وأنت
ابن ذى الجناحين وسيد بنى هاشم فقال عبد الله كلا بل سيدا بنى هاشم حسن وحسين " ع "
لا ينازعهما في ذلك احد فقال معاوية يا ابا جعفر أقسمت عليك لما ذكرت لك حاجة
اقضيها كائنة ما كانت ولو ذهبت بجميع ما املك فقال اما في هذا المجلس فلا ثم انصرف
فاتبعه معاوية بصرة وقال والله لكأنه رسول الله مشيه وخلقه وانه لمن مشكاته ولوددت
انه آخى بنفيس ما أملك ثم التفت إلى عمرو وقال يا ابا عبد الله ما تراه منعه من
الكلام معك قال ما لا خفاء به عنك قال أظنك تقول هاب جوابك لا والله ولكنه ازدراك
واستحقرك ولم يرك للكلام اهلا ما رأيت اقباله على دونك ذاهبا " بنفسه عنك فقال عمرو
فهل لك ان تسمع ما اعددته لجوابه فقال معاوية أذهب اليك ابا عبد الله فلات حين جواب
سائر اليوم ونهض معاوية وتفرق الناس. (وروى) ان عبد الله بن جعفر بن ابى طالب دخل
على معاوية بن ابى سفيان وعنده أبنه يزيد فجعل يزيد يعرض بعبدالله وينسبه إلى
الأشراف فقال عبد الله انى لارفع نفسي عن جوابك ولو صاحب السرير يكلمني لاجبته فقال
له معاوية كأنك تظن انك أشرف منه قال أي والله ومنك ومن أبيك ومن جدك فقال معاوية
ما كنت أظن أن أحدا " في عصر حرب بن أمية أشرف منه فقال عبد الله بلى ان أشرف من
حرب من اكفا عليه اناءه واجاره بردائه فقال معاوية صدقت يا ابا جعفر ومعنى هذا ان
حرب بن أمية كان إذا عرضت له في اسفاره ثنية تنحنح فلم يجترأ احد ان يرقاها قبله
فعرضت له يوما " في بعض اسفاره ثنية فتنحنح فوقف الناس فقال غلام من تميم، ومن حرب
ثم تقدمه فقال حرب سيمكننى الله تعالى
________________________________________
[ 174
]
منك بمكة ثم
ضرب الدهر من ضربه وعرضت للتميمي حاجة إلى مكة فدخلها وسأل عن أعز أهل مكة فقيل له
عبد المطلب بن هاشم فقال اردت دونه فقالوا ابنه الزبير فقرع على الزبير بن عبد
المطلب بابه فخرج إليه فقال ان كنت مستجيرا " اجرناك وإن كنت طالب قرى قريناك فانشأ
التميمي يقول: لاقيت حربا " بالثنية مقبلا * والصبح ابلج ضوءه للساري قف لا تصاعدوا
كتنى ليروعني * ودعا بدعوة معلن وشعار فتركته خلفي وسرت امامه * وكذاك كنت اكون في
الاسفار فمضى يهددني الوعيد ببلدة * فيها الزبير كمثل اليث ضارى فتركته كالكلب ينبح
وحده * واتيت قوم مكارم وفخار وحلقت بالبيت العتيق وركنه * وبزمزم والحجر والأستار
إن الزبير لما نعى بمهند * عضب المهزة صارم بتار ليث هزبر يستجار ببابه * رحب
المباءة مكرم للجار فقال له الزبير امامى فإنا بنى عبد المطلب إذا اجرنا رجلا لم
نتقدمه فمضى قدامه فلقيه حرب فقال التميمي ورب الكعبة ثم شد عليه فاحترط الزبير
سيفه ونادى في اخوته فمضى حرب يشتد والزبير في اثره حتى اتى دار عبد المطلب فلقيه
خارجا " فقال مم يا حرب فقال ابنك قال ادخل الدار فدخل فاكفأ عليه جفنة هاشم التى
كان يهشم فيها الثريد وتلاحق بنو عبد المطلب فلم يجترئوا ان يدخلوا دار ابيهم
فجلسوا على الباب واحتبوا بحمائل سيوفهم فخرج عبد المطلب فرآهم فسره ما رأى منهم
وقال يا بنى اصبحتم اسود العرب ثم دخل على حرب فقال له قم فاخرج فقال يا ابا الحرث
هربت من واحد واخرج إلى عشرة فقال هاك ردائي فالبسه فانهم إذا رأوه عليك لم يهيجوك
وكان رداؤه اعطاه اياه ابن ذى يزن فلبسه وخرج فرفعوا رؤسهم فلما رأوا رداء أبيهم
نكسوا رؤسهم ومر حرب. (وروى) المدائني قال قدم عبد الله بن جعفر على يزيد بن معاوية
وذلك
________________________________________
[ 175
]
بعد ان مات
معاوية واستخلف يزيد فاعطاه اربعة الآف الف فقيل له اتعطى هذا المال كله رجلا واحد
فقال ويحكم انما اعطيها أهل المدينة أجمعين فما هي في يده إلا عارية ثم وكل به يزيد
من صحبه وهو لا يعلم لينظر ما يفعل فلما وصل إلى المدينة فرق جميع المال حتى احتاج
بعد شهر إلى الدين. ولما وافى الخبر أهل المدينة بقتل الحسين " ع " دخل بعض موالى
عبد الله ابن جعفر عليه فنعى إليه ابنيه عونا " ومحمدا " وكانا قتلا مع الحسين " ع
" فاسترجع عبد الله فقال أبو السلاسل مولى عبد الله هذا ما لقينا من الحسين فحذفه
عبد الله بنعله ثم قال يابن اللخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لأحببت ان لا
افارقه حتى اقتل معه والله انه لما يسخى بنفسى عنهما ويعزى على المصاب بهما انهما
اصيبا مع أخى وابن عمى مواسيين له صابرين معه ثم اقبل على جلسائه فقال الحمد لله عز
على مصرع الحسين " ع " ان لا اكن واسيت حسينا " بيدى فقد واساه ولداى قال المسعودي
في مروج الذهب كان الحجاج تزوج إلى عبد الله بن جعفر حين املق عبد الله وافتقر من
الجود والبذل. قال المؤلف نزوج ابنته أم كلثوم واختلف أهل السير هل زفت إليه ام لا.
فروى بذيح قال زوج عبد الله بن جعفر ابنته أم كلثوم من الحجاج على الفى الف في السر
وخمسمائه الف في العلانية وحملها إليه إلى العراق فمكثت عنده ثمانية أشهر. ونقل
الزمخشري في ربيع الأبرار قال لما زفت بنت عبد الله بن جعفر إلى الحجاج نظر إليها
وعبرتها تجرى على خدها فقال مم بابى أنت وامى قالت شرف اتضع وضعه شرفت. قال بذيح
مولى عبد الله بن جعفر لما خرج عبد الله بن جعفر إلى عبد الملك ابن مروان خرجنا معه
حتى دخلنا دمشق فانا لنحط رحالنا إذ جاءنا الوليد بن عبد الملك على بغلة ومعه الناس
فقلنا جاء إلى ابن جعفر ليحييه ويدعوه إلى منزله
________________________________________
[ 176
]
فاستقبله
ابن جعفر بالترحيب فقال له لكن أنت لا مرحبا " بك ولا اهلا فقال يابن أخى لست أهلا
لهذه المقالة منك قال بلى ولشر منها قال وفيم ذلك قال انك عمدت إلى عقيلة نساء
العرب وسيدة بنى عبد مناف ففرشتها عبد ثقيف يتفخذها قال وفى هذا عتب على يابن أخى
قال وما اكثر من هذا قال والله ان احق الناس أن لا يلومني في هذا أنت وأبوك أن من
كان قبلكم من الولاة ليصلون رحمى ويعرفون حقى وإنك واباك منعتماني ما عندكما حتى
ركبني من الدين ما والله لو ان عبدا " مجدعا " حبشيا " اعطاني ما أعطاني عبد ثقيف
لزوجته فانما فديت بها رقبتي من النار قال فما راجعه بكلمة حتى عطف عنانه ومضى حتى
دخل على عبد الملك وكان الوليد إذا غضب عرف ذلك في وجهه فلما رآه عبد الملك قال
مالك ابا العباس قال مالى إنك سلطت عبد ثقيف وملكته ورفعته حتى تفخذ نساء بنى عبد
مناف فادركته الغيرة فكتب عبد الملك إلى الحجاج يعزم عليه أن لا يضع كتابه من يده
حتى يطلقها فطلقها فما قطع الحجاج عنها رزقا " ولا كرامة يجريها عليها حتى خرجت من
الدنيا قال وما زال واصلا لعبدالله بن جعفر حتى هلك. وروى الثقاة من الرواة قالوا
لما اكره الحجاج عبد الله بن جعفر على ان يزوجه ابنته وبذل لها من الأموال ما يجل
قدره أستأجله في نقلها إليه سنة ففكر عبد الله في الأنفكاك عنه فالقى في روعه خالد
بن يزيد بن معاوية فكتب إليه يعلمه ذلك وكان الحجاج تزوجها باذن عبد الملك فورد على
خالد كتابه ليلا فاستأذن من ساعته على عبد الملك فقيل أفى هذا الوقت قال هو أمر لا
يؤخر فاعلم عبد الملك فاذن له فلما دخل قال فيم المسرى يا ابا هاشم قال أمر جليل لم
أمن أن أوخره فتحدث حادثه على فلا اكون قضيت حق بيعتك قال ما هو قال تعلم انه ما
كان ببن حيبن من العدواة والبغضاء ما كان بين آل الزبير وبيننا قال لا قال إن تزوجي
الى آل الزبير حلل ما كان لهم بقلبي فما أهل بيت أحب إلى منهم قال إن ذلك ليكون قال
فكيف اذنت للحجاج ان يتزوج في بنى هاشم والحجاج من
________________________________________
[ 177
]
سلطانك بحيث
علمت فجزاه خيرا " وكتب إلى الحجاج يعزم عليه ان يطلقها فطلقها فغدا الناس يعزونه
عنها. وعن عروة ابن هشام بن عروة عن أبيه قال لما تزوج الحجاج وهو أمير المدينة بنت
عبد الله بن جعفر اتى رجل سعيد بن المسيب فذكر له ذلك فقال انى لأرجو ان لا يجمع
الله بينه وبينها ولقد دعا بذلك داع فابتهل وعسى الله فلما بلغ ذلك عبد الملك بن
مروان أبرد البريد إلى الحجاج وكتب إليه يغلظ له ويقصر به ويذكر تجاوزه قدره ويقسم
بالله لأن هو قرب منها ليقطعن أحب أعضائه ويامره بتسويغ أبيها المهر وبتعجيل فراقها
ففعل ذلك فما بقى احد فيه خير إلا سره ذلك فقال جعفر بن الزبير يخاطب الحجاج: ولولا
انتكاس الدهر ما نال مثلها * رجائك إذ لم يرج ذلك يوسف أبنت الصفى ذى الجناحين
تبتغى * لقد رمت خطبا قدره ليس يوصف قال بذيح وفد عبد الله بن جعفر على عبد الملك
بن مروان فلما دخل عليه استقبله عبد الملك بالترحيب ثم أخذ بيده فاجلسه معه على
سريره ثم سأله فالطف المسألة حتى سأله عن مطعمه ومشربه فلما أنقضت مسائلته قال يحيى
بن الحكم أمن خبيثه كان وجهك ابا جعفر قال وما خبيثه قال ارضك التى جئت منها قال
سبحان الله يسميها رسول الله صلى الله عليه وآله طيبة وتسميها خبيثة قد اختلفتما في
الدنيا واظنكما في الآخرة مختلفين فلما خرج من عنده هيأ ابن جعفر لعبد الملك هدايا
والطافا. قال الراوى قيل لبذيح ما قيمة ذلك قال قيمته مائة الف من وصائف وكسوة
وحرير ولطف من لطف الحجاز قال فبعثني بها فدخلت عليه وليس عنده أحد فجعلت أعرض عليه
شيئا " شيئا " قال فما رأيت مثل إعظامه لكل ما عرضت عليه من ذلك وجعل يقول - كلما
اريته شيئا " - عافى الله ابا جعفر ما رأيت كاليوم وما كنا نريد ان يتكلف لنا شيئا
" من ذلك قال فخرجت من عنده واذن لأصحابه فوالله لبينا انا احدثه عن تعجب عبد الملك
واعظامه لما اهدى إليه إذا بفارس قد
________________________________________
[ 178
]
أقبل علينا
فقال ابا جعفر ان أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك جمعت لنا وخش رقيق
الحجاز واباقهم وحبست عنا فلانة فابعث بها الينا وذلك انه حين دخل عليه أصحابه جعل
يحدثهم عن هدايا ابى جعفر ويعظمها عندهم فقال له يحيى بن الحكم وما اهدى اليك ابن
جعفر جمع لك وخش رقيق الحجاز واباقهم وحبس عنك فلانة قال ويلك وما فلانة هذه قال ما
لم يسمع أحد بمثلها قط جمالا وكمالا وادبا " وخلقا " لو اراد كرامتك بعث بها اليك
قال واين تراها وأين تكون قال هي والله معه وهى نفسه التى بين جنبيه فلما قال
الرسول ما قال وكان أبو جعفر في أذنه بعض الوقر إذا سمع ما يكره تصام فاقبل عليه
فقال يا بذيح قال قلت بقول أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول أنه جائنى بريد من
ثغر كذا يقول بان الله نصر المسلمين واعزهم قال أقرأ أمير المؤمنين السلام وقل له
أعز الله نصرك وكبت عدوك فقال يا ابا جعفر إنى لست أقول هذا واعاد مقالته الاولى
فسألني فصرفته إلى وجه آخر فاقبل على الرسول وقال ياص هن أمه ابرسل أمير المؤمنين
تتهكم وعن أمير المؤمنين تجيب هذا الجواب اما والله لأطلن دمك فانصرف فاقبل على أبو
جعفر فقال من ترى صاحبنا قلت صاحبك بالامس قال أظنه فما الرأى عندك قلت يا أبا جعفر
قد تكلفت له ما تكلفت فان منعتها اياه جعلها سببا " لمنعك ولو طلب احدى بناتك ما
كنت أرى أن تمنعها اياه قال ادعها لى فلما أقبلت رحب بها فاجلسها إلى جنبه ثم قال
اما والله ما كنت أظن ان يفرق بينى وبينك إلا الموت قالت وما ذاك قال أنه حدث أمر
وليس والله كائنا " فيه إلا ما أحببت جاء الدهر فيه بما جاء قالت وما هو قال عبد
الملك بعث يطلبك فان تهوين فذاك وإلا لم يكن ابدا قال ما شئ لك فيه هوى ولا أظن فيه
فرجا عنك إلا فديته بنفسى وارسلت عينيها بالبكاء قال اما إذ فعلت فلا ترينى مكروها
" فمسحت عينيها واشار إليها فقامت فقال ويحك يا بذيح استحثها قبل أن يبدر الى من
القوم بادرة قال ودعا باربع وصائف ودعا صاحب نفقته بخمسمائة دينار ودعا
________________________________________
[ 179
]
مولاة له
كانت تلى طيبه قد حست لها ربعة عظيمة ممارة طيبا " ثم قال عجل بها ويلك فخرجت اسوق
بها حتى انتهيت إلى الباب فإذا الفارس قد بلغ عنى فما تركني الحجاب ان تمس رجلاى
الأرض حتى ادخلت على عبد الملك وهو يتلظى فقال لى يا ماص كذا وكذا أنت المجيب عن
أمير المؤمنين والمتهكم برسله قلت يا أمير المؤمنين ائذن لى اتكلم قال وما تقول يا
كذا وكذا قلت ائذن لى جعلني الله فداك اتكلم قال تكلم قلت يا أمير المؤمنين انا
اصغر شانا " وأقل خطرا " ان يبلغ أمير المؤمنين من كلامي ما أرى وهل انا إلا عبد من
عبيده نعم قد قلت ما بلغك وأنت تعلم انا انما نعيش في كنف هذا الشيخ وإن الله لم
يزل إليه محسنا فجائه من قبلك شئ ما أتاه مثله قط انما طلبت نفسه التى بين جنبيه
فاجبت بما بلغك لأسهل الأمر عليه ثم سألني فاخبرته واستشارني فاشرت عليه وها هي هذه
قد جئتك بها قال ادخلها ويلك قال فادخلتها عليه وعنده مسلمة ابنه وهو غلام ما رأيت
مثله ولا أجمل منه حين أخضر شاربه فلما جلست وكلمها اعجب بكلامها فقال لله أبوك
امسكك لنفسي أحب اليك أم أهبك لهذا الغلام فانه ابن أمير المؤمنين قالت يا أمير
المؤمنين لست لك بحقيقة وعسى ان يكون هذا لى وجها " قال فقام من مكانه ما راجعها
فدخل واقبل عليها مسلمة فقال يالكاع اعلى أمير المؤمنين تختارين قالت يا عدو نفسه
اتلومني ان اخترتك لعمر الله لقد قل راى من اختارك قال ضيعت والله مجلسه وطلع علينا
عبد الملك قد ادهن بدهن وارى الشيب وعليه حلة كأنها الذهب وبيده مخصرة يخصر بها
فجلس مجلسه على سريره ثم قال أيها لله أبوك أمسكك لنفسي أحب اليك أم أهبك لهذا
الغلام قالت ومن أنت أصلحك الله قال لها الخصى هذا أمير المؤمنين قالت لست مختاره
على أمير المؤمنين احدا " قال فاين قولك آنفا " قالت رأيت شيخا " كبيرا " وأرى أمير
المؤمنين أشيب الناس وأجملهم ولست مختارة عليه ابدا " قال دونكها يا مسلمة قال بذيح
فنشرت عليها الكسوة والدنانير التى كانت معى وأريته الجوارى والطيب قال عافى الله
ابن جعفر أخشى ان لا يكون لها
________________________________________
[ 180
]
عندنا نفقة
وطيب وكسوة قلت بلى ولكنه أحب ان يكون معها ما تكتفى به إلى حين تستأنس قال فقبضها
مسلمة فلم تلبث عنده يسيرا " حتى هلكت قال بذيح فوالذي ذهب بنفس مسلمة ما جلست معه
مجلسا ولا وقفت معه موقفا " انازعه فيه الحديث إلا قال ويحك ابغى مثل فلانة فاقول
ابغنى مثل ابن جعفر فيقول إذا والله لا اقدر فاقول والله لا اقدر على مثلها حتى
تقدر على مثل ابن جعفر قال قلت لبذيح ويلك فما اجازه أبى قال حين رفع إليه حاجته
ودينه لأجزينك حائزة لو نشر لى مروان من قبره ما زدته عليها فأمر له بمائة الف وايم
الله أنى لأحسبه انفق في هديته ومسيره ذلك سوى جاريته التى كانت عدل نفسه مأتى الف.
