تهذيب المقال
السيد محمد على الأبطحى ج 1
***********************
[ 1
]
تهذيب المقال الجزء الأول
________________________________________
[ 2 ]
الطبعة الاولى النجف الأشرف 1389 ه ق الطبعة الثانية - مصححة قم
المقدسة 1417 ه ق جميع حقوق التأليف والطبع محفوظة للمؤلف
________________________________________
[ 3 ]
الناشر: ابن المؤلف السيد محمد / قم المقدسة) 733889 تهذيب المقال في
تنقيح كتاب الرجال للشيخ الجليل أبي العباس أحمد بن علي النجاشي تأليف العلامة
الفقيه آية الله العظمى السيد محمد علي الموحد الابطحي (مد ظله) الجزء الأول
________________________________________
[ 5 ]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي الحمد لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطاهرين المعصومين. أما بعد
فإن معرفة أحوال الرواة التي يتكفل لبيانها علم الرجال، مما يجب على كل فقيه مجتهد
تحصيلها، ولا يسوغ له تركها وإهمالها. فإن السنة المروية عن النبي الأكرم (صلى الله
عليه وآله وسلم) وعن الأئمة الطاهرين من أهل بيته: التي بها فسر القرآن الكريم،
وأخرجت كنوزه، وبها يعرف تفصيل شرائع الدين ومعالمه وأحكامه، قد انتهت إلينا بوسائط
في رواتها الثقات ومن يجوز الإعتماد على روايته وغيرهم. وللرواة اصول ومصنفات ربما
يوجد فيها ما لا يجوز الأخذ به، فعلى الفقيه المجتهد تمييز غثها من سمينها بالنظر
في أحوال الرواة، وطبقاتهم، واصولهم ومصنفاتهم، فيعرف مأثورها ومفتعلها كي يأخذ
برواية الثقة العارف الضابط، ويترك ما رواه الكذاب أو من لا يعرف، أو لا يبالي
بالحديث. ولذلك تصدى جمع من الأسبقين من رواتنا من أصحاب الصادقين (عليه السلام)،
ومن بعدهما من الأئمة الطاهرين:، لضبط أسماء الرواة وأحوالهم وطبقاتهم وآرائهم
واصولهم ومصنفاتهم، وما ورد عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) في مدحهم أو ذمهم،
مثل الحسن بن محبوب السراد وبني فضال ومحمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ومحمد بن
أورمة وأضرابهم من أجلة أصحابنا رضوان الله عليهم، كما
________________________________________
[ 6 ]
ستقف على ذلك في هذا الكتاب. ثم إنه على أثر هؤلاء جماعة من أعاظم
أصحابنا جاهدوا وأجهدوا أنفسهم جزاهم الله عنا وعن المسلمين أحسن الجزاء بجمع ما
تفرق في هذه الكتب، واستقصاء ما فات منهم وتبويبها ونظمها، فألفوا في ذلك كتبا
مطولة ضخمة، بل خصوا لكل جهة كتابا. وذلك بتأليف كتب في أسماء الرواة وأحوالهم
وأخبارهم، مثل كتاب عبد العزيز بن يحيى الجلودي والعياشي صاحب كتاب معرفة الناقلين،
وكتاب الاشتمال على معرفة أحوال الرجال لأحمد بن عبيدالله الجوهري، وغير ذلك. وكتب
في مناقب رواة الحديث ومثالبهم، وما ورد فيهم من المدح أو الذم، مثل كتاب سعد بن
عبد الله الأشعري القمي المتوفى سنة 299 أو قريب من ذلك، وأحمد بن محمد الكوفي،
ومحمد بن الحسن بن الوليد، والصدوق وغيرهم. وكتب في طبقات الرواة من صحابة النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحاب الأئمة (عليهم السلام)، مثل كتب ابن شاذان
والعياشي والصدوق (رحمه الله)، وأبي غالب الزراري وأبي العباس ابن نوح وأبي العباس
بن عقدة الذي أنهى أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) إلى أربعة آلاف، وذكر
في ترجمة كل واحد رواية له، وغير هؤلاء ممن يطول ذكرهم. وكتب في مصنفات أصحابنا
واصولهم ورواياتهم مثل كتب أبي نصر بن الريان، وأحمد بن محمد بن عمران الجندي،
وأحمد بن عبد الواحد، وجعفر بن محمد بن قولويه. وفيهم من استوفي جميع المصنفات
والاصول: مثل أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري (رحمه الله)، فقد عمل كتابين:
أحدهما في المصنفات والآخر في الاصول، واستوفي فيهما على مبلغ ما وجده، وغير هؤلاء
ممن صنف في فهرست كتب أصحابنا واصولهم كتابا.
________________________________________
[ 7 ]
وقد كان شيخ الإمامية وزعيمها في عصره الشيخ المفيد (رحمه الله) يكرر
الرغبة في تأليف كتاب يشتمل على الاصول والمصنفات جميعها، ويحث عليه كثيرا، ويطلب
من الشيخ الطوسي ذلك. ولذلك عمل كتاب الفهرست إجابة لطلبه وأداءا لحقه، كما نبه
عليه في ديباجته، إلا أنه (رحمه الله) لم يبلغ ما قصده من الإستقصاء، وإن سعى في
ذلك واعتذر بعدم الوصول إلى الكتب والمصنفات لإنتشار الأصحاب في البلدان وتفرق
كتبهم وضياع بعضها. ولذلك ترى كتاب النجاشي يشتمل على كتب جماعة كثيرة ممن لم
يذكرهم في الفهرست، أو ذكرهم بغير هذه الكتب. ثم إن هذه الكتب القيمة الثمينة التي
صنفها رواة أصحابنا ومشايخهم من أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، أو من قارب عصرهم على
اختلاف مناهل هؤلاء ومشاربهم كما أشرنا إليه، تعرض كثيرها للضياع وذلك لحوادث وفتن،
وحروب عبرت تلك القرون، مع قلة في نسخ تلك الكتب أو وحدتها، وفيها كتب ضخمة كبيرة
جدا، وفيها ما كانت أكثر من ألفين ورقة، وما كانت تعادل حمل بعير. وتقف على ذكر
بعضها في هذا الكتاب. فلم يبق في أيدينا إلا بعض ما صنفه المقاربون لعصرهم مثل رجال
البرقي وأبي عمرو الكشي واختصاص المفيد وغير ذلك، وكتب من تأخر كالشيخ الطوسي (رحمه
الله). وعند ذلك واجه أصحابنا تعيير قوم من مخالفينا (أنه لا سلف لكم ولا مصنف)،
كما نص عليه النجاشي (رحمه الله) في الديباجة، فرغبه السيد الشريف رحمه الله في
دفعه وتأليف كتاب في ذلك، فألف النجاشي (رحمه الله) كتابه هذا إتماما للحجة، وأبلغ
غاية جهده في استقصاء الكتب. ولكن لم يستطع من ذلك معتذرا بقوله: وقد جمعت من ذلك
ما استطعته، ولم أبلغ غايته، لعدم أكثر الكتب، وإنما ذكرت ذلك عذرا إلى من وقع إليه
كتاب لم أذكره....
________________________________________
[ 8 ]
وإن هذه الكتب وإن كان قد جمع فيها كثير مما تفرق في اصول من تقدم عليهم
من أكابر الرواة ومصنفاتهم، لكنها لا تستوعب لأسماء المصنفين، ولا أسماء الرواة،
ولا ذكر أحوالهم وطبقاتهم، ولا الأخبار الواردة فيهم ولم يستقص فيها البحث عن جميع
جوانبها. وليس ما أطال المتأخرون قدس سرهم بذكره من الأسماء، إستقصاءا لمن وقع في
أسانيد ما بأيدينا من الأخبار، ولا استيعابا لما ورد من المدح أو الذم في الرواة من
طريق الأئمة (عليهم السلام)، ولا إستيفاءا لطبقة الرواة، ولا جامعا للأصول
والمصنفات والطرق والمشيخات، ولا تعرض فيها لنقد هذه الطرق والمشيخات إلا إشارة في
بعضها. ولذا ترى كثيرا من رجال أسانيد ما بأيدينا من الأخبار غير مذكورين في كتب
أصحابنا الرجالية. وأيضا لا يوجد لكثير من المذكورين فيها ذكر طبقتهم أو أحوالهم مع
وضوح ذلك بعد التأمل في أسانيد ما بأيدينا من الأخبار، والوقوف على ذلك متعب مجهد.
فدعانا ذلك كله إلى تصنيف كتاب جامع لأسماء الرواة المذكورين في الروايات وكتب
الأقدمين من الأصحاب. وكتاب جامع للأخبار المروية عن الأئمة الأطهار: في مدح الرواة
أو ذمهم. وكتاب حاو لطبقات الرواة من أصحاب النبي والأئمة الأطهار (عليهم السلام).
ولما رأيت أن جمع الطرق والمشيخات ونقدها وتحقيق أحوال أرباب الاصول والمصنفات من
الرواة مما يتيسر لنا بشرح كتاب الفهرست لشيخنا الجليل النجاشي، وهو أجمع وأتقن
كتاب في موضوعه، كما ستقف عليه، شرعت بحول الله وقوته في ذلك بتحقيق كامل في أحوال
المذكورين فيه تصريحا أو
________________________________________
[ 9 ]
تلويحا في ترجمة غيرهم، وهم جماعة كثيرة جدا، وبالأشارة إلى ما ورد فيهم
من الأخبار أو ما نص عليه غير النجاشي من أئمة الرجال، وبجمع المتعارضين من
الأخبار، أو تصريحات أئمة الرجال إن أمكن، أو ترجيح أحدهما إن لم يمكن الجمع،
والتحقيق فيما نص عليه الماتن (رحمه الله) في أحوالهم أو طبقاتهم على ما يساعدنا
المجال، وإيكال تفصيله إلى ما حققناه في هذه الكتب. وجمعت في ذلك بين طرق الماتن
(رحمه الله) إلى الاصول والمصنفات وطرق الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتاب الفهرست
ومشيختي كتاب التهذيب وكتاب الإستبصار وطرق الشيخ الأجل الصدوق (رحمه الله) في
مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه، مع تحقيق كامل في أسانيدها ونقدها، وطرق أخرى وقفنا
عليها في خلال الكتب مما ستقف عليها في هذا الشرح، وفي ذلك فوائد جليلة. وقد أشرنا
إلى ما استدركه الحافظ الشهير ابن شهرآشوب في معالم العلماء تتمة لفهرست الشيخ
الطوسي (رحمه الله)، وهذا ما وفقني الله جل شأنه قديما في هذا الشرح، ولست بمعصوم
من الخطأ والزلل والله الهادي. ولما كان النجاشي (رحمه الله) جعل للأسماء أبوابا
على الحروف ليهون على الملتمس لإسم مخصوص، ولم يلاحظ الترتيب جدا، لا في الأوائل
ولا الثواني ولا الآباء، فلا تقود الطالب إلى بغيته وغايته إلا بتصفح وطول مدة.
فتصدى العلامة القهبائي في مجمع الرجال، بل وغيره لنظم رجال النجاشي على الحروف،
ولكن رأيت أن أتحفظ على الكتاب بصورته، ونيل الطالب إلى قصده وغايته يتيسر بوضع
فهرست دقيق على حسب الحروف مع لحاظ الأوائل ثم الثواني ثم الآباء، وذكر من يستفاد
أحواله في ضمن ترجمة غيره، فجعلت له فهرستا على هذا الترتيب.
________________________________________
[ 10 ]
تمهيد بذكر فوائد الفائدة الاولى في حياة المؤلف النجاشي رحمه الله
نسبه: هو أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن
عبد الله الأسدي النضري بن النجاشي بن غنيم بن أبي السمال سمعان ابن هبيرة الشاعر
بن مساحق بن بجير بن أسامة بن نصر بن قعين بن الحارث ابن تغلبة بن دودان بن أسد بن
خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. هذا كما نص عليه الماتن
(رحمه الله) في ترجمته، وأيضا في ترجمة جده عبد الله على اختلاف يسير، والكلام في
ذلك يأتي إن شاء الله هناك في الشرح. ويشترك نسبا مع النجاشي المؤلف (رحمه الله)
إبراهيم بن أبي بكر السمال كما ذكره في ترجمته (ر 30). كنيته: قد كني (رحمه الله)
في الجزء الثاني من الرجال بأبي الحسين. وبذلك ذكره جماعة ومنهم العلامة (رحمه
الله) في إجازته الكبيرة لبني زهرة، وبأبي العباس أيضا، كما كناه بذلك العلامة
(رحمه الله) في الخلاصة وغيره، ووقع في إجازات الأصحاب كما ذكره المجلسي في إجازات
البحار. والجمع بينهما ممكن، فالكلام في التعيين لا مجال له.
________________________________________
[ 11 ]
مولده: ولد رحمه والله في صفر سنة إثنتين وسبعين وثلاثمائة، ذكره
العلامة (1)، وتبعه من تأخر عنه. قلت: يؤيد كون ولادته في هذه السنة أو ما يقاربها،
أن النجاشي (رحمه الله) كان يحضر مجلس هارون بن موسى التلعكبري المتوفى سنة 385،
ويدخل مع ابنه محمد بن هارون في بيته عندما يقرأ الناس عليه. ذكر ذلك في ترجمته (ر
1187)، وأيضا إدراكه (رحمه الله) ولقائه لكثير من أكابر عصره، كما ستقف عليه إن شاء
الله. وفاته ومدفنه: لم يرد تصريح من قدماء الأمامية (رضوان الله عليهم) حول تحديد
سنة وفاته وتعيين محله وقبره لضياع أكثر كتبهم. وأما أهل السنة فقد أهملوا ذكره في
كتب التراجم والتاريخ، كما أهملوا غيره من وجوه الإمامية وأعلامهم. فهذا الخطيب
البغدادي الذي ألف كتابه الضخم في كل من كان في بغداد من المحدثين أو سمع بها أو
ورد بها لم يذكر النجاشي، مع أنه كان شريكه في السماع عن جماعة من مشايخ الحديث في
بغداد، كما لم يذكر أمثاله من حفاظ الحديث ومشايخه من أعلام الإمامية رحهم الله.
وأما المتأخرون من الإمامية فذكروا تبعا للعلامة (رحمه الله) في الخلاصة أنه توفي
(رحمه الله) بمطيرآباد في جمادى الاولى سنة خمسين وأربعمائة، وفي بعض الكتب
(مصيرآباد) بدل (مطيرآباد). قلت: ويحتمل كونه مصراثا بال فتح والسكون والثاء
المثلثة، قرية من
________________________________________
(1) - خلاصة الأقوال: ص 21. (*)
________________________________________
[ 12 ]
سواد بغداد تحت كلواذي بالفتح ثم السكون والذال المعجمة. وكلواذي طسوج
قرب مدينة السلام بغداد، وناحية قريبة بينها وبين بغداد فرسخ واحد للمنحدر. وينسب
إلى ذلك جماعة من النحاة، كما يظهر ذلك من مراصد الإطلاع (1) ومعجم البلدان (2).
والأظهر ما عليه المشهور ضبطا مطيرآباد. والمطيرة كسفينة قرية بنواحي سرمن رأى،
ذكره في القاموس (3) ومراصد الإطلاع (4) والمعجم (5). وزاد في الثاني كانت أحد
متنزهاتها بنيت في آخر خلافة المأمون، بناها مطير بن فزارة السبعاني وهى مذكورة في
أشعار الخلفاء. وزاد في المعجم: قرية من نواحي سامراء، وكانت من متنزهات بغداد
وسامراء. ثم ذكر كلاما في بنائها وما قيل فيها من الأشعار، فقال ينسب إليها جماعة
من المحدثين وذكرهم، ومنهم محمد بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد الفزار المطيري
المتوفى سنة 463. قلت: ولا يبعد كون وفاة النجاشي (رحمه الله) بعد رجوعه من زيارة
الإمامين (عليهما السلام) بسامراء عند إقامته في تلك القرية البعيدة من الشيعة
ولذلك خفيت آثار قبره الشريف، والله العالم. ثم إن ما ذكره العلامة (رحمه الله) في
تاريخ وفاته ينافي ما ذكره النجاشي في ترجمة محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري (ر
1073): مات (رحمه الله) يوم السبت سادس عشر شهر رمضان سنة ثلاث وستين وأربعمائة
(463)، ودفن في داره.
________________________________________
(1) - مراصد الأطلاع: ج 3 / ص 1176. (2) - معجم البلدان: ج 5 / ص 136،
وج 4 / ص 477. (3) - القاموس المحيط: ج 2 / ص 135. (4) - مراصد الإطلاع: ج 3 / ص
1285. (5) - معجم البلدان: ج 5 / ص 151. (*)
________________________________________
[ 13 ]
وقد تصدى لرفع التنافي المذكور غير واحد من المتأخرين، فمنهم من قال: إن
الصواب سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وقد سهى النساخ في الضبط على ما تقدم. وقد غفل
(رحمه الله) عن منافاة ذلك لما ذكره النجاشي في ترجمة الشريف المرتضى (ر 708)
المتوفى سنة 436، ما لفظه: وتوليت غسله ومعي الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن الجعفري
(رحمه الله) (ر 1073). ولأجل الفرار عن الإشكال المذكور قال بعض من تأخر عنه:
فالصواب سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة قبل وفاة النجاشي (رحمه الله) بسبع أو بثمان
سنين (1). قلت: لزوم تأخر وفاة النجاشي عن وفاة الشريفين وتأخر وفاة الشريف الجعفري
عن وفاة الشريف المرتضى لا يوجب إلا الالتزام بالتأخر في الجملة، ولو بيوم أو نصف
يوم، ولا يثبت سنة خاصة كما هو واضح، واحتمال ذلك كاحتمال كون المذكور في تاريخ
وفاة الجعفري من زيادة النساخ في متن النجاشي مما لا سبيل لفتح بابه، ولا وجه
لترجيحه على احتمال كون ما في الخلاصة مصحف خمسة وستين وأربعمائة، أو غير ذلك،
فلاحظ وتأمل. والظاهر من كتاب النجاشي أن تأليفه كان بعد وفاة عامة مشايخه. نشأته
وبيته: كان (رحمه الله) كوفيا أسديا، كما في ترجمته. ونشأ في بيت كبير من وجوه أهل
الكوفة من بيت معروف مرجوع إليهم، وكان ذلك في بغداد. وبها أيضا يعرف بابن الكوفي.
وليس كما توهم أنه نشأ في الكوفة، ولذلك كان أعرف من الشيخ الطوسي (رحمه الله)
بالرواة، لأن أكثرهم. كوفيون فكان والده علي بن أحمد بن
________________________________________
(1) - تنقيح المقال: ج 3 / ص 101. (*)
________________________________________
[ 14 ]
العباس، من علماء بغداد ومحدثيها، وتتلمذ لشيخ الإمامية في عصره محمد بن
علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (رحمه الله)، وسمع منه، وروى عنه كتبه
ورواياته. وكان ذلك لما دخل الصدوق (رحمه الله) بغداد، واجتمع عنده العلماء ومشايخ
الحديث. وكان الماتن (رحمه الله) قرأ على والده علي بن أحمد (رحمه الله)، وله منه
إجازة، كما نشير إلى ذلك على ما صرح به في هذا الكتاب. وكان جده أحمد بن العباس أبو
يعقوب من علماء بغداد ومحدثيها، سمع وروى عنه جماعة: منهم: ابنه علي بن أحمد بن
العباس. وذلك كما في ترجمة علي بن عبيدالله ابن الحسين بن علي بن الحسين (رحمه
الله) (ر 671)، فقد روى كتابه في الحج كله عن موسى بن جعفر (عليه السلام) بما نصه:
أخبرني أبي (رحمه الله)، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو الحسن علي...، إلخ. ومنهم:
شيخنا الجليل هارون بن موسى التلعكبري، فذكر الشيخ الطوسي في باب من لم يرو عنهم
(عليهم السلام) من رجاله (ص 446 / ر 45) ما لفظه: أحمد ابن العباس النجاشي الصيرفي
المعروف بابن الطيالسي، يكنى أبا يعقوب، سمع منه التلعكبري سنة خمس وثلاثين
وثلاثمائة، وله منه إجازة، وكان يروي دعاء الكامل، ومنزله كان في درب البقر. قلت:
وبذلك نكتفي في المقام، وتمام الكلام فيه في محله، وهناك تحقيق في وجه ترك الماتن
(رحمه الله) ذكره في عداد المصنفين. وكان جده العباس بن عبد الله من أجلة الرواة،
وممن روى عنه مثل أحمد ابن محمد بن عيسى الأشعري الجليل. وكان (رحمه الله) من أصحاب
الرضا (عليه السلام). وروى الصدوق (رحمه الله) في العيون عن أبيه، عن أحمد بن
إدريس، عن أحمد
________________________________________
[ 15 ]
ابن محمد بن عيسى، عن العباس النجاشي الأسدي، قال: قلت للرضا (عليه
السلام): أنت صاحب هذا الأمر ؟ قال: (إي والله على الأنس والجن) (1). قلت: وعده
الشيخ (رحمه الله) أيضا من أصحاب الرضا (عليه السلام) في رجاله (ص 383 / ر 45)
قائلا: العباس النجاشي الكوفي. ويظهر من بعض أصحابنا خلو نسخته عن هذا الإسم. وتمام
الكلام يأتي في شرح حاله في محله. وكان جده الأعلى عبد الله بن النجاشي أبو بجير
الأسدي النصري، من ولاة الأمر في عهده على الأهواز من قبل المنصور. وفي رواية
التهذيب قال: كان النجاشي وهو رجل من الدهاقين عاملا على الأهواز وفارس...، إلخ
(2). والدهقان معرب. جمعه دهاقين. ومعناه القوي على التصرف مع حدة، ورئيس الإقليم،
كما في القاموس. وكان يروي عن أبي عبد الله عيه السلام لا لرسالة المعروفة منه
إليه، كما في ترجمته في هذا الكتاب (ر 555). قلت: وقد ورد فيه روايات، وفي بعضها ما
يشعر بأنه مال إلى الزيدية، فلما دخل المدينة واستأذن في الدخول على أبي عبد الله
(عليه السلام) وسأل منه ما سأل، رجع إلى الحق وبقي عليه (3). وفي بعضها ما يدل على
مدحه وفضله (4)، قد أوردناها في كتابنا الكبير (أخبار الرواة). وتمام الكلام فيه
يأتي في هذا الشرح عند ترجمته.
________________________________________
(1) - عيون أخبار الرضا: ج 1 / ص 26 / ح 10. (2) - تهذيب الأحكام: ج 6 /
ص 333 / ح 25. (3) - إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ص 342 / ر 636، بصائر
الدرجات: ص 245 / ح 6. (4) - كشف الريبة عن أحكام الغيبة: ص 122 / ح 10. (*)
________________________________________
[ 16 ]
وكان (رحمه الله) نسب نفسه إلى الأخوة لأحمد بن عبد بن أحمد الرفاء، قال
في ترجمته (ر 212): أخونا، مات قريب السن (رحمه الله). له كتاب الحجة. وأيضا نسب
نفسه بالصداقة لأحمد بن محمد بن أحمد بن طرخان الكندي أبو الحسين الجرجرائي الكاتب.
قال في ترجمته (ر 210): ثقة، صحيح السماع، وكان صديقنا، قتله إنسان يعرف بابن أبي
العباس...، إلخ. رحلته وأسفاره: كان (رحمه الله) قليل السفر، لم يخرج من بغداد إلا
لزيارة المشاهد المقدسة. فسافر إلى النجف الأشرف لزيارة مشهد سيدنا أمير المؤمنين
صلوات الله عليه سنة أربعمائة. وعند ذلك لقى شيخه الجليل الحسين بن جعفر بن محمد
المخزومي الخزاز المعروف بابن الخمري، وسمع منه (ذيل رقم 587)، وأجازه في المشهد
الغروي الشريف بروايته كتاب عمل السلطان لأبي عبد الله البوشنجي الحسين ابن أحمد بن
المغيرة، كما نص عليه (رحمه الله) في ترجمته (ر 165). وبقى الماتن (رحمه الله)
بالمشهد الغروى (عليه السلام) إلى أن زاره يوم الغدير من هذه السنة، كما نص عليه في
ترجمة هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب أبي نصر المعروف بابن برينة (ر 1188). قال
(رحمه الله): وكان هذا الرجل كثير الزيارات، وآخر زيارة حضرها معنا يوم الغدير سنة
أربعمائة بمشهد أمير المؤمنين عليه السلام. ودخل الكوفة كرارا، قال في ترجمة جعفر
بن بشير البجلي (ر 304): وله مسجد بالكوفة باق في بجيلة إلى اليوم، وأنا وكثير من
أصحابنا إذا وردنا بالكوفة نصلي فيه مع المساجد التي يرغب في الصلوة فيها. قلت: ومن
ذلك يظهر أنه (رحمه الله) لم يكن بالكوفة، كما قيل، بل نشأ في بغداد، كما ذكرناه.
________________________________________
[ 17 ]
ورأى بالكوفة جماعة من أعلام الحديث، منهم: الحسن بن أحمد بن محمد ابن
الهيثم العجلي من وجوه أصحابنا الثقات، كما نص عليه (رحمه الله) في ترجمته (ر 151)،
وإسحاق بن الحسن العقرابي، قال في ترجمته (ر 178): رأيته بالكوفة وهو مجاور، وكان
يروي كتاب الكليني (رحمه الله) عنه، وكان في هذا الوقت علوا، فلم أسمع منه شيئا.
والظاهر أنه تشرف بزيارة الحائر الشريف، وإن لم يكن لذلك في الكتاب ذكر. وقد زار
مشهد الإمامين العسكريين (عليهم السلام) بسامراء، وبها سمع من القاضي أبي الحسن علي
بن محمد بن يوسف نسخة كتاب محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن
عباس بن عبد المطلب، كما نص (رحمه الله) عليه في ترجمته (ر 954). قلت: ولعل وفاته
(رحمه الله) بمطيرآباد كانت بعد هذه الزيارة، ورجوعه من سامراء إلى تلك الناحية.
مكانته السامية عند العلماء هو الثقة الصدوق، المعتمد المسكون إليه، البصير الخبير
بأحوال الرواة وأنسابهم، وما ورد فيهم من مدح أو ذم، وطبقاتهم ومصنفاتهم واصولهم
ورواياتهم وأشعارهم. تقدم على أعلام الجرح والتعديل بكثرة إطلاعه ووفور علمه وقوة
بصيرته. فهو إمام هذا الفن يستضاء بنور علمه ويهتدى بسبيله. إن نطق في الرواة
وأحوالهم اتبع واخذ بقوله، وإن سكت عن القدح والطعن مذهبا وطريقة أمسك عن الطعن.
وإن قال فيهم غيره شيئا رجح قوله وأخذ به، واول كلام غيره أو
________________________________________
[ 18 ]
ترك. ولذا أطبق أصحابنا فيما صرح به جماعة على ترجيح قوله على أقوال
سائر أئمة الجرح والتعديل. قال سيد الطائفة في عصره السيد بحر العلوم (رحمه الله)
في فوائده: هو أحد المشايخ الثقات والعدول الأثبات، من أعظم أركان الجرح والتعديل
وأعلم علماء هذا السبيل، أجمع علمائنا على الإعتماد عليه، وأطبقوا على الإستناد في
أحوال الرواة إليه (1). وإلى ذلك أشار السيد المحقق الداماد قدس سرة قائلا: إن أبا
العباس النجاشي شيخنا الثقة الفاضل الجليل القدر، السند المعتمد عليه المعروف
(2)...، إلخ. وأيضا العلامة المجلسي (رحمه الله) في فهرست البحار مشيرا إلى كتابه
وكتاب الكشي، قائلا: عليهما مدار العلماء الأخيار في الأعصار والأمصار (3). وفي
كتاب الدعاء نقل عن كتاب قبس المصباح للشيخ الفاضل أبي الحسن سليمان بن الحسن
الصهرشتي تلميذ المرتضى (رحمه الله) وشيخ الطائفة قدس سرة، قال: قال: أخبرنا الشيخ
الصدوق أبو الحسين أحمد بن علي بن أحمد النجاشي الصيرفي، المعروف بابن الكوفي
ببغداد. وكان شيخنا بهيا ثقة، صدوق اللسان عند الموافق والمخالف (4)، انتهى. قلت:
وما ذكره تلميذ المرتضى والشيخ من كونه صدوق اللسان عند الكل يشير إلى وجه الأقتصار
على الأطراء والثناء عليه، فإن جلالة قدره
________________________________________
(1) - كتاب الرجال للسيد بحر العلوم: ج 2 / ص 25. (2) - الرواشح
السماوية: ص 76. (3) - بحار الأنوار: ج 1 / ص 16 و 33. (4) - بحار الأنوار: ج 94 /
ص 32 / ح 22. (*)
________________________________________
[ 19 ]
وعظم شأنه في الطائفة أشهر من أن يحتاج إلى ذلك. وقد أوجز في ذلك من
ذكره معتمدا عليه كالشيخ السعيد الأجل المحقق الحلي (رحمه الله) في المعتبر وغيره
(1)، والشهيد الثاني في كتبه (2) وفي إجازاته (3)، والحافظ الشهير ابن شهرآشوب صاحب
معالم العلماء في إجازاته، والسيد ابن طاووس (4) وجماعة ممن عاصرهم أو تقدم عليهم،
وأكثر من تأخر. منهم العلامة في الخلاصة قائلا: ثقة معتمد عليه (5). ومنهم: ابن
داود الحلي في رجاله قائلا ثقة معظم كثير التصانيف (6). ومنهم: المحقق الوحيد
البهبهاني قال في رسالة الإجتهاد: إن الصدوق وابن الوليد والمفيد والشيخ والشريف
المرتضى والنجاشي وأمثالهم من الأجلة الأكابر الذين لا تفي لمدائحهم الدفاتر...،
إلخ (7). ولقد أجاد إمام المحدثين في عصره العلامة النوري (رحمه الله) في خاتمة
المستدرك إغناءا عن الإطناب بقوله في حق النجاشي (رحمه الله): العالم النقاد البصير
المضطلع الخبير الذي هو أفضل من خط في فن الرجال بقلم، أو نطق بفم، فهو الرجل كل
الرجل، لا يقاس بسواه ولا يعدل به من عداه، كلما زدت به تحقيقا ازددت به وثوقا، وهو
صاحب الكتاب المعروف الدائر الذي إتكل عليه كافة
________________________________________
(1) - المعتبر: ج 1 / ص 92، ونكت النهاية: ج 2 / ص 148. (2) - مسالك
الأفهام: ج 7 / ص 467. (3) - بحار الأنوار: ج 108 / ص 160. (4) - تحرير الطاووسي: ص
24 و 25 و 318. (5) - خلاصة الأقوال: ص 20. (6) - كتاب الرجال لابن داود: ص 40 / ر
96. (7) - رسالة الإجتهاد: ص 57. (*)
________________________________________
[ 20 ]
الأصحاب (1)، انتهى. قلت: من تأمل في كتب غيره من العامة والخاصة من كتب
الرجال وتأمل في كتاب النجاشي وما ذكره في تراجم الرواة وخاصة عند اختلاف الأقوال،
وكيفية إختياره قولا من ذلك، وتنبيهه على الضعف وبطلان ما اختاره غيره، وأمثال ذلك
مما تشير إلى بصيرته وقدرته واحاطته وأدبه وورعه وثقته، أذعن بما شهد به هذا المحدث
العظيم. وإليك بعض ما يشير إلى ذلك: وصية أعلام الطائفة بكتبهم للنجاشي: قد أوصى
غير واحد من أعلام الطائفة وأجلائهم بكتبهم بخطهم وبغير خطهم، بل وما عندهم من
مصنفات غيرهم واصولهم إلى النجاشي (رحمه الله). ومن ذلك يظهر مكانته (رحمه الله)
علما وثقة وطريقة في الحديث عند أجلاء الأصحاب وأعاظمهم. فمنهم: استاذه وشيخه ومن
استفاد منه: أحمد بن نوح أبي العباس السيرافي الذي ذكر ترجمته (ر 209) وقال: كان
ثقة في حديثه، متقنا لما يرويه، فقيها بصيرا بالحديث والرواية، وهو استاذنا وشيخنا
ومن إستفدنا منه (رحمه الله). فقد وصى (رحمه الله) بكتبه، وفيها كتبه التي بخطه
الشريف (رحمه الله) للماتن. وقد كرر الماتن (رحمه الله) في الرجال الإشارة إلى هذه
الوصاية، وإلى هذه الكتب، وإلى خطه الشريف في مواضع كثيرة، وإن شئت فلاحظ ترجمة
أيوب بن نوح (ر 254)، وبشر بن سلام (ر 286)، وثعلبة بن ميمون (ر 302) والحسين بن
عنبسة الصوفي
________________________________________
(1) - مستدرك الوسائل: ج 3 / ص 501 (طبع حجري). (*)
________________________________________
[ 21 ]
(ر 158)، والحسين بن عبيدالله (ر 86)، وغير تلك مما يطول ذكرها. ومنهم:
أبو عبد الله الحسين بن محمد بن علي الشجاعي أبي الحسين الكاتب. فقد وصى إليه (رحمه
الله) بكتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني، التي قرأها والده محمد بن علي
الشجاعي على محمد بن إبراهيم النعماني بمشهد العتيقة، وبسائر كتبه. وكان الماتن
(رحمه الله) رآه يقرء هذا الكتاب على النعماني. وقد نص على ذلك الماتن (قدس سره) في
ترجمة محمد بن إبراهيم النعماني (ر 1046). دفع مشايخ النجاشي كتبهم أو نسخهم إليه:
فإنه دفع غير واحد من مشايخ النجاشي كتابا أو نسخة إليه. فدفع إليه شيخ الأدب أبو
أحمد عبد السلام بن الحسين البصري (رحمه الله) كتابا بخطه، قد أجاز له فيه جميع
رواياته، كما نص عليه الماتن (رحمه الله) في ترجمة الدوري (ر 205). وقال في أحمد بن
عامر (ر 250) بعد ذكر نسخة له عن الرضا (عليه السلام): ودفع إلي هذه النسخة: نسخة
عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الجندي شيخنا
(رحمه الله)، قرأتها عليه، حدثكم...، إلخ. وغير ذلك مما وقفنا عليه. ورود بعض مشايخ
النجاشي عليه لزيارته: فإنه قد ورد على النجاشي زائرا بعض مشايخه. منهم: شيخه
الجليل أبو عبد الله محمد بن علي بن شاذان القزويني (رحمه الله). وعند ذلك سمع منه
الحديث وأجازه. وكان ذلك سنة أربعمائة، كما نص عليه (رحمه الله) في ترجمة الحسين بن
علوان
________________________________________
[ 22 ]
الكلبي (ر 117)، وترجمة محمد بن مروان الأنباري (ر 933) بلا ذكر تاريخه،
وذكر أنه (رحمه الله) سمع منه نوادر الأنباري. إدراكه ولقاؤه أكابر الطائفة ومشايخ
الحديث في عصره قد أدرك (رحمه الله) جماعة كثيرة من أكابر الطائفة وأعاظم مشايخ
الحديث في عصره. وسمع منهم واستمع عندما يقرء عليهم، وإن لم يرو عن بعضهم لعلو
الطبقة أو لأمر غير ذلك، بل سمع من جماعة كثيرة من مشايخ مشايخه: كابن الجندي، وأبي
عبد الله الجعفي، والحسين بن أحمد بن موسى بن هدبة، وغير هؤلاء من مشايخ المفيد
والحسين بن عبيدالله الغضائري وأضرابهم من أكابر مشايخه (رضوان الله عليهم)، كما
ستقف على ذلك في مشايخه. ولذلك يعلو الإسناد بالنجاشي ويرجح الإسناد بعلوه كما لا
يخفى. فقد أدرك (رحمه الله) جماعة من تلاميذ الشيخ الجليل محمد بن يعقوب الكليني
صاحب كتاب الكافي المتوفى سنة 329، عام تناثر النجوم، وسمع منهم واستمع عند ما يقرأ
عليهم مثل: هارون بن موسى التلعكبري، شيخ أصحابنا، ووجههم الذي لا يطعن عليه
المتوفى سنة 385. فكان النجاشي يحضر عنده ويدخل في داره مع ابنه محمد بن هارون عند
ما يقرؤن عليه، ذكره في ترجمته (ر 1187). ومحمد بن إبراهيم بن جعفر أبي عبد الله
الكاتب النعماني المعروف بابن زينب صاحب كتاب الغيبة. وكان شيخا من أصحابنا عظيم
القدر شريف المنزلة، صحيح العقيدة كثير الحديث. قدم بغداد وخرج إلى الشام، ومات
بها. فقد ادركه الماتن (رحمه الله) وحضر عنده حينما كان في بغداد، وحينما كان أبو
الحسين محمد بن علي الشجاعي الكاتب يقرأ عليه كتاب الغيبة بمشهد العتيقة. ذكره
________________________________________
[ 23 ]
الماتن صلى الله وآله في ترجمة محمد بن إبراهيم النعماني (ر 1046).
وأحمد بن أحمد الكوفي الكاتب أبي الحسين. قال (رحمه الله) في ترجمة الكليني رحمه
الله: كنت أتردد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي، وهو مسجد نفطويه النحوي (1)،
أقرأ القرآن على صاحب المسجد، وجماعة من أصحابنا يقرؤن كتاب الكافي على أبي الحسين
أحمد بن أحمد الكوفي، حدثكم محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله)...، إلخ. وإسحاق بن
الحسن بن بكران أبي الحسين العقرابي الذي رآه (رحمه الله) بالكوفة، وهو مجاور. وكان
يروي كتاب الكليني (رحمه الله) عنه، وكان ذلك علوا في هذا الوقت، كما نص عليه (رحمه
الله) في ترجمته (ر 178). ومحمد بن عبد الله بن المطلب أبي المفضل الشيباني (رحمه
الله)، من تلاميذ الكليني (رحمه الله)، كما في فهرست الشيخ في ترجمة الكليني (ر
591)، ذكر الماتن في ترجمته (ر 1062): كان سافر في طلب الحديث عمره. أصله كوفي.
وكان في أول أمره ثبتا ثم خلط، ورأيت جل أصحابنا يغمزونه ويضعفونه - إلى أن قال: -
رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيرا، ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه.
ورأى عبد الله بن الحسين بن محمد بن يعقوب الفارسي، كما في ترجمته (ر 610)، وقال:
شيخ من وجوه أصحابنا ومحدثيهم وفقهائهم، رأيته ولم أسمع منه،...، إلخ. ورأى أبا
الحسن علي بن حماد بن عبيدالله بن حماد العدوى الشاعر (رحمه الله).
________________________________________
(1) - هو ابن إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة الواسطي،
أبو عبد الله، الملقب بنفطويه النحوي، صاحب التصانيف، المتوفى يوم الأربعاء من شهر
صفر لست خلون منه بعد طلوع الشمس سنة 323، والمدفون في ثاني يومه بباب الكوفة، ذكره
أرباب التراجم والتاريخ مثل ابن خلكان في وفيات الأعيان: ج 1 / ص 47 / ر 12،
والذهبي في ميزان الاعتدال: ج 1 / ص 64 / ر 210، والسيوطي في بغية الوعاء: ج 1 / ص
428 / ر 868، وغيرهم. (*)
________________________________________
[ 24 ]
نص على ذلك في ترجمة عبد العزيز الجلودي (ر 640). وأدرك محمد بن عبد
الملك بن محمد التبان المتوفى لثلاث بقين من ذي القعدة سنة تسع عشرة وأربعمائة، نص
على ذلك في ترجمته (ر 1072). ومحمد بن الحسن بن حمزة الجعفري، خليفة الشيخ الفيد
(رحمه الله) والجالس مجلسه، المتكلم الفقيه، القيم بالأمرين، المتوفى سنة ثلاث
وستين وأربعمائة، كما في ترجمته (ر 1073). وأبا الحسن بن البغدادي السوراني البزاز،
كما في ترجمة فضالة بن أيوب (ر 850). وعلي بن محمد بن شيران أبا الحسن الابلي شيخ
من أصحابنا، ثقة، صدوق، مات سنة عشرة وأربعمائة (رحمه الله). واجتمع معه عند أحمد
بن الحسين الغضائري، كما نص عليه في ترجمته (ر 705). وعلي بن عبد الله بن عمران
القرشي الميموني المخزومي أبا الحسن، ففي ترجمته (ر 698): كان فاسد المذهب
والرواية، وكان عارفا بالفقه. وصنف كتاب الحج، وكتاب الرد على أهل القياس. فأما
كتاب الحج فسلم إلي نسخته فنسختها. وكان قديما قاضيا بمكة سنين كثيرة. قلت: وهو أبو
ولاد الحناط، أبو الحسن الميموني، الذي ذكره في الكنى (ر 1264)، وقال: له كتاب
الحج، وكان قاضيا بمكة سنين كثيرة، قرأت هذا الكتاب عليه. وعلي بن الحسين الموسوي
الشريف المرتضى، الذي تولى غسله أيضا، كما في ترجمته (ر 708). وعلي بن عبد الرحمان
بن عيسى القناني الكاتب، ففي ترجمته (ر 706): كان سليم الأعتقاد، كثير الحديث، صحيح
الرواية. ابتعت من كتبه قطعة في دار
________________________________________
[ 25 ]
أبي طالب بن المنهشم. شيخ من وجوه أصحابنا - إلى أن قال: - مات سنة ثلاث
عشرة وأربعمائة. ومحمد بن الحسين بن موسى، نقيب العلويين ببغداد، الشريف الرضي،
المتوفى سنة ست وأربعمائة 406، كما في ترجمته (ر 1068)، وكان الماتن (رحمه الله)
يحضر مجلسه. وفي مجلسه سمع من أبي الحسين بن المهلوس العلوي الموسوي رضي الله. وكان
هناك شيخه أبو عبد الله المفيد (رحمه الله)، كما نص عليه في ترجمة محمد بن عبد
الرحمان بن قبة (ر 1026). ولم أجد ذكرا لأدراكه (رحمه الله) محمد بن أحمد بن داود
المتوفى سنة 378، المدفون بمقابر قريش، وكذا ابن بابويه الصدوق (رحمه الله) المتوفى
سنة 381، والله العالم. قراءاته وسماعاته وطرقه إلى الكتب: كان (رحمه الله) قرأ على
مشايخ الحديث وأعلامهم كتبهم، وكتب كثير من الأصحاب واصولهم ممن تقدم على مشايخه،
كما يشير إلى ذلك في ترجمتهم وعند ذكر المصنفات والاصول. وإن شئت فلاحظ ترجمة أنس
بن عياض (ر 269)، وجعفر بن قولويه (ر 318)، وحريز بن عبد الله (ر 375)، وظفر بن
حمدون (ر 554)، وعبد الله بن علي (ر 599)، وعبد الله بن أحمد (ر 606)، وغيرهم. وكان
(رحمه الله) كثير السماع عندما يقرء الكتب والاصول والروايات على المشايخ مثل
التلعكبري، والشيخ المفيد، والحسين بن عبيدالله، وأحمد بن عبدون، وابن الجندي،
ونظرائهم. وإن شئت فلاحظ ترجمة زياد بن أبي الحلال (ر 451)، والحسن بن أحمد الشريف
(ر 152)، ومحمد بن أبي عمير (ر 890)، وغيرهم. وكان (رحمه الله) كثير الطرق إلى
مصنفات أصحابنا واصولهم، كما هو ظاهر لمن تأمل في الكتاب. وقد صرح في مواضع كثيرة
وفي مقدمته إلى كثرة طرقه، وأنه
________________________________________
[ 26 ]
إنما يكتفي بذكر طريق واحد فحسب، لئلا يطول الكتاب. قال في ثابت بن شريح
(ر 297) بعد ذكر كتابه: وهذا الكتاب يرويه عنه جماعات من الناس، وإنما اختصرنا
الطرق إلى الرواة حتى لا تكثر، فليس أذكر إلا طريقا واحدا فحسب. وذكر نحوه في جميل
بن دراج (ر 328)، وغيره، وقد أحصينا الكتب التي ذكر النجاشي فيها أنها رواها جماعات
من الناس أو جماعة، أو أن الطرق إليها كثيرة في محلها، ويجاوز عددها سبعين ومائة
(170). وكان (رحمه الله) كثير الوقوف والأطلاع على مصنفات الأصحاب واصولهم، غير ما
وجدها مذكورة في الكتب والفهارس، كما يشير إلى ذلك في مواضع كثيرة. وإن شئت فلاحظ
ترجمة جعفر بن بشير (ر 304)، وسعد بن عبد الله (ر 467)، وعلي بن فضال (ر 676) ومحمد
بن علي مؤمن الطاق (ر 889) وغيرهم. وكان عنده نسخ جملة من الاصول بخط مؤلفيها مثل
كتاب الحلبي، كما يظهر من ترجمة محمد بن عبد الله (ر 993)، وفارس بن سليمان (ر
849)، وغيرهم. وقد اشترى (رحمه الله) أكثر كتب علي بن محمد المعروف بابن خالويه،
كما في ترجمته (ر 699)، وقطعة من كتب علي بن عبد الرحمان (ر 706). وكان عنده (رحمه
الله) خط كثير من مشايخه وأعلام الحديث. وأشار إلى ذلك في مواضع كثيرة مثل ترجمة
حصين بن المخارق (ر 376)، وعلي بن محمد الشمشاطي (ر 689)، وعلي بن محمد بن العباس
(ر 704)، وغيرهم. وكان (رحمه الله) كثير الإجازة من المشايخ وأصحاب الكتب، كما يظهر
من مواضع كثيرة، وإن شئت فلاحظ ترجمة عبد الله بن عامر (ر 570)، ومحمد بن علي بن
يعقوب (ر 1069)، وغيرهما. مشايخه وأساتذته: قرأ شيخنا الجليل النجاشي (رحمه الله)
كتب الأدب والفقه والحديث وغيرهإ
________________________________________
[ 27 ]
على جماعة كثيرة من أعلام عصره، وأجلاء الطائفة. وسمع الحديث وقرأه على
مشايخه، وروى عن جماعة منهم، دون عامة مشايخه. فيروي عن بعضهم ممن سمع منهم الحديث
كثيرا، وفيهم من كان كثير العلم والأدب. واعتذر بما وقف عليه من طعن أصحابنا على
هؤلاء. ومن ذلك استظهر جماعة من أصحابنا وثاقة مشايخه على ما سيأتي الكلام فيه. ثم
إنه نرى في هذا الكتاب روايته كتابا أو نسخة أو أصلا أو حديثا في أحوال الرواة، أو
نحو ذلك، عن غير واحد ممن صرح الماتن (رحمه الله) بالطعن فيه، بل وبعدم الرواية
عنه. وهذا بظاهره يناقض كلامه المتقدم من ترك الرواية عن بعضهم بسبب طعن الأصحاب
فيه، وهذا مثل ما نرى حكايته كتب الأصحاب أو أحوالهم عن ابن عياش الجوهري الذي صرح
في ترجمته (ر 207) بتركه الرواية عنه. ويمكن أن يقال بالفرق بين الرواية بنحو قوله:
(أخبرنا)، أو (أخبرني)، أو (حدثنا)، ونحو ذلك. فتختص بمن لم يكن مطعونا عند
الأصحاب، وبين مطلق الرواية وحكاية كتاب أو أصل أو رواية بنحو قوله: (ذكر ذلك)، أو
(قال ذلك)، أو (رواه ابن عياش)، أو غير ذلك، بدعوى أن ذلك ليس من الرواية إصطلاحا،
أو بناء منه (رحمه الله) على ذلك، فلا تختص بغير المطعون. ويؤيد ذلك أنه ما وقفنا
في كتاب النجاشي على روايته (رحمه الله) عن بعض مشايخه المطعونين بصورة قوله:
أخبرنا، أو حدثنا، بل الموجود فيه الرواية على الوجه الثاني، كما نشير إلى ذلك.