(وروى) ان ابن قسوة انى عبد الله بن العباس يستوصله فلم يصله فقال: أتيت ابن عباس
ارجى نو اله * فلم يرج معروفى ولم يخش منكري فليت قلوصى عريت أو رحلتها * إلى حسن
في داره وابن جعفر فقال عبد الله بن جعفر انا أشترى منك عرض ابن عمى فقال أشتر ولا
تؤخر فوصله حتى كف. وروى عبد الله بن مصعب ان الحزين مر بالعقيق في غداة باردة فمر
عبد الله بن جعفر وعليه مطرف وقد استعار الحزين من رجل ثوبا فقال: أقول له حين
واجهته * عليك السلام ابا جعفر قال وعليك السلام فقال: فانت المهذب من غالب * وفى
البيت منها الذى يذكر فقال كذبت يا عدو الله ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال: وهذى ثيابي قد أخلقت * وقد عضني زمن منكر قال هاك ثيابي فاعطاه ثيابه. وعن
يحيى بن الحسن قال بلغني ان اعرابيا " وقف على مروان بن الحكم
________________________________________
[ 181
]
ايام الموسم
بالمدينة فسأله فقال له يا اعرابي ما عندنا ما نصلك به عليك بابن جعفر فانى
الأعرابي باب عبد الله بن جعفر فإذا ثقله قد سار نحو مكة وراحلته بالباب عليها
متاعه وسيف معلق فخرج عبد الله وانشأ الأعرابي يقول: أبو جعفر من أهل بيت نبوة *
صلاتهم للمسلمين ظهور ابا جعفر ان الحجيج ترحلوا * وليس لرحلبى فاعلمن بعير ابا
جعفر ضن الأمير بماله * وأنت على ما في يديك أمير وأنت امرؤ من هاشم في صميمها *
اليك يصبر المجد حيث تصير فقال يا اعرابي سار الثقل فدونك الراحلة بما عليها وإياك
ان تخدع عن السيف فانى اخذته بالف دينار فأنشأ الاعرابي يقول: حبانى عبد الله نفسي
فدائه * باعيس مهرى سباط مشافره وابيض من ماء الحديد كأنه * شهاب بدى والليل داج
عساكره وكل امرى يرجو نوال بن جعفر * سيجري له باليمن والسعد طائره فيا خير خلق
الله نفسا ووالدا " * واكرمه للجارحين يجاوره سأثنى بما اوليتني يابن جعفر * وما
شاكر عرفا كمن هو كافره (وروى) انه جاء شاعر إلى عبد الله بن جعفر فانشده: رأيت ابا
جعفر في المنام * كسانى من الخز دراعة شكوت إلى صاحبي امرها * فقال سيؤتى بها
الساعة سيكسوكها الماجد الجعفري * ومن كفه الدهر نفاعة ومن قال للجود لا تعدني *
فقال لك السمع والطاعة فقال عبد الله لغلامه ادفع له دراعتي الخز همم قال له كيف لو
يرى جبنى المنسوجة بالذهب التى اشتريتها بثلاث مائة دينار فقال له الشاعر بابى أنت
وأمى ودعني اغفى اغفاءة أخرى فلعلي اراها في المنام فضحك عبد الله منه وقال له ادفع
جبتى الوشى. قال يحيى بن الحسن وكان عبد الله بن الحسن يقول كان أهل
________________________________________
[ 182
]
المدينة
يدانون بعضهم من بعض إلى أن يأتي عطاء عبد الله بن جعفر. وافتقد عبد الله بن جعفر
صديقا " له من مجلسه ثم جائه فقال له اين كانت غيبتك قال خرجت إلى عرض من اعراض
المدينة مع صديق لى فقال ان اسم تجد من صحبة الرجال بدا " فعليك بصحبة من إذا صحبته
زانك وإن جفوته صانك وإن احتجت إليه مانك وإن رأى منك خلة سدها أو حسنة عدها وان
كثرت عليه لم يرفضك وإن سألته اعطاك وإن سكت عنه ابتداك. ومن كلامه ان باهل المعروف
من الحاجة إليه اكثر مما بأهل الرغبة منهم فيه وذلك ان حمده واجره وذكره وذخره
وثنائه لهم فما صنعت من صنيعة أو أتيت من معروف فانما تصنعه إلى نفسك فلا تطلبن من
غيرك شكر ما أتيت إلى نفسك. ويروى هذا الكلام لأبيه جعفر. وقيل له انك تبذل الكثير
إذا سألت وتضايق في القليل إذا توجرت فقال انى ابذل مالى وأصف بعقلي. ويقال أن أول
من صنع الغالية عبد الله بن جعفر. نقل الزمخشري أنه أهدى لمعاوية قارورة من الغاية
فسأله كم انفق عليها فذكر مالا فقال هذه غالية فسميت بذلك ويحكى انه ضاقت يده في
آخر عمره فدعى يوم جمعة وقال اللهم ان كنت صرفت عنى ما كنت تجرى على يدى من الأحسان
إلى خلقك فاقبضني اليك فما عاش الا جمعة اخرى. وقال المسعودي سمع عبد الله بن جعفر
يوم جمعة يقول اللهم انك عودتني عادة وعودتها عبادك فان قطعتها عنى فلا تبقنى فمات
في تلك الجمعة في ايام عبد الملك وصلى عليه أبان بن عثمان بمكة في سنة سيل الجحاف
حين بلغ الركن وذهب بكثير من الحاج وقال كثير من المؤرخين توفى بالمدينة سنة ثمانين
من الهجرة وله
________________________________________
[ 183
]
من العمر
تسعون سنة وقيل توفى سنة اربع وثمانين وعمره ثمانون سنة. قال ابن عبد البر والأول
اولى وقيل توفى سنة اربع وسبعين وله اثنان وسبعون سنة وقال أبو الحسن العمرى مات
عبد الله في زمان عثمان بن عفان ودفن بالبقيع وهذا غريب وقيل مات بالابواء سنة
تسعين وصلى عليه سليمان ابن عبد الملك بن مروان وله تسعون سنة. وقال أبو الفرج
الأصبهاني في كتاب الأغاني قال يحيى توفى عبد الله وهو ابن سبعين سنة في سنة ثمانين
وهو عام الجحاف سيل كان بمكة اجحف بالحاج فذهب بالأبل عليها الحمول وكان الوالى
يومئذ على مكة ابان بن عثمان في خلافة عبد الملك. (وروى) عن الجعدى قال لما هلك عبد
الله بن جعفر شهده أهل المدينة كلهم وإنما كان عبد الله بن جعفر مأوى المساكين
وملجأ الضعفاء فما ينظر إلى ذى حاجة إلا رأيته مستعبرا " قد أظهر الهلع والجزع فلما
فرغوا من دفنه قام عمرو ابن عثمان فوقف على شفير القبر فقال رحمك الله يابن جعفر ان
كنت لرحمك واصلا ولأهل الشر مبغضا " ولأهل الريبة قاليا " ولقد كنت فيما بينى وبينك
كما قال اعشى طرود: دعيت الذى قد كان بينى وبينكم * من الود حتى غيبتك المقابر
فرحمك الله يوم ولدت ويوم كنت رجلا ويوم مت ويوم تبعث حيا والله لان كانت هاشم
اصيبت بك لقد غم قريشا هلكك فما اظن أن يرى بعدك مثلك فقال عمرو بن سعيد بن العاص
الاشدق لا إله إلا الله الذى يرث الارض ومن عليها واليه ترجعون ما كان احلى العيش
بك يابن جعفر وما أسمج ما أصبح بعدك والله لو كانت عينى دامعة لاحد لدمعت عليك كان
والله حديثك غير مشوب وودك غير ممزوج بكدر وكان له من الولد عشرون ذكرا " وقيل
أربعة وعشرون. ومن شعر عبد الله بن جعفر ما انشده له هرون الرشيد.
________________________________________
[ 184
]
حكى يعقوب
بن صالح بن على بن عبد الله بن عباس قال دخلت يوما " على الرشيد وهو متغيظ متربد
فندمت على دخولي عليه وكنت افهم غضبه في وجهه فسلمت فلم يرد فقلت داهية دهتكم ثم
اومى إلى فجلست فالتفت إلى وقال لله در عبد الله بن جعفر بن ابى طالب فلقد نطق
بالحكمة حيث يقول: يا أيها الزاجرى عن شيمتي سفها " * عمدا " عصيت فقال الزاجر
الناهي اقصر فانك من قوم ارومتهم * في اللؤم فافخر بهم إن شئت أو باهى يزين الشعر
افواها إذا نطقت * بالشعر يوما وقد يزرى بافواه قد يرزق المرء لا من فضل حيلته *
ويصرف الرزق عن ذى الحيلة الداهى لقد عجبت لقوم لا اصول لهم * اثروا وليسوا وان
اثروا باشباه ما نالنى من غى يوما " ولا عدم * الا وقولى عليه الحمد لله فقلت ومن
الذى بلغت به المقدرة أن يسامى بمثلك أو يدانيه قال لعله من بنى أبيك وأمك ومن شعره
أيضا " وقد عوتب في كثرة الجود: لست اخشى قلة العدم * ما اتقيت الله في كرمى كلما
انفقت يخلفه * لى رب واسع النعم (عون بن جعفر بن أبى طالب) ولد في الحبشة بعد اخيه
عبد الله وكان يشبه اباه جعفرا " خلقا " وخلقا " وأمه أم اخواته أسماء بنت عميس
الخثعمية وخلف على ام كلثوم بنت أمير المؤمنين " ع " بعد عمر ثم بعده أخوه محمد
قاله صاحب العمدة وقتل عون بالطف مع الحسين " ع " وقيل قتل هو وأخوه محمد بشوشتر
شهيدين كما سيأتي. وولد ابنا أسمه مساور له ذيل لم يطل وانقرض عقبه.
________________________________________
[ 185
]
(محمد بن
جعفر بن ابى طالب) ولد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وامه اسماء بنت عميس أيضا
". (روى) عن عبد الله بن جعفر إنه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وآله نعى ابينا
جعفر فدخل علينا وقال لأمنا أسماء بنت عميس اين بنو أخى فدعانا وأجلسنا بين يديه
وذرفت عيناه فقالت أسماء هل بلغك يا رسول الله عن جعفر شئ قال نعم أستشهد رحمه الله
فبكت وولولت وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فلما كان بعد ثلاثة أيام دخل علينا
ودعانا فاجلسنا بين يديه كأننا أفراخ وقال لا تبكين على اخى - يعنى جعفر - بعد
اليوم ثم دعا بالحلاق فحلق رؤسنا ثم أخذ بيد محمد وقال هذا شبيه عمنا ابى طالب وقال
لعون هذا شبيه أبيه خلقا " وخلقا " وأخذ بيدى فشالهما وقال اللهم احفظ جعفرا " في
أهلى وبارك لعبدالله في صفقته فجائته امنا تبكى وتذكر يتمنا فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله تخافين عليهم وانا وليهم في الدنيا والاخرة. وقد تقدم نظير ذلك في
ترجمة عبد الله وترجمة جعفر بعبارة أخرى. قيل قتل محمد بن جعفر بالطف شهيدا " مع
الحسين " ع " وقال ابن عبد البر في الأستيعاب قتل محمد وعون بشوشتر شهيدين قال
القاضى نور الله في المجالس قول صاحب الأستيعاب هو الصواب لأن قبر محمد على فرسخ من
دزفول وهى من اعمال شوشتر فيمكن انه استشهد بشوشتر ثم نقل إلى هناك أو اطلق أسم
شوشتر على ذلك الموضع لأنه من أعمال شوشتر وقال القاضى نور الله أيضا وتشرف محمد بن
جعفر بمصاهرة أمير المؤمنين " ع " على أبنته أم كلثوم بعد عمر بن الخطاب. قال
المؤلف كان لجعفر ابنان يسمى كل منهما محمدا " احدهما الأكبر ولا خلاف انه قتل مع
عمه أمير المؤمنين " ع " بصفين وهو الذى خلف عمر على ام كلثوم والثانى محمد الاصغر
وهو الذى قيل انه قتل بالطف أو بشوشتر قال صاحب العمدة يقال انه ما أدرك الحلم فظهر
ان صاحب الترجمة إنما هو محمد
________________________________________
[ 186
]
الأكبر وخفى
على القاضى نور الله ذلك فظن إنما هو محمد واحد فاستصوب انه قتل بشوشتر قال انه
تشرف بمصاهرة أمير المؤمنين " ع " وقد علمت ان أحدهما غير الآخر بقى ان صاحب عمدة
الطالب قال خلف على أم كلثوم بعد عمر عون ابن جعفر بن ابى طالب ثم بعده أخوه محمد
فان اراد بمحمد هذا محمد الاكبر فهو قد قتل بصفين قبل عون كما ذكره هو بنفسه في
العمدة فكيف خلفه عليها بعده وان اراد محمد الأصغر فقد قتل هو وعون معا بالطف أو
بغيره على الخلاف في ذلك إلا أن يكون عونا " طلقها فتزوجها بعده احد المحمدين لكن
عبارته لا تعطى ذلك والله أعلم. (ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب) يكنى ابا اروى
وكانت له صحبة وهو الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة إلا ان
كل مأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمى موضوعة وان أول دم وضع دم ربيعة بن الحرث وذلك
انه قتل لربيعة بن الحرث في الجاهلية ولد يسمى آدم وقيل نمام فابطل النبي صلى الله
عليه وآله الطلب به في الأسلام ولم يجعل لربيعة في ذلك تبعة وكان ربيعة هذا اسن من
العباس فيما ذكروا بسنتين وكان شريكا " لعثمان في التجارة وروى عن النبي صلى الله
عليه وآله وتوفى سنة ثلاثة وعشرين في خلافة عمر. (الطفيل بن الحرث بن عبد المطلب)
كان من الصحابة وشهد بدرا " مع النبي وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وشهد
معه الجمل وصفين. (الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب رحمه الله) كان على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله رجلا واسلم عند اسلام أبيه نوفل وكانت تحته كثيرة بنت
ابى لهب بن عبد المطلب واستعمله النبي صلى الله عليه وآله على بعض اعمال مكة
واستعمله أبو بكر أيضا وقيل ان ابا بكر ولاه المدينة ثم أنتقل من المدينة الى
البصرة واختط بها دارا " في ولاية عبد الله بن عامر ومات بها في آخر خلافة
________________________________________
[ 187
]
عثمان هكذا
قال كثير من المؤرخين وفى كتاب صفين لنصر بن مزاحم ان عليا " استعمله في حرب صفين
على قريش البصرة وهذا يدل على أنه شهد صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام. (المغيرة
بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب) يكنى ابا يحيى ولد على عهد رسول الله بمكة قبل
الهجرة وقيل بعدها ولم يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وآله غير ست سنين وهو الذى
تلقى عبد الرحمن بن ملجم المرادى حين ضرب أمير المؤمنين فهم الناس به فحمل عليهم
بسيفه ففرجوا له فتلقاه المغيرة بن نوفل بقطيفة فرماها عليه واحتمله وضرب به الارض
وقعد على صدره وانتزع السيف من يده وكان رجلا قويا " واستعمله عثمان على القضاء
فكان قاضيا " في زمنه وشهد مع أمير المؤمنين صفين. ومن شعره ايام صفين: يا عصبة
الموت صبرا " لا يهولكم * جيش ابن حرب فان الحق قد ظهرا وقاتلوا كل من يبغى غوائلكم
* فانما النصر في الضرا لمن صبرا اسقو الخوارج حد السيف واحتسبوا * في ذلك الخير
وارجو الله والظفرا وايقنوا ان من اضحى يخالفكم * اضحى شيقا واضحى نفسه خسرا فيكم
وصى رسول الله قائدكم * وصهره وكتاب الله قد نشرا ولا نخافوا ضلالا لا ابالكم *
سيحفظ الدين والتقوى لمن نصرا وتزوج المغيرة امامة بنت ابى العاص بن الربيع بعد
أمير المؤمينن " ع " واولدها أبنه يحيى ويقال أن أمير المؤمنين " ع " هو الذى أوصاه
ان يتزوجها خوفا " من ان يتزوجها معاوية ولما خرج الحسن " ع " لقتال معاوية استخلفه
على الكوفة وأمره باستحثات الناس واشخاصهم إليه فجعل يستحثهم ويخرجهم حتى التأم
العسكر وسار الحسن إلى ان كان من أمر الصلح بينه وبين معاوية ما كان.
________________________________________
[ 188
]
(عبد الله
بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب) وولد على عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله فاتى به رسول الله فحنكه ودعا له، قيل ولد قبل وفاته صلى الله عليه وآله
بسنتين يكنى ابا محمد وقيل ابا اسحق امه هند بنت ابى سفيان ابن حرب ابى معاوية، قال
ابن الأثير له ولأبيه صحبة وقيل ان له ادراكا " ولأبيه صحبة وكان يلقب به لأن امه
هند بنت ابى سفيان بن حرب كانت ترقصه وهو صغير فتقول: لانكحن ببه جارية خدبة مكرمة
محبه تحب أهل الكعبة. قال في القاموس (ببه) حكاية صوت صبى ولقب فرشي والشاب الممتلى
البدن نعمة وصفة للأحمق والخدبة بكسر الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة وتشديد
الباء الموحدة الجارية المشتدة الممتلاة اللحم وقولها تجب بكسر الجيم أي تغلب أهل
الكعبة في الحسن والجمال يقال جبه إذا غلبه وجبت فلانة النساء إذا غلبتهن بالحسن
وكان عبد الله المذكور مع أمير المؤمنين " ع " وشهد معه مشاهده كلها ولما اراد
الحسن " ع " صلح معاوية وجه به رسولا إلى معاوية وكان واليا " على البصرة في زمن
يزيد بن معاوية فلما مات يزيد اتفق أهل البصرة عليه حتى يجتمع الناس على إمام
يرضونه وإنما اتفقوا عليه لأن اباه من بنى هاشم وأمه من بنى أمية وفيه يقول
الفرزدق: وبايعت أقواما " وفيت بعهدهم * وبة قد بايعته غير نادم ثم خرج مع ابن
الاشعث فلما هزم هرب إلى عمان فمات بها سنة اربع وثمانين والله أعلم. (عبد الله بن
ابى سفيان بن الحرث بن عبد المطلب) رأى النبي صلى الله عليه وآله وكان معه مسلما "
بعد الفتح قال ابن عساكر ولحق بعلى بالمدائن قال الوليد بن عقبة وهو أخو عثمان لأمه
يذكر قبض أمير المؤمنين عليه السلام نجائب عثمان وسيفه وسلاحه. بنى هاشم ردوا سلاح
ابن أختكم * ولا تنهبوه لا تحل نهائبه
________________________________________
[ 189
]
بنى هاشم
كيف الهوادة بيننا * وعند على درعه ونجائبه بنى هشام كيف التودد منكم * وبن ابن
أروى فيكم وحرائبه بنى هاشم الا تردوا فاننا * سواء علينا قاتلاه وسالبه بنى هاشم
انا وما كان منكم * كصدع الصفا لا يشعب الصدع شاعبه قتلتم أخى كيما تكونوا مكانه *
كما غدرت يوما " بكسرى مرازبه واجابه عبد الله بن ابى سفيان بأبيات طويلة من
جملتها: فلا تسألونا سيفكم ان سيفكم * اضيع والقاه لدى الروع صاحبه وشبهته كسرى وقد
كان مثله * شبيها بكرسى هديه وضرائبة أي كان كافرا " كما كان كسرى كافرا " ومنها:
ومنا على الخير صاحب خيبر * وصاحب بدر يوم سالت كتائبه وكان ولى الامر بعد محمد *
عليى وفى كل المواطن صاحه وصى النبي المصطفى وابن عمه * واول من صلى ومن لأن جانبه
وصنو رسول الله حقا " وجاره * فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه قال شيخنا المفيد في هذا
الشعر دليل على اعتقاد هذا الرجل في أمير المؤمنين " ع " انه كان الخليفة لرسول
الله صلى الله عليه وآله بلا فصل. وكان المنصور إذا انشد شعر الوليد المذكور يقول
لعن الله الوليد هو الذى فرق بين بنى عبد مناف بهذا الشعر. وشعره في على " ع " قوله
رحمه الله: وصلى على مخلصا " بصلاته * لخمس وعشر من سنيه كوامل وخلى اناسا " بعده
يتبعونه * له عمل افضل به صنع عامل قال الواقدي قتل عبد الله بن ابى سفيان بكربلا
شهيدا " مع الحسين " ع " (العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب) كان من شجعان
قريش وابطالها ذا قدرة وجاه أقطعه عثمان دارا " بالبصرة
________________________________________
[ 190
]
واعطاه مائه
الف درهم وشهد صفين مع أمير المؤمنين " ع " وابلى بها بلاء حسنا ". (روى) ابن قتيبة
في كتاب (عيون الاخبار) قال: قال أبو الأغر التيمى بينا أنا واقف بصفين إذ مر بى
العباس بن ربيعة مكفرا " في السلاح وعيناه تبصان من نحت المغفر، كأنهما عينا أرقم
وبيده صفيحة يمانية وهو على فرس له صعب فبينا هو يمعثه ويلين من عريكته إذ هتف به
هاتف من أهل الشام يعرف بغرار ابن أدهم يا عباس هلم إلى البراز قال العباس فالنزول
إذا فأنه ايأس من القفول فنزل الشامي وهو يقول: ان تركبوا فركوب الخيل عادتنا * أو
تنزلونا فانا معشر نزل ونزل العباس أيضا " ثم عصب فضلات درعه في عجزته ودفع فرسه
إلى غلام أسود يقال له اسلم كانى والله أنظر إلى فلافل شعره ثم دلف كل واحد منهما
إلى صاحبه فذكرت قول ابى ذويب: فتنازلا وتوافقت خيلاهما * وكلاهما بطل اللقاء مخدع
فكف الناس اعنة خيولهم ينظرون ما يكون من الرجلين فتكافحا بسيفيهما مليا " من
نهارهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لامته إلى أن لحظ العباس وهنا في درع
الشامي فاهوى إليه بيده فهتكه إلى تندوته ثم عاد لمجاولته وقد اصحر له مفتق الدرع
فضربه العباس ضربة أنتظم بها جوانح صدره فخر الشام لوجهه وكبر الناس تكبيرة أرتحت
بها الأرض من تحتهم وسما العباس في الناس فإذا قائل يقول من ورائي قاتلوهم يعذبهم
الله بايديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبكم ويتوب
الله على من يشاء فالتفت فإذا أمير المؤمنين " ع " فقال يا ابا الأغر من المنازل
لعدونا قلت هذا ابن أخيكم هذا العباس بن ربيعة فقال وأنه لهو يا عباس الم أنهك وابن
عباس ان تخلا بمراكز كما وان لا تباشرا حربا " قال ان ذلك كان قال " ع " فما عدا
عما بدا قال يا أمير المؤمنين افادعى إلى البراز فلا أجيب فقال " ع " نعم طاعة
إمامك أولى من إجابة عدوك
________________________________________
[ 191
]
ثم تغيظ
وأستطار حتى قلت الساعة الساعة ثم سكن وتطامن ورفع يديه مبتهلا وقال اللهم اشكر،
للعباس مقامه وأغفر له ذنبه اللهم إنى قد غفرت له فاغفر له واسف معاوية على غرار
وقال متى ينطف فحل بمثله أيطل دمه لاها الله إذا " لا رجل يشرى نفسه لله يطلب بدم
غرار فانتدب له رجلان من لخم فقال لهما اذهبا فايكما قتل العباس برازا فله كذا
فاتياه ودعوه للبراز فقال ان لى سيدا " أريد ان اوامره فأتى على " ع " فاخبره الخبر
فقال على " ع " والله لود معاوية انه ما يبقى من بنى هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في
بطنه إطفاء لنور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون اما والله
ليملكنهم منا رجال ورجال يسومهم الخسف حتى يحتفروا الآبار ويتكففوا الناس ويتواكلوا
على المساحى ثم قال يا عباس ناقلنى سلاحك بسلاحي فناقله ووثب " ع " على فرس العباس
وقصد اللخميين فما شكا انه هو فقالا له اذن لك صاحب فتحرج ان يقوم نعم فقال " ع "
إذ للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير فبرز له احدهما فكأنه
اختطفه ثم برز إليه الآخر فالحقه بالآخر ثم أقبل وهو يقول الشهر الحرام بالشهر
الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ثم قال يا
عباس خذ سلاحك وهات سلاحي فان عاد اليك أحد فعد إلى قال فبلغ الخبر إلى معاوية فقال
قبح الله اللجاج أنه لقعود ما ركبه احد قط إلا خذله فقال عمرو بن العاص المخذول
والله اللخميان لا أنت فقال أسكت أيها الرجل فليست هذه من ساعاتك قال وإن لم يكن
فرحم الله اللخميين وما اراه يفعل قال فان ذلك والله أخر لصفقك لحجرك قال قد علمت
ولولا مصر لركبت المنجاة منها قال هي أعمتك ولولاها الفيت بصيرا " قال ابن قتيبة
وكان تحت العباس أم فراس بنت حقان بن ثابت فولدت له اولادا " وعقبه كثير. (العباس
بن عتبة بن ابى لهب بن عبد المطلب) كان النبي صلى الله عليه وآله زوج ابنته رقية
اباه عتبة بن ابى لهب ففارقها قبل دخوله بها. (روى) انه جاء إلى النبي صلى الله
عليه وآله فقال له كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تحبنى
________________________________________
[ 192
]
ولا احبك ثم
سطا عليه وشق قميصه وهو خارج إلى الشام تاجرا " فقال له النبي اما إنى اسأل الله أن
يسلط عليك كلبا " فخرج في نفر من قريش حتى نزلوا مكانا من الشام يقال له الزرقاء
ليلا فاطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتبة يقول يا ويل أمي هو والله آكلى كما دعا
على محمد قاتلي ابن ابى كبشة وهو بمكة وانا بالشام فعدا عليه الاسد من بين القوم
فاخذ برأسه فصرعه. وعن عروة بن الزبير إن عتبة لما أراد الخروج إلى الشام اتى رسول
الله فقال يا محمد هو يكفر بالذى دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ثم تفل ورد
التفلة على رسول الله قال صلى الله عليه وآله اللهم سلط عليه كلبا من كلابك وأبو
طالب (رض) حاضرا فرجم لها فقال ما كان أغناك عن دعوة ابن أخى ثم خرجوا إلى الشام
فنزلوا منزلا فاشرف عليهم راهب من الدير فقال ارض مسبعة فقال أبو لهب وكان في القوم
يا معشر قريش اعينونا هذه الليلة فانى أخاف دعوة محمد صلى الله عليه وآله فجمعوا
أحمالهم وفرشوا لعتبة في أعلاها وباتوا حوله فجاء الاسد فجعل يشم وجوههم ثم ثنى
ذنبه فوثب على عتبة فضربه ضربة واحدة فشدخه فقال قتلني ومات. وقال بعضهم ان الذى
قتله الاسد هو عتيبة بالتصغير بن ابى لهب وكانت تحته أم كلثوم بنت رسول الله صلى
الله عليه وآله وأما عتبة أبو العباس فاسلم هو وأخوه معتب يوم الفتح وكانا قد هربا
من النبي صلى الله عليه وآله. روى عبد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب
قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله مكة في الفتح قال يا عباس ان ابني أخيك
عتبة ومعتب لا اراهما قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله تنحيا من قربك فقال
أذهب اليهما فاتني بهما قال العباس فركبت اليهما وهما بعرفه فقلت لهما ان رسول الله
صلى الله عليه وآله يدعوكما فركبا معى فقدما على رسول الله صلى الله عليه وآله
فدعاهما إلى الاسلام فبايعا. وفى رواية فسر رسول الله صلى الله عليه وآله باسلامهما
ودعا لهما، قال أبو عمرو وشهدا عتبة ومعتب حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله
وفقأت عين معتب بحنين وكان فيمن
________________________________________
[ 193
]
ثبت ولم
ينهزم وشهدا معه للطائف ولم يخرجا من مكة ولم يأتيا المدينة ولهما عقب قال الزبير
بن بكار، وفارق عتبة أم كلثوم بنت رسول الله قبل دخوله بها أيضا " وذلك انة لما
نزلت تبت يدا ابى لهب قال لهما أبوهما رأسي من رأسكما حرام ان لم تفارقا ابنتى محمد
صلى الله عليه وآله ففارقاهما ولم يكونا دخلا بهما. وأما العباس بن عتبة فلا خلاف
في اسلامه ولما مات النبي صلى الله عليه وآله كان رجلا وتزوج أمينة بنت العباس بن
عبد المطلب فولدت له الفضل الشاعر المشهور قال ابن حجر في الاصابة والفضل هذا هو
صاحب الابيات المشهورة في أمير المؤمنين حين بويع بالخلافة لابي بكر وهى: ما كنت
احسب هذا الامر منصرفا " * عن هاشم ثم منها عن ابى حسن اليس أول من صلى لقبلتكم *
وأعلم الناس بالقرآن والسنن وأقرب الناس عهدا " بالنبي ومن * جبريل عونا " له في
الغسل والكفن من فيه ما فيهم من كل صالحة * وليس في كلهم ما فيه من حسن ما ذا الذى
ردكم عنه فنعرفه * ها أن بيعتكم من أول الفتن وعن مؤيد الدين الخوارزمي في المناقب
قال هذه الابيات للعباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وعزاها الشريف
المرتضى في كتاب المجالس لربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وعزاها القاضى البيضاوى
والنيسابوري في تفسيريهما لحسان بن ثابت وقال الزبير بن بكار لما بويع أبو بكر قال
بعض ولد ابى لهب بن عبد المطلب: ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا " * عن هاشم ثم منها
عن ابى حسن الابيات قال فبعث عليه على فنهاه وأمره أن لا يعود وقال " ع " سلامة
الدين أحب الينا من غيره قال القاضى نور الله رادا على ابن حجر في نسبتها إلى الفضل
بن العباس المذكور يكذب ذلك ان هذا الشعر لا يقوله إلا من كان موجودا " قبل انصراف
الخلافة عن أمير المؤمنين " ع " ولم يكن في حسبانه انها منصرفة عنة والعباس بن عتبه
لم يكن له إذ ذاك بهذه الصفة قال وفى كلام ابن
________________________________________
[ 194
]
حجر مؤاخذة
أخرى وهى أن الفضل لم يكن ابن العباس كما توهم بل هو أخوه فهو الفضل بن عتبة بن ابى
لهب كما صرح به السيد المرتضى قدس سره في المنتقى قال والشعر المشهور عنه هي
الأبيات التى اجاب بها الوليد بن عقبة حين قال يرثى عثمان ويحرض الناس على مخالفة
أمير المؤمنين " ع " واول شعره: ألا أن خير الناس بعد ثلاثة * قتيل التجى الذى جاء
من مصر فقال الفضل بن عتبة يجيبه: الا ان خير الناس بعد محمد * مهيمنه الانليه في
العرف والنكر وخيرته في خيبر ورسوله * بنبذ عهود الشرك فوق ابى بكر وأول من صلى وضو
نبيه * وأول من أردى الغواة لدى بدر فذاك على الخير من ذا يفوته * أبو حسن حلف
القرابة والصهر قال وابن حجر واضرابه في الحقيقة في مثل هذه الاشتباهات معذورون
لأنهم عن معرفة أهل البيت والعلم باحوال بنى هاشم بعداء مهجورون. وأما السيد
المرتضى وهو أحد ذرية أهل البيت " ع " وصاحب البيت أدرى بالذى فيه قال المؤلف لا شك
أن العباس بن عتبة كان له ولد أسمه الفضل وهو أحد شعراء بنى هاشم المذكورين
وفصحائهم المشهورين وقد تقدم ان أمه أمينة بنت العباس بن عبد المطلب لا يخالف في
ذلك أحد من علماء النسب وسيأتى ترجمته في الطبقة الحادية عشر إن شاء الله. فمؤاخذة
القاضى الثانية لا محل لها ولا يبعد أن يكون العباس أخ أسمه الفضل أيضا ". وأعلم أن
الابيات التى نسبها القاضى إلى الفضل بن عتبة مجيبا " بها الوليد ابن عقبة ذكرها
الشريف المرتضى في كتاب الفصول وعزاها إلى الفضل بن عتبة أيضا " وذكر أبو جعفر
الطبري في تاريخه انها الفضل بن العباس بن عبد المطلب وهو باطل لأن الفضل بن عباس
بن عبد المطلب لم يدرك خلافة عثمان باتفاق المؤرخين وقد تقدم تاريخ وفاته والأختلاف
فيه ولم يذكر احد انه بقى إلى زمن
________________________________________
[ 195
]
عثمان فكيف
يجيب الوليد عن شعره قاله بعد قتل عثمان والله أعلم. وقتل العباس ابن عتبة شهيدا "
في يوم الحرة سنة أربع وستين في خلافة يزيد. (عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد
المطلب) له صحبة ورواية عن النبي. وروى ان النبي صلى الله عليه وآله غير اسمه وسماه
المطلب ولم يزل بالمدينة إلى خلافة عمر ثم سار إلى دمشق ومات بها سنة اثنتين وستين
من الهجرة والله أعلم. (جعفر بن ابى سفيان بن الحرث بن عبد المطلب) أمه جمانة بنت
ابى طالب (رض) وذكر أهل بيته انه شهد حنينا " مع النبي صلى الله عليه وآله ووقعة
بئر معاوية وانه لم يزل مع ابنه ملازما " لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبض
وتوفى بدمشق سنة خمسين في خلافة معاوية. قال المؤلف أعلم ان بنى هاشم كلهم من
ذكرناه ومن لم نذكره لم يبايعو ابا بكر. حتى بايع أمير المؤمنين " ع " كرها " لقلة
انصاره لعهد عهده إليه رسول الله وقد تكرر ذلك في كلامه عليه السلام. فمر ذلك قوله
" ع " اللهم انى استعديك على قريش فانهم قطعوا رحمى واكفأوا انائي واجمعوا على
منازعتي حقا " كنت اولى به من غيرى وقالوا ألا ان في الحق ان تأخذه وفى الحق ان
تمنعه فاصبر مغموما " أو مت متأسفا " فنظرت فإذا ليس لى رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا
أهل بيتى فضننت بهم عن الميتة فأغضيت على القذى وجرعت ريقي على الشجى وصبرت من كظم
الغيظ على أمر من العلقم وآلم للقلب من حز الشفار قال الشيخ كمال الدين ابن ميثم
أعلم ان هذا الفصل يشمل على اقتصاص صورة حاله بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه
وآله في امر الخلافة وهو اقتصاص في معرض التظلم والشكاية ممن يرى انه أحق منه
بالأمر فاشار إلى انه فكر في أمر المقاومة والدفاع عن هذا الحق الذى يراه أولى به
فرأى أنه لا ناصر له إلا أهل بيته وهم
________________________________________
[ 196
]
قليلون
بالنسبة إلى من لا يعينه أو يعين عليه فانه لم يكن له معين إلا بنى هاشم كالعباس
وبنيه وابى سفيان بن الحرث ومن يخصهم وضعفهم وقلتهم عن مقاومة جمهور الصحابة ظاهر
فظن بهم عن الموت لعلمه " ع " انه لو قام بهم لقتلوا ثم لا يحصل له مقصوده. قال
وأعلم أنه قد أختلف الناقلون لكيفية حاله " ع " بعد وفاة رسول الله فروى المحدثون
من الشيعة وغيرهم أخبارا " كثيرة ربما خالف بعضها بعضا " بحسب اختلاف الأهواء منها
والذى عليه جمهور الشيعة إن عليا " ع " امتنع من البيعة لأبى بكر وامتنع معه جماعة
بنى هاشم كالزبير وابى سفيان بن الحرث والعباس وبينه وغيرهم وقالوا لا نبايع إلا
عليا " عليه السلام وإن الزبير شهر سيفه فجاء عمر في جماعة من الانصار فاخذ سيفه
فضرب به الحجر فكسره وحملت جماعتهم إلى ابى بكر فبايعوه وبايع معهم على " ع " كرها.
(وروى) أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهرى قال حدثنى أبو زيد عمر بن شيبة قال
حدثنا احمد بن معاوية قال حدثنى النضر بن سهيلى قال حدثنا محمد بن عمرو عن مسلمة بن
عبد الرحمن قال لما جلس أبو بكر على المنبر كان على والزبير وناس من بنى هاشم في
بيت فاطمة " ع " فجاء عمر إليهم فقال والذى نفسي بيده لتخرجن أو لأحرقن البيت عليكم
فخرج الزبير مصلتا " سيفه فاعتنقه رجل من الأنصار وزياد بن لبيد فدق به فبدر السيف
فصاح به أبو بكر وهو على المنبر اضرب به الحجر قال أبو عمرو بن حماس فلقد رأيت
الحجر فيه تلك الضربة ويقال هذه ضربة سيف الزبير ثم قال أبو بكر دعوهم فسيأتي الله
بهم ونقل أحمد بن عبد ربه في كتاب العقد ان ابا بكر بعث إليهم عمر بن الخطاب
ليخرجهم من بيت فاطمة وقال ان أبوا فقاتلهم فاقبل بقبس من نار على ان يضرم عليهم
النار فلقيته فاطمة " ع " فقال يا بن الخطاب اجئت لتحرق دارنا قال نعم أو تدخلوا
فيما دخلت فيه الأمة.