وعلى هذا فرواية النجاشي عن شيخ على الوجه الأول أمارة على خلوه عن الطعن. ولا
ينافي ذلك روايته عنه أيضا على الوجه الثاني، فلا يلزم كون الرواية عنه على الوجه
الأول دائما. ولذلك نرى كثيرا روايته عن عدة من أكابر
________________________________________
[ 28 ]
مشايخه على الوجهين معا. وإن شئت فلاحظ ترجمة الحسن بن محمد بن سماعة (ر
84)، فروى كتابه بقوله: قال لنا أحمد بن عبد الواحد، قال:...، إلخ، وفي عبيدالله
الجعفي (ر 6) بدء طريقه إليه بقوله: قال أبو العباس: حدثنا...، إلخ، وغير ذلك مما
حكى عن شيخه واستاذه أبي العباس بن نوح بهذا الوجه، وروى كتب إسماعيل بن محمد
المخزومي في ترجمته (ر 67) عن شيخه ابن الجندي مبدوءا بقوله (رحمه الله): قال،
ونحوه عن شيخه ابن الغضائري مما ستقف عليه، ويطول بذكره المقام. وفي الفرق بين
الرواية على الوجهين نظر يأتي في محله. ولأجل هذا الفرق ودفع ما وقع من الخلط في
كلام غير واحد من أعاظم المتأخرين في بيان مشايخه نذكر أولا مشايخه الذين روى عنهم
في هذا الكتاب على الوجه الأول، ثم من روى عنه على الوجه الثاني، ثم من قرء عليه
وسمع ولم يحك عنه في هذا الكتاب شيئا، والله ولي السداد. مشايخه الذين روى عنهم: 1
- إبراهيم بن مخلد بن جعفر القاضي، أبو إسحاق. وذكر تمام نسبه الخطيب في تاريخه،
وقال: ابن جعفر بن مخلد بن سهل بن حمران بن مافيا حسنس بن فيروز بن كسرى قباذ، أبو
إسحاق المعروف بالباقر حي، ذكر لي نسبه ابنه إسحاق. ثم ذكر مشايخه، ومنهم: أحمد بن
كامل القاضي - إلى أن قال: - كتبنا عنه، وكان صدوقا صحيح الكتاب، حسن النقل، جيد
الضبط والمعرفة - إلى أن قال: - وسمعته يقول: ولدت في سنة خمس وعشرين وثلاثمائة. ثم
حدثني ابنه إسحاق، قال: حدثني أبي أن مولده في يوم الإثنين السابع من شعبان سنة خمس
وعشرين وثلاثمائة - إلى أن قال: - توفى إبراهيم بن مخلد وقت العصر
________________________________________
[ 29 ]
من يوم الأربعاء السابع عشر من ذي الحجة سنة عشر وأربعمائة (1). قلت:
روى النجاشي عن إبراهيم هذا، عن أبي بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة المتوفى سنة
350، كما في تاريخه (2)، عن موسى بن حماد اليزيدي، عن دعبل بن علي الخزاعي، الشاعر
كتابه (ر 428). وأيضا عنه، عن أبيه، عن محمد بن جرير أبي جعفر الطبري كتابه (ر
879). قلت: لا يبعد كونه من مشايخه من العامة. 2 - الشيخ أبو عبد الله أحمد بن عبد
الواحد بن أحمد البزاز المعروف بابن عبدون، كما ذكره الماتن وغيره، وبابن الحاشر
كما في كتب الشيخ (رحمه الله)، المتوفى سنة 423. وهو من مشايخه الذين روى عنهم
كثيرا على الوجهين. وقد روى عنه الشيخ (رحمه الله) أيضا بكثرة. وذكر الماتن في
ترجمته (ر 211): وكان قويا في الأدب، قد قرأ كتب الأدب على شيوخ أهل الأدب. وكان قد
لقى أبا الحسن علي بن محمد القرشى المعروف بابن الزبير، وكان علوا في الوقت. قلت:
يأتي هناك معنى العلو في الوقت، وأنه العلو في الإسناد، وأنه يوجب رجحان الإسناد،
وغير ذلك من وجوه البحث في هذا. وأيضا ما يشير إلى جلالة ابن عبدون. 3 - أحمد بن
علي بن طاهر. فقد روى عنه، عن ابن الوليد بإسناد ه كتاب محمد بن بند ار (ر 915)،
________________________________________
(1) - تاريخ بغداد: ج 6 / ص 189 / ر 3250. (2) - تاريخ بغداد: ج 4 / ص
359 / ر 2209. (*)
________________________________________
[ 30 ]
وأيضا في ترجمة سندى بن عيسى الهمداني (ر 495)، روى كتابه عن أحمد بن
علي بن طاهر وغيره، عن محمد بن علي بن تمام، ولعله المراد بقوله: أخبرنا أحمد ابن
علي الأشعري قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد في طريقه إلى كتاب معاوية بن سعيد
في ترجمته (ر 1095). قلت: ولم أجد له في غير هذه الموارد ولا في كتاب غير النجاشي
ذكرا. 4 - أحمد بن محمد بن عمران بن موسى بن عروة بن الجراح بن علي ابن زيد بن بكر
بن حريش، أبو الحسن النهشلي، المعروف بابن الجندي (رحمه الله). فقد روى عنه كثيرا
وترحم عليه، كما روى عنه شيخ الطائفة أيضا في كتبه كثيرا. وذكر الماتن (رحمه الله)
ترجمته كما يأتي (ر 206)، وقال: استاذنا ر حمه الله ألحقنا بالشيوخ في زمانه...،
إلخ. والمراد بالإلحاق بالشيوخ في زمانه إما جعله من مشايخ الحديث، وهذا بعيد، أو
جعله الماتن قرينا مع شيوخ زمانه بكثرة علمه وتوفر ما استفاده منه (رحمه الله). أو
لأجل علو الأسناد به إذ برواية النجاشي عن ابن الجندي يصير في طبقة مشايخ النجاشي
الذين رووا عن ابن الجندي وسائر المشايخ. وتمام الكلام في ذلك يأتي في محله. ثم إن
جلالة قدر ابن الجندي وعظمة شأنه في الطائفة ومعروفيته عند مشايخ الحديث مما توجب
الغناء عن الإطراء عليه. ولعله لذلك لم يذكر الماتن (رحمه الله) في ترجمته ذلك. وقد
كان (رحمه الله) أيضا مشهورا بين علماء الجمهور، وكان من مشايخ الحديث عندهم. فقد
ذكره الذهبي في ميزان الإعتدال، وقال: كان آخر من بقى ببغداد من أصحاب ابن صاعد
شيعي (1)، انتهى.
________________________________________
(1) - ميزان الإعتدال: ج 1 / ص 147 / ر 575. (*)
________________________________________
[ 31 ]
وذكره الخطيب في تاريخه، وذكر في مولده أقوالا ثلاثة (سنة 305، أو سنة
306، أو سنة 307) في الخميس التاسع من المحرم. ثم روى أن أول سماعه سنة ثلاث عشرة
وثلاثمائة. ثم ذكر مشايخه ومن روى عنهم وهم كثيرون. ثم قال: أخبرنا الحسن بن محمد
الخلال، وأحمد بن محمد العتيقي، قالا: توفى أبو الحسن بن الجندي في جمادى الآخرة
سنة ست وتسعين وثلاثمائة. قال العتيقي: وكان يرمى بالتشيع، وكانت له اصول حسان،
انتهى (1). ثم إن الماتن (رحمه الله) ذكره في ترجمته بعنوان أحمد بن محمد بن عمران
بن موسى أبي الحسن، المعروف بابن الجندي. وبقوله: شيخنا أبي الحسن الجندي في صالح
بن محمد الصراي (ر 528)، وأيضا أبي الحسن أحمد بن محمد بن عمران الجندي هناك وفي
مواضع كثيرة. وبأحمد بن محمد بن الجندي كما في أبى رافع (ر 1)، وغيره، وبأحمد بن
محمد بن موسى الجندي شيخنا، كثيرا، وبلا ذكر الجندي في مواضع منه، وبابن الجندي كما
في الأصبغ (ر 5) وغيره، وبأحمد بن محمد بن الجراح، كما في علي بن عقبة (ر 710)
وغيره، وبأحمد بن محمد بن موسى بن الجراح الجندي، كما في ترجمة محمد بن أبي بكر
همام الإسكافي (ر 1035)، وغير ذلك من تعبيراته، والجميع واحد كما حققناه في رسالتنا
في (المشيخات). 5 - أحمد بن محمد المستنشق. فقد روى عنه عن أبي علي بن همام في
ترجمة عبد الله بن مسكان (ر 559). 6 - أحمد بن محمد بن موسى بن هارون بن الصلت
الأهوازي، أبو الحسن.
________________________________________
(1) - تاريخ بغداد ج 5 / ص 77 / ر 2464. (*)
________________________________________
[ 32 ]
ذكره الذهبي في ميزان الإعتدال وقال: سمع المحاملي وابن عقدة، وعنه
الخطيب (1). وذكره الخطيب في تاريخه، وقال: أهوازي الأصل، مولده ببغداد في سنة أربع
وعشرين وثلاثمائة، ثم ذكر مشايخه ومنهم أبو العباس بن عقدة، ثم قال: كتبت عنه، وكان
صدوقا صالحا ينزل دار إسحاق، وتوفى يوم الإثنين لثمان خلون من جمادي الآخرة سنة تسع
وأربعمائة، ودفن من الغد في مقبرة باب التبن (2). قلت: وهو من مشايخ شيخ الطائفة
أيضا. فقد روى عنه في كتبه كثيرا. وظاهر العلامة (رحمه الله) في الإجازة الكبيرة
لبني زهرة أنه من مشايخ شيخ الطائفة من العامة (3). وقد روى النجاشي (رحمه الله)
عنه كثيرا، عن أحمد بن محمد بن سعيد بن العباس بن عقدة، كما في ترجمة إبراهيم بن
مهزم (ر 31)، وغيره. وهو المراد بأحمد بن محمد بن موسى في ترجمة محمد بن قيس (ر
884). وبأحمد بن محمد الأهوازي في محمد بن إسحاق بن عمار (ر 971). بل الظاهر أنه
المراد بأحمد بن محمد بن هارون، كما في ترجمة أيوب بن نوح (ر 254)، وكثير من
التراجم. وبأحمد بن هارون في ترجمة محمد بن أبي عمير (ر 890). والوجه في ذلك روايته
عنه، عن أحمد بن محمد بن سعيد في هذه الموارد.
________________________________________
(1) - ميزان الأعتدال: ج 1 / ص 232 / ر 532. (2) - تاريخ بغداد: ج 4 / ص
370 / ر 2240. (3) - بحار الأنوار: ج 107 / ص 136. (*)
________________________________________
[ 33 ]
فدعوى التعدد بقرينة الإختلاف الموجود لا وجه لها. 7 - أحمد بن نوح بن
علي بن العباس بن نوح السيرافي، أبو العباس (رحمه الله). ذكر الماتن (رحمه الله)
ترجمته (ر 209)، وقال: نزيل البصرة، كان ثقة في حديثه، متقنا لما يرويه، فقيها،
بصيرا بالحديث والرواية، وهو أستاذنا ومن استفدنا منه. قلت: روى في هذا الكتاب عنه
كثيرا مترحما عليه. ولم يرو عنه شيخ الطائفة (رحمه الله)، قال في الفهرست (ص 37 / ر
107): مات عن قرب إلا أنه كان بالبصرة، ولم يتفق لقائي إياه. وذكره في رجاله (ص 456
/ ر 108) قائلا: أحمد بن محمد بن نوح البصري السيرافي يكنى أبا العباس، ثقة. قلت:
لم أجد قرينة على أن سماع النجاشي من ابن نوح كان في البصرة، ولعل ذلك كان قبل
نزوله البصرة. ثم إن الظاهر كون المراد بأحمد بن علي بن نوح وأحمد بن علي العباس
وأحمد بن علي السيرافي في مواضع كثيرة من هذا الكتاب، هو أحمد بن نوح هذا. 8 - أسد
بن إبراهيم بن كليب السلمي الحراني، أبو الحسن. فقد روى عنه، وعن محمد بن عثمان، عن
محمد بن الحسين بن صالح السبيعي في ترجمة الحسين بن محمد بن علي الأزدي (ر 154).
قلت: ذكره الذهبي في ميزان الإعتدال وزاد في لقبه القاضي، وقال: يروي عنه الحسين بن
علي الصيمري، صاحب مناكير وموضوعات، ذكره الخطيب وغيره (1)، انتهى. أقول: تضعيف
الجمهور مشايخ أصحابنا برواية فضائل أهل البيت عليهم السلام
________________________________________
(1) - ميزان الإعتدال: ج 1 / ص 206 / ر 810. (*)
________________________________________
[ 34 ]
بدعوى كونها مناكير وموضوعات أمر غير عزيز، ولاسيما من الذهبي وأمثاله،
كما هو ظاهر لمن يراجع كتبهم. 9 - الحسن بن أحمد بن إبراهيم. فقد روى (رحمه الله)
عنه، عن أبيه في ترجمة محمد بن تميم النهشلي (ر 991). وأيضا فيما أجازه، كما في
ترجمة أحمد بن عامر بن سليمان (ر 250). 10 - الحسن بن أحمد بن محمد بن الهيثم
العجلي، أبو محمد. ذكر (رحمه الله) في ترجمته (ر 151): ثقة، من وجوه أصحابنا. وأبوه
وجده ثقتان، وهم من أهل الري. جاور في آخر عمره بالكوفة، ورأيته بها. وروى عنه، عن
أبيه في ترجمة عبد الله بن داهر بن يحيى (ر 602). 11 - الحسن بن محمد بن يحيى بن
داود الفحام، أبو محمد السرمن رآئي. ذكره الخطيب في تاريخه. وذكر مشايخه، وأنه من
أهل سرمن رآى. وقال: كان ثقة على مذهب الشافعي، وكان يرمى بالتشيع. ومات بسرمن رآى.
سمعت أبا الفضل بن السامري يقول: مات ابن الفحام في سنة ثمان وأربعمائة (1). قلت:
وقد روى النجاشي (رحمه الله) في ترجمة عيسى بن أحمد بن عيسى (ر 806) عنه، عن محمد
بن أحمد بن عبيدالله. وروى شيخ الطائفة أيضا عنه، كما في الأمالي كثيرا (2). وزاد
في بشارة المصطفى في رواية الشيخ (رحمه الله) لقب السرمن رآئي (3).
________________________________________
(1) - تاريخ بغداد: ج 7 / ص 424 / ر 3992. (2) - الأمالي للشيخ الطوسي:
ج 1 / ص 280 - 306. (3) - بشارة المصطفى: ص 188. (*)
________________________________________
[ 35 ]
12 - الحسين بن جعفر بن محمد المخزومي، أبو عبد الله، المعروف بابن
الخمري الكوفي (رحمه الله). وكان (رحمه الله) من مشايخ إجازة النجاشي. قال في ترجمة
الحسين بن أحمد بن المغيرة (ر 165): له كتاب عمل السلطان، أجازنا بروايته أبو عبد
الله بن الخمري الشيخ الصالح في مشهد مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، سنة
أربعمائة، عنه. وروى عن ابن الخمري، عن محمد بن هارون الكندي في ترجمة عبد الله ابن
إبراهيم (ر 587). وزاد الماتن (رحمه الله) في لقبه الكوفي في ترجمة خلف بن عيسى (ر
397)، وروى عنه عن الحسين بن أحمد بن المغيرة. 13 - الحسين بن أحمد بن موسى بن
هدبة. فقد روى عنه، عن جعفر بن محمد بن قولويه في علي بن مهزيار (ر 664). وأيضا في
علي بن محمد بن جعفر (ر 685). وهو المراد بالحسين بن هدبة في محمد ابن الحسن بن
زياد (ر 982)، وبالحسين بن أحمد بن هدبة في ترجمة نصر بن صباح (ر 1152)، وبأبي عبد
الله بن هدبة في عبد العزيز بن يحيى (ر 640). وأما ما في ترجمة محمد بن أورمة (ر
894)، من قوله: أخبرنا الحسين بن محمد بن هدبة، قال: حدثنا جعفر بن محمد...، إلخ،
فهو مصحف أحمد بن هدبة لروايته عن ابن قولويه، ولم أجد له ذكرا في الرجال. 14 -
الحسين بن عبيدالله بن إبراهيم الغضائري، أبو عبد الله. قال: شيخنا (رحمه الله)،
كما في ترجمته (ر 166)، ثم ذكر كتبه، وقال: أجازنا جميعها وجميع رواياته عن شيوخه.
ومات (رحمه الله) في نصف صفر سنة إحدى عشرة وأربعمائة. قلت: وقد أكثر الرواية في
هذا الكتاب عن الحسين هذا، كما روى
________________________________________
[ 36 ]
الشيخ (رحمه الله) عنه في الفهرست وفى المشيخة وسائر كتبه. وقال فيمن لم
يرو عنهم: (ص 470 / ر 52)، بعد ذكره: كثير السماع، عارف بالرجال. وله تصانيف
ذكرناها في الفهرست، سمعنا منه، وأجاز لنا بجميع رواياته. مات سنة إحدى عشرة
وأربعمائة. 15 - الحسين بن عبيدالله القزويني. روى عنه، عن أحمد بن محمد بن يحيى في
ترجمة أحمد بن محمد بن سيار (ر 192). 16 - الحسين بن موسى. فقد روى عنه، عن جعفر بن
محمد في سعد الأشعري (ر 467)، وفي ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى (ر 942). قلت: لم أجد
له ذكرا في الرجال، واحتمال اتحاده مع الحسن أو الحسين بن أحمد بن موسى بن هدبة غير
بعيد. 17 - سلامة بن ذكا، أبو الخير الموصلي (رحمه الله). فقد روى عنه كتب علي بن
محمد العدوي الشمشاطي في ترجمته (ر 689)، وحكى عنه تفصيلها وكبرها. ثم قال: أخبرنا
سلامة بن ذكا أبو الخير الموصلي (رحمه الله) بجميع كتبه. 18 - عباس بن عمر بن
العباس الكلوذاني، المعروف بابن مروان، أبو الحسن (رحمه الله). فقد روى عنه، عن
محمد بن يحيى الصوفى في ترجمة بكر بن محمد بن حبيب (ر 279). وأيضا عنه، عن علي بن
الحسين بن بابوبه القمي في ترجمته (ر 684)، قال: أخبرنا أبو الحسن العباس بن عمر بن
عباس بن محمد بن
________________________________________
[ 37 ]
عبد الملك (1) بن أبي مروان الكلوذاني (رحمه الله)، قال: أخذت إجازة علي
بن الحسين بن بابويه لما قدم بغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، بجميع كتبه...، إلخ.
وفي ترجمة حصين بن المخارق (ر 376) زاد في لقب عبد الملك الفارسي الكاتب. وزاد أيضا
الدهقان في ترجمة عبد الله بن محمد الأسدي (ر 595). وقد روى عنه أيضا في ترجمة علي
بن إبراهيم الجوانى (ر 687). قلت: ولم أجد له ذكرا في الرجال. نعم ذكره الخطيب في
تاريخه كما في العنوان، وذكر جده عبد الملك بن سليمان ثم ذكر مشايخه، وقال: كتبت
عنه، وكان خبيث المذهب رافضيا، ثم ذكره بالسوء - إلى أن قال: - ومات في شهر رمضان
من سنة أربع عشرة وأربعمائة (2). قلت: كيف ينسب مذهب أئمة أهل البيت (عليه السلام)
بالخبث، والله يعصمنا من الزلل. 19 - عبد السلام بن الحسين بن محمد بن عبد الله
البصري، أبو أحمد الشيخ الأديب (رحمه الله). فقد روى عنه، عن أبي بكر بن جلين
الدوري في ترجمة الأصبغ (ر 5). قال: ودفع إلي شيخ الأدب أبو أحمد عبد السلام بن
الحسين البصري (رحمه الله) كتابا بخطه، قد أجاز له فيه جميع روايته، كما في ترجمة
أحمد بن عبد الله الدوري (ر 205)، وغير ذلك من التراجم. وروى عنه أيضا، عن أبي
القاسم عمر بن محمد الحلال ترجمة يعقوب بن إسحاق (ر 1217). وأيضا عن محمد بن عمران
في ترجمة عبد الله بن أحمد بن حرب (ر 569)، وعن حبيب بن أوس في ترجمته
________________________________________
(1) - يحتمل كون هذا مصحف (يعرف بابن أبي مروان). (2) - تاريخ بغداد: ج
12 / ص 162 / ر 6649. (*)
________________________________________
[ 38 ]
(ر 367)، وعن أبي القاسم الحسن بن بشير بن يحيى في ترجمة محمد بن أحمد
المفجع (ر 1024). ولم أجد له توثيقا في الرجال، لكن الماتن (رحمه الله) يترحم عليه
عند ذكره. نعم ذكره الخطيب في تاريخه وقال: سكن بغداد وحدث بها، ثم ذكر مشايخه،
وقال: وكان صدوقا عالما، أديبا، قارئا للقرآن، عارفا بالقراءات، وكان يتولى ببغداد
النظر في دار الكتب، وإليه حفظها والأشراف عليها، سمعت أبا القاسم عبيدالله بن علي
الرقي الأديب يقول: كان عبد السلام البصري من أحسن الناس تلاوة للقرآن، وإنشادا
للشعر، وكان سمحا سخيا - إلى أن قال: - توفى في يوم الثلاثاء التاسع عشرة من المحرم
سنة خمس وأربعمائة. ثم قال: ودفن في مقبرة الشونيزي عند قبر أبي علي الفارسي وكان
مولده في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة (1). 20 - علي بن أحمد بن محمد بن طاهر، أبو
الحسين الأشعري القمي. وقد روى عنه، عن محمد بن الحسن بن الوليد كثيرا جدا. وقال
(رحمه الله) في جعفر بن سليمان (ر 312): أخبرنا علي بن أحمد بن أبي جيد، قال: حدثنا
محمد ابن الحسن بن الوليد، عنه. وفي الحسين بن المختار (ر 124): أخبرنا علي بن أحمد
ابن محمد بن أبي جيد، قال: حدثنا محمد بن الحسن...، إلخ. وغير ذلك كما ذكرناه في
محله. وفي أحمد بن عبدوس (ر 197): أخبرناه ابن أبي جيد. وأيضا في أبي الجوزاء (ر
1255)، وغير ذلك. والظاهر اتحاد الجميع بقرينة روايته عن ابن الوليد في الجميع، وأن
أبا جيد كنية أبيه أو جده، والأنتساب إلى الأب أو الجد في الأسانيد غير عزيز.
________________________________________
(1) - تاريخ بغداد: ج 11 / ص 57 / ر 5739. (*)
________________________________________
[ 39 ]
ولعله المراد بعلي بن أحمد عن إسحاق بن الحسن في ترجمة محمد بن سالم (ر
877). ومما ذكرنا ظهر أن التعدد في هذه الموارد كما عليه غير واحد، في غير محله.
وقد روى عن أبي جيد القمي الشيخ (رحمه الله) في الفهرست كثيرا. 21 - علي بن أحمد بن
العباس النجاشي، والده رحمهما الله. فقد روى عنه مترحما عليه، عن محمد بن علي بن
الحسين بن بابويه كتب عثمان بن عيسى (ر 817)، ومدحا في محمد بن إسماعيل بن بزيع (ر
896)، وكتب ماجيلويه محمد بن علي البرقي (ر 950)، وكتب محمد بن علي بن الحسين بن
بابويه القمي (ر 1052)، وغير ذلك من كتب الأصحاب. وقد أجازه والده (رحمه الله).
وقرأ عليه أيضا، كما صرح به في بعض هذه الموارد. وروى عن والده، عن أبيه في علي بن
عبيدالله (ر 671). 22 - علي بن شبل بن أسد، أبو القاسم الوكيل. فقد روى عنه، عن أبي
منصور ظفر بن حمدون عن الأحمري كتاب عبد الله بن حماد الأنصاري (ر 568)، وكتب
إبراهيم بن إسحاق الأحمري (ر 21). وقرأ عليه كتاب أخبار أبي ذر (رحمه الله) لأبي
منصور البادرائي ظفر بن حمدون (ر 55). وقد روى عنه الشيخ (رحمه الله) في الفهرست (ص
7) في إبراهيم بن سليمان قائلا: أخبرنا بكتبه ورواياته أبو القاسم علي بن شبل بن
أسد الوكيل، قال: أخبرنا أبو منصور ظفر...، إلخ. وأيضا فيمن لم يرو عنهم عليهم
السلام من رجاله (ص 477) في ظفر ابن حمدون قال: أخبرنا عنه ابن شبل الوكيل. قلت:
ومدائحه بغير وكالته تأتي في محلها. 23 - علي بن محمد بن يوسف القاضي، أبو الحسن.
روى نسخة كبيرة لمحمد بن إبراهيم الإمام (ر 954) عن جعفر بن محمد (عليه السلام)
قائلا: أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف بسرمن رأى، قال: حدثنا إبراهيم
بن
________________________________________
[ 40 ]
عبد الصمد...، إلخ. قلت: يحتمل كون علي بن محمد هذا هو الذي ذكر النجاشي
ترجمته (ر 699) قائلا: علي بن محمد بن يوسف بن مهجور أبو الحسن الفارسي المعروف
بابن خالويه شيخ من أصحابنا، ثقة، سمع الحديث فأكثر. ابتعت أكثر كتبه. ثم ذكرها
وقال: أخبرنا عنه عدة من أصحابنا. أقول: كونه من مشايخه لا ينافي روايته كتبه عنه
بالواسطة. 24 - محمد بن جعفر، المؤدب، الأديب النحوي التميمي، أبو الحسن. فقد روى
عن محمد بن جعفر، عن أحمد بن محمد بن سعيد بلا ذكر الألقاب كثيرا. وأيضا بزيادة
المؤدب، كما في ترجمة كثير بن طارق (ر 873). وبزيادة الأديب، كما في ترجمة أبي رافع
(ر 1)، وبسطام بن الحصين (ر 281). وبزيادة النحوي، كما في طريقه إلى كتاب السنن
والأحكام والقضايا لأبي رافع (ر 1)، وفي بسطام بن الحصين (ر 281)، وفي عبد السلام
بن سالم (ر 644). وبزيادة التميمي في محمد بن مسلمة (ر 1007)، وفي سعيد بن يسار (ر
478)، ومحمد بن الحسن المحاربي (ر 946)، وغير ذلك. وبقوله: أخبرني أبو الحسن
التميمي (رحمه الله) في ابن أبي رافع مرارا، وفي أبان بن تغلب (ر 7)، وأبان بن
عثمان (ر 8)، وغير ذلك مما يطول المقام بذكره. واتحاد الجميع ظاهر بقرنية من روى هو
عنه، كما لا يخفى على المتأمل. بل لا يبعد اتحاده مع محمد بن جعفر النجار، فروى
كتاب أحمد بن الحسن بن سعيد القرشي (ر 227) قائلا: أخبرنا محمد بن جعفر النجار،
قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن سعيد، عن أحمد بن الحسن. وقد روى (رحمه الله) عن محمد
بن جعفر التميمي، عن الحسين بن محمد بن الفرزدق القطعي كتابيه (ر 160).
________________________________________
[ 41 ]
وذكر داود بن سليمان القزويني (ر 426)، ثم قال: ذكره ابن نوح في رجاله.
له كتاب عن الرضا (عليه السلام)، أخبرني محمد بن جعفر النحوي، قال: حدثنا الحسين
ابن محمد بن الفرزدق القطعي، قال: حدثنا أبو حمزة بن سليمان، قال: نزل أخي داود بن
سليمان، وذكر النسخة. قلت: لا يبعد اتحاد النحوي والتميمي بقرينة روايتهما عن ابن
الفرزدق. واحتمال كون النحوي من مشايخ ابن نوح، بدعوى كون قوله: أخبرني محمد بن
جعفر النحوي من كلام ابن نوح، بعيد، يخالفه ظاهر السياق، وأيضا من روى عنه. وأبعد
من ذلك احتمال إتحاد النحوي مع محمد بن جعفر بن عبد الله النحوي أبو بكر المؤدب،
الذي ذكر الماتن (رحمه الله) ترجمته (ر 1057)، وقال: حسن العلم بالعربية والمعرفة
بالحديث...، إلخ. وذلك لأن أبا بكر النحوي روى النجاشي عنه بواسطتين، كما في
ترجمته، وبواسطتين غيرهما في عبد العزيز بن المهتدى القمي المترجم (ر 642). قال
السيوطي في بغية الوعاة: محمد بن جعفر بن محمد بن هارون بن فروة، أبو الحسن التميمي
النحوي يعرف بابن النجار الكوفي. قال ياقوت: (1) ولد بالكوفة سنة ثلاث وثلاثمائة،
وقيل سنة إحدى عشرة. وقدم بغداد، وحدث عن ابن دريد ونفطويه. وكان ثقة من مجودي
القراء، صنف مختصرا في النحو، الملح والنوادر، تاريخ الكوفة، وغير ذلك. مات سنة
اثنتين وأربعمائة في جمادي الأولى (2). وذكره الخطيب في تاريخه، وذكر جده هارون بن
فروة بن ناجية بن مالك، وقال: من أهل الكوفة، قدم بغداد وحدث بها. ثم ذكر مشايخه
ومنهم
________________________________________
(1) - معجم الأدباء: ج 18 / ص 103 / ر 25. (2) - بغية الوعاة: ج 1 / ص
69 / ر 117. (*)
________________________________________
[ 42 ]
نفطويه وأحمد بن عبد الواحد الوكيل. ثم حكي عن الحسن بن علي المقري
وأحمد بن عبد الواحد أبي يعلي الوكيل أنهما سمعا منه ببغداد في سنة إحدى وتسعين
وثلاثمائة. ثم روى مولده في سنة ثلاث وثلاثمائة في المحرم لست عشرة ليلة خلت منه
بالكوفة. ووفاته بالكوفة في جمادي الأولى سنة اثنتين وأربعمائة. ثم قال: قال
العتيقي: ثقة (1). 25 - محمد بن عثمان بن الحسن بن عبد الله، أبو الحسن، القاضي
النصيبي، المعدل. فقد روى عنه كثيرا عن الشريف الصالح أبي القاسم جعفر بن محمد بن
عبيدالله الموسوي، وعن غيره من رواة الحديث. وقد سمع الماتن (رحمه الله) عنه كثيرا،
وقرء عليه كتب أصحابنا واصولهم. قال في ترجمة محمد بن عمر الجعابي (ر 1058): له
كتاب الشيعة من أصحاب الحديث وطبقاتهم، وهو كتاب كبير سمعناه من أبي الحسين محمد بن
عثمان. وفي ترجمة فارس بن سليمان (ر 849) بعد ذكر كتابه قال: قرأته على القاضي أبي
الحسن محمد بن عثمان بن الحسن النصيبي، وكتبته من أصله...، إلخ. قلت: واختلاف تعبير
الماتن عنه في هذا الكتاب لا يوجب التعدد، فقد ذكره تارة بلا كنية كما في عدة من
التراجم، وأخرى مع ذكر جده، وثالثة مع ذكر النصيبي، ورابعة مع ذكر المعدل، كما في
ترجمة محمد بن يوسف الصنعاني (ر 959) وغير ذلك من وجوه الإختصار في الألقاب والنسب
والكنى وعدمه. كما أن ذكر من روى عنه جعفر بن محمد الموسوي تارة مع ذكر جده، وأخرى
مع زيادة لقب الشريف الصالح، أو الموسوي وغير ذلك، لا يوجب
________________________________________
(1) - تاريخ بغداد: ج 2 / ص 158 / ر 583. (*)
________________________________________
[ 43 ]
التعدد. وإن شئت فلاحظ تراجم هؤلاء عبيدالله بن أحمد بن نهيك (ر 620)،
وعلي بن أبي حمزة البطائني (ر 656)، وجميل بن صالح (ر 329)، وبرد الإسكاف (ر 291)،
وعلي بن عمر (ر 670)، وغيرهم. قلت: ذكر المحدث النوري (رحمه الله) في خاتمة
المستدرك في مشايخ النجاشي محمد بن عثمان النصيبي، ثم قال: أدركه وقرء عليه بحلب
(1). أقول: ليس الأمر كما ذكره، فقد ذكرنا أن النجاشي لم يخرج من بغداد إلا
للزيارة. وإنما نشأ ما ذكره (رحمه الله) مما ذكر الماتن (رحمه الله) في ترجمة
الحسين بن خالويه (ر 161)، إذ بعد ذكره، وأنه سكن حلب ومات بها، وبعد ذكر كتبه،
قال: حدثنا بذلك القاضي أبو الحسين النصيبي، قال: قرأته عليه بحلب...، إلخ. وقد
ذكره الخطيب في تاريخه. وذكر مشايخه من شيوخ الشام وجماعة من البغداديين. ثم ذكر أن
قدوم النصيبي بغداد كان بعد موت الصفار بعدة سنين، وأنه مات يوم الأربعاء الثالث من
شهر رمضان سنة ست وأربعمائة. ودفن في داره بالكرخ. وذكر أيضا أن النصيبي كان عدلا
في الشهادة، لم يتعلق عليه فيها بشئ وضعفه في الرواية (2). وملخص ما ذكره في وجه
ضعفه في الرواية روايته للشيعة المناكير. قال: فروى للشيعة المناكير. قلت: تضعيف
القوم لأمثاله من الرواة وأجلاء الإمامية برواية فضائل أهل البيت عليهم السلام،
بدعوى كونها مناكير أمر شائع لا يخفى على من تأمل كتاب
________________________________________
(1) - مستدرك الوسائل: ج 3 / ص 502 (طبع حجري). (2) - تاريخ بغداد: ج 3
/ ص 51 / ر 992. (*)
________________________________________
[ 44 ]
الخطيب وكتاب ميزان الأعتدال وغير ذلك، وقد ذكر النصيبي هذا الذهبي (1)،
وشنع عليه بذلك، فلاحظ. 26 - محمد بن علي بن يعقوب بن إسحاق بن أبي قرة، أبو الفرج
القناتي الكاتب. ذكر ترجمته (ر 1069) وقال: كان ثقة. وسمع كثيرا. وكتب كثيرا. وكان
يورق لإصحابنا. وقعنا [ ومعنا ] في المجالس. - إلى أن قال: - أخبرني وأجازني جميع
كتبه. وكان (رحمه الله) من فقهاء الإمامية، وكان له رأي فيما يفسد الصلاة. وقد ألف
شيخ الطائفة في عصره المفيد (رحمه الله) كتابا في جواب أبي الفرج بن إسحاق القناتي
هذا، ذكره الماتن في ترجمة المفيد (رحمه الله) (ر 1070). وقد روى الماتن (رحمه
الله) عنه كثيرا، عن غير واحد من الرواة، مثل محمد بن عبد الله أبي المفضل الشيباني
الذي أدركه الماتن، وسمع منه أيضا، كما في ترجمة محمد بن علي الشلمغاني (ر 1032)،
ومحمد بن علي بن الحسين بن زيد (ر 995)، ومحمد بن منصور (ر 992)، وإسماعيل بن محمد
(ر 60)، وغير ذلك. وروى عنه أيضا، عن شيخه هارون بن موسى التلعكبري، كما في ترجمة
داود بن يحيى (ر 415)، وغيره. وعنه، عن علي بن عبد الرحمان بن عروة الكاتب، كما في
ترجمة داود بن كثير (ر 410)، وغيره. والإختلاف في هذه الموارد وغيره بذكر اسمه أو
مع ذكر جده، أو مع زيادة الكنيته أو اللقب أو تركها، لا يوجب التعدد.
________________________________________
(1) - ميزان الإعتدال: ج 3 / ص 643 / ر 7935. (*)
________________________________________
[ 45 ]
27 - محمد بن علي بن خشيش التميمي المقري. فقد روى عنه في ترجمة بكر بن
محمد الأزدي الغامدي (ر 273)، عن محمد بن علي بن دحيم. 28 - محمد بن علي بن شاذان،
أبو عبد الله القزويني (رحمه الله). هو الشيخ الجليل الذي ورد على النجاشي (رحمه
الله) زائرا، ذكره في ترجمة محمد ابن مروان الأنباري (ر 933)، وهو من مشايخه الذين
روى عنهم كثيرا كتب الأصحاب واصولهم. وقد روى عنه، عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار
كثيرا جدا. وأيضا عنه، عن علي بن حاتم كثيرا، كما في ترجمة أحمد بن علي الفائدي (ر
237)، والحسن بن علي بن أبي حمزة (ر 73) وإبراهيم بن نعيم (ر 24)، وغيرهم.
والإختلاف بذكر اسمه واسم أبيه أو مع زيادة جده، أو مع زيادة لكنيته واللقب، أو
ذكره بعنوان ابن شاذان ونحو ذلك، لا يضر بالوحدة، كما هو ظاهر لمن تأمل في رواياته.
29 - شيخ الامة ومعلمها وزعيم الطائفة وكهفها محمد بن محمد بن النعمان الملقب
بالشيخ المفيد (رحمه الله)، المتوفى سنة 413، استاذ الماتن في الفقه وسائر الفنون.
وقد قرأ عليه كتبه وكتب الأصحاب واصولهم. وسمع منه عند ما يقرأ عليه. وأجازه بكتبه
وكتب غيره. وروى عنه كثيرا، وذكر ترجمته (ر 1070). 30 - أبو الحسن بن أحمد بن علي
بن الحسن بن شاذان الفامي القمي. قال (رحمه الله) في ترجمة أبيه أحمد (ر 204):
شيخنا الفقيه، حسن المعرفة. صنف كتابين لم يصنف غيرهما، كتاب زاد المسافر وكتاب
الأمالي، أخبرنا بهما ابنه أبو الحسن رحمهما الله.
________________________________________
[ 46 ]
وعن الكراجكي في كنز الفوائد أن اسم أبي الحسن هذا محمد، وأن محمد ابن
أحمد من مشايخه (رحمه الله) (1). 31 - أبو الحسين بن محمد بن أبي سعيد. ففي وهيب بن
خالد البصري (ر 1161) قال: أخبرنا أبو الحسين بن محمد ابن أبي سعيد، قال: حدثنا
جعفر بن محمد بن عبيدالله بمصر قرائة...، إلخ. 32 - أبو عبد الله الجعفي القاضي
(رحمه الله). فقد روى عنه، عن أحمد بن محمد بن سعيد كثيرا، كما في أبان بن محمد
البجلي (ر 11)، وعبد الله بن يحيى الكاهلي (ر 580)، وعبد الله بن سعيد الأسدي (ر
58)، وغير ذلك. واحتمال إتحاده مع أحمد بن محمد بن عبد الله الجعفي بعيد، حيث ذكر
الإسناد إلى محمد بن سلمة اليشكري (ر 898)، مبدوءا بقوله (رحمه الله): قال أحمد بن
محمد بن عبد الله الجعفي: حدثنا أبي...، إلخ. وأما أبو عبد الله فيروي عنه بلفظ
أخبرنا، وفي ذلك إشكال. هذا كله فيمن روى عنه الماتن (رحمه الله) في هذا الكتاب
بقوله: أخبرنا أو حدثنا أو نحو ذلك، وقد استخرجنا هؤلاء وغيرهم من مشايخه بالتأمل
فيما رواه في هذا الكتاب. مشايخه الذين حكى عنهم: قد روى الماتن (رحمه الله) كتب
جمع من أصحابنا واصولهم أو نسخة أو رواية في أحوال الرواة وطبقاتهم عن عدة من
مشايخه، بغير صورة الرواية بقوله: أخبرنا
________________________________________
(1) - كنز الفوائد: ج 1 / ص 148 و 183 و 263 و 280 و 330، وج 2 / ص 12 و
47 و 55 و 75 و 142. (*)
________________________________________
[ 47 ]
أو حدثنا، بل بنحو قوله: (ذكر ذلك) أو (حكى) أو (قال) أو (روى فلان).
وقد اختار غير واحد عدم شمول التوثيق لمشايخه في الرواية والحديث لهولاء، كما سيأتي
الكلام في ذلك. وهم جماعة: 1 - الشيخ الجليل أحمد بن الحسين بن عبيدالله بن
إبراهيم، أبو الحسن، الغضائري (رحمه الله)، ابن شيخه الجليل الحسين الغضائري (رحمه
الله). كان أحمد من شيوخ أصحاب الحديث في عصره، نقادا خبيرا بصيرا بأحوال الرواة
وطبقاتهم، وما ورد فيهم من المدح أو الذم، كثير السماع والقرائة على مشايخ الحديث.
قرأ عليهم وأجازوه بروايته كتب الأصحاب واصولهم، وإليه ينتهى أسانيد كثير منها.
وكان عنده نسخ مؤلفيها بخطهم وإجازاتهم، بل التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة
كما ذكره الماتن (رحمه الله) في محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (ر 952). ويدل
على وفور علمه وكثرة اطلاعه، وقوة بصيرته، وعلمه بالرجال، ما صنفه في فنون الرجال،
وما حكاه الماتن وغيره عنه من كتب الأصحاب واصولهم ورواياتهم وأحوالهم، وما ذكره
أيضا من سماعه وقرائته على مشايخ الحديث. فقد صنف في مصنفات أصحابنا (رضوان الله
عليهم) كتابا، وفي اصولهم كتابا آخر كبيرا، لم يصنف في موضوعه مثله، مع أن أصحابنا
قد صنفوا في فنون الرجال وفي فهرست مصنفاتهم واصولهم كتبا كبيرة ضخمة جدا. قال
الشيخ الطوسي زعيم الطائفة في عصره في مقدمة الفهرست: أما بعد فإني لما رأيت جماعة
من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرست كتب أصحابنا وما صنفوه من التصانيف
ورووه من الاصول. ولم أجد أحدا استوفى ذلك، ولا ذكر أكثره. بل كل منهم كان غرضه أن
يذكر ما اختص
________________________________________
[ 48 ]
بروايته، وأحاطت به خزانته من الكتب. ولم يتعرض أحد منهم لاستيفاء جميعه
إلا ما قصده أبو الحسن أحمد بن الحسين بن عبيدالله (رحمه الله)، فإنه عمل كتابين:
أحدهما ذكر فيه المصنفات، والآخر ذكر فيه الاصول، واستوفا هما على مبلغ ما وجده
وقدر عليه، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا، واخترم هو (رحمه
الله)، وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين، وغيرهما من الكتب، على ما حكى
بعضهم عنه. انتهى كلامه (رحمه الله). قلت: وفي ثبوت هلاك الكتابين كلام يستدعى محلا
آخر. وصنف أحمد بن الحسين أيضا كتابا في الممدوحين من الرواة، وكتابا آخر في
المذمومين ومن ورد فيه غمز أو جرح. وكان العلامة الحلي (رحمه الله) عنده نسختهما،
يروي عنهما في الخلاصة. ويشير إلى الكتابين ويحكى عنهما، كما في تراجم جماعة مثل
سليمان بن عمرو النخعي (1)، وعمرو بن ثابت (2)، ومحمد بن مصادف (3)، وفي ترجمته
قال: اختلف قول ابن الغضائري فيه، ففي أحد الكتابين أنه ضعيف، وفي الآخر أنه
ثقة...، إلخ، وأشار ابن داود الحلي أيضا إلى ذلك في ترجمته (4). قلت: ويحتمل كون
المراد بالكتابين، الكتابين الذين وضعهما في المصنفين وأصحاب الاصول، وإن كان
الأظهر التعدد. ثم إن كتابه في الممدوحين لا يوجد نسخته، ولم يحك عنه غير العلامة
(رحمه الله). وأما كتابه في المذمومين فقد أخرجه السيد ابن طاووس أحمد بن موسى بن
________________________________________
(1) - خلاصة الأقوال: ص 225 / ر 2. (2) - خلاصة الأقوال: ص 241 / ر 10.
(3) - خلاصة الأقوال: ص 256 / ر 56. (4) - كتاب الرجال لابن داود: ص 510 / ر 465.
(*)
________________________________________
[ 49 ]
جعفر المتوفى سنة 673، من مشايخ ابن داود صاحب الرجال. وجمع بينه وبين
الاصول الأربعة الرجالية في كتابه حل الإشكال. وقد حكى ذلك جماعة، بل قيل إن
الموجود من كتب ابن الغضائري هو هذا، وأنه قل من سلم من جرحه. ولذا توقف جماعة عن
الأخذ بجرحه، بل ربما يتوقف في نفسه من كثرة جرحه في الرواة، لكن احتمل بعض من تأخر
أن مؤلفه بعض المعاندين لأكابر الأصحاب. قلت: تأليف كتاب خاص في المذمومين
والمجروحين وعدم تحقيق كامل في طرق الذم وفي الجارح، يقتضى عدم خلو أكثر الثقات
الأجلاء عن الطعن بالألسن. والمعصوم من الزلل ليس معصوما عن جرح المعاند بلسانه.
واستيفاء المجروحين يستلزم ذلك إلا إذا حقق الجرح وترك المفتعل المكذوب. وكان أكثر
ما يرى في هذا الكتاب حسب ما نقل عنه في التراجم الجرح بالغلو والإرتفاع والكذب
والوضع ورواية المناكير. ولعله كان لأحمد بن الحسين (رحمه الله) رأي خاص في حد
الغلو، كما نسب أيضا إلى جماعة من القميين، ولأجله قل من سلم من جرحه. وربما يستفاد
ذلك من جرحه في جماعة من الرواة، فلاحظ. وأما مؤلفه فهو من مشايخ الرجال والجرح
والتعديل، كما في مواضع من الخلاصة. بل عده مع النجاشي والكشي من الشيوخ العظماء،
كما في ترجمة يونس ابن ظبيان (1)، وترحم عليه النجاشي والعلامة في الخلاصة كثيرا.
وقد اعتمد عليه النجاشي في تراجم جماعة، وحكى قوله في قبال أقوال أكابر الإمامية
وثقات الأصحاب، مثل أبي العباس وسعد بن عبد الله.
________________________________________
(1) - خلاصة الأقوال: ص 266 / ر 2. (*)
________________________________________
[ 50 ]
وقد اعتمد العلامة (رحمه الله) في الخلاصة على تضعيفه في تراجم جماعة
كثيرة، لا يخفى على المتتبع. وجمع بين جرحه وبين توثيق النجاشي أو غيره بما لا
ينافي أحدهما الآخر، كما في إدريس بن زياد (1)، وعلي بن ميمون أبي الأكراد (2)،
ومحمد بن أحمد ابن خاقان (3) وغيرهم. ورجح الأخذ بجرحه في قبال قول النجاشي أو
الشيخ ونحوهما، كما في جابر الجعفي (4)، وظفر بن حمدون (5)، وغيرهما. ثم إن المصنف
النجاشي (رحمه الله) قد أكثر في كتابه الحكاية عن ابن الغضائري هذا مترحما عليه،
ويظهر منه الاعتماد عليه. ولذلك قيل بوثاقته بناءا على القول بوثاقة عامة مشايخ
النجاشي. ولكن فيه نظر لعدم روايته عنه في هذا الكتاب بنحو قوله: أخبرنا أو حدثنا،
بل يحكي عنه بصورة قوله قال أو ذكر ذلك أحمد بن الحسين ونحو ذلك، إلا على القول
بعدم اختصاص الوثاقة بخصوص من روى عنهم على الوجه الأول، وسيأتي الكلام فيه إن شاء
الله. ولا يتوهم روايته عنه على الوجه الأول أيضا، لما ذكره (رحمه الله) في ترجمة
عبد الله بن أبي عبد الله الطيالسي (ر 572)، بعد ذكر كتابه قائلا: ونسخة اخرى نوادر
صغيرة، رواه أبو الحسين النصيبي، أخبرناه بقراءة أحمد بن الحسين، قال (رحمه
الله):....
________________________________________
(1) - خلاصة الأقوال: ص 12 / ر 2. (2) - خلاصة الأقوال: ص 96 / ر 27.
(3) - خلاصة الأقوال: ص 152 / ر 73. (4) - خلاصة الأقوال: ص 35 / ر 2. (5) - خلاصة
الأقوال: ص 91 / ر 3. (*)
________________________________________
[ 51 ]
وذلك لأن الظاهر روايته عن شيخه محمد بن عثمان النصيبي القاضي أبي
الحسين المتقدم، ولكن بقراءة أحمد بن الحسين الغضائري على النصيبي، وسماع النجاشي
منه. وكان أحمد يحضر مع النجاشي للقرائة والسماع من مشايخ الحديث في عصره، مثل أبي
الحسين محمد بن عثمان النصيبي القاضي. وأحمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون، ففي
ترجمة علي بن الحسن ابن فضال (ر 676) قال: قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة،
والزكاة، ومناسك الحج، والصيام، والطلاق، والنكاح، والزهد، والجنائز، والمواعظ،
والوصايا، والفرائض، والمتعة، والرجال، على أحمد بن عبد الواحد في مدة سمعتها منه
رحمه الله. والحسين بن عبيدالله الغضائري والده، فكان يحضر مع النجاشي عند القرائة
على والده (رحمه الله)، كما نص عليه في ترجمة أحمد بن الحسين الصيقل (ر 200). بل
كان النجاشي (رحمه الله) يحضر عند أحمد بن الحسين، وفي مجلسه. ومن ذلك يظهر علو
شأنه وجلالته، ففي ترجمة علي بن محمد بن شيران الابلي (ر 705) قال: مات سنة عشرة
وأربعمائة (رحمه الله)، كنا نجتمع معه عند أحمد بن الحسين. وكان النجاشي (رحمه
الله) استفاد منه أحوال الرواة وأنسابهم، وما ورد فيهم من المدح والذم، وكتبهم
واصولهم، ورآها عنده بخط مؤلفيها، وغير ذلك مما يتعلق بالرجال والأسانيد والطرق.
وقد عد جماعة من المتأخرين في وجه تقديم قول النجاشي على الشيخ وغيره امورا: منها:
مصاحبته (رحمه الله) مع أحمد بن الحسين، وسماعه منه، وكونه خصيصا به، وأنه لذلك لا
يوجد في رجال النجاشي ما يخلو منه كتب غيره. قلت: وبالتأمل في كتابه يظهر تمامية ما
افيد، فقد سمع منه ما لم يسمعه من
________________________________________
[ 52 ]
غيره. ولذا يذكر قوله في قبال قول أبي العباس وسعد بن عبد الله،
ونظرائهما. ويذكر طريقه إلى الكتب والاصول مبدوءا باسمه، وهذا كما لا يخفى على
المتأمل. وإن شئت فلاحظ تراجم محمد بن علي بن النعمان الأحول (ر 889)، وسهل بن زياد
(ر 490)، وجعفر بن عبد الله (ر 306)، وأحمد بن إسحاق (ر 225)، والحسين بن محمد
الأزدي (ر 154)، والحسين بن أبي العلاء الخفاف (ر 118)، وغيرهم. قلت: لم أجد في كتب
الأصحاب وغيرهم ذكرا لتاريخ وفاته. ولكن الظاهر أنه كان في حياة الشيخ المفيد (رحمه
الله)، كما يظهر من مقدمة الفهرست. فقال للمفيد: (أدام الله تأييده)، ولابن
الغضائري: (رحمه الله). ولم يظهر أنه توفى بعد وفات والده الحسين المتوفى سنة 411،
والله العالم. 2 - أحمد بن محمد بن عبيدالله بن الحسن بن عياش بن إبراهيم بن أيوب
الجوهري، أبو عبد الله. فقد ذكر (رحمه الله) ترجمته (ر 207)، وقال: كان سمع الحديث
فأكثر، واضطرب في آخر عمره. - إلى أن قال: - رأيت هذا الشيخ، وكان صديقا لي
ولوالدي. وسمعت منه شيئا كثيرا. ورأيت شيوخنا يضعفونه، فلم أرو عنه شيئا، وتجنبته.
وكان من أهل العلم والأدب القوي، وطيب الشعر وحسن الخط (رحمه الله)، وسامحه. ومات
سنة إحدى وأربع مائة. قلت: وفي ترجمة مرازم (ر 1141): له كتاب يرويه جماعة، قال أبو
عبد الله ابن عياش: حدثنا محمد بن أحمد بن مصقلة...، إلخ. ثم ذكر الطريق. وفي ترجمة
محمد بن الحسن بن شمون (ر 902) عند تضعيفه بفساد المذهب، وما اضيف إليه من الأحاديث
في القول بالوقف، قال: فإن أبا عبد الله بن عياش حكى عن أبي طالب الأنباري. ثم ذكر
الحديث بإسناده، وفي ترجمة الحسين بن بسطام (ر 79)
________________________________________
[ 53 ]
قال: قال أبو عبد الله بن عياش: هو الحسين بن بسطام بن سابور الزيات. ثم
ذكر له كتابا، ثم قال: قال ابن عياش: أخبرناه الشريف أبو الحسين صالح بن الحسين
النوفلي...، إلخ، ثم ذكر الطريق إليه. قلت: روى الشيخ الحر في آخر الوسائل هذا
الكتاب بإسناده إلى النجاشي عن ابن عياش، إلى آخر الإسناد (1). وذلك محل نظر
باعتبار نص النجاشي (رحمه الله) بقوله: فلم أرو عنه. وروى كتاب الحسن بن محمد أبي
محمد (ر 113) بطريق، مبدوء بقوله: قال ابن عياش...، إلخ. وكذلك كتاب بكر بن أحمد (ر
278). وكتاب الخصال وكتاب الكمال لمحمد بن جعفر بن عنبسة (ر 1028). وكتاب عبيد بن
كثير يعرف بكتاب التخريج (ر 620)، قائلا: رواه أبو عبد الله بن عياش...، إلخ. ونحوه
كتاب رومي ابن زرارة (ر 440). وفي نجيح بن قباء الغافقي (ر 1154)، قال ابن عياش:
حدثنا...، إلخ، وفي محمد بن عيسى الأشعري (ر 908): له كتاب الخطب، قال أحمد بن محمد
بن عبيدالله: حدثنا محمد بن أحمد بن مصقلة، إلى آخر الإسناد. وفي القاسم بن الوليد
(ر 855) ذكر له كتابا، ثم قال: قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبيدالله: حدثنا
عبيدالله بن أبي زيد...، إلخ. أقول: عبيدالله بن أبي زيد هو أبو طالب الأنباري
المتقدم ذكره. 3 - أحمد بن محمد بن عبد الله الجعفي. ففي محمد بن سلمة اليشكري (ر
898) ذكر كتبه. ثم قال: قال أحمد بن محمد بن عبد الله الجعفي: حدثنا أبي...، إلخ.
واحتمال إتحاده مع أبي عبد الله القاضي
________________________________________
(1) - وسائل الشيعة: ج 20 / ص 58. (*)
________________________________________
[ 54 ]
الجعفي المتقدم لا شاهد له. 4 - الحسن بن أحمد بن القاسم بن محمد بن علي
بن أبي طالب (عليه السلام) الشريف النقيب، أبو محمد. قال (رحمه الله) في ترجمته (ر
152): سيد في هذه الطائفة، غير أني رأيت بعض أصحابنا يغمز عليه في بعض رواياته. له
كتب. - إلى أن قال (رحمه الله): - قرأت عليه فوائد كثيرة. وقرء عليه وأنا أسمع.
ومات.... وذكر (رحمه الله) في ترجمة علي بن أحمد أبي القاسم الكوفي (ر 691) ما
لفظه: وذكر الشريف أبو محمد المحمدي (رحمه الله) أنه رآه. 5 - الحسين بن الحصين بن
سجيت العمي. ففي ترجمة جابر الجعفي (ر 332) بعد ذكر كتبه، قال: روى هذه الكتب
الحسين بن الحصين العمي، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم...، إلخ. وفي ترجمة سعيد ابن
سعد العبسي (ر 475) بعد ذكر نسخته، قال: رواها الحسين بن الحصين بن سجيت العمي،
قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم...، إلخ. وبعد ذكر كتاب محمد بن الحسن بن عبد الله
الجعفري (ر 887)، قال: قال الحسين بن حصين العمي: أخبرنا أبو بشر أحمد بن
إبراهيم... إلى آخر السند. قلت: لم نجد للحسين بن الحصين ذكرا في كتب الرجال، ولكن
قد حققنا ترجمته في محلها. 6 - عبد الله بن محمد بن عبد الله، أبو محمد الحذاء
الدعلجي. منسوب إلى موضع خلف باب الكوفة ببغداد، يقال له: الدعالجة. كان فقيها
عارفا. وعليه تعلمت المواريث، له كتاب الحج. هكذا ذكره في ترجمته (ر 609). وفي
ترجمة علي بن علي بن رزين أخي دعبل الشاعر (ر 727)، قال: له كتاب كبير عن الرضا
(عليه السلام)، قال عثمان بن أحمد الواسطي وأبو محمد عبد الله بن
________________________________________
[ 55 ]
محمد الدعلجي: حدثنا أحمد بن علي...، إلخ. قلت: ذكره العلامة (رحمه
الله) في القسم الأول من الخلاصة (1). وكذلك ابن داود في رجاله. وهذا يدل على
وثاقته، أو كونه ممدوحا عندهما. 7 - عثمان بن أحمد الواسطي. فقد روى عنه كتاب ابن
أخي دعبل، كما تقدم في عبد الله الدعلجي. 8 - عثمان بن حاتم بن المنتاب التغلبي،
استاذه (رحمه الله). فقد حكى عنه في عدة مواضع، ففي ترجمة سعدان بن مسلم (ر 515)
قال: وقد اختلف في عشيرته، فقال استاذنا عثمان بن حاتم بن المنتاب التغلبي: قال
محمد بن عبده: سعدان بن مسلم الزهري من بني زهرة بن كلاب عربي، أعقب، والله أعلم.
وفي الحسين بن أبي العلاء (ر 118)، حكى عنه أنه مولى بني أسد، ونحوه في الحسين بن
نعيم الصحاف (ر 121). 9 - علي بن عبد الرحمان، أبو القاسم. ففي ترجمة محمد بن عبيد
بن صاعد (ر 927)، قال: له كتاب نوادر. قال: أبو القاسم علي بن عبد الرحمان: حدثنا
الحسين بن أحمد بن إلياس...، إلخ. 10 - علي بن عبد الواحد الخمري، أبو الحسن (رحمه
الله). ففي ترجمة أحمد بن إسحاق (ر 225) قال: قال أبو الحسن على بن عبد الواحد
الخمري (رحمه الله) وأحمد بن الحسين (رحمه الله): رأيت من كتبه كتاب...، إلخ. وفي
ترجمة حكم بن أيمن الحناط الخمري (ر 354) قال: وكان أبو الحسن علي بن عبد الواحد
الخمري من ولده (رحمه الله)، يذكر أنه من نهد بن زيد...، إلخ.
________________________________________
(1) - خلاصة الأقوال: ص 112 / ر 53. (*)
________________________________________
[ 56 ]
قلت: ويظهر من ذلك أنه (رحمه الله) كان عارفا بالرجال والأنساب. 11 -
محمد بن عبد الله أبو المفضل الشيباني. وهو الذي ذكر ترجمته (ر 1062)، وقال: كان
سافر في طلب الحديث عمره. أصله كوفي. وكان في أول عمره ثبتا، ثم خلط، ورأيت جل
أصحابنا يغمزونه ويضعفونه. له كتب - إلى أن قال: - رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيرا.
ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه. قلت: يأتي الكلام في أحواله في
ترجمته. وقال في ترجمة محمد بن جعفر بن بطة (ر 1022) بعد ذكر طريقه إلى كتبه: قال
أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب: حدثنا محمد بن جعفر بن بطة، وقرأنا عليه،
وأجازنا ببغداد في النوبختية وقد سكنها. وفي ترجمة محمد بن أحمد ابن أبي الثلج (ر
1040) قال: قال أبو المفضل الشيباني: حدثنا...، إلخ. وفي ترجمة علي بن الحسين
المسعودي صاحب مروج الذهب (ر 665) قال: زعم أبو المفضل الشيباني (رحمه الله) أنه
لقيه واستجازه، وقال: لقيته وبقي هذا الرجل إلى سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. قلت:
وقد روى النجاشي على الوجه الأول عن شيخه محمد بن علي الكاتب القناتي، عن أبي
المفضل الشيباني كما في ترجمة محمد بن علي الشلمغاني (ر 1032)، بل وبواسطة غيره من
مشايخه، كما في مواضع من الكتاب. 12 - محمد بن موسى بن علي القزويني، أبو الفرج
(رحمه الله). ففي ترجمة أحمد بن محمد الصولي المتوفى سنة 353 (ر 202) ذكر كتابه
أخبار فاطمة عليها السلام. ثم قال: كان يروي عنه أبو الفرج محمد بن موسى القزويني.
وفي ترجمة سليمان بن سفيان المسترق (ر 485) قال: قال أبو الفرج محمد بن موسى بن علي
القزويني (رحمه الله): حدثنا إسماعيل بن علي الدعبلي، الحديث.
________________________________________
[ 57 ]
ويحتمل اتحاده مع المترجم (ر 1065) بما لفظه: محمد بن أبي عمران موسى
ابن علي بن عبدويه القزويني، الكاتب، ثقة، صحيح الرواية، واضح الطريقة. له كتب. -
إلى أن قال: - رأيت هذا الشيخ، ولم يتفق لي سماع شئ منه. ولكن الذي يبعد الإتحاد
المذكور أن التصريح بعدم سماعه شيئا منه يقتضي كون الرواية والحكاية إما عن كتابه
من طريق الوجادة لا السماع والقرائة، وإما بواسطة محذوفة في المقام. وكلاهما خلاف
ظاهر كلامه (رحمه الله). 13 - محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، أبو جعفر (رحمه
الله). قال في ترجمة هارون (ر 1187): كنت أحضر في داره مع ابنه أبي جعفر والناس
يقرؤن عليه. وفي ترجمة أحمد بن محمد بن الربيع الأقرع (ر 189) قال أبو الحسين محمد
بن هارون بن موسى (رحمه الله): قال أبي: قال أبو علي بن همام: حدثنا عبد الله بن
العلاء، قال: كان أحمد بن محمد الربيع عالما بالرجال. 14 - هارون بن موسى أبو محمد
التلعكبري (رحمه الله)، هو شيخ الطائفة في عصره. قال الماتن (رحمه الله) في ترجمته
(ر 1187): كان وجها في أصحابنا، ثقة، معتمدا لا يطعن عليه. له كتب، منها: كتاب
الجوامع في علوم الدين، كنت أحضر في داره مع ابنه أبي جعفر، والناس يقرؤون عليه.
وقد حكى عنه في ترجمة محمد بن عبيدالله بن أبي رافع (ر 948)، وقال: قال أبو محمد
هارون: حدثنا ابن معمر...، إلخ. وفي ترجمة محمد بن أبي بكر همام الإسكافي (ر 1035)
قال: قال أبو محمد هارون بن موسى (رحمه الله): حدثنا محمد بن همام...، إلخ. وذكر
أيضا عنه حديثين آخرين هناك. 15 - أبو الحسن البغدادي السوراني البزاز. ففي ترجمة
فضالة بن أيوب (ر 850) قال: له كتاب الصلاة. قال لي أبو
________________________________________
[ 58 ]
الحسن بن البغدادي السوراني البزاز: قال لنا الحسين بن زيد السوراني...،
إلخ. قلت: ولعل أبا الحسن هو محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزاز،
المتوفى في يوم الأربعاء الحادي عشرة من شهر ربيع الأول، سنة تسع عشرة وأربعمائة،
الذي ذكره الخطيب في تاريخه. وقال: كتبنا عنه وكان صدوقا (1). قلت: وقد عد من مشايخ
شيخ الطائفة أيضا. 16 - أبو الحسن بن المهلوس العلوي الموسوي. ففي ترجمة محمد بن
عبد الرحمان بن قبة (ر 1026) قال الماتن (رحمه الله): سمعت أبا الحسين بن المهلوس
العلوي الموسوي رضي الله عنه، يقول: في مجلس الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن
موسى، وهناك شيخنا أبو عبد الله محمد بن النعمان، رحمهم الله أجمعين، سمعت أبا
الحسين السوسنجردي (رحمه الله)...، إلخ. قلت: هؤلاء من وجدنا رواية النجاشي عنهم في
كتابه بنحو قوله: ذكر أو قال أو روى، دون أخبرنا أو حدثنا. وقد رآى وسمع من جماعة
ولم يحك عنهم شيئا وهم جماعة. من سمع منه أو قرأ عليه من المشايخ ولم يحك عنه شيئا
سمع الماتن (رحمه الله)، وقرأ الحديث والفقه على جماعة من مشايخ الحديث في عصره ولم
يحك عنهم شيئا، ولو بصورة قال أو ذكر أو نحوهما. بل ترك السماع عن بعضهم أيضا. وذلك
لعلو طبقتهم، أو ضعفهم، أو غير ذلك. وهم عدة: 1 - أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب، أبو
الحسن. قال: كنت أتردد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي وهو مسجد نفطويه
________________________________________
(1) - تاريخ بغداد: ج 3 / ص 231 / ر 1302. (*)
________________________________________
[ 59 ]
النحوي أقرأ القرآن على صاحب المسجد. وجماعة من أصحابنا يقرؤون كتاب
الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب، حدثكم محمد بن يعقوب
الكليني...، إلخ. قلت: ويحتمل كون (أحمد) الوالد مصحف (محمد)، فيتحد مع أحمد بن
محمد بن علي الكوفي الذي ذكره الشيخ (رحمه الله)، في باب من لم يرو عنهم عليم
السلام من رجاله (ص 450 / ر 70)، قائلا: روى عن الكليني، أخبرنا عنه علي بن الحسين
الموسوي المرتضى (رحمه الله). ولعل الوجه في ترك الرواية عنه علو طبقته، كما سيأتي.
2 - إسحاق بن الحسن بن بكران، أبو الحسين العقرابي التمار. ذكر ترجمته (ر 178)،
وقال: كثير السماع، ضعيف في مذهبه. رأيته بالكوفة وهو مجاور. وكان يروي كتاب
الكليني عنه، وكان في هذا الوقت علوا. فلم أسمع منه شيئا...، إلخ. وفي ترجمة
الكليني (رحمه الله) (ر 1029) قال: وأبو الحسين العقرابي يرويه عنه. قلت: يأتي في
ترجمته بيان كلامه، ومعنى العلو، وعدم كونه مانعا عن السماع والرواية عنه. 3 - عبد
الواحد بن مهدي، أبو عمر. فقد ذكر ليعقوب بن شيبة (ر 1221) كتاب مسند أمير المؤمنين
(عليه السلام)، ومسند عمار بن ياسر. ثم قال: قرأت هذا الكتاب على أبي عمر عبد
الواحد بن مهدي. قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد...، إلخ. 4 - علي بن حماد بن
عبيدالله بن حماد العدوي الشاعر، أبو الحسن (رحمه الله). كان من مشايخ شيخه الحسين
بن عبيدالله الغضائري. وقد ذكر في ترجمة عبد العزيز الجلودي (ر 640) كتبه الكثيرة
التي يقل عددها عن المائتين بستة، ثم قال: وهذه جملة كتب أبي أحمد الجلودي التي
رأيتها في الفهارس، وقد رأيت
________________________________________
[ 60 ]
بعضها. قال لنا أبو عبد الله الحسين بن عبيدالله: أجازنا كتبه جميعها
أبو الحسن علي بن حماد بن عبيدالله العدوي، وقد رأيت أبا الحسن بن حماد الشاعر
(رحمه الله)...، إلخ. 5 - علي بن عبد الله بن عمران القرشي، أبو الحسن المخزومي
الذي يعرف بالميموني. ذكر (رحمه الله) في ترجمته (ر 698): كان فاسد المذهب
والرواية. وكان عارفا بالفقه. وصنف كتاب الحج، وكتاب الرد على أهل القياس. فأما
كتاب الحج فسلم إلي نسخته فنسختها، وكان قديما قاضيا بمكة سنين كثيرة. وفي الكنى (ر
1265) قال: أبو الحسن الميموني مضطرب جدا. له كتاب الحج. وكان قاضيا بمكة سنين
كثيرة، قرأت هذا الكتاب عليه. أقول: والظاهر الإتحاد. 6 - علي بن محمد بن العدوي
الشمشاطي أبو الحسن. ذكر في ترجمته (ر 689): كان شيخا بالجزيرة، وفاضل أهل زمانه
وأديبهم. له كتب كثيرة. ثم ذكرها بتفصيلها عن سلامة بن ذكا، ثم رواها عن سلامة،
عنه. 7 - محمد بن إبراهيم بن جعفر، أبو عبد الله الكاتب النعماني، المعروف بابن
زينب، صاحب كتاب الغيبة. فقد أدركه النجاشي ورآه، وحضر عنده بمشهد العتيقة حين ما
كان أبو الحسين محمد بن علي الشجاعي الكاتب يقرأ عليه كتاب الغيبة. ذكر ذلك في
ترجمته (ر 1046). وفي ترجمة الحسين بن علي المغربي (ر 167) ذكره، وقال: شيخنا صاحب
كتاب الغيبة. تتميم: قد يوجد في هذا الكتاب حكاية كتاب أو إسناده بطريق مبدو باسم،
ربما يوهم كونه من مشايخه ومن أدركهم وليس كذلك. بل الإسناد
________________________________________
[ 61 ]
مقطوع، مثل ما روى عن سلامة بن محمد الأرزني في أبان بن تغلب (ر 7)،
وغيره، وعن عباس بن أحمد بن الفضل الهاشمي الصالحي في سهل بن زياد (ر 490)، وعن
عبيدالله بن أحمد بن يعقوب بن البواب المقري في محمد بن ميمون الزعفراني (ر 953)،
وعن محمد بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن عبيدالله بن محمد بن عقيل كتاب علية بنت
علي بن الحسين (ر 832)، وعن أبي الحسين محمد بن علي بن تمام الدهقان في الحسين بن
زيد ذي الدمعة (ر 116). ويظهر من ترجمة الحسن بن الحسين النجار (ر 112) أنه من
مشايخ الحسين بن عبيدالله الغضائري وغيره من مشايخه رحمهم الله، وعن أبي إسحاق
الطبري، في محمد بن الحسن بن أبي سارة (ر 886). قلت: ويمكن أن يكون المراد به أبا
إسحاق الطبري الصغير محمد بن جرير المعاصر للشيخ والنجاشي، فليتأمل. وروى عن أحمد
بن كامل، عن داود بن محمد بن أبي معشر، في أبي معشر المدني (ر 1246)، بل عده بعض
الأعاظم في مشايخ النجاشي، ولكنه ليس كذلك. بل هو من مشايخ إبراهيم بن مخلد الذي
تقدم في مشايخ النجاشي، كما في ترجمة دعبل الشاعر (ر 428). وقد عد الخطيب أيضا في
تاريخه أحمد بن كامل بن شجرة من مشايخ إبراهيم بن مخلد (1). بل ربما يظهر من بعض
أصحابنا قدسرهم عد غير واحد من مشايخ أبي العباس بن نوح من مشايخ النجاشي (رحمه
الله)، مع أنه ليس كذلك، كما يظهر بالتأمل في الأسانيد وملاحظة الطبقة. وإنما نشأ
ذلك مما ذكره النجاشي في ترجمة الحسين بن سعيد (ر 137) فيما
________________________________________
(1) - تاريخ بغداد: ج 4 / ص 357 / ر 2209. (*)
________________________________________
[ 62 ]
طلب من أبي العباس ذكر طريقه إلى الحسين بن سعيد، فكتب إليه، ثم أشار
إلى ذلك بتفصيل، وبدء كل طريق بقوله: أخبرنا، فلاحظ وتأمل. وعليك بالتأمل فيما
ذكرناه في مشايخ النجاشي، فتقف على مواضع من النظر فيما ذكره غير واحد من الأعلام
في مشيخته (رحمه الله)، وقد استخرجنا ذلك من النظر في جميع ما رواه في هذا الكتاب،
ولعلهم وقفوا على غيره، والله الهادي. العدة من مشايخه: تكرر من النجاشي (رحمه
الله) في هذا الكتاب قوله: أخبرنا عدة من أصحابنا، أو جماعة من أصحابنا، أو جميع
شيوخنا، أو غير واحد، أو محمد وغيره، أو أحمد وغيره، وهكذا. وإذ كان في مشايخه من
لم يصرح بتوثيق أو مدح، فربما يوهم ذلك جهالة الطريق، لعدم تسميته العدة أو
الجماعة، وعدم ظهور اصطلاح من النجاشي فيها، ويحتمل عدم اشتمالها على الثقة. ويدفع
هذا الإيهام إثبات اشتمالها على الثقة بدعوى أن رواياته في هذا الكتاب غالبا إنما
هي عن مشايخه المعروفين، المفيد وأبي العباس وأضرابهما من الثقات الأجلاء، ويبعد
خلوها عن الثقة، أو باستظهار المراد منها في الموارد، أو دعوى وثاقة عامة مشايخه،
وأنه لا يروي إلا عن الثقات، كما قيل. فلا مجال للأول كما هو ظاهر للمتأمل في هذا
الكتاب، فقد كثرت روايته عن الحسين بن عبيدالله، وأحمد بن عبد الواحد، وأحمد بن
علي، وأحمد بن محمد ابن الصلت، وغيرهم ممن لم نقف على تصريح أصحابنا بوثاقتهم، وإن
استظهرها المتأخرون من امور مذكورة في محلها، فينحصر في الأخيرين، فإن تم استظهار
________________________________________
[ 63 ]
المراد منها وأن فيها الثقة من مشايخه فهو، وإلالزم البحث عن وثاقة عامة
مشايخه. فلذلك نقول وبالله الإستعانة: يمكن استظهار المراد منها بقرينة من روى
هؤلاء المشايخ عنه في الموارد المتفرقة، أو غير ذلك من القرائن، كما ستقف عليها.
أما العدة عن أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع الأنصاري، كما في ترجمة جعفر بن محمد
الفزاري (ر 313)، فمنهم: 1 - أحمد بن علي بن نوح أبو العباس السيرافي الثقة، كما في
ترجمة بريد ابن معاوية (ر 287)، وعلي بن عبد الله (ر 692)، وغير ذلك. 2 - أحمد بن
عبد الواحد البزاز، كما في الحسن بن محمد بن سهل (ر 75). 3 - الحسين بن عبيدالله
الغضائري، كما في ترجمة أحمد بن إبراهيم الأنصاري (ر 203)، وأحمد بن الحسن الضرير
(ر 231)، وغير ذلك، وجمع بين الحسين بن عبيدالله وأحمد بن علي، كما في ترجمة أحمد
بن رزق الغمشاني (ر 243)، ومقاتل (ر 1142). قلت: وقد روى الشيخ (رحمه الله) في
الفهرست عن عدة من أصحابنا، منهم المفيد وابن الغضائري وأحمد بن عبدون وغيرهم، عن
أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع الأنصاري في ترجمة أحمد بن الحسن الإسفراييني (ص 27 /
ر 74). والعدة عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، وقد روى عنهم، عنه
كثيرا، فمنهم: 1 - أحمد بن محمد بن عبد الله الجعفي، أبو عبد الله القاضي، كما في
ترجمة أبان بن محمد (ر 11)، وعبد الله الكاهلي (ر 580)، وغير ذلك كثيرا جدا. وفي
ترجمة عبد الرحمان بن أبي نجران (ر 622)، عن القاضي أبي عبد الله وغيره، عن أحمد بن
محمد. 2 - أحمد بن محمد بن عمران الجندي، كما في ترجمة أحمد بن محمد بن أبي
________________________________________
[ 64 ]
نصر البزنطي (ر 180)، وغير ذلك. 3 - أحمد بن محمد بن هارون بن الصلت
الأهوازي، كما في ترجمة إبراهيم ابن مهزم (ر 31)، وإسماعيل بن زيد (ر 54). ومع
غيره، كما في ترجمة زياد بن أبي غياث (ر 492)، وزياد بن مروان (ر 450)، وغير ذلك.
وفي ترجمة منذر بن محمد (ر 1118) عن أحمد بن محمد ومحمد بن جعفر، عنه. 4 - الحسين
بن عبيدالله الغضائري، كما في الحسن بن علي بن أبي عقيل (ر 100). 5 - محمد بن جعفر
الأديب النحوي التميمي، كما في تراجم جماعة، منهم أبو رافع (ر 1). والعدة عن أحمد
بن محمد بن سليمان أبي غالب الزراري، كما روى عنهم، عنه في علي بن عبد الله الدهقان
(ر 697)، وغيره، فمنهم: 1 - أحمد بن علي السيرافي، أبو العباس، الثقة، كما في ترجمة
بشر بن سلام (ر 286)، وغيره كثيرا. 2 - الحسين بن عبيدالله، كما في أحمد بن أبي نصر
البزنطي (ر 180)، وغيره. 3 - محمد بن محمد بن النعمان المفيد (رحمه الله)، كما في
إسماعيل بن مهران (ر 49)، وقد روى عنه، عنه كثيرا، وقال: أخبرنا جماعة شيوخنا، عن
أبي غالب أحمد بن محمد...، إلخ، كما في محمد بن سنان (ر 891). قلت: روى الشيخ في
الفهرست، عن عدة من أصحابنا أو جماعة، عن أحمد بن محمد أبي غالب الزراري كثيرا.
وفسرهم بالمفيد، وأحمد بن عبدون، والحسين بن عبيدالله، وغيرهم، كما في ترجمة أبي
غالب (ص 32 / ر 84)، وأحمد البرقي (ص 21 / ر 55)، وأحمد بن البزنطي (ص 19 / ر 53)،
وغير ذلك.
________________________________________
[ 65 ]
والعدة عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، وقد روى عنهم، عنه كثيرا،
فمنهم: 1 - أحمد بن علي، أبو العباس، الثقة، كما في ترجمة الحسين بن سعيد (ر 137)،
وعبد الله بن المغيرة (ر 561)، وغيره. 2 - الحسين بن عبيدالله، كما في أحمد بن محمد
السياري (ر 192)، وغير ذلك كثيرا. 3 - محمد بن علي بن شاذان، وقد روى عنه، عن أحمد
بن محمد العطار كثيرا. وجمع بين ابن شاذان والحسين بن عبيدالله في ترجمة أحمد بن
محمد بن عيسى (ر 198)، وبين الحسين وغيره عنه في ترجمة زكريا المؤمن (ر 453)، وبين
أحمد بن علي وابن شاذان وغيرهما في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى (ر 942). قلت: روى
الشيخ (رحمه الله) في الفهرست عن العدة، عن أحمد بن محمد بن يحيى، وسمى منهم:
الحسين بن عبيدالله وابن أبي جيد في تراجم جماعة، مثل أحمد بن محمد بن عيسى (ص 25 /
ر 65)، وأحمد بن أبي زاهر (ص 25 / ر 66)، وأحمد بن إسحاق (ص 26 / ر 68)، وأبان بن
عثمان (ص 18 / ر 52). والعدة عن جعفر بن أحمد بن سفيان البزوفري، فمنهم: 1 - أحمد
بن علي بن نوح أبو العباس الثقة، كما في ترجمة إبراهيم بن صالح (ر 13)، وغيره. 2 -
الحسين بن عبيدالله، كما في إبراهيم بن مسلم (ر 44)، وغيره. قلت: الظاهر أن جعفر بن
أحمد في هذه الموارد مصحف أحمد بن جعفر. فقد روى عنهما، عنه، وروى عن الحسين بن
عبيدالله، عن أحمد بن جعفر بن سفيان كثيرا، كما في ترجمة درست (ر 430)، وغيره، وعن
أحمد بن علي أبي العباس أيضا، عن أحمد بن جعفر، كما في ترجمة الفضل بن سليمان (ر
837)،
________________________________________
[ 66 ]
والفضل بن شاذان (ر 840)، وغيره. وروى الشيخ (رحمه الله) في رجاله، باب
من لم يرو عنهم (عليهم السلام) (ص 443 / ر 35)، عن المفيد وابن الغضائري، عن أحمد
بن جعفر بن سفيان. ومما ذكرنا يظهر ما في كلام المحدث النوري (رحمه الله) في خاتمة
المستدرك في تفسير العدة تبعا لظاهر العنوان فيما تقدم منه، فلاحظ. والعدة عن جعفر
بن محمد بن قولويه، كما روى عنهم، عنه في ترجمة حاتم بن إسماعيل (ر 382)، فمنهم: 1
- المفيد (رحمه الله). 2 - والحسين بن الغضائري. 3 - والحسين بن أحمد بن موسى بن
هدبة. وقد جمع النجاشي بينهم في الرواية، عن ابن قولويه في ترجمة علي بن مهزيار (ر
664)، وترجمة سعد بن عبد الله (ر 467)، وبين المفيد وابن هدبة في علي ابن محمد أبي
مملة (ر 685). وروى عن المفيد، عنه كثيرا، وعن ابن الغضائري وغيره في ترجمة ربيعة
ابن سميع (ر 3)، وغيره. وبين المفيد وابن الغضائري، كما في ترجمة ابن قولويه (ر
31). وبينهما وبين أحمد بن علي أبي العباس في ترجمة الكليني (ر 1029). قلت: روى
الشيخ في الفهرست عن العدة، عن ابن قولويه كثيرا، وسمى منهم المفيد، وأحمد بن
عبدون، وابن الغضائري، وقال: وغيرهم، كما في ترجمة ابن قولويه (ص 42 / ر 130)
والكليني (ص 135 / ر 591). وقال في رجاله باب من لم يرو عنهم (عليهم السلام) (ص 458
/ ر 5)، عند ذكر ابن قولويه: روى عنه التلعكبري بري، وأخبرنا عنه محمد بن محمد بن
النعمان، والحسين بن عبيدالله وأحمد بن عبدون، وابن عزور...، إلخ.
________________________________________
[ 67 ]
تنبيه: روى النجاشي عن جعفر بن محمد بن عبيدالله تارة بواسطة أبي الحسين
بن محمد بن أبي سعيد، كما في ترجمة وهيب بن خالد (ر 1160)، وأخرى بواسطة محمد بن
عثمان أبي الحسين القاضي، كما في عبد الله بن أبي أويس (ر 58)، وحديد بن حكيم (ر
385)، ومواضع كثيرة. والعدة عن الحسن بن حمزة أبي محمد الطبري المرعشي العلوي، كما
في العلاء بن رزين (ر 811)، منهم: 1 - المفيد (رحمه الله)، كما في إبراهيم بن رجاء
(ر 16)، وإبراهيم بن هاشم (ر 1 8)، وغير ذلك. 2 - أحمد بن علي بن نوح الثقة، كما في
إسماعيل بن أبي زياد (ر 47)، وغير ذلك كثيرا. 3 - الحسين بن عبيدالله بن الغضائري،
كما في الحسين بن موسى (ر 90)، والحسن بن رباط (ر 94)، وغيره كثيرا. قلت: جمع (رحمه
الله) بين المفيد وغيره في ترجمة الحسن بن أبى قتادة (ر 74)، وغيره كثيرا، وجمع بين
ابن الغضائري وبين جميع شيوخنا في ترجمته (ر 150). وروى الشيخ (رحمه الله) في
الفهرست عن العدة، عن الحسن بن حمزة، وصرح باسم بعضهم، منهم: المفيد، وأحمد بن
عبدون، وابن الغضائري في ترجمته (ص 52 / ر 184)، وفي إبراهيم بن هاشم (ص 4 / ر 6)،
وأحمد البرقي (ص 22 / ر 55). والعدة عن الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن ابن أخي
طاهر، فيما روى عن عدة من أصحابنا كثيرة عنه كتبه في ترجمته (ر 149)، فمنهم: الحسين
ابن عبيدالله الغضائري، كما في إسماعيل بن محمد المخزومي (ر 67)، ومتوكل بن عمر (ر
1147). قلت: ومن البعيد جدا خلو هذه العدة الكثيرة من مشايخه عن المفيد أو
________________________________________
[ 68 ]
السيرافي من ثقات مشايخه. والعدة عن سهل بن أحمد الديباجي، فمنهم: 1 -
أحمد بن عبد الواحد، كما في ترجمته (ر 493)، فذكر كتابه ثم قال (رحمه الله): أخبرني
به عدة من أصحابنا وأحمد بن عبد الواحد. 2 - الحسين بن عبيدالله، كما في ترجمة محمد
بن محمد الأشعث (ر 1034). قلت: وروى عن غير واحد، عن علي بن حبشي بن قوني الكاتب
الكوفي في عبيدالله الحلبي (ر 612)، وعن أبي عبد الله بن عبد الواحد وغيره، عنه في
الحسين بن أحمد المنقري (ر 119)، فمنهم: 1 - أحمد بن عبد الواحد كما تقدم، وفي
القاسم بن عروة (ر 860) وغيره كثيرا. 2 - الحسين بن عبيدالله، كما في ترجمة القاسم
بن عروة (ر 860). والعدة عن علي بن محمد بن يوسف بن مهجور بن خالويه، كما في ترجمته
(ر 699)، فمنهم: الحسين بن عبيدالله، كما في هاشم بن إبراهيم (ر 1171)، وفي محمد بن
مسعود العياشي (ر 947)، بل وفي جراح المدائني (ر 335)، وربعي ابن عبد الله (ر 441).