________________________________________
[ 197
]
(وروى) غير
واحد ان عليا " " ع " وسائر بنى هاشم لم يبايعوا ابا بكر ستة اشهر حتى بايع على " ع
" مكرها فبايع بنو هاشم. وفى حديث عوف عن الزهري فلما رأى على " ع " انصراف وجوه
الناس عنه ضرع إلى مصالحة ابى بكر فقال رجل للزهري فلم يبايعه على عليه السلام ستة
اشهر فقال لا والله ولا واحد من بنى هاشم حتى بايعه على عليه السلام. قال المؤلف
ولهذا ذكرنا بنى هاشم في طبقات الشيعة والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. الباب
الثاني (في ذكر غير بنى هاشم من الصحابة المرضية والشيعة المرتضويه) ورضوان الله
عليهم (عمر بن أبى سلمة) ابن عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن
مخزوم بن يقظة يكنى ابا حفص امه ام سلمة زوجة النبي وهو ربيب رسول الله مات صلى
الله عليه وآله وهو ابن تسع سنين وحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وآله الحديث وروى
عنه سعيد بن المسيب وغيره وشهد هو وأخوه سلمه مع على " ع " حروبه وروى ان امهما أتت
بهما إليه " ع " فقالت عليك بهما صدقة فلو يصلح لى الخروج لخرجت معك وذكر الشيخ في
رجاله والعلامة في الخلاصة بدل عمر محمدا " فقالا محمد بن ابى سلمة وما ذكرناه هو
الصحيح. (وروى) هشام بن محمد الكلبى في كتاب الجمل ان أم سلمة كتبت إلى على من مكة
اما بعد فان طلحة والزبير واشياعهم اشياع الضلالة يريدون ان
________________________________________
[ 198
]
يخرجوا
بعائشة ويذكرون ان عثمان قتل مظلوما " وانهم يطلبون بدمه والله كافيكهم بحوله وقوته
ولولا مانهانا الله عنه من الخروج وأمرنا به من لزوم البيوت لم ادع الخروج اليك
والنصرة لك ولكني باعثة نحوك ابني عدل نفسي عمر بن ابى سلمة فاستوص به يا أمير
المؤمنين خيرا " قال فلما قدم عمر على أمير المؤمنين " ع " اكرمه ولم يزل مقيما "
معه حتى شهد مشاهد، كلها ووجهه على أميرا إلى البحرين وقال لأبن عم له بلغني ان عمر
يقول الشعر فابعت إلى من شعره فبعث إليه بابيات له أولها. جزتك أمير المؤمنين قرابة
* رفعت بها ذكرى جزاء موقرا ولم يزل عمر المذكور عاملا لأمير المؤمنين " ع " على
البحرين حتى عزله واستعمل النعمان بن عجلان الرزقى على البحرين مكانه ولما أراد
عزله كتب إليه " ع " أما بعد فانى وليت النعمان بن عجلان الرزقى على البحرين نزعت
يدك بلا ذم لك ولا تتريب عليك فقد أحسنت الولاية واديت الأمانة فاقبل غير ظنين ولا
ملوم ولا متهم ولا مأثوم فقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام وأحببت ان تشهد معى
فانك ممن استظهر به على جهاد العدو واقامة عمود الدين إن شاء الله تعالى. وذكر هذا
الكتاب السيد الرضى (ره) في نهج البلاغة قال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب توفى
عمر بن ابى سلمة بالمدينة في خلافة عبد الملك سنة ثلاثة وثمانين وقال صاحب منهج
المقال قتل مع أمير المؤمنين " ع " بصفين وهو غلط وما ذكره أبن عبد البر هو الصحيح
والله أعلم. (سلمان الفارسى عليه الرحمة) أصله من فارس من رامهرمز وقيل بل من
أصبهان من قرية يقال لها جى بفتح الجيم وتشديد الياء المثناة من تحت وكان أسمه عند
ابيه روزبه وقيل ما هو وقيل ما به بن بهبود ابن بدخشان من ولد منوجهر الملك وقيل
بهودان بن بودخشان بن موسلا بن فيروز بن مهرك من ولد الملك وهو معدود من موالى
________________________________________
[ 199
]
رسول الله
صلى الله عليه وآله وكنيته أبو عبد الله وكان إذا قيل له ابن من أنت يقول انا سلمان
ابن الأسلام انا من بنى آدم. قال ابن بابوية " ره " كان اسم سلمان روزبه ابن
خشنودان وما سجد قط لمطلع الشمس كما كان يفعل قومه وإنما كان يسجد له عزوجل وكانت
القبلة التى أمر بالصلاة إليها شرقية وكان أبواه يظنان انه إنما يسجد لمطلع الشمس
مثلهم وكان سلمان وصى عيسى " ع " في اداء ما حمل إلى من انتهت إليه الوصية من
المعصومين انتهى. وقد روى انه تداوله ارباب كثيرة بضع عشر ربا من واحد إلى آخر حتى
افضى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وكان إسلامه للسنة الأولى من الهجرة وفى
رواية في جمادى الأولى منها. وقد ذكر كثير من المحدثين حديث إسلامه ورووه عنه بوجوه
مختلقة الأشهر منها ما روى انه قال كنت ابن دهقان قرية جى من أصبهان وبلغ من حب ابى
الى ان حبسني في البيت كما تحبس الجارية فاجتهدت في المجوسية حتى صرت قطة بيت النار
فارسلني ابى يوما " إلى ضيعة له فمررت بكنيسة النصارى فدخلت عليهم فاعجبتني صلوتهم
فقلت دين هولاء خير من دينى فسألتهم اين أصل هذا الدين قالوا بالشام فهربت من والدى
حتى قدمت الشام فدخلت على الأسقف وجعلت اخدمه واتعلم منه حتى حضرته الوفاة فقلت له
إلى من توصى لى فقال قد هلك الناس وتركوا دينهم إلا رجلا بالموصل فالحق به فلما قضى
نحبه لحفت بذلك الرجل فلم يلبث إلا قليلا حتى حضرته الوفاة فقلت له إلى من توصى لى
فقال ما أعلم رجلا بقى على الطريقة المستقيمة إلا واحدا " بنصيبين فلحقت بصاحب
نصيبين قالوا وتلك الصومعة اليوم باقية وهى التى تعبد فيها سلمان قبل الاسلام ثم
احتضر صاحب نصيبين فبعثني إلى رجل بعمورية من ارض الروم فاتيته واقمت عنده واكتسبت
بقيرات وغنيمات فلما نزل به الموت قلت له إلى من توصى لى
________________________________________
[ 200
]
فقال قد ترك
الناس دينهم وما بقى احد منهم على الحق وقد اطل زمان نبى مبعوث بدين ابراهيم " ع "
يخرج بارض العرب مهاجرا " إلى ارض بين حرتين بها نخل قلت فما علامته قال يأكل
الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة قال ومر بى ركب من كلب فخرجت معهم
فلما بلغوا وادى القرى ظلموني وباعونى من يهودى فكنت أعمل له في نخله وزرعه فبينا
انا عنده إذ قدم ابن عم له فابتاعنى منه وحملنى إلى المدينة فوالله ما هو إلا ان
رأيتها فعرفتها وبعث الله محمدا " صلى الله عليه وآله بمكة ولا علم لى بشئ من أمره
فبينا انا في رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لسيدي فقال قاتل الله بنى قيلة قد اجتمعوا
على رجل بقبا قدم عليهم من مكة يزعمون انه نبى فاخذني العرق والانتفاض ونزلت عن
النخلة وجعلت استقصى في السؤال فما كلمني سيدى بكلمة بل قال أقبل على شأنك ودع ما
لا يعنيك فلما أمسيت أخذت شيئا كان عندي من التمر وأتيت به النبي صلى الله عليه
وآله فقلت له بلغني إنك رجل صالح وان لك اصحابا غرباء ذوى حاجة وهذا شئ كان عندي
للصدقة فرأيتكم احق به من غيركم فقال صلى الله عليه وآله لاصحابه كلوا وامسك فلم
يأكل فقلت في نفسي هذه واحدة وانصرفت فلما كان من الغد أخذت ما كان بقى عندي وأتيته
به فقلت له إنى رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية فقال صلى الله عليه وآله كلوا واكل
معهم فقلت في نفسي هاتان اثنتان ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ببقيع
الغرقد وقد تبع جنازة رجل من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه
ثم استدرت خلفه انظر إلى ظهره هل ارى الخاتم الذى وصفه لى صاحبي بعمورية فلما رأني
رسول الله صلى الله عليه وآله استدبره عرف إنى أثبت في شئ وصف لى فالقى ردائه عن
ظهره فنظرت إلى الخاتم فاكببت عليه اقبله وابكى فقال مالك فقصصت عليه القصة فاعجبه
ثم قال يا سلمان كاتب صاحبك فكاتبته على ثلاثمائة نخلة واربعين اوقية فقال سول الله
صلى الله عليه وآله للأنصار أعينوا اخاكم فاعانوني بالنخل حتى جمعت ثلاثمائة ودية
فوضعها رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فصحت كلها واتاه مال من بعض
________________________________________
[ 201
]
المغازى
فاعطاني منه وقال اد كتابتك فاديت واعتقت. وروى ابن بابويه في كتاب اكمال الدين خبر
اسلامه باسناده إلى موسى ابن جعفر " ع " قال حدثنى ابى صلوات الله عليه ان أمير
المؤمنين على بن ابى طالب " ع " وسلمان الفارسى وأبا ذر وجماعة من قريش كانوا
مجتمعين عند قبر النبي صلى الله عليه وآله فقال أمير المؤمنين " ع " يا ابا عبد
الله الا تخبرنا بمبدأ أمرك فقال سلمان والله يا أمير المؤمنين لو ان غيرك سألني ما
أخبرته انا كنت رجلا من أبناء أهل شيراز من الدهاقين وكنت عزيزا على والدى فبينا
انا سائر مع والدى في عيد لهم إذ انا بصومعة وإذا فيها رجل ينادى اشهد ان لا إله
إلا الله وان عيسى روح الله وان محمدا " حبيب الله فرصف حب محمد صلى الله عليه وآله
في لحمى ودمى فلم يهنئني طعام ولا شراب فقالت لى امى مالك اليوم لم تسجد لمطلع
الشمس قال فكابرتها حتى سكتت فلما انصرفت إلى منزلي إذ انا بكتاب معلق من السقف
فقلت لامى ما هذا الكتاب فقالت روزبه ان هذا الكتاب لما رجعنا من عيدنا رأيناه
معلقا فلا تقرب ذلك المكان فانك إن قربته قتلك أبوك قال فجاهدتها حتى جن الليل ونام
ابى وأمى فقمت فاخذت الكتاب فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله إلى
آدم " ع " وانه خلق من صلبه نبيا يقال له محمد بأمر بمكارم الاخلاق وينهى عن عبادة
الاوثان يا روزبه أنت وصى عيسى فآمن واترك المجوسية قال فصقعت صقعة وزادني شدة قال
فعلم ابى وامى بذلك فاخذوني وجعلوني في بئر عميقة وقالا لى ان رجعت وإلا قتلناك
فقلت لهما افعلا بى ما شئتما فان حب محمد لا يذهب من صدري قال سلمان ما كنت اعرف
العربية قبل قراءتى ذلك الكتاب ولقد فهمني الله العربية من ذلك اليوم قال فبقيت في
البئر فجعلوا ينزلون إلى اقراصا " صغارا " قال فلما طال أمرى رفعت يدى إلى السماء
فقلت يا رب انك حببت محمدا " صلى الله عليه وآله ووصيه إلى فبحق وسيلته عجل فرجى
وارحني مما انا فيه فأتاني آت عليه ثياب بيض فقال قم يا روزبه فاخذ بيدى وأتى بى
إلى الصومعة
________________________________________
[ 202
]
فأنشأت أقول
أشهد أن لا إله إلا الله وان عيسى روح الله وان محمدا " حبيب الله فاشرف على
الديرانى فقال أنت روزبه فقلت نعم فقال اصعد فاصعدني إليه فخدمته حولين كاملين فلما
حضرته الوفاة قال انى ميت فقلت على من تخلفنى قال لا اعرف احدا يقول بمقالتي إلا
راهبا " بانطاكية فإذا لقيته فاقرأه منى السلام وادفع إليه هذا اللوح وناولني لوحا
" فلما مات غسلته وكفنته ودفنته واخذت اللوح وصرت به إلى انطاكية واتيت الصومعة
وانشأت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وان عيسى روح الله وان محمدا " حبيب الله،
فاشرف على الديرانى فقال لى أنت روزبه فقلت نعم فقال اصعد فصعدت وخدمته حولين
كاملين فلما حضرته الوفاة قال انى ميت فقلت على من تخلفنى فقال لا أعرف احدا " يقول
بمقالتي هذه إلا راهبا " بالاسكندرية فإذا لقيته فاقرأه منى السلام وادفع إليه هذا
اللوح فلما توفى غسلته وكفنته ودفنته واخذت اللوح وأتيت الصومعة فأنشأت أقول أشهد
أن لا إله إلا الله وان عيسى روح الله وان محمدا حبيب الله فاشرف على الديرانى فقال
لى أنت روزبه فقلت نعم فقال اصعد فصعدت إليه فخدمته حولين كاملين فلما حضرته الوفاة
قال لى انى ميت قلت على من تخلفنى قال لا أعرف احدا " يقول في الدنيا بمقالتي هذه
وان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد حانت ولادته فإذا أتيته فاقرأه عنى السلام
وادفع إليه هذا اللوح قال فلما توفى غسلته وكفنته ودفنته واخذت اللوح وخرجت فصحبت
قوما " فقلت لهم يا قوم اكفوني الطعام والشراب اكفكم الخدمة قالوا نعم قال فما
ارادوا ان يأكلوا شدوا على شاة فقتلوها بالضرب ثم جعلوا بعضها كبابا " وبعضها شويا
" فامتنعت من الاكل فقالوا كل فقلت انى غلام ديرانى وان الديرانيين لا يأكلون اللحم
فضربوني فكادوا يقتلونني فقال بعضهم أمسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم فانه لا يشرب
فلما أتوا بالشراب قالوا أشرب فقلت انى غلام ديرانى وان الديرانيين لا يشربون الخمر
________________________________________
[ 203
]
فشدوا على
وارادوا قتلى فقلت لهم يا قوم: لا تضربوني ولا تقتلوني فانى أقر لكم بالعبودية
فاقررت لواحد منهم فاخرجني وباعنى بثلاثمائة درهم من رجل يهودى قال فسألني عن قصتي
فاخبرته وقلت ليس لى ذنب إلا انى احببت محمدا " ووصيه فقال اليهودي وانى لابغضك
وابغض محمدا " ثم اخرجني إلى خارج داره وإذا رمل كثير على بابه فقال والله يا روزبه
لان اصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لاقتلنك قال فجعلت أحمل طول ليلى
فلما جهدني التعب رفعت يدى إلى السماء فقلت يا رب حببت محمد صلى الله عليه وآله
ووصيه إلى فبحق وسيلته عجل فرجى وأرحني مما أنا فيه فبعث الله عزوجل ريحا فقلعت ذلك
الرمل من مكانه إلى المكان الذى قال اليهودي فلما أصبح نظر إلى الرمل قد نقل كله
فقال يا روزبه أنت ساحر وانا لا أعلم فلاخرجنك من هذه القرية كى لا تهلكنا قال
فاخرجني وباعنى من أمرأة سليمية فاحببتنى حبا شديدا وكان لها حائط فقالت هذا الحائط
لك كل منه ما شئت وهب وتصدق قال فبقيت في ذلك الحائط ما شاء الله فبينا انا ذات يوم
في الحائط وإذا انا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة فقلت في نفسي والله ما هؤلاء
كلهم بانبياء وان فيهم نبيا قال فاقبلوا حتى دخلوا الحائط والغمامة تسير معهم فلما
وصلوا إذا فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المومنين " ع " وأبو ذر
والمقداد وعقيل بن ابى طالب (رض وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة فدخلوا الحائط
فجعلوا يتناولون من حشف النخل ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول كلوا الحشف ولا
تفسدوا على القوم شيئا " فدخلت على مولاتي وقلت لها يا مولاتي هبى لى طبقا " من رطب
فقالت لك ستة اطباق قال فجئت فحملت طبقا من رطب فقلت في نفسي إن كان فيهم نبى فانه
لا يأكل الصدقة فوضعته بين يديه وقلت هذه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
كلوا وامسك رسول الله وأمير المؤمنين " ع " وحمزة بن عبد المطلب وعقيل بن ابى طالب
وقال لزيد مد يدك وكل فقلت في نفسي هذه علامة فدخلت على مولاتي وقلت لها هبى لى
طبقا آخر فقالت لك ستة اطباق قال فجئت
________________________________________
[ 204
]
فحملت طبقا
" من رطب فوضعته بين يديه وقلت هذه هدية فمد يده وقال بسم الله كلوا فمد القوم
جميعا " ايديهم فأكلوا فقلت في نفسي هذه أيضا " علامة قال فبينا ادور خلفه إذ حانت
من النبي التفاتة فقال يا روزبه تطلب خاتم النبوة فقلت نعم فكشف عن كتفيه فإذا انا
بخاتم النبوة معجون بين كتفيه عليه شعرات قال فسقطت على قدم رسول الله اقبلها فقال
لى يا روزبه ادخل على هذه المرأة وقل لها: يقول لك محمد بن عبد الله تبيعينا هذا
الغلام فدخلت عليها فقلت لها يا مولاتي ان محمد بن عبد الله يقول لك تبيعينا هذا
الغلام فقالت قل له لا أبيعك إلا باربعمائة نخلة مايتا نخلة منها صفراء ومائتا نخلة
منها حمراء قال فجئت إلى النبي صلى الله عليه وآله فاخبرته فقال ما أهون ما سألت ثم
قال قم يا على اجمع هذا النوى كله فجمعه واخذه فغرسه ثم قال اسقه فسقاه أمير
المؤمنين " ع " فما بلغ آخره حتى خرج النخل ولحق بعضه بعضا " فقال لى ادخل إليها
وقل لها يقول لك محمد بن عبد الله خذى شيئك وادفعي الينا شيئنا قال فدخلت عليها
وقلت لها ذلك فخرجت ونظرت إلى النخل فقالت والله لا ابيعكم إلا باربعمائة نخلة كلها
صفراء فهبط جبرئيل فمسح جناحه على النخل فصار كله اصفر، قال ثم قال لى قل لها ان
محمدا يقول لك خذى شيئك وادفعي الينا شيئنا فقلت لها فقالت والله لنخلة من هذه احب
إلى من محمد ومنك فقلت لها والله ليوم مع محمد احب إلى منك ومن كل شئ أنت فيه
فاعتنقني رسول الله وسماني سلمان. وفى بعض الروايات ان النبي صلى الله عليه وآله
اتى إليه بمثل شبه بيضة دجاجة من ذهب من بعض الغزوات فقال ما فعل الفارسى المكاتب
فدعى سلمان له قال خذ هذه فاد بها ما عليك فقال واين يقع هذا مما على يا رسول الله
فلما قال ذلك سلمان اخذها رسول الله صلى الله عليه وآله فقلبها على لسانه ثم اعطاها
سلمان فاخذها فاوفى فيها حقه كله أربعين أوقية. وفى الشفا نقلا من كتاب البزار
أعطاه مثل بيضة دجاجة بعد ان رددها
________________________________________
[ 205
]
على لسانه
فوزن منها لواليه أربعين اوقية وبقى عنده مثل ما اعطاهم. وروى أبو عمرو ابن عبد
البر في كتاب الاستيعاب ان سلمان اشتراه رسول الله صلى الله عليه وآله من اربابه
وهم قوم يهود بدارهم وعلى ان يغرس لهم من النخل كذا وكذا ويعمل فيها حتى تدرك فغرس
رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك النخل كله بيده إلا نخلة واحدة غرسها عمر بن
الخطاب فاطعم النخل كله إلا تلك النخلة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من غرسها
فقيل عمر فقلعها وغرسها رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فاطعمت. وفى شواهد
النبوة لما جاء سلمان إلى النبي صلى الله عليه وآله لم يفهم النبي كلامه فطلب
ترجمانا " فاتى بتاجر من اليهود وكان يعلم الفارسية والعربية فمدح سلمان النبي صلى
الله عليه وآله وذم اليهودي فحرف اليهودي الترجمة فقال ان سلمان يشتمك فقال النبي
هذا الفارسى جاء ليؤذينا فنزل جبرئيل " ع " وترجم كلام سلمان للنبى فقال النبي
لليهودي فقال يا محمد إذا كنت تعرف الفارسية فما حاجتك إلى قال ما كنت اعلمها قبل
فالآن علمني جبرئيل " ع " أو كما قال فقال اليهودي يا محمد قد كنت قبل هذا اتهمك
والآن تحقق عندي انك رسول الله فقال أشهد ان لا إله إلا الله وإنك رسول الله ثم قال
رسول الله لجبرئيل " ع " علم سلمان الفارسى العربية قال قل له ليغمض عينيه ويفتح
فاه ففعل سلمان فتفل جبرئيل في فيه فشرع سلمان يتكلم بالعربى الفصيح ثم كان شغل
سلمان الرق حتى فاته بدر واحد حتى عتق في السنة الخامسة من الهجرة، وفى بعض
الروايات انه أسلم بمكة. وأخرج الشيخ الطوسى (ره) في أماليه باسناده عن حسان بن
سدير الصيرفى عن أبيه عن ابى جعفر محمد بن على الباقر " ع " قال جلس جماعة من أصحاب
رسول الله ينتسبون ويفتخرون وفيهم سلمان " ره " فقال له عمر ما نسبتك أنت يا سلمان
وما أصلك فقال انا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله بمحمد وكنت عائلا
فأغناني الله بمحمد وكنت مملوكا فاعتقني الله بمحمد، فهذا
________________________________________
[ 206
]
حسبى ونسبي
يا عمر ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فذكر له سلمان ما قال عمر وأما أجابه
به فقال رسول الله يا معشر قريش ان حسب المرء دينه ومروته خلقه واصله عقله قال الله
تعالى (يا أيها الناس انا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله
اتقاكم) ثم أقبل على سلمان (ره) فقال له سلمان انه ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا
بتقوى الله عزوجل فمن كنت اتقى منه فانت أفضل منه وكان سلمان (رضى الله عنه) خيرا "
فاضلا حبرا " عالما " زاهدا " متقشف " ا وهو أول الاركان الاربعة وثانيها المقداد
وثالثها أبو ذر ورابعها عمار قال أبو عمرو وأول مشاهد سلمان الخندق وهو الذى أشار
بحفره فقال أبو سفيان وأصحابه لما رأوه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها قال روى ان
سلمان شهد بدرا " واحدا " وهو عبد يومئذ والاكثر ان أول مشاهده الخندق ولم يفته بعد
ذلك مشهد. وكتب صلى الله عليه وآله عهدا " لحى سلمان بكازرون وصورته بسم الله
الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله سأله سلمان وصية باخيه ما هاد ابن فروخ
وأهل بيته وعقبه من بعده من اسلم منهم واقام على دينه سلام الله، احمد الله اليكم
الذى أمرنى أن أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له أقولها وأأمر الناس بها وان
الخلق خلق الله والأمر حكمه. الله خلقهم وأماتهم وهو ينشرهم واليه المصير وان كل
أمر يزول وكل شئ يعيد ويفنى وكل نفس ذائقة الموت من آمن بالله ورسوله كان له في
الآخرة دعة الفائزين ومن اقام على دينه تركناه فلا اكراه في الدين وهذا كتاب لأهل
بيت سلمان ان لهم ذمة الله وذمتي على دمائهم واموالهم في الأرض التى يقيمون فيها
سهلها وجبلها ومراعيها وعيونها غير مظلومين ولا مضيقا " عليهم فمن قرئ عليه كتابي
هذا من المؤمنين والمؤمنات فعليه أن يحفظهم ويكرمهم ويبرهم ولا يتعرض لهم بالأذى
والمكروه وقد رفعت عنهم جز الناصية والجزية والخمس والعشر إلى سائر المؤن والكلف ثم
ان سألوكم فاعطوهم وان استغاثوا بكم فاغيثوهم وان استجاروا بكم فاجيروهم وإن اساؤا
فاغفروا لهم
________________________________________
[ 207
]
وإن اسيئ
إليهم فامنعوا عنهم ولهم ان يعطوا من بيت مال المسلمين في كل سنة مائة حلة في شهر
رجب ومائة في الاضحية ومن الاواني مائة فقد استحق سلمان ذلك منا لان فضل سلمان على
كثير من المؤمنين وانزل في الوحى على ان الجنة إلى سلمان اشوق من سلمان إلى الجنة
وهو ثقتى واميني تقى نقى ناصح لرسول الله والمؤمنين وسلمان منا أهل البيت فلا
يخالفن أحد هذه الوصية فمن خالفها فقد خالف الله ورسوله وعليه اللعنة إلى يوم الدين
ومن اكرمهم فقد اكرمني وله عند الله الثواب ومن آذاهم فقد اذانى وانا خصمه يوم
القيامة وجزاؤهم جهنم وبرئت منه ذمتي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكتب على بن
ابى طالب بامر رسول الله صلى الله عليه وآله في رجب سنة تسع من الهجرة وحضر أبو بكر
وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسلمان وأبو ذر وعمار وعتبة وبلال والمقداد وجماعة
آخرون من المؤمنين. قال بعض المؤرخين: ماهاد بن فروخ المكتوب باسمه العهد أبن اخ
سلمان الفارسى وهو ماهاد بن فروخ بن بدخشان وعقبه بفارس وهذا العهد في ايديهم إلى
الآن وهو مكتوب على اديم ابيض مختوم بخاتم النبي صلى الله عليه وآله وعليه ختم ابى
بكر وعثمان والله أعلم. ويستفاد من هذا العهد ان التاريخ كان من زمن النبي صلى الله
عليه وآله وهو خلاف المشهور من ان التاريخ بالهجرة إنما وضعه عمر بن الخطاب في ايام
خلافته والله أعلم. وقد ورد في شأن سلمان احاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله
وأهل بيته عليهم السلام. فمنها ما رواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن
عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: سلمان منا أهل البيت. قال الشيخ
محيى الدين ابن العربي في الفتوحات لما كان النبي صلى الله عليه وآله عبدا " محضا "
أي خالصا " قد طهره الله تعالى وأهل بيته تطهيرا وأذهب عنهم الرجس وكلما يشينهم فان
الرجس هو القذر عند العرب على ما حكاه الفراءن قال تعالى (إنما يريد
________________________________________
[ 208
]
الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ") فلا يضاف إليهم إلا مطهر ولابد أن يكون
كذلك فان المضاف إليهم هو الذى يشبههم فما يضيفون لانفسهم إلا من له حكم الطهارة
والتقديس فهذا شهادة من النبي صلى الله عليه وآله لسلمان الفارسى بالطهارة والحفظ
الآلهى والعصمة حيث قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله سلمان منا أهل البيت وشهد
الله لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم وإذا كان لا يضاف إليهم إلا مطهر مقدس وحصلت له
العناية الآلهية بمجرد الاضافة فما ظنك باهل البيت في نفوسهم فهم المطهرون بل عين
الطهارة ومنها ما روى عنه صلى الله عليه وآله من وجوه انه قال لو كان الدين في
الثريا لناله سلمان. وفى رواية اخرى لناله رجل من فارس. ومنها ما روى من حديث ابن
بريدة عن أبيه ان رسول الله قال أمرنى ربى بحب اربعة واخبرني انه يحبهم على " ع "
وأبو ذر والمقداد وسلمان. ومنها ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله قال ان الجنة
لاشوق إلى سلمان من سلمان إلى الجنة وان الجنة لاعشق لسلمان من سلمان إلى الجنة.