بل ولعل الظاهر أن علي بن محمد هذا هو من مشايخ النجاشي أيضا، كما في محمد بن
إبراهيم الإمام (ر 954)، وتقدم في مشايخه. وحيئذ يشمله ما ذكره في ترجمه الحسن بن
حمزة الطبري المرعشي (ر 150): أخبرنا بها شيخنا أبو عبد الله، وجميع شيوخنا رحمهم
الله. والعدة عن محمد بن أحمد بن الجنيد الأسكافي ثقات. قال (رحمه الله) في ترجمته
(ر 1050): سمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه: إنه كان يقول بالقياس، وأخبرونا جميعا
بالإجازة لهم بجميع كتبه ومصنفاته.
________________________________________
[ 69 ]
قلت: وروى الشيخ (رحمه الله) في الفهرست عن العدة، عن محمد بن أحمد
الإسكافي وصرح بالمفيد وابن عبدون، منهم في أحمد بن محمد بن عاصم (ص 28 / ر 75).
والعدة عن محمد بن أحمد بن داود، كما في ربيع بن زكريا (ر 434)، وسعيد الأعرج (ر
477)، وغيره، فمنهم: 1 - المفيد (رحمه الله). 2 - أحمد بن علي أبو العباس. 3 - ابن
الغضائري، كما صرح بهم في ترجمته (ر 1048)، وفي سلامة بن محمد (ر 514). وروى عن
المفيد (رحمه الله)، عنه كثيرا، كما عن ابن الغضائري عنه كثيرا، وأيضا في ترجمة
أحمد بن محمد بن عمار (ر 236) رواية وحكاية. قلت: وروى الشيخ (رحمه الله) عن ابن
داود هذا، وصرح بالمفيد وابن الغضائري وابن عبدون في موارد، منها في ترجمته (ص 136
/ ر 592)، وفي أحمد بن محمد بن سيار (ص 23 / ر 60). والعدة عن محمد بن علي بن
الحسين بن بابويه الصدوق (رحمه الله)، كما روى عن جماعة، عنه في يحيى بن عبد الحميد
(ر 1209)، فمنهم: 1 - والده علي بن أحمد (رحمه الله)، كما في محمد بن إسماعيل بن
بزيع (ر 896)، ومحمد بن أبي القاسم (ر 950)، وترجمة الصدوق (رحمه الله) (ر 1052). 2
- أحمد بن علي بن نوح أبو العباس السيرافي الثقة، كما في حكم بن حكيم (ر 353). قلت:
وروى الشيخ (رحمه الله) أيضا في الفهرست كثيرا عن العدة، عن الصدوق (رحمه الله)،
وصرح بالمفيد وابن الغضائري وجعفر بن الحسين بن حسكة القمي منهم في ترجمة محمد بن
قيس (ص 131 / ر 579)، وزاد على هؤلاء الثلاثة
________________________________________
[ 70 ]
أيضا في ترجمة الصدوق (رحمه الله) (ص 157 / ر 695): أبا زكريا محمد بن
سليمان الحمراني. والعدة عن محمد بن عمر بن مسلم البراء بن سيرة الجعابي التميمي،
كما روى عنهم، عنه في ترجمة أبي حمزة الثمالي (ر 296)، فمنهم: 1 - المفيد (رحمه
الله) كما في ترجمته (ر 1058)، وجعفر بن محمد أبي قيراط (ر 314). 2 - محمد بن عثمان
أبو الحسين النصيبي، كما في ترجمة عبد الله بن علي (ر 599)، وعبد الله بن محمد
الرازي (ر 603). وعن المفيد وغيره في إدريس بن زياد (ر 257). والعدة عن محمد بن علي
بن المفضل بن تمام أبي الحسين الدهقان، كما روى عنهم، عنه في جعفر بن الحسين (ر
317)، فمنهم: 1 - أحمد بن علي السيرافي الثقة، كما في الحسين بن سعيد (ر 137)،
والحسن بن الحسين العرني (ر 112)، وغيره. 2 - الحسين بن عبيدالله، كما في عقبة بن
خالد (ر 814). والعدة عن محمد بن همام أبي علي الكاتب، فمنهم: 1 - أحمد بن محمد
الجندي، كما في الحسن بن محمد الحضرمي (ر 105)، وأحمد بن هلال (ر 199)، وغير ذلك. 2
- أحمد بن محمد المستنشق، كما في عبد الله بن مسكان (ر 559). والعدة عن محمد بن
وهبان الدبيلي، كما روى عنهم، عنه في سليمان بن داود المنقري (ر 488)، فمنهم: 1 -
أحمد بن عبد الواحد، كما في ترجمة حبيش (ر 379). 2 - الحسين بن عبيدالله، كما في
ترجمة أحمد بن إبراهيم بن المعلى (ر 239).
________________________________________
[ 71 ]
3 - محمد بن علي الكاتب، كما في ترجمة إسحاق بن بشير (ر 171)، وأحمد ابن
عبد الله الأشعري (ر 252). قلت: هذا ما وقفنا عليه من رواية النجاشي عن عدة مشايخه،
وتفسيرها حسب ما يستفاد من رواياته في الموارد المتفرقة. وبذلك يظهر مواقع النظر في
كلام بعض المتأخرين قدس سر هم، ولعلك بالتأمل فيها ستقف على تلك أيضا، والله
الهادي. وثاقة مشايخ النجاشي: يظهر من عدة من أصحابنا وثاقة مشايخ النجاشي (رحمه
الله). وبها صرح غير واحد من أعاظم المتأخرين، وقد اعتمدوا على رواية جماعة ممن لم
يصرح بتوثيقه من مشايخه، بدعوى أن المستفاد من جملة من كلماته أنه لا يروي إلا عن
الثقات، وسيأتي إن شاء الله أن رواية من يعرف بذلك أمارة عامة على توثيق من روى
عنه. وهذا بناءا على ظهور إلتزامه بعدم الرواية عن غير الثقات. وما يمكن إستظهاره
منه امور: الأمر الأول: ما علل به لتركه الرواية عن بعض مشايخه، ففي ترجمة أحمد بن
محمد بن عبيدالله بن الحسن بن عياش الجوهري (ر 207) قال: كان سمع الحديث فأكثر،
واضطرب في آخر عمره - إلى أن قال: - رأيت هذا الشيخ، وكان صديقا لي ولوالدي، وسمعت
منه شيئا كثيرا، ورأيت شيوخنا يضعفونه، فلم أرو عنه شيئا وتجنبته، وكان من أهل
العلم والأدب القوي، وطيب الشعر، وحسن الخط (رحمه الله) وسامحه. ومات سنة إحدى
وأربعمائة. وفي ترجمة محمد بن عبد الله أبي المفضل الشيباني (ر 1059) قال: سافر في
طلب الحديث عمره. أصله كوفي وكان في أول أمره ثبتا ثم خلط. ورأيت جل أصحابنا
يغمزونه ويضعفونه. له كتب كثيرة، - إلى أن قال: - رأيت هذا الشيخ
________________________________________
[ 72 ]
وسمعت منه كثيرا، ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه. وفي
ترجمة إسحاق بن الحسن بن بكران أبي الحسن العقرابي التمار (ر 178)، قال: كثير
السماع، ضعيف في مذهبه. رأيته بالكوفة وهو مجاور. وكان يروى كتاب الكليني (رحمه
الله) عنه. وكان في هذا الوقت علوا، فلم أسمع منه شيئا...، إلخ. وقال في ترجمة
الكليني: وأبو الحسين العقرابي يرويه عنه. قلت: وقد أكد (رحمه الله) إلتزامه بعدم
الرواية عن المطعون وشدة احتياطه في ذلك، بذكر المقتضي للرواية عن هؤلاء من كثرة
سماعه وصداقته وصداقة والده (رحمه الله)، وكون الشيخ كثير السماع وكثير المشايخ،
وكثير الاطلاع على الطرق والأسانيد بالسفر في طلب الحديث عمره، وكونه من أهل العلم
والأدب القوي والفضل، وكونه ممن روى عن أكابر المشايخ، وممن يعلو به الإسناد. وكان
علو الإسناد مما يرجح به عند أهل الحديث من الفريقين، إذ كان الشيباني والعقرابي من
تلامذة الكليني وممن روى عنه، وكان ابن عياش في طبقة مشايخ مشايخ النجاشي، وقد روى
بعض مشايخه ومن في طبقتهم عن ابن عياش، مثل المفيد، وابن الغضائري، وابن عبدون،
وابن أبي جيد، وأضرابهم. ثم إن ضعف هؤلاء مذهبا، كما صرح به في العقرابي، وهو
الظاهر في غيره، إذا أوجب ترك الرواية عنهم مع امكان وثاقتهم في النقل، كما صرح به
الأصحاب في جماعة من الواقفية والفطحية، وغيرهم من أصحاب المذاهب الباطلة، فيقتضي
ترك الرواية عمن لا يوثق به في النقل بوجه أولى. وحينئذ فالتعليل المذكور يقتضي
التزامه بعدم الرواية عمن لا يوثق به ويطعن فيه. هذا غاية تقريب الاستدلال بهذا
الوجه. قلت: وللنظر في ذلك مجال، إذ ترك الرواية عن المطعون والضعيف مذهبا إنما
يقتضى بالأولوية ترك الرواية عن المطعون والضعيف رواية، لا ترك الرواية
________________________________________
[ 73 ]
عن المجهول ومن لا يعرف حاله وإن لم يضعف، فاثبات الوثاقة بذلك كما ترى.
مع أن ترك الرواية عمن ضعفه شيوخ الأصحاب كما في الجوهري، أو جل الأصحاب كما في
الشيباني، لا يلازم ترك الرواية عمن ضعفه بعض الأصحاب، وإلا فكثير من الثقات ورد
فيهم طعن أو غمز، وإن لم يثبت بسند معتبر. ولا يبعد كون تضعيف الأصحاب لهؤلاء
بالغلو والتخليط المستلزم للاتهام بالوضع، بل هو الظاهر في تضعيف الشيباني
والجوهري. وحينئذ فلا يلازم ترك الرواية عمن ضعفه شيوخ الأصحاب وجلهم بالغلو
والتخليط والوضع، مع ترك الرواية عن كل ضعيف في المذهب، كالواقفي أو الفطحي أو
العامي ولا عمن لم يعرف بالكذب والوضع. وقد كان الإتهام بالغلو والتخليط مما يوجب
ترك الأصحاب الرواية عنه. ولذا ترى عمل الطائفة بأخبار أصحاب المذاهب الباطلة إذا
كانوا ثقاتا في النقل، كما صرح به شيخ الطائفة (رحمه الله) في كتاب العدة. وهذا
بخلاف الغلاة ومن اتهم بالغلو، فلا يعمل بأخبارهم إلا إذا عرف لهم حال استقامة،
ورووا في زمان الإستقامة، كما صرح به أيضا في العدة من دون استثناء ما إذا كانوا
ثقاتا في النقل، إذ المتهم بالغلو متهم بالوضع. فالإجتناب عن الرواية عنه لا يلازم
الإجتناب عن غيره. بقي هنا مطالب: أحدها: إن ما ذكره النجاشي (رحمه الله) من ترك
الرواية والاجتناب أو التوقف محمول على ترك الرواية على الوجه الأول بنحو قوله:
أخبرنا أو حدثنا، وإلا فتقدم حكايته كتب الأصحاب أو أحوالهم عن الشيباني والجوهري
على الوجه الثاني. ومن ذلك يستفاد أن تركه الرواية عن المطعون تختص بالرواية على
الوجه الأول.
________________________________________
[ 74 ]
ثانيها: إن الإجتناب عن السماع عن الضعيف في المذهب، كما ذكره في
العقرابي، يقتضي كون السماع الكثير عن الجوهري والشيباني قبل انحرافهما واضطرابهما
وتخليطهما، كما هو ظاهر كلامه فيهما أيضا. وحينئذ فلا محذور في الرواية عن الغالي
إذا كان السماع حال الإستقامة. وقد صرح شيخ الطائفة (رحمه الله) في كتاب العدة بعمل
الأصحاب بما رواه أبو الخطاب وأحمد بن هلال وأضرابهم من الغلاة حال استقامتهم. وهذا
يؤيد ما ذكرنا من عدم ظهور كلامه رحمه الله في الإلتزام بعدم الرواية إلا عن
الثقات. ولعل ذلك نوع ورع واحتياط منه في الحديث والرواية عنهم. ثالثها: إن ما ذكره
(رحمه الله) في الشيباني من التوقف عن الرواية عنه إلا بواسطة، لا يخلو عن خفاء،
فإن الواسطة إن كان مطعونا أيضا في المذهب أو الحديث فيعود الإشكال. وإن كان ثقة في
ذلك ولكن لا يبالي بمن يروي عنه، فيروى عن الضعيف أو المجهول، فتوسطه لا يفيد، سواء
جزم الماتن بضعفه بعد غمز جل الأصحاب أو شك في ذلك. وإن كان ثقة في مذهبه وحديثه
وطريقته في الحديث، ولا يتهم بالرواية عن الضعيف أو المجهول، فروايته أمارة على
وثاقة من روى عنه. ويصير تضعيف الأصحاب وغمزهم إياه محلا للنظر، فلاحظ وتأمل. وهذا
يؤكد ما أشرنا إليه من أن تركه الرواية إنما كان فيما يوجب الاتهام بالرواية عنه،
كما في ابن عياش أو الشيباني الذي ضعفه شيوخ الأصحاب أو جلهم لا مطلقا، فتأمل. ثم
إن التضعيف في العقرابي من جهة المذهب لا العلو كما سيأتي تحقيقه في ترجمته. الأمر
الثاني: إنه (رحمه الله) ترك الرواية عن جماعة من المشايخ والرواة، ممن سمع منه أو
قرأ عليه الفقه أو الحديث أو ترك السماع أيضا، مع أن فيهم من كان في طبقة مشايخ
مشايخه، ومن يكون السند بالرواية عنه عاليا، ويرجح السند العالي
________________________________________
[ 75 ]
على غيره. بل وربما يترك الرواية عن الثقات كثيرا بالرواية عن مشايخهم
ومن يكون السند به عاليا. ولعل ذلك هو الوجه في عدم رواية النجاشي عن غير واحد من
ثقات مشايخ عصره كالشريف المرتضى، ومحمد بن الحسن بن حمزة الجعفري، وسلار بن عبد
العزيز، ونظرائهم، لاشتراكه مع هؤلاء في الرواية عن مشايخهم كالمفيد وغيره.
وبالجملة فترك النجاشي الرواية عمن يكون به السند عاليا كان لغمض فيه، وفي ذلك
قرينة على التزامه بعدم الرواية عن المطعون وغير الثقة. قلت: لا ينحصر سبب ترك
الحديث والرواية عن هؤلاء وأمثالهم في ضعفهم بل امور ربما لا تخفى على المتأمل.
الأمر الثالث: إنه يظهر منه (رحمه الله) أن مشايخ الحديث وأعلام الرواة يجتنبون عن
الرواية عن الضعيف، بل عن السماع منه، فكيف يروي هو عن الضعيف. وقد استعجب (رحمه
الله) من روايتهم عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري في ترجمته (ر 313)، قال: كان
ضعيفا في الحديث، قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعا، ويروي عن المجاهيل،
وسمعت من قال: كان أيضا فاسد المذهب والرواية. ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل
الثقة أبو علي بن همام، وشيخنا الجليل الثقه أبو غالب الزراري، رحمهما الله. وقال
(رحمه الله) في ترجمة عبيدالله بن أبي زيد أبي طالب الأنباري (ر 617) بعد ذكر مدحه،
ما لفظه: وكان أصحابنا البغداديون يرمونه بالارتفاع. له كتاب اضيف إليه، يسمى كتاب
الصفوة. قال الحسين بن عبيدالله قدم أبو طالب بغداد واجتهدت أن يمكنني أصحابنا من
لقائه فاسمع منه، فلم يفعلوا ذلك...، إلخ. وغير ذلك مما نقف عليه في تضاعيف الكتاب،
بل ترى تضعيف أصحابنا لغير واحد من الرواة بالاعتماد على المجاهيل والضعاف كما لا
يخفى. وتراهم
________________________________________
[ 76 ]
يعتذرون عن الرواية عن أكابر الزيدية وأصحاب المذاهب، وذكر كتبهم في
مصنفات أصحابنا بأنهم وإن كانوا مخطئين في الاعتقاد لكنهم كانوا ثقاتا في الحديث،
فلاحظ كلام الماتن في ابن عقدة وغيره. وبالجملة فمن كانت طريقته في الجرح والتعديل
هذه، كيف يعتمد هو بنفسه على الضعيف وغير الثقة في الرواية عنه. قلت: أما ما تقدم
في جعفر الفزاري وأبي طالب الأنباري فهذا إنما كان من جهة الإتهام بالغلو والوضع.
وترك الرواية عن مثلهما لا يلازم تركها عن كل من لم يصرح بتوثيق ولا قدح، على كلام
في الرواية عنهما، ذكرناه في ترجمتهما، فلاحظ. وأما كون طريقة عامة مشايخ الحديث
عدم الرواية عن غير الثقة فأمر عهدته على مدعيه. ومن تأمل فيما ذكرناه في هذه
الموارد وجد في نفسه أن ذلك كله مما لا طريق إلى إثباته. ومجرد كون أحد من مشايخ
الإجازة لا يقتضي عدم الرواية عن غير الثقة. الأمر الرابع: أن الماتن (رحمه الله)
يترحم على مشايخه عند ذكرهم، ولا يترحم على الضعيف. قلت: وهذا موهون لا يخفى، وقد
ترحم (رحمه الله) على ابن عياش الذي ترك حديثه لضعفه. الأمر الخامس: قوله (رحمه
الله) في محمد بن أحمد الإسكافي (ر 1050): وسمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه...، إلخ.
قلت: السماع من الشيوخ الثقات مشعر بوجود غير الثقة فيهم ولا يقتضي كون جميع الشيوخ
ثقاتا.
________________________________________
[ 77 ]
تلامذته ومن روى عنه: لا يوجد فيما بأيدينا من كتب الأقدمين ما استوعب
فيها الأسماء، والطرق والمشيخات والإجازات، كي نقف على عامة تلامذة النجاشي ومن روى
عنه وسمع منه الحديث أو أجازه. ولا توفر للمصادر المعينة على ذلك لحوادث أوجبت
ضياعها. ونشير إلى من وقفنا على روايته عنه. فمنهم: الشيخ الأجل زعيم الطائفة
الإمامية محمد بن الحسن الطوسي (رحمه الله)، ففي الإجازة الكبيرة للعلامة (رحمه
الله) لسادات بني زهرة، على ما في إجازات البحار في طرقه إلى الشيخ الطوسي، إلى
جميع ما رواه عن مشايخه من العامة والخاصة، ذكر في عداد مشايخه من الخاصة أبا
الحسين أحمد بن النجاشي (رحمه الله). قلت: وفي ذلك كلام سيأتي في الطريق إلى
الكتاب. ومنهم: السيد الإمام عماد الدين أبو الصمصام ذو الفقار بن معبد الحسيني
المروزي (رحمه الله)، من تلامذة الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي، وأبي
عبد الله محمد بن علي الحلواني والشيخ شاذان بن جبرئيل القمي وسلار بن عبد العزيز
الديلمي، كما في الإجازات على ما ذكرها المجلسي في البحار. قلت: وتمام الكلام في
ذلك يأتي عند ذكر الطريق إلى الكتاب.
________________________________________
[ 78 ]
الفائدة الثانية حول كتاب النجاشي تاريخ تأليفه: لا نجد كتاب رجال
النجاشي مبدوءا ولا مختوما بتاريخ. نعم الظاهر أن تأليفه كان بعد وفات عامة مشايخه
رحمهم الله، فقد ترحم عليهم عموما في تراجم جماعة، مثل الحسن بن حمزة الطبري (ر
150) وحارث بن أبي جعفر (ر 363) وربعي (ر 441)، وغيرهم. وقد ترحم على جماعة منهم
خصوصا كالمفيد، وابن عبدون، وغيرهم، بل ذكر فيه وفات جماعة من مشايخه، أو من
أدركهم. وترحم على جماعة ممن أدركهم أو عاصرهم، وإن لم يذكر وفاتهم، وفيه ذكر وفاة
الشريف المرتضى (سنة 436)، وأيضا وفاة الشريف محمد بن الحسن الجعفري (سنة 463)،
وذكر وفاته أيضا في هذه السنة ابن الجوزي في المنتظم (1). وكان الشروع في تأليفه في
حياة السيد الشريف، حيث قال في ديباجته: فإني وقفت على ما ذكره السيد الشريف - أطال
الله بقاءه وأدام توفيقه -...، إلخ. والمراد به إما الشريف الجعفري كما تقدم، أو
الشريف المرتضى كما قيل. ولا ينافي ذلك ما تقدم من أن تأليفه كان بعد وفاة عامة
مشايخه، إذ لم نجد إشارة في كلامه ولا في كلام غيره إلى كون الشريف المرتضى (رحمه
الله) من مشايخه، وإن كان
________________________________________
(1) - المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: ج 16 / ص 137. (*)
________________________________________
[ 79 ]
يظهر من كلامه أنه كان خصيصا بالشريف، ولذلك تولى غسله، كما ذكره في
ترجمته. اختصاصه بالمصنفين من الإمامية وما صنف على اصولهم ظاهر كلام النجاشي بل
صريحه اختصاص كتابه بذكر المصنفين من الشيعة الإمامية ومصنفاتهم، وليس القصد
إستيعاب ذكر المصنفين، بل القصد إبطال زعم قوم من مخالفينا (أنه لا سلف لكم ولا
مصنف). وكذلك الحال في فهرست الشيخ الطوسي، بل وأمثاله من كتب الفهارس لأصحابنا.
وحيث إن الكتب المصنفة للإمامية وعلى اصولهم وبطرقهم عن النبي والأئمة المعصومين
(عليه السلام)، ربما ينتحل أربابها إلى بعض المذاهب الباطلة، كالعامية، والزيدية،
والفطحية، والواقفية، وغيرها، وربما كانت تلك الكتب معتمدة عول عليها الأصحاب. فقد
ذكرها والتزم بالتصريح بانحرافهم مذهبا لو كان انحراف، كما أشار إلى ذلك في ديباجة
الجزئين من الكتاب. وكذلك الشيخ في ديباجة الفهرست. وكون الكتاب والمصنف للإمامية
ومؤلفا على اصولهم لا يلازم خلو مصنفه وصاحبه عن إنحراف في المذهب. قال النجاشي في
ترجمة محمد بن عبد الملك التبان (ر 1072): كان معتزليا، ثم أظهر الإنتقال ولم يكن
ساكنا، وقد ضمنا أن نذكر كل مصنف ينتمي إلى هذه الطائفة...، إلخ. وفي سليمان بن
داود المنقري (ر 488) قال: ليس بالمتحقق بنا، غير أنه روى عن جماعة أصحابنا عن
أصحاب جعفر بن محمد عليهما السلام، وكان ثقة...، إلخ. وفي يعقوب بن شيبة (ر 1221)
قال: صاحب حديث من العامة، غير أنه صنف
________________________________________
[ 80 ]
مسند أمير المؤمنين (عليه السلام)، ورواه مع مسانيد جماعة من الصحابة،
وصنف مسند عمار بن ياسر...، إلخ. وحينئذ فالغرض ذكر مصنفي أصحابنا ومصنفاتهم وأيضا
مصنفات صنفت على اصولهم وإن كان أربابها ينتحلون إلى المذاهب الباطلة. وذكر غير
واحد من مصنفي المخالفين في هذا الكتاب مصرحا بأنه عامي ليس إعراضا منه (رحمه الله)
عما سلف منه في ديباجته، وقد أتى (رحمه الله) بما التزم وتذكر ما اشترط، فقد نبه
على ما وقف عليه من الإنحراف مذهبا، بل وما قيل في ذلك. ففي ترجمة أحمد بن محمد بن
سعيد بن عقدة (ر 233) قال: هذا رجل جليل في أصحاب الحديث مشهور بالحفظ، - إلى أن
قال: - كان كوفيا زيديا جاروديا، على ذلك حتى مات، وذكره أصحابنا لاختلاطه بهم
ومداخلته إياهم، وعظم محله وثقته وأمانته...، إلخ. وغير ذلك مما تقف عليه في هذا
الكتاب، وإن شئت فلاحظ ترجمة حاتم بن إسماعيل (ر 382)، وطلحة بن زيد (ر 550). قلت:
وربما كان الوجه في ذكر أمثال هؤلاء تقدم الإنحراف منهم والإنتقال إلى مذهبنا
أخيرا، أو كونهم من الإمامية وإن اشتهروا بغير ذلك، لكثرة روايتهم عن غيرهم
وروايتهم عنهم، أو كونهم قريب الأمر منهم وممن يميل إليهم، ويروي رواياتهم بطرقهم
وعلى اصولهم، وغير ذلك من الوجوه. وإن شئت فلاحظ تراجم هؤلاء: حفص بن غياث القاضي
(ر 346)، والحسن بن علي الاطروش (ر 136)، والحسين بن علوان الكلبي (ر 117)، وحرب بن
الحسين الطحان (ر 386)، وأمثالهم. قلت: وقد بنى جمع من الأصحاب على أن من ذكره
النجاشي في رجاله بلا طعن منه في مذهبه فهو إمامي، بناءا علي ظهور كلامه في ذلك،
كما تبين مما ذكرناه.
________________________________________
[ 81 ]
عدم استقصاء النجاشي لمصنفات الإمامية: أهمل النجاشي (رحمه الله) جماعة
من مصنفي الإمامية وأعاظمهم ممن عاصره، أو قارب عصره، أو تقدم عليه، بل أهمل ذكر
مثل الحسن بن محبوب السراد من أصحاب الإجماع، وقد كانت مشيخته من الكتب مشهورة
ومعول عليها. وقد ذكر الشيخ في الفهرست جماعة منهم يجاوز عددهم المائة، وذكر كتبهم،
وطريقه إليهم، وذكر جماعة منهم ابن شهر آشوب في معالم العلماء. بل ذكر أسماء جماعة
بلا ذكر كتب لهم، فذكر الحسن بن عطية الحناط (ر 93) وقال: ما رأيت أحدا من أصحابنا
ذكر له تصنيفا، مع أن الشيخ (رحمه الله) ذكر في الفهرست إلى كتابه طريقا، وإن شئت
فلاحظ تراجم الحسين بن عمر بن سلمان (ر 129)، وإسماعيل بن أبي زياد السلمي (ر 51)،
وإسماعيل بن عمر بن أبان (ر 55). وقد ذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست (ص 14)
إسماعيل بن أبان مرتين وذكر أيضا طريقا إلى كتابهما. ولعله (رحمه الله) عد الروايات
أو النسخ لهم كتابا، ولذلك ذكرهم في المصنفين، أو وجدهم مذكورين في عداد المصنفين
في كتب أصحابنا في الفهارس. وقد اعتذر من عدم استقصاء المصنفين بعدم أكثر الكتب كما
في الديباجة. قلت: ولعل السبب في عدم وقوفه (رحمه الله) على ما وقف عليه الشيخ من
الكتب، تأخر تأليف النجاشي كتاب الرجال عن الفتنة التي وقعت في بغداد سنة 448، فلم
يتمكن من الكتب جميعها، إذ احرقت مكتبة زعيم الطائفة الشيخ الطوسي (رحمه الله)،
ونهبت داره، وضاع من تراث الشيعة وكتبهم وآثارهم كثيرا. وفيها احرقت المكتبة الكبرى
للشيعة التي انشأها أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة في الكرخ، سنة 381.
وفي هذه المكتبة قد جمع ما تفرق من كتب علماء الأمصار وكتب البلاد، وقد زادت على
عشرة آلاف من نفائس الآثار،
________________________________________
[ 82 ]
ونسخ الاصول بخط مؤلفيها، ذكرها أرباب السير والتراجم وغيرها. وإن شئت
فلاحظ الكامل لابن الأثير، ووفيات الأعيان، والمنتظم، ومعجم البلدان، وغيرها. طرق
النجاشي إلى المصنفات: ظاهر إسناد النجاشي الكتب والاصول إلى أصحابها بلا تعليق على
قائل، أو إشكال، ثبوت النسبة إليهم. وحينئذ قوله (رحمه الله) في تراجم الرجال: له
كتاب أو كتب، شهادة تؤخذ بها، كشهادته على وثاقتهم أو سائر أحوالهم. ولذلك تراه
(رحمه الله) عندما يتأمل ويشك في ثبوت الكتاب أو ثبوت الإنتساب إلى مصنفه يعلق ذلك
على قول بعض مشايخه، أو على ما ذكره أصحاب الرجال، أو بعضهم، أو الرواة، أو على ما
وجده في الفهارس، ونحو ذلك مما يقف عليه كل متأمل في هذا الكتاب ويطول ذكره. وربما
يذكر كتابا في ترجمة ويعقبه بأن الكتاب لغيره من الرواة، كما في عدة من التراجم،
منها ما ذكره في يوسف بن عقيل (ر 1224) قال: كوفي، ثقة، قليل الحديث، يقول القميون:
إن له كتابا، وعندي أن الكتاب لمحمد بن قيس...، إلخ، وغير ذلك مما يطول بذكره
المقام. ثم إنه (رحمه الله) قال في الديباجة: وذكرت لكل رجل طريقا واحدا حتى لا
يكثر الطرق فيخرج عن الغرض...، إلخ، فقد التزم بذكر طريق واحد وإن كان الكتاب
مشهورا بين الأصحاب ومعتمدا عليه، ولا يشك في النسبة إلى صاحبه، وذلك إتماما للحجة،
وجريا على اصول الحديث والرواية. وقد اختلفت تعبيراته في رواية الكتب، فربما يذكر
صاحبه بكتاب بلا ذكر طريق إليه، ففي حجاج بن دينار (ر 374)، قال: له كتاب، ونحوه
غيره، وسنشير إليهم.
________________________________________
[ 83 ]
وقد يذكره بكتاب أو كتب ثم يرويه بإسناد متصل صحيح أو غير صحيح، أو
بإسناد مقطوع أو محذوف الواسطة، وكل ذلك إما بالرواية بنحو قوله: أخبرنا ونحوه، أو
الحكاية بقوله: ذكر ذلك، أو قال، وغيرهما...، إلخ، وستقف في هذا الشرح على النقد في
كثير من طرقه بالإرسال أو الضعف أو الجهالة. ومع هذا كله فلا يضر ذلك بشهادته في
أصل الكتاب، لأن الغرض من ذكر الطريق ليس إثبات الكتاب فحسب، فقد كانت هذه الكتب
والاصول كثيرها مشهورة بين الأصحاب، كاشتهار الكتب الأربعة في زماننا، فلا تعول
ثبوتها على ما يذكره في الكتاب من الطرق. وستقف على تصريح النجاشي في هذا الكتاب
باشتهار جملة منها. وقال شيخ المحدثين ورئيسهم الصدوق (رحمه الله) في ديباجة كتاب
من لا يحضره الفقيه: إن جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعول، وإليها
المرجع. ثم عد جملة منها...، إلخ. كما أن كثيرا من هذه الاصول والمصنفات يكون مما
رواها جماعة كثيرة عن أربابها، والطرق إليها كثيرة رواها جماعات من الناس. وقد صرح
النجاشي في جماعة كثيرة يجاوز عددهم مائة وستين رجلا بأن كتبهم رواها جماعة كثيرة
أو جماعات، وأن الطرق إليها كثيرة، ولا نذكر منها إلا واحدا لئلا يطول الكتاب. وقد
أحصيناهم في محله. بل ربما تكون هذه الكتب والاصول مما صرح الأصحاب بأنها معتمدة،
ويعول عليها، كما أحصيناها في محلها، وفيها اصول وكتب معروضة على أحد الأئمة
المعصومين عليهم اللسلام، وقد مدحوا تلك الاصول، أو صححوها، أو رخصوا العمل بها، أو
أمروا بذلك.
________________________________________
[ 84 ]
وهذا مثل كتاب سليم بن قيس الهلالي، كما يأتي في ترجمته. وكتاب عبيدالله
الحلبي، كما يأتي في ترجمته (ر 612)، قال: وصنف الكتاب المنسوب إليه وعرضه على أبي
عبد الله (عليه السلام) وصححه، قال (عليه السلام) عند قرائته: (أترى لهؤلاء مثل هذا
؟)...، إلخ. وكتاب يوم وليلة ليونس بن عبد الرحمان الذي عرضه أبو هاشم داود الجعفري
(رحمه الله) على أبي محمد صاحب العسكر (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): (تصنيف
من هذا) ؟ قال: فقلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين. فقال (عليه السلام): (أعطاه الله
بكل حرف نورا يوم القيامة). ذكره النجاشي في ترجمته (ر 1211). وكتاب التأديب يوم
وليلة لمحمد بن أحمد بن خانبة، الثقة الجليل، فذكره النجاشي في ترجمته (ر 938): روى
بإسناده، عن أبي محمد النصيبي، قال: كتبنا إلى أبي محمد (عليه السلام)، نسأله أن
يكتب أو يخرج إلينا كتابا نعمل به. فأخرج الينا كتاب عمل. قال الصفواني: نسخته،
فقابل بها كتاب ابن خانبة. زيادة حروف أو نقصان حروف يسيرة...، إلخ. وغير ذلك مما
يطول المقام بذكره وأحصيناه في محله. وبالجملة فضعف الطريق المذكور في الترجمة لا
ينافي ثبوت الكتاب بوجه آخر يعتمد عليه، كما أن اختيار طريق واحد من الطرق الكثيرة
إلى الكتب والاصول بالذكر في ترجمة أربابها لا يدل على أنه أصحها إسنادا. فقد نرى
تقديم إسناد على الأصح منه إما لعلوه، وقد شاع بين المحدثين من الفريقين تقديم
السند العالي على غيره وإن كان أصح. ولعله لذلك اختار الشيخ في الفهرست عند ذكر
الطريق إلى ابن فضال: ما رواه ابن عبدون، عن القرشي، عنه. كما أشار الماتن إلى علو
الإسناد برواية ابن عبدون عنه في ترجمته، مع أن للشيخ في التهذيبين طريقا آخر،
رجاله كلهم ثقات.
________________________________________
[ 85 ]
وإما لشهرته أو سبقه بالذكر أو نحو ذلك، وقد اختار (رحمه الله) كثيرا في
هذا الكتاب ذكر طريق إلى الاصول والمصنفات بإسناد فيه ضعف بالجهالة، أو الإرسال أو
نحو ذلك، مع أنه (رحمه الله) ذكر طريقا آخر إلى الكتاب لا غمز فيه في غير ترجمة
صاحبه، أو كان له طريق آخر يعتمد عليه إلى جميع كتبه ورواياته. وإن شئت فلاحظ ما
رواه في ربعي بن عبد الله (ر 441)، عن ابن بابويه في فهرسته، وقد روى كتبه في
ترجمته، عن الحسين بن عبيدالله. وما حكاه عن علي بن الحسين بن بابويه في زكار بن
الحسن (ر 464)، وقد ذكر طريقه إليه في ترجمته. وما رواه عن الحميري، عن ابن خانبة
(ر 938)، وقد ذكر طريقه إلى الحميري في ترجمته، وغير ذلك مما يطول ذكره. إهمال
النجاشي طريقه إلى جماعة: إلتزم النجاشي على ما هو ظاهر كلامه في ديباجة الكتاب وفي
غيرها، بذكر طريق واحد إلى الاصول والمصنفات لا أكثر، لئلا يطول الكتاب. ومع هذا
فقد ذكر جماعة بكتبهم أو اصولهم من دون ذكر الطريق إليها، وليس ذلك إعتمادا منه
(رحمه الله) على كونها مشهورة، فقد صرح في بعضهم بأن كتابه غير مشهور، وفي آخر
بشهرة كتابه، وأهمل ذلك في موضع آخر. فمن هؤلاء إبراهيم بن سليمان بن أبي داحة
المزني (ر 14). قلت: وفي الفهرست أيضا لم يذكر الطريق إليه. وإبراهيم بن المبارك (ر
38)، وإبراهيم بن يزيد المكفوف (ر 40)، وإبراهيم بن خالد العطار (ر 41). قلت: لكن
في الفهرست ذكر طريقه إلى كتابه، والحسن بن الحسين اللؤلؤي (ر 83)، والحسن بن خالد
البرقي (ر 139).
________________________________________
[ 86 ]
قلت: وفي فهرست الشيخ (ص 49) ذكر له كتبا، ثم ذكر طريقه إليها، وغير ذلك
مما يطول المقام بذكره، وستقف على ذلك في تراجمهم، فلاحظ. ثم إنه نرى أن الشيخ
(رحمه الله) لم يذكر طريقا في الفهرست إلى كتب جماعة يزيدون على خمسين، وفيهم من
ذكر النجاشي الطريق إليهم في ترجمتهم، بل ربما ذكر الشيخ طريقه إلى بعضهم في
التهذيبين، وليس ذلك اعتمادا على كون تلك الكتب مشهورة، فليس جميعها كذلك، بل وقد
ذكر الطريق إلى المشهورات منها أيضا، ولعله (رحمه الله) لم يقف عند ذكر ترجمة أمثال
هؤلاء على طريق إلى كتبهم، أو لغير ذلك من الوجوه التي أشرنا إليها في (الشرح على
الفهرست). طرق النجاشي العامة: الطرق والأسانيد التي ذكرها النجاشي إلى أصحاب
الاصول والمصنفات وكتبهم على وجوه: أحدها: ما خصت بكتب أو كتاب قد سماه. مثل ما
ذكره في طريقه إلى كتب أحمد بن إبراهيم الأنصاري وغيره. ثانيها: ما خصت بكتاب لم
يسمه. وهذا كما في كثير من التراجم فذكر فيها أن له كتابا، ثم ذكر طريقه إليه. وفي
ذلك لو وقفنا على كتاب خاص له، كما يوجد كثيرا في الفهرست وغيره، ذكر كتاب خاص لمن
ذكر النجاشي له كتابا بصورة مجملة، وعلمنا بالإتحاد وعدم تعدد مصنفات صاحبه، فيؤيد
الطريقان أحدهما للآخر، وربما يكون طريق النجاشي ضعيفا وطريق الشيخ في الفهرست إلى
كتابه الخاص صحيحا. ثالثها: ما كانت إلى كتبه. وهذا كما في كثير من التراجم. ولا
فرق بين تسميته بعضها وعدمها، كما أنه في صورة التسمية لا فرق بين التصريح بأن مإ
________________________________________
[ 87 ]
سماه بعض كتبه، كما في ترجمه أحمد بن إبراهيم (ر 203)، حيث قال: له كتب،
منها كتاب الكشف - إلى أن قال: - أخبرنا عنه بكتبه الحسين بن عبيدالله، ونحو ذلك في
كثير من التراجم، وبين ما لم يصرح بذلك، بأن ذكر أولا كتبا خاصة، ثم قال: أخبرنا
بكتبه، كما في جعفر بن بشير وجماعة. وفي هذا القسم لو وقفنا على كتاب له غير ما
سماه النجاشي، كما يوجد كثيرا في فهرست الشيخ، ونبهنا عليه في هذا الشرح في محله،
كان هذا الطريق العام إلى كتبه طريقا إلى هذا الكتاب أيضا. رابعها: ما كانت تعم
جميع كتبه ورواياته. وبهذه الطرق العامة يثبت جميع ما ثبت له من كتب ذكره النجاشي
في غير ترجمته، وكتب ذكرها الشيخ أو غيره لصاحب هذه الطرق والترجمة، واحتمال
إختصاصها بسائر ما سماه النجاشي في ترجمته في غير محله. ثم إنه يثبت بالطريق إلى
الكتب وروايات صاحب الترجمة روايته كتب غيره من الرواة، فإن روايته لكتابه داخلة في
عموم رواياته. ويوجد في الرواة من لم يذكر في ترجمته طريقا إلى كتابه، أو ذكر بطريق
ضعيف. ولكن روى كتابه غيره من الرواة ممن صرح النجاشي في ترجمته بالطريق إلى جميع
كتبه ورواياته، فيثبت بهذا الطريق العام ما رواه من كتاب غيره. وعلى هذا يمكن تصحيح
كثير من الطرق إلى الاصول والمصنفات التي رواها من لم يصرح بتوثيق، برواية رجل ثقة
كان الطريق إلى جميع كتبه ورواياته صحيحا. وفي ذلك فوائد كثيرة فاغتنمها. وبما أن
في ذلك فائدة جليلة نذكر أسماء من كان طريق النجاشي عاما إلى جميع كتبه ورواياته،
ثم من كان طريق الشيخ (رحمه الله) في الفهرست كذلك. فمنهم: 1 - شيخه الحسين بن
عبيدالله الغضائري، كما في ترجمته (ر 166)، ولعل طريقه إلى المفيد وبعض مشايخه أيضا
كذلك.
________________________________________
[ 88 ]
2 - محمد بن الحسن بن الوليد، كما في ترجمته (ر 1045). 3 - محمد بن عيسى
بن عبيد اليقطينى (ر 899). 4 - محمد بن بحر الرهني (ر 1047). 5 - محمد بن علي بن
الفضل (ر 1049). 6 - العباس بن معروف (ر 743). 7 - عبد العظيم الحسني (ر 653). 8 -
علي بن إبراهيم بن هاشم (ر 680). ومن كان طريق الشيخ (رحمه الله) إليه في الفهرست
إلى جميع كتبه ورواياته، فهم جماعة: 1 - أحمد بن إبراهيم القمي (ص 30). 2 - أحمد بن
إبراهيم بن أبي رافع (ص 32). 3 - أحمد بن إدريس (ص 26). 4 - أحمد بن أبي زاهر (ص
25). 5 - أحمد بن علي بن محمد العقيقي (ص 24). 6 - أحمد بن محمد بن جعفر (ص 32). 7
- أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ص 20). 8 - أحمد بن محمد بن عيسى (ص 25). 9 - أحمد
بن محمد بن سعيد بن عقدة (ص 28). 10 - أحمد بن محمد بن عمران الجندي (ص 33). 11 -
أحمد بن محمد بن عبيدالله الجوهري (ص 33). 12 - أحمد بن محمد بن سليمان (ص 31). 13
- أحمد بن نوح السيرافي (ص 37).
________________________________________
[ 89 ]
14 - إسماعيل بن أبي زياد السكوني (ص 13). 15 - جعفر بن محمد بن قولويه
(ص 42). 16 - الحسن بن حمزة العلوي (ص 52). 17 - الحسن بن علي الحضرمي (ص 52). 18 -
الحسن بن علي بن فضال (ص 47). 19 - الحسن بن محمد بن سماعة (ص 52). 20 - الحسن بن
محبوب (ص 47). 21 - الحسين بن سعيد (ص 58). 22 - حريز بن عبد الله (ص 62). 23 -
حميد بن زياد (ص 60). قلت: بل وكذلك طريق الشيخ إليه في مشيخة الاستبصار (1)،
فلاحظ. 24 - سعد بن عبد الله الأشعري (ص 75). 25 - سلمة بن الخطاب (ص 79). 26 -
صفوان بن يحيى (ص 83). 27 - علي بن إبراهيم (ص 89). 28 - علي بن أسباط (ص 90). 29 -
علي بن حاتم القزويني (ص 98). 30 - علي بن الحسين بن بابويه القمي (ص 93). 31 - علي
بن مهزيار (ص 88). 32 - عبد الله بن أبي زيد أبو طالب الأنباري (ص 103).
________________________________________
(1) - الاستبصار: ج 4 / ص 305. (*)
________________________________________
[ 90 ]
33 - عبد الله بن جعفر الحميري (ص 102). 34 - الفضل بن شاذان (ص 125).
35 - محمد بن أحمد بن داود القمي (ص 136). 36 - محمد بن مسعود العياشي (ص 139). 37
- محمد بن عبد الله أبو المفضل الشيباني (ص 140). 38 - محمد بن عيسى بن عبيد
اليقطيني (ص 141). 39 - محمد بن يعقوب الكليني (ص 135). 40 - محمد بن أبي عمير (ص
142). 41 - محمد بن أحمد بن يحيى العطار (ص 144). 42 - محمد بن الحسن بن الوليد (ص
156). 43 - محمد بن الحسن الصفار (ص 144). 44 - محمد بن سنان (ص 143). 45 - محمد بن
الحسن بن جمهور (ص 146). 46 - محمد بن علي بن محبوب (ص 145). 47 - محمد بن العباس
بن علي بن مروان (ص 149). 48 - محمد بن علي بن الحسين الصدوق (رحمه الله) (ص 157).
49 - يونس بن عبد الرحمان (ص 188). 50 - أبو الفرج الإصفهاني (ص 192). 51 - أبو
الفضل الصابوني (ص 192).
________________________________________
[ 91 ]
شمول المصنفات للكتاب والأصل والنسخة والنوادر والفرق بينها اختلفت
عبائر النجاشي في مقام ذكر مصنفات أصحابنا، فالأكثر الإكتفاء بالتسمية بالكتاب
بقوله: له كتاب، أو كتب. وفي ترجمة جماعة: له كتاب النوادر، أو عد في كتبه كتاب
النوادر. وقد ذكر جماعة منهم بالنسخة، أو المسائل، أو الرسالة، أو الأصل. والظاهر
منه عد الجميع كتابا ومصنفا، ولم أجد في كتابه ولا في كتب غيره من الأسبقين تفسيرا
لذلك. ويمكن استظهار الفرق بينها بالتأمل في كلام النجاشي والشيخ في الموارد
المختلفة. أما النسخة، وهي الكتاب المنقول أو المنقول منه. والظاهر من موارد ذكرها
الكتاب المأثور عن أحد الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، كان بخطهم أو منقولا من
خطهم، سواء كانت مبوبة أو لا، مشتملة على المسائل المختلفة أو لا، كما يظهر من
الإشارة إلى مواضعها، كما ذكر النجاشي عمر بن عبد الله بنسخة عن أبيه، عن جده، عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) (ر 762). وقد ذكر (رحمه الله) غير واحد بنسخة أحاديث،
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، مثل خالد ابن أبي كريمة (ر 396)، وخالد بن طهمان
الخفاف (ر 397). وذكر جماعة بنسخة عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثل سفيان بن
عيينة (ر 506)، وعبد الله ابن أبي عبد الله الطيالسي (ر 572)، ذكره بنسخة نوادر عنه
(عليه السلام)، وعبد الله ابن أبي أويس (ر 586)، وعبد الله بن إبراهيم بن الحسين (ر
587)، وعباس بن زيد مولاه (ر 750)، ومحمد بن ميمون الزعفراني (ر 953)، ومحمد بن
إبراهيم الإمام (ر 954)، وقال: له نسخة عن جعفر بن محمد (عليه السلام) كبيرة، ومحمد
بن عبد الله
________________________________________
[ 92 ]
المدني (ر 965)، وفيه سمى نسخته كتابا، ومحمد بن جعفر ديباجة (ر 99)،
ومطلب بن زياد الزهري (ر 1139). وذكر غير واحد بنسخة عن أبي الحسن موسى بن جعفر
(عليه السلام) مثل علي بن حمزة بن الحسن (ر 714)، ومحمد بن ثابت (ر 1006)، ومحمد بن
زرقان (ر 1009). وأيضا بنسخة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، مثل عبد الله بن
علي بن الحسين (ر 599)، وعباس بن هلال الشامي (ر 749)، ومحمد بن عبد الله اللاحقي
(ر 993)، وقال: له نسخة تشبه كتاب الحلبي مبوبة كبيرة، ومحمد بن علي الحسين (ر
995)، وهشام بن إبراهيم المشرقي (ر 1171)، ومحمد بن فضيل (ر 998). وأيضا بنسخة عن
أبي الحسن الهادي (عليه السلام)، مثل علي بن الريان بن الصلت (ر 731)، وأبي طاهر بن
حمزة (ر 1259)، وعيسى بن أحمد (ر 806). وأما الرسالة، فقد ذكر سعد بن طريف الحنظلي
برسالة أبي جعفر الباقر (عليه السلام) إليه (ر 468)، وعلي بن سويد السائي برسالة
أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) إليه (ر 724). وأما المسائل وكتابها، فتختص
بما سأله صاحب الكتاب عن أحد الأئمة (عليهم السلام). فقد ذكر جماعة بكتاب المسائل
عن موسى بن جعفر (عليه السلام)، مثل علي ابن يقطين (ر 715)، ومحمد بن الفرج الرخجي
(ر 1017)، أو بالمسائل، مثل عيسى بن عبد الله (ر 805)، ومحمد بن سنان (ر 891)،
ومعاوية بن سعيد (ر 1097) عن الرضا (عليه السلام)، وعلي بن جعفر الهماني (ر 740)،
ومحمد بن الريان بن الصلت (ر 1012) عن أبي الحسن الهادي (عليه السلام)، ومحمد بن
علي بن عيسى (ر 1013) عن أبي محمد العسكري (عليه السلام). وأما النوادر، فالظاهر
أنه ما اجتمع فيه روايات لا تنضبط في باب أو كتاب. وقد شاع عقد باب النوادر في كتب
الحديث، فربما يكون النوادر لجميع
________________________________________
[ 93 ]
أبواب الفقه، أو لكتاب الطهارة وهكذا. ولا ينافي ذلك كونه مبوبا أيضا
بجمع ما تفرق من أحاديث ترتبط بالطهارة، أو الوضوء، ونحو ذلك في باب. ولذا كان
نوادر أحمد بن محمد بن عيسى غير مبوب، فبوبه داود بن كورة، ذكره النجاشي في ترجمته
(ر 198)، وترجمة داود بن كورة (ر 416). والنوادر قد يكون أصلا، لما في ترجمة مروك
بن عبيد (ر 1145)، حيث قال: قال أصحابنا القميون: نوادره أصل...، إلخ. وأما الأصل،
ففي تفسيره أقوال بين المتأخرين: أحدها: إنه ما صنفه أصحاب الصادق (عليه السلام)
فيما سمعوا منه. وكان ذلك أربعمائة كتاب تسمى بالاصول. وقد عممه بعضهم لما صنفه
الإمامية من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى زمان العسكري (عليه السلام).
وفيه: أن لازمه كون جميع ما صنفه أصحابه أو أصحاب الأئمة (عليهم السلام) جميعا
أصلا، وهو خلاف صريح كلامهم، مع أنه يعد بعض كتب أصحابه من الاصول دون الجميع.
فلاحظ ترجمة أبان بن تغلب من الفهرست (ص 17)، وأبان بن عثمان (ص 19)، وأحمد بن محمد
بن عمار X الكوفي (ص 29)، وزياد بن
المنذر (ص 72)، وزكار بن يحيى الواسطي (ص 75)، وغير ذلك ممن عد بعض كتبه من الاصول.
ثانيها: إن الأصل مجمع أخبار وروايات بلا تبويب، والكتاب ما كان مبوبا مفصلا. وفيه:
أولا: أن الاصول فيها ما كانت مبوبة، كما يظهر بالتأمل في تراجم من عد كتبه في
الاصول. وثانيا: أن لازمه كون كتب النوادر اصولا، وليس كذلك كما أشرنا إليه.
________________________________________
[ 94 ]
وثالثا: لزوم كون المسائل والرسائل والروايات اصولا أيضا، وليس كذلك.
قال في الفهرست في علي بن أسباط (ص 90 / ر 374): له أصل وروايات...، إلخ. ورابعا:
لزوم فضل الكتاب على الأصل بالتبويب والنظم، والأمر بالعكس كما ستقف عليه. ثالثها:
إن الأصل ما اشتمل على كلام المعصوم (عليه السلام) فقط، والكتاب ما فيه كلام المصنف
أيضا. وفيه: أن كثيرا من الكتب يخلو عن كلام مصنفها، مثل كتاب سليم وكتاب علي بن
جعفر (عليه السلام)، وكثير من أصحاب الأئمة (عليهم السلام). رابعها: إن الأصل ما
اخذ من المعصوم مشافهة بلا واسطة سماع من الرواة. وفيه: أن كتب كثير من أصحاب
الأئمة (عليهم السلام) كانت مأخوذة منه بالسماع مشافهة، وفيهم من لا يوجد له رواية
عن الرجال، عنهم، بل إنما روى عنهم عليهم السلام بلا واسطة، ومع ذلك لا يعد كتابه
في الاصول، على أن في أصحاب الاصول من قيل فيه: أنه لم يسمع من أبي عبد الله (عليه
السلام) إلا حديثين، مثل حريز بن عبد الله، وقد عد كتابه أصلا، كما في الفهرست (ص
63). خامسها: إن الأصل ما لم يؤخذ من كتاب كان من السماع من المعصوم مشافهة أو
بالسماع من الرجال عنه (عليه السلام). قلت: لا سبيل لنا إلى النظر في كتب الرواة
واصولهم حتى نقف على الفرق بينهما. وقد ضاعت كتب الرجال المؤلفة في عصرهم، مما فيه
دلالة على ترتيبها والفرق بينهما. ولكن هنا امور: الأول: إن الظاهر أن الأصل أعلى
وأشرف قدرا عند أصحاب الحديث
________________________________________
[ 95 ]
من الكتاب، ويمدح به صاحبه. قال النجاشي في ترجمة إبراهيم بن مسلم
الضرير (ر 44): ثقة، ذكره شيوخنا في أصحاب الاصول...، إلخ. وفي الحسن بن أيوب (ر
114): له كتاب أصل...، إلخ. وفي مروك بن عبيد (ر 1145): نوادره أصل...، إلخ. وقال
الشيخ (رحمه الله) في الفهرست (ص 54) في الحسين بن أبي العلاء: له كتاب يعد في
الاصول...، إلخ. وفي أحمد بن الحسين بن سعيد (ص 26): له كتاب النوادر، ومن أصحابنا
من عده من جملة الاصول...، إلخ. وغير ذلك مما ستقف عليه بالتأمل، ويطول ذكره.
الثاني: إن الظاهر أن الضابط في كون الكتاب أصلا أمر ربما يختلف فيه الأصحاب، كما
تقدم اختلاف القميين مع الكوفيين من أصحابنا في كون نوادر مروك أصلا، وغير ذلك مما
أشرنا إليه آنفا. وقد عد الشيخ في الفهرست كتاب جماعة في الاصول، ولكن ذكره النجاشي
بعنوان الكتاب. وعلى هذا فحيث إن أكثر الوجوه المتقدمة في الفرق بين الأصل والكتاب،
ليست مما لا ينبغي الإختلاف فيه فلا يكون فارقا بينهما. الثالث: إن ظاهر كلام بعضهم
أن الاصول كانت على ترتيب يخالف الكتاب غالبا. قال الشيخ (رحمه الله) في الفهرست في
ترجمة أبي العباس أحمد بن نوح (ص 37): وله كتب في الفقه على ترتيب الاصول، وذكر
الإختلاف فيها...، إلخ. وفي بندار بن محمد (ص 41): له كتب، منها كتاب الطهارة، كتاب
الصلاة، كتاب الصوم، كتاب الحج، كتاب الزكاة، وغيرها على نسق الاصول...، إلخ. وفي
حميد ابن زياد (ص 60): له كتب كثيرة على عدد كتب الاصول...، إلخ، وغير ذلك، فلاحظ
وتأمل. قلت: ولعل ترتيب الاصول وذكر الروايات فيها كان بحسب من سأل
________________________________________
[ 96 ]
عنه، فكان ما ورد عن الإمام السابق متقدما على ما ورد عن الإمام الذي
بعده، مع رعاية الأبواب والفصول بذكر ما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في
الطهارة، ثم الصلاة، وهكذا مقدما على ما ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)،
أو كان باعتبار زمان السماع فكان الأسبق سماعا متقدما على المتأخر. وهذا بخلاف
الكتاب، فلا يلاحظ في ترتيب أبوابه وفصوله تقدم زمان إمام على إمام آخر، أو تقدم
السماع. وعلى هذا يكون الأصل مصدرا وأصلا للكتاب. الطرق إلى كتاب النجاشي: إن كتاب
رجال النجاشي مما اشتهر بين علماء الفريقين، وتواتر النقل عنه، واتكل عليه كافة
الأصحاب، واعتمد عليه علماء الاعصار، ونطق وشهد بذلك الأكابر الأعلام. قال العلامة
المجلسي في فهرست البحار مشيرا إلى كتابه وكتاب الكشي: عليهما مدار العلماء الأخيار
في الأعصار والأمصار...، إلخ. وغير ذلك مما ذكره الأصحاب في اشتهاره وتواتره، ولا
نطول بذكره. فلا حاجة إلى ذكر الطرق إليه، إلا أنه لا بأس بالإشارة إلى بعضها. وقد
صرح العلامة (رحمه الله) في آخر الخلاصة بأن كلها صحيحة. فنقول: روى مشايخنا وأكابر
الطائفة بطرقهم وأسانيدهم المتصلة الكثيرة جدا عن أعلام الطائفة وثقاتهم وأجلائهم
على ما ذكروه في كتب الإجازات. وذكر جملة منها العلامة المجلسي (رحمه الله) في
إجازات البحار عن الشيخ العلامة آية الله في العالمين جمال الملة والدين، الحسن بن
يوسف بن علي بن المطهر الحلي (رحمه الله)، عن والده سديد الدين المتكلم الاصولي،
الفقيه الجليل، المحقق الشهير العظيم شأنه في الطائفة (رحمه الله)، عن العابد
الصالح الفاضل الفقيه السيد أحمد بن
________________________________________
[ 97 ]
يوسف بن أحمد العريضي العلوي الحسيني (رحمه الله)، عن الفقيه الفاضل
برهان الدين محمد بن محمد بن علي الحمداني القزويني نزيل الري (رحمه الله)، عن
السيد الإمام علامة زمانه وعميد أقرانه واستاد أئمة عصره ورئيس علماء دهره أبي
الرضا فضل الله بن علي الحسيني الراوندي (رحمه الله)، عن السيد عماد الدين الإمام
حسام المجد القاطع العالم المتكلم الفقيه الثقة الورع أبي الصمصام ذي الفقار بن
محمد بن معبد الحسيني المروزي (رحمه الله)، عن النجاشي بكتابه. قال العلامة (رحمه
الله) في الخلاصة في الفائدة العاشرة عند ذكر طريقه: لنا طرق متعددة إلى الشيخ
السعيد أبي جعفر الطوسي (رحمه الله)، وكذا إلى الشيخ الصدوق أبي جعفر بن بابويه،
وكذا إلى الشيخين أبي عمرو الكشي وأحمد بن العباس النجاشي، ونحن نثبت هاهنا منها ما
يتفق وكلها صحيحة. ثم ذكر طرقه، وبعد ذكرها قال: وقد اقتصرت من الروايات إلى هؤلاء
المشايخ بما ذكرت، والباقي من الروايات إلى هؤلاء المشايخ وإلى غيرهم مذكور في
كتابنا الكبير...، إلخ. وقد روى العلامة (رحمه الله) بهذا الإسناد كتاب النجاشي
فيما أجاز به لسادات بني زهرة على ما ذكره في إجازات البحار. وللعلامة (رحمه الله)
طريق آخر إلى النجاشي وكتابه، ذكره في إجازته الكبيرة لبني زهرة قال فيها: وقد أجزت
لهم - أدام الله أيامهم - أن يرووا عن والدي، عن مشايخه المتصلة منه إلى الشيخ أبي
جعفر الطوسي، جميع ما اشتمل عليه كتاب فهرست أسماء المصنفين وأسماء الرجال من الكتب
والمشايخ بطرق الشيخ (رحمه الله) إليهم، وكذا ما اشتمل عليه كتاب النجاشي
والكشي...، إلخ. قلت: وطرق العلامة إلى الشيخ (رحمه الله) كثيرة، ذكرها في إجازات
البحار، وذكر في إجازته لسادات بني زهرة طريقا أيضا إلى الشيخ الطوسي (رحمه الله)،
إلى جميع ما يرويه عن مشايخه من العامة والخاصة. ثم ذكرهم وعد من مشايخه من
________________________________________
[ 98 ]
الخاصة أبا الحسين أحمد بن النجاشي. قلت: لم نجد في كلام غير العلامة
(رحمه الله) وفي غير هذه الإجازة ذكرا لكون النجاشي من مشايخ شيخ الطائفة، وحيث كان
النجاشي (رحمه الله) أكبر سنا منه، لقى أكابر مشايخ عصره، بل ومشايخ مشايخهما، وكان
كثير الطرق والسماع والقرائة على المشايخ، فلا بعد في رواية الشيخ عنه. وعدم ذكر
الشيخ النجاشي في عداد المصنفين في الفهرست لا ينافي ذلك لما سبق من تأخر تأليف
النجاشي عن تأليف الفهرست، بل وعن الفتنة الكبرى في بغداد. ثم إن إجازات أصحابنا
إشتملت على طرقهم وأسانيدهم إلى النجاشي خاصة، وإلى الشيخ الطوسي عن النجاشي، وإليه
فيما يرويه من الكتب وما يرويه عن مشايخه. وإليك بإجازات البحار، وما ذكره الشيخ
الحر العاملي في آخر الوسائل وغيرهما. وهنا طريق آخر ذكره ابن داود الحلي (رحمه
الله) في مقدمة رجاله، قال: وطريقي إلى النجاشي شيخنا نجم الدين أيضا والشيخ مفيد
الدين محمد بن جهيم رحمهما الله، جميعا عن السيد شمس الدين فخار، عن عبد الحميد بن
التقي، عن أبي الرضا فضل الله بن علي الراوندي العلوي الحسيني، عن ذي الفقار
العلوي، عن النجاشي المصنف. قلت: وقد اقتصر أكثر من ذكر طريقه إلى النجاشي على
الإسناد من طريق ذي الفقار العلوي، ولعله كان لعلو الإسناد، كما صرح بذلك المحقق
الكركي (رحمه الله) في إجازته الكبيرة على ما في البحار. وكان أبو الصمصام ذو
الفقار العلوي حينما لقاه الشيخ منتجب الدين صاحب الفهرست ابن مائة وخمسة عشرة سنة،
مع أنه (رحمه الله) كان من تلامذة الشيخ المفيد، والسيد المرتضى، وشيخ الطائفة
المحقق الطوسي، والنجاشي، ومحمد بن
________________________________________
[ 99 ]
علي أبي عبد الله الحلواني، والشيخ شاذان بن جبرئيل القمي، وسلار بن عبد
العزيز، والشريف الرضي، وغيرهم من أعاظم عصره. وكان تلامذته ومن روى عنه أعلام
العصر، وأجلاء الطائفة: مثل الشيخ منتجب الدين صاحب الفهرست، وابن شهرآشوب، والسيد
هبة الله قطب الدين الراوندي، والسيد فضل الله بن علي الحسيني الراوندي، وغيرهم،
وقل ما خلت إجازة من روايته لسعة علمه ودرايته، والثقة بورعه وديانته، كان فقيها،
عالما متكلما، وكان ضريرا، نص عليه السيد (رحمه الله) في درجات الرفيعة (1). وبذلك
نكتفي في الطريق إلى كتاب النجاشي وقد أشرنا إلى عدم الحاجة إلى ذلك لوضوح الكتاب
وشهرته وتواتره واعتماد كافة العلماء عليه في جميع الأعصار. تنبيه: روى الشيخ الحر
العاملي في آخر الوسائل بطرقه العديدة إلى العلامة الحلي (رحمه الله) بإسناده
المتقدم، عن أبي الصمصام كتاب الرجال عن النجاشي. وأيضا بهذا الإسناد عن النجاشي،
عن محمد بن علي الشجاعي، عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم النعماني كتابه الغيبة
المعروف بغيبة النعماني. وأيضا بهذا الإسناد كتاب طب الأئمة للحسين بن بسطام وعبد
الله بن بسطام، عن النجاشي، عن أبي عبد الله بن عياش، عن الشريف أبي الحسين صالح بن
الحسين النوفلي، عن أبيه، عن الحسين وعبد الله ابني بسطام. قلت: وقد أشرنا في
مشايخه (رحمه الله) أن رواية النجاشي كتاب طب الأئمة عن ابن عياش ليست بصورة حدثنا
أو أخبرنا، وإنما كانت بنحو قال: ابن عياش. وصرح (رحمه الله) في ترجمته بأنه لم يرو
عنه شيئا، فلاحظ ما ذكرناه هناك وفي ترجمته.
________________________________________
(1) - الدرجات الرفيعة: ص 519. (*)
________________________________________
[ 100 ]
الفائدة الثالثة في ما يتعلق بمعرفة الرواة ما يثبت به المدح أو ذم
الرواة: يثبت مدح الرواة وذمهم وسائر أوصافهم كغيرها من الموضوعات الخارجية بامور:
1 - القطع، وحجيته ذاتية. 2 - الوثوق والإطمئنان الذي يعد علما عادة عند العرف، وهو
حجة عند العقلاء، على إشكال في حجية الوثوق الشخصي بنفسه، ذكرناه في (الاصول). 3 -
البينة وهي شهادة عدلين، وقد ثبت حجيتها بأدلة، منها أدلة حجية أخبار الآحاد في
الموضوعات الخارجية، كما حققنا ذلك في محله، وفصلناه في فوائدنا في (قواعد الرجال).
4 - الأخبار المأثورة عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) في مدح الرواة أو ذمهم. 5
- قول الثقة وإخباره، وفاقا للمحققين من أصحابنا في القول بحجية أخبار الآحاد في
الموضوعات الخارجية، وعدم لزوم البينة في إثباتها، وإن خصها جماعة منهم بالأحكام.
وذلك لما حققناه في محله من شمول دليل حجية أخبار الآحاد لأخبار الثقات في
الموضوعات، وعدم دليل صالح على خلافه. ثم إنه لا يخفى عدم صحة الإكتفاء في إثبات
أوصاف الرواة كلها بالعلم والوثوق والإطمئنان المقارب للقطع، كما هو ظاهر مع بعد
زمان هؤلاء عن
________________________________________
[ 101 ]
زماننا. وكذلك إثباتها بالبينة لتعدد الوسائط وندرة شهادة العدلين على
ذلك في جميع الوسائط. ومن نظر في علم الرجال وتأمل في أحوال الرواة، لم يشك في عدم
صحة الإكتفاء في إثباتها بالبينة. وهذا مما ألجأ القائلين باعتبار شهادة العدلين
إلى القول بانسداد باب العلم والعلمي إلى الأحكام، وقد حقق بطلانه في محله. وعلى
هذا فالعمدة في طريق إثبات أحوال هؤلاء الرواة، الأخبار المأثورة عن الأئمة الأطهار
(عليهم السلام)، أو شهادة وأخبار معاصري هؤلاء الرواة، ومن أدركهم من الثقات إذا
وصلت إلينا هذه الأخبار، أو الشهادة من طريق الثقات، أو رواية ثقة بإسناد مقطوع أو
مرسل أو مجهول، إذا عرفه هذه الثقة بأنه لا يروي إلا عن الثقات. ما يعتبر في حجية
الخبر وما لا يعتبر: لا يخفى إن أدلة حجية أخبار الآحاد على عمومها تختص بما إذا
كان الإخبار عن الحس، ولا تشمل ما كان عن حدس المخبر ورأيه واجتهاده، كما حققناه في
محله. وحجية الرأي والحدس من أهل الخبرة في كل فن، كحجية الفتوى ورأي الفقيه للمقلد
الجاهل، إنما هي بدليل آخر، كما حقق في محله. فلا تقاس بالمقام، وأوضحنا ذلك في
فوائدنا في (قواعد الرجال). وأيضا تختص أدلة حجية الأخبار الآحاد بما رواه الثقة
والمتحرز عن الكذب، كما حقق ذلك في محله. فلا تشمل أخبار من لا يبالي بالكذب، أو من
لا يعرف حاله. والممدوح في الرجال، بمدح يدل على الملكة الشريفة النفسية المانعة عن
التعمد بالكذب، بحكم المصرح بالتوثيق في شمول الأدلة. نعم في شمولها لمطلق الممدوح
الذي يعد خبره حسنا إصطلاحا، إشكال
________________________________________
[ 102 ]
ذكرناه في محله. ولا يشترط في حجية إخبار الثقة عن أمر محسوس أو ما
بحكمه غير العقل والتمييز أمر آخر. فلا يعتبر البلوغ، لعموم دليل الحجية. نعم بناءا
على القول بحجية أخبار الآحاد من باب التعبد لا إمضاء سيرة العقلاء، فربما يشكل.
واختار جماعة إعتباره، وادعى الشهيدان قدس سر هما إتفاق أئمة أهل الحديث والاصول
الفقهية على اعتباره، مضافا إلى حديث رفع القلم عن الصبي. قلت: وفيما افيد نظر،
فأما الإتفاق فممنوع، بعد اختيار كثير من الأصحاب عدم اعتباره، بالخصوص إذا كان
الصبي مميزا، ونقل الإتفاق غير حجة. وأما حديث رفع القلم، فإنما يقتضي رفع قلم
التكليف فقط، على ما حققناه في محله. على أنه سيق لرفع القلم إمتنانا، فيختص بما
إذا كان في رفعه منة على المرفوع منه. ولا امتنان في سلب الحجية عن قول الصبي
وإخباره، وتمام الكلام في محله. ولا يعتبر في المخبر والراوي الأسلام والإيمان
والعدالة، لما ذكرنا. نعم بناءا على حجية أخبار الآحاد من باب التعبد فيشكل. وقد
اختار اعتبارها جماعة من أصحابنا، بل قال ثاني الشهيدين قدس سرهما في الدراية: إتفق
أئمة الحديث والاصول الفقهية على اشتراط إسلام الراوي حال روايته، وإن لم يكن مسلما
حال تحمله. فلا تقبل رواية الكافر، وإن علم من دينه التحرز من الكذب، لوجوب التثبت
عند خبر الفاسق، فيلزم عدم اعتبار خبر الكافر بطريق أولى، إذ يشمل الفاسق الكافر
هذا (1).
________________________________________
(1) - الرعاية في علم الدراية: ص 181 و 182. (*)
________________________________________
[ 103 ]
قلت: أما الإتفاق المدعى فممنوع جدا، وقد ذكرنا تصريح جماعة بخلاف ذلك
في فوائدنا في (قواعد الرجال)، كما لا يخفى أيضا على المتتبع. وأما آية النبأ فلا
تصلح رادعا عما دلت عليه السيرة المستمرة من العقلاء، إذ لا تدل على وجوب التثبت
مطلقا حتى فيما إذا علم أو وثق بتحرز الفاسق من الكذب. والتعليل في ذيلها قرينة على
عدم الإطلاق أو صالحة لذلك، وفي ذلك كلام ذكرناه، مع ما قيل في وجه عدم كون الآية
الشريفة رادعة في محله، كما ذكرنا عدم تمامية الإستدلال بآية الركون إلى الظالم
للردع عنها، فلا نطيل. ولذلك كله عمل أصحابنا بروايات الثقات من العامية، والفطحية،
والزيدية، والواقفية، وغيرهم من الفرق الباطلة. واعتمدوا على توثيقهم للرواة أيضا،
بل ظاهر الشيخ (رحمه الله) في مواضع من كتبه إتفاق الطائفة على ذلك. قال (رحمه
الله) في كتاب العدة في القرائن الدالة على صحة الأخبار: فأما من كا ن مخطئا في بعض
الأفعال أو فاسقا بأفعال الجوارح، وكان ثقة في روايته متحرزا فيها، فإن ذلك لا يوجب
رد خبره ويجوز العمل به، لأن العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه، وإنما الفسق
بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته، وليس بمانع من قبول خبره. ولأجل ذلك قبلت
الطائفة أخبار جماعة هذه صفتهم...، إلخ (1). بل مع أن الشيخ (رحمه الله) أشكل في
كتاب الغيبة، في الوثوق بأخبار عثمان بن عيسى الرواسي وعلي بن أبي حمزة البطائني من
رؤساء الواقفة، فيما رويا ما يدل على مذهبهم. فقد عدهما في كتاب العدة ممن كان
متحرزا عن الكذب، مأمونا في حديثه، وثقة في نقله، من أهل المذاهب الباطلة،
________________________________________
(1) - عدة الاصول: ج 1 / ص 282 (ط ج). (*)
________________________________________
[ 104 ]
وذكر أنه يؤخذ بأخبارهم (1). قلت: وفي تحقق الوثوق برؤوساء الواقفة
كلام، وكذلك بالنسبة إلى الغلاة. ولهذا صرح الشيخ (رحمه الله) بعدم جواز العمل
بروايتهم إلا إذا كانوا في حال الإستقامة، وخص وجه عمل الأصحاب برواية أبي الخطاب
وأمثالهم من الغلاة بما إذا كانت الرواية قبل إنحرافهم، وتمام الكلام في ذلك في
فوائدنا في (قواعد الرجال). وجه حجية قول أصحاب الرجال: يظهر من كلام بعض الأصحاب
إختلافهم في وجه حجية قول أهل الرجال في الرواة. فمنهم من قال: إنه إفادة قولهم
العلم أو الظن بأحوالهم. وفيه: عدم حصول العلم غالبا ومنع حجية الظنون الشخصية.
ومنهم من قال: إن الوجه كون علماء الرجال أهل الخبرة بأحوال الرواة فيرجع إليهم،
كما يرجع إلى أهل الخبرة في سائر الفنون. ومن ذلك رجوع العامي إلى الفقيه. وفيه:
أنه لا دليل على ذلك بعمومه، والرجوع إلى الأدلة والأخبار الموقوف على النظر في
رجال أسانيدها وظيفة الفقيه، لا العامي، وليس له الرجوع إلى غيره، وتحقيق ذلك في
فوائدنا في (قواعد الرجال). ومنهم من قال: إن الوجه في الرجوع إليهم هو الأخذ
بشهادتهم. قلت: ولازمه اعتبار ما يعتبر في الشاهد في الأخذ بقولهم، وهو كما ترى،
وقد أشرنا إلى أن دليل اعتبار قول الشاهد هو دليل حجية الأخبار الآحاد،
________________________________________
(1) - عدة الاصول: ج 1 / ص 380 و 381 (ط ج). (*)
________________________________________
[ 105 ]
واعتبار التعدد في البينة قد ثبت بدليل آخر. وعلى هذا فالرجوع إلى
الرجالي من باب الرجوع إلى الراوي والمخبر، ففيما أخبر به من أحوال من أدركه من
الرواة لا إشكال، وفي غيره قوله وإخباره بمنزلة رواية مرسلة. فإذا علم من طريقته
أنه لا يرسل في ذلك إلا عن ثقة، فيعتمد عليه. وإن شئت قلت: إن قوله مثلا: زرارة
ثقة، شهادة منه على الوثاقة، مستندة إلى رواية الثقات أو شهادتهم في جميع الطبقات.
وحينئذ فالعمدة إثبات التزام الرجالي بالإعتماد على الثقات، وعدم الرواية عمن لا
يبالي بالحديث في جميع رجال السند، كي يكون قوله وإخباره بمنزلة رواية معتبرة
عندنا، وإن كانت محذوفة الإسناد. إعتبار قول المتأخرين من أهل الرجال: إختار بعض
الأعلام عدم حجية توثيق المتأخرين من أهل الرجال وجرحهم. بل يظهر منه عدم حجية قول
مثل ابن طاووس، والمحقق، والعلامة، وابن داود، وأمثالهم من المتأخرين قدس سرهم.
بدعوى كثرة أخطائهم، وخصوصا العلامة (رحمه الله)، وأن المتأخرين نقلة لمن تقدم فيما
لهم توثيق أو جرح، وفي غير ذلك إستعملوا الرأي والإجتهاد لا محالة، ولا دليل على
اعتبار رأيهم. قلت: فيه أولا: منع أكثرية خطأ المتأخرين، بل الأمر بالعكس، كما هو
ظاهر بالتأمل في كلامهم في الرجال والفقه وغيرهما. وثانيا: إن تم دليل حجية قول أهل
الرجال فالفرق بلا دليل وفي غير محله. وكون الخطأ في أقوال العلامة أكثر من غيره
عهدته على مدعيه. ولو سلم أن كثرة مشاغله، وتفننه في العلوم، وكثرة تأليفاته، وغير
ذلك، ربما أوجب الخطأ بما ليس في كلام غيره. فلا يوجب التوقف في الأخذ بكلامه، كما
لا يوجب
________________________________________
[ 106 ]
بالنسبة إلى شيخ الطائفة. والمعصوم من الخطأ غيرنا. وثالثا: أن كون
المتأخرين نقلة لما ذكره المتقدمون ليس قدحا. وعدم وقوفهم على أزيد مما ذكره
المتقدمون ممنوع جدا، فكم وقف المتأخر على ما لم يقف عليه المتقدم من الآثار في
الرجال والفقه وغيرهما، وهذا واضح لمن كان كثير التتبع في الأخبار. ورابعا: أن
الإجتهاد واستعمال الرأي في الآثار لا يختص بالمتأخر، نعم فتح المتأخر باب الإجتهاد
بمصراعيه دون من تقدمه، ومن تأمل في توثيقات ابن الوليد، وشيوخ القميين، وأحمد بن
عيسى، وأضرابهم، وما صدر منهم من الجرح. مع أن كثيرا من أعلام عصرهم قد أنكروا ذلك
عليهم، فضلا عمن تأخر عنهم، تبين له أن الفرق المذكور في غير محله، وإن كان إجتهاد
المتأخر أكثر، وقد أشبعنا القول في ذلك في فوائدنا في (قواعد الرجال). منهج النجاشي
في الجرح والتعديل: تقدم أن قول أهل الرجال إنما يعتمد عليه من باب الشهادة
والرواية. فمع بعد أكثر من ترجمه النجاشي في رجاله عن زمانه، ربما يشكل الإعتماد
على جرحه وتعديله، إذ لا يستند إلى الحس والسماع بلا واسطة، ولا يعرف من طريقته
الإلتزام بالإعتماد على خصوص ما رواه الثقات ولو مع الواسطة، بل المعلوم خلافه. فقد
صرح بترك الرواية عن المطعونين من مشايخه إلا مع واسطة بينه وبين المطعون، كما تقدم
في مشايخه. وقد اعتمد في رواياته للكتب والمصنفات على روايات، فيها ضعف بالإرسال أو
الجهالة أو ضعف بعض رجال الإسناد، مع أن ذكر المصنفات هو الغرض الأول لتأليف الكتاب
دون ذكر أحوال الرواة، فكيف لا يحتمل إعتماده في
________________________________________
[ 107 ]
إثبات سائر أوصاف الرواة بمثل هذه الأخبار، وقد اتحد السياق لذكر الكتب
والأوصاف بقوله بنحو الجزم: ثقة، كوفي، واقفي، له كتاب. بل ربما إعتمد في التوثيق
وغيره على ما رواه الكشي أو غيره من رواية ضعيفة الإسناد، كما ستقف عليه في هذا
الشرح. على أنه إستعمل الرأي والإجتهاد في الجرح والتعديل فيما اختلف فيه الآثار،
أو كلمات أصحاب الرجال، كما يظهر بالتأمل فيما ذكره في الحسن بن محبوب، ومحمد بن
عيسى، وغيرهما ممن اختلف فيه الآثار وقول أهل الرجال. قلت: وفي جميع ذلك نظر وتأمل.
أما روايته الكتب بإسناد ضعيف وشهادته بقوله: له كتاب أو كتب، فلما سبق أن ثبوته لا
ينحصر بما ذكره من الرواية عن مؤلفه، لعدم حصر الطريق به، كما صرح بأن الطرق كثيرة.
وإنما يكتفي بواحد لئلا يطول المقام. على أن كثيرها مشهورة، أو رواها جماعات من
الناس، وذكرنا أن ضعف الرواية لا يضر بالشهادة لأصل الكتاب. وأما الإعتماد على
رواية ضعيفة في التوثيق، ففيما لم يستند إليها في كلامه لا نعلم باستناده، وفيما
علق التوثيق على الرواية فهذا مشعر بعدم جزمه بالتوثيق، كما لا يخفى. وأما الإجتهاد
في الجرح والتعديل في موارد الإختلاف. فلا يوجب عدم جواز الرجوع إليه في شهادته
بالتوثيق، وسيأتي الفرق بين الجرح والتعديل في هذا المقام. وأما إلتزام النجاشي
بالإعتماد على رواية الثقات خاصة، بحيث تكون شهادته بالوثاقة بمنزلة رواية محذوفة
الإسناد رواها الثقات، فيمكن كشفه من تحفظه (رحمه الله) على شروط الرواية، فقد ترك
الرواية عن المطعون وإن كان كثير العلم والأدب والسماع، ومن تعليقه التوثيق أو
الجرح أو ثبوت وصف أو حال للرواة
________________________________________
[ 108 ]
أو كتاب، في كثير من التراجم، على أصحاب الرجال أو بعضهم، أو على الكشي
أو أبي العباس أو أحمد بن الحسين، وغيرهم، إيماء منه (رحمه الله) بعدم الجزم به.
وقد أكثر في هذا الكتاب تعليق رواية الرواة عن أبي عبد الله، أو عن أبي الحسن
(عليهم السلام) على أبي العباس، ايماء منه إلى عدم ثبوتها عنده لضعف مستندها، أو
لأن الطبقة لا تساعد على ذلك. فتوقف (رحمه الله) عن الجزم بذلك مع شهادة أبي العباس
بن نوح، أو ابن عقدة على ذلك أيضا. وفي بعض الموارد علق الرواية عن أحدهم (عليهم
السلام) عليهما معا. وإن شئت فلاحظ ترجمة عبد الله بن سنان (ر 558) حيث قال: روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام). وقيل روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام. وليس
بثبت...، إلخ. وقد روى الكليني والشيخ وغيرهما بإسناد فيه زياد بن مروان، عن عبد
الله بن سنان، عن أبي الحسن (عليه السلام)، فيظهر من ذلك أن عدم ثبوت رواية عبد
الله بن سنان عنه (عليه السلام)، لضعف المستند بزياد بن مروان القندي الضعيف، مضافا
إلى ما قيل: أنه مات في حياة أبي عبد الله (عليه السلام). ونحو ذلك في ترجمة زكريا
بن إدريس (ر 457) وغيره، فلاحظ وتأمل. وبالجملة فمن تعليق النجاشي ما ذكره من
الأوصاف في جملة من التراجم على قول أهل الرجال، أو بعضهم مشيرا إلى ضعفه، يستظهر
أن ما ذكره في غير هذه الموارد بصورة الجزم وبلا تعليق على قائل قد ثبت عنده بطريق
معتبر، وإسناد خال عن ضعيف، أو من لا يبالي بالحديث. كما أنه يستظهر كون الطريق
المعتبر عنده معتبرا عندنا لو وصل إلينا، من طريقته رحمه الله في الجرح والتعديل في
الأسانيد ورجالها، ومما أورد به على الأصحاب، وغير ذلك مما لا يخفى على المتأمل.
هذا مضافا إلى إمكان القول بأن قول النجاشي مثلا: سماعة بن مهران ثقة، شهادة منه
تؤخذ بها، كشهادته على حياة رجل أو علمه، أو على طهارة
________________________________________
[ 109 ]
شئ أو نجاسته، من دون لزوم الفحص عن مستنده حتى يعلم بخطأه فتترك. وفي
هذا الوجه وما قبله نظر قد فصلنا القول في تحقيق ذلك في فوائدنا في (قواعد الرجال).
التوثيقات العامة لا فرق في مدح الرواة وتوثيقهم بين كونه شخصيا، كقوله: زرارة ثقة،
وبين كونه بوجه عام، كما في توثيق بيت أو مدحهم. ففي عمومة إسماعيل بن عبد الخالق
وأبيه، قال النجاشي: كلهم ثقات. فمن كان من عمومته يحكم بوثاقته، وإن ثبت ذلك من
كلام غيره. ومن ذلك وأمثاله، استفدنا وثاقة جماعة من الرواة ممن لم يفرد لهم
النجاشي ترجمة. وعلى هذا فإذا ثبت في جماعة المدح بأنهم لا يروون إلا عن الثقات،
فيحكم بوثاقة كل من رووا عنه، وإن لم يصرح في كلام الأصحاب بتوثيقهم بالخصوص. وكذلك
فيمن صرح بمدح يستلزم روايته عن الثقات، والإجتناب عن الرواية عن الضعاف. وحينئذ
فلا بأس بذكر من قيل فيه: إنه لا يروي إلا عن الثقات. وأيضا من ورد فيه مدح، ربما
يستفاد منه: أنه لا يروي إلا عن الثقات، وإن لم يصرح بذلك في كلام الأصحاب. وظاهر
الأصحاب أن رواية من عرف بأنه لا يروي إلا عن الثقات أمارة عامة على وثاقة من روى
عنه. ويلزم منه أيضا عدم الفرق بين مسانيد هؤلاء وبين مراسيلهم. ففي كتاب العدة في
القرائن الدالة على صحة الأخبار، قال شيخ الطائفة: وإذا كان أحد الراويين مسندا
والاخر مرسلا نظر في حال المرسل، فإن كان ممن
________________________________________
[ 110 ]
يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره.
ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن
محمد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن
يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم. ولذا عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية
غيرهم...، إلخ. قلت: وتبعه الشهيد رحمه الله في مقدمة الذكرى. من لا يروي إلا عن
الثقة: يظهر من كلام النجاشي وغيره أن في رواة أصحابنا من يعرف بأنه لا يروي إلا عن
ثقة. ومعرفة ذلك إما بتصريح الراوي الثقة بأنه لا يروي إلا عن الثقة مطلقا، أو في
كتاب خاص، مثل ابن قولويه في كامل الزيارات وغيره. وإما بتصريح غيره، كما صرح الشيخ
(رحمه الله) في ابن أبي عمير وأضرابه، وقد تقدم. وإما يستفاد من لازم الكلام، مثل
تعليل النجاشي لعدم الرواية عن بعض الرواة بضعفه وورود الطعن فيه، فإن مشايخ
النجاشي إنما استفيد وثاقتهم من تعليله عدم الرواية عن بعضهم بكونه مطعونا أو
ضعيفا. فيدل بالإلتزام على أنه لا يروي إلا عن الثقة، على كلام تقدم في ذلك. وفي
كفاية الإستقراء لإثبات كون جميع من روى عنه ثقاتا إذا لم يفد القطع، إشكال حققناه
في فوائدنا في (قواعد الرجال). وهؤلاء جماعة: الأول: النجاشي، كما تقدم الكلام فيه.
الثاني والثالث: محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الإسكافي أبو
________________________________________
[ 111 ]
علي، وأحمد بن محمد بن سليمان أبو غالب الزراري شيخ العصابة في زمنه
ووجههم. قال النجاشي في جعفر بن مالك (ر 313): كان ضعيفا في الحديث. قال أحمد بن
الحسين: كان يضع الحديث وضعا، ويروي عن المجاهيل، وسمعت من قال: كان أيضا فاسد
المذهب والرواية، ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام، وشيخنا
الجليل الثقة أبو غالب الزراري (رحمهما الله). وليس هذا موضع ذكره...، إلخ. قلت:
وأنت خبير بأن العجب المتقدم إنما يصح إذا عرف الشيخان الجليلان بأنهما لا يرويان
عن الضعاف وعن غير الثقات، وتمام الكلام في ذلك في ترجمته وفي فوائدنا في (قواعد
الرجال). الرابع: أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (رحمه الله) في كتاب كامل
الزيارة. قال (رحمه الله) في الديباجة: حتى أخرجته وجمعته عن الأئمة - صلوات الله
عليهم أجمعين - من أحاديثهم، ولم أخرج فيه حديثا روي عن غيرهم، إذا كان فيما روينا
عنهم من حديثهم - صلوات الله عليهم - كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا إنا لا نحيط
بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى، ولا غيره، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من
أصحابنا - رحمهم الله برحمته -. ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر
ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية، المشهورين بالحديث والعلم، إنتهى.
قلت: فيما أفاده (رحمه الله) تصريح بامور: أحدها: عدم ذكره في الكتاب إلا الروايات
المأثورة عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، لكفاية ما وصل عنهم والغنى عن أخبار
غيرهم. ثانيها: أنه مع كثرة ما ورد عنهم (عليهم السلام) في جميع الأبواب وعدم العلم
بصحة
________________________________________
[ 112 ]
الجميع، إقتصر على رواية ما وقع إليه (رحمه الله) من جهة الثقات من
أصحابنا. (رحمهم الله) وظاهره أنه (رحمه الله) ترك ما وقع من غير جهة الثقات من
أصحابنا، أو ما وقع من جهة غير أصحابنا وإن كانوا ثقاتا. ثالثها: الأكتفاء بالثقات
المشهورين بالحديث والرواية، وترك الرواية عن غير المشهورين بالرواية وعن الشذاذ.