ومنها ما رواه أبو هريرة قال تلا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الآية (وان
تتولوا يستبدل قوما " غيركم ثم لا يكونوا امثالكم) قالوا ومن يستبدل بنا فضرب رسول
الله صلى الله عليه وآله على منكب سلمان ثم قال هذا وقومه (وفى رواية) قال: قال ناس
من أصحاب رسول الله يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله تعالى ان تولينا استبدلوا
بنا ثم لا يكونوا امثالنا قال وكان سلمان يحب رسول الله فضرب رسول الله فخذ سلمان
قال هذا وأصحابه والذى نفسي بيده لو كان الايمان منوطا " بالثريا لتناوله رجل من
فارس أخرجه الترمذي. قال أبو عمرو في (الاستيعاب) وفى الحديث المروى ان ابا سفيان
مر على سلمان وصهيب وبلال في نفر من المسلمين فقالوا ما احذت السيوف مأخذها من عنق
عدو الله وأبو سفيان يسمع قولهم فقال لهم أبو بكر تقولون هذا لشيخ
________________________________________
[ 209
]
قريش وسيدها
وأتى النبي فاخبره فقال يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله.
قال وقد روينا عن عائشة انها قالت كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وآله
ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وآله. قال وقد روى
الأعمش عن عمرو بن مرة عن ابى البخترى عن على " ع " انه سأل عن سلمان فقال علم
العلم الأول والعلم الآخر ذاك بحر لا ينزف هو منا أهل البيت. قال المؤلف أخرج الكشى
في كتابه عن الفضيل بن يسار عن ابى جعفر " ع " قال: قال تروى ما يروى الناس ان عليا
" " ع " قال في سلمان ادرك علم الأول وعلم الآخر قلت نعم قال فهل تدرى ما عنى قال
قلت يعنى علم بنى اسرائيل وعلم النبي فقال ليس هذا يعنى ولكن علم النبي وعلم على
وأمر النبي وأمر على صلوات الله عليهما وأخرج عن زرارة قلت سمعت ابا عبد الله " ع "
يقول ادرك سلمان العلم الأول والعلم الآخر وهو منا أهل البيت بلغ من علمه انه مر
برجل في رهط فقال له يا عبد الله تب إلى الله عزوجل من الذى عملت به في بطن بيتك
البارحة قال ثم مضى فقال له القوم لقد رماك سلمان بامر فما دفعته عن نفسك قال انه
أخبرني بامر ما اطلع عليه إلا الله. وعن الحسن بن صهيب عن ابى جعفر " ع " عن أبيه "
ع " عن جده عن على بن ابى طالب " ع " قال ضاقت الأرض بسبعة بهم ترزقون وبهم تنصرون
وبهم تمطرون منهم سلمان الفارسى والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة وكان على " ع " يقول
وانا امامهم وهم الذين صلوا على فاطمة " ع ". وأخرج الشيخ الطوسى في اماليه عن
منصور بن بزرج قال قلت لأبى عبد الله الصادق " ع " ما اكثر ما اسمع منك سيدى ذكر
سلمان الفارسى قال " ع " لا تقل سلمان الفارسى ولكن قل سلمان المحمدى اتدرى ما اكثر
ذكرى له قلت
________________________________________
[ 210
]
لا قال
لثلاث خصال ايثاره هوى أمير المؤمنين " ع " على هوى نفسه، والثانية حبه للفقراء
واختياره اياهم على أهل الثروة والعدد، والثالثة حبه للعلم والعلماء ان سلمان كان
عبدا " صالحا " حنيفا " مسلما " وما كان من المشركين. وأخرج الكشى عن محمد بن حكيم
قال ذكر عند ابى جعفر " ع " سلمان المحمدى فقال ان سلمان منا أهل البيت انه كان
يقول للناس هربتم من القرآن إلى الاحاديث وجدتم كتابا " دقيقا " حوسبتم فيه على
النقير والقمطير والفتيل وحبة الخردل فضاق عليكم ذلك وهربتم إلى الأحاديث التى
اتسعت عليكم. وعن زرارة عن ابى جعفر " ع " قال كان على محدثا وكان سلمان محدثا. وعن
ابى بصير عن ابى عبد الله " ع " قال كان والله على محدثا وكان سلمان محدثا " قلت
أشرح قال يبعث الله إليه ملكا " ينقر في اذنه يقول كيت وكيت. وعن ابى العباس أحمد
بن حماد المروزى عن الصادق " ع " انه قال في الحديث الذى روى فيه ان سلمان كان
محدثا قال انه كان محدثا " عن امامه لا عن ربه لانه لا يحدث عن الله تعالى إلا
الحجة. وعن عبد الرحمن بن أعين قال سمعت أبا جعفر يقول: كان سلمان من المتوسمين.
وعن ابى بصير قال سمعت ابا عبد الله " ع " يقول سلمان علم الأسم الأعظم. وعن جابر
عن ابى جعفر " ع " قال دخل أبو ذر على سلمان وهو يطبخ قدرا " له فبينما هما
يتحادثان إذ انكبت القدر لى وجهها فلم يسقط منها شئ من مرقها ولا من ودكها قال فخرج
أبو ذر وهو مذعور من عند سلمان فبينما هو متفكر إذ لقى أمير المؤمنين " ع " على
الباب فلما ان بصر به أمير المؤمنين " ع " قال يا اباذر ما الذى أخرجك من عند سلمان
ومن الذى ذعرك فقال له أبو ذر يا أمير المؤمنين رأيت سلمان صنع كذا وكذا، فعجبت من
ذلك. فقال: أمير المؤمنين عليه السلام يا أبا ذر إن سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت:
رحم الله قاتل سلمان، يا أبا ذر سلمان باب الله في الأرض من عرفه كان مؤمنا " ومن
________________________________________
[ 211
]
أنكره كان
كافرا وان سلمان منا أهل البيت. وعن ابى بصير قال سمعت ابا عبد الله " ع " يقول قال
رسول الله صلى الله عليه وآله يا سلمان لو عرض علمك على المقداد لكفر يا مقداد لو
عرض علمك على سلمان لكفر. وعن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه " ع " قال
ذكرت التقية يوما " عند على " ع " فقال ان ابا ذر لو علم ما في قلب سلمان لقتله وقد
آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما فما ظنك بسائر الناس. قال المؤلف اختلف
أقوال العلماء في معنى هذا الحديث. فمنهم من اوله ومنهم من حمله على ظاهره واولى ما
قيل فيه ان مقام ابى ذر دون مقام سلمان لأن مقام أبى ذر في الثامنة ومقام سلمان في
التاسعة فلو اطلع أبو ذر على غير مقامه لقتله وما منا إلا له مقام معلوم. وروى صاحب
نزهة المذكورين ان سلمان خرج مع أصحابه فاصابتهم مخمصة فاقبل ظبى فدعاه وقال كن
مشويا " لينتفع اصحابي بك فصار مشويا " فأكلوا منه حتى شبعوا ثم قال قم باذن الله
فقام فذهب إلى الصحراء فقيل له في ذلك فقال كل من أطاع الله فان الله يجيبه ويجيب
دعوته كما قال تعالى (ادعوني أستجب لكم). وأخرج الكشى عن الحسن بن منصور قال قلت
للصادق " ع " اكان سلمان محدثا قال " ع " نعم قلت من يحدثه قال ملك كريم قلت فإذا
كان سلمان كذا فصاحبه أي شئ هو قال أقبل على شأنك. وفى رواية زاذان عن أمير
المؤمنين " ع " سلمان الفارسى كلقمان الحكيم. وحكى عن الفضل بن شاذان انه قال ما
نشأ في الاسلام رجل كان أفقه من سلمان. وروى قتادة عن ابى هريرة قال سلمان صاحب
الكتابين يعنى الانجيل والقرآن وعن الصادق جعفر بن محمد " ع " قال عاد رسول الله
صلى الله عليه وآله سلمان الفارسى
________________________________________
[ 212
]
فقال يا
سلمان لك في علتك ثلاث خصال أنت من الله عزوجل بذكر ودعاؤك فيه مستجاب ولا تدع
العلة عليك ذنبا " إلا حطته متعك الله بالعافية إلى منتهى أجلك. وعنه عن أبيه عن
جده " ع " قال وقع بين سلمان الفارسى (ره) وبين رجل كلام وخصومة فقال له الرجل من
أنت يا سلمان فقال اما أولى وأولك فنطفة قذرة واما آخرى وآخرك فجيفة منتة فإذا كان
يوم القيامة ووضعت الموازين فمن ثقلت موازينه فهو الكريم ومن خف ميزانه فهو اللئيم.
وعن ابى بصير قال سمعت الصادق جعفر بن محمد " ع " يحدث عن أبيه عن آبائه " ع " قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوما " لأصحابه ايكم يصوم الدهر فقال سلمان انا
يا رسول الله فقال رسول الله ايكم يحيى الليل فقال سلمان انا يا رسول الله قال ايكم
يختم القرآن كل يوم فقال سلمان انا يا رسول الله فغضب بعض اصحابه فقال يا رسول الله
ان سلمان من الفرس يريد ان يفتخر علينا معاشر قريش قلت ايكم يصوم الدهر فقال انا
وهو اكثر ايامه يأكل وقلت ايكم يحيي الليل فقال انا وهو اكثر ليلته نائم وقلت ايكم
يختم القرآن في كل يوم فقال انا وهو اكثر نهاره صامت فقال النبي صلى الله عليه وآله
مه يا فلان أنى لك بمثل لقمان الحكيم سله فانه ينبئك فقال الرجل يا ابا عبد الله
الست زعمت انك تصوم الدهر فقال نعم فقال رأيتك في اكثر نهارك تأكل فقال ليس حيث
تذهب انى اصوم الثلاثة في الشهر وقال الله عزوجل من جاء بالحسنة فله عشر امثالها
واصل شعبان بشهر رمضان فذلك الدهر فقال اليس زعمت انك تحيي الليل فقال نعم فقال أنت
اكثر ليلك نائم فقال ليس حيث تذهب ولكني سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول من بات على فراشه على طهر فكأنما احى الليل كله فانا ابيت على طهر فقال اليس
زعمت انك تختم القرآن في كل يوم فقال نعم فقال أنت اكثر ايامك صامت فقال ليس حيث
تذهب ولكني سمعت حبيبي رسول الله يقول لعلى عليه السلام
________________________________________
[ 213
]
يا ابا
الحسن مثلك في امتى مثل قل هو الله احد فمن قرأها مرة فقد قرأ ثلث القرآن ومن قرئها
مرتين فقد قرأ ثلثى القرآن ومن قرأها ثلاث مرات فقد ختم القرآن فمن احبك بلسانه فقد
كمل ثلث إيمانه ومن احبك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثا الأيمان ومن أحبك بلسانه
وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الأيمان والذى بعثنى بالحق نبيا يا على لو أحبك أهل
الأرض كمحبة أهل السماء لك لما عذب الله احدا " بالنار وانا اقرأ قل هو الله احد في
كل يوم ثلاث مرات فقام الرجل كأنه قد القم حجرا ". وعن سلمان (ره) قال بايعنا رسول
الله على النصح للمسلمين والأئتمام بعلى بن ابى طالب والمولاة له. وعن زاذان قال
سمعت سلمان يقول انى لا ازال أحب عليا " فانى قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله
يضرب فخذه ويقول محبك لى محب مبغضك لى مبغض ومبغضي لله مبغض. وعن حباب بن سدير عن
أبيه عن ابى جعفر " ع " قال كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا
ثلاثة فقلت من هم فقال المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسى ثم عرف
الناس بعد يسير وقال هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤا بأمير
المؤمنين " ع " مكرها فبايع وذلك قول الله عزوجل وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله
الرسل افأن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم الآية. وفى رواية عن ابى جعفر " ع " في
أمر البيعة ان سلمان عرض في قلبه عارض ان عند أمير المؤمنين " ع " اسم الأعظم لو
تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا فلبب ووجئت عنقه حتى تركت كالسلعة فمر به أمير
المؤمنين " ع " فقال له يا ابا عبد الله هذا من ذاك بايع فبايع. وفى رواية ان سلمان
قال لهم لما بايعوا ابا بكر (كرديد ونكرديد) أي فعلتم ولم
________________________________________
[ 214
]
تفعلوا،
قالت المعتزلة " معناه استخلفتم خليفة ونعم ما فعلتم إلا انكم عدلتم عن أهل البيت
فلو كان الخليفة منهم كان اولى والامامية تقول معناه اسلمتم وما اسلمتم. قال المؤلف
وفى رواية سليم بن قيس عن سلمان (رض) كلام بالعربية يمكن ان يكون تفسيرا " لهاتين
الكلمتين قال سليم قلت لسلمان بايعت ابا بكر ولم تقل شيئا " قال قد قلت بعد ما
بايعت تبا " لكم سائر الدهر اتدرون ما ذا صنعتم بانفسكم اصبتم واخطأتم اصبتم سنة
الأولين واخطأتم سنة نبيكم حين اخرجتموها من معدنها وأهلها قال سلمان اخذوني فوجؤا
في عنقي حتى تركوها مثل السلعلة ثم فتلوا يدى فبايعت مكرها. وفى رواية ابان بن تغلب
عن الصادق " ع " قال قام سلمان الفارسى فقال الله اكبر الله اكبر سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله وإلا صمتا اذناى يقول بينما اخى وابن عمى جالس في مسجدي مع نفر
من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أهل النار يريدون قتله وقتل من معه فلست اشك انكم
هم فهم به عمر بن الخطاب فوثب إليه أمير المؤمنين " ع " واحذ بمجامع ثوبه وجلد به
الأرض ثم قال يابن صهاك الحبشية لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله صلى الله
عليه وآله تقدم لأريتك اينا أضعف ناصرا " وأقل عددا ". وفى رواية سليم قال سلمان
فقال لى عمر أما إذا بايع صاحبك فقل ما بدا لك وليقل ما بدا له قال فقلت إنى أشهد
إنى سمعت رسول الله يقول ان عليك وعلى صاحبك الذى بايعته مثل ذنوب الثقلين إلى يوم
القيامة ومثل عذابهم قال قل ما شئت اليس قد بايع ولم تقر عينك بان يليها صاحبك قال
قلت فانى أشهد انى قرأت في بعض الكتب كتب الله المنزلة انه باسمك ونسبك وصفتك باب
من أبواب جهنم قال قل ما شئت اليس قد عزلها الله عن أهل البيت الذين قد اتخذتموهم
اربابا قال فقلت فانى أشهد انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وقد سألته
عن هذه الآية (فيومئذ لا يعذب عذابه احد ولا يوثق وثاقه احد) انك أنت هو فقال
________________________________________
[ 215
]
أسكت اسكت
الله نامتك ايها العبد ابن الخناء فقال على " ع " اسكت يا سلمان فسكت ووالله لولا
انه امرني بالسكوت لأخبرته بكل شئ نزل فيه وفى صاحبه قال سليم ثم أقبل على سلمان
فقال ان القوم ارتدوا بعد رسول الله إلا من عصمه الله بآل محمد فأن الناس بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون ومن أتبعه وبمنزلة العجل ومن أتبعه فعلى " ع
" في سنة هارون وعتيق في سنة السامري وسمعت رسول الله يقول لتركن أمتى سنة بنى
أسرائيل حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل شبرا " بشبر وذراعا " بذراع وباعا "
بباع. وروى ان سلمان خطب إلى عمر فرده ثم ندم فعاد إليه فقال إنما اردت ان أعلم
ذهبت حمية الجاهلية من قلبك أم هي كما هي. قال ابن شهر اشوب في المناقب كان عمر وجه
سلمان أميرا " إلى المدائن وأنما اراد له الختلة فلم يفعل إلا بعد ان استأذن أمير
المؤمنين " ع " فمضى فاقام بها إلى ان توفى وكان يحطب في عبائة يفترش نصفها ويلبس
نصفها ووقع حريق في المدائن وسلمان أميرها فلم يكن في بيته إلا مصحف وسيف فرفع
المصحف في يده وحمل السيف في عنقه وخرج قائلا هكذا ينجوا المخفون قيل دخل عليه رجل
فلم يجد في بيته إلا سيفا " ومصحفا " فقال له ما في بيتك إلا ما أرى قال ان أمامنا
منزل كؤود وإنا قد قدمنا متاعنا إلى المنزل. قال الحسن كان عطاء سلمان خمسة الآف
وكان أميرا " على زهاء ثلاثين الفا من المسلمين وكان يحطب في عبائة يفترش نصفها
ويلبس نصفها فإذا خرج عطاؤه تصدق به. قيل ولم يكن له بيت يظله إنما كان يدور مع
الظل حيث دار. قال أبو عمرو وقد ذكر أبن وهب بن نافع ان سلمان لم يكن له بيت إنما
كان يستظل بالجدار والشجر وان رجلا قال له الا ابني لك بيتا " تسكن فيه قال لا حاجة
في ذلك فما زال به الرجل حتى قال له انا أعرف البيت الذى يوافقك
________________________________________
[ 216
]
قال فصفه لى
قال ابني لك بيتا " إذا أنت كنت فيه اصاب رأسك سقفه وان أنت مددت فيه رجليك اصابهما
الجدار قال نعم فبنى له. قال: قال وكان سلمان يسف الخوص وهو أمير على المدائن
ويبيعه ويأكل منه ويقول لا أحب ان أكل إلا من عمل يدى وقد كان تعلم سف الخوص من
المدينة. قال غيره كان يأكل من عمل يده ويطحن مع الخادمة ويعجن عنها إذا ارسلها في
حاجة ويقول لا تجمع عليها عملين وكان يعمل من الخوص قفافا فيبيع ذلك بثلاثة دراهم
فيرد درهما في الخوص وينفق على عياله درهما " ويتصدق بدرهم وكان لا يأكل من صدقات
الناس ويقول ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال سلمان منا أهل البيت وكان غالب
الناس ممن لا يعرفه يسخرونه في حمل امتعتهم من السوق لرثاثة ثيابه فربما عرفوه
فيعتذرون إليه ويقولون تحمل عنك فيقول لا حتى أصل إلى المنزل وها هو ذاك. قيل وربما
حمل حزمة الحطب على رأسه من السوق فإذا رأى ازدحام الناس قال اوسعوا الطريق للأمير.