قلت: وفي اختصاص الأمرين الأخيرين بمشايخه ومن روى عنه بلا واسطة، كما هو صريح غير
واحد من أصحابنا، أو ظاهرهم، أو عمومهما لجميع رجال أسانيده إلى المعصوم (عليه
السلام)، وهو مختار بعضهم، وجهان. ويبعد الثاني، مضافا إلى التأمل في ظهور كلامه في
نفسه، بل منعه، وجود جماعة من المصرحين بالضعف في أسانيد رواياته، والأرسال،
والرفع، والقطع، في أحاديثه، وأيضا إلى تعارف تخصيص الرواية عن الثقات بالمشايخ بلا
واسطة لا حتى مع الواسطة. فمن ذلك كله يستفاد أن المراد: الرواية عن المشايخ الثقات
وعن كتب الثقات والمشهورين من الرواة، وإن كان في طرق هذه الروايات المجاهيل
والمطعونين. ودعوى أن وجود المصرح بالضعف في أسانيده يقتضي عدم الأخذ بهذا التوثيق
العام في قبال الدليل على الضعف، لا عدم الأخذ به مطلقا حتى فيمن لم يصرح بالضعف،
وهذا نظير العلم بخروج بعض أفراد العام عن حكمه بدليل المخصص، فلا يقتضي رفع اليد
عن دليل العام في غير مورد المخصص، مدفوعة بعدم صحة القياس بباب العام والخاص، على
ما سيأتي بيانه. ويمكن تقريب الأول بامور: أولها: أن غرضه (رحمه الله) من هذا
الألتزام هو صحة ما ذكره في هذا الكتاب.
________________________________________
[ 113 ]
وهذه تقتضي وثاقة جميع رجال السند، لا خصوص مشايخه، كما هو ظاهر. وليس
في مقام بيان طريقته في الحديث فقط. ثانيها: قوله: إنا لا نحيط بجميع...، إلخ، فإن
الأحاطة بجميع ما رواه وحدثه مشايخه ليس أمرا عجيبا غير ممكن عادة حتى يوجب
الأقتصار المذكور، بخلاف ما إذا اريد العموم، فإن الأحاطة بالجميع حينئذ متعذرة
عادة. هذا إن اريد الأحاطة خارجا، وأما إذا اريد الوقوف على الصحة والأطمئنان
بالصدور فالأمر أوضح، فإن ما كان خصوص شيخه من الثقات فلا يدخل فيما علم أو اطمأن
بصحته عادة، بل إنما يحيط أو يعلم بصحته إذا كان جميع رجال أسانيده ثقاتا. ثالثها:
قوله (رحمه الله): ما وقع لنا من جهة الثقات، بدل ما سمعته من ثقات مشايخنا، وأمثال
ذلك. فإن الأول يقتضي كون جميع الرجال ثقاتا حتى يصح إطلاق وقوعه عن المعصوم (عليه
السلام) من طريق الثقات. الخامس: الشيخ الجليل علي بن إبراهيم بن هاشم القمي الذي
وثقه النجاشي بقوله: ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب...، إلخ. قال في
ديباجة التفسير: ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن
الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم...، إلخ. قلت: ودلالة كلامه ظاهرة إلا أن
الشأن في الطريق إلى التفسير. وفي ذلك كلام، يأتي إن شاء الله في ترجمته. وقد
أخرجنا رجال أسانيده ومشايخه في هذا الكتاب في محله. السادس: شيخنا الأجل محمد بن
علي بن الحسين بن بابويه الصدوق (رحمه الله) في كتاب المقنع، وكذا والده. قال في
أوله: وحذفت الأسناد منه لئلا يثقل حمله، ولا يصعب حفظه، ولا يمله قاريه، إذا كان
ما ابينه فيه موجودا بينإ
________________________________________
[ 114 ]
عن المشايخ العلماء، الفقهاء الثقات (رحمهم الله). قلت: حكى العلامة
المجلسي (رحمه الله) في إجازات البحار عن خط استاد الشهيد، عميد الرؤساء هبة الله
بن حامد اللغوي، قال: ذكر الشيخ أبو علي ابن شيخنا الطوسي (قدس سرهما): إن أول من
ابتكر طرح الأسانيد وجمع بين النظائر، وأتى بالخبر مع قرينة علي بن بابويه في
رسالته إلى ابنه، قال: ورأيت جميع من تأخر عنه يحمد طريقه فيها، ويعول عليه في
مسائل لا يجد النص عليها لثقته وأمانته، وموضعه من الدين والعلم...، إلخ. السابع:
أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري في كتاب بشارة المصطفى. قال (رحمه الله) في
ديباجته: ولا أذكر فيه إلا المسند من الأخبار عن المشايخ الكبار والثقات
الأخيار...، إلخ. قلت: وقد أخرجنا رجال أسانيده في محله. الثامن: الشيخ الجليل محمد
بن المشهدي في المزار الكبير قال في أوله: أما بعد فإني قد جمعت في كتابي هذا من
فنون الزيارات للمشاهد، وما ورد في الترغيب - إلى أن قال: - مما اتصلت به ثقات
الرواة إلى السادات (عليهم السلام)...، إلخ. قلت: قد أخرجنا رجال أسانيده. وتمام
الكلام في مؤلفه، وفي نفس الكتاب، وفي الطرق إليه في محله، فلا نطيل في المقام.
التاسع: السيد الورع ركن الأسلام علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن محمد الطاووس، في
كتاب فلاح السائل. قال في الديباجة: أعلم إنني أروي فيما أذكر من هذا الكتاب
روايات، وطريقي إليها من خواص أصحابنا الثقات، وربما يكون في بعضها بين بعض الثقات
المشار إليهم وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحد الأئمة (عليهم السلام) رجل
مطعون عليه بطعن من طريق الاحاد، أو يكون الطعن عليه برواية مطعون عليه من العباد،
وبسبب محتمل لعذر للمطعون عليه يعرف ذلك
________________________________________
[ 115 ]
السبب، أو يمكن تجويزه عند أهل الأنتقاد، وربما يكون عذري...، إلخ. ثم
ذكر كلاما في عذره، وملخصه يرجع إلى أحد عشر أمرا. وذكرها بطوله يوجب الخروج عن
الغرض إلا أنه لما فيها من الفوائد لا بأس بذكرها ملخصا حيث يفيد في جميع من روى عن
الثقات وقد أخرجنا رجال أسانيد روايات فلاح السائل في محله. الأول: كون مستند الطعن
رواية قاصرة سندا لوجود مطعون فيه، أو لعدم إنتهاء الطعن إلى المعصوم (عليه
السلام)، كالأضمار ونحوه، أو لأنتهاء الطعن إلى غير معصوم لم يعلم إستناد طعنه إلى
شهادة ثابتة أو حجة واضحة، أو إلى سبب غير عادي من الغضب، والنسيان، والحقد، والحسد
الذي قل من سلم منه، وقد شاع ذلك الطعن، فيظن السامع أنه حق، ولكن يكشف بطلانه لمن
تثبت واستكشف، أو ربما يعترف الطاعن ببطلانه، وهذا رأيناه في كثير من الأحوال.
الثاني: كون الطعن في المذهب مع كون المطعون ثقة في حديثه وأمانته. وهذا كما في
كثير من ثقات الفطحية، والزيدية، والواقفية، وغيرهم. الثالث: كون ما يوجب الطعن
جائزا شرعا للمطعون، وإن لم يجز لغيره. فمن رآه على ذلك طعن، ولم يعلم بجوازه له
لتقية شديدة أو غير ذلك، ولو أظهر خلافه أيضا ربما لم يقبلوا منه. الرابع: إعتماد
الثقات من أصحابنا على رواية المطعون وعدم استثنائها. فيكونوا قد عرفوا صحة الرواية
من وجوه. ثم أشار (رحمه الله) إليها. الخامس: كون ما ذكر من السند الذي في بعض
رجاله طعن تأييدا لما ذكره فيه من السند الصحيح الخالي من الطعن، فالأعتماد على ذاك
الطريق الغير المطعون فيه. السادس: كون الحديث الذي في بعض رجال سنده طعن موردا
للأخبار
________________________________________
[ 116 ]
الدالة على أن من بلغه ثواب على عمل فعمل به رجاء ذلك الثواب فله أجر
ذلك. قلت: هذا ملخص ما أفاده (رحمه الله) في المقام في أحد عشر وجها، بعضها مدخولة
في بعض، ومع ذلك فلا تخلو عن النقد والقدح بما لا يخفى عند التأمل، وتحقيق ذلك في
فوائدنا في (قواعد الرجال)، فلا نطيل. ثم إن هذا بعض من وقفنا على تعهده بالرواية
عن الثقاة في الجملة من مشايخ الأجازة والحديث. وينبغي الأشارة إلى مشايخ الحديث
ورواته فقط ممن روى عن الثقات وهم جماعة. الأول: جعفر بن بشير أبو محمد البجلي
الوشاء، فيأتي في ترجمته (ر 304) قول الماتن (رحمه الله): من زهاد أصحابنا وعبادهم
ونساكهم، وكان ثقة. - إلى أن قال: - كان أبو العباس بن نوح يقول: كان يلقب قفحة
العلم، روى عن الثقات ورووا عنه...، إلخ. قلت: وقد أخرجت مشايخه ومن روى عنه ومن
سمع من جعفر وروى عنه في فوائدنا في (قواعد الرجال)، وذلك بذكر الثقات والممدوحين
منهم ومن لم يصرح بمدح ولا قدح أولا، ثم بذكر من غمز أو طعن فيه، وهم جماعة، مع
تحقيق كامل في أحوالهم وفى سند الرواية إلى هؤلاء المطعونين. الثاني: محمد بن
إسماعيل الزعفراني، فيأتي في ترجمته (ر 936) قول الماتن (رحمه الله): ثقة عين. روى
عن الثقات، ورووا عنه. ولقى أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)...، إلخ. الثالث:
محمد بن أبي عمير أبو أحمد الأزدي، فيأتي في ترجمته (ر 890) قول الماتن (رحمه
الله): فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله، وفي الكشي في تسميته
________________________________________
[ 117 ]
الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليهما السلام) (ص 556
/ ر 1050)، قال: أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم، وأقروا لهم
بالفقه والعلم. وهم ستة نفر. ثم ذكرهم (رحمه الله) وعد منهم محمد بن أبي عمير. وعن
الشيخ (رحمه الله) في العدة قال: فإن كان المرسل ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة
موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد
بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الذين
عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم. ولذا عملوا
بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم (1). وذكر نحوه الشهيد (رحمه الله) في
الذكرى، كما تقدم. قلت: وقد حققنا القول في ما يستفاد من هذا الكلام في فوائدنا في
(قواعد الرجال). وأشرنا إلى من روى عنه ابن أبي عمير من الثقات أو الممدوحين، وربما
تجاوز المائتين، وإلى من لم يصرح بشئ أيضا، كما ربما يقارب أو يتجاوز عددهم
المائتين، وإلى من ورد فيه طعن أو غمز من الأصحاب، وربما يقارب أو يتجاوز عددهم
العشرين، مع الأشارة إلى روايته عن هؤلاء المطعونين والتأمل في إسنادها. ثم التحقيق
في أحوال هؤلاء بما لا ينافي روايته عنهم مع التوثيق العام لمن روى عنه، فلاحظ
وتأمل. الرابع: أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، على ما تقدم في كلام الشيخ (رحمه
الله). الخامس: صفوان بن يحيى، على ما تقدم. ويأتي عن الفهرست ما يشير
________________________________________
(1) - عدة الاصول: ج 1 / ص 386، (ط ج). (*)
________________________________________
[ 118 ]
إلى ذلك في ترجمته. قلت: وقد أخرجت مشايخهما من الثقات والممدوحين، ومن
لم يصرح بشئ، ومن ورد فيه طعن في فوائدنا في (قواعد الرجال)، مع إشارة إلى روايتهما
عن المطعونين وتحقيق في إسنادها، والجواب عن الأشكال المتوهم، فلاحظ. السادس: علي
بن الحسن الطاطري الكوفي، فيأتي في ترجمته (ر 667) من هذا الشرح، عن الشيخ (رحمه
الله) في الفهرست (ص 92 / ر 380) قوله: وله كتب في الفقه. رواها عن الرجال الموثوق
بهم وبروايتهم، فلأجل ذلك ذكرناها...، إلخ. وهناك في كلام الماتن (رحمه الله) ما
يشير إلى ذلك. وقد أخرجنا أسماء من روى عنه في فوائدنا في (قواعد الرجال) مع تحقيق
الكلام في ذلك. السابع: سعد بن عبد الله القمي في كتابه المنتخبات، فيأتي في هذا
الشرح من ترجمته عن الفهرست (ص 76 / ر 306) بعد توثيقه وتجليله، وذكر كتبه والطرق
إليها عن الصدوق وابن الوليد عليهما الرحمة قوله في آخر كلام ابن بابويه: وقد رويت
عنه كلما في كتاب المنتخبات مما أعرف طريقه من الرجال الثقات...، إلخ. وتمام الكلام
في ذلك وفيمن روى عنه في هذا الكتاب في فوائدنا في (قواعد الرجال)، فلاحظ. الثامن:
يظهر من الماتن (رحمه الله) في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري على ما يأتي إن
شاء الله (ر 942)، أن من روى عنه غير ما استثناه ابن الوليد والصدوق (رحمه الله) من
جماعة يبلغ عددهم خمس وعشرين ثقات، بل صرح في محمد ابن عيسى مما استثناه أنه على
ظاهر العدالة والثقة، فلاحظ وتأمل. وتمام الكلام فيمن روى عنه وفيما استثنى في
فوائدنا في (قواعد الرجال).
________________________________________
[ 119 ]
من يسكن إلى روايته: ومما يشير إلى الرواية عن الثقات والاجتناب عن
الرواية عن الضعاف سكون الأصحاب إلى رواية الرجل. فقد طعن أصحاب الحديث على بعض
الرواة تارة بضعفه في الحديث، واخرى بضعف من روى عنه، وثالثة بإكثار الرواية عن
المجاهيل أو من لا يبالي بالحديث، وغير ذلك من وجوه الطعن. وحينئذ فالمطعون لا يكون
عندهم مسكونا إلى روايته وحديثه. فسكونهم إلى روايته أمارة على خلوه عن الطعون،
وكذا خلو أحاديثه من المناكير. وقد مدح النجاشي (رحمه الله) جماعة بسكون الأصحاب
إلى روايتهم. فمنهم: 1 - محمد بن أبي عمير، ففي ترجمته (ر 890) بعد مدحه، قال:
فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله، ومن يروى عن الضعيف لا يسكن إلى مراسيله كما هو
واضح. 2 - عبد الله بن الصلت، ففي ترجمته (ر 564) قال: ثقة، مسكون إلى روايته. 3 -
رفاعة بن موسى الأسدي، ففي ترجمته (ر 438) قال: كان ثقة في حديثه، مسكونا إلى
روايته، لا تعرض بشئ من الغمز، حسن الطريقة. 4 - أحمد بن عبد الله بن أحمد بن جلين
الدوري في ترجمته (ر 205). 5 - أحمد بن محمد بن جعفر الصولي في ترجمته (ر 202).
ولنا في ذلك كلام يأتي في الشرح. 6 - محمد بن الحسين بن أبي الخطاب في ترجمته (ر
900). 7 - لوط بن يحيى بن سعيد أبو مخنف في ترجمته (ر 875). 8 - محمد بن بكران بن
عمران في ترجمته (ر 1055). 9 - محمد بن الحسن بن الوليد في ترجمته (ر 1045).
________________________________________
[ 120 ]
قلت: وقد حققنا القول في ذلك، واستقصينا ذكر من رووا عنه وما يمكن أن
يرد على ذلك في فوائدنا في (قواعد الرجال). من لا يطعن عليه في شئ: ومما يشير إلى
الرواية عن الثقات، والاجتناب عن الرواية عن الضعاف، المدح بكون الرجل ممن لا يطعن
عليه في شئ من مذهبه، وطريقته ومشيخته، وغير ذلك من وجوه الطعن. فإذا روى مثله عمن
لم يصرح بضعف يستكشف وثاقته عنده، وإلا فروايته عن الضعيف من أوضح ما يوجب الطعن
عليه. وفي الرواة من يعرف بذلك ومدحهم النجاشي به، وهؤلاء جماعة، مثل: 1 - عبد الله
بن سنان، فيأتي في ترجمته (ر 558): كوفي، ثقة، من أصحابنا، جليل، لا يطعن عليه في
شئ، - إلى أن ذكر كتبه، ثم قال: - روى هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا لعظمته في
الطائفة، وثقته وجلالته...، إلخ. 2 - عبيد بن زرارة، فيأتي في ترجمته (ر 618): ثقة،
عين، لا لبس فيه ولا شك...، إلخ. 3 - محمد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي وأهل بيته،
فيأتي في ترجمته (ر 886) بعد ذكرهم وأنهم أهل بيت فضل وأدب، قال: وهم ثقات لا يطعن
عليهم بشئ. 4 - أحمد بن محمد بن أحمد الجرجاني ففي ترجمته (ر 208): كان ثقة في
حديثه، ورعا، لا يطعن عليه...، إلخ. 5 - علي بن مهزيار، فيأتي في ترجمته (ر 664)
بعد مدحه، قوله: كان ثقة في روايته، لا يطعن عليه، صحيحا اعتقاده...، إلخ. 6 - علي
بن سليمان الزراري ففي ترجمته (ر 681)، قال: كان ورعا، ثقة
________________________________________
[ 121 ]
فقيها، لا يطعن عليه في شئ. 7 - يعقوب بن إسحاق السكيت، فيأتي في (ر
1217) بعد مدح كثير له، قوله: كان مقدما - إلى قوله: - ثقة مصدقا، لا يطعن عليه. 8
- محمد بن علي الحلبي وإخوته، فيأتي في ترجمته (ر 888): وجه أصحابنا وفقيههم،
والثقة الذي لا يطعن عليه هو، وإخوته عبيدالله، وعمران، وعبد الأعلى...، إلخ. 9 -
رفاعة بن موسى النخاس، فيأتي في ترجمته (ر 438): كان ثقة في حديثه، مسكونا إلى
روايته، لا يعترض عليه بشئ من الغمز، حسن الطريقة. 10 - هارون بن موسى التلعكبري،
فيأتي في ترجمته (ر 1187): كان وجها في أصحابنا، معتمدا لا يطعن عليه...، إلخ. قلت:
وقد أخرجنا مشايخ هؤلاء، ومن رووا عنه من الثقات والممدوحين والمجاهيل والمطعونين،
مع تحقيق القول في روايتهم عنهم في فوائدنا في (قواعد الرجال)، وأوضحنا الجواب عما
يرد عليه في المقام. من يعتمد على جميع رواياته: لا يعتمد على جميع روايات أحد إلا
إذا كانت خالية من الغلو والتخليط والمناكير، وكانت مما رواها عن الثقات ولم يعتمد
على الضعاف، ومن لا يبالي بالحديث. فروايته عن أحد تشير إلى وثاقته وخلوه عما يوجب
الطعن. وقد أشار النجاشي إلى ذلك في جماعة، منهم: 1 - أحمد بن الحسن بن إسماعيل
الميثمي الاتية ترجمته (ر 179) قال: ثقة، صحيح الحديث، معتمد عليه.
________________________________________
[ 122 ]
2 - ثابت بن دينار أبي حمزة الثمالي الاتي في ترجمته (ر 296) قوله: وكان
من خيار أصحابنا وثقاتهم، ومعتمديهم في الرواية والحديث. 3 - علي بن إبراهيم بن
هاشم الاتي في ترجمته (ر 680) قوله: ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب. 4 -
علي بن الحسن بن رباط البجلي الاتي في ترجمته (ر 659) قوله: ثقة، معول عليه. 5 -
علي بن محمد بن علي بن عمر القلاء، فيأتي في ترجمته (ر 679) قوله: كان ثقة في
الحديث، واقفا في المذهب، صحيح الرواية، ثبت، معتمد على ما يرويه. 6 - عبد الرحمان
بن أبي نجران الاتي في ترجمته (ر 622) قوله: ثقة ثقة، معتمد على ما يرويه. وغير
هؤلاء ممن أحصينا ذكره. والتحقيق في ذلك وما يمكن أن يرد عليه في فوائدنا في (قواعد
الرجال). من روى عن الأجلة أو روى عنه الأجلة: قد يقال: إن من أمارات الوثاقة رواية
من عرف بأنه روى عن الأجلة، أو روى عنه الأجلة، فإن رواية أجلة الرواة وإثباتهم
وثقاتهم عن رجل يكشف عن خلوه عن طعن يعرف. كما أن روايته عن الأجلة إنما تكون مدحا
إذا كان عامة مشايخه في الحديث كذلك دون بعضهم، وإلا فلعله لا يوجد ضعيف لا يروى عن
ثقة. ثم إن ذلك لا يخلو عن إشكال، والتحقيق في ذلك وفيمن صرح فيه الأصحاب بذلك في
فوائدنا في (قواعد الرجال).
________________________________________
[ 123 ]
المأمون في الحديث: ومما يمكن أن يكون أمارة الوثاقة أو قيل بها، رواية
من عرف بأنه مأمون في الحديث عن رجل لا يعرف حاله، بدعوى أن من لا يبالي بالحديث،
ويروي عمن سمع منه من مجهول أو ضعيف أو وضاع لا يكون مأمونا في الحديث. وفي ذلك
إشكال، وتمام الكلام فيه وفيمن عرف بذلك في فوائدنا في (قواعد الرجال). من كان ثقة
في الحديث: ومما يشير إلى الرواية عن الثقات، والتحرز فيها عن الضعاف المدح
بالوثاقة في الحديث. وقد مدح أئمة الرجال جماعة بقولهم: ثقة في الحديث. كما مدح
النجاشي بذلك جماعة يقارب عددهم الأربعين، بل يمكن القول بأن قولهم: ثقة بلا تقييد
بالحديث أو غمز من وجه، ظاهر بإطلاقه في الوثاقة في الحديث أيضا، إذ لا يكون ثقة
بنحو الأطلاق إلا إذا اجتنب عن رواية الضعاف. بيان ذلك: أن الثبت والقوة والأحكام
وعدم الزوال والأضطراب، كما هي الوثاقة أو من لوازمها، لا يتحقق في الموثوق به إلا
مع سلامته عن الجنون، ونحوه من موانع الألتزام والثبات، ومع معرفة الحق والألتزام
به وبالجري عليه في مقام العمل. ثم إن الوثوق والثبات في أمر من شئون الموثوق به لا
يلازمه في جميع اموره، كما هو واضح. فقد يكون الرجل ثقة غير مضطرب في مذهبه، ولا
يكون ثقة في الجري على مذهبه بإتيان ما أوجبه عليه، أو ترك ما حرمه عليه كالفاسق،
فلا يعتمد ولا يؤتمن عليه في قوله، فانه لا يتحرز من الكذب إلا إذا التزم في نفسه
بترك القبيح، ولذا قد يكون في الفاسق والكافر من لا يكذب
________________________________________
[ 124 ]
ويجتنب عنه. كما أن المتحرز بنفسه عن الكذب قد يكون متحرزا عن حكايته عن
غيره، أو متحرزا عن الحكاية عن الكذاب والضعيف ومن لا يبالي بالحديث مطلقا، وإن كان
صدوقا أيضا، وقد لا يكون كذلك، فلا يبالي بالحديث عمن سمع منه وإن كان في نفسه
صدوقا لا يكذب، وغير ذلك من وجوه الوثوق بالرجل. فمع تقييد التوثيق بوجه يختص به
ومع عدمه فالأطلاق يقتضي الوثوق به في كل جهة. إذا عرفت هذا نقول: قد ضعف أصحابنا
بعض الرواة بالأختلال في آخر عمرهم، وبالأضطراب والفساد مذهبا، وبالغلو والتخليط،
وبرواية المناكير، وبالرواية عن الضعاف، أو عن المجاهيل، ومن لا يبالي بالحديث،
وبالأرسال كثيرا، والتساهل في الحديث، والأكتفاء بالوجادة في الكتب مع الأجازة من
مؤلفيها أو المشايخ، أو بلا إجازة، أو بتخليط الوجادات مع الروايات التي سمعها أو
قرأها على المشايخ، وغير ذلك من وجوه الضعف في الحديث مما لا يخفى على المتأمل في
الرجال. كما أن الأصحاب لم يهملوا ضعف الرواة الثقات ببعض الوجوه المتقدمة إذا
وقفوا عليه. ففي الحسين بن أحمد بن المغيرة البوشنجي (ر 165) قال النجاشي: كان
عراقيا، مضطرب المذهب، وكان ثقة فيما يرويه...، إلخ. ونبه على انحراف الرواة الثقات
من الفطحية والزيدية وغيرهم من أصحاب المذاهب الباطلة، بل قال في محمد بن عبد الله
بن غالب الأنصاري (ر 916): ثقة في الرواية على مذهب الواقفة...، إلخ. وقد كثر
تضعيفهم للرواة الثقات لأجل التساهل في الحديث والرواية عن الضعاف والمجاهيل، وغير
ذلك من وجوه الضعف في الحديث والرواية، بل صرحوا بكونهم ثقات في أنفسهم. وقد أخرج
رئيس العلماء والمحدثين في
________________________________________
[ 125 ]
عصره، الذي يلقاه السلطان، أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري غير واحد من
المحدثين ومشايخهم من بلدة قم المشرفة، بتساهلهم في الحديث. وقد أنكر النجاشي على
أبي غالب الزراري وأبي علي بن همام في روايتهما عن جعفر بن مالك، كما ذكره في
ترجمته (ر 313). ومنع مشايخ الحديث في بغداد الحسين بن عبيدالله الغضائري عن لقاء
عبيدالله ابن أبي زيد أبي طالب الأنباري، وعن السماع عنه، مع كونه حسن العبادة
والخشوع. وذلك لما كان أكثر عمره واقفا مختلطا بالوافقة، كما ذكره النجاشي في
ترجمته (ر 617). وقد اعتذر محمد بن الحسن الصفار عندما إعترض عليه الشيخ الجليل
محمد بن يحيى العطار بالرواية عن طريق البرقي بما حاصله: أنه سمعت ذلك منه قبل
الحيرة بعشر سنين (1). وضعف النجاشي في رجاله جماعة من الثقات بالتساهل في الحديث
والرواية عن الضعاف أو المجاهيل، وكذلك الشيخ (رحمه الله). قال في أحمد بن محمد
البرقي (ر 182): وكان ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء، واعتمد المراسيل...، إلخ،
ونحوه في الفهرست (ص 20 / ر 55). وضعف أيضا الحسن بن جمهور بقوله: ثقة في نفسه -
إلى أن قال: - روى عن الضعفاء، ويعتمد على المراسيل، كما في ترجمته (ر 144). وأيضا
علي بن أبي سهل القزويني (ر 688)، ومحمد بن أحمد بن يحيى (ر 942). وأيضا في الفهرست
(ص 144 / ر 612)، ومحمد بن جعفر بن عون الأسدي (ر 1023)، وغيرهم ممن يطول ذكرهم،
وقد أحصيناهم في فوائدنا في (قواعد الرجال).
________________________________________
(1) - الكافي: ج 1 / ص 526 / ح 2. (*)
________________________________________
[ 126 ]
بل نبه النجاشي على من روى قليلا عن الضعاف. ففي ترجمة علي بن الحسن بن
فضال (ر 676) قال: كان فقيه أصحابنا بالكوفة، ووجهم، وثقتهم، وعارفهم بالحديث،
والمسموع قوله فيه. سمع منه شيئا كثيرا، ولم يعثر له على زلة فيه ولا شينة. وقل ما
روى عن ضعيف، وكان فطحيا...، إلخ، فنبه على ما وقف عليه من الطعن مذهبا ورواية عن
الضعيف نادرا. وبالجملة فمن تأمل في كلام الأصحاب في المقام، وجد في نفسه أن مدعي
ظهور إطلاق قولهم ثقة في الخلو عن الطعن الظاهر بأحد الوجوه المتقدمة غير مجازف.
فيؤخذ بالظهور فيما لم ينبه على خلافه، أو على عدم تسالم الأصحاب عليه. وإن أبيت عن
ذلك لبعض ما يرد عليه مما فصلناه في فوائدنا في (قواعد الرجال)، فلا إشكال في ظهور
قولهم: ثقة في الحديث فيما ذكرنا. إذ بعد التقييد المذكور إشعارا بعدم الوثاقة إما
من جهة المذهب أو غير ذلك، يكون المدح به إشارة إلى خلو رواياته عما يوجب الطعن
فيها. وهذا بعد التصريح كثيرا في كلامهم عند المدح بذلك بالأستقامة في الدين، أو
صحة المذهب، أو صحة الأعتقاد، أو وضوح الطريقة وغيرها مما يؤكد ذلك. وتمام الكلام
في ذلك وفيما يرد عليه وفيمن ورد المدح فيه بذلك في فوائدنا في (قواعد الرجال).
أصحاب الأجماع: ومما قيل: إنه من أمارات الوثاقة والرواية عن الثقات الدخول في
أصحاب الأجماع. وإن رواية أصحاب الأجماع عن رجل لا يعرف له قدح أو ذم أمارة على
وثاقته، حيث إدعي إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة من أجلاء الرواة
وتصديقهم لما يقولون، وانقادوا وأقروا لهم بالفقه والعلم.
________________________________________
[ 127 ]
وهم من أصحاب أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق (عليهما السلام):
زرارة بن أعين، ومعروف بن خربوذ، وبريد بن معاوية، وأبو بصير الأسدي، أو البختري
كما عن بعضهم، ومحمد بن مسلم، والفضيل بن يسار. ومن أصحاب الصادق (عليه السلام)
خاصة: جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عثمان، وحماد
بن عيسى، وأبان بن عثمان. ومن أصحاب أبي إبراهيم الكاظم وأبي الحسن الرضا (عليهما
السلام): يونس بن عبد الرحمان، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن أبي عمير، وعبد الله بن
المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، وقال بعضهم مكان
الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضال، وفضالة بن أيوب، وقال بعضهم مكان فضالة عثمان
بن عيسى. وهذا الأجماع إدعاه أبو عمرو الكشي (رحمه الله) في رجاله في تسمية الفقهاء
من أصحابهم (ص 238 و 375 و 556). قلت: وفي ذلك تأمل ظاهر. أولا: لم نجد فيمن سبق
على الكشي ولا من تأخر عنه دعوى الأجماع، وحكاية المتأخرين ذلك عنه لا يخرجه عن
التوحد في دعواه. واستظهاره من إختيار الشيخ (رحمه الله) لرجال الكشي مؤيدا بما
تقدم عنه في العدة في ابن أبي عمير وأضرابه بلا وجه. هذا، وكيف يكون إجماع وقد طعن
القميون في يونس بن عبد الرحمان، كما ذكره الكشي في روايات عديدة. واتهم جماعة
الحسن بن محبوب في روايته عن أبي حمزة الثمالي، كما أشار النجاشي إليه في ترجمة
أحمد بن محمد بن عيسى، وكان عثمان بن عيسى وزملائه قد أسسوا مذهب الوقف. وذكر
أصحابنا أن أبان بن عثمان كان ناووسيا.
________________________________________
[ 128 ]
وثانيا: أن إتفاق الكل أو الجل، والكثير الموجب للعلم أو الأطمئنان غير
حاصل. وكشف رأي المعصوم من ذلك كما هو أحد وجوه حجيته لا سبيل إليه، لما حققنا في
محله، وفي فوائدنا في (قواعد الرجال) من عدم تمامية شئ من طرقه. على أن كشفه من
اتفاقهم على أمر فرع عدم دليل عقلي، أو شرعي من كتاب، أو سنة، أو حجة شرعية عليه.
وهذا مما يختص بالأحكام الكلية التي لا يستفاد من شئ من ذلك، ولا مجال للتمسك به في
الموضوعات الخارجية أيضا، إذ ليس على الشرع بيانها، مثل الأتفاق على العلم والوثاقة
ونحوهما. والردع عن خطأ المجمعين إنما يجب فيما على الشرع بيانه لا في أمثال
المقام. وثالثا: أن ذلك إنما يفيد لو كان المراد من تصحيح ما صح عن هؤلاء تصحيح
رواياتهم، وأنهم رووها عن الثقات، لا تصحيح أقوالهم من باب الأخذ بقول الفقيه. وهذا
محل نظر، فإن قوله: وانقادوا لهم بالفقه ونحوه، وقوله: وأفقه الأولين، وهكذا قوله:
تصديقهم لما يقولون بدل لما يروون، يشهد للثاني. ودعوى أن المتعارف في الصدر الأول
وفي عصر هؤلاء رواية الحديث، وسماعه دون الأستنباط والأفتاء، مدفوع بأن الأفتاء بنص
الحديث أو إختيار المقيد، أو الخاص، أو حمل المعارض على التقية أمر متعارف في ذلك
العصر، وخاصة بالنسبة إلى هؤلاء، كما يظهر للمتأمل في رواياتهم وأقوالهم، وبساطة
الأستنباط في العصر الأول لا تنكشف عن إنسداد بابه. ورابعا: أن إطلاق الصحيح على
خبر غير معهود من أحد من أصحاب الأجماع، وترتيب آثاره، وإن شئت قلت: التصحيح بالحمل
الشائع، فلا يدل على وثاقة من روى عنه، فإن صحة المدلول وثبوته لا تنحصر إحرازها
بوثاقة المخبر.
________________________________________
[ 129 ]
ولذلك لا ترى في كلام القائلين باعتبار روايات أصحاب الأجماع عن
المجاهيل إطلاق الصحيح عليها. وإطلاقه على مراسيل ابن أبي عمير في كلام بعضهم، لعله
من جهة ما ذكره الشيخ (رحمه الله)، كما تقدم، من أنه وصفوان والبزنطي لا يروون ولا
يرسلون إلا عن ثقة. وبالجملة التصحيح ولو عملا إنما يكشف عن وثاقة الراوي بقرينة
خارجية، من استقرار طريقة المجمعين أو غيرهم على التصحيح والأخذ بما رواه الثقات،
وكذلك سائر شروط الأخذ بالخبر. ولا سبيل لأحراز بناء الأصحاب ممن تقدم على الكشي
(رحمه الله) أو من قارب عصره أو عاصره على ذلك. هذا بعض ما يتعلق بالمقام من البحث
في أصحاب الأجماع، وفي ذلك وجوه من الكلام قد استوفيناها في فوائدنا في (قواعد
الرجال). تصحيح الطرق: يظهر من كلام كثير من أصحابنا أن تصحيح الطريق والأسناد
أمارة على وثاقة جميع رجاله، ولذلك عد في تراجم جماعة من الرواة تصحيح العلامة
الحلي (رحمه الله) لطرق الشيخ الصدوق (رحمه الله) في مشيخته إلى كتاب من لا يحضره
الفقيه، وطرق الشيخ الكليني، أو الشيخ الطوسي، أمارة على وثاقة رجال أسانيدها.
وفيهم من توقف في جعله أمارة على الوثاقة، ولكن جعله مدحا لهم. قلت: إن تصحيح
الطريق إنما يكشف عن وثاقة رجاله إذا عرف مذهب المصحح وطريقته في ذلك. وإن الصحيح
عنده ما كان جميع رجاله ثقات في النقل، لا كل خبر يوثق بصدوره لعمل الطائفة بهذا
الخبر خصوصا، أو بكل ما
________________________________________
[ 130 ]
رواه من في طريقه، أو المطابقة للقواعد والأدلة، أو للاصول المشهورة
المدونة في عصر الصادقين (عليهما السلام) أو بعدهما، أو لغير ذلك من شواهد الصحة
عندهم. وقد قيل: إن الصحيح عند القدماء ما كان موثوقا بصحته وإن كان لمطابقته
للاصول. قلت: من تأمل في كلام شيخ الطائفة في كتاب العدة باب القرائن الدالة على
صحة الأخبار، وما ذكره في هذا الباب من القرائن، وكذا في كلام جماعة من القائلين
بعدم جواز العمل بأخبار الاحاد إلا إذا كانت محفوفة بقرائن الصحة، وما ذكروه من
القرائن كما أشرنا إليها في محله، ظهر له أن تصحيح الطريق بإطلاقه لا يدل على وثاقة
رجاله. هذا مع إختلاف أصحاب الحديث الكوفيين والقميين، في الجرح والتعديل والتضعيف
والتصحيح بما لا يخفى على المتأمل. وإعمال الرأي مع اختلافهم في ذلك يمنع عن الأخذ
بتصحيحهم أو تضعيفهم. وقد مر سابقا أن الرجوع إلى أصحاب الرجال إنما هو من باب
الرواية لا الرجوع إلى أهل الخبرة. ولذلك يمكن الفرق بين توثيق الراوي وبين تضعيفه،
بدعوى أن التوثيق في كلام الأصحاب ولاسيما الأقدمين ظاهر في الشهادة على الوثاقة،
للعلم الوجداني أو سماع أو رواية، فإذا علم من طريقتهم أنهم لا يعتمدون على رواية
ضعيفة صح الأعتماد على توثيقهم. وأما التضعيف فلا يكون أمارة على عدم الوثاقة في
النقل، لاختلاف أسبابه من عدم الوثوق به في إخباره ونقله، أو في مذهبه، أو طريقته
في الحديث، بما أشرنا إليه سابقا من وجوه الضعف في رواياته مما يختلف فيه الأنظار
وكلمات الأصحاب. قلت: والتحقيق مع ذلك كله أن الأمر يدور مدار مذهب من وثق الراوي
________________________________________
[ 131 ]
أو ضعفه، أو صحح الطريق أو ضعفه، كما أشرنا إليه. فإذا عرف من مذهبه أن
العبرة بوثاقة الراوي وعدمها بلا لحاظ مذهبه، وغير ذلك مما تقدم صح الأعتماد على
توثيقه وتضعيفه للراوي، وتصحيحه وتضعيفه للطريق. الوكالة للأئمة (عليهم السلام):
ومما عد من أمارات الوثاقه الوكالة لأحد الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، بل صرح
بذلك جماعة، بل عن الوحيد البهبهاني (رحمه الله) أنها من أقوى أمارات المدح، بل
الوثاقة، والعدالة، لأن من الممتنع عادة جعلهم (عليهم السلام) غير العدول وكيلا،
سيما إذا كان وكيلا على الزكاة ونحوها من حقوق الله تعالى. قلت: الأمر كما افيد،
فإنه لا يكل عاقل أمرا من اموره إلى غيره إلا إذا وثق به فيما اوكل إليه. وهذا ظاهر
لمن راجع الوجدان، بلا إختصاص بالوكالة لهم (عليهم السلام). وإن كانت الملازمة في
وكالتهم ظاهرة بلا كلام، بل يجعل وكلاء أصحابهم الثقات من الممدوحين، بل ومن
الثقات. فإن التوكيل وإن لم يدل على التوثيق مطابقة أو تضمنا، لكن يدل عليه
إلتزاما، ولا فرق في ذلك. فكما يؤخذ بتوثيق الثقات لفظا يؤخذ بتوثيقهم عملا، فكلما
كان الموكل ظاهر العدالة والوثاقة كانت الوكالة له واضحة الدلالة على الثقة
بالوكيل. وعلى هذا فالوكيل للأئمة المعصومين (عليهم السلام) يكون ثقة عندهم فيما
اوكل إليهم. والوكيل لغير الثقة وإن كانت ثقة عند موكله، إلا أنه كما لا يؤخذ
بتوثيق غير الثقة لفظا لا يؤخذ بتوثيقه عملا بالتوكيل وغيره. ثم إن الوكالة إن كانت
عامة في الامور أو خاصة في امور الدين وأخذ المسائل وإرسال الكتب وجوابات المسائل
وتعليم معالم الدين وأخذ الحقوق وإرسالها إليهم (عليهم السلام) ونحو ذلك، فهي تلازم
الوثاقة لا محالة، والموثوق به في هذه
________________________________________
[ 132 ]
الامور يوثق به في الامور الدنيوية الجزئية بنحو أولى. وأما إن كانت في
الامور الجزئية والشخصية من شراء ونحوه فلا تلازم الوثوق به فيها الوثوق في الامور
المهمة. والظاهر عدم ثبوت الوكالة العامة لأحد غير النواب الأربعة والأبواب عن قبل
مولانا الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، كما ثبتت الوكالة في امور
الدين وأخذ الحقوق ونحوها لجماعة عن قبله (عليه السلام)، كما ذكرناهم في طبقات
أصحابه، وكان لكل واحد من الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وكلاء في ذلك. كما أن لهم
قواما في امورهم الشخصية على ما أشار إليهم أصحابنا في كتبهم. وهل المذكور في كتب
أصحابنا بقولهم: وكيل، ظاهر في الأول أو يعم القيم بامورهم الجزئية الشخصية كما
قيل، ولذلك نوقش في الدلالة على الوثاقة، وجهان. والأظهر هو الأول. ويؤيد ذلك أنهم
ذكروا جماعة بعنوان الخادم، مثل مسافر خادم الرضا (عليه السلام). وجماعة بعنوان
القيم: مثل أسامة بن حفص. فقد ذكره الشيخ في أصحاب الكاظم (عليه السلام) (ص 344 / ر
31) وقال: كان قيما له (عليه السلام). وثالثا: بعنوان الوكيل، كما في جماعة كثيرة
نشير إلى بعضهم. والتنويع أمارة التعدد، فينصرف إطلاق الوكيل إلى ما ذكرناه. ويؤيد
ذلك أيضا وجود الخدام، والقوام بالامور الشخصية، وما يتعلق بأموالهم لكل واحد من
الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، وقد أشير إليهم في كتب الحديث وغيرها. وأما الوكيل
فيما يتعلق بمصالح الأسلام والمسلمين والوالي الذي يتولى الامور من قبلهم، فإنما
كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) الذي استولى على الامور كلها، ثم
________________________________________
[ 133 ]
من بعده لأبي محمد الحسن (عليه السلام) في أيام خلافته (عليه السلام)،
ثم لمن كانت الامور الشرعية ترجع إليه من قبل الشيعة والحقوق تدفع إليه. وكان ذلك
في زمن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ومن بعده. ولا أذكر في كلام الأصحاب ذكر
الوكيل لغير هؤلاء. وقد أشار الشيخ (رحمه الله) في كتاب الغيبة، إلى بعض وكلائهم
المحمودين، ثم إلى بعض المذمومين منهم (1). ونحن أيضا نتبعه (رحمه الله) في الأشارة
إلى بعضهم، وإيكال تفصيله إلى فوائدنا في (قواعد الرجال)، وما ذكرناه في (الطبقات
الكبرى) في أصحابهم (عليهم السلام). فمن وكلاء أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)
المحمودين: 1 - حمران بن أعين الشيباني أخو زرارة. 2 - المفضل بن عمر. 3 - المعلى
بن خنيس. قلت: هكذا ذكره الشيخ في عداد الوكلاء المحمودين. ولكن ظاهر بعض ما ورد في
ذلك وأشار الشيخ إليها هناك، أنه كان من قوامه على أمواله وأهله. 4 - نصر بن قابوس
اللخمي. قال الشيخ (رحمه الله): فروى أنه كان وكيلا لأبي عبد الله (عليه السلام)
عشرين سنة، ولم يعلم أنه وكيل، وكان خيرا فاضلا. 5 - عبد الرحمان ابن الحجاج. قال
الشيخ (رحمه الله): كان عبد الرحمان بن الحجاج وكيلا لأبي عبد الله (عليه السلام)،
ومات في عصر الرضا (عليه السلام) على ولايته. ومن وكلاء أبي الحسن موسى بن جعفر
(عليه السلام) المحمودين: 1 - عبد الله بن جندب البجلي. 2 - المفضل بن عمر. قلت:
وفي روايات عديدة ما يدل على وكالته، وقد ذكر الشيخ بعض ما ورد في إرجاع الامور
والأموال إلى المفضل هناك. 3 - عبد الرحمان بن الحجاج، كما يظهر من عبارة الشيخ
المتقدمة، وتدل
________________________________________
(1) - الغيبة للطوسي: ص 345 - 358. (*)
________________________________________
[ 134 ]
عليها روايات، منها: ما رواه الحميري (1)، فلاحظ، وغير هؤلاء ممن يطول
ذكرهم. ومن وكلاء أبي الحسن الرضا (عليه السلام) المحمودين: 1 - عبد الرحمان بن
الحجاج. 2 - عبد الله بن جندب البجلي. 3 - محمد بن سنان. 4 - صفوان بن يحيى. ذكر
ذلك الشيخ (رحمه الله) في رجاله (ص 352). ومن وكلاء أبي جعفر الجواد (عليه السلام)
المحمودين: 1 - صفوان بن يحيى. 2 - محمد بن سنان. 3 - زكريا بن آدم. 4 - سعد بن
سعد. 5 - عبد العزيز بن المهتدي القمي الأشعري. 6 - علي بن مهزيار. ومن وكلاء أبي
الحسن الهادي (عليه السلام) المحمودين: 1 - أيوب بن نوح بن دراج. 2 - علي بن جعفر
الهماني. قلت: وذكره الشيخ (رحمه الله) بوكالته في رجاله أيضا (ص 418 / ر 15). 3 -
علي بن الحسين بن عبد ربه. قلت: ويظهر ذلك من الكشي أيضا. 4 - أبو علي بن راشد. 5 -
عيسى بن جعفر العاصمي. 6 - ابن بند (رحمه الله). 7 - عثمان بن سعيد العمري، السفير
الأول أيضا. 8 - محمد بن عثمان بن سعيد، السفير أيضا. 9 - الحسين بن روح السفير
أيضا. 10 - علي بن السمري، السفير أيضا. 11 - جعفر بن سهيل الصيقل. قلت: ذكر وكالته
الشيخ (رحمه الله) في رجاله (ص 429 / ر 1). ومن وكلاء أبي محمد العسكري (عليه
السلام) المحمودين: 1 - أيوب بن نوح، كما ذكر ذلك النجاشي في ترجمته (ر 254). 2 -
جعفر بن سهيل الصيقل. 3 - عروة القمي، كما ذكره الشيخ، في رجاله (ص 433 / ر 15).