وكان لا يحضر بين يديه طعام عليه ادامان. وروى الاعمش عن ابى وائل قال ذهبت انا
وصاحب لى إلى سلمان الفارسى فلما جلسنا عنده قال لولا ان رسول الله صلى الله عليه
وآله نهى عن الكلف لتكلفت لكم ثم جاء بخبز وملح ساذج لا برار عليه فقال صاحبنا لو
كان في ملحنا صعتر فبعث سلمان بمطهرته فرهنها على الصعتر فلما اكلنا قال صاحبي
الحمد لله الحمد لله الذى أقنعنا بما رزقنا فقال سلمان لو قنعت بما رزقك الله لم
تكن مطهرتى مرهونة. وروى ان اباذر استضافه فقدم له خبز شعير وملحا " فقال أبو ذر
اردنا خلا وبقلا فرهن سلمان ركوته على ذلك فلما فرغا من الاكل قال أبو ذر الحمد لله
على القناعة قال سلمان لو كنت قنعت لما كانت ركوتى مرهونة
________________________________________
[ 217
]
وأخرج الشيخ
محمد بن على بن بابويه في اماليه باسناده عن عبد العظيم ابن عبد الله الحسنى عن
الأمام محمد بن على عن أبيه الرضا على بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه الصادق
جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهما السلام قال اخذ سلمان أبا ذر إلى منزله فقدم له
رغيفين فاخذ أبو ذر يقلبهما فقال له سلمان يا ابا ذر لاى شئ تقلب هذين الرغيفين قال
خفت ان لا يكونا نضجين فغضب سلمان من ذلك غضبا " شديدا " ثم قال ما أجرأك حيث تقلب
هذين الرغيفين فوالله لقد عمل في هذا الخبز الماء الذى تحت العرش. وعمل فيه
الملائكة حتى القوة الى الريح وعملت فيه الريح حتى القته إلى السحاب. وعمل فيه
السحاب حتى أمطره الى الارض، وعمل فيه الرعد والملائكة حتى وضعوه مواضعه، وعملت فيه
الارض والخشب والحديد والبهائم والنار والحطب والملح وما لا احصيه اكثر فكيف لك ان
تقوم بهذا الشكر فقال أبو ذر إلى الله أتوب وأستغفر الله مما احدثت واليك اعتذر مما
كرهت. وروى عن جرير بن عبد الله انه قال انتهيت مرة إلى ظل شجرة وتحتها رجل نائم قد
استظل بنطع له وقد جاوزت الشمس النطع فسويته عليه ثم ان الرجل استيقظ فإذا هو سلمان
الفارسى (رض) فذكرت له ما صنعت فقال يا جرير تواضع لله في الدنيا فانه من تواضع لله
في الدنيا رفعه الله يوم القيامة اتدرى ما ظلمة النار يوم القيامة قلت لا ؟ قال
فانه ظلم الناس بعضهم بعضا " في الدنيا. وأخرج الكشى عن النصيبى عن أبى عبد الله
قال: قال أمير المؤمنين " ع " لسلمان يا سلمان إذهب إلى فاطمة فقل لها تتحفك من تحف
الجنة فذهب إليها سلمان فإذا بين يديها ثلاث سلال فقال يا بنت رسول الله انحفينى
قالت هذه سلال جائنى بها ثلاث وصائف فسألتهن عن أسمائهن فقالت واحدة انا سلمى
لسلمان وقالت الاخرى انا ذرة لأبى ذر وقالت الاخرى انا مقدودة للمقداد ثم قبضت
فناولتني فما مررت بملأ إلا ملئوا طيبا لريحها.
________________________________________
[ 218
]
وأخرج الكشى
باسناده عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله قال: خطب سلمان فقال الحمد لله الذى
هداني لدينه بعد جحودي له وأنا مذك لنار الكفر أهل لها نصيبا " وأثبت لها فصيبا "
وأثبت لها رزقا " حتى القى الله عزوجل في قلى حب تهامة فخرجت جائعا " ظمانا " قد
طردني قومي واخرجت من مالى ولا تحملني حمولة ولا متاع يجهزني ولا مال يقوتنى وكان
من شأني ما قد كان حتى أتيت محمدا " صلى الله عليه وآله فعرفت من العرفان ما كنت
اعلمه ورأيت من العامة ما أخبرت بها فانقذوني به من النار فثبت على المعرفة التى
دخلت بها في الاسلام. الا أيها الناس اسمعوا من حديثى ثم انقلوه عنى فقد اوتيت
العلم كثيرا " ولو أخبرتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة انه لمجنون، وقالت طائفة اخرى
اللهم اغفر لقاتل سلمان، ألا ان لكم منايا كبعها بلايا وان عند على علم المنايا
وعلم الوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون ابن عمران قال له رسول الله صلى الله
عليه وآله أنت وصيى وخليفتي في أهلى بمنزلة هارون من موسى ولعلكم أصبتم سنة الاولين
وأخطأتم سبلكم والذى نفس سلمان بيده لتركبن طبقا " عن طبق سنة بنى أسرائيل القذة
بالقذة اما والله لو وليتموها عليا " لاكلتم من فوقكم ومن تحت ارجلكم فابشروا
بالبلاء واقنطوا من الرخاء وقد نابذتكم على سواء وانقطعت العصمة فيما بينى وبينكم
من الولاء اما والله لو انى ادفع ضيما أو أعز لله دينا لوضعت سيفى على عاتقي ثم
لضربت به قدما " قدما وهى خطبة طويلة لم نر التطويل بذكرها كلها هنا. (وروى) ابن
شهر اشوب في المناقب قال: كان الناس يحفرون الخندق وينشدون سوى سلمان فقال النبي
صلى الله عليه وآله اللهم اطلق لسان سلمان ولو على بيت من الشعر فأنشأ سلمان يقول:
مالى لسان فأقول الشعرا * اسأل ربى قوة ونصرا على عدوى وعدو الطهرا * محمد المختار
حاز الفخرا حتى أنال في الجنان قصرا " * مع كل حوراء تحاكي البدرا
________________________________________
[ 219
]
فضج
المسلمون وجعلت كل قبيلة تقول سلمان منا فقال النبي صلى الله عليه وآله: سلمان منا
أهل البيت. وروى ان ابا الدرداء كتب إلى سلمان من الشام اقدم يا أخى إلى بيت المقدس
فلعلك تموت فيه فكتب إليه سلمان أما بعد فان الارض لا تقدس احدا " وإنما يقدس كل
إنسان عمله والسلام. وقيل ان سلمان الفارسى (رض) لما مرض مرضه الذى مات فيه اتاه
سعد يعوده فقال كيف تجدك ابا عبد الله فبكى فقال ما يبكيك فقال والله لا ابكى حرصا
" على الدنيا ولا حبا " لها ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد الينا عهدا "
فقال ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب فاخشى ان يكون قد جاوزنا أمره وهذه
الاساود حولي وليس حوله إلا مطهرة واجانة وجفنة وأخرج الكشى عن عمرو بن يزيد قال
سلمان قال لى رسول الله صلى الله عليه وآله إذا حضرك أو اخذك الموت حضر اقوام يجدون
الريح ولا يأكلون الطعام ثم أخرج صرة من مسك فقال هبة اعطانيها رسول الله ثم بلها
ونفحها حوله ثم قال لإمرأته قومي اجيفى الباب فقامت واجافت الباب ثم رجعت وقد قبض
رحمه الله. وروى حبيب بن الحسن العكى عن جابر الانصاري قال صلى بنا أمير المؤمنين
صلاة الصبح ثم أقبل علينا فقال معاشر الناس اعظم الله أجركم في أخيكم سلمان فقالوا
في ذلك فلبس عمامة رسول الله ودراعته وأخذ قضيبه وسيفه وركب على العضباء وقال لقنبر
عد عشرا قال ففعلت فإذا نحن على باب سلمان قال زاذان فلما ادركت سلمان الوفاة قلت
له من المغسل لك ؟ قال من غسل رسول الله فقلت انك بالمدائن وهو بالمدينة فقال يا
زاذان إذا شددت لحيى تسمع الوجبة فلما شددت لحييه سمعت الوجبة وادركت الباب فإذا
انا بأمير المؤمنين " ع " فقال يا زاذان قضى أبو عبد الله سلمان ؟ قلت نعم يا سيدى
فدخل وكشف الرداء عن وجهه فتبسم سلمان إلى أمير المؤمنين فقال له مرحبا " يا ابا
عبد الله إذا لقيت
________________________________________
[ 220
]
رسول الله
فقل له ما مر على أخيك من قومك. وفى رواية أخرى عن زاذان ان أمير المؤمنين " ع "
لما جاء ليغسل سلمان وجده قد مات فتبسم في وجهه وهم ان يجلس فقال له أمير المؤمنين
عد الى موتك قال زاذان ثم أخذ " ع " في تجهيزه فلما صلى عليه كنا نسمع من أمير
المؤمنين تكبيرا " شديدا " وكنت رأيت معه رجلين فسألته عنهما فقال احدهما أخى جعفر
" ع " والآخر الخضر " ع " ومع كل واحد منهما سبعون صفا " من الملائكة في كل صف الف
الف ملك. وقد اشار إلى هذه الحكاية أبو الفضل اليمنى في قوله: سمعت منى يسيرا " من
عجبائبه * وكل امر على لم يزل عجبا دريت عن ليلة سار الوصي بها * إلى المدائن لما
ان لها طلبا فالحد الطهر سلمانا وعاد إلى * عراص يثرب والاصباح ما قربا كآصف قبل رد
الطرف من سبأ * بعرش بلقيس وافى يحرق الحجبا أراك في آصف لم تغل أنت بلا * أنا
بحيدر غال أورد الكذبا ان كان احمد خير المرسلين فذا * خير الوصيين أو كل الحديث
هبا وقلت ما قلت من قول الغلاة فما * ذنب الغلاة إذا قالوا الذى وجبا وروى ان ابن
عباس رأى سلمان في منامه وعليه تاج من ياقوت وحلى وحلل فقال له ما أفضل الأشياء بعد
الأيمان في الجنة فقال ليس في الجنة بعد الايمان بالله ورسوله صلى الله عليه وآله
شئ هو أفضل من حب على بن ابى طالب " ع ". وتوفى سلمان (رض) سنة خمس وثلاثين من
الهجرة وقيل في أول سنة ستة وثلاثين في آخر خلافة عثمان واختلف في مقدار عمره فقيل
ثلاثمائة وخمسون وقيل اكثر من أربع مائة سنة وانه ادرك وصى عيسى " ع " وقيل مائتان
وخمسون سنة وكان له من الولد عبد الله وبه كان يكنى ومحمد وله عقب مشهور وما اشتهر
من ان سلمان (رض) كان مجيوبا " كلام ينقله جهلة الصوفية لا اصل له والله أعلم.
________________________________________
[ 221
]
(المقداد بن
أسود بن يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري) وكان الأسود بن يغوث قد تبناه
وحالفه في الجاهلية فنسب إليه واسم أبيه الحقيقي عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة من
ثمامة بن طرود بن عمرو بن سعد ابن وهب بن ثور بن تغلبة بن مالك بن الشريد بن هزل بن
قايش بن دريم بن القيم بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة البهرائى - نسبة
إلى بهراء - ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة وهى نسبة على غير قياس لأن قياسه بهراوى
بالواو وينسب المقداد إلى كندة أيضا " قال ابن عبد ربه في العقد وذلك ان كندة سبته
في الجاهلية فاقام فيهم وانتسب إليهم وقال غيره ان اباه قد حالف كندة فنسب إليهم
وقال ابن عبد البر قيل أنه كان عبدا " حبشيا " للأسود بن عبد يغوث فتبناه واستلحقه
والأول أصح ويكنى ابا معبد وقيل ابا الأسود، كان رجلا ضخما " اسمر اللون طويل
القامة شجاعا " وكان قديم الأسلام ولم يقدم على الهجرة ظاهرا " فاتى مع المشركين من
قريش هو وعتبة بن غزوان ليتوصلا إلى المسلمين فانحاز إليهم وذلك في السرية التى بعث
فيها رسول الله صلى الله عليه وآله عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب حين رجع من غزوة
الأبواء قبل ان يصل إلى المدينة فسار عبيدة في ستين رجلا حتى بلغ ماء الحجاز باسفل
ثنية المرة فلقى جمعا " عظيما " من قريش وكان على المشركين أبو سفيان صخر بن حرب
وقيل عكرمة بن ابى جهل وقيل غير ذلك فتراموا بالنبل ولم يقع بينهم ضرب السيوف فظن
المشركون أن للمسلمين مددا " فخافوا وانهزموا ولم يتبعهم المسلمون فانحاز يومئذ
المقداد وعتبة ابن غزوان المازبى إلى المسلمين وكانا مسلمين لكنهما خرجا ليتوصلا
بالكفار وكانت هذه السرية على رأس ثمانية أشهر من السنة الأولى من الهجرة وشهد
المقداد في ذلك العام المشاهد كلها قال ابن مسعود أول من أظهر الأسلام سبعة فذكر
منهم المقداد وكان من الفضلاء النجباء ولم يصح انه كان في بدر فارس من المسلمين
غيره.
________________________________________
[ 222
]
أخرج مسلم
والترمذي عن المقداد قال أقبلت انا وصاحبان لى قد ذهبت اسماعنا وأبصارنا من الجهد
فجعلنا نعرض انفسنا على أصحاب رسول الله فليس أحد فيهم يقبلنا فاتينا النبي صلى
الله عليه وآله فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة اعنز فقط فقال النبي احتلبوا هذا
اللبن بيننا قال فكنا يحتلب ويشرب كل انسان منا نصيبه ونرفع لرسول الله صلى الله
عليه وآله نصيبه قال فيحيي من الليل فيسلم تسليما " لا يوقظ نائما " ويسمع اليقظان
قال ثم يأتي المسجد فيصلى قال ثم يأتي شرابه فيشرب فأتاني الشيطان ذات ليلة وقد
شربت نصيبي فقال محمد يأتي الانصار فيحتفونه ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة
فاتيتها فشربتها فلما ان وغلت بطني وعلمت ان ليس لى إليها سبيل ندمنى الشيطان فقال
ويحك ما صنعت أشربت شراب محمد فيجئ فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك
وعلى شملة إذا وضعتها على قدمى خرج رأسي وإذا وضعتها على رأسي خرج قدمى وجعل لا
يجيئنى النوم فلما صاحباى فناما ولم يصنعا ما صنعت قال فجاء رسول الله صلى الله
عليه وآله فسلم كما كان يسلم ثم اتى المسجد فصلى ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه
شيئا " فرفع رأسه إلى السماء فقلت الآن يدعو على واهلك فقال اللهم إطعم من اطعمني
واسق من سقاني قال فعمدت إلى الشملة فشددتها على واخذت الشفرة فانطلقت إلى الاعنز
أيها أسمن فأذبحها لرسول الله وإذا هي حافل وإذا هن حفل كلهن فعمدت إلى اناء كان
لآل محمد صلى الله عليه وآله ما كانوا يطمعون ان يحتلبوا فيه فحلبت فيه حتى علت
رغوته فجئت إلى رسول الله فقال أشربتم شرابكم الليلة ؟ قلت يا رسول الله إشرب فشرب
ثم ناولى ما زاد. وفى رواية رزين فقلت يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولنى ثم انقفا
فلما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد روى اجيبت دعوته ضحكت حتى القيت إلى
الارض فقال رسول الله احدى سوأتك يا مقداد، فقلت يا رسول الله كان من أمرى كذا
وكذا، وفعلت كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذه إلا رحمة
________________________________________
[ 223
]
من الله
أفلا كنت أذنتني فتوقظ صاحبينا فيصيبان منها معنا، فقلت والذى بعثك بالحق إذ أصبتها
واصبتها معك لا ابالى من أخطأته من الناس. قال ابن مسعود: لقد شهدت من المقداد
مشهدا " لان أكون صاحبه أحب إلى مما طلعت عليه الشمس وذلك انه أنى النبي وهو يذكر
المشركين، فقال يارسول الله إنا والله ما نقول كما قال أصحاب موسى لموسى إذهب أنت
وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكنا نقاتل بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن يسارك
فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يشرق وجهه لذلك وسره وأعجبه. (وروى) أحمد بن
حنبل في مسنده مرفوعا " إلى بريدة قال: قال رسول الله ان الله يحب من أصحابي أربعة
أخبرني انه يحبهم وأمرني أن أحبهم، قالوا من هم يا رسول الله ؟ قال ان عليا " منهم
وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسى والمقداد ابن الاسود الكندى. وقال العلامة رحمه
الله في (الخلاصة) كان المقداد ثانى الاربعة عظيم القدر شريف المزلة جليلا من خواص
على عليه السلام. وأخرج الكشى عن سيف بن عميرة عن أبى بكر الحضرمي قال: قال أبو
جعفر " ع " ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذر والمقداد، قال فقلت فعمار ؟
فقال قد كان حاص حيصة ثم رجع ثم قال " ع " ان أردت الذى لم يشك ولم يدخله شئ
فالمقداد. وفى رواية: ما بقى أحدا " إلا وقد جال جولة إلا المقداد بن الاسود فان
قلبه كان مثل زبر الحديد. وعن جميل بن ابى ثابت قال: قال المقداد الاسود ادخلوني
معكم في الشورى ؟ قالوا: لا قال فاجعلوني قريبا منكم فابوا قال فإذا أبيتم فلا
تبايعوا رجلا لم يشهد بدرا " ولا بيعة الرضوان وانهزم يوم أحد، فقال عثمان لان
________________________________________
[ 224
]
وليت رددتك
إلى مولاك الاول. فلما مات المقداد (رض) قام عثمان على قبره فقال ان كنت وان كنت،
واثنى خيرا ". فقال الزبير شعرا ": لاعرفنك بعد الموت تندبنى * وفى حياتي ما زودتني
زادي فقال عثمان: تستقبلي بمثل هذا يا زبير فقال ما كنت احب أن يموت مثل هذا من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو عليك ساخط. وأخرج الشيخ الطوسى في (أماليه)
باسناده عن لوط بن يحي قال: حدثنى عبد الرحمن بن جندب قال: لما بويع عثمان سمعت
المقداد بن الأسود الكندى يقول لعبد الرحمن بن عوف والله يا عبد الرحمن ما رأيت مثل
ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم: فقال له عبد الرحمن وما أنت وذاك يا مقداد ؟
قال والله إنى لاحبهم لحب رسول الله صلى الله عليه وآله إياهم ويعترينى وجد لا أبثه
لشرف قريش على الناس بشرفهم واجتماعهم على نزع سلطان رسول الله من أيديهم، فقال له
عبد الرحمن ويحك والله لقد أجهدت نفسي لكم. فقال له المقداد والله لقد تركت رجلا من
الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون، أما والله لو أن لى على قريش أعوانا لقاتلتهم قتالي
إياهم يوم بدر وأحد فقال له عبد الرحمن ثكلتك أمك يا مقداد لا يسمعن هذا الكلام منك
الناس أما والله إنى لخائف أن تكون صاحب فرقة وفتنة قال جندب فاتيته بعد ما انصرف
من مقامه فقلت يا مقداد أنا من أعوانك فقال رحمك الله أن الذى نريد لا يغنى فيه
الرجلان والثلاث فخرجت من عنده وأتيت على بن أبى طالب " ع " فذكرت له ما قال وقلت
فدعى لنا بخير. (وروى) عن الشعبى قال لما بايع عبد الرحمن بن عوف عثمان بن عفان
لقيه المقداد من الغد فأخذ بيده وقال إن كنت أردت بما صنعت وجه الله فاثابك الله
ثواب الدنيا والآخرة، وإن كنت إنما أردت الدنيا فأكثر الله مالك فقال عبد الرحمن
اسمع رحمك الله إسمع ؟ قال لا أسمع وجذب يده ومضى حتى دخل
________________________________________
[ 225
]
على علي
فقال قم فقاتل حتى نقاتل معك، قال على " ع " فيمن نقاتل رحمك الله. (وروى) مسلم في
المجلد الثالث من صحيحه عن همام بن الحارث ان رجلا جعل يمدح عثمان فعمد المقداد
وجثا على ركبتيه وكان رجلا ضخما " فجعل يحثو في وجهه الحصى فقال عثمان ما شأنك ؟
قال ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال إذا رأيتم للداحين فاحثوا في وجوههم
التراب، هذا لفظ الحديث. قال صاحب (الطرائف) في هذا الحديث عدة طرائف. فمن طرائفه
ان الصحابة قد كان يمدح بعضهم بعضا " وما نقل أحد منهم انه حثا في وجه المادحين
التراب فلولا ان عثمان بلغ إلى حال من النقص لم يبلغ إليه أحد من الصحابة لم يحث
التراب في وجه مادحه. ومن طرائفه: ان المقداد ممن أجمع المسلمون على صلاحه وصواب ما
يعمله. ومن طرائفه ان عثمان لما كان عالما ان هذا لا يعمل مع أحد قال للمقداد ما
شأنك. ومن طرائفه ان هذا قد جرى من المقداد وشاع إلى زماننا هذا وما سمعنا ان احدا
" من المسلمين انكر على المقداد ولا خطأه. ومن طرائفه ان هذا يقتضى ان من مدح عثمان
فكذا ينبغى ان يحثى التراب في وجهه اقتداء بالمقداد الذى اجمع المسلمون على صلاحه.
ومات المقداد في سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة في أرضه بالجرف فحمل إلى المدينة ودفن
بالبقيع وكان قد شرب دهن الخروع فمات رحمه الله. (أبو ذر الغفاري رحمه الله) إسمه
جندب بن جنادة على الأصح ابن سفيان بن عبيدة بن ربيعة بن حزام ابن غفار وقيل اسم
أبيه برير بموحدة مصغرا " ومكبرا " أو عشرقة أو عبد الله أو السكن. قال ابن حجر في
التقريب تقدم إسلامه وتأخرت هجرته فلم يشهد بدرا " ومناقبه كثيرة جدا ".
________________________________________
[ 226
]
وقال غيره
أسلم خامس خمسة ثم رجع إلى أرض قومه وقدم بعد الهجرة وكان من أكابر العلماء والزهاد
كبير الشأن كان عطاؤه في السنة أربعمائة دينار وكان لا يدخر شيئا ". أخرج ابن
بابويه رحمه الله في (أماليه) عن أبى بصير قال: قال أبو عبد الله الصادق " ع " لرجل
من أصحابه ألا أخبركم كيف كان سبب إسلام سلمان وأبى ذر (ره) فقال الرجل واخطأ أما
إسلام سلمان فقد علمت فاخبرني كيف كان سبب إسلام أبى ذر، فقال أبو عبد الله الصادق
" ع " إن أبا ذر كان في بطن (مر) يرعى غنما " له إذ جاء ذئب عن يمين غنمه فهش أبو
ذر بعصاه عليه فجاء الذئب عن يسار غنمه فهش أبو ذر بعصاءه عليه ثم قال له والله ما
رأيت ذئبا أخبث منك ولا شرا " فقال الذئب شر والله منى أهل مكة بعث الله إليهم نبيا
" فكذبوه وشتموه فوقع كلام الذئب في اذن أبى ذر فقال لا حته هلمى مزودتى واداوتي
وعصاى ثم خرج يركض حتى دخل مكة فإذا هو بحلقة مجتمعين فجلس إليهم فاذاهم يشتمون
النبي صلى الله عليه وآله ويسبونه كما قال الذئب فقال أبو ذر هذا والله ما أخبرني
به الذئب فما زالت هذه حالتهم حتى إذا كان آخر النهار وأقبل أبو طالب قال بعضهم
لبعض كفوا فقد جاء عمه، فلما دنا منهم أكرموه وعظموه فلم يزل أبو طالب متكلمهم
وخطيبهم إلى أن تفرقوا فلما قام أبو طالب تبعته فالتفت إلى فقال ما حقك فقلت هذا
النبي المبعوث فيكم، قال وما حاجتك إليه ؟ فقال له أبو ذر اؤمن به وأصدقه ولا
يأمرنى بشئ إلا أطعته فقال أبو طالب تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا " رسول
الله. قال فقلت نعم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا " رسول الله قال فقال إذا
كان غدا " في هذه الساعة فأتني، فلما كان من الغد جاء أبو ذر فإذا الحلقة مجتمعون
واذاهم يسبون النبي صلى الله عليه وآله كما قال الذئب فجلس معهم حتى أقبل أبو طالب
فقال بعضهم لبعض كفوا فقد جاء عمه فكفوا فجاء أبو طالب فما زال متكلمهم وخطيبهم إلى
أن قام فلما قام تبعه أبو ذر فالتفت إليه أبو طالب
________________________________________
[ 227
]
فقال ما
حاجتك فقال هذا النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه قال فقال أؤمن به وأصدقه ولا
يأمرنى بشئ إلا أطعته فقال أبو طالب تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا " رسول الله
فقال نعم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا " رسول الله فرفعني إلى بيت فيه جعفر
بن أبى طالب " ع " قال فلما دخلت سلمت فرد على السلام ثم قال ما حاجتك قال فقلت هذا
النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه فقلت اؤمن به وأصدقه ولا يأمرنى بشئ إلا
أطعته قال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا " رسول الله قال قلت أشهد أن لا إله
إلا الله وأن محمدا " رسول الله فرفعني إلى بيت فيه حمزة بن عبد المطلب فلما دخلت
سلمت فرد على السلام ثم قال ما حاجتك فقلت هذا النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك
إليه قلت اؤمن به وأصدقه ولا يأمرنى بشئ إلا أطعته قال تشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا " رسول الله قال قلت نعم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا " رسول الله قال
فرفعني إلى بيت فيه على بن أبى طالب " ع " فلما دخلت سلمت فرد على السلام قال ما
حاجتك قلت النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه فقلت أؤمن به وأصدقه ولا يأمرنى
بشئ إلا أطعته قال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا " رسول الله فقلت نعم أشهد أن
لا إله الا الله وأن محمدا " رسول الله قال فرفعني إلى بيت فيه رسول الله صلى الله
عليه وآله وإذا هو نور في نور فلما دخلت سلمت فرد على السلام قال ما حاجتك قلت هذا
النبي المبعوث فيكم قال وما حاجتك إليه قال فقلت أؤمن به وأصدقه ولا يأمرنى بشئ الا
أطعته قال تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله قلت نعم
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فقال انا رسول الله
يا أبا ذر أنطلق إلى بلادك فانك تجد ابن عم لك قد مات فخذ ماله وكن بها حتى يظهر
أمرى قال أبو ذر فانطلقت إلى بلادي فإذا ابن عم لى قد مات وخلف ما لا كثيرا " في
ذلك الوقت الذى أخبرني فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فاحتويت على ماله فبقيت
ببلادي حتى ظهر أمر رسول الله
________________________________________
[ 228
]
فاتيته وروت
العامة في خبر اسلامه وجها " غير هذا الوجه فروى البخاري باسناده عن أبى حمزة عن
ابن عباس قال لما بلغ ابا ذر مبعث النبي قال لاخيه اركب إلى هذا الوادي فاعلم لى
علم هذا الرجل الذى يزعم انه نبى يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم أئتنى
فانطلق الأخ حتى قدم وسمع قوله صلى الله عليه وآله ثم رجع إلى أبى ذر فقال رأيته
يأمر بمكارم الأخلاق فكلاما ما هو بالشعر فقال ما شفيتني مما أردت فتزود وحمل شنة
له فيها ماء حتى قدم مكة فاتى المسجد فالتمس النبي ولا يعرفه وكره ان يسأل عنه حتى
ادركه بعض الليل اضطجع فرآه على " ع " فعرف انه غريب فلما رآه تبعه فلم يسأل احد
منهما صاحبه عن شئ حتى أصبح ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد فظل ذلك اليوم ولا
يراه النبي صلى الله عليه وآله حتى أمسى فعاد إلى مضجعه فمر به على فقال اما آن
للرجل ان يعلم منزله فاقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ حتى إذا
كان اليوم الثالث قعد على مثل ذلك فاقامه على معه ثم قال ألا تحدثني ما الذى أقدمك
قال ان اعطيتني عهدا وميثاقا لترشدنني فعلت ففعل فاخبره قال فانه حق وهو رسول الله
فإذا أصبحت فاتبعني فانى ان رأيت شيئا " اخاف عليك قمت كأنى اريق الماء فان مضيت
فاتبعني حتى تدخل مدخلى ففعل فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وآله
فقال له ارجع إلى قومك فاخبرهم حتى يأتيك أمرى قال والذى نفسي بيده لاصرخن بها بين
ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى باعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له وأن محمدا " رسول الله ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه (أوجعوه) واتى
العباس فاكب عليه ثم قال ويلكم الستم تعلمون انه من غفار وان طريق تجارتكم إلى
الشام عليهم فانقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه فاكب العباس
عليه. وروى مسلم باسناده عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر خرجنا من قومنا
غفار وكانوا يحلون الشهر الحرام فخرجت انا وأخى أنيس وامنا
________________________________________
[ 229
]
فنزلنا على
خال لنا فأكرمنا خالنا وأحسن الينا فحسدنا قومه فقالوا انك إذا خرجت عن أهلك خالفه
إليهم أنيس فجاء خالنا فثنى علينا الذى قيل له فقلت اماما مضى من معروفك فقد كدرته
ولا أجتماع لنا فيما بعد فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها وتغطى خالنا بثوبه فجعل يبكى
فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها وأتينا الكاهن فخير
أنيسا " واتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها قال وقد صليت يابن أخى قبل أن القى رسول
الله صلى الله عليه وآله بثلاث سنين قلت لمن قال لله قلت فاين توجه قال أتوجه حيث
يوجهني ربى أصلى عشاء حتى إذا كان آخر الليل القيت كأنى خفاء حتى تعلونى الشمس فقال
أنيس ان لى حاجة بمكة فاكفني فانطلق أنيس حتى اتى مكة فرآه على ثم جاء فقلت ما صنعت
قال لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم ان الله أرسله قلت فما يقول الناس قال يقولون
شاعر كاهن ساحر وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم
والله لقد وضعت قوله على اقراء الشعر فما يلتثم على لسان أحد بعدى انه شعر والله
انه لصادق وانهم لكاذبون قال قلت فاكفني حتى أذهب فانظر قال فأتيت مكة فتضعفت رجلا
فقلت اين هذا الرجل الذى يدعونه الصبائى فاشار إلى فقال الصبائى الصبائى فمال على
أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا " على قال فارتفعت حين ارتفعت كأنى نصب
أحمر (1) قال فاتيت زمزم فغسلت عنى الدماء وشربت من مائها ولقد لبثت يا بن أخى
ثلاثين بين ليلة ويوم وما كان لى طعام إلا زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت
على كبدي سخفة جوع قال فبينما أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب على اسمختهم (2)
أي فما يطوف بالبيت احد وامرأتان منهم تدعوان اسافا ونائلة قال فاتتا على في
طوافهما فقلت انكحا احدهما الاخرى قال فما تناهتا عن قولهما قال فاتتا على فقلت هن
مثل الخشبة غير انى لا اكن فانطلقتا تولولان وتقولان لو كان
________________________________________
(1) وفى
نسخة: نصيب أحمش (2) وفى نسخة: صمختهم. (*)
________________________________________
[ 230
]
هاهنا احد
من انفارنا قال فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو بكر وهما هابطان قال
مالكما قالت الصابى بين الكعبة واستارها قال فما قال لكما قالتا انه قال لنا كلمة
تملأ الفم وجاء رسول الله حتى أستلم الحجر وطاف بالبيت هو وصاحبه ثم صلى فلما قضى
صلاته قال أبو ذر فكنت أول من حياه بتحية الأسلام قال فقلت السلام عليك يارسول الله
فقال وعليك ورحمة الله ثم قال من أنت قلت من غفار قال فاهوى بيده ووضع أصابعه على
جبهته فقلت في نفسي كره أنى انتميت إلى غفار فذهبت آخد بيده فدفعني صاحبه وكان أعلم
به منى ثم رفع رأسه فقال متى كنت هاهنا قال قلت قد كنت هاهنا من ثلاثين ليلة ويوم
قال فمن كان يطعمك قال قلت ما كان لى طعام إلا ماء زمزم حتى تكسرت عكن بطني وما اجد
على كبدي سخفة جوع قال انها مباركة انها طعام طعم فقال أبو بكر يا رسول الله إيذن
لى في اطعامه الليلة فانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو بكر وانطلقت معهما
ففتح أبو بكر بابا " فجعل يقبض لنا زبيب الطائف وكان ذلك أول طعام اكلته بها ثم
عثرت ما عثرت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال انه قد وجهت لى أرض ذات
نحل لا اراها الا يثرب فهل أنت مبلغ عنى قومك عسى الله ان ينفعهم بك ويأجرك فيهم
فاتيت أنيسا " فقال ما صنعت قلت ما صنعت فأنى قد اسلمت وصدقت قال ما بى رغبة عن
دينك فانى قد أسلمت وصدقت فاتينا امنا فقالت ما بى رغبة عن دينكما فانى قد اسلمت
وصدقت فاحتملنا حتى اتينا قومنا غفارا " فاسلم نصفهم وكان يؤمهم إيماء بن رحضة وكان
سيدهم وقال نصفهم إذا قدم رسول الله المدينة اسلمنا فقدم رسول الله فاسلم نصفهم
الباقي وجاءت اسلم فقالوا يا رسول الله إخواننا نسلم على الذى أسلموا عليه فاسلموا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله غفار غفر الله لها، واسلم سالمها الله. قال
المؤلف كان أبو ذر (ره) من اعاظم الصحابة وكبرائهم الذين وفوا بما عاهدوا الله عليه
وهو أحد الاركان الأربعة وكفاه شرفا " ما رواه في وصيته
________________________________________
[ 231
]
المشهورة
التى أوصاه بها رسول الله حين قال له يارسول الله بابى أنت وأمى أوصني بوصية ينفعني
الله بها فقال نعم واكرم بك يا اباذر انك منا أهل البيت وانى موصيك بوصية فاحفظها
فانها جامعة لطرق الخير وسبله فانك ان حفظتها كان ذلك بها كفيلا ثم ذكر الوصية