________________________________________
(1) - قرب الأسناد: ص 332 / ح 1232 و 1233. (*)
________________________________________
[ 135 ]
قلت: السفراء الأربعة كلهم وكلاء أبي الحسن وأبي محمد (عليهما السلام)
والأمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، كما ذكر ذلك الشيخ وغيره. ومن وكلاء
إمامنا الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، غير السفراء الأربعة جماعة يطول
ذكرهم، منهم: جعفر بن سهيل الصيقل. وتفصيل ذلك في فوائدنا في (قواعد الرجال)، وفي
(الطبقات الكبرى) في أصحابهم (عليهم السلام)، فقد كثر وكلاء هؤلاء بكثرة الحاجة
وعدم تمكن شيعتهم من الوصول إليهم مباشرة. ثم إن في المقام امورا اخر، مما قيل أو
يمكن القول: بكونه أمارة على الوثاقة، مثل كون الراوي من مشايخ الأجازة، أو من
مشايخ بني فضال، ومن روى هؤلاء عنه في كتبهم، أو كونه ممن صرح الأصحاب باعتبار أصله
أو كتابه، أو كونه صاحب أصل، أو كتاب رواه جماعة أو جماعات كثيرة، وغير ذلك، فقد
أعرضنا عن ذكرها حتى بالأجمال، لضعفها وإيكالا على ما فصلناه في فوائدنا في (قواعد
الرجال)، فلا نطيل. إشكال في الأمارات العامة على الوثاقة قد وقفنا بالنظر إلى
الطرق والأسانيد على أن من عرف بأنه لا يروي إلا عن الثقة قد روى عن بعض الضعاف.
وقد أشرنا إلى رواية ابن أبي عمير والبزنطي وصفوان وجعفر بن بشير عن غير واحد من
المطعونين، مع أن هؤلاء معروفون بالرواية عن الثقات، وكذا بالنسبة إلى جماعة قد
عرفوا بذلك بالأمارات العامة. ولذا يشكل الأكتفاء بهذه الأمارات العامة في توثيق
الرواة. وفي سقوط الأمارة العامة عن الحجية بالوقوف على الرواية عن الضعيف، أو
عدمه، أو التفصيل، وجوه، ولم أجد ذلك محررا في كلام الأصحاب.
________________________________________
[ 136 ]
الوجه الأول: سقوط الأمارة العامة عن الحجية بالكلية، بدعوى أن الوقوف
على رواية الثقة عن الضعيف يكشف عن عدم صحة كونه ممن لا يروي إلا عن الثقة، فرواية
ابن أبي عمير عن البطائني الضعيف تكشف عن عدم كونه ممن لا يروي إلا عن الثقة، كما
ادعاه الشيخ، وقد تقدم. ولعله لذلك منع المحقق (رحمه الله) في مواضع من المعتبر
العمل بمراسيل ابن أبي عمير، مع أنه (رحمه الله) عمل بها في مواضع كثيرة منه مدعيا
عمل الأصحاب بمراسيله. ففي مسألة إستحباب التسمية أمام الوضوء قال: ولو قال: مراسيل
ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب منعنا ذلك، لأن في رجاله من طعن الأصحاب فيه، وإذا
أرسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم (1). وفي مسألة العجين بماء النجس إذا طبخ بعد ذكر
مرسلته، قال: وفي رواية اخرى يباع ممن يستحل الميتة، وهي ضعيفة، لأن ابن أبي عمير
في هذه الرواية قال: عن بعض أصحابنا، وما أحسبه إلا حفص بن غياث، وحفص هذا ضعيف
(2). قلت: وتبعه بعض من تأخر في عدم جواز العمل بمراسيله معللا بالوقوف على روايته
عن الضعيف، ونحن قد أشرنا سابقا إلى أن ابن أبي عمير وأضرابه، ممن عرف بأنه لا يروي
إلا عن الثقة، قد رووا عن جماعة ممن ضعف في كلام الأصحاب. إلا أن ما ذكره المحقق
(رحمه الله) مثالا لذلك بروايته عن حفص فغير ظاهر. فإن ضعفه مذهبا لا ينافي الوثاقة
في النقل، فلا ينافي الأمارة العامة. وقد حققنا ذلك في كتابنا في رجال المعتبر
(نخبة الأثر).
________________________________________
(1) - المعتبر في شرح المختصر: ج 1 / ص 165. (2) - المعتبر في شرح
المختصر: ج 1 / ص 453. (*)
________________________________________
[ 137 ]
ثم إن هذا الوجه وهو سقوط الأمارة بالكلية ضعيف في نفسه، لأن الوقوف على
رواية هؤلاء عن الضعاف لا تنافي الأمارة العامة على الوثاقة، وليست مقيدة بما إذا
لم يقف على الرواية عن الضعيف حتى تسقط بمجرد الوقوف عليها، كما هو ظاهر. والتنافي
يتوقف على أمرين: أحدهما: كون الضعيف الذي روى هؤلاء عنه ضعيفا في النقل والرواية،
وإلا فالضعف بالمذهب أو غيره لا ينافي الوثاقة في النقل. بل الجمع العرفي بين
تضعيفه وبين رواية هؤلاء عنه يقتضي القول بالوثاقة في النقل، والضعف في المذهب أو
غيره. تمسكا بالنص من كل الأمارتين، والتصرف في الظاهر من كل منهما على ما هو الجمع
العرفي في أمثال المقام. ثانيهما: صدور التوثيق العام والتضعيف من واحد وإلا فلا
تنافي، إذ التوثيق العام يقتضي كون مشايخ من عرف بأنه لا يروي إلا عن ثقة، ثقة
عنده، لا عند الجميع. وحينئذ فالثقة الذي روى عنه أحد هؤلاء قد يكون ضعيفا عند
غيره، فلا تناقض الرواية عن مثله مع الشهادة بأنه لا يروي إلا عن ثقة. بل ربما
يتبدل رأيه فيعتقد بوثاقة من ضعفه سابقا، ثم يروي عنه. فلا تكون الرواية عنه حينئذ
منافية للشهادة بأنه لا يروي إلا عن ثقة. وربما يكون التضعيف عولا على غيره ويعتقد
الوثاقة، ومقام الأستدلال ربما يقتضي الأكتفاء به، كما وقفنا على مثله في كلام
المحقق في المعتبر، بل وغيره أيضا. وعلى هذا فشهادة النجاشي بأن جعفر بن بشير
البجلي روى عن الثقات ورووا عنه، إنما تنافيها الوقوف على روايته عن رجل ضعفه
النجاشي لا من ضعفه غيره، وقد استوفينا القول في رواية من عرف بأنه لا يروى إلا عن
________________________________________
[ 138 ]
الثقات عن الضعاف باستقصائها، وبالنظر في ضعف هؤلاء، وفى ثبوت الرواية
عنهم في فوائدنا في (قواعد الرجال)، وقد ظهر من ذلك أن القول بسقوط الأمارة عن
الحجية بالكلية محل نظر ومنع. الوجه الثاني: سقوط الأمارة العامة عن الحجية في خصوص
المورد الذي وقفنا على الرواية عن الضعيف والأخذ بها في غيره، حتى فيمن لم يصرح
بمدح أو ذم. وهذا كما هو مختار بعضهم على ما يظهر منه في رجال أسانيد كامل
الزيارات، بناءا على ما اختاره من أن ظاهر كلام ابن قولويه في الديباجة وثاقة عامة
رجالها، كما تقدم. وقال: إن وجود الضعاف في أسانيده لا يوجب سقوط الأمارة العامة عن
الحجية، بل حكمه حكم الوقوف على المخصص الذي يؤخذ به في مورده وبالعام في الباقي.
قلت: وفي ذلك نظر: أما أولا: فإن مستند القول بالرواية عن الثقات إن كان هو
الأستقراء من التأمل الكامل في الأسانيد والروايات، فبالوقوف على الرواية عن الضعيف
يسقط الأمارة بالكلية وينكشف عدم تمامية الأستقراء، كما في نظائره من موارد الأحصاء
وتبين الخلاف. فلو كان مستند النجاشي في الشهادة المتقدمة في جعفر ابن بشير، أو
شهادة الشيخ في ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي وأضرابهم بعدم الرواية إلا عن الثقة،
النظر في الأسانيد وأن مشايخ هؤلاء في الرواية ثقات، فبالوقوف على روايتهم عن
الضعيف يتبين عدم تمامية الأستقراء، فتسقط الشهادة عن الحجية. وأما لو كان المستند
الرواية عن هؤلاء أو الشهادة من معاصريهم بالتزامهم بالرواية عن الثقات فلا تسقط
بمجرد الوقوف على الرواية عن الضعيف.
________________________________________
[ 139 ]
وأما ثانيا: فإن تضعيف غير ابن قولويه لبعض رجال أسانيد كامل الزيارة أو
غير النجاشي لمشايخ جعفر بن بشير وغيره، لا ينافي الأمارة العامة، بل لابد من
ملاحظة المرجحات في مورد التعارض. وأما ثالثا: فإن المقام لا يقاس بموارد العام
والخاص، أو المطلق والمقيد من موارد الأنشاء، فإن الخاص والمقيد داخلان في العام
والمطلق لفظا وملاكا، وبالأطلاق وعدم البيان يحكم بتطابق اللفظ مع المراد الجدي.
فالوقوف على المخصص والمقيد لا يوجب سقوط العام أو المطلق إلا في موردهما. وهذا
بخلاف موارد الأخبار بصورة العموم، فإن التخلف في مورد يمنع عن الأخذ بالأخبار في
غير مورد التخلف. فمن قال كل ما عندي من الكتب كاملة، ثم بعد الفحص عن بعضها وقفنا
على نقص فيه فلا يكون العموم المذكور حجة في الباقي، ويكون التعميم في ذلك مبنيا
على الأستقراء، وبيان الفرق في فوائدنا في (قواعد الرجال). والذي يسهل الخطب أن
تضعيف أكثر هؤلاء قد وقع في كلام غير من ذكر بالتوثيق العام، وفيما اتحد محمول على
الضعف بالمذهب وغيره، كما فصلناه في فوائدنا في (قواعد الرجال). الوجه الثالث:
إعمال قواعد تعارض الخبرين من الترجيح أو التساقط. قلت: وهذا الوجه بإطلاقه محل نظر
يظهر بالتأمل فيما ذكرنا. الوجه الرابع: التفصيل بين كون التضعيف ممن شهد بعدم
الرواية إلا من الثقة، وبين تضعيف غيره، وبين كون التضعيف نصا في الضعف في الحديث،
وبين غيره، وبين كون مستند توثيق من روى عنه الأستقراء، أو غيره، على ما تقدم وظهر
وجهه مما ذكرنا. هذا ما أردنا تمهيده والحمد لله رب العالمين.
________________________________________
[ 140 ]
تعريف بنسخة الأصل قد بذلنا الجهد في تحقيق النص على عدة نسخ مخطوطة،
وراجعنا في كل ترجمة إلى المصادر المطبوعة، أهمها مجمع الرجال للعلامة القهپائي
(قدس سره). وأهم تلك النسخ المخطوطة نسختان: 1 - نسخة مكتبة الأمام أمير المؤمنين
(عليه السلام) العامة في النجف الأشرف، وهي مصورة عن نسخة مخطوطة في المكتبة
الأهلية (كتابخانه ملى) في تبريز (برقم 3132). ونرمز إليها بحرف (م). 2 - نسخة
مصورة أيضا عن نسخة قيمة صحيحة مصححة، وهي أصح تلك النسخ، في مكتبة فخر الدين
النصيري في طهران (برقم 121)، وهي مكتبة شخصية تحتوي على مخطوطات نفيسة. ونرمز
إليها بحرف (ن)، راجع تصوير النسخة (ر 4 و 5). وإليك بتفصيل النسختين: نسخة مكتبة
الأمام أمير المؤمنين (عليه السلام) العامة في النجف الأشرف نفيسة، ومصححة تقع في
264 ورقة، كتبها السيد نعمة الله بن حمزة العميدي الحسيني الخطي في شهر محرم الحرام
سنة إحدى وثمانين وتسعمائة. وجاء على الورقة الأولى منها ما نصه: هكذا وجد على
الأصل المنقول منه هذا الفرع: الجزء الأول من كتاب فهرست أسماء مصنفي الشيعة، وما
أدركنا من مصنفاتهم وذكر طرف من كناهم وألقابهم ومنازلهم وأنسابهم، وما قيل في كل
رجل منهم من مدح أو ذم مما جمعه الشيخ الجليل أبو الحسين أحمد بن علي بن أحمد بن
العباس النجاشي الأسدي أطال الله بقاءه وأدام نعماءه. ومكتوب أيضا على الورقة
المذكورة ما لفظه: ووجدت على النسخة المذكورة ما صورته: حكاية ما وجد على الأصل
المنقول منه هذا الفرع ما هذا
________________________________________
[ 141 ]
صورته: سمع هذا الكتاب مني بقراءة من قرأ الولد النجيب تاج الدين أبو
جعفر محمد بن الحسين بن علي أدام الله توفيقه. وقد أجزت له روايته عني، ورواية ما
يصح من مجموعاتي على الشرط المعلوم لي، ذلك من اجتناب الغلط والتصحيف. كتبه الحسين
بن علي بن محمد الخزاعي بخطه في شهر ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، حامدا
لله تعالى ومصليا على النبي وآله ومسلما. وورد بذيل ما أسلفنا ما هذا نصه: سمع هذا
الكتاب من أوله إلى آخره الشيخ الأمام الرئيس العالم تاج الدين محيي الأمة أبو جعفر
محمد، ابن سيدنا الشيخ الرئيس الأمام الأجل جمال الدين قطب الأسلام تاج الأئمة أبي
الفتوح الحسين بن علي بن محمد الخزاعي أدام الله علوهما وكبت حسدهما وعدوهما (1)،
عن أبيه حرس الله فضله (2)، عن الشيخ المفيد عبد الجبار بن عبد الله
________________________________________
(1) - هو الشيخ الأمام السعيد، ترجمان كلام الله، المفسر الشهير، جمال
الدين أبو الفتوح الرازي، الحسين بن علي بن محمد بن أحمد بن السحين بن أحمد الخزاعي
النيشابوري، نزيل الري. كان من أعلام علماء التفسير والكلام، وأعاظم الادباء المهرة
الأعلام، وأفاخم الناقلين لأحاديث أهل الأسلام، ومن بيت جليل، فيهم أجلاء العلماء
والرواة. روى عن أعلام الطائفة. فقد روى عن أبيه وعمه، وعن الشيخ ابن شيخنا أبي
جعفر الطوسي صاحب الأمالي، وعن الشيخ المفيد عبد الجبار المقري. روى عنه جماعة منهم
الشيخ الفقيه عماد الدين عبد الله بن حمزة الطوسي، والشيخ رشيد الدين ابن شهر آشوب،
والشيخ منتجب الدين بن بابويه القمي صاحب الفهرست. وذكر ترجمته في فهرسته قائلا:
الشيخ الامام جمال الدين أبو الفتوح عالم واعظ مفسر دين. له تصانيف، منها تفسيره
المسمى روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن، عشرون مجلدا، وروح الأحباب وروح
الألباب في شرح الشهاب، قرأتهما عليه، إنتهى. وذكر ترجمته أيضا ابن شهرآشوب في
معالمه ومن تأخر. (2) - هو الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن محمد الرازي المتكلم،
أستاد علماء الطائفة في زمانه. وله نظم رائق في مدائح آل الرسول (صلى الله عليه
وآله وسلم)، ومناظرات مشهورة مع المخالفين. وله مسائل في المعدوم والأحوال، وكتاب
الواضح ودقائق الحقائق. ذكر ذلك الشيخ منتجب الدين في فهرسته، وقال: = (*)
________________________________________
[ 142 ]
المقري (1) إجازة، عن المصنف (رحمه الله)، بقرائة علي بن عبد الله بن
الحسين بن الحسين
________________________________________
= شاهدته وقرات عليه، وترجمه المتأخرون، وحكوا ذلك عنه. (1) - هو الشيخ
الجليل القاضي شيخ الأسلام، عز العلماء، فقيه الأصحاب بالري، أبو الوفاء عبد الجبار
ابن عبد الله بن علي المقري الرازي، الملقب بالمفيد (رحمه الله). كان ممن قرأ على
أعلام الطائفة، وسمع. منهم وله منهم إجازة، منهم: المصنف النجاشي (رحمه الله)، كما
ذكرها في ظهر النسخة، ومنهم: شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي. فقد قرأ عليه جميع
تصانيفه، ومنها تفسير التبيان. وله منه إجازة بخطه الشريف على نسخة مقروءة على
الشيخ الطوسي لمن قرأه عليه، والنسخة مصورة موجودة في مكتبة الأمام أمير المؤمنين
(عليه السلام) العامة. وصورة الأجازة هكذا: قرأ علي الشيخ أبو الوفاء عبد الجبار بن
عبد الله المقري الرازي أدام الله عزه هذا الجزء من أوله إلى آخره، وسمع جميعه
الشيخ أبو محمد الحسن بن الحسين بن بابويه القمى وولدي أبو على الحسن بن محمد،
وكتب: محمد بن الحسن بن علي الطوسي في شهر ربيع الأول من سنة خمس وخمسين وأربعمائة،
وسمعه أبو عبد الله الحسين بن علي المصوري المقرئ، ثم قرأت النسخة على الشيخ أبي
الوفاء عبد الجبار المقري فكتب إجازة على ظهر النسخة نفسها بخطه الشريف، وتاريخ
الأجازة سلخ جمادي الاولى سنة 494، وبآخرها أيضا خط الحسين بن الفتح الواعظ
الجرجاني. وله أيضا إجازة بخطه الشريف على ظهر نسخة الجزء السابع من تفسير التبيان،
صورتها: قرأ على هذا الجزء وهو السابع من التفسير الشيخ أبو الوفاء عبد الجبار بن
عبد الله الرازي - أبد الله عزه -، وسمعه الشيخ أبو محمد الحسن بن الحسين بن
بابويه، وأبو عبد الله محمد بن هبة الله الوراق الطرابلسي، وولدي أبو علي الحسن بن
محمد. وكتب: محمد ابن الحسن بن علي الطوسي في ذي الحجة من سنة خمس وخمسين
وأربعمائة، إنتهى. ذكر أصحابنا هذه الأجازة في كتبهم عن خطه، والأصل في الأجازة
الأخيرة ما ذكره في رياض العلماء. ومن مشايخ أبي الوفاء الشيخ الجليل أبو يعلى حمزة
سالار بن عبد العزيز صاحب كتاب المراسم، والشيخ عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز
البراج، وجه الأصحاب وفقيههم، المتوفى سنة 481، المعروف بالقاضي صاحب كتاب المهذب،
والشيخ الفقيه أبو عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي، والمولى الأجل ذو الكفايتين
أبو الجوائز الحسن بن علي بن محمد بن باري الكاتب. وكان الشيخ المفيد أبو الوفاء،
فقيه الأصحاب بالري، قرأ عليه في زمانه قاطبة المتعلمين = (*)
________________________________________
[ 143 ]
ابن بابويه عليه، والشيخ الأمام صفي الدين أبو محمد الحسن بن أبي بكر بن
سيار الحبروي وصح لهم في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. وجاء على الورقة
الأخيرة من هذه النسخة الفريدة ما هذا نصه: بلغت هذه النسخة مقابلة بنسخة معتبرة
مصححة من كتب خزانة سيدنا ومولانا باب مدينة العلم علي بن أبى طالب عليه أفضل
الصلاة والسلام، وأظنها بخط الفاضل المحقق محمد بن إدريس (قدس سره). وعليها خطه
قطعا، وخط السيد الجليل السيد عبد الكريم بن طاووس، والسيد الجليل محمد بن معد
الموسوي، فصحت إن شاء الله تعالى. وكان الفراغ من مقابلته يوم الثلاثاء خامس عشرين
شهر صفر من شهور سنة...، ختم بالخير والأقبال والظفر على يد العبد المفتقر إلى كرم
الله وعفوه محمد بن علي بن أبي الحسن الحسيني (1)، عامله الله بفضله، حامدا لله
________________________________________
= من السادة والعلماء. وله مدرسة بالري، حدث بها في شعبان سنة ثلاث
وخمسمائة. سمع منه وقرا عليه جماعة من العلماء مثل الشيخ الفقيه رشيد الدين علي بن
زيرك الحسيني، كما في المستدرك (ج 3 / ص 475)، والشيخ علي بن محمد القمي، كما في
المستدرك (ج 3 / ص 473)، والسيد العالم أبي هاشم المجتبى بن حمزة بن زهرة بن زيد
الحسيني، كما في المستدرك (ج 3 / ص 475)، والسيد أبي الفضل الداعي بن علي بن الحسن
الحسيني، كما فيه (ج 3 / ص 486)، وابنه أبي القاسم علي بن عبد الجبار الرازي، ولهما
منه بخطه اجازة، ذكرها صاحب الرياض، وصورتها: قرأ على هذا الجزء وهو السابع من
التفسير إلى آخر سورة لقمان ولدي أبو القاسم علي بن عبد الجبار، وأجزت له روايته عن
مصنفه الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي رحمة الله عليه كيف شاء
وأحب، وسمع قرائته السيد الموفق أبو الفضل داعي بن علي بن الحسن الحسيني - أدام
الله توفيقهما -، إنتهى. وذكر ترجمته الأصحاب، ومنهم المحدث النوري وصاحب الروضات
وغيرهما، وقد اقتصرنا في ترجمته على ما نصوا عليه في إجازاتهم وفي كتبهم، وذكره
النوري في مواضع من المستدرك. (1) - هو السيد محمد صاحب المدارك، المولود سنة 943
ه، والمتوفى 18 ربيع الأول سنة 1009 ه. (*)
________________________________________
[ 144 ]
تعالى، ومصليا على رسوله وآله، مستغفرا من ذنوبه، وذلك بالمشهد المقدس
الغروي على ساكنه ومشرفه أفضل الصلاة والتسليم.
________________________________________
[ 145 ]
1 - تصوير ظهر الورقة الاولى من نسخة (م)
________________________________________
[ 147 ]
2 - تصوير الصفحة الاولى من نسخة (م)
________________________________________
[ 149 ]
3 - تصوير الصفحة الأخيرة من نسخة (م)
________________________________________
[ 151 ]
4 - تصوير ظهر الورقة الاولى من نسخة (ن)
________________________________________
[ 153 ]
5 - تصوير الصفحة الاولى من نسخة (ن)
________________________________________
[ 155 ]
[ الجزء الأول من كتاب فهرست أسماء مصنفي الشيعة وما أدركنا من
مصنفاتهم، وطرف من كناهم، وألقابهم، ومنازلهم، وأنسابهم، وما قيل في كل رجل منهم من
مدح أو ذم (1). بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. وصلاته على سيدنا
محمد النبي صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين وسلم تسليما. ] بسم الله الرحمن
الرحيم الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين. ربنا
اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالأيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا،
ربنا إنك رؤف رحيم. (1) هذا ما وجدناه في بعض النسخ المصححة حكاية عن الأصل. وهناك
حكاية إجازة الحسين بن علي بن محمد الخزاعي بخطه في شهر ربيع الأول سنة إحدى وخمسين
وخمسمائة.
________________________________________
[ 156 ]
[ أما بعد فإني وقفت على ما ذكره السيد الشريف - أطال الله بقاءه، وأدام
توفيقه - (1) من تعيير قوم من مخالفينا، أنه لا سلف لكم ولا مصنف (2). وهذا قول من
لا علم له بالناس، ولا وقف على أخبارهم، ولا عرف منازلهم، وتاريخ أخبار أهل العلم.
ولا لقى أحدا، فيعرف منه. ولا حجة علينا لمن لا يعلم (3) ولا عرف. وقد جمعت من ذلك
ما استطعته، ولم أبلغ غايته لعدم أكثر ] (1) يحتمل كون المراد به الشريف الأجل
المرتضى علم الهدى، كما قيل، أو الشريف الجعفري محمد بن الحسن بن حمزة بن جعفر بن
العباس بن إبراهيم ابن جعفر بن إبراهيم بن جعفر السيد الاطروش، الذي ترجمه الماتن
في (ر 1073)، وقال: أبو يعلي خليفة الشيخ أبي عبد الله بن النعمان، والجالس مجلسه،
متكلم، فقيه، قيم بالأمرين جميعا. - إلى أن قال: - مات رحمه الله، يوم السبت سادس
عشر رمضان سنة ثلاث وستين وأربعمائة. ودفن في داره. قلت: وكان أبو يعلي شريك الماتن
(رحمه الله) في غسل الشريف المرتضى، كما ذكره في ترجمته. (2) قلت: وفيهم من قال:
أول كتاب صنف في الأسلام وكتاب ابن جريح في الاثار، ثم كتاب معمر بن راشد الصنعاني
باليمن، ثم كتاب الموطأ بالمدينة للمالك، ونحو ذلك. وقد جهلوا أو نسوا أو تناسوا
ذكر كتب الأقدمين منهم في الأسلام. وأهملوا الأسبقين بذكر المتأخرين بسبب كونهم من
الشيعة. وقد عدهم أكابر الأمامية وغيرهم في كتبهم، بل وفي الأمامية من صنف كتابا في
تقدم الشيعة في جميع الفنون. وستقف على أسماء بعض هؤلاء الأقدمين. (3) وفي نسخة
(م): لم يعلم.
________________________________________
[ 157 ]
[ الكتب، وإنما ذكرت ذلك عذرا إلى من وقع إليه كتاب لم أذكره. وقد جعلت
للأسماء أبوابا على الحروف ليهون على الملتمس لأسم مخصوص منها. أنا أذكر المتقدمين
في التصنيف من سلفنا الصالحين (1)، وهي أسماء قليلة، ومن الله أستمد المعونة. على
أن لأصحابنا رحمهم الله، في بعض هذا الفن كتبا ليست مستغرقة لجميع ما رسم (2).
وأرجو أن يأتي في ذلك على ما رسم وحد، إن شاء الله. وذكرت لكل رجل طريقا واحدا، حتى
لا يكثر الطرق فيخرج عن الغرض ]. (1) يدل كلامه (رحمه الله) على أن هؤلاء من
الشيعة. ومدحهم بالصلاح ربما يفيد الوثاقة، وسيأتي الأشكال في ابن الحر الجعفي. ثم
إنه (رحمه الله) لم يكن غرضه الأستيعاب وإستقصاء الأقدمين. ولأجله ترك ذكر جماعة
منهم بكتبهم، بل وفيهم من ذكره بكتابه في أبواب هذا الكتاب، مثل: صعصعة بن صوحان.
فنعرض أيضا عن ذكرهم واستيفاء أسماءهم، إيكالا إلى كتابنا (الطبقات الكبرى). (2)
لعله يشير بذلك إلى فهرست الشيخ الطوسي (رحمه الله). ثم إنه فات من الماتن (رحمه
الله) ذكر جماعة كثيرة من المصنفين، أو ذكر الطرق إليهم، مما لم يفت من الشيخ من
ذكر أسمائهم أو كتبهم أو الطرق إليهم. كما نبهنا عليه سابقا، وستقف عليه إن شاء
الله. أول مصنف في الأسلام ثم إن الأنسب أن يبدء الماتن (رحمه الله) في ذكر الطبقة
الأولى باسم أفضل
________________________________________
[ 158 ]
[... ] أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعلمهم، وأولهم
إسلاما، أمير المؤمنين (عليه السلام). إذ كان صلوات الله وسلامه عليه، أول من جمع
القرآن من الصحابة. أفلم يلبس ردائه بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى
جمعه. وكان أعرفهم بالقرآن وبتفسيره وتأويله. وقد أسس قواعد فنون العلم من الأدب
والفقه، وغيره. وكان (عليه السلام) أول من صنف في الأسلام كتابا كبيرا عظيما، جامعا
في الشرائع والأحكام والحلال والحرام، والطهارة والصلاة وسائر أبواب الفقه. وكان
الكتاب بخطه الشريف، وإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما صرح بذلك
أئمة أهل البيت:، على ما في كثير من الأخبار. وروى هذا الكتاب جماعة كثيرة من
أصحابهم: على ما نشير إلى بعضها. وكانت نسخة كتاب علي (عليه السلام) بخطه الشريف
عند أولاده والأئمة من أهل بيته (عليهم السلام). وتشرف بزيارتها جماعة من أصحابهم،
وقرأها أبو جعفر وابنه أبو عبد الله الصادق (عليهما السلام) جماعة من خواص أصحابهم
رحمهم الله. فمنهم: الثقة الجليل محمد بن مسلم، وكان وجه أصحابنا بالكوفة. فقد قرأ
كتاب علي (عليه السلام)، على ما في روايات كثيرة. منها ما رواه الشيخ في التهذيب،
بإسناده عن محمد بن مسلم، قال: أقرأني أبو جعفر (عليه السلام) صحيفة كتاب الفرائض
التي هي إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخط علي (عليه السلام). فوجدت
فيها: (رجل ترك...)، الحديث.
________________________________________
[ 159 ]
[.... ] ورواه الكليني أيضا في الكافي، والصدوق في الفقيه (1). وقد ذكر
قرائة محمد بن مسلم لنسخة الكتاب في مواضع من التهذيب (2)، وغيره، فلا نطيل. ومنهم:
زرارة من أعين الشيباني، على ما في روايات عديدة، أوردها المشايخ في أبواب كتبهم،
مثل الشيخ في التهذيب، والكليني في الكافي (3)، بأسانيد صحاح، يطول ذكرها. ومنهم:
الثقة الجليل أبو بصير. فروى الشيخ في التهذيب، بإسناد صحيح عن أبي بصير قال: قرأ
على أبو عبد الله (عليه السلام) فرائض علي (عليه السلام) فإذا فيها...، الحديث (4).
وفي صحيحة بعده أيضا عنه، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدعا بالجامعة،
فنظر فيها فإذا إمرأة: ماتت...، الحديث، ورواه الكليني أيضا (5). ومنهم: عذافر
الصيرفي، والحكم بن عتيبة. ففي ترجمة ابنه محمد بن عذافر يأتي (ر 969) رواية
النجاشي بإسناد متصل من عذافر الصيرفي، قال: كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر
(عليه السلام)، فجعل يسأله، وكان أبو جعفر (عليه السلام) له مكرما.
________________________________________
(1) - تهذيب الأحكام: ج 9 / ص 270 / ح 982، الكافي: ج 7 / ص 93 / ح 1،
من لا يحضره الفقيه: ج 4 / ص 192 / ح 668. (2) - تهذيب الأحكام: ج 9 / ص 247 / ح
959. (3) - تهذيب الأحكام: ج 9 / ص 271 / ح 983، الكافي: ج 7 / ص 94 / ح 3. (4) -
تهذيب الأحكام: ج 9 / ص 294 / ح 1052. (5) - الكافي: ج 7 / ص 125 / ح 2. (*)
________________________________________
[ 160 ]
[.... ] كتابا مدروجا عظيما ففتحه. وجعل (عليه السلام) ينظر حتى أخرج
المسألة. فقال أبو جعفر (عليه السلام): (هذا خط علي (عليه السلام)، وإملاء رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)). وأقبل على الحكم، وقال: (يا أبا محمد اذهب أنت
وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يمينا وشمالا، فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم
كان ينزل عليهم جبرئيل (عليه السلام)). ويظهر من بعض الأخبار أن عند أصحاب الأئمة
(عليهم السلام) نسخة من كتاب علي (عليه السلام) أو نسخة بعضه، وعرضوها على الأئمة
(عليهم السلام) فصححوها. فروى الشيخ في التهذيب وفي الأستبصار بإسناده عن علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال ومحمد بن عيسى، عن يونس جميعا قالا: عرضنا كتاب
الفرائض عن أمير المؤمنين (عليه السلام) علي أبي الحسن (عليه السلام)، فقال: (هو
صحيح، وكان مما فيه...)، الحديث، ورواه الكليني أيضا (1). وروى أيضا بطرق عن أبي
عمرو المتطبب، قال: عرضت هذه الرواية على أبي عبد الله (عليه السلام)، وبطريقه
الاخر عن ابن فضال ويونس جميعا، عن الرضا (عليه السلام) قالا: عرضنا عليه الكتاب
فقال: (نعم هو حق وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام)...)، الحديث (2)، وغير ذلك
مما يطول ذكره. وكان كتاب علي (عليه السلام) سندا لما رواه الأئمة (عليهم السلام).
وإذا اختلفت كلمات القوم في عصرهم، وتردد لذلك أصحابهم احتجوا بكتاب علي (عليه
السلام). ولذا كثر
________________________________________
(1) - تهذيب الأحكام: ج 1 / ص 285 / ح 1107، الأستبصار: ج 4 / ص 299 / ح
1124، الكافي: ج 7 / ص 330 / ح 1. (2) - تهذيب الأحكام: ج 10 / ص 295 / ح 1148،
وروى نحوه في ص 292 / ح 1135. (*)
________________________________________
[ 161 ]
[... ] الأحتجاج به في المسائل الخلافية بين الشيعة والعامة، مثل فرائض
كتاب المواريث، والحدود، ومسائل من أبواب الصلاة وغيرها. وإن شئت فلاحظ ما رواه
الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن بكير (1)، وأيضا ما رواه في رواية الحكم
بن عتيبة، عن أبي جعفر (عليه السلام). وقد رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم (2). بل
يظهر من بعض الأخبار أن كتابه (عليه السلام) كان ميزانا يعرف ويتميز به المكذوب
والمفتعل على علي (عليه السلام). فروى الشيخ في التهذيب والأستبصار، بإسناده إلى
محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن أهل الكوفة يروون عن علي (عليه
السلام)، أنه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ؟ قال (عليه السلام): (كذبوا
على علي (عليه السلام)، ما وجدنا ذلك في كتاب علي (عليه السلام)، قال الله تعالى:
وإن كنتم جنبا فاطهروا) (3). قلت: وفي الحديث دلالة من وجهين على كذب ما رووه:
الأول: عدم وجوده في كتابه (عليه السلام). الثاني: مخالفته للكتاب العزيز. وهذه
أمارة عامة لكذب كل حديث
________________________________________
(1) - تهذيب الأحكام: ج 2 / ص 209 / ح 818، ورواه في الكافي: ج 3 / ص
397 / ح 1، والأستبصار: ج 1 / ص 383 / ح 1. (2) - تهذيب الأحكام: ج 10 / ص 254 / ح
1005، والكافي: ج 7 / ص 329 / ح 1، والأستبصار: ج 4 / ص 288 / ح 1089، ومن لا يحضره
الفقيه: ج 4 / ص 104 / ح 351. (3) - تهذيب الأحكام: ج 1 / ص 139 / ح 389،
الأستبصار: ج 1 / ص 126 / ح 426، والاية في سورة المائدة آية 6. (*)
________________________________________
[ 162 ]
[... ] مفتعل منسوب إليهم. وقد دلت أخبار كثيرة على أن ما خالف قول ربنا
لم نقله، أو باطل، أو زخرف، أو فاضربوه على الجدار. والأستدلال بالاية الشريفة
لبيان وجه المخالفة، حيث إنها تدل على تقسيم المكلف إلى جنب فيجب عليه الغسل، وغير
جنب فيتوضأ للصلاة وإن وجب عليه الغسل بسبب آخر. وعلى هذا فرواية الوضوء للجنب
مخالفة للكتاب. وقد وصف كتاب علي (عليه السلام) في بعض الأخبار، ففيما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شئ من
الفرائض ؟ فقال لي: (ألا أخرج لك كتاب علي (عليه السلام) ؟ !) فقلت: كتاب على (عليه
السلام) لم يدرس ؟ ! فقال: (يا أبا محمد إن كتاب علي (عليه السلام) لا يندرس).
فأخرجه فإذا كتاب جليل، فإذا فيه: (رجل...)، الحديث (1). وفي صحيح زرارة، الطويل
الذي فيه عرض الكتاب عليه، قال زرارة: فقام وأخرج إلى صحيفة مثل فخذ البعير، - إلى
أن قال: - فلما ألقى إلى طرف الصحيفة إذا كتاب غليظ، يعرف أنه من كتب الأولين (2).
وفي رواية عذافر المتقدمة: فأخرج كتابا مدروجا عظيما، ففتحه وجعل ينظر...، الحديث.
وقد روى كتاب علي (عليه السلام) جماعة من غير طريق أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
فمنهم: ابنه عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فروى عنه كتابا في فنون من
________________________________________
(1) - تهذيب الأحكام: ج 9 / ص 324 / ح 1162، الكافي: ج 7 / ص 119 / ح 1.
(2) - تهذيب الأحكام: ج 9 / ص 271 / ح 983، الكافي: ج 7 / ص 94 / ح 3. (*)
________________________________________
[ 163 ]
[... ] الفقه، والوضوء والصلاة، وسائر الأبواب. رواه الماتن (رحمه الله)
بإسناده الاتي في عبيدالله بن أبي رافع. ومنهم (عليهم السلام) الحارث من أصحابه
(عليه السلام)، رواه من ابتداء باب الصلاة في الكتاب. رواه الماتن (رحمه الله)
بإسناده الاتي في عبيدالله بن أبي رافع. قلت: وروى الحارث الهمداني عن أمير
المؤمنين (عليه السلام) كتاب المسائل التي أخبر (عليه السلام) بها اليهودي. رواه
الشيخ في الفهرست في ترجمة عمرو بن ميمون أبي المقدام (ص 111 / ر 493)، بإسناده
إليه. قلت (عليهم السلام) ولعل الماتن، إنما لم يذكر كتاب علي (عليه السلام) في
عداد كتب الأسبقين لعلو منزلته، ورفعة مقامه عن مقام المصنفين. فإنه (عليه السلام)
إمامهم، وقد اهتدوا بنور علمه. وكان باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم). والكتاب إنما وضع لذكر مصنفات الشيعة، وهم أتباعه (عليه السلام). ولعله لذلك
لم يذكر في كتابه ما نسب إلى الأئمة المعصومين (عليهم السلام) من الكتب أيضا، إلا
إشارة إليها في تراجم رواتها. وقد أحصيناها في فوائدنا في (قواعد الرجال).
________________________________________
[ 164 ]
[ 1 - أبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1): واسمه
أسلم (2). كان للعباس بن عبد المطلب، فوهبه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فلما
بشر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باسلام العباس ]، (1) وقال في تهذيب التهذيب:
أبو رافع القبطي مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)...، إلخ (1). قلت: إتفق
أصحابنا وغيرهم على أنه كان مولاه (صلى الله عليه وآله وسلم). وإن كان في كيفية
عتقه وسببه نوع إختلاف. قال ابن عبد البر في الأستيعاب، باب أسلم: قد أجمعوا أنه
مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يختلفون في ذلك (2). قلت: ولا إشكال
أيضا في كونه قبطيا، وكونه مبشرا باسلام العباس. (2) كما هو مختار الشيخ الطوسي في
رجاله (ص 5 / ر 40) و (ص 83 / ر 15)، وابن سعد في الطبقات، وأبي نعيم في حلية
الأولياء، والخطيب في تاريخ بغداد (3) وابن عبد البر، وكثير من أصحاب السير
والتاريخ والتراجم. قال ابن عبد البر بعد ذكر أسلم: وهو أشهر ما قيل فيه، وحكى عن
ابن معين أنه إبراهيم، وعن غيره أنه هرمز. قلت: وزاد في تهذيب التهذيب قولا رابعا
وهو أنه ثابت. وفي الأصابة
________________________________________
= (1) - تهذيب التهذيب: ج 12 / ص 92 / ر 407. (2) - الأستيعاب: ج 1 / ص
83 / ر 34.، (3) - الطبقات الكبرى: ج 4 / ص 73، حلية الأولياء: ج 1 / ص 183، تاريخ
بغداد: ج 10 / ص 304 / ح 5453. (*)
________________________________________
[ 165 ]
[ أعتقه (1). أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الجندي (2)، قال: حدثنا
أحمد بن معروف، قال: حدثنا الحارث الوراق والحسين بن فهم، عن محمد بن سعد كاتب
الواقدي، قال: أبو رافع. وذكر هذا الحديث (3). وأخبرنا محمد بن جعفر الأديب، قال:
أخبرنا أحمد بن ] زاد على ذلك الى عشرة اقوال (1). (1) ونحوه في طبقات ابن سعد
والأستيعاب (2)، وغير ذلك مما يطول ذكره. وقيل: إنه كان لسعيد بن العاص فورثه عنه
بنوه، وهم ثمانية. وقيل: عشرة فاعتقوه كلهم إلا واحدا. وقيل: أعتقه ثلاثة منهم،
فأتى أبو رافع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستعينه على من لم يعتق منهم،
فكلمهم فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوهبوه له فاعتقه، فكان أبو رافع
يقول: أنا مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وقيل: إنه (صلى الله عليه
وآله وسلم) اشترى السهم الباقي فاعتقه. ذكر ذلك ابن عبد البر، ثم ضعف هذا القول،
وأنه لا يثبت من جهة النقل، وأن رواية كونه لعباس بن عبد المطلب أصح وأولى. (2)
تقدم ذكر بعض أحواله في هذا الشرح (3). (3) ذكره ابن سعد في طبقاته (4). قلت: وقد
روى ذلك أيضا غير محمد بن سعد ممن تقدم أو تأخر،
________________________________________
(1) - الأصابة: ج 4 / ص 67 / ح 391. (2) - الطبقات الكبرى: ج 4 / ص 73
وج 1 / ص 498، الأستيعاب: ج 1 / ص 83 / ح 34. (3) - تهذيب المقال: ج 1 / ص 31 / في
رقم 4، في مشايخه الذين روى عنهم. (4) - الطبقات الكبرى: ج 4 / ص 73. (*)
________________________________________
[ 166 ]
[ محمد بن سعيد في تاريخه، أنه يقال: إن اسم أبي رافع إبراهيم (1).
وأسلم أبو رافع قديما بمكة (2). وهاجر إلى المدينة (3)، وشهد مع النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) مشاهده (4). ] اوردنا في ترجمته من كتابنا (الطبقات الكبرى). (1)
المراد بتاريخه كتابه في ذكر من روى الحديث من الناس كلهم العامة والشيعة وأخبارهم.
كما ذكره الشيخ في الفهرست (ص 3 / ر 1) والماتن في ترجمته (ر 223). ثم إنك عرفت
إختلاف الناس في اسمه، وأن أسلم هو الأشهر. (2) قال أبو نعيم الأصفهاني في الحلية:
أسلم قبل بدر. وكان يكتم إسلامه مع العباس. ثم قدم بكتاب قريش إلى المدينة على رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأظهر إسلامه ليقيم بها. فرده رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم)، وقال: (إنا لا نحبس البرد، ولا نخيس العهد) (1). قلت: ذكر ابن سعد
حديث إسلام العباس وإسلام أبي رافع في حديث طويل. وذكر غيره أيضا. وذكروا أن إسلامه
كان قبل بدر، ولم يشهد بدرا، وكان حينئذ مقيما بمكة. وذكرنا ما ورد في إسلامه في
(أخبار الرواة). (3) وكان ذلك بعد هجرته الاولى مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض
الحبشة. وكانت هجرته إلى المدينة بعد بدر، كما في طبقات ابن سعد. (4) ظاهر عموم
كلامه أنه شهد بدرا، وقد تقدم أن إسلامه كان قبله، ولم يشهده. إذ كان يومئذ بمكة مع
آل عباس بن عبد المطلب.