ولولا طولها وما اشترطنا على أنفسنا من الاختصار في هذا الكتاب لأوردناها. (روى) عن
النبي من اراد ان ينظر إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى زهد ابى ذر. وأخرج أبو نعيم
في حلية الأولياء عن زيد بن وهب وأبو علي المحمودى المروزى في اماليه انه قال صلى
الله عليه وآله ما أظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء على ذى لهجة اصدق من ابى ذر، وفى
رواية الترمذي اصدق وأوفى من ابى ذر شبيه عيسى بن مريم ثم قال عمر بن الخطاب
كالحاسد يا رسول الله افنعرف ذلك له فقال نعم فاعرفوه، وفى رواية المحمودى يعيش
وحده ويموت وحده ويبعث وحده ويدخل الجنة وحده. (وروى) عن الامام الحسن بن على
العسكري " ع " قال حدثنى أبى عن أبيه عن آبائه " ع " ان رسول الله صلى الله عليه
وآله كان من خيار أصحابه عنده أبو ذر الغفاري فجاء ذات يوم فقال يا رسول الله ان لى
غنيمات قدر ستين شاة اكره ان ابدوا فيها وافارق حضرتك وخدمتك واكره ان اكلها إلى
راع فيظلمها ويسئ رعايتها فكيف أصنع فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ابد فيها
فبدا فيها فلما كان اليوم السابع جاء إلى رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله يا اباذر فقال لبيك يا رسول الله قال ما فعلت غنيماتك قال يا رسول الله لها
قصة عجيبة فقال ما هي قال يا رسول الله بينما انا في صلاتي إذ عدا الذئب على غنمي
فقلت يا رب غنمي فاخطر الشيطان ببالى يا ابا ذر ان عدا الذئب على غنمك وأنت تصلى
فاهلكها ما يبقى لك في الدنيا ما تعيش به فقلت للشيطان يبقى وجه الله والايمان
بمحمد رسول الله صلى الله عليه وآله
________________________________________
[ 232
]
وموالاة
أخيه سيد الخلق بعده على بن أبى طالب وموالاة الأئمة الطاهرين من ولده ومعاداة
اعدائهم وكلما فات من الدنيا بعد ذلك فجلل وأقبلت على صلاتي فجاء الذئب فاخد حملا
وذهب به أذ أقبل على الذئب أسد فقطعه نصفين واستنقذ الحمل ورده إلى القطيع ثم نادى
يا ابا ذر أقبل على صلاتك فان الله وكلنى بغنمك إلى ان تصلى فاقبلت على صلاتي وقد
غشيني من التعجب ما لا يعلمه إلا الله فجاءني الاسد وقال لى إمض إلى محمد صلى الله
عليه وآله واقرأه عنى السلام فاخبره ان الله قد اكرم صاحبك الحافظ لشريعتك ووكل
اسدا " بغنمه يحفظها فعجب من قوله رسول الله. وحدث ابن جريج عن عطاء بن ابى رباح عن
عبيدة بن عمير الليثى عن ابى ذر قال: دخلت على رسول الله المسجد وهو جالس وحده
فاعتنمت وحدته فقال يا اباذر ان للمسجد نحية قلت يا رسول لله وما تحيته قال ركتعان
فركعتهما ثم التفتت إليه فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله أنت أمرتنى بالصلاة
فما الصلاة قال صلى الله عليه وآله خير موضوع فمن شاء اقل ومن شاء اكثر قلت يا رسول
الله أي الاعمال أحب إلى الله تعالى قال الايمان بالله ثم الجهاد في سبيل الله
تعالى قلت يا رسول الله أي المؤمنين اكمل ايمانا " قال احسنهم خلقا " قلت يا رسول
الله فاى المسلمين أفضل قال من سلم المسلمون من لسانه ويده قلت فاى الهجرة أفضل قال
من هجر السوء قلت فأى الليل أفضل قال جوف الليل الغابر قلت فأى الصلاة أفضل قال طول
القنوت قلت فأى الصدقة أفضل قال جهد من مقل إلى فقير في سر قلت فما الصوم قال فرض
مجزئ وعند الله اضعاف كثيرة قلت أي الرقاب أفضل قال أغلاها ثمنا " وأنفسها عند
أهلها قلت فأى الجهاد أفضل قال من عقر جواده واهريق دمه قلت أي آية أنزلها الله
عليك أعظم قال آية الكرسي ثم قال يا ابا ذر ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة
ملقاة بارض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة قلت يارسول الله
كم النبيون قال مائة الف وأربعة وعشرون الف نبى قلت يا رسول الله كم المرسلون قال
ثلاثمائة وثلاثة عشر جم
________________________________________
[ 233
]
الغفير قلت
من كان أول الأنبياء قال آدم قلت وكأن من الأنبياء مرسلا قال مكملا خلقه الله بيده
ونفخ فيه من روحه ثم قال يا اباذر أربعة من الانبياء سريانيون آدم " ع " وشيث
وأدريس " ع " وهو أول من خط بالقلم ونوح وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك
محمد صلى الله عليه وعليهم وأول الأنبياء آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وآله وأول
نبى من أنبياء بنى أسرائيل موسى " ع " وآخرهم عيسى وبينهما الف نبى قلت يا رسول
الله كم أنزل الله من كتاب قال مائة كتاب وأربعة كتب أنزل الله على شيث خمسين صيحفة
وعلى أدريس ثلاثين صحيفة وعلى أبراهيم عشرين صحيفة وأنزل التوراة والأنجيل والزبور
والفرقان قلت يارسول الله فما كانت صحف أبراهيم قال أمثال كلها، أيها الملك المبتلى
المغرور لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكن بعثتك لتردعني دعوة المظلوم فانى
لا أردها ولو كانت من كافر، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا " ان يكون له ثلاث ساعات
ساعة يناجى فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه ويتفكر فيها صنع ربه وساعة يخلو فيها
لحاجته من الحلال فان في هذه الساعة عونا " لتلك الساعات وأستجماما " للقلوب
وتفريغا " لها، وعلى العاقل أن يكون بصيرا " بزمانه مقبلا على شأنه حافظا " للسانه
فان من حسب كلامه من عمله أقل الكلام إلا فيما يعنيه. وعلى العاقل أن يكون طالبا "
لثلاث مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو تلذذ في غير محرم، قلت يا رسول الله فما كانت
صحف موسى قال صلى الله عليه وآله كانت عبرا كلها عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح
ولمن أيقن بالنار كيف (1) يضحك ولمن يرى الدنيا وتقلبها باهلها ثم يطمئن إليها ولمن
أيقن بالقدر ثم بنصب ولمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل قلت يا رسول الله هل لك في
الدنيا مما أنزل الله عليك شئ مما كان في صحف أبراهيم وموسى قال يا اباذر تقرأ: (قد
أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ان هذا لفى الصحف الأولى صحف أبراهيم وموسى) قلت يا
رسول الله أوصني قال أوصيك بتقوى الله فانه زين لأمرك كله
________________________________________
(1) وفى
نسخة (ثم) (*)
________________________________________
[ 234
]
قلت يا رسول
الله زدنى قال عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فانه ذكر لك في السماء ونور لك في
الأرض قلت زدنى قال عليك بطول الصمت فانه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك قلت
زدنى قال إياك وكثرة الضحك فانه يميت القلب ويذهب بنور الوجه قلت زدنى قال أحب
المساكين ومجالستهم قلت زدنى قال لا تخف في الله لومة لائم قلت زدنى قال ليحجرك عن
الناس ما تعلم من نفسك ولا تجد عليهم فيما يأتي ثم قال كفى بالمرء عيبا " ان يكون
فيه ثلاث خصال ان يعرف من الناس ما يجهل عن نفسه ويستحى لهم مهما هو فيه ويؤذى
جليسه فيما لا يعنيه ثم قال يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن
الخلق. قال المؤلف وإنما أوردنا هذا الحديث على طوله لما فيه من أنواع الحكم وفوائد
العلم والآنباء عن الامور الخالية والأخبار عن الأيام الماضية وفيه أعتبار لأولى
الأبصار والعقول وتنبيه لذوى التمييز والفهوم. وفى معالم التنزيل لما خرج رسول الله
صلى الله عليه وآله إلى تبوك وقطع وادى القرى ومضى سائرا جعل يتخلف عنه الرجل فيقول
دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد ارى حكم الله منه حتى قيل
يا رسول الله قد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره فقال دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله
بكم وان يك غير ذلك فقد أرى حكم الله منه وتلوم أبو ذر على بعيره فلما ابطأ أخذ
متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وآله ما شيا ونزل
رسول الله في بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله هذا رجل يمشى في
الطريق وحده فقال صلى الله عليه وآله كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا يا رسول
الله هو أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله رحم الله ابا ذر يمشى وحده ويموت
وحده ويبعث وحده. وأخرج الكشى في رجاله عن أبى على المحمودى المروزى رفعه فقال أبو
ذر الذى قال رسول الله صلى الله عليه وآله في شأنه ما أظلت الخضراء ولا أقلت
الغبراء على
________________________________________
[ 235
]
ذى لهجة
أصدق من أبى ذر يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده ويدخل الجنة وحده وهو الهاتف
بفضائل أمير المؤمنين ووصى رسول الله صلى الله عليه وآله واستخلافه اياه فنفاه
القوم عن حرم الله وحرم رسوله بعد حملهم اياه من الشام على قتب بلا وطاء وهو يصيح
فيهم قد خاب القطار يحمل إلى النار سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إذا بلغ
بنو أبى العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا
فقتلوه فقرا " وجوعا " وضرا " وصبرا ". وعن أبى خديجة الجمال عن أبى عبد الله " ع "
قال دخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه جبرئيل " ع " فقال جبرئيل من
هذا يا رسول الله قال صلى الله عليه وآله أبو ذر قال اما انه في السماء اعرف منه في
الارض، وسأله عن كلمات يقولهن إذا أصبح قال فقال يا أبا ذر كلمات تقولهن إذا أصبحت
فماهن قال أقول يا رسول الله اللهم انى أسألك الأيمان بك والتصديق بنبيك والعافية
من جميع البلاء والشكر على العافية والغنى عن الناس. وعن موسى بن بكير قال: قال أبو
الحسن " ع " قال أبو ذر من جزى الله عنه الدنيا خيرا " فجزاها الله عنى مذمة بعد
رغيفي شعير أتغذى باحدهما واتعشى بالآخر وبعد شملتي صوف أنزر باحدهما وارتدى
بالاخرى. (قال) وقال ان اباذر بكى من خشية الله حتى أشتكى عينيه فخافوا عليهما فقيل
له يا أبا ذر لو دعوت الله في عينيك فقال انى عنهما لمشغول وما عناني اكثر فقيل له
وما شغلك عنهما قال العظيمتان الجنة والنار. (قال) وقيل له عند الموت يا اباذر مالك
قال عملي قالوا نسألك عن الذهب والفضة قال ما أصبح فلا أمسى ولا أمسى فلا أصبح لنا
كندوج فيه حرمتا عنا سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول كندوج المرء
قبره. قال المؤلف الكندوج بفتح الكاف وسكون النون وضم الدال المهملة وبعد الواو جيم
شبه المخزن لفظ معرب.
________________________________________
[ 236
]
وأخرج ابن
بابويه في معاني الأخبار عن أنس بن مالك قال حدثنا أبو عبد الله عبد السلام بن محمد
بن هارون الهاشمي قال حدثنا محمد بن عقبة الشيباني قال حدثنا أبو القسم الخضر بن
ابان عن ابى هدية إبراهيم بن هدية البصري عن أنس بن مالك قال اتى أبو ذر يوما إلى
مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ما رأيت كما رأيت البارحة قالوا وما رأيت
البارحة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله ببابه فخرج ليلا وأخذ بيد على بن
أبى طالب " ع " وخرجنا إلى البقيع فما زلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكة فعدل
إلى قبر أبيه فصلى عنده ركعتين فإذا بالقبر قد أنشق وإذا بعبد الله جالس وهو يقول
انا أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا " عبده ورسوله فقال له من وليك يا ابة فقال
وما الولى يا بنى فقال هو هذا على فقال ان عليا " وليى قال فارجع إلى روضتك ثم عدل
إلى قبر أمه آمنة فصنع كما صنع عند قبر أبيه فإذا بالقبر قد أنشق فإذا هي تقول أشهد
أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها من وليك يا اماه
فقالت وما الولاية يا بنى قال هو هذا على بن أبى طالب. فقالت ان عليا " ولى فقال
أرجعي إلى حضرتك وروضتك فكذبوه ولببوه وقالوا يا رسول الله كذب عليك اليوم فقال وما
كان من ذلك قالوا ان جندب حكى عنك كيت وكيت فقال النبي صلى الله عليه وآله ما أظلت
الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذى لهجة أصدق من ابى ذر قال عبد السلام بن محمد فعرضت
هذا الخبر على الجهنى محمد بن عبد الأعلى فقال علمت ان النبي صلى الله عليه وآله
قال اتانى جبرئيل فقال ان الله عزوجل حرم النار على ظهر انزلك وبطن حملك وثدى أرضعك
وحجر كفلك. وأخرج عن إسماعيل الفراء عن رجل قال قلت لابي عبد الله " ع " اليس قال
رسول الله في أبى ذر: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذى لهجة أصدق من أبى ذر
قال بلى قال قلت فاين رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين وأبنيه الحسن
والحسين " ع " قال: فقال كم السنة شهرا " قال قلت أثنا عشر شهرا " قال: كم
________________________________________
[ 237
]
منها حرم
قال قلت أربعة أشهر قال أشهر رمضان منها قال قلت لا قال إن في شهر رمضان ليلة أفضل
من الف شهر إنا أهل بيت لا يقاس بنا أحد. وأخرج أبو بكر أحمد بن عبد العزيز عن ابى
لهيعة أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وأبو ذر غائب فقدم وقد ولى أبو بكر فقال
أصبتم قناعة وتركتم قرابة لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما أختلف عليكم
أثنان. وأخرج الشيخ الطبرسي في الأحتجاج عن ابان بن تغلب عن الصادق جعر بن محمد " ع
" ان ابا ذر قام يوم ولى أبو بكر فقال يا معاشر قريش أصبتم قناعة وتركتم قرابة
والله لترتدن جماعة من العرب ولتشكن في هذا الدين ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيكم
ما أختلف عليكم سيفان والله لقد صارت لمن غلب والتطحن إليها عين من ليس من أهلها
ولتسفكن في طلبها دماء كثيرة فكان كما قال أبو ذر ثم قال لقد علمتم وعلم خياركم أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال الأمر بعدى لعلى ثم لأبنى الحسن والحسين ثم
للطاهرين من ذريتي، فاطرحتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد به اليكم فاطعتم الدنيا
الفانية وشربتم الآخرة الباقية التى لا يهرم شبابها ولا يزول نعيمها ولا يحزن اهلها
ولا يموت سكانها بالحقير التافه الفاني الزائل وكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد
انبيائها ونكصت على أعقابها وغيرت وبدلت واختلفت فساويتموهم حذو النعل بالنعل
والقذة بالقذة وعما قليل تذوقون وبال امركم وتجزون بما قدمت ايديكم وما الله بظلام
للعبيد. (وروى) الثعلبي في تفسيره من عدة طرق فمنها ما رفعه إلى عباية بن ربعى قال
بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله
إذ أقبل ارجل معتم بعمامة فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله
الا وقال الرجل قال رسول الله فقال ابن عباس سألتك بالله من أنت فكشف العمامة عن
وجهه فقال يا ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا جندب بن جنادة
البدرى أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله بهاتين وإلا فصمتا ورأيته
________________________________________
[ 238
]
بهاتين وإلا
فعميتا يقول: على قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله اما انى
صليت مع رسول الله يوما " من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد
شيئا " وكان على " ع " راكعا " فاومى إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فاقبل
إليه السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وآله فلما
فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم ان موسى سألك وقال (ربى أشرح لى صدري
ويسر لى أمرى وأحلل عقدة من لساني يفقهو قولى وأجعل لى وزيرا " من أهلى هارون أخى
أشدد به أزرى وأشركه في أمرى) فانزلت قرآنا " ناطقا " سنشد عضدك باخيك ونجعل لكما
سلطانا " فلا يصلون اليكما باياتنا اللهم وانا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لى صدري
ويسر لى أمرى وأجعل لى وزيرا " من أهلى عليا " أشدد به ظهرى قال أبو ذر فما أستتم
رسول الله الكلمة حتى نزل عليه جبرئيل من عند الله فقال يا محمد اقرأ ؟ قال وما
أقرأ قال: (إنما وليكم الله ورسوله والذى آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة
وهم راكعون). قال روى أبو بكر أحمد بن موسى بن مردوية في كتاب المناقب وهو من
مخالفى أهل البيت باسناده إلى عبد الله بن الصامت عن ابى ذر قال دخلنا على رسول
الله صلى الله عليه وآله فقلت من أحب أصحابك اليك فان كان أمر كنا معه وان كانت
نائبة كنا من دونه قال هذا على أقدمكم سلما واسلاما ". وروى أبو بكر بن مردويه في
كتابه المشار إليه أيضا " باسناده إلى داود ابن ابى عوف قال حدثنى معاوية بن ابى
ثعلبة الحنففى قال الا أحدثك بحديث لم يخلط قلت بلى قال مرض أبو ذر فأوصى إلى على "
ع " فقال بعض من يعوده لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عمر كان أجمل لوصيتك من على، قال
والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين " ع " والله انه لمرتع الارض تسكن إليه ولو قد
فارقكم لقد انكرتم الناس وانكرتم الأرض قال: قلت يا اباذر انا لنعلم ان أحبهم
________________________________________
[ 239
]
إلى رسول
الله احبهم اليك قال أجل قلت فايهم أحب اليك قال هذا الشيخ المضطهد حقه يعنى على بن
أبى طالب " ع ". وأخرج الكشى عن حذيفه بن أسيد قال سمعت ابا ذر يقول وهو متعلق
بحلقة باب الكعبة انا جندب لمن عرفني وانا أبو ذر لمن لم يعرفني انى سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله وهو يقول من قاتلني في الأولى والثانية فهو في الثالثة من شيعة
الدجال انما مثل أهل بيتى في هذه الأمة مثل سفينة نوح في لجة البحر من ركبها نجا
ومن تخلف عنها غرق ألا هل بلغت. وعن عبد الملك بن ابى ذر الغفاري قال بعثنى أمير
المؤمنين " ع " يوم مزق عثمان المصاحف فقال ادع اباك فجاء إليه ابى مسرعا " فقال يا
أبا ذر اتى اليوم في الاسلام امر عظيم مزق كتاب الله ووضع فيه الحديد وحق على الله
ان يسلط الحديد على من مزق كتابه بالحديد قال فقال أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله
عليه وآله يقول أهل الجبرية من بعد موسى قاتلوا أهل النبوة فظهروا عليهم فقتلوهم
زمانا " طويلا ثم ان الله بعث فتنة فهاجروا إلى غير ابائهم فقاتلهم فقتلوه وأنت
بمنزلتهم يا على فقال على " ع " قتلتنى يا ابا ذر فقال أبو ذر لقد علمت انه سيبدأ
بك. وعن ابى سخيلة قال حججت انا وسلمان بن ربيعة فمررنا بالربذة قال فاتيت اباذر
فسلمنا عليه فقال ان كانت بعدى فتنة وهى كائنة فعليكم بكتاب الله والشيخ على بن ابى
طالب " ع " فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: على أول من آمن بى
وصدقني وهو أول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الاكبر وهو الفاروق بعدى يفرق
بين الحق والباطل وهو يعسوب الدين، والمال يعسوب الظلمة. وروى عن أبى جعفر " ع "
قال قام أبو ذر (رض) بباب الكعبة فقال انا جندب بن جنادة الغفاري هلموا إلى أخ ناصح
شفيق فاكتنفه الناس فقالوا قد روعتنا فانصح لنا فقال ان أحدكم إذا اراد سفرا " لأعد
له من الزاد ما يصلحه
________________________________________
(Dokumen-ABNS)
Posting Komentar