________________________________________
(1) - حلية الأولياء: ج 1 / ص 183 / ر 33. (*)
________________________________________
[ 167 ]
[ ولزم أمير المؤمنين (عليه السلام) من بعده (1). وكان من خيار الشيعة.
وشهد معه حروبه (2). وكان صاحب بيت ماله بالكوفة (3) ]، قال ابن عبد البر في
استيعابه: وشهد أبو رافع احدا والخندق، وما بعدهما من المشاهد. ولم يشهد بدرا.
وإسلامه قبل بدر إلا أنه كان مقيما بمكة. ونحو ذلك في طبقات ابن سعد، والسيرة
النبوية، وفي تهذيب التهذيب (1)، وغيرها. وتفصيل ذلك في (الطبقات الكبرى). وزوجه
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مولاته سلمى. وشهدت معه خيبر. وولدت لأبي رافع
عبيدالله بن أبي رافع، ذكره ابن سعد، وابن عبد البر (2). (1) كما يظهر من سيرته وما
رواه في مدح أهل البيت (عليهم السلام)، وغير ذلك مما يطول ذكره، فصلناه في (أخبار
الرواة). (2) بذلك يعرف فضله. قال أبان بن تغلب فيمن تبع عليا (عليه السلام)، وشهد
حروبه من الصحابة: والله ما عرفنا فضلهم إلا باتباعهم إياه. ويأتي في ترجمته. (3)
قال ابن كثير في السيرة عند ذكره: وكان كاتبا، وقد كتب بين يدي علي بن أبي طالب
(عليه السلام) بالكوفة (3). قلت: ما ذكره الماتن يدل على عظمته، وعدالته وورعه. ولم
يذكر أبو رافع بزلة ولا شينة. والأخبار في مدحه كثيرة، قد أوردناها مع ما يشير إلى
ذمه
________________________________________
(1) - الأستيعاب: ج 1 / ص 85، الطبقات الكبرى: ج 4 / ص 74، السيرة
النبوية لابن كثير: ج 4 / ص 618، تهذيب التهذيب: ج 12 / ص 92 / ح 407. (2) -
الطبقات الكبرى: ج 4 / ص 74، الأستيعاب: ج 1 / ص 84. (3) - السيرة النبوية: ج 4 / ص
618. (*)
________________________________________
[ 168 ]
[ وابناه (1) عبيدالله (2) وعلي كاتبا أمير المؤمنين (عليه السلام) ].
في (اخبار الرواة). وكان بيت آل رافع من ارفع من ارفع بيوت الشيعة. وعقبة بالمدينة
وغيرها أشراف عند الناس (1). وأولاده وأحفاده من أجلاء رواة الحديث. (1) يظهر من
كتب الجمهور أن أبناءه خمسة عبيدالله، وعلي، ورافع، والحسن، والمغيرة. ذكرهم ابن
حجر في الأصابة، وذكر أيضا أنهم رووا عن أبي رافع، كما روى عنه أحفاده أيضا الحسن
وصالح وعبيدالله أولاد علي بن أبي رافع والفضل بن عبيدالله ابن أبي رافع (2). وظاهر
الماتن في حديث مسيره مع علي (عليه السلام) إلى الكوفة، أن له ابنا آخر يسمى عبد
الله. وأيضا ظاهر ابن عبد البر، كما يأتي. (2) ينبغي الأشارة إلى منزلته عند أهل
البيت (عليهم السلام) والى أولاده، وإلى كتبه ومصنفاته. منزلة عبيدالله بن أبي رافع
عند أهل البيت أما منزلته فنقول: ذكره البرقي (رحمه الله) من خواص أصحابه من مضر،
وذكر أنه كاتبه (3). وفي إختصاص الشيخ المفيد (رحمه الله) نحوه (4). وذكره الشيخ في
أصحابه (عليه السلام) (ص 47 / ر 17) وقال: كاتبه (عليه السلام). ونحوه في الفهرست
(ص 107 / ر 456). وذكره ابن سعد في الطبقات وأنه كاتبه (عليه السلام). وقال في موضع
آخر: روى
________________________________________
(1) - الأستيعاب: ج 1 / ص 84. (2) - الأصابة: ج 4 / ص 67 / ر 391. (3) -
كتاب الرجال للبرقي: ص 4. (4) - الأختصاص: ص 4. (*)
________________________________________
[ 169 ]
[... ] عن علي بن أبي طالب (عليه السلام). وكتب له، وكان ثقة كثير
الحديث (1). وقال ابن عبد البر بعد ذكر ولادته: وكان عبيدالله بن أبي رافع خازنا،
وكاتبا لعلي (2) (عليه السلام). وذكر الخطيب ترجمته، وقال: سمع أباه، وعلي بن أبي
طالب (عليه السلام). وأبا هريرة، وكان كاتب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وحضر
معه وقعة الخوارج بالنهروان. روى عنه بسر بن سعيد، وأبو جعفر محمد بن علي (عليه
السلام)، وعبد الرحمان ابن هرمز الأعرج، وغيرهم. وكان ثقة. ثم ذكر حديث واقعة
النهروان (3). قلت: إتفق أهل الحديث وأصحاب التراجم على أن عبيدالله بن أبي رافع
كان من خواص أمير المؤمنين (عليه السلام). وكان كاتبا له. ولا ينافي ذلك كون أبيه
أيضا كاتبا له، كما تقدم. وأيضا كون أخيه علي كاتبا، كما هو ظاهر. وقد عرفت في كلام
ابن عبد البر أنه كان خازنا له أيضا. وصرح الماتن (رحمه الله) بأن أبا رافع صاحب
بيت ماله بالكوفة. ويظهر أيضا مما رواه في حديث الأستعارة من بيت المال. ويأتي عن
التهذيب، أن علي بن أبي رافع كان خازن بيت المال بالكوفة. وهذا مما يوهم التنافي،
وليس كذلك، لأمكان تعدد الخازن والكاتب من عمال بيت المال، أو تعدد المحل أو
الزمان، فلاحظ. وسيأتي الكلام في حديث الأستعارة.
________________________________________
(1) - الطبقات الكبرى: ج 5 / ص 282. (2) - الأستيعاب: ج 1 / ص 84. (3) -
تاريخ بغداد: ج 10 / ص 304 / ر 5453. (*)
________________________________________
[ 170 ]
[... ] ثم إن كون عبيدالله كاتبا لعلي (عليه السلام) على بيت المال، بل
وخازنا على ما تقدم، يدل على مكانته عنده (عليه السلام)، وأمانته، وورعه، وثقته، بل
وعدالته. وهو من السلف الصالح من الشيعة على ما أشار الماتن إليه في الديباجة، وفي
كلام بعضهم التصريح بوثاقته. وقد ابتلى عبيدالله بن أبي رافع بعد شهادة علي (عليه
السلام)، وخلافة الحسن (عليه السلام) ببلاء شديد. وذلك لما استولى بنو امية على
الحكم، وولي عمرو بن سعيد بن العاص بن امية المدينة. فأول ما صنع أنه أرسل إلى ابن
أبي رافع، وسأله مولى من أنت ؟ فقال: مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
فضربه مائة سوط. ثم كرر السؤال خمس مرات، وسمع منه ما سمع، فضربه مائة سوط في كل
مرة، وكان ذلك لموالاته، واختصاصه بعلي وأهل البيت (عليهم السلام). وقد حاول غير
واحد من العامة صرف ذلك إلى ابن أبي رافع غير القبطي هذا، تنزيها لهم، مع أن الأشد
من ذلك من بني امية على أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، غير عزيز لم ينسه
التاريخ. فلاحظ الأصابة (1). وتمام الكلام في ذلك وفيما ورد في عبيدالله بن أبي
رافع في (أخبار الرواة). أولاد عبيدالله بن أبي رافع 1 - محمد بن عبيدالله بن أبي
رافع. روى عن أبيه كتاب جده على ما ذكره الماتن. وروى كتاب عمه على، على ما في
المتن أيضا. وكتاب أبيه عبيدالله
________________________________________
(1) - الأصابة: ج 4 / ص 68 / ر 396. (*)
________________________________________
[ 171 ]
[... ] عنه. وأيضا، عن أخيه عون، عن أبيه عبيدالله، كتابه على ما في
الفهرست في ترجمة أبيه (ص 107 / ر 456). 2 - عون. فقد روى عنه الماتن حديث هجرة أبي
رافع، والشيخ كتاب أبيه في الفهرست (ص 107). هذا، ولكن نسخ النجاشي قد ذكر فيها في
حديث الهجرة عون بن عبد الله. 3 - عبد الله. فقد روى الماتن عن إسماعيل الرافعي،
عنه، عن أبيه، حديث الحية. 4 - الفضل. كما ذكره في الأصابة على ما تقدم. أحفاده عبد
الرحمان بن محمد، كما في طريق الماتن إلى كتاب ابن أبي رافع، ومحمد ابن عبد الرحمان
بن محمد، كما تقدم. تصنفيه ذكر الشيخ (رحمه الله) في الفهرست: عبيدالله بن أبي رافع
(رضى الله عنه) كاتب أمير المؤمنين (عليه السلام). وذكر له كتابين. الأول: كتاب
قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام). ثم قال: أخبرنا به أحمد بن عبدون، عن أبي بكر
الدوري، عن أبي الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين بن جعفر بن الحسن بن علي بن
أبي طالب (عليهما السلام)، قال: حدثنا أحمد بن
________________________________________
[ 172 ]
[... ] عبد المنعم العيني، قال (عليهم السلام) حدثنا الحسن بن محمد بن
الحسين البجلي، قال: حدثنا على بن محمد بن القاسم الكندي، عن محمد بن عبيدالله بن
أبي رافع، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين (عليه السلام). وذكر الكتاب بطوله.
قلت: وفي هذا السند العيني، والكندي غير مذكورين بشئ. وأما أبو الحسن محمد بن جعفر،
فقد ذكره الشيخ (رحمه الله) في رجاله فيمن لم يرو عنهم (عليهم السلام) (ص 500 / ر
57)، قائلا: محمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر ابن الحسن بن الحسن بن
علي بن أبي طالب (رحمه الله)، المعروف بأبي قيراط. روى عنه التلعكبري، يكنى أبا
الحسن. وسمع منه سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. وله منه إجازة. وذكره الماتن في ترجمة
أبيه (ر 314)، وذكر نسبه كما ذكرناه، وهذا موافق لما وجدناه بالتأمل في أنسابهم،
ولما يظهر من عمدة الطالب. وعلى هذا فنسخة الفهرست لا تخلو عن نقصان ابن جعفر بين
محمد والحسن، وعن نقصان الحسن بعد جعفر، وعن تصحيف الحسن بن جعفر بالحسين، فلاحظ.
ثم إن أبا الحسن محمد بن جعفر وإن لم يصرح بتوثيق، إلا أن رواية التلعكبري، وسماعه،
وإجازته، منه. مع أن النجاشي ذكره بأنه غير مطعون في حديثه. وكذا رواية أبي بكر
الدوري أحمد بن جلين، الذي قال النجاشي فيه (عليهم السلام) ثقة في حديثه، مسكون إلى
روايته، تدل على جلالته. فلاحظ. قلت (عليهم السلام) وقد جمع كثير من رواة الحديث
وأكابر الطائفة قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام)، وصنفوا في ذلك كتبا. ذكرهم
النجاشي والشيخ في كتبهما. إلا أن عبيدالله بن أبي رافع هو أول من صنف في ذلك
كتابا.
________________________________________
[ 173 ]
[ أخبرنا محمد بن جعفر، قال (عليهم السلام) حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد،
قال: حدثنا أبو الحسين أحمد بن يوسف الجعفي، قال: حدثنا علي ابن الحسين بن الحسين
بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن
عبد الله بن علي بن الحسين، قال: حدثنا إسماعيل بن الحكم الرافعي، عن عبد الله بن
عبيدالله بن أبي رافع، عن أبيه، عن أبي رافع، قال: دخلت على رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم)، وهو نائم أو يوحي إليه، وإذا حية في جانب البيت، فكرهت أن أقتلها
فاوقظه. فاضطجعت بينه وبين الحية حتى إذا كان منها سوء يكون إلى دونه، فاستيقظ وهو
يتلو هذه الاية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون) (1). ثم قال: (الحمد الله الذي أكمل ] الثاني: كتاب تسميته من
شهد مع امير المؤمنين (عليه السلام) الجمل، وصفين، والنهروان من الصحابة (رضي الله
عنهم). قال (عليهم السلام) رويناه بالأسناد عن الدوري، عن أبي الحسين زيد بن محمد
الكوفي، عن أحمد بن موسى بن إسحاق، قال: حدثنا صفوان بن مرد، عن علي بن هاشم بن
البريد، عن محمد بن عبيدالله بن أبي رافع، عن عون بن عبيدالله، عن أبيه، وكان كاتب
أمير المؤمنين (عليه السلام). قلت (عليهم السلام) إن أبا الحسين ومن قبله من رجال
السند، غير مذكورين بشئ. ثم إنه يحتمل ضعيفا كون ما يأتي من كتاب الفقه لأخيه علي
بن أبي رافع تصنيف عبيدالله، كما أن التعدد مع التشابه - كما أشرنا إليه - غير
بعيد.
________________________________________
(1) - المائدة: آية 55. (*)
________________________________________
[ 174 ]
لعلي (عليه السلام) منيته، وهنيئا لعلي (عليه السلام) بتفضيل الله
إياه). ثم التفت فرآني إلى جانبه، فقال: (ما أضجعك هاهنا يا أبا رافع) ؟ فأخبرته
خبر الحية، فقال: (قم إليها، فاقتلها)، فقتلتها. ثم أخذ رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) بيدي، فقال: (يا أبا رافع كيف أنت وقوما يقاتلون عليا (عليه السلام)، هو
على الحق وهم على الباطل. يكون في حق الله جهادهم فمن لم يستطع جهادهم فبقلبه، فمن
لم يستطع فليس وراء ذلك شئ). فقلت: ادع لي إن أدركتهم أن يعينني الله، ويقويني على
قتالهم. فقال: (اللهم إن أدركهم فقوه وأعنه). ثم خرج إلى الناس، فقال (عليهم
السلام) (يا أيها الناس من أحب أن ينظر إلى أميني على نفسي وأهلي، هذا أبو رافع
أميني على نفسي (1). قال عون بن عبد الله بن أبي رافع (2) (عليهم السلام) فلما بويع
علي (عليه السلام)، وخالفه معاوية بالشام، وسار طلحة والزبير إلى البصرة، قال أبو
رافع: هذا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (سيقاتل عليا (عليه السلام)
قوم يكون حقا على الله جهادهم). فباع أرضه بخيبر وداره. ثم خرج مع علي (عليه
السلام)، وهو شيخ كبير، له خمس وثمانون سنة. وقال: الحمد لله لقد أصبحت لا أحد
بمنزلتي، لقد بايعت البيعتين: بيعة العقبة، وبيعة الرضوان. وصليت القبلتين. وهاجرت
الهجر الثلاث. قلت: وما الهجر الثلاث ؟ قال: هاجرت مع جعفر بن أبي طالب رحمة الله
عليه، إلى أرض الحبشة. وهاجرت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة.
وهذه
________________________________________
[ 175 ]
[ الهجرة مع علي ابن أبي طالب (عليه السلام) إلى الكوفة. فلم يزل مع علي
(عليه السلام)، حتى استشهد علي (عليه السلام). فرجع أبو رافع إلى المدينة مع الحسن
(عليه السلام)، ولا دار له بها، ولا أرض (3). فقسم له الحسن (عليه السلام) دار علي
(عليه السلام) بنصفين. وأعطاه سنح أرض أقطعه إياه (4) ]. (1) روى ابن كثير في
السيرة عن أبي رافع حديث الحية ملخصا، مع تفاوت، وبلا ذكر ما فيه من فضل علي (عليه
السلام). ونزول هذه الاية في علي بن أبي طالب (1) (عليه السلام)، رواه العامة
والخاصة بطرقهم، ليس هاهنا مقام ذكره. (2) النسخ عندنا تطابقت على الضبط بما ذكر.
ولكن الظاهر والله العالم، أن عبد الله مصحف عبيدالله، فإن عون من ولده وسيأتي،
فلاحظ. (3) والظاهر أن هذه الأيام كان أوان فقره، الذي أخبر به النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم)، على ما رواه العامة. فروى أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء
بإسناده، عن أبي رافع مولى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: قال النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم): (كيف بك يا أبا رافع إذا افتقرت) ؟ قلت: أفلا أتقدم في ذلك ؟
قال: (بلى) ! قال: (ما مالك) ؟ قلت: أربعون ألفا، وهي لله عز وجل...،) الحديث (2).
قلت: ما ورد في إخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه يصيبه بعده فقر، ونهيه (صلى
الله عليه وآله وسلم) إياه عن كنز فضول المال، وما ورد في فقره ففي كتابنا (أخبار
الرواة). (4) وفي نسخة (م): إياها.
________________________________________
(1) - السيرة النبوية: ج 4 / ص 619. (2) - حلية الأولياء: ج 1 / ص 184.
(*)
________________________________________
[ 176 ]
[ فباعها عبيدالله بن أبي رافع من معاوية بمائة ألف وسبعين ألفا (1).
وبهذا الأسناد، عن عبيدالله بن أبي رافع في حديث أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه
السلام)، أنها استعارت من أبي رافع حليا من بيت المال بالكوفة (2). ولأبي رافع كتاب
السنن والأحكام والقضايا. أخبرنا محمد ابن جعفر النحوي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
سعيد، قال: حدثنا حفص بن محمد بن سعيد الأحمسي، قال: حدثنا حسن بن الحسين الأنصاري،
قال: حدثنا علي بن القاسم الكندي، عن محمد ابن عبيدالله بن أبي رافع، عن أبيه، عن
جده أبي رافع، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أنه كان إذا صلى قال في أول
الصلاة...، وذكر الكتاب إلى آخره بابا بابا: الصلاة والصيام، والحج، والزكاة،
والقضايا (3) ]. (1) قلت: وفي ذلك إيماء إلى مكانة أبي رافع عند الأئمة (عليهم
السلام). والظاهر أنه قد حسن حال أبي رافع، واستغنى بعد فقره. فقد روى أبو سليم
مولاه حديث فقره وحديث غناه، قال: فلقد رأيته بعد إستغنى، حتى أتى له عاشر عشرة،
وكان يقول: ليت أبا رافع مات في فقره أو هو فقير. قال: ولم يكن يكاتب مملوكه إلا
بثمنه الذي اشتراه به. رواه أبو نعيم في الحلية (1). (2) ويأتي الكلام في حديث
الأستعارة عند ذكر أخيه علي بن أبي رافع. (3) قلت: الأحمسي، والأنصاري، والكندي،
ومحمد حفيد أبي رافع
________________________________________
(1) - حلية الأولياء: ج 1 / ص 185. (*)
________________________________________
[ 177 ]
[ وروى هذه النسخة من الكوفيين أيضا زيد بن محمد بن جعفر بن المبارك
يعرف بابن أبي إلياس، عن الحسين بن حكم الحبري (1)، قال: حدثنا حسن بن حسين
بإسناده. وذكر شيوخنا أن بين النسختين إختلافا قليلا، ورواية أبي العباس أتم (2) ].
غير مذكورين بشئ، الا ان يراد بقوله: ورواية ابي العباس اتم، اتميتها سندا، وهو
يفيد اعتبار السند. والظاهر - والله العالم - أن المراد بها أتميتها متنا باشتمالها
على الأكثر من أبوابه ورواياته. وللشيخ الطوسي، طريق إلى أحمد بن محمد بن سعيد بن
عقدة إلى جميع كتبه ورواياته، وهذه منها. ثم إن الكتاب قد جمع فيه ما سمعه عن علي
(عليه السلام)، كما هو ظاهر الأسناد. وحينئذ لا يبعد اتحاده مع كتاب علي (عليه
السلام) على ما تقدم. وقد روى عن أبي رافع جماعة كثيرة منهم: أولاده وأحفاده. (1)
وفي نسخة (م): الحيري. (2) لم يذكر طريقه (رحمه الله) إلى زيد بن محمد بن جعفر، وهو
من مشايخ هارون بن موسى التلعكبري، وسائر رجال السند غير مذكورين في الرجال بغمز.
ثم إنه لا إشكال في رواية أبي رافع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبارا في
الوضوء والصلاة وغيرها من الأبواب، كما لا يخفى على المتتبع في كتب الخاصة والعامة.
وقد أشار إلى جملة منها البخاري في تاريخه الكبير متفرقة، فلاحظ (1).
________________________________________
(1) - التاريخ الكبير: ج 5 / ص 138 / ر 415. (*)
________________________________________
[ 178 ]
[ ولابن أبي رافع كتاب آخر، - وهو: - 2 - علي بن أبي رافع: تابعي من
خيار الشيعة. كانت له صحبة من أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان كاتبا له (1)، وحفظ
كثيرا (2)، وجمع كتابا في فنون من الفقه (عليهم السلام) الوضوء والصلاة وسائر
الأبواب ]. (1) في نسخة (ن): (وكان كاتبا، وله حفظ كثير)، بدل (وكان كاتبا له، وحفظ
كثيرا). (2) كان علي بن أبي رافع من خواص أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكاتبا له.
وكان من فقهاء الشيعة. كتب كتابا في الفقه. ومن سلفنا الصالحين، على ما تقدم من
الماتن في ديباجة الكتاب. وتفقه على أمير المؤمنين (عليه السلام) وجمع كتابه في
أيامه. وأين هو ومن عده العامة أول من صنف في الفقه، مثل أبي حنيفة ؟، وكان ابن أبي
رافع فقيها قبله بأكثر من خمسين سنة. بل الأنسب ذكره في الأقدمين من الحفاظ من أهل
الحديث، على ما ذكره الماتن،. وكان علي بن أبي رافع خازن بيت المال وكاتبا لأمير
المؤمنين (عليه السلام). فروى الشيخ في التهذيب عن علي بن إبراهيم، عن الحجال، عن
صالح بن السندي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن
المسيب، عن علي بن أبي رافع، قال: كنت على بيت مال على بن أبي طالب (عليه السلام)
وكاتبه. وكان في بيت ماله عقد لؤلؤ، كان أصابه يوم البصرة. قال: فأرسلت إلي بنت علي
بن أبي طالب (عليه السلام)، فقالت لي: بلغني أن في بيت مال أمير المؤمنين (عليه
السلام) عقد لؤلؤ وهو في يدك. وأنا أحب أن تعيرنيه أتجمل به في أيام عيد الأضحى.
فأرسلت إليها عارية مضمونة مردودة يا بنت أمير المؤمنين ؟ فقالت: نعم
________________________________________
[ 179 ]
[ أخبرني أبو الحسن التميمي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال:
حدثنا علي بن القاسم البجلي قرائة عليه، قال: حدثني أبو الحسن علي بن إبراهيم
المعلى البزاز، قال (عليهم السلام) حدثنا عمر بن محمد ابن عمر بن علي بن الحسين،
قال: حدثني أبو محمد عبد الرحمان بن محمد بن عبيدالله بن أبي رافع - وكان كاتب أمير
المؤمنين (عليه السلام) - أنه كان يقول: إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل
الشمال من جسده، وذكر الكتاب (1). قال عمر بن محمد: وأخبرني موسى بن عبد الله بن
الحسن ]، عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة ايام. فدفعته إليها. وان امير المؤمنين
(عليه السلام) رآه عليها، فعرفه. فقال لها: من أين صار إليك هذا العقد ؟ فقالت:
استعرته من علي بن أبي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين لأتزين به في العيد، ثم
أرده. قال: فبعث إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)...، الحديث (1). قلت: تقدم من
الماتن رواية الأستعارة عن أبي رافع بطريق عبيدالله بن أبي رافع. والظاهر اتحاد
الواقعة، ولعل المراد بعبيد الله في طريق الماتن هو عبيدالله ابن على بن أبي رافع،
وقد حذف كلمة (ابن) في طريق الماتن، والله العالم. (1) قلت: على بن القاسم البجلي
غير مذكور. والظاهر اتحاده مع الحسن ابن القاسم البجلي المذكور في طريق الشيخ، في
الفهرست إلى علي بن عبيد الله ابن محمد (ص 94 / ر 393). وأيضا مع أبي الحسن بن
القاسم، كما في التهذيب (2)،
________________________________________
(1) - تهذيب الأحكام: ج 10 / ص 151 / ح 606. (2) - تهذيب الأحكام: ج 4 /
ص 166 / ح 672. (*)
________________________________________
[ 180 ]
[... ] بقرينة رواية أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة في الجميع، واتحاد من
روى ابن القاسم عنه، ويأتي في إسناده إلى على (عليه السلام). كما أن سائر رجال
السند من بعده غير مذكورين بشئ أيضا. ولا يخفى أن في الطريق خفاء من وجه آخر، إذ
الظاهر سقوط الواسطة بين أبي محمد عبد الرحمان بن محمد وبين صاحب الكتاب على بن أبي
رافع، على ما هو ظاهر صدر كلامه. ولعل الساقط قوله (عليهم السلام) عن أبيه عن جده،
بعد قوله: عبيد الله بن أبي رافع. ثم إن ظاهر كلامه (رحمه الله) الأختلاف في صاحب
هذا الكتاب المبوب في فنون من الفقه. فقول: بأنه على بن أبي رافع، على ما يقضيه
الطريق المذكور في المتن. وقول: بأنه عبيدالله بن على بن أبي رافع، كما ذكره عبد
الله بن الحسن على ما في المتن. وقول ثالث: بأنه علي بن أبي طالب (عليه السلام)،
ولازمه كون علي وعبيدالله ابني أبي رافع من رواة كتابه، وإسناد الكتاب إلى رواته
غير عزيز في كتب أصحابنا. وهذا ما رواه عمر بن محمد عن طريق العلويين، عن جدهم
(عليه السلام). وقد تقدم ذكر الطرق إلى كتاب على (عليه السلام). ويمكن القول
بالتعدد لظاهر الطرق والعناوين. ولعل القول بالأتحاد نشأ من تشابه الكتب، مع أن على
بن أبي رافع وعبيد الله قد جمعا كتابيهما مما سمعاه من أمير المؤمنين (عليه
السلام).
________________________________________
[ 181 ]
[ عن أبيه، أنه كتب هذا الكتاب عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع، وكان
يعظمونه ويعلمونه (1). قال أبو العباس بن سعيد: حدثنا عبد الله بن أحمد بن مستورد،
قال: حدثنا مخول بن إبراهيم النهدي، قال: سمعت موسى ابن عبد الله بن الحسن يقول:
سأل أبي رجل عن التشهد ؟ فقال: هات كتاب ابن أبي رافع، فأخرجه فأملاه علينا (2).
وقد طرق عمر بن محمد هذا الكتاب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام). أخبرنا أبو الحسن
التميمي، قال (عليهم السلام) حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا الحسن بن
القاسم، قال: حدثنا معلى، عن عمر ابن محمد بن عمر، قال: حدثنا علي بن عبيدالله بن
محمد بن عمر ] (1) يظهر من ذلك عظمة الكتاب عند الطائفة، وثقتهم به. ثم إن السند من
قوله: قال عمر بن محمد، معلق على سابقه، فلا إرسال. وموسى غير مذكور بشئ. وكذا أبوه
عبد الله. (2) يظهر منه أن الكتاب كان معتمدا عند الأصحاب، ثم إن عبد الله بن أحمد،
ومن قبله من رجال السند غير مذكورين بشئ. وروى عن علي بن رافع أولاده: عبيد الله،
والحسن، وصالح. وأيضا عن جدهم أبي رافع، كما في الأصابة على ما تقدم. وذكر الشيخ
الحسن علي بن أبي رافع في أصحاب السجاد (عليه السلام) (ص 86 / ر 1). وأيضا ابنه
أيوب بن الحسن في أصحابه (عليه السلام) (ص 83 / ر 15). وأيضا عبيد الله بن على بن
أبي رافع في أصحابه (عليه السلام) (ص 97 / ر 18)، وذكر إبراهيم بن علي بن الحسن بن
على بن أبي رافع في أصحاب الصادق (عليه السلام) (ص 146 / ر 65).
________________________________________
[ 182 ]
[ ابن علي، قال: حدثني أبي، عن أبيه محمد، عن جده عمر بن علي ابن أبي
طالب، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذكر أبواب الكتاب (1). قال ابن سعيد: حدثنا
الحسن، عن معلى، عن أبي زكريا يحيى بن سالم، عن أبي مريم، عن أبي إسحاق، عن الحارث،
عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، من ابتداء باب الصلاة في الكتاب. وذكر خلافا
بين النسختين (2). 3 - ربيعة بن سميع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (3)، كتاب في
زكاة النعم. أخبرني الحسين بن عبيدالله وغيره، عن جعفر بن محمد بن قولويه، قال:
حدثنا أبي وسائر شيوخي، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن
أبي عمير، قال: حدثنا عبد الله بن المغيرة ]، (1) لم يثبت وثاقة الحسن بن القاسم،
ومن قبله من رجال السند. (2) الحسن ومعلى وأبو إسحاق لم يظهر حالهم. قلت: قد عرفت
الطرق إلى كتاب علي (عليه السلام)، وما يتعلق به فيما تقدم، فلاحظ. (3) لم أجد في
كلام أصحابنا ولا غيرهم عاجلا مدحا له، غير عد الماتن (رحمه الله) إياه من السلف
الصالح من أصحابنا المصنفين. وليس في كلامه دلالة على أنه من الطبقة الاولى، وهم
الصحابة، أو من الطبقة الثانية من المصنفين،
________________________________________
[ 183 ]
[ قال: حدثنا مقرن، عن جده ربيعة بن سميع، عن أمير المؤمنين (عليه
السلام)، أنه كتب له في صدقات النعم وما يؤخذ من ذلك...، وذكر الكتاب (1). 4 - سليم
بن قيس الهلالي (2): ] وهم التابعون. ولم اقف عاجلا على رواية له في كتب الحديث.
(1) في الأسناد من لم أجد له ذكرا، وهو مقرن، إلا رواية الثقة الجليل عبد الله بن
المغيرة عنه. ثم إنه قد أشرنا إلى أن الماتن (رحمه الله) لم يكن في مقام استقصاء
المصنفين وخاصة الأسبقين منهم، فلم يذكر جماعة: منهم: سلمان الفارسي المحمدي أحد
الأركان الأربعة (رضى الله عنه). وقد ذكره الشيخ (رحمه الله) في فهرست أسماء
المصنفين (ص 80 / ر 328). وتبعه من تأخر، مثل ابن شهرآشوب في المعالم. وقد روى
الشيخ عنه بإسناده في التهذيب، وغيره من كتبه، قد أشرنا إليها في محله. ومنهم: جندب
بن جنادة أبو ذر الغفاري (رضى الله عنه). فقد ذكره الشيخ أيضا في الفهرست (ص 45 / ر
149)، وابن شهرآشوب، وغيرهما. ولا نطيل بذلك إذ ليس هو الغرض في هذا الشرح. (2) كان
سليم من التابعين من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام). وبقى إلى زمان أبي جعفر
الباقر (عليه السلام). وتوفى في أيام الحجاج. وقد ذكره البرقي والشيخ في طبقات
أصحابهم (عليهم السلام) إلى زمان الباقر (عليه السلام).
________________________________________
[ 184 ]
[... ] بل عده البرقي في الأولياء من أصحاب أمير المؤمنين (1) (عليه
السلام). وقال الشيخ في أصحاب علي بن الحسين (عليه السلام) (ص 91 / ر 6): سليم بن
قيس الهلالي، ثم العامري الكوفي صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام). وعده الشيخ
المفيد (رحمه الله) في الأختصاص من شرطة الخميس، من أصحابه (2) (عليه السلام).
ونحوه أيضا في أصحاب الحسين (3) (عليه السلام). وفيما رواه أبو عمرو الكشي في رجاله
(ص 104 / ر 167)، دلالة على سماع سليم منهم (عليهم السلام). وكان سليم شيخا متعبدا.
له نور يعلوه، على ما ذكره أبان بن أبي عياش. وقال: فلم أر رجلا كان أشد إجلالا
لنفسه، ولا أشد إجتهادا، ولا أطول حزنا، ولا أشد خمولا لنفسه، ولا أشد بغضا للشهرة
نفسه منه. وفي روايات عديدة تصديق أبي محمد السجاد والباقر (عليهما السلام) سليما،
على ما رواه ابن أبي عياش. وفيها ترحمه على سليم، وأنه (عليه السلام) اغرورقت عيناه
حينما ذكر عنده حديث سليم. وقد أوردنا ما ورد في مدح سليم من الأخبار في (أخبار
الرواة)، فلا نطيل. وقد مدحه علماء الرجال. بل عده بعضهم من العدول. وعده الماتن
(رحمه الله) في الأسبقين من سلفنا الصالحين، على ما تقدم في الديباجة. وقال العلامة
(رحمه الله) في
________________________________________
(1) - كتاب الرجال للبرقي: ص 4. (2) - الأختصاص: ص 3. (3) - الأختصاص: ص
8. (*)
________________________________________
[ 185 ]
[... ] الخلاصة بعد ذكر الخلاف في كتابه: والوجه عندي الحكم بتعديل
المشار إليه، والتوقف في الفاسد من كتابه (1). وعن المجلسي عده من الثقات العظام
والعلماء الأعلام. قلت: لم أجد قدحا في سليم نفسه. وإنما الطعن المعروف في كتابه.
وليس الكلام المحكي عن ابن الغضائري عن أصحابنا: من عدم ذكره في الأحاديث، إلا
تأييدا للطعن في الكتاب. وسيأتي الكلام فيه، إن شاء الله. وذكره ابن النديم في
الفهرست في فقهاء الشيعة ومحدثيهم وعلمائهم، وقال: قال محمد بن إسحاق: من أصحاب
أمير المؤمنين (عليه السلام) سليم بن قيس الهلالي. وكان هاربا من الحجاج، لأنه طلبه
ليقتله، فلجأ إلى أبان بن أبي عياش، فآواه. فلما حضرته الوفاة، قال لأبان: إن لك
على حقا، وقد حضرتني الوفاة. يا ابن أخي، إنه كان من أمر رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) كيت وكيت. وأعطاه كتابا، وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي المشهور. رواه
عنه أبان بن أبي عياش، لم يرو عنه غيره. وقال أبان في حديثه: وكان (سليم بن) قيس
شيخا، له نور يعلوه. وأول كتاب ظهر للشيعة كتاب سليم بن قيس الهلالي. رواه أبان بن
أبي عياش، لم يروه غيره (2). إنتهى. قلت: النسخة المطبوعة هكذا: وقال أبان في حديثه
(عليهم السلام) وكان قيس شيخا...، إلخ. والظاهر بقرينة غيرها سقوطه من النسخة. قلت:
تقدم أن أول كتاب للشيعة هو كتاب إمامهم أمير المؤمنين (عليه السلام).
________________________________________
(1) - خلاصة الأقوال: ص 83. (2) - الفهرست لابن النديم: ص 275. (*)
________________________________________
[ 186 ]
[ له كتاب. يكنى أبا صادق (1). أخبرني علي بن أحمد القمي، قال: حدثنا
محمد بن الحسن بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن محمد بن علي
الصيرفي، عن حمادبن عيسى وعثمان بن عيسى، قال حمادبن عيسى: وحدثناه إبراهيم بن عمر
اليماني، عن سليم بن قيس، بالكتاب (2). ] ثم كتب عدة من الصحابة، ومنهم: أبو رافع.
الا انه لا ينافي ذلك كون كتاب سليم أول كتاب للشيعة، ظهورا عند عامة الناس، وكونه
مشهورا يعرفه كل أحد. قال النعماني في كتاب الغيبة (عليهم السلام) وليس بين جميع
الشيعة ممن حمل العلم، ورواه عن الأئمة (عليهم السلام)، خلاف في أن كتاب سليم بن
قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الاصول، التي رواها أهل العلم من حملة حديث أهل البيت
(عليهم السلام)، وأقدمها، لأن جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل إنما هو عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وسلمان، والمقداد،
وأبي ذر، ومن جرى مجراهم، ممن شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير
المؤمنين (عليه السلام)، وسمع منهما. وهو من الاصول التي ترجع إليها الشيعة، ويعول
عليها (1). (1) ذكر نحوه في الفهرست (ص 81 / ر 336). وذكره ابن النديم بكتابه في
فهرسته، كما تقدم، وابن شهرآشوب، وغيرهم. وهو كتاب مشهور بين الفريقين، كما أشار
إليه ابن النديم على ما تقدم. ثم إنه لم نجد خلافا في كنيته. (2) وبهذا الأسناد
ذكره الشيخ في الفهرست. إلا أنه بعد قوله: وعثمان بن
________________________________________
(1) - الغيبة للنعماني (عليهم السلام) ص 101 و 102. (*)
________________________________________
[ 187 ]
[... ] عيسى، قال: عن أبان بن أبي عياش، عنه...، إلخ. قلت: فهنا طريقان
إلى كتابه. أحدهما: عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم، عنه. ثانيهما: عن عثمان بن عيسى،
عن أبان، عنه. بل ظاهر الفهرست أن حماد بن عيسى رواه تارة عن أبان، عنه، واخرى عن
إبراهيم، عنه. ولعله سقط أيضا من نسخ المتن. ثم إن ظاهر النجاشي والشيخ رواية
إبراهيم عن سليم. فلا ينافي ذلك عد الأصحاب إبراهيم بن عمر من أصحاب الباقرين
والكاظم (عليهم السلام)، وممن روى عن أبان بن أبي عياش أيضا. فدعوى توسط أبان في
الطريقين، وسقوطه من نسخ الكتابين، في غير محلها، بعد إمكان الرواية عنه بلا واسطة.
كما في رواية الكليني في الكافي، باب أن الأئمة (عليهم السلام) شهداء، عن علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم، عن أمير
المؤمنين (1) (عليه السلام). وبهذا الأسناد عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عثمان،
عن سليم، في كتاب الروضة (2). والظاهر أن عثمان مصحف عمر، فلاحظ. قلت: وما ذكره ابن
النديم من أن كتاب سليم لم يروه إلا أبان، فلا يحتج
________________________________________
(1) - الكافي: ج 1 / ص 158 / ح 7. (2) - الكافي: ج 8 / ص 58 / ح 21. (*)
________________________________________
[ 188 ]
[... ] به. ولعله إجتهاد منه مما ذكره في حديث وفاته، فلاحظ وتأمل. وفي
الطريقين إشكال بمحمد بن علي الصيرفي الذي يأتي تضعيفه في ترجمته (ر 897)، ولكن
رواه ابن الوليد شيخ القميين وفقيههم ومتقدمهم، وكان ثقة ثقة، عينا، مسكونا إليه،
كما يأتي في ترجمته (ر 1045). وقال الشيخ في الفهرست: عارف بالرجال، موثوق به.
وظاهر الأصحاب تحرزه عن الضعاف وعن رواياتهم. وقد استثنى ابن الوليد جماعة أو
روايات خاصة منهم بضعفهم، أو بروايتهم عمن لا يوثق به، بل استثنى من كتب علي بن
إبراهيم الجليل حديثا واحدا من كتاب الشرائع، وقال: لا أرويه، على ما ذكره الشيخ
(رحمه الله) في ترجمته في الفهرست (ص 89 / ر 370). وقد ذكرنا في فوائدنا في (قواعد
الرجال) جملة من شواهد تحرزه (رحمه الله) عن أمثال ذلك. فرواية ابن الوليد هذا
الكتاب عن طريق الصيرفي تشير إلى نوع من الأعتماد منه (رحمه الله)، إلا أن يقال: إن
ثبوت الكتاب عنده ولو بطرق اخر لا يلازم صحة هذا الطريق. بقي في المقام إشكال في
طريق الشيخ وغيره إلى أبان بن أبي عياش، عن سليم. وذلك لتضعيف غير واحد من أصحابنا
والجمهور، أبان بن أبي عياش فيروز. وقيل: دينار الزاهد أبا إسماعيل البصري التابعي.
فقد عد في أصحاب على بن الحسين (عليهما السلام)، كما في رجال البرقي (1)، ورجال
الشيخ (ص 83 / ر 10)، وزاد اسمه: فيروز، وفي أصحاب الباقر (عليه السلام)، كما في
البرقي، ورجال الشيخ (ص 106 / ر 36)، وزاد: تابعي ضعيف. وفي أصحاب الصادق (عليه
السلام)،
________________________________________
(1) - كتاب الرجال للبرقي: ص 9. (*)
________________________________________
[ 189 ]
[... ] كما في رجال الشيخ (ص 152 / ر 190)، وقال: البصري تابعي. قلت: لا
يبعد كون قوله في أصحاب الباقر (عليه السلام): تابعي ضعيف، مصحف تابعي صغير، كما
يظهر من العامة، مدعيا إنه ليس من كبار التابعين. ويظهر ممن ضعفه من العامة أن أبان
بن أبي عياش كان من العباد، فلعل التضعيف كان من جهة المذهب. قال ابن حبان: كان
أبان من الذي يسهر الليل بالقيام، ذكره الذهبي في ميزان الأعتدال بعد ذكر اسمه:
فيروز، قال: وقيل: دينار الزاهد أبو إسماعيل البصري، أحد الضعفاء، وهو تابعي صغير،
يحمل عن أنس وغيره. وهو من موالي عبد القيس...، إلخ. ثم ذكر عن جماعة تضعيفه (1).
وحكى ابن سعد في الطبقات تضعيفه عن بعضهم (2). وحكى العلامة الحلي في الخلاصة، عن
علي بن أحمد العقيقي، أن سليم كان سبب معرفة أبان لهذا الأمر. وعن ابن الغضائري
تضعيفه وحكاية نسبة وضع كتاب سليم إليه، ثم توقف فيه لأجل تضعيف الشيخ وابن
الغضائري (3). قلت: أما تضعيف العامة لأبان فلا يوجب وهنا فيه، بعد ما كان أبان
عاميا، ثم استبصر، فقد يضعف مثله بما لا يضعف به سائر الشيعة. وسيما أن أبان هو
الذي لجأ إليه سليم، وهو الراوي لكتابه والناشر لحديثه. وكأن أكثر تضعيفات العامة
لأبان عولا على شعبة. فقد أكثر الوقيعة في
________________________________________
(1) - ميزان الأعتدال: ج 1 / ص 10 و 12 / ر 15. (2) - الطبقات الكبرى: ج
7 / ص 254. (3) - خلاصة الأقوال: ص 206 / ر 3. (*)
________________________________________
[ 190 ]
[... ] أبان، وتبعه غيره. قال معاذ: قلت لشعبة: أرأيت وقيعتك في أبان،
تبين لك أو غير ذلك ؟ فقال: ظن يشبه اليقين. ذكره الذهبي في ميزان الأعتدال، وذكر
حكايات القوم تضعيف شعبة. وقال: روى ابن إدريس وغيره عن شعبة قال: لأن يزني الرجل
خير من أن يروى عن أبان. إلى آخر ما ذكره هناك (1). قلت: وملخص ما قالوا عن شعبة
وغيره، في تضعيفه امور: أحدها: منامات ذكروها، وأنهم رأوا النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) في المنام بما يدل على ضعفه. ثانيها: رواية أبان عن أنس بن مالك.
ثالثها: رواية المناكير، وعد منها روايات في فضل أهل البيت (عليهم السلام). وإن شئت
فلاحظ ميزان الأعتدال للذهبي وغيره. والأمر في ذلك كله واضح، وهل هو إلا العناد ؟ !
وأما تضعيف الشيخ فقد عرفت الكلام فيه باحتمال كون كلمة تابعي ضعيف، مصحف تابعي
صغير، كما ذكر في كلام القوم. وأما تضعيف ابن الغضائري فمع الغض عن الكلام المعروف
في تضعيفاته، أنه يرجع إلى كتابه، وسيأتي الكلام فيه. هذا مع أن كتاب سليم رواه غير
أبان، عنه، كما أشرنا إليه. وقد روى المشايخ أحاديثه في كتبهم بطرقهم. وإنما ناقش
مثل ابن الغضائري وغيره في كتابه باشتماله على ما لا يصح الألتزام به، وسيأتي
الكلام فيه.
________________________________________
(1) - ميزان الأعتدال: ج 1 / ص 10 - 15 / ر 15 و 16. (*)
________________________________________
(Dokumen-ABNS)
Posting Komentar